وما هي مكانتهم عنده عليه الصلاة والسلام؟
وكيف كانت رحمته بهم؟
وما هي الأحكام الخاصة بالطفل؟
إجابة هذه التساؤلات تجدها في ثنايا هذا الدرس.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ معلم البشرية وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية.
صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل المؤيد بجبريل، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، شكر الله لعميد هذه الكلية وللأساتذة الكرام، ولكم أيها الحضور.
وعنوان هذه المحاضرة: (الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال) وإذا كان الحديث عن محمد عليه الصلاة والسلام فإنه حديث جميل، وإذا كان المجلس معه، فإنه مجلس أنس وبركة.
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا |
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرف نلام وما علينا |
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا |
لكننا سنأخذ جانباً واحداً من حياته العظيمة عليه الصلاة والسلام، وهو جانب "الطفل" كيف كان يربي الطفل، كيف كان يحنو على الطفل، وكيف غرس في الطفل الإيمان:
يا طفل غرد في تبسم أحمد وابسم ضياء جبينه المتلالي |
واسعد برؤية خير من وطئ الثرى راعي اليتامى قائد الأبطال |
يا طفل في قلب الرسول مكانة لك قد حباها سيد الأجيال |
دينٌ حوى نهج التكامل والوفا للشيب والفتيات والأطفال |
وعناصر هذه المحاضرة:
العنصر الأول: مكانة الطفل في قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
العنصر الثاني: تربيته عليه الصلاة والسلام للأطفال.
العنصر الثالث: رحمته بالأطفال عليه الصلاة والسلام.
العنصر الرابع: من أحكام الأطفال.
العنصر الخامس: الأطفال الكبار، أهل الاهتمامات العالية السامية المرتفعة التي غرسها محمد عليه الصلاة والسلام.
فقد كان للطفل في قلبه مكانة وأي مكانة! ألبسه عليه الصلاة والسلام حلة التقوى، وحنك الأطفال بيده صلى الله عليه وسلم، وأرضعهم التوحيد، وجعلهم عليه الصلاة والسلام يشرقون على نور لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينشأ الطفل في عهده عليه الصلاة والسلام وأكبر قضاياه في الحياة أن ينصر دين الله، وأن يرفع كلمة لا إله إلا الله، وأن يسجد جبينه لله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
ووجد الطفل في الرسول عليه الصلاة والسلام الكف الحانية، والدمعة المؤثرة، والبسمة الرقيقة، والدعابة الحية، ووجد الطفل في الرسول عليه الصلاة والسلام الأب المربي، والشيخ الجليل، والمعلم النبيل، فكان أطفال الصحابة ينهجون نهجه عليه الصلاة والسلام في حركاته وسكناته، إنه مؤثر جد مؤثر، يقول تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] عجيب أمره عليه الصلاة والسلام.
ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء |
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا |
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا |
ما أجمل العبارة؟ يوم أتت بك أمك تبكي، عجباً وأنت خرجت من الضيق إلى السعة، وأنت خرجت من حياة ضيقة -في مفهوم الناس- إلى حياة أوسع، إلى الدور والقصور والماء والهواء، لكنك خرجت تبكي.
ولدتك أمك باكياً مستصرخاً والناس حولك يضحكون سرورا |
يستبشرون بقدومك ويهنئون أباك ويبشرونه، فيقول الأول:
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا |
فتتحول الحال ويبكون عليك إذا فارقت الحياة.
وقال الثاني: وقد ذكره العلماء:
ويكفيك من ضيق الحياة وبؤسها دليلاً بكاء الطفل ساعة يولد |
وإلا فما يبكيه منها وإنه لفي بطن أمٍ كان في العيش يسعد |
ما له يبكي؟
ليس إلا ألأنه وجد بطن الأم عنده أحسن، يوم نزل إلى دنيا الطاغوت والظلم والبعد عن الله إلا من اهتدى بهدى محمد عليه الصلاة والسلام، وقال أبو العتاهية:
أذان الطفل في الميلاد دوماً وتأخير الصلاة إلى الممات |
دليل أن محياه قليل كما بين الإقامة والصلاة |
ويولد الطفل على التوحيد، على كلمة لا إله إلا الله، فما من طفل في العالم إلا ويولد وفي قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، أول ما يقع رأسه على الأرض، يقع على العقيدة الحية، وعلى الرسالة الخالدة، يقع موحداً مؤمناً على الفطرة، قال تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم:30] لا يولد شيعياً ولا علمانياً ولا يهودياً ولا نصرانياً، ولكن يولد الطفل حنيفاً مسلماً، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} إذاً فهو مسلم، أول ما يولد الطفل أو الطفلة على هذا الدين الحنيف الذي أتى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو دين الأنبياء والرسل عليهم صلاة الله وسلامه، فإذا وقع الطفل في الأرض كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يؤذن في أذنه، والحديث في الأذان في أذن الطفل سنده حسن عند أبي داود وغيره.
أذن الرسول عليه الصلاة والسلام في أذن الحسن، ابن بنته وسبطه عليه الصلاة والسلام، فينادي في أذنه بالنداء الخالد، هذا الذي نعلنه كل يوم خمس مرات من على منائرنا، مبادؤنا تعلن واضحة جلية جهاراً نهاراً من على المأذنة، كل يوم خمس مرات يقول في أذنه: الله أكبر الله.. أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله... أشهد أن محمداً رسول الله... حيا على الصلاة.. حيا على الصلاة... حيا على الفلاح... حيا على الفلاح.. الله أكبر.. الله أكبر... لا إله إلا الله.
هل سمعتم كلاماً أجمل من هذا، هل سمعتم رسالة وتعليماً أروع من هذا؟!
قال أهل العلم: إنما أذن عليه الصلاة والسلام في أذنه لمقاصد.
منها: أن يلهمه الله التوحيد وأن يكون على الفطرة.
منها: أن الأذان إعلان للإسلام.
منها: أن الأذان يطرد الشيطان، وفي السنة إذا أحسست بوجود جن أن تؤذن فإنهم يهربون من الأذان، كما صح ذلك عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام.
أما الإقامة فحديثها ضعيف، ولكن يكفي الأذان الذي يخترق الأذن ليصل إلى القلب، فيغرس أشجاراً من الإيمان واليقين والإخلاص، وطفل ينزل من بطن أمه فيتلقى بالأذان طفل سعيد في الحقيقة، وطفل طيب الأعراق، وطيب الأصل والمنشأ بإذن الله.
أما الطفل الذي يستقبل بالموسيقا، أو يستقبل بالهتاف الماجن، أو بألعوبات سخيفة، أو بالهوايات الماجنة التي رمي بها أطفالنا، كان الطفل في عهده عليه الصلاة والسلام يربى على حب العقيدة، على أن يبذل روحه رخيصة في سبيل الله، على أن يشتري جنة عرضها السموات والأرض بميثاق من الله، فأتت التربية السخيفة فجعلت من الطفل إذا قوبل قال: هوايته جمع الطوابع، والمراسلة، وصيد الحمام.
عجباً لهؤلاء الأطفال مالهم صدوا عن الفطرة! أهكذا تربية أسامة وابن عباس وابن عمر، الذين امتطوا صهوة التاريخ, ونطقوا على لسان الزمن بلا إله إلا الله محمد رسول الله؟!
كانت المرأة المسلمة إذا أنجبت طفلاً بعثت به إلى معلم الخير في لفائف، ليكون أول ما يباشر بطنه ريق محمد عليه الصلاة والسلام، الريق المبارك الصافي، والريق الطيب، فيأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام الطفل بحنان وبرحمة فيقربه منه، ثم يأخذ تمرة فيمضغها في فمه الشريف، ثم يعطيها الطفل ويسمي ويدعو الله له بالهداية، والصلاح والاستقامة.
قال أنس كما في الصحيح: [[ولدت
هل تدرون أين كان الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة؟
أكان في قصر!!
أم في دار!!
أم في بستان!!
لا كان يطلي بيده الشريفة إبل الصدقة، أشرف من خلق الله، وأروع من صوَّر الله، وأفضل من أوجد الله، فسلَّمه الطفل، فأخذ عليه الصلاة والسلام تمرة فأعطاها الطفل، فأخذ الطفل يتلمظ التمرة بشغف وحب، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: {انظروا لحب الأنصار للتمر} يقول: حتى هذا المولود أشبه أباه، والأنصار أهل نخل وتمر، لا يرضى أحدهم إلا أن يستفتح نهاره بسبع تمرات، فأتى هذا الطفل مثل أبيه.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه |
نعم! الأنصار يحبون التمر، ويحبون المجد، ويحبون لا إله إلا الله، والأنصار استشهد منهم (80%).
قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، فهذا الابن أحب التمر كما أحبه أهله من قبل، فجعلها عليه الصلاة والسلام دعابة وأرسلها للتاريخ فكاهة.
ثم إذا حنكه عليه الصلاة والسلام برَّك عليه ودعا له، ثم رده إلى أمه فكانت هذه ساعة الميلاد التي هي من أحسن ساعات هذا الطفل في الحياة، أن يلتقي بمعلم الخير، وأن يمس بيده على جسده.
قال سعد بن أبي وقاص في حديث صحيح: {زارني النبي عليه الصلاة والسلام فوضع يده عليَّ فوالله لا أزال أجد برد يده إلى الآن} بعد ثلاثين سنة.
ألا إن وادي الجذع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا |
وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا |
قال ابن تيمية: إنما قال: همام؛ لأن الإنسان يهم بقلبه، والحارث دائماً يزاول بحركته، فجمع بين الاسمين عليه الصلاة والسلام، والعرب كانت تحب الأسماء القوية اللاذعة، ولذلك يسمون أبناءهم بأسماء الأسود.
أما رأيت إلى اسم حمزة ألا تدري ما معنى حمزة؟ إنه اسم للأسد، ولذلك كان حمزة بن عبد المطلب أسد، وللاسم دور في المسمى، وكان يسمى علي حيدرة، كانت أمه تلاعبه وهو طفل فيقع على رأسه في الأرض فيقع على جمجمته فلا يبكي لأنه نشأ على البطولة من صغره، نشأ محنكاً على الصراع، ونشأ قائداً عسكرياً منذ أول ليلة، فكان إذا وقع تقول:
نفسي فديت حيدرة كليث غابات كريه منظره |
وكان يقوله في معركة خيبر لما خرج له مرحب قائد الكفار من يهود خيبر خرج مرحب وبيده سيف، وهو يقول: من يبارز، من يبارز؟ ويرتجز:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الحروب أقبلت تلهب |
فقال عليه الصلاة والسلام: {اخرج يا
خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل |
فقال:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره |
ثم ذبحه كذبح الدجاجة.
وكذلك كان العرب يحبون التسمية بصخر، ولد لـعلي كما صح في الحديث ولده الحسن فسماه صخراً، فسماه عليه الصلاة والسلام حسناً، وولد له الحسين فسماه صخراً، فسماه حسيناً، وولد له محسن فسماه صخراً، فسماه عليه الصلاة والسلام محسناً.
العرب أمة شجاعة، من أسمائهم: حرب، وصخر، وأمية، وحيدرة، وحمزة، ونحو ذلك...، ولكن انحرفت التربية فيما بعد، فسموا الولد فيما بعد: دلال، فاختلط الولد بالبنت، فما يُدرى أهو ولد أو بنت، فأصبح دليلاً مدللاً في كلامه وخطواته، متكسراً في ألفاظه ولحظاته وسكناته وحركاته.
أو سموه اسماً لا طائل من ورائه، مثل: صنيهيت، لا فعل ماضي ولا فعل مضارع ولا اسم ولا حرف، وآخر سموه: شليبيح، آخر: جورج، وجورج اسم وثني مجرم، يسمى به أعداء الله، أو بوش، أو جرباتشوف، أو ما سار في مسارهم، أو اسماً لا معنى له، لا في العربية، ولا في الإنجليزية، مثل (نيو) رجل يقول: أحد الناس سمى ابنه (نيو) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ما معنى نيو؟ وهل هو حرف أو اسم.
وكذلك التسمي بأسماء تغضب المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، كعبد الكعبة وعبد الشمس وعبد النبي وهذا تعبيد لغير الله عز وجل.
تكاثرت الضباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد |
الاسم في منهجه عليه الصلاة والسلام يكون معبداً لله، وأخنع الأسماء يوم القيامة، رجل تسمى بملك الملوك، لا ملك إلا الله، مثل شاهنشاه، أو ملك الأملاك، أو سلطان السلاطين، أو قاضي القضاة، أو نحو ذلك، وتفصيل هذا في مكان آخر، وسمى عليه الصلاة والسلام بعض أبنائه بأسماء الأنبياء، أتاه إبراهيم فسماه بإبراهيم الخليل عليه السلام، وكان بينه وبين إبراهيم خيط من النور، وكان أشبه الناس بإبراهيم: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ [آل عمران:68] وسمى ابناً لـأبي موسى الأشعري بإبراهيم.
وكان يغير الأسماء عليه الصلاة والسلام، غير اسم غاوي إلى راشد، وظالم إلى مقصد، وعاصية إلى جميلة، وغير برة إلى زينب، قال: تزكي نفسها، ونهى عن تسمية يسار، كما في سنن أبي داود بسند صحيح، ونجيح ورباح، لأنه يقال: أثم رباح؟ فيقولون: لا، وأثَمَّ نجيح؟ فيقولون: لا، أثم يسار؟ فيقولون: لا، هذه التسمية في معالمه عليه الصلاة والسلام، وهي من حقوق الطفل على أبيه كما قال عليه الصلاة والسلام، أن تحسن أدبه واسمه، فإنا ندعى يوم القيامة بأسمائنا وأسماء آبائنا.
ولذلك كان ينبغي على المسلمين أن يتكنوا بالكنى الجميلة التي كان يكني بها محمد أصحابه، كان يقول: يا أبا حفص يا أبا الحسن والكنية أمرها عجيب، قال الشاعر اليمني:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب |
كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدبا |
الكنية الحقة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام.
وأمر عليه الصلاة والسلام بالعقيقة عن الغلام كما في الصحيح شاتان، وعن الجارية شاة واحدة، وكان يكره عليه الصلاة والسلام العقوق، وصح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: {كل غلام مرتهن بعقيقته}.
فمن السنة أن تَذْبح شاتين اثنتين مكافأتين إذا ولد لك مولود ذكر وأما الأنثى فشاة واحدة، حكمة بالغة ومقصد نبيل، استبشاراً بهذا المولود، ولينشأ على بر وصدقة، ولتطعم جيرانك وإخوانك استبشاراً بنعمة الله، فإن الولد الصالح من أعظم النعم، قال زكريا عليه السلام: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89] فرزقه الله يحيى، والولد الصالح حياة، والولد الصالح أثر، واتصال لك بالنور، وخلود، والولد الصالح يدعو لك بعد الممات فيزيد في عملك الصالح صلاحاً وفي خيرك خيراً، وفي برك براً، والولد الصالح يدركك في الشيخوخة فيقيم من عضدك، ويقوي من ساعدك، ويكون لك نعم الأثر، والولد الصالح جناح، قال البخاري في الصحيح في كتاب الجهاد: (باب من طلب الولد للجهاد) ثم أتى بقصة سليمان الحبيب عليه السلام، لما قال: {لأطوفن الليلة على مائة امرأة -وفي لفظ- على سبعين، كلهن يلدن مجاهداً في سبيل الله} لكنه ما قال إن شاء الله فما ولدت إلا امرأة نصف ولد أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والولد الصالح من أعظم النعم إذا ولد على الفطرة، وأنشئ نشأة طيبة، فكان من شكر المنعم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن تعق عنه عقيقة، وأن تطعم جيرانك وأحبابك، وأن تستبشر بهذا الفتح العظيم الذي رزقك الله إياه؛ لأن العقم نقص، ولكن العقيم، كل العقيم من عقم عن العمل الصالح وأفلس في التقوى.
والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير |
أنت للطفل أبٌ في مهده عجباً من قلبك الفذ الكبير |
ما أوسع قلبك الكبير للأطفال! وما أوسع قلبك للجواري أن تحملهن! وما أرحمك حين تمازح الأطفال! إنه الخلود والعظمة، ولك أن تتحدث عن عظمته عليه الصلاة والسلام في جانب الطفل، في سنن النسائي عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه، قال: {صلينا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، إما صلاة الظهر، أو صلاة العصر، فتأخر عليه الصلاة والسلام في السجود} أتدرون ما السبب؟ الحسن بن علي ابن بنته، رأى الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً فارتحله، انظر إلى المنظر، رسول البشرية يسجد في الأرض عليه الصلاة والسلام فيرتحله طفل، فيمكث عليه الصلاة والسلام ولا يقوم من السجود، وبعد أن نزل الحسن قام عليه الصلاة والسلام، وصلى وسلم واعتذر من الناس، وقال: {يا أيها الناس لعلي تأخرت عليكم في سجودي، إن ابني هذا ارتحلني وأنا في الصلاة، فخشيت أن أرفع من السجود فأوذيه } أو كما قال عليه الصلاة والسلام، رواه النسائي بسند صحيح، فهل وجدتم رحمة كهذه، وحسن تعامل كهذا التعامل، طفل يرى الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً فيأتي ويرتحله ويصعد على ظهره والناس في السجود، فلا يؤذيه ولا ينتهره ولا يزجره، فكيف لا يحبه الأطفال؟!
إن بعض الأطفال اليوم إذا رأوا بعض الناس يخافون ويصيحون ويصيبهم الهلع والفزع، بعض الآباء لا يقبل أطفاله، وبعضهم إذا انتهر أطفاله أغمي على أحدهم، وإذا دخل عليه أبوه في البيت يقول بلسان حاله: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فتعال إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وتعال إلى دعابته وإلى سهولته ويسره، وقد جاء في الصحيحين: { أنه كان لـ
ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يصليك أو يتوجع |
قال الزنادقة: أهل الحديث لا يفهمون شيئاً يروون أحاديث لا معاني لها، قال ابن القاص الفقيه الشافعي: مثل ماذا يا أعداء الله؟ قالوا: مثل حديث، {يا
منها استحباب تكنية الصغير، وتكنية من لا ولد له، وتصغير الاسم في التحبب.
وملاعبة الأطفال، والأنس مع الطفل، وزيارة الطفل في بيت أهله للمصلحة.
ومنها أن اللعب المباح إذا كان لغرض شرعي صحيح فإنه يؤجر عليه العبد، ومنها جواز أخذ الطفل للطائر، وحبس الطيور في البيوت ولا بأس بها، ومنها ربط الخيط في رجل الطائر وأنه ليس من التعذيب، وغيرها من الفوائد، وهذا ليس مجال بحثنا.
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا |
أم المعاني التي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا |
أتته طفلة صغيرة اسمها أم خالد يقولون في الصحيحين: كانت تأخذه جارية فتطوف به في سكك المدينة، لأنه سهل ميسر خلقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليكون قدوة للناس، فأتت أم خالد فوجد عليها قميصاً أصفر فقال: سنه سنه، هذا في البخاري في الصحيح، وسنه بلغة الحبشة أي: حسنة؛ لأنها عاشت مع أمها مع أهل الهجرة الأولى في الحبشة، فكانت هذه الطفلة تعرف كلمة سنه، فقال: سنه سنه أي: حسب هذا الثوب حسن، فاستأنست الطفلة وما نسيت هذه الكلمة، أتظن أن دعابة منه عليه الصلاة والسلام سهلة، أتظن أن بسمة منه يجود بها لإنسان سهل، لا والله بعض الناس اليوم يحفظ كلمة من بعض الزعماء أو السلاطين يقول: كلمني وقال لي مباشرة، فكيف لو كلمك محمد عليه الصلاة والسلام.
وعند أحمد بسند حسن، أن الرسول عليه الصلاة والسلام صف عبد الله، وعبيد الله، وكثير أبناء عمه العباس وهم ثلاثة صغار، بين كل واحد والثاني سنة، صفهم أمامه عليه الصلاة والسلام ثم ذهب صلى الله عليه وسلم وقال: {من يسبق إليَّ فله كذا وكذا} وهذا في المسند بسند حسن، فأخذوا يتسابقون فسبق أحدهم فأعطاه جائزة، سبحان الله! ربما قال قائل: لو قلنا له: افعل هذا مع أطفالك، لقال: وقتي ضيق، وهو ضيق بالترهات، ولو عرفت معاني التربية والخلود في سيرته عليه الصلاة والسلام، لأعطيتها هذه الساعة الثمينة، إن معنى المسابقة هذه، أن يغرس التوحيد في قلوبهم والإيمان والتربية الحسنة، وبمثل هذه الوسائل استطاع عليه الصلاة والسلام أن يصلح أمة الصحراء، أمة لا تعرف إلا الضب والجعلان، حتى جعلها أمة ربانية تتكلم بالوحي، وتنشد على منائر الدنيا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وجاء في صحيح مسلم عن أنس قال: {كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً} والله يقول عنه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً { قال: فأرسلني في حاجة، و
وأنس معروف بأنه خادم للرسول عليه الصلاة والسلام، مع أنه حر من الأنصار، ويوم هاجر عليه الصلاة والسلام، أتت أمه -أم سليم -فألبسته وطيبته، وقالت: يا رسول الله، أنس أحب الناس إلى قلبي، هو هدية يخدمك، ادع الله له يا رسول الله فقال: {اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه} فطال عمر أنس حتى قارب المائة، وقيل: بل زاد على المائة، وهو من أواخر الصحابة موتاً، ورزقه الله البنين حتى أنه يقول: [[دفنت من صلبي يوم قدم
{وثبت أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام كان يحمل
نسباً كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا |
وكانت فاطمة بنت قيس تأتيه عليه الصلاة والسلام تستفتيه، فيأخذ طفلها من يديها ويجلسه ليسمع السؤال قبل أن يفتي، ومرة أخذ الطفل فبال، فنضح بوله عليه الصلاة والسلام، أي خلق! وأي تواضع! وأي سماحة! قال جابر: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيناه إلى الطعام، فإذا
المعلم الأول من تربيته عليه الصلاة والسلام للأطفال، أنه رباهم على الإيمان.
الفائدة الأولى: أن بداية الأمر في السبع، لكنه أمر بلا ضرب، تأمره وتدعوه وتحفزه وتحبب إليه المسجد والصلاة.
الفائدة الثانية: أن بداية التعزير العاشرة، إذا ترك الصلاة في العاشرة فهو دليل على تهاونه، فقد أدرك وأبصر وعرف، فخذه بالشدة إذا خالف أمر الله.
الفائدة الثالثة: إذا بلغوا العاشرة فرق بينهم في المضاجع؛ لأن من العلماء من عاد الضمير (وفرقوا بينهم) إذا وصلوا العاشرة، ومنهم من قال: في السابعة، ومن احتاط في السابعة فهو أحسن، ألا ينام الأطفال ذكوراً مع الذكور، ولا أولاداً مع الأولاد، وبعضهم يأخذ العموم في الأصناف، فيجعلها أربعه أقسام، فيقول: لا ذكران مع ذكران، ولا بنات مع بنات، ولا أبناء مع بنات، فإن هذا يؤدي عند النوم إلى مفاسد نبه عليها الشارع، ومن لم يعتبر بذلك وينتهي عن هذه الفعلة فسوف يقع في محاذير.
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل على المائدة ومعه غلام اسمه: عمر بن أبي سلمة، فلما دنا أخذت يده تطيش في الصحفة، فجمع له النبي صلى الله عليه وسلم له الأدب في جملة قصيرة، وقال: {يا غلام! سمِّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك} أي قل: بسم الله لتبدأ أكلك، وعند لبس اللباس، وشرب الشراب، وعند الجماع، ودخول البيت ودخول المسجد، وعند الأمور المحمودة: سمِّ الله. وكل بيمينك، أي: لا تأكل بيسارك إلا لعذر شرعي، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله}.
دين يعلم الإنسان حتى آداب الأكل، وآداب الاستجمار , والطهارة، وآداب كل جزئية من جزيئات الحياة، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فمن لم يرض بدينه فلا أرضاه الله، ومن لم يكتف بمنهجه فلا كفاه الله، ومن لم يستشف برسالته فلا شافاه الله.
يقول أحد علماء السلف: من ظن أنه سيهتدي بهدى غير الهدى الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وعند النسائي والترمذي بسند فيه ضعف يقول عليه الصلاة والسلام لـأنس: {يا بني إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة} لأن أنساً كان طفلاً، وربما كان يلتفت، فقال: يا بني، وهذا تحبيب، أما رأيت لقمان عليه السلام يوم أوصى ابنه ماذا قال؟ قال: يا بني! وتستخدم لغير الابن فيقال تحبيباً: يا بني، وإبراهيم لما دعى أباه قال: يا أبتي! فكررها أربع مرات في سورة مريم.
وصح عند البخاري والدارمي {أنه عليه الصلاة والسلام كان يمر بالصبيان كي يسلم عليهم، يقول: السلام عليكم ورحمة الله} وهذا من التواضع العظيم، لأن المتكبر لا يسلم على الأطفال، ولا يسلم على الناس، بل ينتظر من يسلم عليه، والمتكبر أبخل الناس بالسلام، لكن من العجيب أن يأتيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من حيث لا يحتسب، يريد العلو فيقول الله له: اخسأ فلن تعدو قدرك {يحشر المتكبرون يوم القيامة على هيئة الذر يطأهم الناس بأقدامهم} وهو حديث صحيح، المتكبر بخيل، يعطيك رءوس أصابعه في المصافحة، يبخل ببسمة على وجهك، ويبخل بالسلام عليك.
وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً على النار |
هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار |
ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري |
تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري |
من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري |
كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم |
تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم |
فدخل وتناوم ابن عباس وما نام، لكن يريد أن يرى ماذا يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام من عبادة الليل، لأنه رآه في النهار، ويريد أن يراه في الليل:
نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك |
فدخل عليه الصلاة والسلام، ولفظ البخاري قال: {نام الغليم؟} قالت ميمونة: نام، قال أهل العلم: فيه دليل على أن من أخبر بظنه فليس بكاذب، فإنه ما نام، لكن رأته وظنت أنه نام، قال: فذكر صلى الله عليه وسلم ربه ثم نام، حتى سمعت غطيطه، ثم قام إلى الماء فقضى حاجته، فقربت له ماء، فقال: من وضع لي الماء؟ فلما علم أنه أنا قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} هذه من أحسن الليالي ولنا عودة، ولكن الشاهد: فتوضأ ابن عباس فقام عن يسار الرسول عليه الصلاة والسلام، والسنة أن المأموم الواحد يقف على يمين الإمام، فأرسل عليه الصلاة والسلام يده في النافلة في الليل إلى أذن ابن عباس، أرسلها على الأذن لا على الكتف، قال ابن حجر: وفيه أنه لا بأس بفرك الأذن للطفل للتعليم، لكنه بغير إيذاء؛ لأن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، فرك لا يؤذي ولا ينزل الدم، ثم جعله عليه الصلاة والسلام عن يمينه ولـابن عباس محفوظات في تلك الليلة حفظها من أول مرة، منها الدعاء العظيم: {اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك} هذه ليلة ابن عباس وهي تربية خالدة.
مر عليه الصلاة والسلام -والحديث في البخاري - فوجد ابن عمر في السوق، فأخذ بكتفه، وقال: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} هذه وصية ما نسيها ابن عمر حتى مات.
يعطونه الخلافة، فتذكر حديث {كن في الدنيا كأنك غريب} يقدمون له الذهب والفضة فتذكر حديث {كن في الدنيا كأنك غريب} يسجد عند المقام ويبكي وهو في السجود ويقول: [[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة إلا من مخافتك يا رب العالمين]]
وفي البخاري وغيره: مر عليه الصلاة والسلام، فوجد الحسن يأكل من تمر الصدقة وبنو هاشم محرمة عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس وهم أطهار، قلوبهم طاهرة وبطونهم طاهرة، فـالحسن طفل صغير، فاقترب من التمر وأخذ تمرة يمضغها، فقال صلى الله عليه وسلم: {كخٍ.. كخٍ.. أما تدري أنا لا نأكل الصدقة، أما تدري أنها لا تحل لنا الصدقة} وكخٍ.. كخٍ.. ضبطت بخمسة ألفاظ، وهذا لفظ تستخدمه العرب زجراً للطفل عن عمل شيء ما يريد أن يعمله، فأخرج التمرة وهي ممضوغة من فمه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إنها أوساخ الناس} يريد أن ينشأ باطنه طاهراً، أطب مطعمك تستجب دعوتك.
فقد سُئل ابن تيمية عن: الفضيل بن عياض أن ابنه مات فضحك، والرسول عليه الصلاة والسلام مات ابنه فبكى، فمن الأكمل: هل هو الضحك وقت موت الطفل أو البكاء؟
قال ابن تيمية: الحمد لله -ثم أتى بجواب ما سمع الناس بمثله- قال: الفضيل بن عياض ما اتسع قلبه لوارد الرضا من قدر الله ولوارد الرحمة على موت ابنه فما استطاع إلا بالصبر والرضا فضحك، والرسول عليه الصلاة والسلام رضي وصبر ورحم فبكى رحمة، ودمعت عيناه وحزن قلبه رحمة، ورضي وسلم، وهذا جواب سديد.
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا |
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا |
وفي البخاري ومسلم أن الأقرع بن حابس، وهو صنديد من صناديد بني تميم، لا يعرف تقبيل الأطفال، بل يعرف السيف والناقة والحرب والقتال، فقال للنبي حين قبل ولده الحسن تقبلون الأطفال عندكم؟ قال: نعم، قال: والله إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم! - كان يظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول شكراً لك- قال: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، أي: ما دام أن الله نزع الرحمة من قلبك فماذا أملك أنا.
تقبيل الأطفال رحمة، وكان يفعله صلى الله عليه وسلم كثيراً، وهذا من قربه صلى الله عليه وسلم من القلوب، وصح عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري أنه قال: (إني لأدخل في صلاتي فأتجوز فيها مما أسمع من بكاء الطفل خشية أن أشق على أمه) يدخل في الصلاة فيريد إطالة الصلاة فيسمع في الصفوف الأخيرة بكاء الطفل، وأمه تحترق عليه أسفاً ورحمة فيتجوز بالصلاة رحمة بالطفل وبأمه، عليه الصلاة والسلام.
وعند الترمذي وابن حبان، أنه صلى الله عليه وسلم رفع الحسن والحسين قال: (هذان ريحانتاي من الدنيا، اللهم أحب من يحبهما) فاللهم إنا نحب الحسن والحسين بحب محمد عليه الصلاة والسلام، يقول ابن تيمية في مقتل الحسين، قال: ومقتله من أعظم المصائب على المسلمين، وعلى المسلم إذا تذكر تلك المصيبة أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا يعرف حب الحسين إلا نحن، نحبه في الله، لأنه من عباد الله ومن أوليائه، ولقرابته بالرسول عليه الصلاة والسلام، يوم قتلوا الحسين، بعض قتلة الحسين يقولون: الله أكبر.. الله أكبر.. قتلنا الحسين، فيقول أحد الأولياء:
جاءوا برأسك يا بن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلا |
ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا |
يكبرون والتكبير خرج من صدرك، يكبرون والتكبير أتى من لسانك، يكبرون على أعظم المصائب، وهذا استطراد.
وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة، قال: (صلى بنا صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي -قيل العصر وقيل الظهر، والواضح أنها الظهر- فحمل
على كل حال إذا أكل الطفل الطعام غسل غسلاً من بوله، أما الجارية قبل أن تأكل الطعام وبعد أن تأكل الطعام فيغسل غسلاً.
في صحيح البخاري أن عمر بن سلمة أم قومه وعمره ست سنوات، لكن أطفالهم كانت عقولهم كبيرة، بعض الأطفال في هذه الأيام يبلغ العشرين وهو سفيه، ويبلغ الثلاثين وهو سفيه، ويبلغ الأربعين ولا عقل له، مستهتر بدين الله وبشرائعه، وليس العمر بالسن، لكنه بالعقل والفهم عن الله عز وجل.
دخل الناس يبايعون عمر بن عبد العزيز، وفيهم طفل صغير، فسلم وأراد أن يتكلم، قال عمر بن عبد العزيز: دونك يا غلام ففيهم من هو أكبر منك! فقال: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمر بالسن كان في المسلمين من هو أولى منك بالخلافة؟
هل رأيت رداً أحسن من هذا، يقول: أنت عمرك ثمانية وثلاثون، وفي المسلمين من عمره مائة، ومائة وعشرون سنة وما تولى الخلافة، كنا زحزحناك عن الخلافة ووضعنا من هو أكبر منك، عن عمر:
تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل |
المرء لا يولد عالماً، وجاء في البخاري وإنما العلم بالتعلم، وتعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الكبر، هذا في باب العلم، وهذا فيه رد على ديكارت وكانت الكلاب الذين يقولون: سن الكبر لا يصلح للعلم حتى ضيعوا علينا التعليم، نقول للإنسان: تعلم، يقول: أنا في الأربعين لا أتعلم، لأن سن الحفظ ذهب مني، أبو بكر تعلم وهو شيخ، وعمر تعلم وهو في شيخوخة وكبر، وأصبحوا علماء الدنيا.
وهنا مسألة أخرى وهي: متى يجاهد المسلم، ومتى يحمل السلاح؟
بين أهل العلم خلاف، ولكن الإمام أحمد يراه في الخامسة عشرة، للحديث الذي في الصحيحين قال ابن عمر: {عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، وعرضت عليه يوم الخندق وعمري خمس عشرة سنة فأجازني} والعجيب أن بينها سنتان؛ لأن أحد في الثالثة والخندق في الخامسة، فكيف يقول أربعة عشر وخمسة عشر، قالوا: جبر كسراً أو حذف كسراً.
قال سمرة بن جندب: [[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الأطفال للجهاد -يريد أن يرى من هو القوي منهم فيقبله- قال: فعرضت عليه فردني]] فبكى سمرة -لا إله إلا الله- بعض المقاتلين اليوم من العرب، يحملونهم اليوم بالسلاسل ويتخاورون يبكون إذا ذهبوا إلى الجبهات، والأطفال من الأنصار يبكون لأنه ردهم عليه الصلاة والسلام، فلما رد سمرة، وقبل رافع بن خديج، قلت: {يا رسول الله! تقبل
وأما سن الرواية والتحمل فيختلف باختلاف الأشخاص يقول موسى بن هارون أحد المحدثين: إذا فرق بين الدابة والحمار، وبعضهم قال: إذا ميز الخير من الشر، وهذا أمر نسبي أن يميز الخير من الشر، وبعض الحمقى يميز الخير من الشر، حتى يقول ابن تيمية: ليس الذكي الفطن الذي يعرف الخير من الشر، فجل الناس يعرفونه، لكن الذكي الفطن من يعرف خير الخيرين وشر الشرين، هذا الذكي الفطن، وقال بعضهم: في الخامسة لأن الحسن حفظ حديث {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك} في الخامسة، ولا يهمنا هذا، لأن الطفل إذا ميز وأصبح عاقلاً ويدرك ما يقال له، أصبح مستعداً للتحمل في السادسة أو في السابعة.
أطفال نعيش معهم في التاريخ لكنهم كبار، كبار في إيمانهم، وكبار في مقاصدهم، وفي منهجهم وحياتهم، يعيشون بأجسام أطفال لكنهم كبار في معتقداتهم وطموحاتهم ومقاصدهم، واليوم عندنا كبار في السن لكنهم أطفال في نواياهم، ولعلي عرضت هذا كثيراً وكررته ولكن معذرة إلى ربكم، يلقى أحياناً في بعض الجرائد والمجلات مقابله مع الأطفال، فيقول الطفل: هوايته المراسلة، متى كان أحفاد أسامة ومعاذ وأبي هوايتهم المراسلة، متى كانت هوايتهم جمع الطوابع؟! متى كانت هوايتهم صيد الحمام ومطاردة الدجاج؟!
ما كانت هوايتهم إلا رفع لا إله إلا الله، وتقديم أرواحهم في سبيل الله، فأصبح العالم منكوساً بالتربية الضحلة السخيفة، ومغن آخر شب على جمع الطوابع والمراسلة، فلما أصبح في الأربعين ألقوا معه مقابلة، قالوا: كيف شققت طريقك في الحياة؟
يقول رجل مثله، قال: بدأت من الصفر، هذا المغني بدأ من الصفر وهو ينزل تحت الصفر، قال: وصابرت واحتسبت وثابرت حتى وصلت إلى هذا المستوى، مستوى والله لا تحمد ولا تشكر عليه، والموت خير منه، ولا يحسد عليه الإنسان.
ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان |
لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني |
فاللهم لا شماتة!
فالمغنون ما زالوا في دائرة الإسلام ما لم يكفروا بمكفر، ولكنهم مخطئون مذنبون وما زلنا ندعوهم، ونناديهم ونهتف بهم أن يعودوا إلى المسجد والقرآن والرسالة الخالدة، وإلى الدرس والمحاضرة؛ لأنهم أبناؤنا وإخواننا، فانظروا إلى ابن عباس في ليلة ميمونة -وقد مر معنا -يحفظ الحديث ويصلي، ويقدم الوضوء، ويحرص على الأذكار وهو في العاشرة أو دون ذلك، من يفعل من أطفالنا ذلك، إلا من رحم ربك.
ابن الزبير كان غلاماً عظيماً، مر عمر فهرب الأطفال ووقف ابن الزبير، قال عمر: [[لماذا لم تهرب؟ قال: ما ارتكبت ذنباً فأخاف منك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك]] هذه كلمات محفوظة يحتاج الطفل من أطفالنا شهراً، تكتبها له، ثم تحفظه إياها، ثم يرددها عليك ليقولها مباشرة: ما ارتكبت ذنباً فأخافك، وما كانت الطريق ضيقة فأوسع لك.
أما ورب الكعبة المعمورة وما تلا محمد من سورة |
والنغمات من أبي محذورة لأفعلن فعلةً مشكورة |
ويقولون في النظم الفقهي:
أذن ترسل وأقم محدورة فعل بلال وأبي محذورة |
أصبح مؤذناً وهو طفل في العاشرة أو ما يقاربها، وأصبح مباركاً، وبقي في الأذان كما عند بعض العلماء ثمانين سنة، وهو يرفع نداء الحق، ويدعو الناس إلى بيت الله عز وجل: عمر مديد طيب وطاهر.
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ دمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا |
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا |
كنا نقدم للسيوف رءوسنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا |
كان عمر محمد بن القاسم؟ سبع عشرة سنة، وتحته أكثر من مائة ألف من الجنود، وقال بعض العلماء: قاتل جيشاً عدده أكثر من ستمائة ألف، كتائب كالجبال ومحمد بن القاسم في السابعة عشرة من عمره، بعضهم الآن في الثلاثين يقول صغير، كلما ارتكب خطأ يقول: أنا صغير، يموت وهو صغير، لأنه صغير المبادئ والطموحات، والمستقبل هذا طاغوت مستكلب، يسمون المستقبل: تأمين ووظيفة ومنصب وسيارة وفلة، وهذا ليس مستقبل المسلم، مستقبل المسلم رضا الله، مستقبل المسلم الشهادة في سبيل الله، ومستقبله جنة عرضها السموات والأرض.
يأتى أعرابي من الصحراء ويقدم له الرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة، فقال: ما على هذا بايعتك! قال: {بايعتني على ماذا؟! قال: أن يأتيني سهم فيقع هنا ويخرج من هنا، قال: إن تصدق الله يصدقك} فقتل في سبيل الله، لأنه صدق الله عز وجل.
محمد بن القاسم يقول فيه الأول:
إن السماحة والنجابة والندى لـمحمد بن القاسم بن محمدِ |
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولدِ |
ما أقرب هذه الطفولة وما أقرب أنك فتحت فيها بلاداً وعمرتها بلا إله إلا الله! طفل دخل السند والهند، طفل رفع لا إله إلا الله، طفل، وحرق الأصنام، وداس الطاغوت، ورفع الحق في منائر الأرض، وفتح تلك البلاد التي ما كنا لنفتحها نحن.
طفح السرور عليّ حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني |
وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بقتلهم في سبيل الله، هذه هي الحياة التي يريدها محمد عليه الصلاة والسلام، يريد لهذا الطفل حياة وتوفيقاً ونجابة وسؤدداً.
نعم عاش عليه الصلاة والسلام مع الأطفال هذه المراحل، ونحن نقول كما بدأنا لكل طفل مسلم: إن كنت أيها الوالد ويا أيتها الأم، ويا أيها الطفل؛ تريدون الله والدار الآخرة فدونكم المبادئ، ودونكم الدستور الخالد، والرسالة الرائدة، والتعاليم الربانية، أنشئوهم على لا إله إلا الله، لقنوهم لا إله إلا الله، علموهم الرسالة والسنة في القيام والقعود والنوم والأكل والشراب واليقظة وكل شئون الحياة، لأنكم أنتم المسئولون أمام الله عنهم:
يا طفل غرد في تبسم أحمد وارسم ضياء جبينه المتلالي |
واسعد برؤية خير من وطئ الثرى راعي اليتامى قائد الأبطال |
يا طفل في قلب الرسول مكانة لك قد حباها سيد الأجيال |
ديناً حوى نهج التكامل والوفا للشيب والفتيان والأطفال |
وبهذه الأبيات ننهي هذا الدرس، مع شكري لكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
.
الجواب: إذا فقد التمر فله أن يحنك بريقه وهذا التحنيك يطلب من الصالحين، لما يرجى من آثارهم الطيبة وهم أحياء، بشرط أن يكونوا من أولياء الله عز وجل، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] وهم الصالحون والمصلون والصائمون والعابدون والصادقون والذاكرون، فإنه لا يعرف الصلاح بالعمائم المكورة ولا بالعكازات ولا بالجبب، الصلاح بالعمل الصالح، وبتقوى الله، وبالسير على منهج رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن وجد تمراً فبها ونعمت، وإلا فبريقه أو بشيء من حلوى أو سكر أو عسل أو نحوه، إنما المقصود أن يحنك الطفل بآثار من أثر رجل صالح يخاف الله، لأنه وقعت طلسمة في هذا الباب، مزج بين الصالح والطالح، والسني والبدعي، والولي والمنحرف , فساروا في غبش، فعند كثير من الناس أصبح الإمام المعتبر والعالم السني مثل البدعي المخرف المشعوذ، وهذا من فساد الرؤية، ومن غبشها وانطماسها، فعلى المسلم أن يعرف أولياء الله، وهم يعرفون بالعمل والتقوى، ويعرفون بسمات الصالحين، ليس لهم إمام إلا محمد عليه الصلاة والسلام، وجماعتهم جماعة المسلمين، وبيتهم المسجد، وهم لا يريدون إلا وجهه:
{دعها فإن معها سقاءها وحذاءها، ترد الماء، وترعى الشجر حتى يلقاها ربها}.
الجواب: على كل حال خذ ما عند الأطفال وانقله على البنات؛ لأن الله عز وجل إذا ذكر الرجال فيدخل فيهم النساء قطعاً إلا ما استثنى في ذلك، وقد ذكر النساء في سور، بل خصص سورة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هي سورة النساء، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195] وهناك قاعدة ما ذكر فيها الرجال مما لا يختصون به فيدخل في عموم ذلك النساء، وإلا فالنداء أتى: (يا أيها الذين آمنوا) (يا أيها الناس) فيدخل في ذلك النساء، وورد التفصيل فقال: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وأما البنات فصحيح أن هناك أحاديث ربما لا يتسع المجال لذكرها، ولا لذكر الأطفال، لكن أتيت بجمل علها أن تكون منارات وأعلاماً على الطريق، وإلا فقد ورد: {فمن عال جاريتين، فهو رفيقي في الجنة} وفي رواية: {كانت له حجابة من النار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولكن أقول لك: خذ هذه الآداب وانقلها للبنات إلا ما اختص به الأبناء.
الجواب: الظاهر في ذلك أنه إذا كانا مسلمين فالحق للوالد؛ لأنه القيم في البيت والمسئول والراعي، وإذا كان الأب كافراً والأم مسلمة فللأم، وبالعكس للمسلم منهما أن يسمي، ولا يؤتى الكافر ولاية في التسمية على الطفل، أما إذا كانا مسلمين فللأب التسمية بشرط أن يكون هذا متبعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وصالحاً، أما إذا كان فاجراً منحرفاً، يخالف منهج الله في التسمية، فلا، وتقدم الأم في ذلك.
الجواب: حديث: {خير الأسماء ما عبد وحمد} هذا الحديث لا يصح عند أهل العلم، وهو حديث ضعيف باطل فلينتبه له، لا يصح من لفظه عليه الصلاة والسلام، ويصح الحديث الآخر: {أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها همام وحارث}.
وحديث: {الحجر الأسود من الجنة}: رواه أحمد بسند صحيح.
وحديث {إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها}: هذا يرويه الطبراني وصححه الألباني فيما صح من الأحاديث، والله أعلم إذا كان فيه شيء، لكن الألباني كفى به حجة في هذا الباب، ولو أنه ليس بمعصوم.
وحديث: {بيت لا تمر فيه جياع أهله}: يرويه مسلم وأحمد في الصحيح، مسلم في الصحيح عن عائشة.
وحديث: {زمزم طعام طعم وشفاء سقم}: أما (طعام طعم) كذا في هذه اللفظة فهو في صحيح مسلم، وأما (شفاء سقم) فهو عند أحمد والطبراني وسنده صحيح.
وحديث: {زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً}: يرويه الحاكم وابن حبان وهو صحيح على كل حال، وهذه عرضت في درس من دروس السبت، ولكن لأنها لم تسجل وما أعيدت كان لزاماً أن تعرض كما أرسلها الأخ في محاضرة كهذه.
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا |
الجواب: أما هذا البيت فأنا سمعته وحفظته في أمسية شعرية وما أعرف من قاله وزدت له بيتين، البيت يقول:
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا |
فقلت:
أم المعاني اللاوتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا |
لو ذاقها مدنف قامت حشاشته ولو رآها بعيد داره لسلا |
سبحان من يعفو ونهفو دائما
الجواب: أنا سمعتها من شريط مسجل للحضراني، وقد أجرى معه أهل كلية الشريعة مقابلة وقد توفي رحمه الله قبل سنوات، وملقي المقابلة الدكتور/ عبد الله المصلح، فسمعت القصيدة وهي رائعة في باب التوحيد اسمها الجوهرة رد بها على ابن دريد صاحب:
يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزام بين أشجار النقا |
إلى أن يقول:
والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا |
فيقول هذا اليمني:
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا |
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا |
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجا |
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى |
الجواب: السنة شاتان، ولا يغلبك البخل على شاة واحدة، فالدنيا فانية واستعن بالله، وتعوذ بالله من الشيطان، فإنه هو الذي يمسك على يدك، أسأل الله أن يفتح عليك وأن يجعلك كريماً، وأحسن من بحث ذلك ابن القيم في تحفة المودود، هل يشترك في عقيقة الإنسان سبعة؟ قال: لا، وهل ثلاثة؟ لا. السنة اثنتان ولا يزيد عليها، وشاة للبنت.
وهنا مسألة للفائدة: هل الأفضل أن تقسم للناس؟ أو أن يدعى لها الناس، قالوا: بحسب الملابسات والمصلحة، إن كان الفقراء لا يملكون طبخاً ولا ملحاً، فادعهم في بيتك أحسن، وإن كانوا يريدون في بيوتهم فقسمها.. وأنت أبصر.
الجواب: مبارك ورد صفة في القرآن وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31] لكنها صفة، وما أستطيع أن أقيس الحديث هذا، الله أعلم، في أبي داود: لا يقول أحدكم لغلامه رباحاً ولا يساراً ولا نجيحاً؛ لأنه يقال: أثم هو؟ فيقال: لا، فأما أن أقيسه فلا أستطيع؛ لأنه القياس سيطرد في اسم سعيد، وعلي وغيرها من الأسماء، فأنا أحجم عن هذا والله أعلم.
الجواب: لا بأس في ذلك إن شاء الله، لا أدري هل الرسول صلى الله عليه وسلم أذن في أول يوم، لكن أصل الأذان وارد وما دام تعذر في اليوم الأول فيؤذن حفظاً على السنة في اليوم الثاني أو الثالث وهكذا.
الجواب: عرض هذا السؤال مرات، وأقول: عندنا ثلاثة مواقف لأهل الدعوة لا بد أن يقفوها أمام هذه الورقة، وأمام أمثالها من المنشورات:
أولاً: هل صحيح ما هو موجود فيها، فإنه لابد أن نتثبت من هذه الأمور والواردات والنظريات التي تعم وتطم دائماً، هل هذا ثابت حقيقة؟ ويسأل عن هذا أهل التخصص، وقد تكلم مع أحد الأطباء المستقيمين في مستشفى عسير، وقد وعد أن يبحث المسألة بحثاً علمياً، لأن تخصصه في الحنجرة، ويأتي بخبر، وأعطِ القوس باريها، وأهل التخصص هم أجدر بذلك، فإنه أحياناً قد تكون الصورة الظل للأمر النير الواضح، وبالعكس.
الأمر الثاني: خلق الإنسان أعظم من هذه الكتابة التي في الحنجرة قال تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ما أدهشنا وما أقعدنا على ركبنا إلا هذه الكتابة، وأيدينا تتحرك بقدرة المحرك، وأعيننا تبصر، أما بقي علينا من الآيات المؤثرة إلا هذه الكتابة الجامدة المصورة في اللحم، وخلقنا أعظم؟ إنه خلق معجز والله، فلماذا لا نتفكر في الأصل ونعود عن المحتمل الذي لا ندري عن صحته وعن غلطه؟
الأمر الثالث: نخشى إن سلمنا كل شيء أن نسلم بالخطأ، فمثلاً: قدر أننا أتينا فسلمنا بلا إله إلا الله بأنها مكتوبة في الحنجرة، وغداً قد يأتينا ويقول: لا إله والحياة مادة، وسيقال لنا: مثل ما آمنتم بهذا آمنوا بهذا، ديننا ليس مجالاً للنظريات، ولذلك حذر العلماء أن يجعل القرآن والسنة مجالاً للنظريات، إذا اكتشفوا شيئاً قالوا: صدق، هذا القرآن يؤيده، وبعد شهر وإذا به يعلن أن النظرية خطأ، قالوا: في القرآن شيء، ليس الإسلام للنظريات، الإسلام ثابت وحق، كل شيء خاضع للقرآن والسنة، ونحن نبقى على الأصل ونقول: الحمد لله، ليس هناك زيادة ولا يأبه بها الإنسان وهذا أمر عادي.
أنا رأيت بعض العوام هللوا وكبروا في المسجد يوم رأوا الورقة، وهم يوم يتلى عليهم القرآن ويذكر لهم آيات الله في الكون صباح مساء في المسجد يهزون رءوسهم ويفكرون في التخطيط والخلطة والإسمنت.
الجواب: عبد رب الرسول أحسن من عبد الرسول، فإنه كان فيما يقال: عبد الرسول، فحوله إلى عبد رب الرسول، وهو وارد لا شك فيه والحمد لله، فرب الرسول هو الله، وسياف عبد لله.
الجواب: أورد ابن القيم مثل ذلك وبعض الأطباء، لكني لا أعرف أثراً في ذلك؛ لأن الخلاف بين أهل العلم في كلمة (يسمى) كأن يقول: همام وهو أحد الرواة في الصحيح، وقد كان ألتق، وأثرم، يقول: (يدمى) بدل (يسمى) فكانوا يدمون رأسه، حتى أهل الحديث قالوا: هذا خطأ ليس في الرواية (يدمى) إنما هي (يسمى) وعلى كل حال، إن ثبت في الشريعة فالأمر جائز وعلى العين والرأس، وإن كان من باب الطب فهو جيد.
أما تعليق التمائم فلا يجوز، لا من القرآن ولا من السنة، وهو من فعل المشركين وأهل الوثن، والمشعوذين والكهنة والعرافين، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من تعلق تميمة فلا أتم الله له} ورأى رجلاً في يده حلقة {قال: ما هذه؟ قال: أخذتها من الواهنة، قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً} وصح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد ومن أتى عرافاً أو كاهنا فلم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} ورأى رسول الله رجلاً علق في طفله شيئاً من أوراق وخيوط، فقطعها عليه الصلاة والسلام في الطواف، فهذه ليست واردة لا من القرآن ولا من غيره، وهو القول الأصح عند علماء أهل السنة، ومن فعل ذلك فقد أساء وتعدى وظلم، ولا يحرز إلا الله بالأذكار الشرعية وقراءة القرآن؛ بالرقية الواردة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الناس في هذه القضية طرفان ووسط، منهم من حول المسجد إلى روضة أطفال، لكي تطبخ المرأة في البيت وتأخذ راحتها، فيأخذ الأطفال، ويأتي بهم إلى المسجد فيلعبون ويصرخون حتى يشغلوا المصلين، وهذا يؤخذ على يده وينصح ويؤدب.
وفي الطرف الآخر من جانب، حيث يترك أبناءه في البيت ولا يأمرهم بالصلاة، فهو مسيء ويؤخذ على يده وينصح ويؤدب، والوسط هو أن يأتي بهم في السن المعهودة وهي السابعة ونحوها، لقوله صلى الله عليه وسلم: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع} بشرط أن يؤدبه ويلقنه الأدب ويقيمه في الصف ويلاحظه في المسجد.
الجواب: أما تغسيل الطفل، ففي هذه القضية مسألتان:
المسألة الأولى: هل المرأة إذا مست عورة الطفل ينتقض وضوؤها؟ إذا كان أقل من السابعة فالصحيح من أقوال أهل العلم، أنه لا ينتقض وضوؤها، ولو مست فرجه وهي متوضئة، ولا يؤخذ بالعموم في ذلك، وهي فتوى لبعض علمائنا الآن.
المسألة الثانية: أما إذا مست النجاسة بيدها، فالصحيح أنه لا ينتقض وضوؤها؛ لأن لمس النجاسة لا ينقض الوضوء، لكن تغسل النجاسة.
الجواب: إنها قصيدة لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أردت فيها معارضة المجرم البردوني اليمني، أحسن هو في قصيدته إحساناً جيداً ولكن لا نرضاه ولا نرضى قلبه ولا معتقده، ولا دينه ولا طريقته، هو قومي بعثي أعمى القلب والبصيرة، كل شر فيه، ولكنه شاعر في الذروة، يقول في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام:
نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار |
أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار |
إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار |
فقلت في قصيدة (صوت من الغار):
نور من الغور أم صوت من الغار أم نغمة الفكر أم تاريخ أسرار |
يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعماري وأخطاري |
تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري |
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار |
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار |
فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار |
يبيع ذمته المعهود في وثن والدين ينهار منه في شفاً هار |
شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار |
لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري |
جمع الطوابع من أسمى هوايته ذو همة بين خباز ونجار |
الجواب: الضرب هنا هو أصل، والأمر به وارد لكنه أمر نسبي، ونحن نعود إلى الأمر النسبي، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد الضرب، إنما أجازه، وعلماء الغرب وأمثالهم قد ينكرون أصل الضرب، وهذا ليس بصحيح، بل ورد في السنة أنه أمر لا بد منه في باب التعزير ونحوه، وإن كانوا ينكرون الكثير منه فحتى الإسلام ينكر الكثير منه، فأقول: أصل الضرب هو المعهود بالعرف، لأن الأمر إذا أطلق في الشريعة، ولم يكن له عهد معروف نعود إلى عرف الناس، فالضرب يكون بالمعروف، والقاضي شريح يخصصه عند بعض الشراح بأنه سوطان وبعضهم يقول أربعة أسواط.
الجواب: أنصحه أن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن يتقي الله فيهم، وأن يكون رحيماً بهم، ويصاحبهم كثيراً، ويراعي عقولهم وإدراكهم، وأرى أن يأتي بالوسائل المحببة كالقرآن وسماعه، والشريط والذكر الإسلامي، يدخل بيته ذكر الله، ثم عليه بالدعاء في السحر وفي السجود لهم بالصلاح.
اللهم أصلحنا وثبتنا واهدنا سواء السبيل، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر