الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
هذه المحاضرة بعنوان "من أعذب الشعر" في (10/3/1411هـ) مساء السبت في مدينة أبها.
أرجو من أصحاب التسجيلات، أن يراعوا أرقام المحاضرات، لأن معرفة التسلسل ينفع السامع، فهذه المحاضرة تأخذ رقم (301) في المحاضرات.
إن الله سبحانه وتعالى ذكر الشعراء في القرآن، فقال سبحانه وتعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:224-227].
لما أنزل الله عز وجل هذه الآيات، أتى حسان بن ثابت وابن رواحة وأمثالهم من الصحابة الشعراء يبكون عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: مالكم؟ قالوا: يا رسول الله! ربنا يقول: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] ونحن شعراء، فأنزل الله عز وجل قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].
وأسباب هذه المحاضرة ثلاثة:
الأمر الأول: ينبغي للواعظ والخطيب وطالب العلم أن يكون عنده أبيات يتمثل بها، والشعر فيه كمال وارتياح، وفيه حكمة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة).
الأمر الثاني: الشعر ترويح عن النفوس، فإن المحاضرات إذا كانت كلها جدية وكلها صارمة؛ ملت النفوس، فلا بد من التنويع خوف الملل والسأم.
الأمر الثالث: حتى يكون هذا الشريط لمن أراد أن يحفظ بعض الأبيات، فإنكم سوف تسمعون أكثر من مائة بيت في هذه الليلة إن شاء الله، تكون للخطيب والواعظ والمعلم والمربي على طرف لسانه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يستشهد أحياناً بالأبيات.
نعم. لم يكن صلى الله عليه وسلم شاعراً، والله يقول: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] ولماذا؟
لأنه لو كان ينظم الشعر لقالت سادات قريش: إنه نظم القرآن شعراً، لقد قالوا: هو الذي افترى القرآن، جل كتاب الله عن الافتراء، كما حكى عنهم ربنا في كتابه فقال: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] فكيف لو كان ينظم الشعر؟!
وكذلك كان إذا استشهد بالأبيات أحياناً يكسرها، ولا يأتي بها مستقيمة صلى الله عليه وسلم، مع أنه أفصح الناس، فقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم قسم بعض الغنائم بين شيوخ ورؤساء العرب، فأعطى عيينة بن حصن سيد غطفان مائة ناقة، وأعطى سيد بني تميم مائة ناقة، وأعطى عباس بن مرداس خمسين ناقة، وهو شيخ مثل المشايخ، ولكن لماذا أنقصه خمسين ناقة، لأنه انتهى العدد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد هذا الرجل في نفسه، فعمل أبياتاً وقال:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
العبيد: يقصد فرسه لأن فرسه اسمه العبيد.
وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع.
يقول: لماذا أعطيتني أقل منهم وأبوهم ما كان يفوق أبي في المجامع العامة؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام وجعل يردد الأبيات ويقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة، والبيت: بين عيينة والأقرع حتى يستقيم، فتبسم أبو بكر وكان رجلاً أديباً فصيحاً، وقال: صدق الله حيث قال: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69].
وما كان يحفظ الأبيات، إذ هو لا يكتب ولا يقرأ ولا يخط حرفاً، وكان في صدره مع ذلك كل القرآن، يقول سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [الجمعة:2]
ما كان يعرف أن يكتب حتى محمد بن عبد الله، وإذا قلت له: اكتب (باسم الله) لا يعرف، وقد أتى بهذه الحكمة وهذه الشريعة وهذا الدستور وهذا الحديث كله صلى الله عليه وسلم، ولم يسقط حرفاً من القرآن، ومع ذلك ما كان يحفظ الشعر.
قصيدة حسان في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام
حسان بن ثابت توعد المشركين بقصيدة رنانة طنانة قوية ساحقة، توعدهم قبل غزوة الفتح، يقول
حسان في قصيدته البديعة جمل الله حياته، وقد فعل وبيض الله وجهه، يقول:
و كداء: جبل في مكة، يقول: اللهم لا تجعل خيلنا تعود علينا إذا لم تنثر الغبار على رءوس المشركين.
ثم التفت إلى أبي سفيان وقال:
وقد كان جزاؤه الجنة.
وكان عليه الصلاة والسلام يقرب المنبر لـحسان في المسجد، ويقول: {اهجهم وروح القدس معك} يقول: اهجُ المشركين ومعك جبريل يؤيدك، فكان حسان لا يحضر القصائد في البيت، ولا يتذكر، وإنما يجلس على المنبر، فيأتيه الشعر مثل السيل، فلما قال قصيدته القوية ضد المشركين، أتى بعد سنة ففتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأسقطها في يديه من أربعة أماكن، خالد بن الوليد من جهة، والزبير من جهة، وسعد بن عبادة من جهة، والرسول صلى الله عليه وسلم من جهة، وإذا بخيل خالد تدخل وتخترق مكة، وتخرج النساء مثل الصورة التي ذكرها حسان في الأبيات:
فخرجت نساء مكة، يضربن الخيول بالأقنعة والخمر فتبسم صلى الله عليه وسلم لما رأى هذا الحادث فيقول لـأبي بكر وهو حوله: كيف يقول حسان؟ قال: يقول يا رسول الله:
قال: صدق.
دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن رواحة
الرسول صلى الله عليه وسلم والنابغة الجعدي
ثم استقبل عليه الصلاة والسلام قبائل العرب، فدخل
النابغة الجعدي وكنيته
أبو ليلى، وجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الثمانين من عمره، فقال: يا رسول الله عندي أبيات نظمتها فيك، قال: قل.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم واسع الصدر حليم، بعض الناس تجده ضيقاً لا يسمع الدعابة، ولا يسمع القصائد، ولا يسمع سوالف الناس، ولا قصص الناس، ولكن هذا البحر الحليم الذي بعثه الله رحمة للناس يسمع أخبار الناس، لأن الإنسان يتأثر؛ ولذلك الدعوة تستمع للناس ولأخبارهم وقصصهم وأعلامهم، وهذا من اللطائف، يقول جابر بن سمرة: كان عليه الصلاة والسلام يجلس معنا بعد الفجر في المسجد، فنتحدث في أخبار الجاهلية، فيستمع، ونضحك ويتبسم، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن الناس إذا تحدثوا في الدنيا تحدث معهم، وإذا تحدثوا في المال تحدث معهم، حتى تأتي الغيبة فيسكت ويأمر الناس بالسكوت، وهذا هو أدبه صلى الله عليه وسلم، قال النابغة: قلت يا رسول الله أبياتاً، قال: قل، قال:
قال: هيه -أي زد-.
قال:
يمدح قومه، ثم يقول:
يقول: يوم الهول نضارب الأعداء حتى تتلطخ خيولنا بالدم، حتى نظن أن الجون -وهو الأبيض- أحمر، ثم يقول في قومه:
يقول: يا رسول الله أنا وقومي بلغنا السماء من الكرم، وعسانا نبلغ فوق السماء، فتبسم صلى الله عليه وسلم وضحك وقال: {أين المظهر يا أبا ليلى؟! قال: إلى الجنة يا رسول الله، قال: لا يفضض الله فاك} والجنة فوق السماء، وسقفها عرش الرحمن، وعسى الله أن يدخلنا وإياكم الجنة.
ومعنى (لا يفضض الله فاك) أبقى الله أسنانك، وهذه دعوة تقال للشاعر إذا أجاد، فبقي مائة وعشرين سنة ما سقط له ضرس ولا سن، بدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
حديث عمرو بن الشريد
وعند
مسلم في
صحيحه عن
عمرو بن الشريد قال: ركبت خلف الرسول صلى الله عليه وسلم على بغلته ردفه وراءه مباشرة، يلاصق جسمي جسمه، فلما مشى قليلاً -انظر من هو هذا الراكب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم معلم البشر سيد الخلق شفيع الناس يوم القيامة الذي ما خلق الله أطهر منه- قال لي: يا
عمرو تحفظ لـ
أمية بن أبي الصلت شعراً؟
و أمية بن أبي الصلت من أهل الطائف مات كافراً، آمن شعره وكفر قلبه، لأنه كان يرجو أن ينزل الله عليه النبوة، فلما جعل الله النبوة في الرسول صلى الله عليه وسلم حسده وكذب دعوته ومات كافراً، قال: تحفظ له شعراً؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: هيه، أنشدني، قال: فأنشدته بيتاً فقال: هيه، فزدته بيتاً، فقال: هيه، فزدته؛ قال: حتى أنشدته مائة بيت.
فالشعر الجميل لا بأس أن ينشد ويستشهد به، فإنه يدعو الكريم إلى الكرم، ويحجز البخيل عن البخل، ويدعو الذليل أو الجبان إلى أن يعود إلى المعركة، يقول
معاوية بن أبي سفيان: [[
والله لقد كدت أفر يوم صفين ما حبستني إلا بعض الأبيات]] التقى هو و
علي بن أبي طالب يوم صفين، وفارس الصف الأيمن
علي بن أبي طالب، وفارس الصف الأيسر
علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم، وجمعنا بهم في الجنة، فلما التقوا خرج
علي رضي الله عنه، -وأنتم تعرفون من هو
علي بن أبي طالب - خرج بالسيف، وخلع درعه من على جنبه وقال: من يبارز؟! وهذه هي علامة الشجاعة أقصى الشجاعة، إذا خلع البطل درعه فليس هناك أشجع منه، فهابه الناس كان أهل
الشام ثمانين ألفاً ما استطاع أحد أن يبارزه، قال: من يبارز؟ قال الناس لـ
معاوية: نسألك بالله أن تبارزه، قال: لا أستطيع، كأنه يقول: لو كان غيره لبارزته، لكن من يبارز
أبا الحسن؟! قال:
معاوية: يا
عمرو بن العاص، قم بارزه، قال: أبارز
علياً؟! قال: عزمت عليك أن تبارزه، والمبارزة هي المصارعة قبل المعركة أمام الناس، فقام
عمرو بن العاص فلما رأى
علي بن أبي طالب ألقى سيفه في الأرض، وقال: مكره أخاك لا بطل، وهو أول من قال هذا المثل، كأنه يقول: ما جئت نداً لك ولا قرناً، ولكن أكرهوني حتى أخرج، فتبسم
علي ورجع، فلما بدأت المعركة انهزم
معاوية في أول اليوم وفر ببغلته، فلما أصبح وحده في الصحراء تذكر أبياتاً لـ
ابن الإطنابة الحجازي يقول:
قال: فتذكرت هذه الأبيات، فرجعت إلى المعركة، وتم ما تم.
فالمقصود أن الشعر له تأثير، وأنا سوف أختار لكم ما يسهل الله عز وجل، وقد روى أهل التفسير أن عمر رضي وأرضاه ولى أحد الصحابة، واسمه النعمان بن عدي بن نضلة ولاه في ميسان قريباً من البصرة، قال: أنت أمير عليها فاذهب، فذهب، وعمر كان يتفقد أمراءه وولاته، وكان يرسل عيونه، وينظر هل يغدرون هل يخونون، هل يظلمون، وكان يحاسبهم يوم عرفات يوم الحج الأكبر، يجمع الحجاج ويأتي بالأمراء، ويقول: يا أهل العراق ماذا ترون في أميركم؟ والدرة في يد عمر، المحاسبة والجلد، إن جلدوا أناساً جلدهم، وإن أخذوا الأموال ردها، حتى جاء رجل مصري من ضمن الناس قال: يا أمير المؤمنين! أشكو إليك ابن أميرك في مصر، محمد بن عمرو بن العاص، وكان أمير مصر عمرو بن العاص، قال: ماذا فعل؟ قال: سابقته بفرسي وهو على فرسه، فسبقته، فضربني وقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟! قال عمر: أوَّه! كأنه يقول: من أجل أن فرسك سبق فرسه يضربك، علي به، فأتو به وقال له: قف هنا فوقف، وأتى بـعمرو بن العاص ثم قال للصحابة والذي لا إله إلا هو لا يحول بيني وبينهم أحد. وإذا حلف عمر حلف.
