وتحدث الشيخ في درسه هذا عن مناقب الأنصار، ومواقفهم الشجاعة ضد الكفر والشرك، وذكر بعض عظمائهم وعلمائهم وشهدائهم الذين برزوا في مجال العلم والشجاعة والفداء، والشعر.
كما تعرض الشيخ لعقيدة أهل السنة والجماعة في الأنصار، وتكلم عن واجب الأمة الإسلامية نحوهم.
أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
معنا هنا -بإذن الله وعونه وتوفيقه- موضوع خطير وشائق في نفس الوقت، وهذا الموضوع عقد له الإمام البخاري باباً منفصلاً، فقال: (باب: علامة الإيمان حب الأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم).
ثم قال رحمه الله تعالى: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر، قال: سمعت أنساً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار) وإذا كنا أسلفنا الحديث معكم في مشروع حفظ حديث في كل جلسة، وسبق معنا حديث في الجلسة الماضية الذي رواه الترمذي وأحمد: (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فدلني على باب جامع أتمسك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) وهذا الحديث حسن، وهو من قواعد هذا الدين، ولا بأس أن نأخذ في هذا الأسبوع هذا الحديث العظيم الذي هو حديث ولاء، وحديث عقيدة، وحديث محبة، لمن نصر الله ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أنس: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) فجعله البخاري في أمور الإيمان، ليجعله من العقيدة، وليدخل أعمال القلوب في مسمى الإيمان كما هو من عقيدة أهل السنة والجماعة، وسوف يطول -إن شاء الله- الحديث مع الأنصار، ومع حياتهم، لنتقرب بحبهم إلى الله الواحد القهار.
فإن الله سبحانه وتعالى قد امتدحهم في أكثر من آية، وامتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ثبت عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه رأى امرأة مقبلة، فقال: (ممن هذه المرأة؟ قالوا: من الأنصار، قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنهم لمن أحب الناس إلي) ولذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117] فجعل الأنصار بعد المهاجرين.
فيقول عمر بعدها: [[رضيه صلى الله عليه وسلم لأمور ديننا، أفلا نرضاه لدنيانا]] ثم يقول عمر عن نفسه: [[والله لئن أقدم فيضرب عنقي في غير حد من حدود الله، لكان أفضل من أن أتقدم أمة فيهم أبو بكر رضي الله عنه]].
والمقصود من هذا أن الأنصار اجتمعوا -رضوان الله عليهم جميعاً- في سقيفة بني ساعدة، ولم يكن معهم أحد بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قصدهم من هذا الاجتماع هو أن ينصبوا خليفة منهم -أي: يكون من أهل الأنصار- فلما بقي جثمان الرسول الله في البيت وسلم عليها أبو بكر، أتى عمر فقال: [[يا أبا بكر! دعنا ندرك الأنصار؛ لئلا يختلف في أمر هذه الأمة]].
قال عمر: [[وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري -أي: هيأت كلاماً- حتى أتكلم به إلى الأنصار -أي: أعرض لهم قضية الخلافة، أنها لابد أن تكون في قريش وفي المهاجرين- قال: فمضيت أنا وأبو بكر، وأبو بكر لم يهيئ كلاماً]]؛ لأنه كان مشغولاً رضي الله عنه، ظل يتكلم في الناس في المسجد، وأخبرهم بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهدأ من روعهم، وسكَّتهم، فانشغل بهذه الأمور عن تهيئة خطبة للقاء الأنصار، قال عمر: فدخلت أنا وأبو بكر على الأنصار، فوجدناهم يجتمعون على سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو مريض، وهم يختلفون فيمن يُولون الخلافة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال عمر: وكان في أبي بكر رضي الله عنه حدة - سرعة في بعض الأمور- كنت أُداريه -وهذا ثابت- وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري لأتكلم، قال: فأسكتني أبو بكر رضي الله عنه، ثم تكلم، قال عمر: [[والله ما ترك كلمة زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها]] ثم قال: أنتم أهل الدار! وأنتم الأنصار، منا الأمراء ومنكم الوزراء، يأبى الله على المؤمنين إلا أن تكون الإمرة في هذا الحي من قريش، ثم أخذ يستلينهم بالكلام ويدعو لهم بما قدموا للإسلام والمسلمين من خدمة ونفع، وفي الأخير رضوا، فقال أبو بكر: يا عمر! مد يدك لأبايعك، فقال عمر: والله لا أتقدم أُمةٌ أنت فيها، فقال أبو بكر: رضي الله عنه في صدق -لأنهم لا يريدون الحياة الدنيا، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً- فقال: يا أبا عبيدة! مد يدك لأبايعك، فقال: والله لا أبايع وأنت فينا، فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه ثم بايعه الناس.
من كان يريد الله والدار الأخرة فعليه أن يحبهم من قلبه، ونشهد الله على محبتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أتى بهذا الحديث؛ لأنه خاف وخشي من قوم يأتون -فيما بعد- يبغضون الأنصار -وفعلاً وقع ذلك- وحدث أن قوماً سلوا السيف على الأنصار وقتلوا أبناء الأنصار، سلبوا أبناء الأنصار الماء البارد، ومنعوهم إياه، واستبيحت المدينة ثلاثة أيام.
ولذلك أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت للأمة ووللناس أن من الإيمان حب الأنصار، وأن من النفاق بغض الأنصار، فالله سبحانه وتعالى قدمهم قبل غيرهم، وأخرهم على المهاجرين.
قال ابن القيم: قالها ابن رواحة رضي الله عنه، هذا العقد أنزله الله سبحانه وتعالى، وأتى به جبريل عليه السلام، وأمضاه محمد صلى الله عليه وسلم، والسلعة هي الجنة، والثمن أرواح المؤمنين، فربح البيع ولا خيار فيه ولا استقالة.
من هذا اليوم والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله سوف ينصر هذا الدين بالأنصار رضي الله عنهم، وإلا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فكَّر في قبيلة من قبائل العرب ليذهب إليها، وفي الأخير هداه الله عزَّ وجلَّ إلى المدينة... إلى يثرب لتكون هي دار الإسلام.
قال أنس: [[فو الله ما أنسى انتشاب الأنصار لسيوفهم وهروعهم وخروجهم لاستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم]] وفي خروجهم كانت الجواري والأطفال ينشدون في سكك المدينة.
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
|
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع |
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع |
جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع
|
قال أنس: [[يومان في حياتي والله لا أنساهما أبداً: يوم أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والله لقد رأيت الأنصار يبكون من الفرح]] ولذلك يقول الشاعر العربي الأول:
طفح السرور عليّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني |
فإن السرور إذا طفح وزاد مقداره في قلب الإنسان أبكاه.
واليوم الثاني يقول أنس رضي الله عنه: [[يوم أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم]] هذان اليومان لا ينساهما أنس مدى الحياة.
دخل صلى الله عليه وسلم وكان استقباله في دار عمرو بن الحارث من العوالي تجاه مكة، نزل صلى الله عليه وسلم هناك ثم ارتحل واستقبله الأنصار عند دورهم ومنازلهم، وكانت القرى متبعثرة في المدينة، فكان كلما مر بقرية سلَّم عليهم صلى الله عليه وسلم ثم تبسم لهم، وكان يأخذون خطام الناقة يريدون أن يونيخوها في دارهم ليكون لهم شرف ومنزلة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتبسم ويدعو لهم بالخير، ويقول:{دعوها فإنها مأمورة} الناقة مأمورة من الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن تنيخ إلا في المكان الذي كتبه الله وقدَّره وقضاه، وكانت ترتحل والناس يُشاهدونها، والرسول صلى الله عليه وسلم يريد من ذلك أن ينزل عند أخواله من بني النجار، ليكرمهم بالنزول، وبني النجار هم أهل المسجد الآن -مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم- وهم خير دور الأنصار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو حارثة، ثم بنو ساعدة، هؤلاء دور الأنصار، وهي ثمان دور، لكن عدَّ منها صلى الله عليه وسلم أربعة، ولما وصلت إلى دار بني النجار، قامت الجواري -البنيات الصغيرات- يقلن:
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار |
وهذه الأبيات أوردها ابن حجر في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يتَّبسم وهو يرى الأطفال ويدعو لهم.
ولذلك لما رأى ابن عباس أبا أيوب دخل البصرة دمعت عيناه، وقال: [[والله لأكرمنك كما أكرمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لأسكننك العِلّية هذه الليلة، وأسكن أنا في سفل البيت]] فسكن ابن عباس وهو أمير البصرة، في الدار السفلى وأسكن أبا أيوب في الدار العليا لإسكانه الرسول صلى الله عليه وسلم، فنزل صلى الله عليه وسلم واغتنم أبو أيوب هذه الفرصة؛ فأخذ رحل الرسول صلى الله عليه وسلم من على الناقة، فكان بنو النجار يقولون: عندنا يا رسول الله! فكان يتبسم ويقول: {المرء مع رحله} أي: المرء مع جهازه ورحله، فأخذ أبو أيوب يمضي أمام الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخل بيته، ثم قال: {يا رسول الله! اسكن في هذا البيت في العلية، قال: صلى الله عليه وسلم: إنني أُريد هذا المكان الأسفل ليكون أرفق لي} ليدخل إليه الناس عليه أفضل الصلاة والسلام ويكون أقرب له، فلما مكث صلى الله عليه وسلم فترة، صادف في ليلة من الليالي أن أبا أيوب رضي الله عنه وأرضاه كان عنده إناء من الماء سقط عليه من العلية، فقام بشملته وزوجته يمسحان الماء خوفاً أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانوا إذا أصلحوا الغداء والعشاء قال لزوجته: [[لا نأكل حتى يأكل رسول الله]] فينزل الصحفة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيأكل عليه أفضل الصلاة والسلام، فإذا عادت الصحفة بدأ أبو أيوب وامرأته يتمازحان ويتسابقان على آثار الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أكل منه.
وفي اليوم الثاني لما نزل الماء نزل أبو أيوب -وهو ثابت في السيرة- وقال: يا رسول الله! لا أسكن في العلية في دار أنت تحتي أبداً، فارتفع صلى الله عليه وسلم في تلك الدار حتى بنيت له غرفاته عليه أفضل الصلاة والسلام.
لكن لما انتقل إلى العالية وابتعد عن المدينة، أصبح هناك بُعد بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في الجوار، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوره إلى هناك، بل زاره حافياً عليه الصلاة والسلام في سكك المدينة.
يقول علماء الإسلام: ما عرفنا ثلاثة أجواد في الإسلام والجاهلية من نسق واحد إلا سعد بن عبادة بن دليم، فإنه جواد من أجواد الإسلام، وأبوه: عبادة بن دليم وجده دليم كذلك كان من أجواد الجاهلية، هذا النسب العريق في الجود.
وثبت عن سعد رضي الله عنه أنه نحر مائة ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبب: أنه أتاه ابنه قيس، وقال: [[يا أبتاه! والله لقد رأيت الجوع بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم قال: كيف عرفته؟ قال: عرفته في صوته ورأيته في وجهه، فأخذ الحربة، قالوا: وجاء الرسول الله وهو ينحر، قال: ولِمَ؟ قال: والله لأشبعن كواسر المدينة وعوافها]]يعني: الطيور، فنحر وكان ثرياً غنياً آتاه الله كثيراً من المال كان -كما يقول الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء - يرفع يديه بعد كل صلاة، ويقول: اللهم إني لا جود إلا بفعال، اللهم إني أسألك ما أجود به في سبيلك، فأعطاه الله سبحانه وتعالى، وهو سيد من السادات، فأخذ الحربة فما أنزلها من يده حتى نحر مائة ناقة، ثم قال: عليّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة، فأشبع أهل المدينة حتى أكل معهم اليهود في ذاك اليوم.
هذا سعد بن عبادة الذي يقول عنه السلف: كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جوع، ينطلق الصحابة بالرجل والرجلين، وأما سعد بن عبادة فينطلق بالثمانين إلى المائة إلى بيته.
لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، تخيلت في ذهنها وفي فكرها أعظم هدية يمكن أن تقدمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وجدت إلا ابنها الوحيد أنساً رضي الله عنه، وهل هناك أعظم وأحب إلى الإنسان من الابن؟
فأخذت أنساً وعمره عشر سنوات، ولبسَّته وطيبَّته، وقالت: هيَّا معي! وأخذته بيده وقدمت على رسول الله وهو في البيت، فسَّلمت عليه صلى الله عليه وسلم، وقالت: {يا رسول الله! هذا
التقى مالك بن عوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم في وادي حنين، وهو وادي في تهامة مما يقابل الطائف - نزل صلى الله عليه وسلم بالوادي وكان بينه وبين غطفان وهوازن جبل، فقال صلى الله عليه وسلم: (من يحرسنا هذه الليلة وله الجنة؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله!) فمن حكمة الله سبحانه وتعالى أن خرج هذا الرجل وجلس في رأس الجبل يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش، وجيش مالك بن عوف في الجهة الثانية من الجبل مما يواجه جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جيش رسول الله عشرة آلاف تقريباً، قال بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى الجيش وتبسم وقال: لا نغلب اليوم من قلة، فجعل الله سبحانه وتعالى أول المعركة هزيمة، ليخبرهم سبحانه وتعالى في قوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25].
يقول: إذا كان النصر بالكثرة أو بالقوة. أو العتاد والسلاح، فما لكم وليتم مدبرين؟! لكن يخبرهم أن النصر من عند الله.
نزل عليه أفضل الصلاة والسلام ومعه عشرة آلاف بعضهم من مسلمي الفتح، لم يدخل الإيمان قلوبهم، فخرج حارس الرسول صلى الله عليه وسلم وقعد في رأس الجبل، ومكث طوال الليل، فلما قرب الفجر نام هذا الحارس، وتحرك مالك بن عوف النضري ومعه ما يقارب عشرة آلاف، وهو من أغنى العرب وأشجعهم، وجعل وراءه النساء والأطفال وكذلك الإبل والبقر والغنم، حتى يقول ابن هشام وغيره: كانت إبلهم أربعة وعشرين ألفاً، وكانت الغنم لا يحصيها إلا الله عز وجل، حتى يقول بعض أهل السير: كانت أربعين ألف رأس! قال مالك بن عوف وقد سلَّ سيفه: يا معشر هوازن! -وهو من هوازن- إما أن تطيعوني هذا اليوم وإلا لأتكئن على ذبابة هذا السيف على بطني فيخرج من ظهري، لكنهم رفضوا، فقالوا: نطيعك هذا اليوم.
فصعد إلى رأس الجبل ونام حارس الرسول صلى الله عليه وسلم، وما استيقظ إلا والجيش عند رأس الجبل، فأخذ الجيش يرسلون الرمل -الحصباء- على الرسول صلى الله عليه وسلم يرجمونهم، حتى قال كثير من أهل السير: إنها أصبحت كالغمامة على جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفاق صلى الله عليه وسلم واستفاق الناس.
أما الإبل والخيول فهربت، فكان الرجل يركب خيله أو فرسه ويركب جمله، فيأبى الجمل أن يعود خائفاً مما حدث، فكانوا يطلقونها وينزلون من على ظهورها ويعودون يمشون، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ثبت؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] أي: حرام عليه أن يفر ولو فر الناس، فركب صلى الله عليه وسلم بغلته وسلَّ سيفه، وقد فر الناس -جميعاً- إلا ستة خرج بهم، ثم استقبل صلى الله عليه وسلم الجبل وقد أقبل مالك بن عوف معه عشرة آلاف، بنسائهم وأطفالهم وإبلهم وغنمهم وبقرهم، حتى يقول ابن أبي حاتم: كأن الجبل أقبل معهم، فأقبل صلى الله عليه وسلم، ثم لمَّا رآهم نزل من على بغلته وسلَّ سيفه، وقال:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب |
فضرب وجه كتيبة مالك بن عوف النصري حتى ردها على عقبيها، وقال للعباس: (نادِ في الناس) وكان العباس قد آتاه الله صوتاً جهورياً قوياً حتى كان ينادي أطفاله وهم في حرة واطن، يناديهم من بيته من المدينة، فقال وقد رفع سيفه: [[يا أهل سورة البقرة! يا من بايع رسوله تحت الشجرة! هلموا رحمكم الله، فما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً مقبلاً، قال الرسول: نادِ في الأنصار، أي: علّ الله أن يعطيهم حمية هذه اليوم، فقال: يا معشر الأنصار! يا حماة الدار! يا من فعلوا وصنعوا، فلم يستجب أحد، قال: نادِ في الخزرج -قال: الخزرج أشجع- فنادى في الخزرج، فلم يأتِ أحدٌ، قال: نادِ في بني الحارث -بني الحارث من الأسرة الرابعة- لكنهم كانوا من أشجع الناس ويسمون شربة الموت- فلما سمعوا وكانوا كلهم ثمانين شخصاً، لما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شرَّفهم من بين قبائل العرب واختصهم، نزلوا من على جمالهم وخيولهم، وكانوا يرمون أنفسهم فيأخذ أحدهم سيفه وغمده، فيكسر الغمد على ركبته ليأتي إلى الصوت، ففتح لهم صلى الله عليه وسلم الطريق حتى وصلوا إلى
حتى يقول أهل السير: لم تنقل هذه الكلمة إلا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما ارتفع النهار وإذا الناس قد عادوا إلى رشدهم، وكان أبو سفيان ذلك اليوم من مسلمة الفتح، ما تمكن الإيمان في قلبه، يقول: ما يردهم اليوم إلا البحر - البحر الأحمر- ويقول صفوان بن أمية: اليوم بطل السحر نعوذ بالله، يقول: اليوم بطل السحر، فلما نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما أتت صلاة الظهر إلا والأسارى مصفدين بجنبه صلى الله عليه وسلم، وخص صلَّى الله عليه وسلم كتيبة من الأنصار مهمتها أن تستولي على الإبل والبقر والغنم والنساء.
ما إن سمعت ولا رأيت بمثله في الناس كلهم كمثل محمد |
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى وإذا تشأ يخبرك عما في غد |
وإذا الكتيبة حركت أنيابها في السمهري وضرب كل مهند |
فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد |
فتبسم صلى الله عليه وسلم وأجلسه، وقال صلى الله عليه وسلم: { ما تريد يا
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع |
وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع |
يقول: تعطني نصف مائة وهؤلاء تعطيهم من مائة ناقة فكيف تعطيني النصف؟
فتبسم صلى الله عليه وسلم وأخذ يردد الأبيات، ويقول وقد كسره صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يتعلم الشعر، قال:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة |
فتبسم أبو بكر وكان عالماً بالشعر، وقال: [[صدق الله حيث قال: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69]]].
ثم وزَّع صلى الله عليه وسلم، وقال: أين الأقرع بن حابس سيد بني تميم؟ قال: هأنا يا رسول الله! قال: خذ مائة ناقة، أين عيينة بن حصن سيد غطفان؟ قال: أنا من جزارة، قال: خذ مائة ناقة، فلما وزعها صلى الله عليه وسلم أتى حكيم بن حزام قال: أعطني من هذا المال يا رسول الله! قال: أتنظر إلى هذين الجبلين وقد امتلأ الجبل بالضأن -أي: الغنم- قال: نعم! قال: خذها لك، فأتى في اليوم الثاني، وقال: يا رسول الله! زدني، قال: خذ مائة من الإبل، فأتى في اليوم الثالث: قال: زدني! فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو من سادات قريش كان حكيم بن حزام، يكسو الكعبة سنة، وتكسوها قريش سنة، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وقال: {يا
فقالوا: يا رسول الله! والله لا أرزأ أحداً بعدك -أي: لا أسأل أحداً بعدك من الناس- حتى أنه ترك عطاءه في عهد أبي بكر وعمر تركه، فقال عمر: [[أشهدكم أيها الناس أن حكيم بن حزام رفض عطاءه الذي كتب له من بيت المال من أجل كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم]].
فلما أتم صلى الله عليه وسلم توزيع الغنائم؛ نظر الأنصار أنهم لم يصبهم شيء -لا بعير ولا شاة ولا بقرة- فاجتمعوا في سور هناك في حديقة طويلة، وقال بعضهم: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم! هذه سيوفنا تقطر من دماء غطفان وهوازن، وقد أعطى صناديد نجد وتركنا، فسار الكلام بينهم حتى انتشرت هذه المقالة، فبلغت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستدعى صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة سيدهم وقد مات سعد بن معاذ، وقال: {يا قالوا: إلا ابن بنتنا -أي: يقول لهم: خال- قال: ابن بنت القوم منهم؛ فتكلم صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟ أما أتيتكم ضُلاَّلاً فهداكم الله بي، أما كنتم متفرقين فجمعكم الله بي، أما كنتم فقراء فأغناكم الله بي؟ فنكسوا رءوسهم، وهم يقولون: المنة لله ورسوله، فرفع صلى الله عليه وسلم رأسه، وقال: يا معشر الأنصار! والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدَّقتم: أتيتنا فقيراً فأغنيناك، وأتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا شريداً فنصرناك؟ قالوا: المنة لله ولرسوله. قال: يا معشر الأنصار! ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ والله ما تذهبون به خير مما يذهبون به، ثم قال: والله لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار ووادي الأنصار، اللهم اغفر للأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار. يا معشر الأنصار! إنكم سوف تلقون بعدي أثرة -أي: أناس يستأثرون بالدنيا عليكم. فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، قال أنس: والله ما انتهى إلا ودموعنا قد أخضلت منها لحانا -رضي الله عنهم وأرضاهم- قالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة وحظاً عن الناس
فأرضاهم صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة، وأظهر لهم السر في توزيع الغنائم، ولذلك يقول: { اصبروا حتى تلقوني على الحوض} فكان بعض الأنصار الذين وجدوا في أنفسهم من بعض الناس الذين استأثروا عليهم بالمناصب والأموال، كان يبكي ويقولون: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اصبروا، ولكن والله ما صبرنا -أي: تواضعاً منه- ولذلك لما أتى معاوية رضي الله عنه دَخْلَ المدينة، استقبله الناس إلا الأنصار؛ لأنهم كانوا في صف علي رضي الله عنهم، ولا نخوض فيما جرى بينهم، فكلهم مرضي عنهم، ليجمع بينهم سبحانه وتعالى في جنته، ومن الذين نزع الله الغل من صدورهم، فدخل معاوية رضي الله عنه بعد أن حج، دخل لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستقبله كل الناس إلا الأنصار لم يستقبلوه، فوجد في نفسه، فصلى الجمعة، وقال لهم بعد الصلاة: يا أيها الأنصار! أين رواحلكم؟ استقبلني الناس ولم يستقبلوني! فقام رجل منهم، قيل: إنه عبادة بن الصامت، فقال: أمَّا خيولنا فطاردنا بها أباك يوم بدر، وأما رواحلنا فطاردناك بها أباك يوم حمراء الأسد، وكان حليماً رضي الله عنه فسكت، فقال: فماذا تريدون مني؟ قال: نريد أن تعطينا كما أعطيت الناس، فقال معاوية: ما أوصاكم الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء؟
قالوا: نعم أوصانا بأن نصبر حتى نلقاه على الحوض، قال: فاصبروا حتى تلقوه على الحوض، فرجع البكاء كما كان في الأنصار رضوان الله عليهم، لأن معاوية احترمهم وقدَّرهم ورفع منزلتهم.
هذا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حنين مع الأنصار -رضوان الله عليهم- فهم أفضل الناس بعد المهاجرين بالإجماع.
هذا موقف سعد بن معاذ ولذلك رفعه الله بصدقه في هذه المواقف.
سعد بن معاذ شهيد الإسلام رفعه الله بموقف ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء: أن سعداً رضي الله عنه لما مات أُصيب بسهم في الأكحل، فأنزله صلى الله عليه وسلم في خيمة في المسجد وأتى يعوده، فقال سعد ينادي الله عز وجل: [[اللهم إن كنت لا أبقيت حرباً لرسولك صلى الله عليه وسلم مع اليهود فابقني لهم، وإن كنت أنهيت الحرب مع اليهود فاقبضني إليك]] فاندثر عليه الجرح وسال الدم، وحضر صلى الله عليه وسلم مراسيم وفاته، قالت عائشة رضي الله عنها -وهذا ثابت-: [[والله إني كنت أسمع بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بكاء عمر وأبي بكر وأنا وراء صائر الباب]] وحضر صلى الله عليه وسلم حتى تغسيله وكان يكف صلى الله عليه وسلم ثيابه، ويقول الناس: لماذا يا رسول الله؟ قال: (والله ما رأيت موقع قدم إلا وفيه ملك حضر جنازة
وما اهتز عرش الله من فقد هالك سمعنا به إلا لموت أبي عمرو |
يقول: حسان بن ثابت ما سمعنا أحداً اهتز له عرش الرحمن إلا لـسعد أبي عمرو رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك جلس الأوس والخزرج -قبيلتا الأنصار- يتفاخرون على سبيل الدعابة والمزاح، قالت الأوس: عددوا لنا مكارمكم يا معشر الخزرج! قال الخزرج: منا أربعة حفظوا وجمعوا القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنا فلان الذي فعل.. ومنا الذي غسلتَّه الملائكة، فلما انتهوا؛ قالت الأوس: لا نباريكم إلا بواحدة: منا الذي اهتز له عرش الرحمن، وهو سعد رضي الله عنه.
وثبت أنه شيَّعه من الملائكة سبعون ألف ملك، مضوا في جنازته رضي الله عنه وأرضاه، هذا هو الرجل الذي صنعه الإسلام والقرآن، وما قصدنا من ذكر هذه الأمثلة والشواهد، تضييع الوقت والتسلية، ولكن لنرتفع بأرواحنا أو نحبهم على الأقل؛ فإن المرء يُحشر مع من أحب، فإذا لم نستطع أن نفعل كما فعلوا أو نصنع كما صنعوا؛ فلنحبهم في الله عز وجل، ولذلك بلغ بهم النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين أن قدموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب آبائهم وأمهاتهم.
نزل هذا الرجل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة، فتشاجر رجل من الأنصار مع رجل من المهاجرين، فوصل الخبر إلى عبد الله بن أبي قال: صدق القائل صاحب المثل: " جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك" ثم قال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذهب رجل بهذه المقالة وهو زيد بن أرقم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! سمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول هذا اليوم كذا وكذا.. والله لو كان قالها في غيرك وفي غير الإسلام لما رفعتها إليك يا رسول الله! فأتى الأنصار وجوههم وكبارهم إلى الرسول، وقالوا: يا رسول الله! لا تصدقه، عبد الله بن أبي بن سلول لا يقول هذا، فيحلف الفتى زيد بن أرقم وكان شاباً، فيقول الأنصار: لا يقول ذلك يا رسول الله.
وفي الأخير كان الرسول صلى الله عليه وسلم مقتنعاً بهذه المقالة، فعاد هذا الشاب، وقال: فأخذني ما قرب وما بعد من الهم حتى كاد يقتلني، كيف أكذب وأنا سمعت الرجل يقول هذا الكلام؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ في عصر ذاك اليوم قوله سبحانه وتعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]. فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا زيد بن أرقم على مرأى ومسمع من الأنصار، ثم فرك أذنه صلى الله عليه وسلم، وقال: (لقد صدق الله كلامك وأذنك) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، أي: أن أذنك التي سمعت صدَّقها الله من فوق سبع سموات، ثم سرى الخبر إلى عبد الله بن عبد الله بن أبي، الذي قال أبوه هذه المقالة، وظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يقتله، فقال: [[يا رسول الله! إن أبي قال ما سمعت، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى ما أنزل عليك، وأنا سمعت أنك تريد قتله، وأنا لا أرضى أن أرى قاتل أبي يمشي على الأرض، فإن كنت تريد قتل أبي أتيتك -الآن- برأسه ووضعته بين يديك]] لأنه رضي الله عنه مؤمن وأبوه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: (بل نترحم على أبيك حتى يلقى الله).
وعندما رجع عبد الله بن أبي المدينة وصل إلى أسوارها؛ فقام عبد الله بن عبد الله بن أبي فسلّ سيفه ووقف على مدخل المدينة، فلما دخل الناس واجتازوا وقف، فلما رأى أباه قال: [[والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول، قال: ولَمْ؟ قال: لأنك الأذل ورسول صلى الله عليه وسلم الأعز: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون:8] فإن أذن لك وإلا أخرجناك من المدينة، قال: تفعل بي وأنت ابني؟ قال: كما سمعت! فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! ائذن لـعبد الله بن أبي أن يدخل المدينة، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ائذنوا له، فأذنوا له فدخل]].
هذا من الأنصار رضي الله عنه وأرضاه وهذا من كمال التوحيد وكمال الموالاة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى عقيدة الولاء والبراء جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة يلقون بها الله سبحانه وتعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: {والله إن تلك الملائكة تنزلت لقراءتك، والله لو بقيت تقرأ إلى الصباح، لرأها الناس، لا تختفي عنهم} هذا أسيد بن حضير رضي الله عنه.
جلس ذات ليلة مع الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأسيد بن حضير، فلما خرج عباد بن بشر وأسيد جعل الله لهم نوراً يرونه أمامهما، فلما انفصل هذا من طريق وهذا من طريق آخر، انفصل نور مع هذا ونور مع هذا، حتى أوصلهما بيتهما في ظلمة الليل، وهذه من الكرامات التي ثبتت لهم رضوان الله عليهم.
ولذلك يذكر أن ابن قتادة دخل مع فتية عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين، فأراد أن يتعرف عليهم وكان من علية الناس، فقال لأولهم: ابن من أنت؟
قال: أنا ابن أمير البصرة عام كذا وكذا، وأنت؟ قال: ابن أمير الكوفة، فكان رضي الله عنه يغضب ويشيح بوجهه؛ لأن المؤهلات عند عمر تختلف عند أهل الدنيا، فلما أتى دور هذا الأنصاري، قال: ابن من أنت؟
قال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد |
فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه وقال:
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيباً بماء فعادا بعد أبوالا |
يقول: تلك هي المكارم التي يريدها الإنسان، المكارم في الدار الآخرة، لا قعبان من لبن: أي: أسان من لبن، شيباً بماء، أي: خلط بماء وقدمت للضيف من أجل الصيت والسمعة، فشربها الضيف فعادت بولاً.
فيقول: مراتبكم ومناصبكم ودنياكم لا تساوي مع هذه شيئاً، هذه هي المكارم إن كنتم تريدون مكارماً.
لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل |
ثم قام رجل اسمه سالم من بني مالك بن الحارث، وقال: {يا رسول الله! أتخذ سوارحنا ولم نضارب أتمنعنا من دخول الجنة؟ والله لأدخلن الجنة، فتبسم صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وقال: بماذا تدخل الجنة؟ قال: بحبي لله ولرسوله، ولا أفر يوم الزحف} ودخل حمزة وعلى عمامته ريش النسر، وقال: { يا رسول الله! نخرج إليهم لا نبقى في عقر دارنا؛ لأن ما غزي قوم بعقر دارهم إلا ذلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: انتظروا! فانتظروا.. فنزل صلى الله عليه وسلم واغتسل. تقول
فخرج أنس بن النضر مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما أصبحوا في الطريق عاد عبد الله بن أبي بن سلول إلى المدينة؛ لأنه منافق لا يريد القتال، فقال: يطيع الأغْلِمَة ويترك رأينا -أي: في أمس يوم الجمعة- ثم قال: لا أخرج! فأطاعه ثلاثمائة فانخذل بهم، ثم أتت بنو حارثة الأبطال الشجعان، الذين قاتلوا في حنين، وأرادوا أن يفشلوا، فانتظروا في ظهر الجبل، وتلبثوا فقالوا: نعود إلى المدينة، ثم أتى بنو سلمة، وأرادوا أن يفشلوا مرة ثانية، وهم قبيلة جابر، فتلبثوا بالجبل، فأرسل لهم صلى الله عليه وسلم من ينذرهم وهو أبو جابر الذي كلَّمه الله كفاحاً بلا ترجمان، قال: {اذهب إليهم وادعهم إلى الله وإلى جنة عرضها السماوات والأرض} فأتى إليهم، وقال: ماذا تفعلون؟ ثم حثا في وجوه بعضهم بالتراب، قال: تفعلون برسول صلى الله عليه وسلم هذا؟! فاعتصموا بالله وأرشدهم الله، فذهبوا إلى المعركة، قال سبحانه وتعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:122]. قال أنس: والله ما وددنا أن كِدْنا نفشل، والله يقول في الآية: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122] لا نريد أننا فعلنا هذا، لكن نريد أننا فعلنا -والحمد لله- ما فعلناه؛ لأن الله عصمنا، ثم قال: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122] حضرت المعركة، وابتدأ القتال، أما أنس بن النضر فلمَّا رأى الناس انهزموا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أدوار المعركة أخذ سيفه، وكسر غمده على ركبته، ثم لف رأسه بعمامة، ثم قال للأنصار: أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم لقيه سعد بن معاذ وهو سيدهم، وقال: [[يا أنس بن النضر! ماذا تصنع؟ قال: إليك يا سعد، فوالله إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] أي: أجد نسيم الجنة يدخل في أنفي دون أحد -أي: قريباً من أحد - فقاتل حتى قُتِل، قال أنس: [[والله لقد وقفت عليه وإن فيه أكثر من ثمانين ضربة، بالسيوف والرماح]].
قال: وما عرفنا من هو هذا القتيل إلا أن أخته عرفت أنه أخوها ببنانه أي: بأصابعه.
وهذا كافر لا يريد مما علَّمه الله ولا يريد القرآن، لكن بمكيدة أن يجمع القبائل، ليقاتلوا هؤلاء القراء، فذهبوا إلى القبائل، فقال: عليكم بالسيوف والرماح وتعالوا! فقاتلوا عصابة أتت لمحاربتكم، فأتوا فطوقوا السبعين فقتلوهم عن بكرة أبيهم، ولذلك مكث صلى الله عليه وسلم يقنت شهراً في الصلاة، ربما بكى وربما دعا على رِعل وذكوان لمَّا فعلوا به صلى الله عليه وسلم وبقرائه.
جاء عامر بن الطفيل إلى حرام بن ملحان فقال له: تعال لأكلمك! فاقترب منه واستأمنه، فأشار عامر لرجل من ورائه، فقال: اطعنه بالرمح إذا كلَّمته، فلما أصبح يُكلمه ويناجيه أتى رجل من ورائه من قبائل رعل، فأدخل الرمح من ظهر حرام حتى خرج من صدره، فلما خرج الدم أخذ حرام الدم من قلبه ثم ضرب به وجه عامر بن الطفيل، وقال: [[فُزت ورب الكعبة]] وهذا الحديث في البخاري في (باب: الجهاد) ثم مات رضي الله عنه وأرضاه شهيداً بإذن الله عز وجل.
ولذلك يقول عمر: [[لا تولوا البراء بن مالك جيشاً فإنه مهلكهم]] أي: هو لا يريد البقاء، فيتهالك بنفسه ويدخل بنفسه في غمار المعركة، حتى أنه يوم اليمامة دخل بنفسه وبكل صعوبة خرج رضي الله عنه وأرضاه من المعركة.
وقد ثبت في الحديث: {أن الله ضحك منه؛ لأنه لقي العدو حاسراً بلا درع} ضحك عجباً منه سبحانه وتعالى ضحكاً يليق بجلاله، وفي الحديث: {إن ربك يضحك من الرجل يلقى العدو حاسراً} ومنهم: عمير بن الحمام رضي الله عنه وأرضاه.
وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وعنده من الأحاديث القليل، لكنَّ بركة العلم ونوره وهدايته جعلته يقوم بهذه المهمة، فالمقصود: الإخلاص وقصد الله بالعمل، وهو المطلوب في هذا الدين، ليس التكثير؛ فإن الله عزَّ وجلَّ يقول: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]. ويقول مالك بن أنس رحمه الله: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم بنور يقذفه الله في قلب العبد، وحديث يعمل به خير من آلاف مؤلفة لا يعمل بها، وإنما صلاح العلم العمل به ونشره في الناس.
وكان أبي قد سأل الله عز وجل الحمى؛ لأنه سأل رسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! هل يُكَّفر عنا ما نصاب به من همٍّ وغمٍّ ومرض؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم! حتى الشوكة يشاكها العبد، فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تعطلني عن جهاد ولا فريضة ولا حج ولا عمرة } فمكثت به الحمى ثلاثين سنة، حتى يقول الذهبي: وجد الحمى ثلاثين سنة، حتى ابيضت لحيته ورأسه، وكان كل من اقترب منه يجد فيه الحرارة، فـأبي هو سيد القراء وعالم من علماء الأنصار.
ومن علمائهم: زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وأرضاهم.
أتى حسان فكان ينشد له صلى الله عليه وسلم، وكان من بني النجار، وكان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} روى ذلك البخاري في باب إنشاد الشعر في المسجد، واستدل بهذا.
مر عمر وهو متولي الخلافة، وحسان ينشد في المسجد -في خلافة عمر فلحظ إليه- كأن عمر يكره إنشاد الشعر في المسجد، قال حسان: [[أنشدت في المسجد وفيه من هو خير منك، ثم قال لـ
فهذا من فعله رضي الله عنه، ولذلك كلما أتى شاعر بقصيدة فيها هجاء للرسول صلى الله عليه وسلم؛ قام حسان يذب عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والأنصار والمهاجرين يوم بدر يقول:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد |
انظروا إلى هذا الشرف العظيم، جعل جبريل ومحمد تحت لواء الأنصار رضوان الله عليهم، يقول:
وفي يوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد |
و أبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، تعرض لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه حسان بقصيدة يقول فيها:
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء |
إلى آخر ما قال.. ويقول فيها:
ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء |
بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء |
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء |
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء |
فلما سمعه صلى الله عليه وسلم دعا لـحسان رضي الله عنه وأرضاه، وكان حسان -دائماً- ينافح ويكافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، وقد تعمر حسان مائة وعشرين سنة -ستين في الإسلام وستين في الجاهلية- وتوفي بعد أن أحسن المدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل ثورته وجهده وكل ما معه من مديح في الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {اهجهم! والله لهو أشد عليهم من نضح النبل}.
حتى إن حسان كان يستهزئ بهم في قصائده؛ لأنه من كبار شعراء الإسلام.
يُذكر أن الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان قائد من قواد معركة بدر ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما انتصر صلى الله عليه وسلم فر ببغلته وترك المعركة، وكان الحارث من أكبر زعماء العرب، حتى يقول الشاعر:
أحسبت أن أباك يوم هجوته وسببتني كـالحارث بن هشام |
لكن لما رأى السيوف تعمل عملها في المعركة؛ فر وترك المعركة على بغلة، وأخذ حسان رضي الله عنه هذه الفرصة، وقال في قصيدة طويلة:
إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبة أن يقاتل عنهم ونجا برأس طمرة ولجام |
فتمنىَّ الحارث ابن هشام أنه قد قتل وأنه ما سمع هذه الأبيات، كلها خدمة في سبيل الله، ونصرة لله سبحانه وتعالى من الأنصار، فانظر إليهم كيف نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمائهم وأموالهم وشعرهم، وكل ما أوتوا من قوة؟! حتى أن كعب بن زهير وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن هجا الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فقال: {من وجده من الناس فليقتله} فكان يخرج في القبائل وينام في النهار ويمشي في الليل من خوف القتل، فلما طال عليه الوقت، وطال عليه الجوع والعري والظمأ، أتى فذهب إلى المدينة، ونظم قصيدة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأتى فنام عند أبي بكر، وقال: أريد أن تشفع لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أهدر دمي في قبائل العرب، والله ما استلذذت بنوم ولا ذقت طعاماً، وما رأيت أهلي، فرق له أبو بكر، وقال: [[هل عندك شعر تقدمه للرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.]] فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، وسلَّم عليه، وقال قصيدته المشهورة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول |
ثم قال:
إن الرسول لنور يستضاء به مهندٌ من سيوف الله مسلول |
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول |
إلى أن يقول:
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل |
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل |
وقال كل خليل كنت آمله لألهينك إني عنك مشغول |
ثم يقول:
حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل |
يقول: كلامي صارم وماض! لا يقبل التلبيس ولا التأويل (في كف ذي نقمات قوله القيل) فمدح المهاجرين وترك الأنصار، يقول:
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل |
أي: لماذا تمدح المهاجرين وتترك الأنصار؟ لأن الأنصار غضب منهم كعب رضي الله عنه؛ لأنهم أكثر من نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، يقولون: عليك بالرجل، فوجدها في نفسه، فما ذكرهم في القصيدة فغضب صلى الله عليه وسلم، فقال: أين الأنصار؟ فأتى في اليوم الثاني، ونظم قصيدة فقال:
من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالحي الأنصار |
الناصرون نبيه وكتابه يوم الكريهة بالقنا الخطار |
فرضي صلى الله عليه وسلم عنه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يذكر في مجلس ولا في عقيدة ولا في أقوال ولا في عمل مما يختص بالولاء والبراء إلا ويذكر معه الأنصار.
وفعلاً! وُجِدَ من الناس من يبغضهم ويحاربهم، حتى أن مسلم بن عقبة المري، الذي يُسميه أهل السنة والجماعة مشركاً، قاد جيشاً إلى المدينة وحارب أهل المدينة واستباحها ثلاثة أيام، حتى تركهم يستسقون الماء ولا يُسقون، ويطلبون الطعام ولا يُطعمون، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (من كاد أهل المدينة أذابه الله كما يُذاب الملح في الماء).
وجعل صلى الله عليه وسلم من أعظم ما يمكن أن نتوسل به إلى الله هو حب الصالحين والأنصار رضوان الله عليهم.
قال العلماء ممن شرحوا هذا الحديث: إنما نحبهم في الله عز وجل؛ لما فعلوا من نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله ودينه، لكن ما جرى بينهم كأن يبغض بعضهم بعضاً، فهذا لا يدخل في هذا الباب.
أما في عقيدة أهل السنة والجماعة فنحبهم في الله عز وجل، ونتقرب إلى الله بحبهم، ونرى أن من أبغضهم أنه بغيض عند الله عز وجل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس يزيدون والأنصار ينقصون، فالله الله من تولى من أمر أمتي شيئاً فعليه بالأنصار، ليقبل من مُحسِنهم ويتجاوز عن مسيئهم).
الناس يزيدون -وهذا بالاستقراء والسبر في الحوادث والتواريخ- كل فئة زادت إلا الأنصار؛ فإنهم أخذوا ينتهون رويداً رويداً حتى لم يبق منهم إلا الأسر القليلة؛ لأن السيف -دائماً- يمضي عليهم، وبالاستقراء في معارك المسلمين التي حضرها الأنصار: كان أكثر الشهداء هم من الأنصار، وأنشأ الله منهم دول بني الأحمر في الأندلس، وينتسبون إلى سعد بن عبادة، ومنهم قبيلة مجاهدة من أقوى المجاهدين الأفغان، والذين كبدوا الشيوعية، وقتلوا الملاحدة، أعظم قتل هم الأنصار، ويسمون في تاريخهم (قبائل كادس) وهم ينسبون إلى الأنصار رضوان الله عليهم، وهم من أشجع القبائل.
جعل الله للأنصار النصر واللواء المعقود، ونسأل الله أن يُوردهم الحوض المورود، ويُوردنا معهم رضوان الله عليهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض) لم يقل: يوم القيامة، ولكنه قال: الحوض، وهذا دليل على أنهم يردون معه صلى الله عليه وسلم.
ولذلك جعلهم صلى الله عليه وسلم شعاراً، يقول: (الأنصار شعار والناس دثار) والشعار: هو الذي يلي الجسد، يقول: أنتم خاصتي وعيبتي ونصحي ومشورتي وبطانتي، وما سواكم فهم دثار كاللباس الخارجي.
أولاً: أن نستقرئ سيرهم، وأن نمعن فيها، ونعرف كيف قدموا للإسلام من نصر وبذل وعطاء ووثاق.
ثانياً: أن نحبهم في الله عز وجل.
ثالثاً: أن نترضى عنهم، وندعو لهم بالمغفرة، وبالدرجات العالية عند الله عز وجل.
اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.
اللهم إن نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ على رسولك محمد وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار، الذين شرفتهم يا رب العالمين بحماية الدار.
اللهم احشرنا معهم تحت ظلك، وتحت لواء نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وارض عنهم، واجعلنا ممن يتولاهم ويبغض مبغضهم، إنك على كل شئ قدير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر