وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، حامل لواء العز في بني لؤي، وصَاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسك وفاح، وما غرد حمام وصاح، وكلما سجى بلبلٌ وناح، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسيناً |
لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا |
أكرر سلامي ثانية وثالثة ورابعة بلا انتهاء؛ لماذا؟ لأنكم تركتم بيوتكم ووظائفكم وأعمالكم وتركتم كل ما يلهيكم وأتيتم إلى مجلس من مجالس الذكر؛ لأنكم جلستم تستمعون لـ(لا إله إلا الله) ولـ(قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)؛ لأنكم جلستم هنا تعلنون أن الانتصار للإسلام، وأن البقاء للإسلام، وأن الفجر والمستقبل للإسلام، ثم لي عطفة وشكر لنادي الشهيد، ولي معهم وقفة، فشكر الله لهم أن فعلوا هذا وليس بغريب عليهم، فالأصل فيهم أن يفعلوا هذا، هم وجدوا من أبناء أناس يحملون لا إله إلا الله، هم أبناء قوم يسجدون لله، هم من أصلاب قوم شهدوا أن لا إله إلا الله، وزعوا لا إله إلا الله على البشرية، فهم أبناء خالد وصلاح الدين وطارق.
نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً |
فليس بغريب أن يجمعونا ليسمعوا قول ربنا تبارك وتعالى، فلا والله ما خلقنا للعب، وما خلقنا للهراء، وما خلقنا للضياع، خلقنا أمة رسالة، ومبدأ، ومنهج.
أقول لأهل نادي الشهيد: مَن هو الشهيد؟ من هو الشهيد الذي جعلتموه عنواناً لناديكم ونسبتم ناديكم إليه؛ لأن الشهداء في الساحة كثير، أنا سمعت إذاعة شيوعية ملحدة تتبع لإذاعة موسكو -إذاعة استالين وماركس ولينين وهرتزل - أعداء البشر، سحقت الإنسان، وأكلته وقتلته، والمذيع يقول في أحد الشيوعيين لما قُتِل اغتيالاً: لقد ذهب الشهيد وحُمِل على الأكتاف إلى مثواه الأخير.
وسمعنا وقرأنا في بضع الصحف أن فناناً سَقَط من مكان فقالوا: شهيد الفن، وآخر سموه شهيد الأغنية، وثالث سموه شهيد المرأة، وشهيد الحب، وشهيد الجمال.
فمَن هو الشهيد يا أهل نادي الشهيد؟
الشهيد: هو الذي بذل مهجته لله، الشهيد هو الذي باع روحه من الله، الشهيد هو الذي سكب دمه في سبيل الله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الشهداء: فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] فأنتم -يا أهل نادي الشهيد- كأنكم تريدون أن الشهيد هو الذي يرفع دينه، ويسجد لربه، ويبذل نفسه، ويبيعها من الله.
ثم أشكركم ثالثة لأنكم جعلتم هذا الجمع تحت سقف السماء ما أدخلتمونا بيتاً ولا صالة ولا قاعة، أجلستمونا هنا لنتفكر في آيات الله: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20] فنحن نتأمل في هذه الليلة عظمة الباري، نحن نقرأ التوحيد هذه الليلة في النجوم وفي القمر في النسيم العليل وفي خضرة الأرض وفي الجبال التي تلوح يمنة ويسرة في كل شيء.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ |
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ |
فالآن أنا أدعوكم أن تأخذوا من بيوتكم درساً في التوحيد، وأن تنظروا إلى مَن رَفَع السماء، مَن زينها بهذه النجوم! مَن جملها! مَن أبدعها! مَن ركَّبها بلا عمد! وانظروا إلى الجبال مَن أرساها! مَن سواها، مَن صبَّها في أمكنتها! تبارك الله. وانظروا إلى الخضرة مِن حولكم، فوالله إنها لآيات عجيبة! وإنها لفرصة أن تجددوا توحيدكم وإيمانكم وإخلاصكم وعقيدتكم.
في الصحيحين عن أنس قال: (قدم رجل من العرب - قال: يا رسول الله! مَن رفع السماء؟ قال: الله، قال: مَن بسط الأرض؟ قال: الله، قال: مَن نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فتربع وقال: اللهم نعم. قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم. فلما انتهى من أركان الإسلام، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، أنا
يا حبذا الجنة واقترابُها طيبة وبارد شرابُها |
ويا حبذا النفوس المؤمنة، ويا حبذا الذين عرفوا الله ولقاء الله.
وكلمتي هذه الليلة أوجهها إلى ثلاثة أصناف: إلى الشيوخ الكبار، وإلى الشباب، وإلى النساء.
إلى الشيوخ، كبار السن، أهل الشيب، من انحنت ظهورهم، من امتدت فقراتهم، وتعبوا من الحياة، وملوا منها، ومن سئموا من أيامها.
وإلى الشباب، إلى الذين هم في أول الطريق، إلى الذين ترفرف نفوسهم، إلى الذين تلمح نفوسهم الشهوات، ويريدون أي شيء في الحياة.
وإلى النسـاء، إلى إماء الله في بيـوت الله، لعل هذا الشريط أن يبلغ النساء، ولعل المرأة المسلمة أن تسمع هذا الشريط.