فأخذ العصا، ثم أخذ عمرو بن العاص وقال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] ثم دعا بابنه وقال: تعال يا بن الأكرمين، وأمر المصري أن يضربه، ثم قال للمصري: هل رضيت؟ قال: نعم رضيت يا أمير المؤمنين.
فأرسل عمر هذا الأمير، واسمه النعمان بن عدي بن نضلة، فذهب إلى القرية، وسمر ليلة من الليالي، وهو رجل صالح ولكن فلتت منه أبيات، وما كان يدري أن هذه الأبيات سوف تبلغ عمر في المدينة ويحاسبه، يقول هو وهو يريد أن يروح عن نفسه، يقول:
والحسناء زوجته، وكانت في المدينة، يقول: من يخبر زوجتي أني أشرب الخمر في الحنتم، وقد أصبحت أميراً، وبعد أن كنت أشرب اللبن والماء، منَّ الله علي بالإمارة، حتى أصبحت أشرب في الزجاج الخمر.
قد قال هكذا، وهو لم يفعل:
ثم قال:
يقول: ربما لو بلغت هذه الأبيات عمر، لغضب علينا، حين نتنادم في الجوسق أي في الخيمة المتهدمة الأطراف ونسمر، وفي الصباح بلغت الأبيات عمر، وقيل بعد أيام، فقال عمر: علي به، فوفد، قال عمر وقد أخذ العصا، من الذي يقول:
قال: أنا يا أمير المؤمنين، قال عمر: والله لقد ساءني، فكيف تقول هذا؟! عليك الحد، والحد ثمانون جلدة لمن يشرب الخمر، قال: يا أمير المؤمنين والله ما شربتها، ووالله لا تدخل لي بطناً، وأسأل الله أن يقتلني شهيداً، ولكن الله يقول: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ [الشعراء:224-226] قال عمر: أما هذه فقد أسقطت الحد عنك -أي بهذه الآية أسقطت الحد- ولكن والله لا تلي لي إمرة بعدها أبداً، فعزله فذهب فقتل في تستر شهيداً في سبيل الله.
أبو بكر ينشد شعراً في سقيفة بني ساعدة
اجتمع الأنصار في مجلس في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما اجتمع الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفن، ويظنون أن الخلافة في الأنصار، لأنهم هم الذين نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما الخلافة لا تكون إلا في قريش، ولو تأخر
أبو بكر و
عمر ساعة، لكانوا ولَّوا خليفة منهم، وانتهى القرار بالإجماع على الخليفة، ثم ضاع الأمر وتقاتلت الأمة، فأتى
عمر قال: يا خليفة رسول الله أدرك الأنصار في سقيفة بني ساعدة يجتمعون، فذهب
أبو بكر و
عمر و
أبو عبيدة، فدخلوا عليهم، وهم مجتمعون، فحاول
عمر أن يتكلم فما سمعوا، فقام
أبو بكر يتكلم، وكان فصيحاً نسيباً لين القول، فقال: آويتمونا، ونصرتمونا، وأكرمتمونا، وواسيتمونا، والله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال
طفيل الغنوي في قبيلة بني جعفر -وهو يستشهد بأبيات عل الله أن يهديهم، وانظر ما أحسن الأبيات-:
فلما سمعوا الأبيات دعوا لـأبي بكر واستمعوا كلامه، ثم بايعوه بالخلافة.
القول اللين، يقول عمر: يعجبني من الرجل أن يقدم أبياتاً بين يدي حاجته، ولذلك فإن الشحاذين الآن عند السلاطين إذا أراد أحدهم شيئاً من الدنيا ينظم ستين بيتاً، أنت يا بركة العصر، ويا فاتح الدنيا، فيعطيه، وأهل الحق أولى، ولهذا لما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] والشعر هذا سحر، يقلب المعايير، أحياناً يجعل الظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، بسبب الأبيات والبيان والشعر.
المتنبي مع سيف الدولة
وعلى ذكر الأحداث التي نجري فيها الآن، والتهيؤ للجهاد في سبيل الله، وأحداث هذه المنطقة أذكر لكم بعض الأبيات، يقولون:
سيف الدولة بن حمدان بطل من أبطال المسلمين، كان في
حلب، قاتل الروم ما يقارب ستين معركة ودائماً ينتصر، وهذا الذي يقول فيه
المتنبي:
يقول: سبحان الله، والله كأن الموت نائم، وكأنك في جفنه، لأنك شجاع، وأول من يموت الجبان، ولذلك لو بدأت المعركة لمات كثير من الناس بسقطات قلبية، وحملوا إلى المستشفيات، وبعضهم يفر وبينه وبين المعركة ألف ميل قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا [التوبة:52] فالجبناء يموتون؛ يقول أبو بكر الصديق لـخالد: [[اطلب الموت توهب لك الحياة]] يقول: دائماً حاول أن تلقي بنفسك في المعارك فلن تموت، بل توهب لك الحياة، خالد بن الوليد خاض مائة معركة وما قتل، مات على فراشه، يقول: يا ليتني مت شهيداً! والله ما في جسمي موطن شبر إلا فيه طعنة برمح، أو ضربة بسيف، أو رمية بسهم في سبيل الله:
وخالد في سبيل الله مشعلها و خالد في سبيل الله مذكيها |
يقول المتنبي في هذا البطل المسلم:
يقول: تتبسم في المعركة والأبطال أسارى أمامك وأنت تتبسم، ثم يقول:
يقول: نثرت الأبطال فوق الصحراء مثلما تنثر الدراهم على العروس، فدعا المتنبي وقال: نريد أن نخرج لغزوة، فأخذ فرسه وقال:
اسمع إلى الأبيات يقول: أصرف نفسي كما أشتهي، أي: أنا أصرف نفسي مرة في الرخاء ومرة في الشدة، وأملكها والقنا أحمر، السيوف تقطر من الدم، ولا أفر في المعركة.
أتاني رسولك مستعجلا: أتاني رسولك يدعوني إلى القتال معك، فلباه أولاً شعري الذي أذخر (ولو كان يوم وغى قاتماً) أي يوم معركة (للباه سيفي والأشقر) السيف والفرس.
قصيدة لتحريض اليمنيين على قتال بريطانيا
الشعر جميل، وهو يحيي الأمة، مثلاً:
اليمن هذا الشعب المسلم هاجمته
بريطانيا قبل سنوات، وهاجمته من
عدن، وتريد احتلال
اليمن، وقد ذكرت هذا، ولكن أعيده اليوم لهذه الأحداث، فدخلت الدبابات، وأتت بالطائرات ترشق هذه المدن المسلمة، وتضرب
صنعاء، فأتى أحد العلماء وقال لخطيب الجامع في
صنعاء: أريد منك خطبة هذا اليوم، وقد أعددت قصيدة ألقيها على الناس، قال: اخطب أنت، فجعل الخطبة كلها قصيدة طنانة رنانة رائعة، يقول فيها يخاطب اليمنيين كي يقاتلوا
بريطانيا واسمع، وكانت الطائرات في أثناء الخطبة ترمي القصور وترمي الشوارع، يقول:
وانظر إلى الصلة مع الله والاتصال به إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160]:
لا تحسبوا إذا هدمتم المدائن أننا نموت:
يقول للطيارين: إن كنتم رجالاً وشجعاناً، فانزلوا لنا في الأرض، لأن في المثل العربي: مر ذئب من سكة، وتيس على سطح البيت، فأخذ التيس يتوعد الذئب، ويقول: إما أن تتأدب وإلا نزلت إليك، فيقول الذئب للتيس: والله ما أعانتك شجاعتك فأنا أعرفك، ولكن مكانك هو الذي شجعك، لأنك عالٍ وأنا في الشارع، ولذلك بعض الناس إذا تربع على الكرسي أصبح شجاعاً، وإذا كنت أنت وهو متجردين في الساحة كان جباناً، يقول أحدهم:
فالمقصود يقول هذا الشاعر اليمني انزلوا من الطائرات، لأنا نحن ما نعرف نصعد الطائرات ولكن نعرف كيف نقاتل في الأرض:
فـتركيا الدولة العثمانية حكمت البلاد إلا اليمن:
واسمع إلى النداء الخالد، كأنه نداء إلى الجنة:
بعد قصيدته هذه، خرج ما يقارب مائة ألف مقاتل، وسحقوا قوات بريطانيا ولم تدخل اليمن، وهكذا تكون الأمة إذا اعتصمت بالله عز وجل، وإنما ذكرت هذا بمناسبة الأحداث، لكن مقصودي أن أختار لكم مقطوعات جميلة.
في مدح علي بن موسى
علي الرضا بن موسى من أولاد أولاد
علي بن أبي طالب، كان ولي العهد
للمأمون في الدولة العباسية، وكان رجلاً فيه خير كثير، وكان رجلاً رئيسا سلطاناً مطاعاً، فقيل
للحسن بن هانئ أحد الشعراء، مدحت الوزراء كلهم إلا ابن
علي بن أبي طالب، وهو الذي يستحق المدح، فقال فيه مقطوعة، يقولون: هي من أمدح ما قيل، يقول الشاعر:
هل سمعتم بأحسن من هذا، يقول أنا أعرف مدح الناس من مثلي وأشكالي، أما أنت فلا أستطيع، أنت أبوك صاحب جبريل، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم، قال:
والشاعر قد قال في القصيدة:
وقد قال الذهبي: ما كان جبريل خادماً؛ بل كان صاحباً ومعلماً، ولذلك عدلتها.
الحياة الذميمة عند المعري
تعرفون أنه في آخر الزمان يتكلم الرويبضة، وهو الذي لم يكن له قدر في الناس، أي يسود غير المسود، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وقد جاء
أبو العلاء المعري بأبيات يتكلم فيها عن هذا، يوم يقدم اللئيم، ويؤخر الكريم، ويصعد الذنب إلى الرأس، ويتأخر الرأس إلى الذنب، وهذا في الناس اليوم موجود، وهو من علامات الساعة، حتى تجد البيوت في القبائل المعروفة بالكرم والسماحة والندى والمجد، أصبحت الآن متأخرة، وتجد الرويبضة، والذين ليس لهم أثر، أصبحوا الآن يتكلمون ويشار إليهم، يقول
أبو العلاء عن هذا:
أشرح الأبيات:
حاتم الطائي أكرم العرب، ومادر أبخل العرب، يقولون: كان مادر هذا من بخله إذا أراد أن يحتلب شاة يمصها من ثديها حتى لا يسمع الناس صوت الثدي في الإناء فيأتون، فـمادر هذا يسب حاتم الطائي بالبخل كما يقول أبو العلاء:
قس بن ساعدة أخطب العرب، وعير قساً بالفهاهة باقل، وباقل أعيا العرب لا يتكلم، يقولون: كانت أمه تلقنه اسمه في أول النهار فينساه مع الظهر، فتخليوا باقلاً يسب قساً ويقول: ما كان فصيحاً، فهل أنت يا باقل فصيح؟! يقولون: إنه من حمقه كان فيه قلادة وضعتها أمه عليه حتى لا يختلط بالصبية، تعرفه إذا خرج الشارع فتأتي به، فأتى أخوه في الليل، فأخذ القلادة فلبسها، فأتى في الصباح، فقال: يا أخي أنت أنا فمن أنا؟!
(وقال السها للشمس أنت كسيفة) يقول الليل للشمس: أنت كسيفة، (وقال السهى) وهو نجم خافت (للبدر وجهك حائل).
نموذج على محبة الخلفاء للشعر
كان الخلفاء يحبون الشعر ويتذوقون الشعر، وكان الناس خطباء، وكان خلفاء الأمة خطباء وعلماء، يتذوقون هذا الأدب.
خرج أبو جعفر المنصور هذا الملك الجبار، ملك جبار، يقول فيه الإمام أحمد: رحم الله ابن أبي ذئب قال كلمة حق عند أبي جعفر، وأبو جعفر أبو جعفر!
كأنه يقول: من يستطيع أن يقول كلمة الحق عند هذا الجبار؟!
قتل من الملوك أكثر من ثلاثين، وقتل الوزراء وقتل أعمامه الذين هم إخوان أبيه، ولذلك دخل عليه ابن أبي ذئب، قال أبو جعفر: أسألك بالله يا ابن أبي ذئب، أنا عادل؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين، أي سامحني هذه المرة، قال: لا والله، قال: أسألك بالله أنا عادل؟ قال: والذي لا إله إلا هو إنك ظالم، ثم خرج.
ودخل عليه ابن السماك الواعظ، فقال: ناولني الدواة، أي دواة الحبر، يقول أبو جعفر لـابن السماك: ناولني، قال: لا أناولك، إن كنت تكتب ظلماً أشترك معك في الظلم، وإن كنت تكتب حقاً فلست بخادم لك، فأراد أن يستهزئ به، فوقع ذباب على أنف أبي جعفر، ففعل بالذباب هكذا، فاختفى ثم عاد، قال: يا ابن السماك لماذا خلق الله الذباب؟
يعني: ما الفائدة من الذباب؟
هل منه فائدة؟
هل يحلب أو يذبح أو يؤكل أو يطبخ؟
ما الفائدة من الذباب؟
قال: يا أمير المؤمنين! خلق الله الذباب ليذل به أنوف الطغاة.
فهو لا يقع إلا على أنف الطاغية، قالوا: فخجل أبو جعفر واحمر وجهه.
وخرج مع الشعراء، فقال: من يكمل لي بيتاً أعطيه بردة الرسول صلى الله عليه وسلم التي علي، وبردة الرسول صلى الله عليه وسلم تشترى بالدماء لا يلبسها إلا الخلفاء، قال الشعراء: ما هو البيت؟ قال:
معنى البيت: يقول: هاجرة -شدة حر- وقفت بها ناقتي، وحرها يقطع ظهور الإبل، فقام الشعراء على ركبهم أيهم يسبق لأخذ الجائزة، فقال بشار بن برد الشاعر العجيب قال:
فرمى بالبردة عليه، فاشتراها الناس منه، وبشار هذا كان أعمى، وهو الذي يقول:
وهو الذي يقول:
فأتاه رجل فوجده كالثور من ضخامة جسمه، فقال: أنت الذي تقول:
قال أما يقول الله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ [الشعراء:224-226].
استدعى
الحجاج بن يوسف -وتعرفون من هو
الحجاج - شاعراً من العرب، وكان هذا الشاعر من
اليمامة، لكنه قال أبياتاً يسب فيها
الحجاج، فسمعها
الحجاج، وقال: والله لأقتلنه، وقتل الرجال عند
الحجاج مثل ذبح الدجاج، وما للرجال ميزان عنده، فأركبوا هذا الشاعر المسكين، وقيدوه على الجمل، وقالوا له: ما عليك بأس، وكأنهم يقولون:
الحجاج رجل رحيم وحليم، ولا تخف، قال: والله أعرف، ثم بكى ونظر إلى شجرتين في
اليمامة وقال:
كان قد ترك أطفاله وزوجه في اليمامة يبكون عليه، وعرف أنه لا يعود إلا مقتولاً، قال:
الحمامة على شجرة هنا والثانية هنا:
هذه حمامة تبكي على شجر الغرب، والثانية تبكي على البان، واسمع ماذا يقول:
يقول: معنى البان أنها تبين مني سليمى، ولن ألقاها إلا يوم القيامة، وأما الغرب فهو اغتراب عن الأهل والأوطان، ووصل إلى الحجاج فقتله، فاستمع الحجاج بعد ما قتله إلى مقولته في الشعر، قال: لو أخبرتموني ما قتلته، لكن جلساء السوء لا يذكرون إلا بعد أن تقع الحادثة.
نونية ابن زيدون
ابن زيدون: له قصيدة جميلة، يقول:
إلى آخر ما قال، وقد عارضه بعض الشعراء، ومنهم أحمد شوقي.
يقول: لما ماتت أمه ودفنها في حلوان بـمصر:
يقول: هذا الكنز جعلته في حلوان سوف أطلبه من الله، فهي خير وديعة، وسوف أطلبه من خير المؤدين الذي لا تضيع الودائع عنده سبحانه وتعالى.
كلام الخالق وكلام المخلوق
التهامي شاعر عجيب، مات ابنه وهو في الرابعة عشرة من عمره، وهذا السن عجيب الرابعة عشرة والعاشرة وما حولها، أحسن سن للشباب، ولذلك تجد أهل المصائب إذا أصيب بابن في هذا السن، يبلغ ببعضهم -إن لم يمده الله بالصبر- أن ينهار.
رثاء التهامي لابنه
رثاء زوجة لجرير
ورثاء الزوجات وارد، وهذا لمن يكون بينه وبين أهله ألفة، توفيت زوجة
جرير فرثاها بمرثية، يقول:
أبيات طويلة، لكنها من أعظم ما قيل في رثاء الزوجات.
متمم بن نويرة
رثاء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي
والرثاء عند العرب جميل، كان أحد قواد العرب واسمه
محمد بن حميد الطوسي في عهد
المعتصم العباسي يقاتل الكفار من صلاة الصبح حتى غربت الشمس ثم قتل، أتدرون كم كان عمره؟ يقولون: ما يقارب السادسة والثلاثين، فكان شاباً قوياً، وكان مؤمناً بالله، لبس أكفانه من الصباح، وأخذ يقاتل بالسيف حتى تكسرت سيوفه، فقتل مع الغروب، فلما قتل قال فيه
أبو تمام الشاعر قصيدة يرثيه بها، فلما سمعها الخليفة قال: والله الذي لا إله إلا هو لوددت أني قتلت وأنها قيلت في.
وكان كلما كسروا سيفه أخذ سيفاً آخر، فيكسرونه، فيأخذ ثالثاً حتى وصل الغروب، وقد كسرت يده فقتلوه، يقول أبو تمام:
يقول: حتى الأرض كانت تتمنى أنها كلها قبر لك
يقول: لم تمت حتى تكسرت السيوف وتقصفت عليك الرماح:
إلى آخر ما قال، وهي من أبدع ما قيل.
جرير يرثي بشر بن مروان
يقول
الحسن البصري: دخلت على
بشر بن مروان أخي
عبد الملك بن مروان، والي
العراق، يقول الشاعر:
قال: فدخلت عليه فوجدته غضاً سميناً، عنده الأطباء، وعنده الحشم، وعنده المغنون، وعنده الشعراء، قال: ثم خرجت وجئته في اليوم الثاني، وإذا هو مريض في سكرات الموت، قد نزل من سريره، وكشف فراشه، وهو يتقلب على التراب، ويبكي ويقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].
انظر بالأمس كيف كان، وكيف هو اليوم، أمس على سريره وعنده الوزراء والأمراء والشعراء والأدباء والمغنون، والآن على التراب يقول: ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه، قال: والله ماخرجت من قصره حتى مات، قال: فحملناه إلى المقبرة، فأتى الفرزدق الشاعر فقال:
ذكر الذهبي أن محدثاً من المحدثين رحمه الله كان في سكرات الموت، فسمع أحد طلاب الحديث يقول: حدثنا فلان، عن فلان، وهذا المحدث على حافة عالم الآخرة، ولكن تذكر مجالس الحديث ومجالس العلم، فبكى كثيراً ثم قال: أجلسوني، قالوا: أنت في وضع خطير، قال: أجلسوني، فأجلسوه، قال للطالب: أعد قول حدثنا، فأعاد فقال:
البيت هذا لرجل من العرب أسروه، ثم شرب الخمر فغنى ورفع صوته، قالوا: لا تغن تسمع الأعداء، قال: تسقوني الخمر ولا أغني، ولذلك الخمر والغناء شريكان، وهما طريقان إلى النار، وإنما ذاك يقول: أسمع الحديث ولا أجلس، وأنا روحي في الحديث.
أحد المحدثين يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم:
هؤلاء الرواة ولكن هو حولها إلى أسماء، يقول:
يا رسول الله من أتى إلى بابك أصبحت جوارحه تروي ما أمليت من هذا العلم، وقرة العين توافق اسم قرة بن شريك من المحدثين، والصلة توافق اسم صلة بن أشيم المحدث، وجابر القلب توافق اسم جابر بن عبد الله، وحسن السمع يوافق اسم الحسن البصري ففي البيت تورية، فالكلمات كأنها أسماء الرواة وهو يقصد معاني أخرى.
الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دم
كعب بن زهير، لأنه هجاه في قصيدة وسبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبرأ عن السب، فديناه بأعراضنا ودمائنا وأموالنا، فلما سمع صلى الله عليه وسلم قال: من وجد
كعباً فليقتله، فسار
كعب ينام في النهار ويمضي في الليل، وفي الأخير ضاقت به الأرض بما رحبت، فذهب إلى مشايخ قومه وقال: ما هو الحل؟ ما المخرج؟ قالوا: انظم قصيدة، واذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وامدحه بها، فذهب، وأمسى عند
أبي بكر في الليل، قال: يا
أبا بكر! ما رأيك؟ قال: عندك شيء من الشعر، قال: عندي قصيدة، قال: إذا كانت صلاة الصبح، فأنا سوف أتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأستأذن لك في أن تلقي قصيدتك، فلما صلى عليه الصلاة والسلام صلاة الفجر بالناس، قال: يا رسول الله!
كعب بن زهير يريد أن يلقي عليك أبياتاً، قال: قل، وكان أحلم الناس صلى الله عليه وسلم وأكرم الناس قال:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول |
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول |
يقول: اصبر واحلم.
يقول: لا تصدق أقوال الاستخبارات فيَّ.
يقول: يا رسول الله! سهرت وتعبت، وخفت وتشردت عن أهلي، وطاردني الناس، فارحمني يا رسول الله، واحلم عني، وكف عني يا رسول الله.
يقول: ذهبت من بوادي العرب وجئت إليك، ووضعت يميني في يمينك، فإن كنت تريد قتلي فاقتلني، وإن كنت تريد ذبحي فاذبحني وإلا فاعف عني، وأنت إذا قلت قلت، ثم يقول:
يقول: إن قتلتني اليوم، فكلنا نلتقي عند الله، وإن عفوت عني فسوف أموت، فالقضية موت موت، فخلني أياماً مع أهلي.
فخلع صلى الله عليه وسلم بردته، وهذه البردة كانت من أجمل ما يكون، فخلعها وألبسها كعباً وقال: عفوت عنك، ثم باعها بنوه من معاوية بن أبي سفيان بأربعين ألف درهم، وبيعت هذه البردة حتى وصلت خلفاء الأتراك من بني عثمان في إسطنبول، وهي في متحف هناك، وتساوي الملايين، وهي أغلى من الدنيا وما فيها، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لبسها.
وصف الحب للشيرازي
شاعر إيراني، من
أهل السنة، له أبيات جميلة أذكرها لكم يقول:
يقول: أنا لما فارقت أحبابي بكت اليمنى، واليسرى ما بكت، فلما التقينا بعد سنة، عاقبت التي ما بكت ذاك اليوم بأن أغمضتها ونظرت بواحدة.
ويقول:
يقول: طرقت الباب، قال: من؟ قلت: أنا، و(أنا) منهي عنها في السنة، يقول جابر عند البخاري: {طرقت الباب على الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من، قلت: أنا، قال: أنا أنا كأنه كرهها} قل: فلان أبو محمد، علي بن سعيد، محمد بن فلان، حتى تعرف.
ولذلك لما طرق جبريل السماء على الملائكة، قالوا: من؟ قال: جبريل، قالوا: من معك؟ قال: محمد، قالوا: مرحباً بك وبمن معك، وفتحوا الباب، فيقول الشيرازي :
يقول: لماذا تقول أنا؟ ليس في المحبة أنا وأنت.
يقول: أنت عند الباب
أبيات الحكمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
ذكر الشيب عند العرب كثير، وبعضهم يراه وقاراً، وبعضهم يتشاءم منه، والصحيح أنه وقار للمؤمن وشرف له، وفي بعض الأحاديث التي يحسنها بعض العلماء: (من شاب شيبة في الإسلام جعلها الله له نوراً يوم القيامة).
ونظر إبراهيم عليه السلام إلى المرآة فرأى شيباً فقال: يا رب ما هذه! قال: نور ووقار يا إبراهيم، قال: اللهم زدني وقاراً، يقول المستنجد الخليفة:
امرأته عيرته بالشيب، تقول: أنت يا شايب، يقول: يا ليتها عيرتي بعيب، لكن هذا الشيب وقار عند الله عز وجل.
وقال أبو العتاهية:
يا ليت الشباب يعود مرة، فأخبره بما فعل المشيب في، ما نومني في الليل وما تركني أرتاح ولا أهدأ.
وهذا أحد الشعراء العرب يقولون: كبر سنه وبلغ الثمانين، وكان يتأوه في الليل ولا ينام من طول السنين ومن الأمراض ومن الأوصاب، فقال له أبناؤه: مالك لا تنام؟ ماذا تشتكي؟ فقال في أبيات له:
الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، الذي توفي من سنوات رحمه الله رحمة واسعة، خرج في آخر خروج له من المسجد الكبير في الرياض يتعكز على عصا، وفيه كحة وكبر في السن، وكان ولياً من أولياء الله وموحداً صادقاً، فلما خرج أخذ ينزل من الدرج بتعب، وكان يتكئ على بعض الناس فما استطاع، فقال:
ومات بعد يومين.
ومعنى (إذا الرجال ولدت أولادها) إذا ولد لولدك ولد، وأصبحت جداً، فتحر الموت وتحر سكرات الموت.
(وأخذت أسقامها تعتادها) فإذا كثر مراجعة المستشفى، يصبح الإنسان من كل جهة قطع غيار، ينتهي المستشفى من أذنه، فيأتي المرض في العين، ومن العين إلى اليد، ومن اليد إلى الرجل، ومن الرجل إلى الكبد، ومن الكبد إلى الطحال، أصبح كله مثل السيارة المجمعة من كل جهة.
(وكثرت من مرض عوادها) دائماً عواد عليه كل مرة، أحدهم يقول: كيف حالك يا فلان؟ وهذا يتصل بالهاتف، وهذا يطرق الباب، والشباب الآن لا يعودون في الغالب إلا الكبار.
قال:
(فهي زروع قد دنا حصادها) فانتبه فقد سافرت إلى الله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى [الأنعام:94] وهذه عبرة للإنسان.
يقول شاعر عربي:
فالمرأة تمدح الرجل، وتقول: أنا معك حتى لو تدخل النار أدخل معك، أعوذ بالله من النار، لكن إذا شاب أو ضعف أو قل ماله، فربما تقلب له ظهر المجن، وهذا في الغالب، وإلا ففيهن صالحات، لكن كما يقول الأول:
فالشيب عدو لهن، وقد قال ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر: ليحذر الكبير من أن يتزوج البنت الصغيرة.
وقد تجد الرجل في الثمانين يتزوج بنتاً عمرها خمسة عشر، وبعد شهرين يموت، ولهذا نهي عن الخضاب لأن صاحبه يدلس على الناس، يأتي ابن الثمانين يخضب لحيته، فيأتي كأنه شاب، كم عمرك يا فلان؟ فيدلس عليهم، فإذا بهم يزوجونه، وبعد فتره يموت.
على كل حال: هذا يحذر منه، إنما الإنسان يتزوج الإنسان بمن تكافئه في السن. ولا بأس بزيادة سن معقول عشر سنوات أو نحوها.
شعر الخنساء في رثاء صخر
السؤال: أورد لنا أبيات
الخنساء في أخيها
صخر؟
الجواب: كانت ترثيه لأنه قتل في الجاهلية، وقتل لها أربعة أبناء فما بكت عليهم كثيراً، قالت: لأنهم ماتوا إلى الجنة، وكان صخر يقسم ماله نصفين ويعطيها النصف وله النصف، تقول:
وتقول:
الرثاء عند العرب جميل جميل.
بردة البوصيري
السؤال: أسمعنا بعض نهج البردة ووضح لنا بعض الأخطاء؟
الجواب: هي اسمها البردة، وليس نهج البردة، نهج البردة لـأحمد شوقي، والبردة للبوصيري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، البوصيري إمام مصري، لكنه أخطأ وابتدع في آخر القصيدة، ولو أنها جميلة جد جميلة، يقول:
إلى آخر ما قال، ثم قال:
ولكنه أخطأ في آخرها حين قال:
أستغفر الله، لا يلاذ إلا بالله:
وهذا مبالغة وغلو وشرك وابتداع، وعارضه أحمد شوقي في قصيدة يقول فيها:
ثم يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم:
صلى الله عليه وسلم.
ولي قصيدة في النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب ثمانين بيتاً على نسق هذا البحر والروي:
وسوف تجمع هذه القصائد كاملة إن شاء الله في مجلد اسمه: من أعذب الشعر.
صحة حديث لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً
من أشعار المتنبي
السؤال: أرجو أن تذكر لنا قصيدة من قصائد الفيلسوف
المتنبي؟
الجواب: أنت أول من يقول: إن المتنبي فيلسوف، وهو ليس كذلك، بل هو شاعر، المتنبي كان عند سيف الدولة في حلب، ذهب إلى كافور الذي كان مولى ثم حكم مصر وذلك أنه غضب من سيف الدولة في حلب، فذهب إلى كافور يمدحه، ومدحه من أجل الشهوة والشهرة والمنصب، وهو شاعر مجيد، لكنه لم يستخدم شعره في مدح الإسلام، فمدح كافوراً بمدح عجيب حتى يقول:
وكافور هذا كنيته أبو المسك، يقول أنت أبو كل طيب في الدنيا، وليس المسك وحده، فلما غضب عليه طرده من مصر، فنام في الطريق، فأتته الحمى، فقال قصيدة اسمها الحمى، وكانت زوجته في بلد وأبناؤه في بلد، وأصدقاؤه في بلد، وجيرانه في بلد كما قال أبو تمام:
يقول في هجاء كافور يقول:
أتى عيد الفطر وهو مريض ومسافر.
يقول: يا عيد ليتك ما أتيت، وليت بيني وبينك صحاري واسعة:
يقول: يأكل كافور من زادي، ويأكل خبزي، ويحبسني في مصر.
ثم يقول:
أما قصيدة الحمى فيقول فيها:
وهو يعني الحمى؛ لأن الحمى لا تأتي إلا في الظلام، وهذه من صفات الحمى، ومن ميزات الحمى أنها لا تأتيك إلا بعد صلاة العشاء، فترجفك رجفاً، ويسمونها المكسرة، لأنها تدخل ثلاث مائة وستين عضواً، ما تدخل عضواً إلا تحكمة، يقول:
يقول: فرشت لها بجنبي، وقلت: نامي هنا، يقول: فعافت الفراش وباتت في عظامي.
يقول: عندي كل مصيبة، عندي ثلاثون مصيبة: مصيبة الألم، ومصيبة كافور، ومصيبة سيف الدولة، ومصيبة الأطفال، وأنت جئت تكملين، كيف وجدت لك مدخلاً؟!
إلى آخر ما قال، ويقول في آخرها:
أصبح كلام الناس مجاملات، يقول: كيف حالكم في الصباح؟ وهو لا يدري كيف حالك، ولا يهمه حالك، يقول: والله دائماً نتذكركم، والله يجعلكم في خير وعافية، وهو لا يهتم بك ولا بحالك، أما المسلمون المؤمنون فلا، ثم يقول:
رجل يمكنه أن يكون مستقيماً مع الله عز وجل، ولكنه لم يستقم، فهذا أعيب العيب.
كان ديجول رئيس فرنسا يحب بيت المتنبي هذا -يقولون: الشعر والدبابات في فرنسا - فطلب منهم أن يكتبوا بيت المتنبي على الدبابة التي تقود الدبابات، وكان يعجبه هذا البيت:
المتنبي مبدع في الشعر، وقد ذهب إلى الله كغيره من الشعراء.
شعر للأعشى في المديح
السؤال: أورد لنا بعض الأبيات في المديح؟
الجواب: أصلاً لا يستحق المديح صراحة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أولى الناس بالمديح، يقول أحد الشعراء فيه:
صلى الله عليه وسلم.
و عمر رضي الله عنه سمع بيتاً يقول فيه:
والمحلق من العرب، كان عنده ثمان بنات لم يزوجهن، والسبب أنه كان بخيلاً، والعرب تغفر أي مرض إلا البخل، وكان في الجاهلية، فأصابه تكدس في البنات، حتى كلما تقدم رجل ليخطب بنته، قالوا: هو بخيل، فيقول: والله لا أخطب بنته، وكذلك كلما جاءه رجل قالوا: الرجل بخيل، فأتت امرأته فقالت لزوجها المحلق: لماذا لا تذهب إلى الأعشى الشاعر وتقريه وتضيفه وتكسوه، فيمدحك بالكرم، فتتزوج بناتك؟ قال: صدقتِ أصاب الله بك الخير، فذهب إلى الأعشى، فذبح له ناقة، وهو لا يذبح دجاجة أصلاً، ولكن من أجل تزويج بناته، فلما ضيفه كساه وألبسه، وقال: اذهب ولكن لا تنسنا من بعض الأبيات، فقال الأعشى وهو شاعر العرب، وهو صاحب قصيدة:
ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل |
فقال في المحلق:
يقول: والله لقد نظرت عيون العرب كلها في البادية إلى ضوء هذا الرجل الكريم الذي يضيف الناس، ويكرم الناس، ويشعل النار.
يقول: الذي أصابه برد وجوع يأتي إلى هذه النار.
الندى: -الكرم- والمحلق باتا على النار، قال عمر: [[ذاك رسول الله عليه الصلاة والسلام]] فلما مدحه تزوجت بناته الثمان في شهر.
وقد أراد الأعشى أن يسلم، فأتاه شياطين الإنس، فصرفوه عن الإسلام، خرج من اليمامة، ومنزل الأعشى قريب من الرياض، مدفون هناك، وقيل دفن في ديراق وهي قريب من الرياض، على يمينك إذا دخلت الرياض وعلى يسارك إذا خرجت من الرياض.
خرج على ناقة يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
إلى أن يقول:
فلقيه أبو سفيان، وكان لا يزال مشركاً عدواً للرسول صلى الله عليه وسلم قال: أين تذهب؟ قال: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أنظمت قصيدة؟ قال: نعم. قال: كم ترجو منها؟ قال: مائة ناقة. قال: أنا أعطيك مائة ناقة وارجع، فأعطاه مائة ناقة، فصرفه عن الإسلام، فركب إحداها، فوقصته، فكسرت عنقه، فمات مشركاً.
أسأل الله أن يتوفانا مسلمين وأن يهدينا وإياكم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.