إسلام ويب

السراج المنيرللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من هو السراج المنير؟!

    إنه معلم الأمة وقائدها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو الرحمة المهداة.

    والشيخ تعرض هنا لذكر صفاته صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت عبادته، وأخلاقه، ودعوته، ومعاملاته، فكان بحق سراجاً منيراً.

    1.   

    النبي صلى الله عليه وسلم يربي الأجيال أعظم تربية

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وصلى الله على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، وصاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    ولو أنه حسن فريد عذرته     ولكنه حسن وثان وثالث

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وما دام أن الحسن ثلاثة، فأتقدم وأنثر على رءوسكم باقة من الشعر ثلاثة أبيات، ولكنها لا تعبر إلا عن الحب والوداد والصفاء وتعبر عن الإيمان وعن الحب والطموح.

    سلام الله أرفعه إليكم      بأشواقي وحبي والتحية

    وأرفع من ربى أبها سلاماً      إلى الأحساء في أحلى هدية

    ونادي الفتح أبلغه سلامي      وشكري والوفاء بما لديَّه

    إن كان من شكر فلله الواحد الأحد، ثم لأهل الفضل؛ لأنّا أمة نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء: أسأت، فقد أحسن هذا النادي يوم جعل من رسالته الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وأعلن تفوقه في عالم الإيمان ليقول للناس: إن الرياضة بلا إيمان ملعبة، وإن القلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة، وإن العين بلا إيمان مقلة عمياء، وإن اليد بلا إيمان إشارة شلاء، وإن الكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وإن القصيدة بلا إيمان كلام ملفف، فلا حياة إلا بالإيمان، ما جئنا لنلعب وما جئنا لنهدي إلى العالم الرياضة، فهم الذين أهدوا لنا الرياضة ولكن جئنا لنعيد الرياضة باسم الإيمان، وندخلها إلى العالم بالإيمان، ونعلم العالم أننا أمة الإيمان والحب والطموح.

    وعنوان هذا اللقاء المفتوح: السراج المنير وهو محمد عليه الصلاة والسلام، والله وتالله، وايم الله ما طرق العالم أفضل منه، ولا أنبل ولا أعدل ولا أجل منه أبداً، يعلم ذلك من يعلمه، ويجهله من يجهله هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].

    يا أمة كانت ضائعة قبل الإسلام، هو الحديث الليلة عن رسولكم الذي أتى بالإسلام.

    يا أمة كانت تلعب بالعرض والدم والنار! هذا هو رسولكم صلى الله عليه وسلم يذكر هذه الليلة.

    إن البرية يوم مبعث أحمدٍ     نظر الإله لها فبدل حالها

    بل كرم الإنسان حين اختار من     خير البرية نجمها وهلالها

    لبس المرقع وهو قائد أمة     جبت الكنوز فكسرت أغلالها

    لما رآها الله تمشي نحوه     لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

    فأمدها مدداً وأعلى شأنها     وأزال شانئها وأصلح بالها

    تربية لأبي بكر وعمر

    من جعل أبا بكر الصديق يصبح أول خليفة يبايع على الكتاب والسنة فتبكي القلوب قبل العيون؟ من جعل عمر بن الخطاب يقف ببردته الممزقة يوم الجمعة، وبطنه يقرقر من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين!]]؟

    من جعل كسرى وقيصر الذين حكما أكبر دولتين في الأرض إذا ذكر عمر بن الخطاب في دواوينهم أغمي عليهم؟

    يا من يرى عمراً تكسوه بردته      والزيت أدم له والكوخ مأواه

    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً      من خوفه وملوك الروم تخشاه

    اليوم وفي هذه الليلة، أريد أن أتحدث عنه صلى الله عليه وسلم، لكن أصابني الدهش، وأصابني الذهول من أين أبدأ؛ وفي أي مكان أنتهي؛ وفي أي باب ألج إلى عظمته صلى الله عليه وسلم؟!

    إنني لا أتحدث عن عظيم فحسب، بل معلم للعظماء ولا عن عالم فحسب، بل أستاذ للعلماء، ولا عن أديب فكفى، بل مخرج للأدباء.

    أي عظيم للدنيا أو مصلح، إنما هو ورقة من شجرته عليه الصلاة والسلام:

    عقبة بن نافع رباه النبي صلى الله عليه وسلم

    المصلحون أصابع جمعت يداً     هي أنت بل أنت اليد البيضاء

    الرسول عليه الصلاة والسلام أدهشتني وأدهشتكم عظمته ولا تدهش إلا من يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، جباهنا كانت في الأرض مدسوسة قبل مبعثه، فلما بعث رفع جباهنا، وانطلقنا بعد خمسٍ وعشرين سنة على الجبال وعلى المحيطات نرفع لا إله إلا الله، وقف عقبة بن نافع بفرسه على المحيط الأطلنطي يقول للماء: يا ماء! أوراءك أرض؟ والله، لو أعلم أن وراءك أرض لخضت البحر إليها لأنشر اسم الله العظيم هناك....

    ربعي بن عامر

    يدخل ربعي بن عامر أحد الصحابة في القادسية على رستم قائد أنو شروان الضال المبتدع الخرافي الجاهل، فيضحك رستم، يضحك من العرب!! الذين كانوا بدواً لا حضارة لهم ولا ثقافة ولا معرفة، يطاردون الضب والجعلان، ويأكلون الخنافس، وينامون على وجوههم في الصحراء..

    القوميون اليوم يقولون أنهم أهل تاريخ من قبل البعثة، وكذبوا لعمر الله، والترابيون يقولون: تاريخنا قديم من عهد عنترة، وحاتم الطائي، عنترة والله ما سفك إلا دماءكم، وحاتم الطائي إن أطعم بغاله وحميره فما كان يؤمن بالله.

    فلما أتى صلى الله عليه وسلم دفع هذا الجيل ليأخذ منبر العالم، ويتكلم إلى المعمورة، ولذلك يصل ربعي بن عامر في ثيابه الخلقة التي ما غيرها -ما فتحنا الدنيا والله بعتاد هائل على الشعوب، لكن بإيمان وحب وطموح- فدخل على رستم وقال رستم وهو يضحك لوزرائه، ويلتفت إلى المسلم: أتريد أن تفتح هذه الدنيا بفرسك المعقور ورمحك المثلم، وبثيابك البالية؟! قال ربعي: [[نعم. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وانتصر الإسلام وارتفعت لا إله إلا الله.

    قصة محمد بن واسع

    قتيبة بن مسلم يحاصر كابل، فلما حضر قال: أين محمد بن واسع؟ ومحمد بن واسع عابد زاهد عالم، قالوا: هو في طرف الجيش، قال: اذهبوا إليه وانظروا ماذا يفعل، فذهبوا ونظروا، فإذا هو يذكر الله ويدعو الله وإصبعه تشير إلى السماء، فعادوا إلى قتيبة فدمعت عينا القائد قتيبة، وقال: والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع، خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير.

    وانتصر الإسلام يوم عرفنا الله، والأمة التي لا تعرف الله يعرفها نفسه بالأعداء، ويدعك أنفها في التراب حتى تعرفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وثقافة بلا إيمان والله لا تنتج إلا خسارة ودماراً وانهزامية، وأدب بلا إيمان ضياع لمعطيات الشعوب والأمم، ورياضة بلا إيمان ضحك على العقول، وضحك على العقلاء والعلماء وعلى الأمم جميعاً، يوم أتى صلى الله عليه وسلم كان الناس بحاجة إلى مصانع، ومأكولات، ترك ذلك وبنى مسجده من طين، وبدأ من مسجده يبث الثقافة الهائلة والحضارة العامرة، يعلم في مسجده صلى الله عليه وسلم، أخرج أكبر العلماء وأجل المفسرين، وأكبر الأدباء، فما حصر مسجده في مهمة، إن بعض الناس قد ينكر استخدامنا لبعض الوسائل، ويقول: كيف تحضر هذه الوسائل في مثل المسجد؟ إننا نقول له: يا أيها المسلم! أنترك هذه الوسائل للكافر ليتعدى بها علينا ويبث بأفكاره في مجتمعاتنا بالوسائل ونبقى على الوسائل البدائية الساذجة القديمة؟ لا. والله لا يسبقنا، نحن أمة الإيمان والحب الطموح.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد مهرجاناً أدبياً في مسجده ويحضر الشعراء في مسجده ويقرب المنبر بيديه الشريفتين لـحسان ويقول: {اهجهم وروح القدس تؤيدك} الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد الندوات، ويحول المسجد إلى دار قضاء يفاوض القضاة ويطرح الأحكام والفتيا.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل من المسجد مجلس شورى، ويجعل صلى الله عليه وسلم من المسجد تعليماً وتربية وثقافة، من أين أدخل عليه صلى الله عليه وسلم؟

    المصلحون أصابع جمعت يداً     هي أنت بل أنت اليد البيضاء

    لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] وقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:159] الله يزكيه من فوق سبع سموات ويقول له: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] عظيم صبرك، وعظيم حلمك وكرمك، كيف استطعت على أمة العرب التي هي كقرون الثوم متشاكسة متضاربة متحاربة متحاقدة، كيف جمعت بينها وألفت بين قلوبها؟ قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].

    إن أكبر معجزة أن يأتي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أمية، إلى أمة جاهلة وهو أمي، فيبني منها أعظم حضارة في تاريخ الإنسان.

    أتطلبون من المختار معجزة      يكفيه شعب من الأموات أحياه

    من جعل الرجل من الصحابة يتذكر عظمة الله في كل ساعة وفي كل طرفة؟

    عمر بن الخطاب يمر على راعي غنم ويقول لراعي الغنم: [[يا أيها الراعي! بعني شاة من غنمك، قال: إنها لسيدي وإن سيدي لا يسمح بذلك، قال: قل لسيدك أكلها الذئب، قال الراعي: الله أكبر يا عمر..! أين الله؟ فبكى عمر حتى جلس، وقال: إي والله أين الله؟]] فمن علم الراعي مراقبة الواحد الأحد؟

    1.   

    النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمخلوقات كافة

    الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أول عنصر معي في هذه الليلة، يبدأ الدعوة فكيف طرح الدعوة؟ إنه رحمة مهداة، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين حتى يقول بعض المفكرين الإسلاميين: عجيبة الدعوة تعلن عالميتها في أول أيامها رسالته صلى الله عليه وسلم -أي والله، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] وهذا عموم، يقتضي أنه رحمة علية الصلاة والسلام للمسلم وللكافر وللحيوان وللإنسان، وسأضرب أمثلة لذلك..

    بكاؤه لموت ابنه إبراهيم

    يأتي عليه الصلاة والسلام إلى ابنه إبراهيم وهو في السنتين، والابن فلذة الكبد وشذا الروح، يموت إبراهيم بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيبكي وتدمع عيناه الدموع الحارة الساخنة، ويقول وهو في ساعة الفراق: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} يُدفع له ابن بنته فيبكي عليه الصلاة والسلام، فيقولون: مالك يا رسول الله؟ يظنون أن العظماء لا يبكون، والعظماء لهم وقت للبكاء ووقت للصفاء، ووقت لرفع الراية إلى السماء، بكى عليه الصلاة والسلام فقالوا: مالك تبكي؟ فقال: {رحمة وضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}.

    التجوز في الصلاة من أجل الأمهات

    يصلي بالناس فيسمع بكاء الطفل في آخر المسجد، يتذكر الأم والمرأة المسلمة، فيتعجل في صلاته، ويسلم ويقول: {إني أريد أن أطيل في صلاتي فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي؛ كراهة أن أشق على أمه} هذه الأحاديث عند البخاري ومسلم.

    يأتي عليه الصلاة والسلام برحمته بالناس حتى في الصلاة، يقول: {يا أيها الناس!من أمَّ منكم بالناس فليخفف فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف، وذا الحاجة} يأتيه معاذ وقد طول في الصلاة حتى شكى إليه؛ فيغضب عليه الصلاة والسلام لأن استجلاب القلوب لا يأتي بالعنف والشدة ويقول له: {أفتان أنت يا معاذ؟ أفتنان أنت يا معاذ؟}.

    رحمته بالحيوان والكفار

    أما رحمته بالحيوان فيروي ابن مسعود في حديث حسن: {أن حمرة -وهي نوع جميل من أنواع الطيور- رفرف على رأسه عليه الصلاة والسلام وهو جالس تحت شجرة، فقال لأصحابه: أتدرون ما لهذا الطائر؟ قالوا: لا. قال: إنها تشكو، وقال: من فجعها بأفراخها؟ ردوا عليها أفراخها، ثم أعاد إليها صلى الله عليه وسلم أفراخها في عشها} فرجعت طليقة.

    جاءت إليك حمامة مشتاقة     تشكو إليك بقلب صب واجف

    من أخبر الورقاء أن مكانكم     حرمٌ وأنك ملجأ للخائف

    الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة حتى للكافر قال تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33] وفي حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم دخل مزرعة رجل من الأنصار فأتى جمل مجهود، فضرب بجرانه الأرض أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {إن هذا الجمل يشكو إليَّ ظلم صاحبه} أليست رحمة؟

    إي والله رحمة، رحمة بالطفل المسلم {يأتي صلى الله عليه وسلم بـأمامة بنت زينب -كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة - ويصلي وهي على كتفيه في الفريضة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها} إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم

    والعنصر الأول: كيف عرض صلى الله عليه وسلم دعوته للناس.

    أولاً: عرض دعوته بأساليب ثلاثة، بالأصالة والعمق، واليسر والسهولة بلا تعقيد.

    إننا إذا تكلمنا مع الناس في الدعوة والعلم اليوم، نطنطن بالكلام ونرجف بالحديث، نأتي بكلام فوق المستوى، نقول للناس: العقيدة تنطلق من أطر وتنبثق في بوتقة، وتنصهر في بوتقة، ولا يعرفون الأطر ولا يعرفون الانبثاق، ولا يعرفون البوتقة.

    قصة ضمام بن ثعلبة

    في الصحيحين من حديث أنس، قال: {قدم ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، والرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأتى هذا الرجل فعقل ناقته في طرف المسجد، ومضى يخترق الصفوف، وهو يقول: أين ابن عبد المطلب؟ -هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ابن عبد الله ولكنه أشهر في العرب بجده من أبيه، لأنه كما قال في حنين:

    أنا النبي لا كذب     أنا ابن عبد المطلب

    قال الصحابة: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق -الأمهق: المشوب بحمرة، المرتفق: المتكئ، فنادى الأعرابي لأنه ما تعلم الأدب والإيمان، ولا الحب والطموح، والله يقول: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63]-.

    قال: يا ابن عبد المطلب! يا ابن عبد المطلب! -فأخذ صلى الله عليه وسلم بلين ولطف، ويسر وسهولة، لأنه يسبي القلوب، لكن إلى باريها تبارك وتعالى- قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة -أي: عندي سؤال خطير، وبالفعل أعظم سؤال في تاريخ البشرية! وأجل سؤال في تاريخ الإنسانية هو هذا السؤال! أعظم أطروحة وقعت على الأرض- إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: سل ما بدا لك؟

    قال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله -هذه مسلَّمات- قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان متكئاً فتربع واحمر وجهه من عظم السؤال، ثم قال: اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ وأخذ يسأله عن أركان الإسلام فلما انتهى، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، آمنت بما جئت به، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، والله، لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، ثم ولى -والرسول صلى الله عليه وسلم، يتابعه بالنظرات والبسمات والارتياح- ويقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} هذه هي الجنة، هذا هو الطريق الميسور الذي بينه صلى الله عليه وسلم، ليكون قدوةً لدعاة العالم، ومن هذا الدرس، أو من هذا الحديث، نأخذ ثلاثة دروس:

    أولها: أن اليسر لا بد أن يصاحب الداعية في طرحه لقضاياه ودعوته بين الناس.

    ثانيها: البداية بالأولويات والكبار من المسائل.

    ثالثها: أن من أتى بالفرائض واجتنب المحرمات، دخل الجنة بإذن الله.

    يا حبذا الجنة واقترابها     طيبة وبارد شرابها

    لمن؟ لمن أحسن العمل بالكتاب والسنة.

    قصة الأعرابي الذي أخذ ببرد النبي صلى الله عليه وسلم

    الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلس آخر يتكلم مع الصحابة، وفجأة دخل أعرابي، يأتي إلى أكرم من خلق الله، وإلى أعظم من عبد الله وأكرم من أوجد الله فيسحبه ببردته -والحديث في الصحيحين - وبردته صلى الله عليه وسلم كانت نجرانية حاشيتها غليظة، فأثر ذلك برقبته، سحبه سحباً، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم غير مغضب، كان وجهه بساماً، إن وجهه طليق، يقول جرير بن عبد الله في صحيح البخاري: {ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا وتبسم في وجهي} هكذا يكون المسلم، وهكذا تكون الدعوة؛ قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال تبسمك في وجوه الرجال. وأحد الشعراء يذم قوماً بانقباض الوجه وبالغضب وبالتزمت، ويمدح قوماً ببسطة الوجه فيقول:

    وجوههم من سواد الكبر عابسة      كأنما أوفدوا غصباً إلى النار

    هانوا على الله فاستاءت مناظرهم      يا ويحهم من مناكيد وفجار

    ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً      أهدوك من نورهم ما يتحف الساري

    من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم      مثل النجوم التي يسري بها الساري

    نعود إلى الحديث: أنه دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحبه ببردته؛ فالتفت صلى الله عليه وسلم، يضحك كما في رواية أنس سبحان الله! لا تغادره البسمة حتى في هذا الموقف، أي نعم؛ فقال أعطني -والكلام أسوأ من الفعل- قال: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك، ما هو الداعي لجرح الشعور؟ لماذا يفترض هذه الأسئلة؟ فهمَّ الصحابة أن يقتلوه، وعمر متهيء وجاهز كل لحظة أن يقتله، كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، إذا رأى رجلاً يخالف، قال: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه، ولو فتح له صلى الله عليه وسلم الباب لقتل نصف الناس، لكنه صلى الله عليه وسلم يهدئ ويقول: دعه يا عمر! ويأخذه صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فيعطيه ثياباً وحباً وزبيباً؛ لأنه ما أراد حباً وإيماناً وطموحاً، فلما أعطاه قال: أحسنت إليك؟ قال: نعم. جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، قال: اخرج إلى أصحابي وأخبرهم بما فعلت بك ليذهب ما يجدونه في صدورهم عليك، فخرج وقال أمام الصحابة: أحسنت إليك يا أعرابي؟ قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، ثم عاد إلى قبيلته وقال: أيها الناس! أسلموا، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة -أو الفقر- فأسلموا عن بكرة أبيهم، فيقول صلى الله عليه وسلم محللاً القصة، ومعلقاً على الحدث أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟ قالوا: لا ندري، قال: كرجل كانت له دابة فرت منه، فأخذ يلاحقها فلما رأى الناس هذا الرجل يلاحق الدابة، ذهبوا يبحثون عن الدابة فما زادت إلا فراراً، فقال لهم: يا أيها الناس! اتركوني ودابتي، فإني أعلم بها فأخذ شيئاً من خضار الأرض ولوح للدابة به فأتت وربطها واستسلمت له، فلو تركتكم وهذا الأعرابي لكفر ودخل النار، قال الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

    الأصالة والعمق في دعوته صلى الله عليه وسلم

    إن عظمته صلى الله عليه وسلم تأتي من عرضه للدعوة، باليسر والسهولة، والأصالة والعمق، والأصالة هي وضع الأمور مواضعها وكان صلى الله عليه وسلم يعرف التخصصات، فيأتيه الرجل يسأله عن أفضل عمل فينظر إليه صلى الله عليه وسلم، في سنن الترمذي عن عبد الله بن بسر: {أنه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله} لأنه شيخ كبير، شيخ دنف وقرب من المقبرة لا يستطيع الصيام، ولا يستطيع كثرة الصلاة.

    يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم غيلان الثقفي -والحديث صحيح وهو رجل تام البنية- فيقول: {يا رسول الله! دلني على أفضل عمل؟ قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} يأتيه رجل له والدان مقعدان، فيقول: أريد أن أجاهد، قال: {أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد} أي أسلوب في الأصالة هذا الأسلوب.

    إن كثيراً من الناس يعرضون الدعوة عامة بدون النظر إلى ظروف الناس وطاقاتهم وملابساتهم، أما هو صلى الله عليه وسلم فكان أصيلاً في إيصال المعلومة إلى أذهان الناس.

    أما العمق فإنه صلى الله عليه وسلم كان عميقاً في أداء رسالته للناس، يرسل معاذاً إلى اليمن، والحديث في الصحيحين، قال: {إنك سوف تأتي قوماً أهل كتاب} -انظر إلى قضية أهل كتاب أي: فاعرف من تخاطب، واعرف أنك في مجتمع متعلم- {فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة...} ثم أخذ يتدرج معه صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى، هذه نبذة من عرضه لدعوته للناس، لكن تعالوا ننظر إلى عبادته صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    عبادة المصطفى صلى الله عليه وسلم

    يا أيها المسلمون! يا شباب الصحوة! يا روافد الخير! يا طلعات اليُمن! يا من حمل أجدادهم لا إله إلا الله، محمد رسول الله للبشرية! يا من قال فيهم شاعر الإسلام محمد إقبال وهو يحييهم:

    نحن الذين استيقظت بأذانهم      دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

    ومن الذي باع الحياة رخيصة     ورأى رضاك أعز شيء فاشترى

    أم من رمى نار المجوس فأطفئت     فأبان وجه الصبح أبيض نيراً

    يا أيها الشباب الصاعد! ويا أيها الشيوخ المقبلون على الله! يا أيتها الفتاة التي عرفت إيمانها وحبها وطموحها! أقرب الطرق إلى الله طريق العبادة، مدح الله الأنبياء فختم مدحهم فقال: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73] وأصلح زوجة زكريا له فبماذا أصلحها؟ لأنه طويل أو عريض أو بدين أو سمين، لا والله، قال: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90] السبب: إنهم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] حفظ الكنز على الولدين في سورة الكهف فقال: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] فحفظ الله الكنز، لأن أباهما كان صالحاً.

    النبي صلى الله عليه وسلم يوصف ويمدح بالعبادة لله

    يمدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فما قال له: يا أبا القاسم، وما قال له: يا أيها الهاشمي، ولا قال له: يا ابن عبد المطلب، إنما قال له: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] وقال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن:19] وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1].

    ومما زادني شرفاً وتيهاً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي      وأن صيرت أحمد لي نبياً

    شرفك في عبادتك، وقربك من الله في عبادتك، جاء في صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك رضي الله عنه قال: {كنت أبيت مع النبي صلى الله عيله وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال: يا ربيعة! سل، قلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود}

    خذوا كل دنياكم واتركوا     فؤادي حراً طليقاً غريباً

    فإني أعظمكم ثروة     وإن خلتموني وحيداً سليباً

    كم تكرر هذه الأبيات، ولكن تكرر وتكرر.

    كرر العلم يا جميل المحيا      وتدبره فالمكرر أحلى

    ابن تيمية دخل على ابن قطلوبك، قال: يا ابن تيمية! أتريد ملكنا؟ أتريد مالاً؟ فابتسم ابن تيمية ابتسام المستعلي بإيمانه، وقال: والله، ما ملكك ولاملك آبائك وأجدادك، يساوي عندي فلساً.

    إن ابن تيمية يريد الجنة، ويريد رضا الله، وما عند الله.

    وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدة، إلا رفعك بها درجة}.

    ميزة العبادة عند النبي صلى الله عليه وسلم

    تميزت عبادته صلى الله عليه وسلم بثلاث خصائص:

    أولها: اليسر وهي في الدعوة كذلك.

    ثانيها: الجودة، قال تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] وجد من الناس من يصلي في اليوم خمسمائة ركعة، غلاة الصوفية صلوا خمسمائة ركعة، لكن بعضهم كان ينام واقفاً، يصلي ويصلي حتى ينعس واقفاً، وهذه ليست عبادة، يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس: مروا على رجل يصلي الفريضة من الصوفية وهو ينعس قالوا: مالك؟ قال: ما نمت البارحة، أصلي النافلة، قال له أحد العلماء: أتسهر في نافلة حتى تنعس في فريضة؟ وذكر الخطابي في كتاب العزلة: أن أحد غلاتهم وجهلتهم حجب عينه بورقة، قالوا: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر بعينين إلى الدنيا.

    هذا هو فقه العجائز، فقه عجائز نيسابور، هذا هو الورع البارد، يقول: إسراف أن أنظر بعينين إلى الدنيا، والله يقول وهو يمتن على العبد: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] فكيف يجعل الله له عينين وهو يريد عيناً واحدة، إنه الجهل، فميزة عبادته صلى الله عليه وسلم، الجودة مع اليسر.

    والمسألة الثالثة: مراعاة الأحوال:

    فكانت ميزته في الجهاد جهاداً، وفي الصلاة خشوعاً، وفي الذكر اطمئناناً وسكينة، وفي التعليم تفهيماً.

    البس لكل حالة لبوسها      إما نعيمها وإما بؤسها

    بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من خشية الله

    يقف عليه الصلاة والسلام -والحديث عند ابن أبي حاتم بسند جيد- على باب امرأة من الأنصار، وذلك يوم كانت المرأة المسلمة المصلية في الليل، يوم كانت تتذكر موعود الله، يوم كانت المرأة المسلمة كالدرة في بيتها، والإسلام جعل المرأة درة محمية مصونة مرعية مشرفة مكرمة.

    يقول استالين هذا الروسي اليهودي: المرأة شيطانة، وكذب فإنه هو الشيطان الرجيم، ولينين يقول لها: فتانة لا يكون لها نصيب في المجتمع، والجاهليون الوثنيون المشركون من قريش وغيرهم لا يجعلون لها حظاً في الميراث، ولا يجعلون لها سمة ولا شارة ولا كلاماً.

    وغاندي المجرم الهندي، يأتي إلى المرأة ويقول: متى كانت المرأة إنسانة؟ سبحان الله! والله عز وجل يقول في كتابه: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] والله يقول: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] وهذا استطراد لا بد منه في مثل هذا المكان، فيوم كانت المؤمنة مرعية في بيتها تعرف الله، وتربي الأجيال، وتخرج العلماء والدعاة من البيت.

    الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعباً طيب الأعراق

    الأم نبت إن تعاهده الحياء     بالري أورق أيما إيراق

    {يمر عليه الصلاة والسلام، ببيت من الأنصار ويسمع من وراء الباب عجوزاً تقرأ وتردد ولا تدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع لها، فتردد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] وتبكي؛ فأخذ يبكي معها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: نعم أتاني كلما قالت هل هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] يقول: نعم أتاني، نعم أتاني}.

    عجوز، فأين أبطال الإسلام وأين شباب الإسلام من قيام الليل؟

    قلت لليل هل بجوفك سر      عامر بالحديث والأسرار

    قال لم ألق في حياتي حديثاً      كحديث الأحباب في الأسحار

    وفي سنن أبي داود بسند صحيح، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل هو القدر إذا استجمع غلياناً.

    وعند ابن مردويه والطبري { أن الرسول عليه الصلاة والسلام، مر به بلال قبل صلاة الفجر، فسمع المصطفى عليه الصلاة والسلام، يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191] ثم يقول عليه الصلاة والسلام لبلال: أنزلت علي آيات ويل لمن قرأها ولم يتدبرها}.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن، لأن تربيته مع القرآن وكتابه الوحيد هو القرآن، وعظمته في القرآن.

    القرآن يوم كان كتاب المسلم الوحيد، القرآن يوم عرفنا قيمته، يوم كنا نجعله المصدر الوحيد، فتحنا الدنيا، ووزعنا الهداية على البشر.

    في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: { قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ القرآن، قلت: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ -يالعظمة راعي الغنم الذي أصبح بعد عشر سنوات من أكبر العلماء في الدنيا، من رعي الغنم إلى قيادة الأمم والتعليم، والتوجيه، والإسداء، والتربية- قال: إني أحب أن أسمعه من غيري فبدأ يقرأ من سورة النساء حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41] قال عليه الصلاة والسلام: حسبك الآن، قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام} إن أمة هجرت القرآن، ومالت إلى المجلة الخليعة والأغنية الماجنة لا تستحق النصر ولا الفتح، ولا تستحق أن تقود البشرية.

    اسمع لـابن القيم في الغناء:

    قال ابن عباس ويرسل ربنا      ريحاً تهز ذوائب الأغصان

    فثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ     إنسان كالنغمات بالأوزان

    يا خيبة الآذان لا تتعوضي     بلذاذة الأوتار والعيدان

    يا أيتها الأمة! التي تريد لقاء الله، وفتحه ونصره! لا تتلذذي بلذاذة الأوتار والعيدان، لماذا تنتصر إسرائيل؟ إخوان القردة والخنازير، لماذا يضربون الأطفال بالهراوات والشيوخ والنساء ثم لا يكون معنا إلا شجب وننديد واستنكار؟!!

    فأطفأت شهب الميراج أنجمنا      وشمسنا وتحدت نارها الخطب

    إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا      سعت لتسقطها الصيحات والخطب

    ظنوا القنابل أبواقاً مزخرفة     والطائرات هي الإترنج والعنب

    كيف انهزمنا، وما تلك بعادتنا     سيخبر السيف عنا والقنا السلب

    نعم نصرنا لأن الله غايتنا     وليس يمنعنا من ربنا سبب

    إن من يعرف الله يعرفه الله، وإن من يحفظ الله يحفظه الله.

    أما ذكره فكانت حياته ذكر، والذكر أصبح من أرخص موجودٍ عند المسلمين لكن من يذكر؟!

    ملهيات وأغنيات، مغنين ومغنيات، ماجنين وماجنات، أحياء وأموات، ولا يذكر الله إلا الخلص الذين يسحبون أنفسهم من أوهاق المجتمع، ويريدون وجه الله، ويقولون: لبيك يا ربنا..

    وا إسلاماه! وا إسلاماه! هؤلاء هم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات، هنيئاً لهم الذكر.

    يقول ابن القيم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم: كل كلامه ذكر، أنفاسه، وعمله وقيامه وجلوسه ونومه لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فأكثر ذكره في الأرض دأباً     لتذكر في السماء إذا ذكرتا

    وناد إذا سجدت له اعترافاً     بما ناداه ذو النون بن متى

    صلى الله وسلم على من أنقذنا من النار، صلى الله وسلم على من قادنا إلى بر الأمان، صلى الله وسلم على من رفع رءوسنا وكانت مخفوضة، وأنار عقولنا وكانت ضيقة مظلمة، وفتح عيوننا وكانت مقفلة.

    1.   

    تواضعه صلى الله عليه وسلم

    أما الرسول عليه الصلاة والسلام في جانب التواضع، وهو جانب يحتاجه كل داعية وكل طالب علم وكل مسلم، والله رفع رسوله صلى الله عليه وسلم، بالتواضع.

    الحث على التواضع

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء:37] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أنه قال: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} وصح عنه في صحيح مسلم عن عياض بن حمار أنه قال: {إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد} التواضع سمة الأخيار، التواضع صفة الأبرار، التواضع إشارة الذين يريدون عقبى الدار، كلما تواضعت كلما ارتفعت، ولذلك من شعر بمركب النقص تكبر على عباد الله، ومن شعر بمركب الوفاء تواضع لعباد الله، الدر يغوص في البحر ولكن الجيف تطفوا على الماء.

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث بنعمة الله عليه في التواضع: {لو دعيت إلى كراع -أو ذراع- لأجبت، ولو أهدي إلي كراع -أو ذراع- لقبلت} والحديث صحيح.

    أكل المصطفى على التراب تواضعاً

    يأكل صلى الله عليه وسلم على التراب، وهو أشرف من خلق الله، فتقول امرأة: انظروا إليه يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، قال: وهل هناك أعبد مني؟

    وفي مسند أحمد بسند حسن {رجل اسمه ابن قيلة يأتيه، فلما رأى بهاء وجلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، أخذ يرتعد، فقال عليه الصلاة والسلام: هون عليك، فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة} نعم. أنت ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة، ولكنك رفعت للإسلام علماً، وبنيت للمسلمين دولة، ودكدكت بلا إله إلا الله حصون الوثنية.

    الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته وتواضعه يزور الفقير، يجلس مع الأرملة، يمسح رءوس الأطفال؛ لأنه رحمة للعالمين؛ ولأنه بعث للناس كافة بهذا الدين لينقذهم من النار.

    في صحيح البخاري عن أنس قال: {كان لي أخ اسمه أبو عمير مات له نغر كان يلعب به، فزاره عليه الصلاة والسلام، يواسيه في هذه المصيبة ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير} صلى الله وسلم عليه.

    1.   

    جوانب أخرى من حياته صلى الله عليه وسلم

    جانب الصبر في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم

    أما جانب الصبر في حياته -وهذا هو الجانب الذي يريده الداعية والشاب- فالصبر لا أحسن منه.

    قيل لـابن تيمية شيخ الإسلام: بم تنال الإمامة في الدين؟ قال: بالصبر واليقين، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] قال الإمام أحمد: بحثت عن الصبر في القرآن، فوجدته في أكثر من تسعين موضعاً.

    الصبر ما أحسنه! لو كان رجلاً لكان حكيماً، ولو كان شجرة لكانت يانعة القطاف، ولو كان زهرة لكانت طيبة الشذى، الصبر زادك إلى لقاء الله، وهو ثلاثة أقسام:

    صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المصائب.

    وأصبر الناس محمد عليه الصلاة والسلام، تضرب بناته في أول الرسالة والدعوة فيصبر، ويقول الله له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً [المعارج:5] فيصبر ويتبسم، لأن الله يقول له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً [المعارج:5] يحوط عليه الكافر المستعمر من يهودي ومشرك ومنافق في الأحزاب، فيتبسم لأن الله يقول له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً [المعارج:5].

    والصبر سوف يطول بنا ولكني أخرج من هذا الحديث إلى مسائل:

    أولها: يا أيتها الأمة الخالدة! التي عاشت بالجهاد! وعاشت بالتضحية.

    يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل

    وتوقف التاريخ في     خطواتها قبل الرحيل

    سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل

    وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل

    اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو طريق النجاح والفلاح

    يا أيتها الأمة! يا أيها الرجال الأبرار! يا أيتها النسوة التي يردن الله والدار الآخرة! أدعوكم في هذه الجلسة، وهو سر الحديث، وبيت القصيد في هذا الحديث إلى اتباع محمد عليه الصلاة والسلام.

    أرض لم تشرق عليها شمس رسالته أرض ملعونة، قلب لا يصله النور قلب مغضوب عليه، فيا أيها الناس كافة ذكراناً وإناثاً! قدوتكم محمد عليه الصلاة والسلام، والله لا تدخلوا الجنة حتى تتبعوه، وحتى تدخلوا من بابه وحتى تأتوا من سنته.

    يا من عطل سننه، أخذ شيئاً وترك شيئاً، لقد أخطأت خطأ بيناً.

    إن الكمال في اتباعه، وإن الجلال في الاقتداء به، السمو والجمال والعظمة في جعله قدوة.

    يا مدعي حب طه لا تخالفه     الخلف يحرم في دنيا المحبينا

    أراك تأخذ شيئاً من شريعته      وتترك البعض تدويناً وتهويناً

    خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به      أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا

    يأتون إلى رجل قزم -ملحد فاجر- كـهتلر ونابليون فيذكرون تاريخه، ويذكرون سموه وعبقريته، وحبه وإيمانه وطموحه، وهو لا حب ولا طموح ولا إيمان، خسيس من الأخسة، مجرم من المجرمين، سفك الدماء، ولعب بالأعراض، وينسون محمداً عليه الصلاة والسلام، الذي أنقذ الله به البشر، وهدى به الإنسانية.

    يا رب! أشهدك وأشهد من حضر هذه الليلة، أننا لا نعلم مصلحاً أعظم من رسولك صلى الله عليه وسلم، وأننا نخبر الناس جميعاً أن من أراد الجنة فليسلك طريقه عليه الصلاة والسلام.

    الرسول عليه الصلاة والسلام، يوم يقف في البيت ليعلم أهل البيت أنه رسول للبيت، ويقف على المنبر خطيباً ويعلم الخطباء أنه رسول للخطباء، وللمجاهدين أنه للمجاهدين، وللقادة والساسة أنه قائد ومعلم لهم.

    ويا أيتها المرأة! قدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم ربى عائشة ويوم ربى أسماء، وزينب.

    منا الفواطم ربات العلاولنا     كل الزيانب من أهل وعمات

    يأتي إلى عائشة فيربيها بالقرآن صلى الله عليه وسلم، ويأتي إلى ابنته فاطمة فأول ما يرضعها التوحيد.

    يا من ربى ابنته وطفلته على الموسيقى والأغنية الماجنة، لقد هدمت بيتك ومستقبل أطفالك، ولعبت على البشرية وضحيت بمستقبل الأمة، إن فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، سقاها صلى الله عليه وسلم التوحيد مع اللبن، يقول محمد إقبال في فاطمة:

    هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟     من ذا يساوي في الأنام علاها

    أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها

    وعلي زوج لا تسل عنه فما     أزكى شمائله وما أنداها

    إيوانه كوخ وكنزه ثرائه     سيف غدا بيمينه تياها

    أي جيل ذاك الجيل؟! إن من يربي بيته على التوحيد، ومن ينقذ بيته من الضلالة ويرده إلى الإيمان، هو من أعظم المصلحين في العالم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    يا من يصلي الصلوات الخمس.. ووضع يده على صدره وترك بيته تعشعش فيه الشياطين وتفرخ، والأبالسة! أي رسالة أديتها للإسلام؟ يا من سمح بالأغنية الماجنة تعصف في البيت بدل القرآن الكريم وسورة طه ومريم! أي صلاة تصليها؟

    يا من سمح للمجلة الخليعة المتهتكة أن تسكن بيته، وأتى ليصلي وأبدل مكان المصحف المجلة! أي صلاة تصليها؟

    يا من ترك أبناءه مع كل من هب ودب وتركوا الإيمان والحب والطموح والرسالة، أي صلاة تصليها؟

    التربية على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وحبه

    يا أيها المسلمون! يا أمة لا إله إلا الله! نحن لا نعترف بالدروشة، الإسلام عميق يجعلك مسلماً في البيت وفي السوق وفي البقالة وفي المكتب وفي الوظيفة، هذه حياة المسلم، وهذه أصالته.

    ويا أيتها الأم التي أرضعت طفلها اللبن: أرضعيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، أرضعيه الإيمان والحب والطموح، لينشأ مسلماً {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانة} أنتِ المسئولة، والله لو علَّمت طفلك الإيمان، ما زاغ وما ألحد ولا أصبح حداثياً زنديقاً.

    والله لو علمته الإيمان، ما تفسخ وفسق وعهر وتفلت عليك وعلى أبيه وعلى البيت.

    والله لو لقنته الإيمان لخرج باراً رشيداً عاقلاً مسلماً جبهته في السماء، والله لو لقنته الإيمان لخرج داعية تبكي تحت أرجله أعواد المنابر، ينفع الإسلام والمسلمين، وينفع المستقبل الذي هو لهذا الدين.

    وأنت أيها الأب! أنت بعكازتك لا تجدي ولا تربي، إن الضرب لا يدخل به التوحيد للقلوب، وإن الحبس لا يعلم به الناس الإسلام، وإن السوط والحديد ليس من منهج الأنبياء والرسل، إن معنى الإسلام أن تدخل الإسلام والحب والطموح فتغرسه في صلاتك وصدقك وأمانتك ووضوحك.

    قل لي بالله أيها الأب! كيف تصلي وتقبع كالعجوز في بيتك، والمسلمون أعلنوا تفوق الإسلام يوم صفوا الصفوف في المسجد، تعال إذا سمعت الله أكبر الله أكبر فأثبت إيمانك بالدخول إلى المسجد، وإن لم تفعل فقد أثبت فشلك وانهزاميتك، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود: [[أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن الصلاة من سنن الهدى، والله لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيتنا يؤتى بالرجل من المرض يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف]] مريض، لكنه ما استطاع أن يصلي في البيت.

    فيا شباب الإسلام! يا أهل العضلات! يا أهل الأوقات! يا أهل المطعومات والمشروبات، والفلل والمركوبات! هذا هو الإسلام في المسجد، إسلام صفوف، إسلام إعلان وعمل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].

    عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، كان يرفع كفيه مع كل صباح، قالوا: مالك؟ قال: أسأل الله الميتة الحسنة؟ قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرته سكرات الموت في صلاة المغرب وهو في البيت، فسمع أذان المغرب، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت في سكرات الموت والله عذرك.

    قال: سبحان الله! أسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ولا أجيب داعي الله! لا والله.

    فحملوه على الأكتاف، هذا هو الحب والإيمان والطموح، وأنزلوه فصلى مع الناس، فلما أصبح في آخر سجدة قبض الله روحه فسبحان الله.

    ألا لا أحب السير إلا مصعداً      ولا البرق إلا أن يكون يمانيا

    يقول سعيد بن المسيب: [[الحمد لله: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في جماعة منذ أربعين سنة]] هنيئاً لك وحياك الله، هذا هو الإيمان والحب والطموح.

    يقول الأعمش سليمان بن مهران راو في الصحيحين سماه الذهبي: شيخ الإسلام، يقول لأبنائه وهم يبكون عليه: ابكوا أو لا تبكوا، والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة ستين سنة.

    رحمك الله، والله لقد أحسنت إلى نفسك وما أحسنت إلا إلى نفسك.

    نعم. من تردى تردى على نفسه، ومن أحسن أحسن إلى نفسه، فهنيئاً لأولئك الملأ.

    سعد بن أبي وقاص يقول عنه الذهبي لما حضرته الوفاة، من الذي لا يعرف سعداً، الذي لا يعرف سعداً كأنه لا يعرف شيئاً.

    بينما يذكرنني أبصرنني     عند قيد الميل يسعى بي الأغر

    قلت تعرفن الفتى قلن نعم     قد عرفناه وهل يخفى القمر

    أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي دكدك إمبراطورية كسرى، دخل المدائن فلما رأى إيوان العمالة والضلالة والدجل، قال: الله أكبر فانصدع الإيوان، وأخذت تدمع عيناه ويقول: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ [الدخان:25-26] سعد بن أبي وقاص الذي يقول: يا رسول الله! ادع الله أن أكون مستجاب الدعوة، قال: {يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} ثم قال عليه الصلاة والسلام له: {اللهم أجب دعوته وسدد رميته} فحضر غزوة أحد -والحديث في الصحيحين - كان يأتي بأسهمه في أحد إلى الكفار فيطلق السهم فلا يقع إلا في عين كافر، لأنه مسدد الرمية، فانتشى عليه الصلاة والسلام، وفرح وأخذ يتبسم ويعطيه الأسهم، ويقول: {ارم سعد فداك أبي وأمي}.

    ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم     ولا رمى الروم إلا طاش راميها

    تسعون معركة مرت محجلة     من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

    هؤلاء أبطال الإسلام، سعد لا بأس أن أقف معه قليلاً:

    حضرته الوفاة وهو في الغابة أو في الصحراء، فبكت ابنته عائشة، فقال: {ابكي أو لا تبكي، والله إني من أهل الجنة}.

    قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك.

    ونحن نقول: نشهد بالله أنك من أهل الجنة؛ لأنها بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    إن تاريخاً ليس فيه محمد ولا أصحابه، تاريخ وثنية وتاريخ تخلف، وتاريخ ملعون.

    يقول الذهبي في ترجمة ابن الراوندي الفيلسوف المحسوب على الإسلام، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ابن الراوندي الكلب المعثر ابن الراوندي الملحد، لأن ابن خلكان ترجم لـابن الراوندي فذكر أدبه وشعره ونسي عمالته، وضلالته وإلحاده، فيقول ابن كثير: ابن خلكان، ترجم لـابن الراوندي وترك إلحاده كأن الكلب ما أكل له عجيناً، ما كأنه اعتدى على حرمات الإسلام، ولذلك نأتي الآن نصفق للأدباء وهم ضلال زنادقة، ونمدح كثيراً من المغنيين وهم الذين أفسدوا الأمة، وما قدموا لها شيئاً، هم الذين سفكوا دم الأمة، وأذهبوا مروءتها، وهم الذين أخذوا لباسها وجلالها وعظمتها، إي والله، هذا هو المعهود، ولذلك يأتي ابن سيناء في بعض الأقسام العلمية، فيقولون: قسم ابن سيناء، ابن سيناء فرخ من فروخ الصابئة، وذنب من أذناب المجوس، يقول ابن تيمية عن كلمة عنه: إن كان صح عنه ما يقول، فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين.

    هذا ابن الراوندي ألف كتاب الدامغ على القرآن، قال الذهبي: كان ذكياً، نعم. من أذكياء العالم، لكنه قال: لعن الله الذكاء بلا إيمان، وحي الله البلادة بالتقوى، بليد مؤمن أحسن من ذكي عبقري كافر، لأن الكافر في مسلاخ الحمار والكلب، أرأيت الحمار والكلب هو لا يقدم خيراً لنفسه، ولا لأمته.

    فيا أيتها الأمة! كيف نجعل من الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة؟

    أن نلقن أبناءنا حب الرسول صلى الله عليه وسلم ونعلمهم بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    حدثني بعض الإخوة أن في البوادي في بلادنا من يأتون إلى كتاب عنترة بن شداد، بدو فيدرسون أبناءهم على السرج سيرة عنترة بن شداد ماذا فعل عنترة بن شداد؟ أسك أصم لا يعرف شيئاً، كان يذبح ويجلد بلا شريعة وثني، فيعلمونه فينشأ هذا الطفل وأعظم شخصية عنده في الحياة عنترة بن شداد، والجارية تودد والزير سالم، والجساسة، وفلانة وفلانة خزعبلات... لماذا؟

    لأنهم ما وجدوا من الدعاة الذين يعرضون لهم الدعوة في البوادي، نحن اشتغلنا بالماجستير والدكتوراه، نقابل بين نسخة بولاق، ونسخة دار الشروق، وضاعت الأمة، بين بياض بالأصل، بل سواد في الأصل -أنا لا أقول: إن هذه الرسالة لا تنفع، بل هي مطلوبة وجديرة، ولكن من لتعليم الأمة؟ ومن لتعليم الجهاد؟ من لهؤلاء البدو الرحل لإخراجهم من الضلالات والجهالات وتعليمهم الوضوء؟

    إذا أتينا نحاضر البدو قلنا: تنطلق دعوة الإسلام وديكتاتورية الدعوة في الإسلام من أطر، لا يفهمون الأطر، ولا ديكتاتورية ولا بوتقة، يفهمون (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) الحديث طويل وطويل، ولكن للأسئلة مكان ولها دور، وخير المتكلمين من سكت والناس يقولون: ليته يتكلم، وشر المتكلمين من يتكلم والناس يقولون: ليته يسكت، فأعوذ بالله أن أكون من الثاني.

    قال الجدار للوتد لم تشقني     قال اسأل من يدقني

    فشكر الله لكم:

    زاد معروفك عندي عظماً     وهو في نفسك مشهور خطير

    تتناساه كأن لم تأته     وهو عند الناس مشهور كبير

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الجهاد في أفغانستان

    السؤال: هل الجهاد في أفغانستان فرض كفاية أم فرض عين؟ وما هو قول الشيخ فيمن تبع فتوى الدكتور عبد الله عزام؟ وهل هو برضا الوالدين أو بغير رضاهما؟

    الجواب: سلام على الجهاد والمجاهدين، وسلام الله على المجاهدين الأفغان، الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء، الذين أعلنوا: إن القوة للإسلام والعظمة لهذا الدين، الذين ذلوا الكافر أمام شعوب الأرض:

    يا أمة النصر والأرواح أثمان      في شدة الرعب ما هانوا ولا لانوا

    هم الرعود ولكن لا خفوت لها     خسف ونسف وتدمير وبركان

    كم ملحد ماجن ظن الحقوق له     زفوا له الموت مراً وهو مجان

    وبلشفي أتى كالعير منتخياً      رأى المنايا فأضحى وهو جعلان

    فروا على نغم البازوك في غسق     فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ

    أما الجهاد في أفغانستان يطلب من كل مسلم، وأنا لا أدخل في فرض العين، ولا في فرض الكفاية، لكثرة التذبذب والصراع بين أهل العلم وأهل الفكر في ذلك، ولا نزيدها شيئاً.

    تكاثرت الضباء على خراشٍ      فما يدري خراش ما يصيد

    إنما أنا أدعو إلى الجهاد، أما قول الشيخ عبد الله عزام، أنه لا يستأذن من والديه، فالشيخ نجله ونحبه لأنه قال وفعل وصدق، وكثير من الناس يقول ولا يفعل، أما هو بنفسه وماله وأهله ذهب إلى هناك، وأما بدون إذن الوالدين فليس بصحيح، بل النصوص تدعو إلى إذن الوالدين، إنسان يذهب ويترك أباه وأمه يبكيان في البيت، إنسان يرمل أسرته وليس لهم عائل بعد الله إلا هذا، ليس بجهاد { ففيهما فجاهد} والحق لا بد أن يقبل بالدليل، قال تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام:148].

    فلا بد من الدليل ولا دليل، والشيخ نحترم رأيه، لكن هذا نقوله بإذنه سبحانه والعون من الله -أنه لا بد من إذن الوالدين، فإذا لم يأذن الوالدان فلا جهاد.

    لا حضارة للعرب قبل الإسلام

    السؤال: قلت في بداية حديثك: إنه ليس للعرب حضارة قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك هناك كتاب يقولون غير ذلك، فما موقفنا من هؤلاء الكتاب من الناحية العامية والتاريخية؟

    الجواب: قبل أن أجيب على السؤال الثاني، أناديكم أيها الإخوة! أن تقفوا من الجهاد الأفغاني موقف المناصر من لم يستطع أن يجاهد بنفسه فبماله، ومن لم يستطع بماله، فبالدعاء في ساعة الجمعة، وفي أدبار الليل، وفي السحر، وفي أدبار الصلاة.

    وانتصار المجاهدين انتصار المسلمين، ورفع لا إله إلا الله، وبذل المال والتضحية به في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    أما ما ذكر الأخ أنني قلت: إنه ليس للعرب حضارة، فأنا أعني الحضارة التي كانت مفهومة ذلك الوقت عند الناس، حضارة اليونان، حضارة فارس، أما الشذر والمذر الذي ذكره الأخ، أنهم كانوا يقولون شعراً أو أدباً، فهذا ليس بحضارة، امرؤ القيس يقول في نجد قصيدة، ويأتي الغطفاني ويقول قصيدة أخرى، وزهير في أرض الحجاز يقول قصيدة ثالثة، هذه ليست بحضارة، أُمة لم تعرف الرقي ولا الأدب ولا السلوك، ولا التطور، ولا الثقافة، ولا المنهجية ولا النظام ليست بأمة متحضرة، يقول رستم وهو ينظر إلى جيش المسلمين قبل القادسية، ينظر إليهم صفوفاً وهم ثلاثون ألفاً، يصلون وراء سعد، يعض أصابعه رستم ويقول: علم محمد الكلاب الأدب.

    قضايا في الرياضة

    السؤال: بماذا تنصح لاعبي الكرة جميعاً ومن يلعبون الرياضة، وقد وردت أسئلة في هذا المنوال كثيرة، ويتعلق بعضها بما هو السروال الذي يتمشى مع الشريعة الإسلامية في لبسه في أثناء تأدية الرياضة، وهل تنصح بمزاولة الرياضة للشباب المسلم؟

    الجواب: هذا السؤال ذو شقين، أما أهل الرياضة، فأنا أناديهم من هذا المكان الطاهر ومنهم من هم معي خاصة المشرفين على نادي الفتح، ومن أمثالهم من الأندية أن يتقوا الله في رسالتهم، وألا يجعلوا الغايات وسائل والوسائل غايات، أنا قلت في أول الحديث: إن الرياضة ليست غاية للمسلمين، هي وسيلة، وأسألهم بالله أن يدخلوا الإيمان مع الرياضة ومع الأدب لنبقى مؤمنين، لا عب مؤمن لا بأس به بالشروط، أما من ناحية ما يلاحظ على الأندية، فكأن الملاحظات تدور على ثلاثة أوجه:

    الولاء والبراء: ففي كثير من الأندية يكون الولاء والبراء للنادي، حتى يوالي ويعادي عليه أكثر من ولائه لله القهار ومن عدائه لأعداء الله، أصبحت حياته للنادي، يموت له ويعيش له، يقول: أنا مع النادي حتى الموت، وهذا ليس بوارد، أنت مسلم أنت مؤمن، أنت تحمل رسالة، فأما أن توالي وتعادي على النوادي، فالولاء والبراء عقيدة من عقيدة أهل السنة والجماعة لا تصرف لغير الله، وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان}.

    المسألة الثانية: لوحظ في بعض الأندية ترك الصلاة والعياذ بالله، أو تأخير الصلاة عن وقتها، وهذا منكر وإثم عظيم.

    والمسألة الثالثة: اللباس، اللباس الساتر في الإسلام لعورة الرجل والتي أتت به الأحاديث من السرة إلى الركبة، أما بعض العلماء يوم قال العورة المغلظة، فنحن لسنا في المغلظة الآن فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [طه:121] في وقت كان يلومهم الله على هذا لأن الخطيئة أنزلت عنهم لباسهم، ولكن بـسنن الدارقطني: عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وفي حديث جرهد الذي هو حسن، قوله صلى الله عليه وسلم: {غط فخذك، فإن الفخذ عورة} ويستدل بعضهم بحديث أنس في صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجرى فرسه في زقاق خيبر فانكشف فخذه} قيل في الجواب: هذا فعل، وقوله صلى الله عليه وسلم يقدم على فعله.

    الجواب الثاني: أنه انكشفت لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجري ما كان متعمداً ومتهيئاً ومترسلاً في فعله.

    الجواب الثالث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم له في بعض الأمور أشياء وليست لأمته؛ فهذه التي تلاحظ، وأنا أنصح بإدخال الإيمان في النوادي.

    وأما مسألة هل ندخل النوادي أم لا؟ فلا بأس أن ندخلها دعاة ونحمل رسالة علَّ الله أن يهدي بنا ويسمع وينفع بنا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في السير {أتى إليه ركانة، فقال: يا محمد! لا أسلم حتى تصارعني، وكان من أقوى العرب، فقام عليه الصلاة والسلام ليصارعه، فصرعه من أول مرة، ثم صارعه صلى الله عليه وسلم، فصرعه مرة ثانية، ثم ثالثة، فقال ركانة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله} كل وسيلة مباحة يخدم بها الدين، وترفع بها راية لا إله إلا الله، وينفع بها الناس لا بأس بها، أما أن نبقى في المساجد وننتظر من الناس أن يأتوننا، فالناس لا يأتوننا، بل نحن نأتي الناس لأننا دعاة، الذين أتوا المسجد أتوا ليصلوا نقوم عليهم بعد الصلاة نقول: صلوا يا جماعة الخير، صلوا بارك الله فيكم، ما أتوا إلا ليصلوا، لكن الذين يصلون في بيوتهم ينبغي أن تذهب إليهم هذا هو المطلوب، وهذا هو الوارد.

    حكم مشاهدة التلفاز

    السؤال: أيضاً وردت أسئلة كثيرة عن حكم مشاهدة التلفاز، وبالأخص المسلسلات والأغاني وما شابهها خصوصاً في النساء التي يقضين الوقت الكثير في البيوت، فما حكم ذلك فضيلة الشيخ؟

    الجواب: التلفزيون سلاح ذو حدين، لا يحكم به لجرمه، فهو من حديد وبلاستيك ومن أغطية ومن قماش، وأجهزة، وإنما يحكم بالمادة التي تعرض فيه، فكلما عرض فيه محرم فهو محرم لهذا التحريم الذي ورد فيه؛ من أغنية ماجنة، ومسلسل خليع، وتمثيلية فاجرة تهدم الأمة، أما مادة طيبة؛ قرآن، حديث، حلقة، فلا بأس به، على أن من الناس قناعاتهم الخاصة، للناس من يتورع من إدخاله في بيته، وهذا أمر محمود لأنه قد لا تضبط برامجه، وقد يساء استعماله، وقد يأتي حتى من برامج الخير التي فيه، بأن تفتتن المرأة بمن تنظر إليه، فأنا رأيي فيه أنه بالمادة التي تعرض فيه، والله أعلم.

    المسجد لا يحل للحائض.. ودور المرأة في الإسلام

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض، وأيضاً هل للمرأة دور كبير في الإسلام؟

    الجواب: المرأة لا تدخل المسجد وهي حائض، لعموم الأحاديث التي نهت عن ذلك، منها حديث أبي داود بسند جيد عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قوله صلى الله عليه وسلم: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب} وفي صحيح البخاري، عن عائشة قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلي لي رأسه من المسجد وأنا في بيتي وهو معتكف وأنا حائض فأرجل رأسه} فلم يسمح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدخول المسجد، وإنما سمح للجنب أن يعبر المسجد، لقوله سبحان وتعالى: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43].

    أما المكث في المسجد فليس للجنب ولا للحائض، ويجوز للحائض أن تعبر إذا لم تجد الطريق إلا أن تعبر من باب إلى باب، ولكن لا تمكث ولا تجلس، وإذا أرادت أن تسمع لمحاضرة، فلتعتزل في مكان خارج المسجد لقول أم عطية: {أمر العواتق وذوات الخدور أن يشهدن الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يحضرن الخير ويعتزلن المصلى}.

    حد تقصير الثوب.. وحكم إطلاق اللحية

    السؤال: ما هو الحد الذي يجب على المسلم أن يعمله فيما يتعلق بتقصير الثوب وإطلاق اللحية، وأيضاً: هناك جانب من الأسئلة يسأل عمن يستهزئ بمن يربي لحيته ويقصر ثوبه، وهي من أوامر الله سبحانه وأوامر رسوله؟

    الجواب: أما الحد في الثوب، فإزار المؤمن إلى نصف ساقه، ولك من نصف الساقين إلى ما فوق الكعبين، أما ما فوق نصف الساقين فليس بثوب بل فنيلة وقد قلت ذلك كثيراً، أن يجعل ثوبه إلى ركبتيه، فليس بثوب يسمى فنيلة، والفنيلة شيء والثوب شيء آخر، وقد يكون ليس بساتر للعورة إذا سجد، فإلى نصف الساق فوق الكعبين لأنه صح فيها حديثان:

    الحديث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} قالوا: من جر ثوبه خيلاء فعاقبته أنه لا ينظر الله إليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: {ما زاد عن الكعبين ففي النار} فهو خيلاء وغير خيلاء، لأن بعض الناس يسبل اليوم، فإذا قلت له: لماذا تسبل؟ قال: أنا لا أسبل خيلاء، أسبل بلا خيلاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، لما قال لـأبي بكر: {إنك لست ممن يفعل ذلك} -يعني خيلاء- فهم يعتبرون بهذا وقد أخطئوا النجعة وما أصابوا، فإنه من استرخى إزاره تحت الكعبين فهو في النار هذا أمر.

    وأما اللحية فيبقيها على هيئتها ولا بأس بمشطها، وتنسيقها، وترسيلها وتطييبها حتى يظهر بمظهر طيب، وأما من يستهزئ بهذه الشعائر، فهذا عليه أن يتوب فقد نافق نفاقاً اعتقادياً، ووصل إلى درجة الكفر، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66].

    وقد بلي الإسلام بمثل هؤلاء الأشكال؛ ما وجدوا حرباً في المجتمع إلا حرب شباب الخير والهداية والنور، جعلوهم عرضة لهم في كل مجلس، (متطرفون) -كلمة وزعتها الصهيونية العالمية - وتبثها كثير من الإذاعات، متطرف لأنه متمسك، لأنه عرف طريق الجنة، متطرف لأنه عرف الإيمان والحب والطموح، أما المطبل والمزمر والماجن والسكير والعربيد ليس بمتطرف بل هو معتدل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

    الخشوع لا يشترط فيه إخراج الدموع

    السؤال: هل يجب في الخشوع لله استخراج الدموع أم لا؟ وهل يؤجر مثل ما يؤجر مخرج الدموع؟

    الجواب: الباكي من خشية الله مأجور بنصوص كثيرة، منها: {عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خيشة الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله} وذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى النصارى وقال: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [المائدة:83] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:57-62] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنبياءه فقال: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58] فوصفهم بالبكاء، أما أن يشترط البكاء في الخشوع فليس بشرط، فبعضهم لا يبكي لكنه محكم لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله ونفسه وبيته، وكثير من الناس يبكي لكنه مخالف بأقواله وأفعاله في المجتمع، فالبكاء ليس بشرط؛ لكنه زيادة في الخير والأجر والمثوبة، أما الخشوع فواجب: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

    وهذا أمر لا بد أن يتنبه إليه ولكن على المسلم أن يجر الدموع، فإذا لم تدمع عيناه عليه أن يتباكى، كما قال عمر.

    الزوج هو الذي يختار زوجته

    السؤال: هل اختيار الزوجة يأتي حسب اختيار الزوج أم الوالدين، وحتى لو كان في ذلك غضبهما أو زعلهما، فما الحكم؟

    الجواب: الزواج ليس على اختيار الوالدين لكن على اختيار الزوج، والزوجة يختارها الزوج لا الوالدان، لأنها ليست بسيارة ولا أرض، هي زوجة تكون عشيرته، وقريبته، وسكنه في الحياة، فكيف يتدخل الوالدان، لهم إن شاء الاستشارة، أما أن يقولا: اترك هذه أو هذه فلا، وهذا الزواج قد يصبح زواجاً فاشلاً، يزوج إنسان بامرأة لا يرغبها ولا يحبها، وفي الأخير ينهار معها في حياته ويقصم حياتها، ولذلك جعل رسول الله النظر وقال: {لينظر إلى ما يدعوه إلى النكاح منها والزواج بها} عليه أفضل الصلاة والسلام.

    حكم المدخنين والجلوس مع المتهاون بالصلاة

    السؤال: ما حكم المدخنين، وما حكم أصدقاء المدخنين، فهل يجوز لهم دخول منازلهم أو المبيت معهم أو النوم معهم؟ وأيضاً: حكم المتهاون في أداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، خصوصاً بالنسبة للطلاب الذين يسكنون في السكن الجامعي، حيث أن هناك بعض الطلبة يذهبون إلى الصلاة مأجورين، وبعضهم ينام، فما حكم السكن معهم؟الجواب: الدخان فيما ظهر وهو القول الصحيح أنه محرم بعموم النصوص في الكتاب والسنة، منها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].

    وبإجماع العقلاء أن الدخان من الخبائث، إذا علم هذا فالمدخن مرتكب للإثم، ملوم وليس مشكور، آثم فاسق، لكنه لا يبلغ إلى درجة الكفر، أما زيارته بقصد إصلاحه فلا بأس، ولك أن تجفوه من باب جفاء أهل المعاصي، ولكن لك أن تجيب دعوته إذا دعاك إلى طعام، إذا كان يصلي أو يصوم، وتنبهه على هذا الخطأ، لأننا إذا هجرنا كل من فيه معصية تركنا المجتمع كل المجتمع، ولك أن تنام عنده، ولا تنسى دعوته إلى الصراط المستقيم.

    أما أهل السكن ومن تخلفوا عن صلاة الفجر فقد ارتكبوا إثماً، في صحيح مسلم، عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: { من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}.

    والتخلف عن صلاة الفجر من علامات النفاق، وهي من فعل المنافقين، والإخوة الذين في السكن إن كان لهم مصلى في السكن يجتمعون فيه هذا من الأصلح، وبقاؤهم في المصلى ليجتمع إليهم الشباب، فلهم ذلك، إن كان المتخلف يريد أن يصلي في المصلى فله ذلك، وأما إن كان هذا المتخلف لا يصلي في المصلى ولا في المسجد، فاذهب أنت إلى المسجد، ومن تخلف عن صلاة الجماعة فهو فاسق أيضاً، وقد دل أكثر من ثلاثة عشر حديثاً صحيحاً على وجوب صلاة الجماعة، وأنه لا يترك الوجوب بأي حال إلا بعذر شرعي.

    التساهل في الحجاب

    السؤال: وردت أسئلة كثيرة عن حكم من يتساهل في عدم أمر زوجته بالتحجب عن غير محارمها، وخصوصاً أقاربه وأهله، وفيمن يتساهل عن ذلك الكثير وحتى لو كانت الزوجة من المحجبات؟

    الجواب: هذه مسألة وجدت حتى أصبحت ظاهرة بين بعض الملتزمين، أن يترك الحبل لزوجته على الغارب، فتجالس أقاربه وهم أجانب، تجالس أخاه، وتجالس ابن عمه فتقع في الإثم، وهذه المرأة أمانة في عنقك، وأكبر ما تنجيها من العار والدمار والنار أن تحجبها وتسترها وتصونها، فعليك أن تتقي الله في حجاب المرأة، وقد دلت النصوص على وجوب الحجاب وأنه هو الأسلم في الوجه، لا كما يقول بعض الناس: إن الوجه لا يحجب، فإن معنى ذلك: أن محاسن المرأة ومفاتن المرأة تعرض على الناس، وهذا ليس مقصوداً في الإسلام، فإن جمال المرأة وروعتها في وجهها، فعلى الإخوة أن يتقوا الله في ذلك.

    ظاهرة أخرى، أن الحمو أخو الزوج يتساهل في دخوله على زوجة أخيه يستأذن منها، يدخل في بيتها، والرسول صلى الله عليه وسلم، سئل كما في صحيح البخاري عن الحمو، قال: {الحمو الموت} ولأنه لا يشكك فيه، ولكن يأتي الخطر من جانبه.

    كيف تكون المحبة والتضحية لرسول الله صلى الله عليه وسلم

    السؤال: لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم معاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك بان حبهم وتضحيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فنالوا رضوان الله ورسوله ونحن كيف يكون حبنا وتضحيتنا للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو موارى في التراب؟

    الجواب: نعم.

    كما تفضل السائل أكبر أو أعظم صحابة أحبوا صاحبهم هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، يأتي أبو دجانة فيتترس على الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقع الأسهم على ظهره ويقول: [[نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله]] الصاحب سعد بن معاذ الذي يقول: [[يا رسول الله! صل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وأعط من شئت، واحرم من شئت، والذي نفسي بيده! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد]].

    الصحابية نسيبة الأنصارية تأتي فيقول عليه الصلاة والسلام: {ما التفت إلى ناحية إلا وجدتها تسترني من السهام} أبو عبيدة يأتي إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، فيرى حلق المجن قد غارت في جبينه الطاهر، فينزعها بثنيتيه فتتساقط، وكان أحسن جميل عمله في الإسلام، الصحابي الخامس: {يأتي فيمص الدم من الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذا اسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري: أبو سعيد، والحديث صحيح- فيمص الدم فيقول له صلى الله عليه وسلم: مج الدم -يعني: أخرج الدم- فيقول: والله، لا أمجه أبداً، فيبتلعه ويشربه}.

    الذهبي في سير أعلام النبلاء يروي بسند صحيح أن عبد الله بن الزبير {أعطاه صلى الله عليه وسلم فضلة دم حجامة -الحجامة التي احتجمها صلى الله عليه وسلم أعطاه في صحن، وقال: اذهب به فاجعله في مكان لا يراه أحد، فذهب به، فلما اختفى بين البيوت وعُمْرُ عبد الله بن الزبير عشر سنوات شرب الدم؟ وعاد بالصحن والرسول صلى الله عليه وسلم يدري، قال: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد، قال: ويل لك من الناس، وويل للناس منك؛ ولن تمسّك النار} وهذا الحديث صحيح، فأما ويل لك من الناس، فإنك قد خالطت دمي بدمك فسوف تصاب بمثل ما أصبت، لأن العظماء محسودون، يقول زهير:

    محسدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم مالهم حسدوا

    إن العرانين تلقاها محسدة     ولا ترى للئام الناس حسادا

    وأما قوله: {وويل للناس منك} فإنك سوف تكون عظيم، لأن دمي في دمك وسوف يتضرر بك قومك، لا تمسك النار في الآخرة، كيف تمسه النار وقطع دم الرسول صلى الله عليه وسلم سرت في شرايينه؟! ولذلك كان عظيماً، وقتله الحجاج بن يوسف ورفع على المشنقة وأصبح في ريع الحجون عند المقبرة للرائحين والغادين، حتى صدقت عليه القصيدة وليتها فيه، التي قالها أبو الحسن الأنباري، في أحد الوزراء يوم صلب على باب بغداد، قال:

    علوٌ في الحياة وفي الممات     بحق أنت إحدى المعجزات

    علو في الحياة والممات: يقول كنت عالياً في الحياة، ويوم مت كنت عالياً ما دفنوك.

    كأن الناس حولك حين قاموا     وفود نداك أيام الصلات

    كأنك واقف فيهم خطيباً     وهم وقفوا قياماً للصلاة

    مددت يديك نحوهم احتفاء     كمدهما إليهم بالهبات

    ولما ضاق بطن الأرض عن أن     يواروا فيه تلك المكرمات

    أصاروا الجو قبرك واستعاضوا     عن الأكفان ثوب السافيات

    هذا الفداء وهذا التطراد، كيفما تقدم حبك للرسول صلى الله عليه وسلم، نحن والله لا نطالب أنفسنا وإياكم بأن نفعل كما فعلوا:

    زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع

    نطلب أن نربي لحانا كما كان صلى الله عليه وسلم يربي لحيته، وأن نقصر ثيابنا، وأن نشتري مساويك، وأن نحافظ على الصلاة، ثم نعود إلى بيوتنا لنأكل ونشرب، ولكن نطالب أنفسنا ألا نرتكب حراماً، هذا إسلام قدم لنا طازجاً جاهزاً، ما علينا إلا أن نتبع وأن نتمسكن وإذا سمعنا قنبلة أو غارة قلنا: {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} فنحن نطالب أنفسنا باتباعه وحبه من هذا المسلك، في صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وقد سأله أعرابي: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: المرء يحشر مع من أحب} قال أنس: [[فنحن والله نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحب أبا بكر وعمر وإن لم نعمل بأعمالهم]].

    أحب الصالحين ولست منهم     لعلي أن أنال بهم شفاعة

    وأكره من تجارته المعاصي     ولو كنا سواء في البضاعة

    الديمقراطية لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: نسمع في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عاش مع أصحابه الديمقراطية الحقة، فما المقصود بـالديمقراطية الحقة؟

    الجواب: هذه من كيس السائل، الديمقراطية من كيسه صنفها وألفها وأخرجها للناس، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ديمقراطياً، ولم يكن ديكتاتورياً، إنما كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقول أحمد شوقي:

    الاشتراكيون أنت إمامهم     لولا دعاوى القوم واللأواء

    كذب.

    الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن اشتركياً، كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، أما الديمقراطية فمعناها الشورى، ولذلك يقول أحمد شوقي:

    فالحكم عدل والخلافة بيعة     والأمر شورى والحقوق قضاء

    وهذا صحيح، فنسميها شورى ولا نسميها ديمقراطية، لأن في الناس حكماً فيدرالياً، وهو الذي يجعل منصباً واحداً في مجالس معه كمجلس الشيوخ والنواب، وديمقراطياً برلمانياً، وديكتاتورياً أن يستقل هو بالمسئولية، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام، وكان هو الذي يشير ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159] قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38] وأما الديمقراطية فخذها في جيبك وإذا خرجت فارمها خارج المسجد.

    حديث (من سب صحابتي فقد سبني)

    السؤال: هل هذا الحديث صحيح: {من سب صحابتي فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله فقد كفر

    الجواب: هذا الحديث موضوع فلا يصح عن الرسول وهو كذب وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، وإنما في المسألة حديثان، حديث صحيح وحديث حسن:

    الحديث الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم {لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} والحديث الحسن في سنن الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم عرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم}.

    بر الوالدين

    السؤال: أحب أن أهدي لك هذا البيت:

    أهلاً وسهلاً بالضيف يأتي بيته الثاني الرحيبا     قد فتحنا قبل فتح الباب للضيف قلوبا

    أما السؤال فأقول: كيف أكون باراً بوالدي؟

    الجواب: شكراً على بيتك وإن دل على شيء، فإنما يدل على إيمانك وحبك وطموحك، وأنا أقول فيك وفي هذه الشبيبة أنكم أشبه بقول القائل:

    هينون لينون أيسار بني يسر      صيد بهاليل، حفاظون للجار

    لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا      ولا يمارون إن ماروا بإكثار

    من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم      مثل النجوم التي يسري بها الساري

    أما قولك كيف تكون باراً بوالديك:

    فعليك أن تطيعهما في طاعة الله عز وجل؛ فإن أمراك بمعصية فلا تطعهما، كلما أرادا شيئاً لا يغضب الله عز وجل فنفذ هذا الأمر وشرط البر الرضا، أن يرضى الوالد وترضى الوالدة عنك، إذا رضيا عنك فقد كنت باراً بوالديك، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23].

    الفكر وأقسامه

    السؤال: ذكر فضيلتكم في محاضرة العلم الأصيل والعلم الدخيل أنكم كنتم تكثرون في بداياتكم القراءة في الفكر، فما هو المقصود بقولكم: الفكر، نرجو توضيح ذلك؟ مع ذكر بعض الكتب المؤلفة في الفكر وما المقصود بها؟ وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الفكر طغى عند المسلمين لما اضطروا إلى الرد على المفكرين الغربيين وأمثالهم من أعداء الإسلام من المستغربين والمستشرقين، والفكر ليس بعلم، هو قضايا واقعية وحوداث جدت بالأمة تراد أن يرد عليها، شبه وضعت في الساحة، بعض الردود من القرآن والسنة، وبعضها ردود عقلية، الفكر أشبه شيء بعلم المنطق، والفكر قسمان:

    قسم محمود، وهو ما دافع أهله عن الإسلام والمسلمين فجزاهم الله خيراً، كما فعل الأستاذ سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن الندوي، وغيرهم من العلماء فجزاهم الله خيراً.

    وفكر لا رسالة له، كتابة جزئية، كما تجد بعض الصحفيين يكتب في مسائل ويشغل بها الناس ويقيم الدنيا ويقعدها، فهذا لا خير فيه، الفكر بقسميه، أما الثاني فحرام، حرام أن تكون رسالة المسلم في الحياة الفكر الثاني الذي ليس له رسالة، والفكر الأول يؤخذ بقدره ويكون الأصل العلم (قال الله، قال رسوله) والتحقيق، والدليل، والجلسات الهادئة، لأن الفكر لا يمكن أن يستمر معك، والإسلام يعترف بالعلماء ولا يعترف بالمفكرين.

    كيفية اكتساب العلم

    السؤال: ما هي قصتك في اكتساب العلم، أرشدنا أفادك الله، فنحن نريد أن نتأسى بك؟

    الجواب: الإنسان صعب أن يتكلم عن نفسه، وما أنا إلا عبد فقير ذليل:

    إلهي لا تعاقبني فإني     مقر بالذي قد كان مني

    يظن الناس بي خيراً وإني      لشر الناس إن لم تعف عني

    فكم من زلة لي في البرايا      وأنت علي ذو فضل ومني

    إذا فكرت في ندمي إليها     عضضت أناملي وقرعت سني

    إنما عليكم أن تبحثوا عن ابن تيمية والعظماء العباقرة العمالقة، ابن القيم، ابن كثير الإمام أحمد، مالك، الشافعي الصحابة، واقرءوا تراجمهم في مثل سير أعلام النبلاء للذهبي.

    قصائد من تأليف الشيخ عائض

    السؤال: نطلب من الشيخ أن يمتعنا بقصائده مثل التي قالها في سماحة الشيخ ابن باز أو التي قالها في فضيلة الشيخ ابن عثيمين، أو التي قالها في أمريكا أو عن المجاهد الكبير عبد رب الرسول سياف، فنترك الشيخ ليلقي ما عنده؟

    الجواب: قصيدة أمريكا قصيدتان، هزلية وجدية:

    أما الجدية: أمريكا التي رأيت:

    يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل

    وتوقف التاريخ فـي خطواتها قبل الرحيل

    سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل

    وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل

    هذه الأمة الإسلامية أجدادكم يعني:

    يا أمة ضرب الزمان بها جموح الكبرياء

    رأس الدعي على التراب ورأس عزمك في السماء

    لو كان مهرك يا مليحة من براكين الدماء

    لهفا إليك اللامعون وفر منك الأدعياء

    يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال

    وهي البريئة خدرهـا فيض عميم من جلال

    شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال

    موتاً أتاتورك الدعـي كموت تيتو أو جمال

    يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد

    كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد

    القاتلو الإنسان خابوا          ما لهم إلا الرماد

    جثث البرايا منهم      في كل رابية وواد

    ما زرت أمريكا فليـ     ست في الورى أهل المزار

    بل جئت أنظر كيف ند      خل بالكتائب والشعار

    لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار

    وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار

    ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام

    قد زادني مرأى الضلا     ل هوىً إلى البيت الحرام

    وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام

    ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام

    أما الهزلية فاسمها: نشرة الأخبار:

    يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي

    مصلياً على رسول الله     مذكراً بالله كل لاهي

    قد جئت من أبها صباحاً باكراً     مشاركاً لحفلكم وشاكراً

    وحملتنا في السما طيارة     تطفح تارة وتهوي تارة

    قائدها أظنه أمريكي     تراه في هيئته كالديك

    يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا

    وهذه أخبار هذي النشرة     مسافة السير ثلاث عشرة

    من الرياض عفشنا ربطنا     وفي نيويورك ضحى هبطنا

    أنزلنا في سرعة وحطنا     وقد قصدنا بعدها واشنطنا

    ثم ركبنا بعدها سيارة     مستقبلين جهة السفارة

    منـزلنا في القصر أعني ريديسون     يا كم لقينا من قبيح وحسن

    في بلد أفكاره منكوسة      تثقله بصائر مطموسة

    يقدسون الكلب والخنزيرا     ويبصرون غيرهم حقيرا

    ما عرفوا الله بطرف ساعة     وما أعدوا لقيام الساعة

    فهم قطيع كشويهات الغنم     جد وهزل وضياع ونغم

    فواحش قد أظلمت منها السما     والأرض منها أوشكت أن تقصما

    من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا

    من دمر البيوت في نزاكي      من ضرب اليونان بالأتراك

    من الذي ناصر إسرائيلا      حتى تصب عنفها الوبيلا

    استيقظوا بالجد يوم نمنا     وبلغوا الفضاء يوم قمنا

    منهم أخذنا العود والسيجارة     وما عرفنا نصنع السيارة

    ثم أتينا لمباني الكونجرس     ولم نجد مستقبلاً ولا حرس

    بها ملايين حوت من الكتب     في كل فن إنه هو العجب

    ومعنا في ركبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان

    وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة

    ومعنا عبد العزيز الغامدي      ابن عزيز صاحب المحامد

    والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش

    فهو أبونا في مقام الترجمة      لأننا صرنا صخوراً معجمة

    ثم هبطنا في مطار دنفرا      جلودنا في البرد صارت كالفرا

    ثم دخلنا عند تكسس في دلس     عند شباب كالنجوم في الغلس

    وهل أتاك إذ حضرنا الرابطة     كم ضم من ساقطة ولاقطة

    من عالم وفاهم وشاعر     وأحمق وناهب وقاصر

    وكل من يعمل للإسلام     أخٌ ولا عبرة بالأسامي

    شعبهم لم يعبد الله الصمد     ولم يردد قل هو الله أحد

    لن يعرف النصر ولا لن يعرفه     اضحك له وغطه بالمنشفه

    أما قصيدة سياف فاسمها المدوية:

    سياف في ناظريك النصر يبتسم     وفي محياك نور الحق مرتسم

    وفيك ثورة إسلام مقدسة      بها جراح بني الإسلام تلتئم

    حطمت بالدم أصناماً محجلة     وصافحت كفك العلياء وهي دم

    ثأرت لله والدين الحنيف فلم     يقم لثأرك طاغوت ولا صنم

    على جبينك من سعد توقده     وخالد في رُأَى عينيك يقتحم

    قامت عزائمك الكبرى لمعركة      بها بني العرب ودوا أنهم عجم

    حلق إذا شئت فالأرواح طائرة      فعن يمينك من عاهدت كلهم

    وصغ من المهج البيضاء ملحمة      يظل يقرأها التاريخ والأمم

    موتاً على صهوات البيد يعشقه     أهل البسالة في عليائهم شمم

    لا موت من تسكر اللذات فطنته     حياته في الورى سيان والعدم

    سياف خذ من فؤادي كل قافية     تجري إليك على شوق وتستلم

    قد صغتها أنت إسلاماً ومكرمة     وفي سواك القوافي أشهر حرم

    منك المعاني ومني نسجها وأنا      نظم وأنت على ألفاظها حكم

    أنفاسها منك إلا أنها مثلاً      وروحها فيك إلا أنها كلم

    بها حياء إذا سارت لحضرتكم      ماذا تقولوا ويكفي أنك العلم

    حب ولكن شعري لا يحيط به      من ذا يبلغه عن خاطري لكم

    لمن تركت القصور الشم في دعة      لمن تركت نعيماً كله ألم

    لمن تركت المقاصير التي رفعت      لكل أرعن للذات يلتهم

    سواك يرشف كأس من سلافته     وأنت ترشف كأساً ماؤه الكرم

    كادت معاليك أن ترويك معجزة      لكن تواضعك الأسمى لها كتم

    كأنما أنت كررت الألى ذهبوا     هذا صلاح ومحمود ومعتصم

    السائرون وعين الله ترقبهم      الخائضون وبحر الهول مضطرم

    الواهبون نفوساً أفعمت ورعاً     الشاربون رحيق الموت إن هجموا

    الساجدون ونار الحرب موقدة      الذاكرون وزحف الهول محتدم

    أكفانهم نسجوها من دمائهم      على مطارفها النصر الذي سلموا

    ماتوا ولكنهم أحياء في غرف      من الجنان وذابوا لا فقد تلموا

    سارت إلى الحرب أرواح مكرمة      لو لم تسر لسرت نار الفنا لهم

    لعل في الموت سراً كيف يعشقه     جيل فكم شربوا منه وكم طعموا

    الميت الشهم يوصي الحي في لهف     والحي يغبط موتاهم ويغتنم

    صاغوا الترانيم من صوت المدافع إذ     سواهم يحتويه الناي والنغم

    فكل أصيد منهم هب منطلقاً     كالنجم كم من شياطين به رجموا

    لو خاطب الموت فرداً واحداً وهم     مليون شهم لأموا الموت واستهموا

    قنابل الموت صيغت من جماجمهم     فالموت أصبح من غاراتهم يدم

    والطائرات على صيحاتهم سقطت      صرعى وربانها فوق الربى سحموا

    يكبرون فتهتز الربى فرقا     ويهتفون فيسعى النصر نحوهم

    من كل أطلس عزرائيل يشبهه     في فيلق النصر لا يبكون ميتهم

    تلك المكارم لا دنيا مزخرفة     قد مازج الماء منها الذل والندم

    يا رب أنت ولي المسلمين ومن     سواك من هذه الأصنام ينتقم

    أنزل على جندك الأسمى ملائكة     وراء جبريل روح القدس ينتقم

    ثبت قلوباً بك اللهم قد علقت      ساروا إليك وماتوا فيك واعتصموا

    بيض الوجوه على الرمضاء قد سجدت     إليك وحدك أنت المالك الحكم

    آخر قصيدة أنشدها الشيخ

    السؤال: هناك طلب من الشيخ بأن يلقي آخر قصيدة أنشدها؟

    الجواب: لا أدري ما هي آخر قصيدة إلا مقطوعات:

    مقطوعة في جبيل وهي مقتبسة من مقتطفات قديمة:

    يا مجمع الخير حيوا لي محياه     نداء حق من الفصحى سمعناه

    وفي جبيل لقاءات وأمنية     مع الشباب الذي قد طاب مسعاه

    يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا     وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

    كم نطلب الله في ضر يحل بنا     فإن تولت بلاينا نسيناه

    ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا     فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

    ونركب الجو في أمن وفي دعة     فما سقطنا لأن الحافظ الله

    وأختتم بقولي:

    سلام الله أرفعه إليكم     بأشواقي وحبي والتحية

    وأرفع من ربى أبها سلاماً     إلى الأحساء في أحلى هدية

    ونادي الفتح أبلغه سلامي     وشكري والوفاء بما لديه

    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767958489