يا أيها الشيخ الكبير! ألا راجعت سجلاتك مع الله؟ ألا عدت إلى صحائفك مع الواحد الأحد؟ هل علمت أنك أخطأت في أول العهد؟ هل علمت أنك كذبت أو غششت أو زنيت أو قتلت أو رابيت؟ هل تبت إلى الله توبة نصوحاً؟
يقول سفيان الثوري أحد علماء الإسلام: [[من بلغ الستين سنة فليشترٍ كفناً]] ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من بلغه الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه} أي: قطع عذره وحجته، ما حجتك عند الله أيها الشيخ إذا لقيت الله؟ أتقول: يا رب! لو أمهلتني أتوب، إلى متى يمهلك؟! تقول: يا رب! لو أخرتني لعدت إليك، إلا متى يؤخرك؟!
فيا أيها الشيخ الكبير! اتقِ الله، واستغفر الله، وتب إلى الله واشتر لك كفناً.
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ |
ويا حريصاً على الأموال يجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ |
من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا |
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ |
وقف شيخ كبير السن من بني إسرائيل أمام المرآة -وكان في عهد بعض الأنبياء- وقد عَبَدَ الله أربعين سنة، ثم أدركه الخذلان، فانحرف وعصى الله أربعين سنة، فلما أصبح في الثمانين نظر إلى المرآة فرأى شيبة في لحيته، قال: يا رب! أطعتك أربعين سنة، ثم عصيتك أربعين سنة، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ سبحان من عطاؤه ممنوح! سبحان من رزقه يغدو ويروح! سبحان من بابه مفتوح!
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا |
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا |
عند الترمذي بسند صحيح: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} فأتى هذا الشيخ وقال: يا رب! أطعتك أربعين سنة ثم عصيتك أربعين سنة فهل تقبلني إذا عدت؟ فسمع قائلاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإذا عدت إلينا قبلناك.
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ |
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبتُ في الرق فاعتقني من النارِ |
هل من شائب وشيخ كبير رأى لحيتَه؟ والله إن من أعظم النُّذُر ومن أعظم ما ينذركم بالموت والفراق: هذا الشيب.
مر الإمام أحمد، إمام أهل السنة والجماعة -رضي الله عنه، يحفظ ألف ألف حديث (مليون)- مر على شباب فقالوا: ما هذا الشيب يا أبا عبد الله؟ قال: والله ما مثَّلْتُ الشبابَ إلا بشيءٍ كان في إبطي أو في يدي ثم سقط مني.
و أبو العتاهية نظر إلى لحيته -هذا الزاهد الشاعر- فوجد الشيب قد غطاها فقال:
بكيت على الشباب بدمع عينٍ فلم يغن البكاء ولا النحيبُ |
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ |
ماذا فعل بك؟!
أرقد روحك وأسكت قلبك، تشرب الماء لكن ليس له حلاوة وطلاوة كالماء الذي تشربه في الصبا، ترى الجمال فلا تهش للجمال، يومك قليل، وأكلك قليل، منـزوي الظهر، محدودب الفقرات، فهل فكرت في تلك الحفر؟!
ومر شيخ كبير على شباب ولحيته بيضاء، فقال له بعض الشباب: مَن باعك هذا القوس؟ - يعني: اللحية البيضاء - قال: أعطانيه الدهر بلا ثمن، وسوف يعطيكم مثله بلا ثمن.
فيا أيها الشيخ الكبير: وصيتي لك تدور على أمور:
الأمر الأول: أكثر من التوبة والاستغفار، اجعل حياتك ونهارك وليلك توبة واستغفاراً، إذا اقتربت الركاب من مكة للحجاج هشت وبشت وأسرعت، وأنت اقتربت من وادي المنحنى، ومن الحفرة المظلمة، ومن لقاء الله، إذا اقترب أهل الوفادة من بيوتهم رأت رواحلهم بيوتهم فأسرعت، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اقترب من المدينة آيباً هش وأسرع حتى يدخل المدينة فأنت على أبواب المدينة، اقتربت من دخول المدينة، إما جنة وإما نار فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7].
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ |
جربت الفقر والغنى، وجربت الجوع والشبع، فلم تجد كطاعة المولى، والله مهما أكلت وشربت ولبست لن تجد كتقوى الله، قال أحد الخلفاء من بني العباس: " أكلت الأكل بأنواعه، وشربت الشرب بأنواعه، ونكحت الحلال، وجلست في صدور المجالس، وطَقْطَقَتْ بي البغال، وصُفَّ الجيشُ أمامي، وافترحتُ بالنصر، وخَفََقَت البنودُ على رأسي، فما وجدت كتقوى الله تبارك وتعالى ".
فأوصيك أن تقلل وأن تخفف فإن وراءك عقبة كئوداً، وإن أمامك منحنىً خطيراً.
دُخِل على أبي ذر وهو شيخ كبير فما وجد في بيته ما عنده إلا شملة وعصاً وقعباً كالصَّحْفَة.
لكن انظروا إلى بيوتنا الآن! انظروا ماذا فعلنا في البيوت؟! كنبات، ومأكولات، ومشروبات، وثلاجات، وبرادات، وسيارات، ومفروشات، والعمل لا يرضي رب الأرض والسماوات، زَيَّنا الجدران، ولَمَّعنا الحيطان، وأكثرنا من النمارق، ولكن عملنا قليل: صلاة مغشوشة، وأموالنا - إلا من رحم الله - في الربا، والزنا فاشٍ، والغناء منتشر.
فوصيتي لك -أيها الشيخ الكبير- أن تتوب، وأن تقلل من الحطام.
فيا شيوخنا! ويا كبارنا في السن! بمن نقتدي؟ وإلى من ننظر؟ أما رأيتم ما فعلت ذنوبنا وخطايانا ومعاصينا! ما نزل القطر ولا هطل المطر! بل جفت الآبار، وانقطعت الأمطار، وماتت الأشجار، وذبلت الأزهار، وغضب الواحد الجبار، كل يوم نخرج نستسقي ونجرب تجارباً كلها تبوء بالفشل؛ لأننا خرجنا إلى المصلى بقلوب قاسية، وثياب مبهرجة، سياراتنا من الربا، وملابسنا من الربا، وقصورنا ودورنا من الربا، ونسمع الغناء، ونهرج مع الغيبة والنميمة والفحش إلا من عصم ربنا، فعودة نصوحاً يا شيوخ الإسلام.
شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم مجدُه وبكم يسودُ |
وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجرُه الباهي الجديدُ |
أتى خالد بن الوليد وهو شاب فامتطى سيفه ليحطم رأس كل من لا يقول لا إله إلا الله، شاب جرى الإيمان في لحمه ودمه، شاب خاض مائة معركة، يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم في خالد:
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها |
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها |
وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تجري في نواحيها |
ما نازل الفرس إلا فر نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها |
فأنتم أبناء خالد بن الوليد وتعرفون في المساجد وفي الدروس وفي الندوات وفي حمل لا إله إلا الله، أما أتباع شامير ورابين وموشي ديان أعداء البشر فيعرفون في المسارح وفي الزنا وفي الربا وفي غضب الله ولعنته ومكره.
أولاً: أقول للشباب: ماذا تنتظرون؟ هل تنتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم؟ هل تنتظرون إلا لعنة الله، وغضبه، وأخْذ الله، ومقته، وعذابه؟
أقول لهم: ما لهم؟ أي حياة يعيشونها؟ أين يسيرون؟ في ماذا يقضون ليلهم ونهارهم؟
أقول لهم: ألا يتقون الله؟ جعلوا مصحفهم المجلة الخليعة! وتلاوتهم الأغنية الماجنة! ومسجدهم ملعب الكرة! أنا لا أحرم ملعب الكرة، ولا أحرم الكرة؛ لكن إذا بلغت إلى حدٍ تعارض فيه الصلاة وتلغي الصلاة وتكون تحزبات وولاءً لغير الله فإنها تكون غضباً وسحقاً ومحقاً.
إذاً فيا أولئك الشباب الغائبين الذين ما حضر منهم أحد: اتقو الله في مستقبلكم، اتقو الله في أمتكم، أما قرأتم التاريخ؟
مصعب بن عمير يأتي في جبة فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فتدمع عيناه، ترك الدنيا وزهرتها ومناصبها، وسكب روحه في سبيل الله.
أنس بن النضر يقول له أحد الأنصار، وهو سعد بن معاذ: [[عُدْ إن الناس فروا، فقال: إليك عني يا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وثوابا |
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وصاغ الكنـز والدينارا |
ويأتي جعفر بن أبي طالب شاب قاتل الروم، فيأخذ الراية بيده اليمنى فتُقطع، فيأخذها باليسرى فتقطع، فيضم جناحيه على الراية وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها |
فيا شبابنا! يا أمل المستقبل! يا زهرة الغد! يا بسمة الفجر! لماذا هذا الإعراض عن (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)؟ أما رأينا ماذا فعل الله بالشباب الذين أعرضوا عنه؟ أصابهم بمقت من عنده وأصابهم بمرض، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].
فيا شباب الإسلام! أوصيكم بثلاث وصايا:
فيا إخوتي في الله، حفظ العلم وحفظ الوقت إنما يكون مع الله الواحد الأحد.
فالله الله في حفظ الله والانتهاء عن المعاصي، حفظ الله في السمع والبصر، والفرج والبطن، واليد والرجل والجوارح، لا يزال العبد حافظاً لله حتى يحفظه الله، لا يزال العبد يتقي الله حتى ينجيه الله عز وجل، عين تنظر إلى الحرام لا تحرم عليها النار، أذن تستمع إلى الغناء قد يحرم عليها دخول تلك الجنة التي فيها كل خير وكل فضل وكل بركة.
فيا إخوتي في الله! عاقبة المعاصي وخيمة، وانظروا فعلها في كثير من الشباب الذين انحرفوا، الذين كثير منهم يسكن في مدننا وقُرانا وفي أريافنا، كثير منهم تركوا المساجد، تركوا الصلوات الخمس، عقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، واستمعوا إلى الغناء، زنوا، ورابوا، وفَجَروا، حينها ضيَّع الله مستقبلهم، وأطفأ نورهم، وأذهب بركتهم، قال تعالى: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16].
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[تزودوا من الإخوان فإنهم ذخر في الحياة وفي الآخرة، قالوا: في الحياة صدقت، أما في الآخرة فكيف؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكافرين والمنافقين والفجرة: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] فلو كان له صديق صالح لنفعه]] وهذا استشهاد عجيب.
قال الشافعي وقد كتب للإمام أحمد مقطوعة من أحسن ما يكتب من الشعر يقول:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أنال بهم شفاعة |
الشافعي يتواضع وهو العابد الزاهد يقول للإمام أحمد: إن من نعمة الله علي أني أحب الصالحين لكني لست من الصالحين، أما نحن فبإساءتنا وذنوبنا ومعاصينا نبرئ أنفسنا، يغضب أحدُنا إذ قيل له: يا بعيداً عن الله، والفَسَقَة يغضبون إذا قلت لأحدهم: يا فاسق، وقد فَسَقَ من سنوات، والفاجر فَجَرَ من عشرات السنوات، إذا قلت له: يا فاجر ذابَحَك وحاربك، والشافعي يقول:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أن أنال بهم شفاعة |
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة |
يقول: والحمد لله أنا أكره العصاة ولو كنتُ من العصاة؛ أكره من يتعدى حدود الله، ومن ينتهك حرمات الله، ومن يستهزئ بشرع الله، إلى أن يقول في شعره:
تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة |
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه |
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تُعْطَ طاعة |
فرد عليه الإمام أحمد وقال:
تحب الصالحين وأنت منهم وهم بك يرجون الشفاعة |
لأنه قرشي هاشمي ينتمي إلى لرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: من داركم خرج البز الأبيض، ومن نهركم جرى ماء الحياة، ومن عُمْلتكم أتى الصيرفي الممتاز محمد عليه الصلاة والسلام، أنت تحب الصالحين وأنت من الصالحين، ومنكم قد أتتنا الشفاعة، من محمد صلى الله عليه وسلم.
يا إخوتي! لا يغتر مغتر بجلساء السوء -والعياذ بالله- أو الرضا بأفعالهم أو بزياراتهم، لا بهدف دعوتهم ولا بهدف التأثير فيهم، هذه كلمتي للشباب وسوف يكون لنا عودة معهم في دقائق.
وأنا أنادي أختي المسلمة بثلاثة أمور:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ |
الأم روض إن تعاهده الحيا بِريٍّ أورق أيما إيراقِ |
فالمرأة المسلمة أُرْسِل إليها هذه الكلمة: أن تتقي الله في هذا الجيل الذي تربيه في البيت، ما هو واجبها؟ واجبها: أن تسقي ابنها (لا إله إلا الله) مع اللبن، واجبها أن تجعله ابناً مولوداً على الفطرة وعلى الإسلام، على التوجه إلى الواحد الأحد؛ لأننا في حاجة ماسة للإيمان.
غاندي في الهند أتى بالعلم لكنه كفر بالإيمان فأبطل الله مسعاه، وأصبح ممقوتاً من الصف الإسلامي.
وغيره وغيره كثير كـهتلر قاتلِ الشعوب وعَدُوِّ الإنسانية، ونابليون.
أما محمد عليه الصلاة والسلام فأتى بالإيمان والعلم: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19].
الأعرابي البدوي الذي يرعى ناقته في الصحراء علمه صلى الله عليه وسلم أن لا إله إلا الله، مرُّوا بأعرابي يصلي في الصحراء فقال له أحد الملحدين: لمن تصلي؟ قال: لله، قال: هل رأيته؟ قال: سبحان الله! الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وسماء ذات أبراج، وليل داج، ألا تدل على السميع البصير؟! إي والله تدل على السميع البصير.
إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد يقول له أحد الزنادقة الملاحدة: دلنا على دليل قدرة الباري، قال: بيضة الدجاجة -قاتلك الله- أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب الإبريز، تفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير ألا تدل على السميع البصير؟! بلى. تدل على السميع البصير.
سَلِ الليلَ: مَن كساه الجلباب؟
وسَلِ النجومَ: مَن جمَّلها؟
وسَلِ السماءَ: مَن رفعها؟
وسَلِ الزهرةَ: مَن أنبتها وشذَّاها؟
سَلْ كلَّ شيء. اسمع إلى شاعر السودان، والحمد لله أن وجد في ساحتنا الإسلامية من الشعراء المؤمنين الذين يحملون لا إله إلا الله، شاعر السودان إبراهيم بدوي كان عبداً صالحاً لله، يصلي الصلوات الخمس، عرف طريقه إلى الله؛ لأنه يوجد في الساحة شعراء فجرة استخدموا الأدب لكن في عداء الإسلام، وفي عداء محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الاستهزاء بالقرآن وبالمقدسات، أما شاعر السودان فيقول في ابتهالاته:
بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكا |
أذنبت يا ربي داهمتني ذنوب ما لها من غافر إلاَّكا |
إبليس يخدعني ونفسي والهوى ما حيلتي في هذه أو ذاكا |
ثم نظر إلى الكون وتأمل الحياة وقال وهو يعلن التوحيد:
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطِبِّه أرداكا |
من؟! اللهَ!
قل للمريض نجى وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافكا |
من؟! الله!
وقل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا |
الله ضرب النحل مثلاً، والنمل مثلاً، والبعوضة مثلاً، قال سبحان وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] وقال في النمل: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] وقال الله للنحل: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68].
يقول كيريسي موريسون العالِم الأمريكي في كتاب الإنسان لا يقوم وحده وهو مترجَم ونَقََلَ منه سيد قطب مقطوعات يقول: ما للنحلة تخرج من خليتها وتعود في الظهيرة بشذا الزهر؟! مَن علَّمها الخلية؟! أعندها جهاز أو إيريال؟! قال سيد قطب: لا ليس عندها جهاز ولا إيريال، ولكن الذي خلقها أوحى إليها ودلَّها وعلَّمها وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68].
فيقول شاعر السودان:
وقل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا |
الله!
وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا |
واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا |
فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحد إلاَّكا |
يروى أن أبو الطيب الطبري عالم شافعي بلغ الثمانين من عمره، أتى إلى السفينة فقفز من السفينة إلى الشاطئ، فأتى الشباب ليقفزوا فما استطاعوا، قالوا: كيف تستطيع وأنت شيخ ولا نستطيع ونحن شباب؟! قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر.
وحدثنا بعض دعاة الجزائر - البلد المسلم التي قدمت مليوناً من قتلاها يوم سحقت مليوناً من أعداء البشر من الفرنسيين -أن داعية من المسيلة وهي بلد في الجزائر شاب عرف الله، شاب اهتدى إلى الله، لا يغادر مصحفُه جيبَه، الصلوات الخمس ما يفارقها ولو يفارق رأسُه جثتَه، انقلبت به سيارته وهو في طريق من مدينة إلى مدينة، وأصبح في الرمق الأخير وهو في سكرات الموت أغمي عليه أربعة أيام، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ترك قراءة الفاتحة لحظة واحدة ليلاً ونهارًا مدة أربعة أيام ثم توفي، لأنه عاش على الفاتحة، ومات بمعاني الفاتحة، ويدخل قبره على الفاتحة، ويحشر يوم يُحشر الناس على الفاتحة.
وهو في الرمق الأخير يردد: هل رأى الحبُ سكارى مثلَنا؟
ما رأى الحب أفشل منكم في الحياة، ولا رأى مثلكم سكارى: سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].
يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أتوا إلى رجل ماجن في سكرات الموات يقولون له: قل لا إله إلا الله، قال:
يارب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ |
قالوا: قل لا إله إلا الله، قال:
يارُب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ |
وقال ابن أبي الدنيا: قيل لأحد التجار: قل لا إله إلا الله، قال: خمسة في ستة كم تصير؟ سوف تعرفها إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور.
القضية: كيف نحفظ الله؟ وكيف نتوصل إلى أن نعيش؟ لأن المسألة ليست مسألة مناصب ولا وظائف ولا مسألة مال، إن كانت المسألة مسألة مناصب ففرعون طَمَّ وعَمَّ في المنصب العالي فقال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه.
وإن كانت المسألة مسألة مال، فـقارون أخذ أموال الدنيا وأخذ مفاتيح الدنيا قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص:81].
إذاً: المسألة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم مسألة إيمان، أوصلها إلى القلوب، بالله عليكم من يستطيع بغير إيمان أن يفعل كفعل الصحابة؟
عمير بن الحُمام، أحد شباب محمد صلى الله عليه وسلم يأتي في معركة بدر فيرى الكفار ويأخذ تمرات يأكلها من الجوع، فيقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده! -يا أهل بدر- قد اطلع الله عليكم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، قال: يا رسول الله! ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء وندخل الجنة؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات وقال: والله إنها لحياة طويلة لو بقيت لآكل التمرات، ثم أخذ غمد سيفه وكسره على ركبته وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى} فأخذ الله من دمه.
يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود |
ننتصر بالإيمان، ونثبُت في الساحة بالإيمان، ونقاوم الأعاصير والأحداث بالإيمان، ونحمي مقدساتنا بالإيمان.
أمَا رأيت الدب الأحمر كيف يزحف منخسئاً خاسراً ذليلاً؟! أما رأيت كيف تنهزم طائراته وصواريخه ودباباته وقنابله أمام الكلاشنكوف؟! لماذا؟ لأنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
فرَّ موسى عليه السلام من فرعون ووراءه ما يقارب مليوناً من جيش فرعون، والبحر أمامه، الموت الموت، قالوا: أمامك البحر وخلفك فرعون، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فشق الله له طريقاً في البحر يبساً.
إبراهيم عليه السلام، أتوا به إلى النار المحرقة فألقوه فيها، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فما أصابه شيء.
محمد صلى الله عليه وسلم أتاه الأعداء من كل جانب فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].
والآن يشهد العالَم انتصار المجاهدين الأفغان، وانتصارهم انتصارٌ لشعبنا ولأمتنا ولبلادنا، ويشهد العالَم كل العالَم هزيمة روسيا، لماذا؟!
لأن المجاهدين خرجوا متوضئين صائمين مصلين، قيل لهم: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـهيئة الأمم المتحدة، قيل: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـمجلس الأمن، قيل: تعالوا إلى جنيف، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـجنيف، ونزلوا يقاتلون ويصبرون ويجاهدون.
في جحفل من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتاً |
قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتاً |
وانسحب الملحد يضحك على نفسه، واقترب فتح كابول فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97] فمن أراد أن ينتصر فلينتصر بالإيمان: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] وإسرائيل لما افتقرت الساحة لجيش مؤمن عربدت يميناً وشمالاً.
وإن شاء الله أن هذه الانتفاضة مؤمنة مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله، لكن ثلاثين سنة ما عرف شامير الكلاشنكوف الموحِّدة والسجدات المفردة واللمعات المؤمنة والوضوء واللجوء إلى الله: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] وقال تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174].
قد كنت في مناسبة أدعو كل فلسطيني على وجه الأرض أن يأخذ من أفغانستان درساً لا ينساه؛ فإن فلسطين لن تتحرر إلا بـ(لا إله إلا الله) وبيت المقدس لا يعود إلا بـ(لا إله إلا الله) ولا يعود لحظيرة الإسلام ومجد الإسلام إلا يوم يأتي أبناؤه يرفعون علم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى |
أمْ مَن رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيِّرا |
فأطفأت شهبَ الميراج أنجمُنا وشمسُنا وتحدت نارَها الخطبُ |
أمة بلا إيمان قطيع من الضأن، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، وقلب بلا إيمان كتلة لحم، وكتاب بلا إيمان كلام مصنف، ولذلك لا يستنفع المواهب بلا إيمان، نحن لا نريد شعراء فحسب لكن نريد شعراء مؤمنين، ولا نريد علماء فحسب لكن نريد علماء مؤمنين، العالم إذا لم يكن خاشياً لله كان مثل ابن باعوراء عالم اليهود: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في علماء بني إسرائيل مَثَلُهُم كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] حمارٌ عليه مجلدات على ظهره، يقول شاعر على لسان حمار توما الفيلسوف الأحمق:
قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أُرْكَبُ |
لأنني جاهل بسيط وصا حبي جاهل مُرَكَّبُ |
أبو العلاء المعري من أكبر الشعراء- اسمه سليمان بن أحمد- يناجي الليل، شعره كالسحر الحلال يقول في منظومة استلطفها ابن القيم والذهبي:
يا راقد الليل أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعوان على السهر |
يود أن ظلام الليل دام له وزِيدَ فيه سواد السمع والبصر |
ليته اكتفى بهذا الجمال وليته سكت؛ لكنه اعترض على الشريعة يقول وهو يستهزئ بالقرآن والسنة:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار |
تناقض مالنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار |
بعد ماذا يا ملحد تستجير بمولاك؟ بعد أن استهزأت بالشريعة؟ يقول: كم دية اليد؟ قالوا: خمسمائة دينار ذهباً، قال: في كم تُقَْطَع؟ قالوا: في ربع دينار، قال:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار |
تناقض مالنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار |
فرد عليه علماء السنة وشعراء أهل السنة بيَّض الله وجوهَهم.
يقول الشاعر عبد الوهاب المالكي راداً عليه بِرَدٍّ يدمغه ويسحقه يقول:
قل للـمعري عار أيما عاري جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار |
لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعار |
فأخذ الله أبا العلاء أخذ عزيز مقتدر: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16] لكن تعال إلى الشاعر الموحد أبي نواس، وحَّد الله في شعره، رؤي في المنام بعد أن مات، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: بثلاثة أبيات قلتها في النرجِسة - النرجِسة: زهرة جميلة تأتي في الحدائق - يقول أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك |
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك |
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك |
فغفر الله له بذلك وأدخله الله الجنة.
يقول كعب بن مالك في قصيدة له وقيل: هي لـابن رواحة يسب قريشاً وينتصر للإسلام:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب |
قريش إذا أرادت العرب أن تسبها تسميها سخينة، فيقول كعب بن مالك: يا سخينة! أتغلبين الله؟!
زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغلب الغلاب |
{فتبسم صلى الله عليه وسلم بعد حين وقال: يا
فيا أهل الإبداع! ويا أهل الأدب! ويا أهل القصص! ويا أهل الشعر! ألا تريدون أن تدخلون الجنة بالشعر؟
حسان يقرب له صلى الله عليه وسلم المنبر ويقول له: {اهجهم وروح القدس معك} أي: جبريل، فيقول حسان:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد |
فيشكر الله له ويكون قائد الشعراء إلى الجنة.
لكن حداثي مستهتر من أبناء بلدنا وأمتنا، استنشق هواء جزيرتنا، وشرب ماءها، وجلس تحت سمائها، وتظلل تحت أشجارها، يقول في المربد في بغداد سافر إلى هناك يقول في معنى قصيدته:
جزيرتنا ما رأت النور منذ ألقى عليها رداءه الهاشمي، من هو الهاشمي يا عدو الله؟ الهاشمي: هو الذي أخرج الجزيرة من الظلمات إلى النور، الهاشمي: هو الذي رفع لا إله إلا الله في الأرض، الهاشمي: هو الذي مرت كتائبه إلى المحيط الأطلنطي، الهاشمي: هو الذي قُتِل أصحابُه في طاشقند وسمرقند ليرفع العدل والسلام في العالم، الهاشمي: هو الذي أتى إلينا نحن الأمة الأعرابية المتخلفة الرجعية البدوية، طويلة الأظفار منتنة الرائحة فأخرجنا إلى النور فأصبحنا ملوكاً للدنيا:
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها |
بل كرم الإنسان حين اختار مِن خير البرية نجمها وهلالها |
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها |
لما رآها الله تمشي نحوه لم تبتغِ إلا رضاه سعى لها |
فأمدها مدداً وأعلا شانها وأزال شانئها وأصلح بالها |
قال الأستاذ النبيل البارع علي الطنطاوي بيض الله وجهه في كتابه قصص من التاريخ فصلاً يبكي القلوب قبل العيون يرد به على الملاحدة، يقول: " نحن المسلمين، سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، نحن المسلمين، سلوا عنا نهر الجانج واللوار، وصحراء سيبيريا من بنى منبر العدل، من أطلق عنان الإنسانية، من حطم كيان الطاغوت، من نشر البراء في العالَم، نحن المسلمين، منا أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وابن تيمية وابن القيم، نحن المسلمين، منا حسان وابن رواحة وأبو تمام والمتنبي ومحمد إقبال، نحن المسلمين، منا خالد وسعد وطارق وصلاح الدين وعقبة بن نافع ". إلى آخر تلك المقالة التي تكتب بماء الذهب، وهو رجل إذا كتب فكتابته سحر حلال، وهي أقوى من كلامه إذا تكلم، بل هو أديب العربية لا طه حسين، فعدو الله ذاك ليس بأديب العربية؛ لأنه تزندق في كتاباته ويقول: بدر وأحد وقعت بين قبائل عربية لأحقاد بينها في الجاهلية، واستهزأ بكثير من معاني الإسلام، فليس بـعميد الأدب العربي ولا كرامة؛ بل عميده مثل هذا الأديب الصادق، مثل سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي، أولئك الصفوة المختارة التي عرفت الكتاب والسنة وسجدت لله الواحد الأحد.
فأنا أدعو نفسي وإياكم بالإيمان، اصدقوا الله في قلوبكم وفي أفكاركم وفي أقلامكم وفي منشوراتكم وفي خطبكم، ويوم نوفق إلى الطريق ويوم يرزقنا الله إيماناً ملوكاً ومملوكين، ورؤساء ومرؤسين، وأمراء ومؤتَمِرين، وأدباء ومتأدبين؛ حينها تسعد الحياة ونكون خير أمة أخرجت للناس، حينها نكون مجتمعاً مثالياً: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
أيها الإخوة! أكرر شكري لكم وأسأل الله أن يحفظني وإياكم بحفظه وأكرر شكري ثانية لنادي الشهيد الذي استضاف هذا الجمع هذه الليلة، وشكراً لأمير هذه المنقطة الذي حضر، ومعنى حضوره أنه شجع انتصار الكلمة المؤمنة والدعوة الصادقة والرسالة القائمة لتسعد هذه البلاد ويسعد هذا الشعب، ويكون هذا الجيل جيلاً موحداً، جيلاً يعرف الله ويسجد لله ويحمي مقدسات الله عز وجل، فإن نجاتنا بالإيمان وسعادتنا بالإيمان.
آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا |
إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا |
لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا |
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وما بقي من وقت فلبعض الأسئلة، ثم نقوم للصلاة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
.
الجواب: سلمان رشدي هندي، وهو يحمل الجنسية البريطانية ويقيم في لندن، وله مقالات ومنشورات وهو أديب وله لغات، وقد كتب هذا الكتاب لكن علماء أهل السنة لا يزالون يتوقفون حتى تأتيهم البينة؛ لأن مصادر الأخبار هي: هيئة الإذاعة البريطانية، والإذاعات العالمية، وسمعتم أن الخميني أباح دمه، وهذا لا يعني أن ذلك بسبب استهزائه بالرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب، فقد يستهزئ بـأهل البدعة وأهل الرفض، وهذا أمر آخر، وقد يكون استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة والدين فهذا أمر آخر، كذلك علماء الأزهر توقفوا ليقرءوا الكتاب ويَرَوه، وكذلك علماء السنة حتى يروا ما هي المداخل على هذا الكتاب، ولذلك في آخر جمعة خطبها الرئيس علي خامنئي يقول: إنه سوف يعفي عنه إذا رجع عن كتابه.
لكن نقول: كل منشور وكتاب وكل مقالة لا بد أن تُرَى وتُبْصر، ولا يؤخذ بالأخبار الشائعة والإعلام حتى يُقرأ ويُنظر ما فيه، وهو الآن يسحب من المكتبات العالمية لكن لا يكفي سحبه، إنما يحاكَم هذا الرجل بعد أن يدرَك ما في هذا الكتاب، وماذا قال فيه، وهنا مسألتان:
1- مسألة التثبت فيما قيل.
2- مسألة ما هي مصادر التثبت؟
فالتثبت قال فيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] ومصادر التثبت الشهادة والرؤية والثقة، وأما هذه الهيئات في العالم فإنما هي مجرد أخبار ولها مصالح، ولكن إذا تواترت قد يُسْتأنس بأخبارهم، هذا أمر.
الجواب: الغناء في الإسلام على القول الصحيح من كلام أهل العلم - وهم الجمهور الذين يمتلكون أدلة - أنه محرم، وقد استدلوا بآيات وأحاديث منها: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6] واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها يكون بعد التحريم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند ابن خزيمة وغيره أنه قال: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة} قالوا: الصوت عند النعمة هو: الغناء، والصوت عند المصيبة هو: النياحة، قال ابن القيم في غناء أهل الجنة لأنه في مسند الإمام أحمد بسند جيد: {إن في الجنة نساء يغنين يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، طوبى لمن كنا له وكان لنا} قال ابن القيم ناظماً هذه في المنظومة الطريفة:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان |
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإ نسان كالنغمات في الأوزان |
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان |
يقول ابن تيمية: الغناء بريد الزنا، وهو يحبب الفاحشة ويكره إلى العبد ذكر الله، وتلاوة كلامه، والأنس بالدعاء، ومناجاة الله، وأثبت ابن القيم في إغاثة اللهفان أنه من أخطر ما يكون على القلوب، وأنه يؤسس الجريمة في القلب، نسأل الله العافية والسلامة.
الجواب: نعم. قد اتفقنا من قبل أن أكبر ما نحفظ به الله الصلوات الخمس: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45] ويوم يُتهاون بالصلوات؛ حينها يعم الربا والزنا والفحش والجريمة وتعاطي الحبوب المخدرة والسكر والبعد والفجور عن الله عز وجل. فالصلوات الخمس جماعة هي التي تنجيك وتصفي قلبك وتحفظك مع الله، وأولها صلاة الفجر يوم يستيقظ الناس، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه في ذمته بشيء فأدركه كبه على وجهه في النار} الحديث، الله الله في الصلوات جماعة، فإنها من أعظم الأعمال ومن ترك الصلاة فقد كفر: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وبرئت منه الذمة وأصبح دمه حلالاً.
الجواب: جزى الله خيراً من ذكَّر بالتوبة، فنحن جلسنا هنا مذنبين ونقوم مذنبين، ونمسي مـخطئين ونصبح مـخطئين: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] فيا من عطاؤه ممنوح، ويا من نواله يغدو ويروح، ويا من بابه مفتوح، جلسنا مذنبين مخطئين معترفين بالتقصير؛ فاغفر لنا، فإنك أنت السميع البصير، نسأل الله لنا ولكم غفرانه فإنه يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136].
الجواب: حياك الله، وما أعظمها من قضية! فهي تحتاج إلى محاضرات، كيف نحمل الإيمان لأبناء المسلمين في الفصل؟ كيف نلقن أبناء المسلمين وأطفالهم الإيمان في الفصل؟ نحمل رسالة لا إله إلا الله ونلقنهم على الكراسي، هذه ذمة المسلمين، وجيلهم وضعوهم بين أيديكم. أيها الأستاذ! واجبك أن تدخل وأنت تحمل الإيمان وتزرع لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب هذا الجيل، حينها يتقبل الله منك، ويرفع الله درجتك.
نقل لي أحد الدعاة أنه قرأ في بعض المقالات أن داعية في إحدى البلاد العربية دخل مدرسة وهو يحمل رسالة وإيماناً، ومدير المدرسة لا يحمل رسالة ولا إيماناً، فأراد أن يقلص من جهود هذا الأستاذ فأعطاه حصة الرسم لأن الرسم ضياع، يرسم بطة ودجاجة على السبورة، ويضيع أوقات الناس لكن إذا استخدم الرسم فيما وضع له لكان جيداً، فقال: أما هناك حصة غير الرسم؟ قال: ما معك إلا الرسم، فدخل الفصل فرسم زهرة على السبورة، ثم نظر إلى الطلاب فألقى محاضرة عن التوحيد، مَن خلق الزهرة؟ ومن سواها؟ حتى بكى الطلبة أمامه.
وأستاذ آخر -وهذا واقع- دخل فصلاً، فقال: ما هي الحصة لديكم؟ فقالوا: قرآن. قال: القرآن تدرسونه في المسجد، هذه حصة رياضة، فانظر إلى البون بين هذا وذاك، ذاك يحمل إيماناً جعل من الرسم طريقاً إلى الجنة، وهذا لا يحمل رسالة ولا إيماناً فترك القرآن من ساحته وقلبه.
إذاً: اتقوا الله -يا أساتذة الإسلام- في أبناء المسلمين، في تحفيظهم كتاب الله، وغرس شجرة الإيمان في قلوبهم.
الجواب: أفضل أوقات لقراءة القرآن: بعد صلاة الفجر، وهذا محمد إقبال شاعر الالباكستان دخل على ظهير الدين شاه أو أسد الدين شاه الأفغاني -وهي موجودة في روائع إقبال - فقال له: أوصيك بتقوى الله وأن تقرأ القرآن مع الفجر.
وذكر سيد قطب في الظلال أن أحسن أوقات قراءة القرآن: في الفجر.
وقبل هذا وأحسن من هذا: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] يوم أن تتنسم الزهور ويطل الفجر وتذهب النجوم، ويعلو النسيم، حينها تقرأ القرآن فتنشرح روحك للقرآن، يقول ابن الصلاح: إن من قرأ القرآن في الفجر سدده الله في حركاته وسكناته في النهار، هو روحك وتأملك وحياتك وإشراقك، وبعد الفجر لا بد أن يكون لك ولو صفحات من المصحف.
الجواب: عالجتُ مثل هذه القضايا؛ لأنها انتشرت كثيراً، وأسأل الله أن يكف هذا المرض الخطير وأن يصلح شباب المسلمين ويوفقهم للاستقامة: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
فيا أيها الإخوة! ليس معنا إلا الدين، ما هو الذي نمتلكه في الحياة إلا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ما هي أصالتنا؟ ما هو تاريخنا؟ ما عمقنا؟ ما هو منهجنا إلا الكتاب والسنة فإذا أتينا نحارب الملتزمين به والمستقيمين معه فكأننا نهدم بمعول من غضب ومن سحق ومحق في هذا البناء الذي بناه محمد عليه الصلاة والسلام، فنسأل الله أن يهدي أولئك، وأن يردهم إليه رداً جميلاً، وأن يتقبل منا ومنكم خالص الأعمال.
شكراً لكم أولاً وآخراً.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر