وفي هذا المادة بيان لهذه المعوقات وكيفية إزالتها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم شكراً جزيلاً، وأشكر القائمين على هذا المعسكر، وأشكر القادة والأعضاء والحضور، وليس عندي هذه الليلة ذهب ولا فضة، ولا خيل ولا مال، ولكن عندي حب كالجبال في الله الواحد ذي الجلال، وعندي أشواق ونطق وكلام، وأنا الليلة أقول لكم كما قال أبو الطيب المتنبي:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال |
واجز الكرام الألى أهدوا محبتهم حباً وبادلهم فالحب أمثال |
وأشكر أبناء الجزيرة الذين اجتمعوا من كل مكان، من الشمال والجنوب.. من الشرق والوسط والغرب، أتوا هنا تحت مظلة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] أبناء الجزيرة لا تعصباً ولكن حقيقة، أبناء الجزيرة لا افتخاراً ولكن اعترافاً، أبناء الجزيرة لا تبجحاً ولكن امتثالاً، أبناء الجزيرة التي تحطم على صخرتها رءوس الملاحدة، وجماجم الزنادقة.
أنا الجزيرة في عيني عباقرة الفجر والفهم والتاريخ والصحف |
أنا الجزيرة بيت الله قبلتها وفي ربا عرفات دهرنا يقف |
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا |
هذه هي الجزيرة، ليست بالنخل ولا بالتراب، الجزيرة ليست بالماء ولا بالهواء، الجزيرة ليست بالجبال ولا بالسهول، الجزيرة بالرسالة الخالدة التي هبطت عليها، نزل جبريل من السماء فما وقع في أرض إلا في الجزيرة، وهبط الوحي نيراً من عند الواحد الأحد، من عند الرحمن، من عند الذي فوق العرش استوى، فخاطب الجزيرة، وأتى جبريل كالنجم إذا تلألأ: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]. فخاطب الجزيرة، غار حراء في الجزيرة، والكعبة في الجزيرة، وزمزم في الجزيرة، ومحمد عليه الصلاة والسلام يرقد في الجزيرة، وكذلك السادة الأخيار أبو بكر، وعمر، وعثمان.
فيا أبناء سعد! ويا أبناء القعقاع! ويا أبناء المثنى! ماذا ينتظر العالم من الجزيرة؟ أينتظر منها البترول فقط؟ أو التمر فحسب؟ أو التراب أو المعادن؟ لا. إنه ينتظر شيئاً أعظم وأغلى، وأجل وأسعد.. ينتظر لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ينتظر الإيمان.. ينتظر أن نُسلم إليه حياة القلوب.. ينتظر أن نهدي إليه النور.
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه |
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه |
محمد إقبال شاعر الـباكستان له قصيدة ينادي بها محمداً عليه الصلاة والسلام، ولكن للأسف! لم تترجم في قصيدة وإنما ترجمت نثراً، يقول في قصيدة له أخرى:
إن كان لي نغم الهنود ودنهم لكن ذاك الدن من عدنان |
يقول: يا محمد! يا رسول الله! إن كنت أتكلم أنا بالأردو وبالهندية، لكن قلبي عربي عدناني فيه القرآن، إن كنت لا أجيد أن أتلفظ بألفاظك، فأنا أعيش مشاعرك وأفكارك، ودمي دمك، هذا معنى الكلام.
لكن في قصيدته الأخرى التي ترجمت إلى نثر يقول: يا رسول الله! أنا زرتك البارحة، ونظرت إلى أبناء الجزيرة الذين رفعوا معالم التوحيد في الأرض، فما وجدتهم، أين هم يا رسول الله؟
والمعنى: أين أحفاد طلحة والزبير وسعد.
حضر مع الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع مائة وأربعة عشر ألف مسلم، محرمين مهللين، مكبرين ساجدين، مات ثلاثة أرباعهم في أنحاء الكرة الأرضية، منهم من مات في قندهار، ومنهم في الهند، ومنهم في السند، ومنهم من توزعت بهم الفيافي يرفعون لا إله إلا الله.
صحوة عارمة، شهد بها العدو قبل الصديق، لكن بعض المنافقين والمرتدين يهونون من شأن الصحوة، فمرة يصفونها بعصابة متطرفة، خرجت على الناس، أأتباع محمد عليه الصلاة والسلام ناشر العدل في العالم عصابة متطرفة؟! أأحفاده الذين حرروا الإنسان من الظلم والكهنوت والتبجح والجبروت عصابة متطرفة؟! الذين يملئون الحرم المكي والنبوي والمساجد، ويهللون ويصلون.
لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وصرنا للعلا عجباً |
بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضباً |
عافوا حياة الخنى والرجس واغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنباً |
قلت في بعض المحاضرات والله الشاهد: لقد أتت رسائل من بعض الطلبة الذين سافروا من عدن وكانوا شيوعيين ماركسيين، عرب ماركسيون، عرب يخاصمون محمداً صلى الله عليه وسلم، عرب يحاربون العربي العبقري النبي الأمي، ومن الذي أذاق محمداً صلى الله عليه وسلم الغصص إلا العرب، طوقوه في بدر، وحاربوه في أحد، وحاصروه في المدينة في معركة الأحزاب في الحلف الابتداعي المنافق الوثني، يوم اجتمعت قوى الشيطان وقوى الشرك في حرب الرسول عليه الصلاة والسلام.
العرب الذين تخلى كثير منهم عن لا إله إلا الله محمد رسول الله، عرب صبرا وشاتيلا، عرب أيلول الأسود، عرب عراق البعث الذي احتل الكويت، يقول فيهم الشاعر: وحدويون، لأن البعث يقول: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، لكن بدون محمد عليه الصلاة والسلام، يقول: عرب بدون محمد، يعني عرب بـميشيل عفلق، وعرب بـعبد الناصر وأمثالهم.
وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء |
ماركسيون والجماهير جوعا فلماذا لا تشبع الفقراء |
لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء |
أيها الكرام! أتت رسائل من بعض الطلبة من عدن ذهبوا إلى أزبكستان جنوب الاتحاد السوفيتي يدرسون هناك، وكانوا ملحدين يوم ذهبوا، فلما وصلوا احتضنهم شباب الصحوة من تلكم الجمهوريات الإسلامية، جمهوريات البخاري صاحب الصحيح، والترمذي والنسائي، وسيبويه والكسائي، فاستقبلوهم ودلوهم على الإسلام فأعلنوا إسلامهم، وأرسلوا يطلبون مصاحف وأشرطة إسلامية من أزبكستان، والله لقد أتت رسائل من استراليا من بعض الشباب، وقالوا: لقد بلغتنا الأشرطة الإسلامية هناك، ونبشركم أننا نملأ المساجد، وأن المراكز أصبحت متجهة إلى الله الواحد الأحد، وأصبحنا ندعو الناس فيدخلون في دين الله زرافات ووحداناً.
صحوة بلغت المشارق والمغارب، ولا يهمنا أن يتكلم اليهود والنصارى علينا في الصحف، ويلطخون سمعتنا في المجلات، فإن هذا إن شاء الله من علامات القبول عنده، يقول سبحانه وتعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186] ويقول سبحانه وتعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [آل عمران:111].
ويقول سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].
رب من أنضجت حقداً قلبه قد تمنى لي موتاً لم يطع |
ويراني كالشجى في حلقه جلجلاً في حلقه ما ينتزع |
كيف تبغون سقوطي بعدما لمع السيف عليكم ووقع |
هذه هي صحوة أجراها الواحد الأحد، لأن الله يريد أن يعيد الدنيا إليه: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40] ولا بد أن ترسخ مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم.
كان قبل سنوات يبشر بالشاب الملتزم، الآن إذا جلس الخطيب ينتظر انتهاء المؤذن ليؤدي الخطبة وليندفع في الحديث، ينظر في المسجد فيرى الشباب ولا يرى من كبار السن في الثلاثة الصفوف أو الأربعة إلا واحداً، لكن في العشر الأواخر من رمضان يكتض الحرم المكي بمئات الآلآف من الشباب، والمحاضرات في كل القطاعات، كلها تنبئ أن هذا الشباب أصبح واعياً، وأنه عرف أنه لا طريق له ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام.
إما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا |
رضينا بك اللهم رباً وخالقا وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا |
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا |
ثم يكون إمامنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس ميشيل عفلق، أو كارل ماركس، أو لينين أو استالين، ويكون إمامنا في الصلاة، وفي الحياة، وفي الأدب، وفي السلوك.
إذاً فما هي المعوقات التي تعوق دوننا ودون الهداية نحن معشر الشباب؟ وسوف أسردها ثم أفصل فيها:
الأول: ضعف الصلة بربهم تبارك وتعالى في بعض النواحي.
الثاني: شرك الخوف وضعف التوكل.
الثالث: عدم الاهتمام بالفقه في الدين.
الرابع: الهامشية في حياة الكثير من الشباب.
الخامس: تقريع النفس إلى درجة عدم الثقة بها.
السادس: قلة الصبر أمام المغريات.
السابع: تأثير الرفاهية العصرية في الجد والاجتهاد.
الثامن: روح الانهزام عند الكثير مع الإحباط واليأس.
التاسع: الإفراط في التفاؤل عند البعض، ومبناه على بعض الملابسات والمرئيات.
العاشر: تمزق الوقت بين الملهيات والتسويف.
الحادي عشر: عدم معرفة الشاب لمواهبه واستعداداته.
الثاني عشر: ضعف صلة الشباب بالدعاة والعلماء.
هذه المعوقات جمعتها من كلام كثير من أهل العلم والمربين والمفكرين.
ومن صور الاتصال: الدعاء، وهذا ما نفقده كثيراً، أن نرفع أكفنا دائماً إلى الله الواحد الأحد، فإن الله يرضى إذا سألته، ويغضب إذا تركت سؤاله.
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنيَّ ابن آدم حين يسأل يغضب |
فالإنسان كلما سألته غضب، والله إذا ألححت عليه أكثرت من المسألة رضي عنك، فكان على الشباب وجوباً أن يكثروا من السؤال والانطراح بين يدي الله عز وجل، ومن أكثر من السؤال فلن يخيبه الله عز وجل ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]. وهناك حديث: {لن يهلك مع الدعاء أحد} وعند الترمذي {أفضل العبادة انتظار الفرج} فحق علينا يا معاشر شباب الإسلام! أن نكثر الصلة بالله ونقويها.
ومن صور الصلة: الذكر، تسبيحه سبحانه وتعالى وتحميده، خاصة أمام الوسائل المغرية الهادمة الهادفة إلى تدمير الجيل المسلم الذي يهدد العالم، كما يذكر كثير منهم مثل الكهنوتي المستشرق القسيس زويمر في الغارة على العالم الإسلامي، يذكر أن المارد الجبار هو الإسلام، وأن الذي يهدد هذه الأرض هو الإسلام، لأنه كما قال سبحانه وتعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] والإسلام يريد أن يرفع الإنسان ويهديه.
ومن صور الصلة: قراءة القرآن بتمعن وتدبر، وحق على قادة مثل هذه المعسكرات الكشفية والأساتذة الكرام، والدعاة المربين أن يرشدوا الجيل إلى كتاب الله عز وجل "إلى حفظه" إلى تدبر آياته، والعمل به، وليكن أعظم كتاب لديهم وأعظم كنز يحملونه.
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن من نواقض لا إله إلا الله شرك الخوف، أن تخاف من غير الله أعظم من خوفك من الله، والله عز وجل يقول: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40] ويقول الله سبحانه وتعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] ويقول سبحانه وتعالى: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36].
عجبت لشاعر نبطي يدعو إلى الله عز وجل، وقد أوذي لأنه يدعو إلى الله، أتظنون أن الداعية لا يؤذى إذا رأيت الداعية لا يؤذى، فاتهم دعوته وإيمانه، والأنبياء والرسل أعظم شاهد على ذلك.
يقول بعض العلماء: إن أهل العلم سلفاً وخلفاً يتهمون العالم إذا لم يؤذ، فهذا الداعية كان شاعراً نبطياً موحداً يدعو إلى الله عز وجل فأوذي، فيقول لدعاة الباطل: لم تكونوا أشجع مني -سوف أترجمها لكم ببيتين هو نظمها- يقول: لم تكونوا أشجع مني، أراكم شجعان على مبادئكم وهي ضالة.
البعض يقتل تحت الدبابات، وتفجر بهم المجنزرات وهم على البعث، يموتون إلى النار، وفروخ العلمنة يقدمون رءوسهم رخيصة من أجل العلمنة، والشيوعيون في أفغانستان يقتلون بعشرات الألوف لتبقى مبادئهم وهي ضالة، فأين شباب محمد عليه الصلاة والسلام، فيقول فيها:
أنا يا كرى مثلك يحب العلى شجعان يراهن براسه ما يخاف الشمالِيَّه |
أنا بعت راسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه |
هذه أبيات رهيبة جداً، يقول: أنا يا طاغوت! أشجع منك، تهددني بالموت لكي أقدم مبادئي ودعوتي وعقيدتي (أنا يا كرى مثلك يحب العلى) كلنا يحب العلى، وكلنا يريد المجد، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104]. يقول: إن كنتم تألمون من الجراح وضرب السيوف والطلقات النارية والقذائف والصواريخ، فهم يألمون مثلكم، لكن أنتم ترجون جنة وهم لا يرجون شيئاً، ولذلك النابغة الجعدي أحد الشعراء وقد وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا |
بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
قيل: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: {لا فض فوك}.
أيها الإخوة! لماذا لا نتوكل على الله؟ لماذا لا ننزع الخوف من البشر؟ لماذا لا نقدم دعوتنا للناس؟ لماذا لا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ثم نعتمد على الله؟ هل علمتم أقوى من الله؟ يقول سبحانه: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] وكل من غير الله دونه، ويقول سبحانه وتعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:175-174].
شاب أتى من بعض المستشفيات قال: رأيت كثيراً من النساء عاريات وشبه عاريات، يعني بملابس مغضبة لله مع الاختلاط، فقلت: لماذا لم تنه عن المنكر والله عز وجل يقول على لسان لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان:17]؟ قال: أخاف، قلت: فلماذا تقول في الصباح: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؟ ولماذا تقول: لا إله إلا الله؟
إنسان يرى مجلات خليعة تباع بالعشرات، هادمة هابطة، المجلة الواحدة تستطيع أن تدمر شعباً كاملاً، فلماذا لا تنهى عن المنكر بالتي هي أحسن، وتنصح صاحب المحل، ويأتي غيرك من الشباب ينصحونه، وغيركم يتحدث حتى تصبح ظاهرة، وتصبح مسألة تدار في المجتمع؟
وآخر قال: رأيت مضيفة وقد جرحت مشاعر المسلمين بهيكلها وتصنعها وتثنيها، قلت: ولماذا لا تنهى وتأمر؟ قال: أخاف، هذا واقع كثير من الشباب، وهي من نقاط الضعف ومن المعوقات عن تحمل العبء والرسالة الخالدة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم.
يا شباب الإسلام! يا رواد الصحوة! يا حملة المبادئ! لابد أن نقبل على العلم الشرعي، والتفقه في الدين إقبالاً تاماً، لا أعلم مدينة من المدن الشهيرة في البلاد إلا وفيها علماء يدرسون، وفيها طلبة علم ودعاة عندهم دروس وحلقات، وإذا لم تستطع فأقبل على الكتب واقرأ، ومشكلتنا -صراحة التي هي عيب علينا أمام العالم- عدم الرغبة في القراءة.
يقول موشي ديان في كتابه السيف هو الحكم وقد ترجم هذا الكتاب، يقول فيه: العرب أمة لا تقرأ، يقصد العدو الهالك أنه في فترة من الفترات، تصوروا أن إسرائيل عن طريق الخطأ نشرت أسراراً عن أسلحتها النووية في المنطقة، وأعداد الجيش والقوات، ولم يعلم العرب بذلك، فكان يضحك وهو في واشنطن ويقول: العرب قوم لا يقرءون. وهذا تسري حتى على شباب الصحوة، فأقل الناس قراءة هم العرب، وأقل أهل الأديان قراءة هم المسلمون، ثم أقل أهل المناطق قراءة هم أهل هذه المناطق وهذه البلاد أقولها صراحة.
إنك لتفاجأ حين تركب في حافلة أو في طائرة وتجد كثيراً من الأوروبيين والأمريكان وهم يقرءون في كتبهم، وتجد هذا المسلم وهو يتلفت في الأشباح والصور والملامح ويعدد الذاهب والآيب، وهذا أمر ملحوظ لا ينكره أحد.
إذاً مسئولية مَنْ ألا نقرأ؟! مسئولية من ألا نتعلم؟! مسئولية من أن يمر بك يوم واحد وأنت لم تعرف آية، أو تتدبر حديثاً أو تخرج مسألة، أو تحقق معلومة، أو تقرأ مجموعة من المعلومات؟! حتى إني أعلم أن كثيراً من الشباب الآن سوف ينامون بعد أربع ساعات أو خمس، وإذا سألت أحدهم عن سجله اليومي من يوم أن أشرقت عليه الشمس فلن تجده استفاد معلومة.
أي: أن حياته مكانها، تعود على أشياء؛ تعود على تدريب رياضي مثلاً، وزيارة زملائه، والخروج في النزهة، والصلوات الخمس، لكن أن يجدد في حياته فهذا أمر ليس عند الكثير، فهو هو أمس، وهو هو اليوم، قال بعض التابعين: [[يوم لا أزداد فيه خيراً فلا غربت شمس ذلك اليوم]].
وقال بعضهم: إني لا يحق لي أن أنام إلا بزيادة في علمي، كان أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي عالم الدنيا، من العلماء الجهابذة الكبار، كان يجعل أوراقاً من الأوراق البيض عند رأسه فإذا أتى ينام كتب ما يقارب خمسة وعشرين صفحة، قالوا: ما لك؟ قال: لا أنام حتى يضمني النوم ولا أضمه، ونعرف أن من الشباب من يبقى يتحرى النوم ساعتين وهو يتقلب على فراشه، وهاتان الساعتان ألف فيهما شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة التدمرية التي قرأها الشباب في أولى أصول الدين في سنة كاملة، ولم ينجح منهم إلا الثلث، لأنها تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.
لماذا لا تكون وتبني نفسك لتكون خطيباً ينفع الله بك أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟
قال: الخطباء متوفرون والحمد لله.
ولماذا لا تكون داعية؟ قال: الدعاة متواجدون.
ولماذا لا تكون عالماً؟ قال: العلماء الحمد لله امتلأت بهم البلاد.
فأين أنت؟
ما هو دورك في الحياة؟
ما هو مقامك في هذا الكرة؟
وماذا تقول لله غداً إذا سألك؟
بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15]. لا معاذير في الإسلام، أن يأتي الإنسان يوم العرض الأكبر ويقول: أنا يا رب! أعفيتني من الخطابة والعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن تربية الأمة، ومن هداية الجيل، ومن توجيهات الشباب، لا والله لا يعفى، الهامشيون الآن عددهم كثير، حتى إن عملهم سلبي، صحيح أن عندهم عواطف، لكن لا يدري كيف يفرغها، يعني أنه مجروح من واقع الأمة، ومجروح من واقع المجتمع، لكن أن تطلب منه عملاً بناءً ينفع به أمته، وجيله، ومستقبله، فلن يفعل ذلك!.
مثلاً أنا أعرف أن الله لم يخلق الناس كلهم خطباء، ولا شعراء، ولا دعاة، ولا علماء، ولا أطباء، ولا مهندسين، ولا طيارين، ولا تجاراً، ولا فلاحين، ولا جنوداً، لكن قد علم كل أناس مشربهم، جعل الله لكل رجل منهم استعداداً ولكن لماذا أيها الشباب! ترضى لنفسك أن تكون هامشياً في الحياة؟
الله رزقك وخلقك لمهمة، واستودعك رسالة، ثم تعيش في هامش الأحداث ولا تشارك بدعوة، أو بنصيحة، أو بتأثير في مجتمعك، لماذا تفعل هذا؟!
وفي القصة الصحيحة أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفساً، فأهدر دماءهم مع أنه لا يحق له ذلك لأنها معصومة، وذهب وسيفه يقطر دماً إلى عابد يترهب في صومعة فقال: ألي توبة؟ قال:ليس لك توبة، فضرب رأسه فقتله، فذهب إلى عالم آخر وقال: ألي توبة؟ قال: ومن يمنعك من التوبة؟ باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب الله عليه، وأدخله الجنة، بعد قصة طويلة.
والمقصود أن كثيراً من الشباب قد اهتدوا، فلما اهتدوا تذكروا ماضيهم، فإذا قلت لأحدهم: عليك أن تكون داعية قال: أبعد هذا الماضي وهذه الصحائف السوداء أكون داعية؟ أنا مثلي يتكلم! ويكون خطيباً! فمن الشباب من يقول: هل مثلي يستطيع أن يقف على المنبر ليتكلم للناس، فلا يزال يقرع نفسه، ويهجوها ويسبها حتى يحبط فلا يقدم شيئاً.
بل إن كثيراً من الشباب إذا قلت لأحدهم: أنا أحبك في الله، قال: والله لو تعلم ما عندي ما أحببتني في الله، ولمَ يا أخي؟!
وتجد بعضهم عندما تقول له: يا أخي! لو ذهبت إلى القرى والبوادي تنصحهم وتدعوهم إلى الله؟ قال: أنا! مثلي يذهب إلى البوادي، أنا لا أستطيع أن أتكلم، أنا تاريخي أعرفه. وبعضهم يقول بصراحة: أنا أظن أن الله لا يغفر لي. وهؤلاء قد أصيبوا بالوسوسة، فهو يعد الخطايا وإلا ولو كانت كالجبال وتاب فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.
ومع ذلك تجد أن حالة الإحباط كثيرة عند الشباب. من ذلك: أنه عندما ندخل في السجون على كثير ممن وقع في المخدرات من الشباب، قد نجد أن بعضهم قد اهتدوا وحفظوا القرآن، وأصبحوا على السنة، والبعض منهم لا زال مصاباً بحالة الإحباط، فتأتي تجلس معه لكي تقنعه فتقول: تب إلى الله، فيقول: مثلي لا يقبل الله توبته. قلت له: استغفر الله. قال: لا. إن الله يقبل توبة الإنسان الذي يعصي قليلاً أما إن كانت مثل الجبال فلا يغفرها الله.
قلنا: أنت تفتي نفسك بهذا، أيحق لك في الإسلام أن تقول هذا؟! هذا حرام.
يذكر أن رجلاً من بني إسرائيل رأى فاسقاً يمر به، فقال: تب إلى الله؟ قال الفاسق: اتركني وربي، أي: أنا أصطلح مع الله، وهذا ليس بمنطق، لكن هكذا وقعت القصة.
فقال له مرة ثانية: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. قال: والله لا يغفر الله لك. فقال الله: من ذا الذي يتألى عليّ؟ أي: من الذي يملك أن يحلف عليّ ويقسم عليّ؟ قد أحبطت عملك وغفرت لذلك، والقصة ثابتة عند أهل العلم.
وقرأت أن عيسى عليه السلام مر برجل فاسق، أي معرض عن الله عز وجل، فقال له: تعال معي إلى بيت المقدس، فأخذه بيده -وهذه في ترجمة عيسى عليه السلام- فلما اقترب من بيت المقدس السليب الذي أخذ منا عنوة وعلى رغم أنوفنا يوم ضاعت منا معالم لا إله إلا الله محمد رسول الله، بيت المقدس الذي يقول فيه أحمد شوقي:
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان |
فلا الأذان أذان في منائره من حيث يتلى ولا الآذان آذان |
وصل إلى بيت المقدس فقال الفاسق لعيسى: اتركني، فسحب عيسى عليه السلام يده، قال: ما لك؟ قال: أخشى أن أدنس بيت المقدس بمعاصيَّ، فأوحى الله إلى عيسى أن أخبر ذاك أني قد تبت عليه، وعزتي وجلالي لكلمته أنفع له عندي من عبادة سبعين سنة. نعم. لنا أن نعترف بالخطايا والذنوب لكن ليس إلى درجة أن نحبط
من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط |
قيل للإمام أحمد: أيبقى العبد حتى يكمل ثم يدعو إلى الله؟ قال: من يكمل؟! وكثير من الشباب يقول: أنا لن أدعو إلى الله، ولن أخطب في مسجد أو ألقي كلمة، ولن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، ولن أصلح بيتي، ولن أؤثر في جيراني حتى أكمل، فمتى تكمل؟ حتى تصبح نبياً! ليس بعد الرسول محمد نبي، ونحن من بعض {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} لكن الرجاء منكم يا شباب الإسلام! أن يبلغ كل طاقته، وأن يصلح من نفسه، وإذا أذنب أن يستغفر، لكن ذنبه هذا لا يمنعه من الدعوة إلى الله، ومن التأثير في الناس، ولا يصل إلى درجة القنوط من رحمة الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
شاب يسكن مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، جيرانه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو هريرة وحسان بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل، خطيبه محمد صلى الله عليه وسلم، وإمامه في الصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، جبريل يتنزل بالوحي صباح مساء، الأمة كلها في مجملها وفي مجموعها تحب الله ورسوله والدار الآخرة، فليس هناك مغريات ولا شهوات ولا نزوات، وبين شاب آخر يعيش الآن في انقطاع من الوحي، وبعد من السلف الصالح، وجيرانه من كل حدب وصوب، ويواجه في المجتمع وفي المجالس من يستهزئ بالدين صراحة، ويسخر به، ويغمز عينه عليه، ويلمزه في وجهه وفي قفاه، ويمر وأمامه المجلة الكالحة العارية والصورة الخليعة والفيديو المهدم، والأغنية الماجنة، والضياع، وجلساء السوء، والشرق يرمي عليه بحلف وارسو الإلحادي الوثني، يرمي عليه بالحداثة وبالزندقة وبالإلحاد، والغرب يرمي عليه بالكأس والمرأة، فكيف ينجو؟
هذا صراع رهيب، فأمام ذلك كله ليس للعبد وخاصة الشاب إلا الصبر، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فيعلم أن النصر مع الصبر، وهذا الصبر يكمن في مثل غض البصر، ومقاطعة جلسات السوء، كيف تحكم على شاب أنه يريد الهداية وهو إلى الثانية ليلاً في المقهى يلعب البلوت، متى كنا أمة بلوت؟!
يوم ضيعنا القدس وضيعنا أفغانستان وأسبانيا والأندلس.
متى كانت مهمتنا في الحياة أن نسهر على هذا اللعب، ويسهر جيلنا على هذا الضياع؟!
من الذي سمح لنا وقد كلفنا الله أن نرفع دينه في الأرض، أن نفعل هذه الأفاعيل؟ كان شباب محمد صلى الله عليه وسلم في الليل عباداً، وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال، كما قال الشاعر:
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه |
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه |
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه |
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13] قال المفسرون: لم يزدهم الله الهدى حتى آمنوا بالله، وقال غيره في قوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] قال: بدءوا بالهداية فهداهم الله سبله.
فتح الشباب من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وأحدهم لا يملك إلا ثوباً واحداً.
دخل ربعي بن عامر برمح مثلم على كسرى ورستم، وهزه وهز عروشهم بهذا الرمح المثلم. دخل الصحابة إيوان كسرى، والواحد منهم لا يشبع من خبز الشعير، قُتلوا في قندهار وهم جوعى ثلاثة أيام، فماذا نفعتنا رفاهيتنا وقصورنا، وسياراتنا وحدائقنا، وبساتيننا وأكلاتنا؟ المطعومات والملبوسات والمفروشات!!
حتى إن علماء التربية يقولون: إن أكثر ما يُوجد الترهل في الروح المعنوية للشخص كائناً من كان -بغض النظر عن المسلم أو عن غيره- هي فيما يعيشه من رغد العيش.
تولى أحد ملوك الأندلس الملك وكان متقشفاً، وكان له جيش عرمرم طوق به الأندلس كلها، فلما مات تولى ابنه بعده، فكان يسكن مع الغناء صباح مساء، برنامجه اليومي الأغاني والموسيقى والضياع، فعنده الدفافين والمطبلين والمزمرين ومن يحيون -يميتون- الليالي السود، ولا يعرف من الدنيا إلا هذا، وفي الأخير أتى ملك الفرنجة فاجتاح الأندلس، وقيد هذا الملك الشاب وخلعه وربطه في السجن، فأتت أمه تزوره، فبكى عند باب السجن فقالت:
ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال |
وكذلك كل من يريد أن يكون له دور في الحياة فلا تكن طموحاته محدودة، مثل أن يصل إلى زوجة وفلة وسيارة ووظيفة ثم ينتهي، لا. طموحاتنا أعلى، وأنا أحبذ أن تقرءوا رسالة في مقدمة قصص من التاريخ للأستاذ الأديب: علي الطنطاوي، فقد أجاد كل الإجادة، في تلك المقالة التي يقول فيها: نحن مسلمون فما هي مهمتنا في الحياة؟
لماذا بعثنا الله للناس؟
لماذا أخرجنا من الظلمات إلى النور؟
الصحابي الواحد يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! تمنعني دخول الجنة، والله لأدخلن الجنة؛ لأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف}.
ويأتي جعفر الطيار من الحبشة بعد هجرة سبع سنوات، كان في أثيوبيا في شدة الحرارة والجوع والفقر والمشقة، فيصل إلى المدينة، فهل يجازيه الرسول صلى الله عليه وسلم على هجرته في الله أن يعطيه فلة، أو يعطيه جائزة سخية مالية، أو يُوكل إليه منصباً؟ لا. أرسله ليدفق دمه، ويدفع روحه في مؤتة في سبيل الله، فقطعت يده اليمنى، فأخذ الراية باليسرى، فقطعت اليسرى فضم الراية بصدره فتكسرت الرماح في صدره وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها |
عليّ إن لاقيتها ضرابها |
فقتل رضي الله عنه.
قال صلى الله عليه وسلم بعد لحظات من مقتله: {والذي نفسي بيده لقد رأيت
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا |
اجلس برفق عليك التاج مرتفقاً بتاج غمدان حالاً بعده حالا |
قال: لا خير فيهم، لقد جربتهم ويأستُ منهم، تقول له: لماذا لا تؤثر في الناس وتدعو؟
قال: لا. اتركهم، ولا تشغل نفسك بهم، هؤلاء ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم.
وتجد بعضهم إذا ألقى موعظة، ولم يستجب له؛ قام يتشنج، ويفحش في القول ويسب، وقد يستخدم الألفاظ السلطانية، كأن يقول: دمركم الله، سلط الله عليكم كذا، وغير ذلك من هذه الألفاظ، وهذه ليست في قاموس محمد عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم عنده بسمة، وكلمة لينة، وحب للقلوب، حتى يقول له سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] ويقول له سبحانه وتعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
تجد شباباً يأتيك يقول: ما رأيك في أسرتي، لقد هداني الله عز وجل -حوالي قبل شهر- فأريد هداية بيتي، ولقد دعوت بيتي ليلاً ونهاراً وسراً وإعلاناً في مدة شهر، وقد يأست منهم تماماً؟
قلنا له: شهر لا يكفي، الرسول صلى الله عليه وسلم بقي عشر سنوات يعلم الناس كلمة في مكة، وبقي بعد ذلك ثلاث عشرة سنة، ونوح بقي يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فعليك أن تصبر.
قال: لا. أنا عرفت أنهم لو أراد الله بهم الخير لهداهم، أنا أريد أن أتركهم تماماً، فهذا من الإحباط واليأس.
ومن الصور الموجودة عند الشباب -أيضاً- أنه يعيش نظرة سوداوية للمجتمع، فتجده لا يرى الخير أبداً، يقول إيليا أبو ماضي الشاعر اللبناني النصراني:
أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا |
أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا |
والذي روحه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا |
فتجد بعض الناس لا ينظر إلى هذا المجتمع الذي أمامه إلا بنظرة سوداوية، كأن يأتيك إذا حدثته عن جانب الصلاح في الناس والصحوة والعودة إلى الله، قال: لا. أنت لا تدري، لا تعرف الخمارات والمخدرات والمجلات الخليعات؟ لا. هذا مجتمع محطم وليس بصحيح، وأظن أن الله سوف يزلزل الأرض علينا أو يطبق السماء علينا.
تجد تلك النظرة؛ لأنه نظر بعين واحدة، وما نظر بالعين الأخرى، وسوف يقابله جيل آخر، أفرطوا كثيراً في التفاؤل، وسوف يأتي بيان ذلك.
فالرجاء عدم الإحباط واليأس من روح الله، والذي يظن أنه سوف يصلح العالم كله لا يستطيع، الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من مهماته أن يصلح العالم، كان يصلي في المسجد والمنافقون أمامه، وقد تعرض لإحدى عشرة محاولة اغتيال في حياته ونجا منها صلى الله عليه وسلم لأن الله قال له: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] والله سبحانه وتعالى يقول له: وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [النمل:81] ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] وقال له: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] يقول: أنت لا تملك هراوة، ولا كرباجاً، ولا خيزراناً تغصب الناس للهداية، ومن الناس من يقادون إلى الجنة بالسلاسل.
فقضية أن يتصور الشاب أنه لا بد أن الحارة كلها تكون ملتزمة ومستقيمة ومهتدية ليس بصحيح، هذا خلاف سنة الله في الأرض، يقول أحد العلماء: والله لو أقام صالح في رأس جبل لقيض الله له من يعاديه في رأس الجبل.
قال ابن الوردي:
ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل |
فالأضداد موجودة: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] سنة المدافعة، وقال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31]
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا |
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم |
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وقبحاً إنه لدميم |
هل معنى ذلك أن المباراة أنفع للأمة، وأنفع للإسلام من المحاضرات؟ أم أن أولئك الستين يريدون الأجر من حضورهم إلى المدرجات، ويريدون المثوبة من الله سبحانه وتعالى؟! أم يحتسبون خطاهم؟! لا. من سنن الله عز وجل أن يكون الكثير هكذا: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] ماحالهم.
عمر رضي الله عنه نزل إلى السوق فسمع بدوياً أعرابياً يقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل، فلهزه عمر بالدرة، وقد كانت درته في يده دائماً يؤدب بها، ويخرج بها الشياطين من الرءوس، فقال: مه؟ أي: ما هذا الدعاء؟ عمر رجل عبقري، جعله الله من هذه الأمة، حتى يقول حافظ إبراهيم:
قل للملوك تنحو عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها |
يقول: إن عمر يأخذ هذه الدنيا في ساعة ويسلمها في ساعة، أخذ ملك كسرى وقيصر في ساعة، وسلم ذخائرها وكنوزها للفقراء في ساعة، برده فيه أربعة عشر رقعة يخطب به الجمعة، وأمعاؤه تقرقر وتصيح من الجوع، فيقول: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].
محمود غنيم شاعر وادي النيل يقول لـعمر يحيه:
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه |
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه |
من نحن لولا الله ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ كانت أنوفنا في التراب، ادعوا نجوم الفن ليرفعوا رءوسنا أمام العالم! من الذي فتح لنا أسبانيا، أو شمال أفريقيا، أو طاشقند وتركستان؟ ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، حتى كان يحكم هارون الرشيد وينظر من شرفات القصر ويتحدى السحابة، ويقول: أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني.
فالمقصود أن عمر قال: ما هذا الدعاء؟
قال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] فقلت: اللهم اجعلني من القليل.
قال: كل الناس أفقه منك يا عمر.
فلا يتصور متصور أن الناس كلهم سوف يقبلون على الهداية، فإن من سنن الله عز وجل الكونية أنه هدى من شاء وأضل من شاء، وفي كل مكان تجد وقت النداء من يستمع الأغنية ومن يذهب إلى المسجد، من يجلس في المقهى ومن يجلس في المحاضرة، من يحب القرآن ومن يحب المجلة، من يرغب في السواك ومن يرغب في السيجارة، إنها سنة كونية: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35].
يقول بعض التابعين لما حضرته سكرات الموت، وقد ذكره ابن المبارك في كتاب الزهد: أنذرتكم سوف، لا تقولوا سوف، والله عز وجل ندد بأعدائه في القرآن قال: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3] قال بعض المفسرين: لأنهم كانوا يستخدمون (سوف) سوف أفعل، سوف أحفظ، سوف أطالع، سوف أهتدي.
والوقت اليوم رخيص عند المسلمين، فتمر الساعات الطوال على الشباب خاصة، ومن الملتزمين وأهل الصحوة كثير منهم لا يحسب للوقت حساباً، فقد تفاجأ بشاب يزورك، وغرضه سهل يقضى في خمس دقائق، فتجلس معه، وتريده يحدثك بالموضوع، فيخبرك عن أهله، وعن الأمطار في بلده، وعن أخباره، وعن مرتبه، ومتى يتزوج، وتتحرى متى ينتهي؟ ومتى يعطيك هذا السؤال الذي يريده؟ فيعطيكه في آخر المطاف بعد صلاة المغرب وهو عندك من صلاة العصر، وهناك ظاهرة الزيارة في الله، يزورك بعد العصر في الله، وبعد المغرب في الله، وبعد العشاء في الله، ويأكل غداءك في الله، ويأكل عشاءك في الله، وينام عندك في الله، وإذا عانقك كسر ظهرك في الله، وهذه درجة الحب في الله، لا بد أن تسير سيراً شرعياً، ليس استهزاء، والله إنه شرف لمثلي وأمثالي أن يعانق شاباً من شباب الصحوة، وأن يسلم عليه ويستقبله ويزوره ويزورنا لكن الترشيد مطلوب.
يذكر سيد قطب في كتابه الظلال في تفسير سورة النور عند آيات الزيارة: ولماذا لا يتصل أحدنا بأخيه بالهاتف، قبل أن يزوره؟
أحياناً قد يأتي يزورك في الحادية عشرة ليلاً، أهذا وقت زيارة! ويبقى عندك ساعة، أين أنت في العصر والمغرب؟! والله قد ذكر ثلاثة أوقات لا يزار فيها: من قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ.
ومن آدب الزيارة أيضاً: أن يكون عندك جدول عمل، الغربيون هؤلاء -صراحة-: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] يجب أن نكون عدولاً: عندهم جداول عمل للزيارات، لأن الوقت محسوب، والساعات تمضي.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان |
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان |
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].. {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ}.. {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ ومنها: وعن عمره فيما أفناه} فقضية أن تأتيني -مثلاً- وليس عندك مسائل ولا قضايا تطرحها ليس بصحيح فمن أين أبحث لك عن مسائل وقضايا أشغل فيها معك الوقت.
أيها الإخوة: الوقت ممزق عند كثير من الشباب، ممزق تماماً، الآن لنسأل أنفسنا في آخر العطلة الصيفية ماذا كسبنا منها؟ كان هناك مشروع مقترح في أول العطلة، ذكرته في درس من الدروس، هل استثمر؟ وأعرف أن هناك 80% سوف تنتهي العطلة الصيفية ولم ينتج أحدهم لا المشروع هذا ولا غيره.
أهل الدنيا يخططون لدنياهم مشاريع خماسية وثلاثية ورباعية، على انتهاء، لكن أهل المبادئ والرسالة، وأهل المهمات العالية، لماذا لا يفعلون هذا؟ هذا أمر مطروح.
يدعو كثير من علماء النفس إلى أن تدرس نفسك، وتعرف ما هي نفسك هذه، وما هو الشيء الذي يمكن أن تصلح فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر في الحديث الصحيح: {كل ميسر لما خلق له} والله يقول: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [البقرة:148] ويقول سبحانه وتعالى: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60].
الله يريد منك أن تكون طبيباً مسلماً، أو مهندساً مسلماً، أو عالماً مسلماً، أو جندياً مسلماً، أنت لا تستطيع من نفسك أن تتحول إلى غير ما أراده الله، فالأحسن لك أن توجه هذه الطاقة التي منحك الله إياها وتكرسها، وتدرسها وتستفيد منها، وتنفع بها الإسلام.
أيها الإخوة: تجد بعض الإخوة يريد أن يكون خطيباً بالقوة، والله سبحانه وتعالى ما كتب له أن يكون خطيباً، كتب له مثلاً أن يكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، منفقاً في سبيل الله، إدارياً ناجحاً، موظفاً مخلصاً، تاجراً صادقاً، لكنه يريد أن يكون خطيباً، فمواهبه لا تهيئه للخطابة، ولم يدرس نفسه، فيحرج ويفقد معلوماته في هذا الباب، ويفقد استعداده ومكانته.
أيضاً: لا نريد من الطبيب أن يكون مفتياً، فالمفتون وأهل الفتيا كثير، لكننا نريد أن يكون داعية بطبه إلى الله الواحد الأحد، حاملاً رسالته، مؤثراً فيمن يأتيه ويتعالج عنده، ولا نريد من المهندس -أيضاً- أن يكون خطيباً أو واعظاً، فللوعظ أناس.
لكن الذي ينقصنا أن كثيراً منا لا يعرف ماذا يريد أن يقدم للناس، حتى يأتيك أحد الشباب ويقول: ما هو العمل الذي أصلح له؟
فأقول: اعرف بنفسك، لا يبلغ الشاب الثانية أو الواحدة والعشرين فما بعد إلا وهو يعرف استعداده، وبعد فترة يميز الإنسان طريقه، ويعرف توجهه، ويقولون: من أدمن على شيء من العمل الصالح أوتي حكمته، فيفتح الله على الناس في أمورهم وأشغالهم حِكَماً عظيمة.
وتجد بعض الناس يظن أن قضايا الإسلام هي قضيته، مثلاً: بعض الإخوة مشغول بعقود الأنكحة، أي: مهمته أن يعقد الأنكحة، فإذا جلس معك في المجلس يحدثك دائماً عن عقود الأنكحة ومشكلة العنوسة والمهور والزواج والشباب، ويقول: لو صلحت هذه المشكلة لصلح أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويظن أن هذه هي القضية.
خطيب المسجد يحدثك عن دور الخطبة، ويقول: لو وجهنا هذه الخطبة؛ لأصلح الله المليار مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، لكنا ما عرفنا كيف نوجه هذه الخطبة!
والمقصود أن على الشاب أن يقرأ ماذا يمكن أن ينفع به الإسلام، وأنا والله لا أعلم شاباً متزناً في عقله إلا وهو يستطيع أن يقدم شيئاً لدين محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يستطع الإنسان أن يكون داعية بنفسه فعلى الأقل أن يكون وسيلة إلى الدعوة إلى الله عز وجل، كأن يكون له اشتراك مع إخوانه وزملائه فيدفع الشريط الإسلامي، ويدخله بيوت الناس، والمدارس، والسيارات، {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ويكون داعية في بيته، ويكون داعية في سلوكه وأخلاقه، ينفع المنكوبين، ويقف مع المصابين، ويفيد المساكين، فكل هذه من المشاركة.
ولكن والله إن من السعادة الجليلة التي نشكر الله عليها أن نجد شاباً يطرح مشكلة أو سؤالاً، أو يريد أن توجهه توجيهاً علمياً، أو يريد أن تدله على الطريق المستقيم، أو تحل له إشكالات يعيش فيها، أو تنقذه من أزمة لأمور:
منها: أن الله عز وجل سوف يكتب لك أجراً عظيماً بهذا الفعل {والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه}.
ومنها: أنك سوف تكسب أخاً لك.
ومنها: أنك سوف توجه هذه الطاقة المعطلة لنفع الإسلام والمسلمين.
أيها الإخوة: من المشاهد أن شباباً ملتزمين في بعض الأحيان لا أعرف أسماءهم -وهل الداعية يستطيع أن يدخل كل بيت ويقول: ما اسمك؟ لماذا ما رأيتك؟ لماذا لا تسأل؟ ولماذا لا تحضر لتستفيد من الدرس والمحاضرة؟ وفي الأخير تفاجأ به وإذا هو يسكن قريباً منك في الحي، وأنت لا تعرف اسمه- فبعض هؤلاء الشباب لم يسبق له أن جلس عند عالم أو اتصل بعالم أو داعية بل هو يركب أموره من نفسه، ويستشير نفسه، ويخطئ أكثر مما يصيب.
وهناك بعض التصرفات الغير مسئولة، لماذا لا يستشار فيها الدعاة؟ شباب يلتزم وعمره الخامسة عشرة والسادسة عشرة، فيأتي بالتزامه بالجبروت، ويستدل بأدلة من القرآن، وأنا أعرف شاباً لما التزم دخل إلى آلة في البيت فكسرها، وأتى أبوه -إي والله- في المسجد وأبوه كبير في السن وشكى لي المشكلة، فقلت له: لو سمحت أن ترسله أو تأتي به معك، فلما أتى به قلت له: لماذا تفعل هذا؟ قال: لأن الله يقول في إبراهيم: فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [الصافات:93]. وتلك أصنام وهذه أصنام، والواجب أن نغير هذه الأصنام مثلما غير إبراهيم تلك الأصنام، قلنا أولاً: إبراهيم نبي معصوم، وأنت لست معصوماً.
والأمر الثاني: أن إبراهيم يعمل بوحي من الله عز وجل وأنت لا تعمل بوحي وإنما برأيك.
والأمر الثالث: أن إبراهيم دعا ثلاثين سنة أو أربعين سنة وفي الأخير رأى أن الحل المناسب هو هذا، ثم إن إبراهيم كان يشكل كياناً، وعنده قدرة على ذلك، ويرى أن المصلحة في هذا بعد ثلاثين أو أربعين سنة.
أما أنت فأخطأت في أمور:
الأول: أنك نفرت أهل البيت.
الثاني: أنك أسأت في هذا الموقف.
الثالث: أن ثمرة دعوتك لا تحصل بهذا الأسلوب.
الرابع: أنك سوف تلحق بشباب الصحوة هذا الخطأ، وسوف يلحقوننا به جميعاً، لأنه إذا تصرف شاب قالوا: انظروا إلى هؤلاء الشباب المتطرفين، انظروا إلى الأصوليين، ماذا يفعلون، والسكاكين جاهزة مع الألسنة الحداد الشداد؟
ولـو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان |
لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني |
يأتيك شاب يقول: أنا هجرت فلاناً في الله، ولماذا؟ قال: لأنه ترك صلاة الجماعة، تقول: هل نصحته؟ قال: لا. ما نصحته، ولكن والله لا أسلم عليه ولا أزوره، ولا يدخل بيتي ولا أراه! فهل هذا هو الأسلوب المناسب، وهل إذا استخدمنا هذا الأسلوب سوف ننجح؟ وهل فعله محمد صلى الله عليه وسلم؟
محمد صلى الله عليه وسلم زار الكفار في بيوتهم، وزار المنافقين في منازلهم، ودخل مع اليهود، ودخل مع النصارى، الداعية كالطبيب يدخل على المرضى في غرفهم، لا يدخل المرضى عليه في غرفته.
فالرجاء من الإخوة أن يستشيروا الدعاة وطلبة العلم، أي: ما عليك كلفة أن ترفع السماعة وتستشير داعية، قد يكون أكبر منك سناً أو صاحب تجربة، ومن هو أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة، والحياة تجارب، ومن عاش في الحياة يرى الأعاجيب، والعجيب أن الإنسان عندما يتأمل قبل سنة وهو الآن في مجال الدعوة، قد يتطرق إلى مقولة قالها يجب أن تصحح، والذي لا يستفيد من جدوله، ولا من حياته غشوم ظلوم أو فيه غفلة، بل اليوم تفتش سجلك بالأمس، وتنظر هل من المناسب أنك قلت تلك الكلمة وتلك المحاضرة وأشرت بذاك الرأي، فتجد أحياناً أنه من الخطأ، فالمطلوب مراجعة العلماء وطلبة العلم والدعاة والانضمام معهم، والالتفاف حولهم؛ في الاستشارة وأخذ الرأي وإسداء النصح، ولا أعلم إن شاء الله داعية أو عالماً سوف يكون غشاشاً لك، والله لا أعلم داعية ممن يدعو إلى الله أو عالماً يريد أن يغش المسلمين، أو لا ينصح لهم، أو لا يريد راحتهم، أو يريد سوءاً بالبلاد، أو يريد زعزعة في استقرار الناس وفي سكينتهم، لا أعلم ذلك، وأن من ظن بالدعاة وبالعلماء ذلك الظن فقد ظن بالله ظن السوء، وظن بأوليائه ظن السوء، فعليهم دائرة السوء: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5].
بل نرى النصح، وعلم الله لقد رأيت كثيراً كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، إنه كالشمس وهو في الثانية والثمانين سنة، وهو عالم المسلمين في الكرة الأرضية، وهو شيخ الإسلام والممثل والنموذج الحي لـأهل السنة والجماعة، تجده يقف مع الشباب الذين في المتوسط والثانوية في الشمس، ويسمع لأفكارهم وقصصهم وأخبارهم ومشاكلهم ويحلها برحابة صدر ويدعوهم إلى الغداء والعشاء في بيته، وكذلك الدعاة على منهج سماحة الشيخ، لا أعلم داعية ينفر من الشباب، أو يعترض عليهم، أو يبكتهم، أو يطردهم من بيته، لا أعلم ذلك.
أسال الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وأكرر شكري وتبجيلي وثنائي العاطر لمن قام على هذا المعسكر الحي النموذجي، الذي إن دل على شيء؛ فإنما يدل على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة تستطيع أن تجدد من أساليب الدعوة، وأن عندنا الكثير من البدائل الإيمانية التي نحتضن بها الشباب، فليست حياتنا في أن نوجد بدائل لمن يتزلج على الثلج، أو يسافر إلى الخارج ليفسق هناك، أو يضيع أو يجلس في المقاهي بلا منهج تربوي، عندنا من البدائل كالمعسكرات والمخيمات والمراكز، وجماعة تحفيظ القرآن الخيرية، والمحاضرات والندوات ما نحتضن به الشباب، ونحييهم ونرحب بهم، ونعطيهم من أفكار نخبة من الأساتذة المربين المثقفين، المؤيدين بحفظ الله عز وجل، الذين يدلونهم على منهج الله.
أنا سعيد جداً سعادة لا يعلمها إلا الله لأني حضرت هنا عند إخواني وزملائي كي نتشارك في الرأي، ونقدم المشورة والنصيحة وأسعد بإخواني، فهم أبناء عمومة وإخوان وأقارب، ولو لم يكونوا كذلك فبيني وبينهم قرب ونسب أتى به محمد عليه الصلاة والسلام: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63]. وفي أثناء الدراسة أذكر أني شاركت مع بعض الإخوة في سبع مخيمات تربوية كبرى، يستمر بعضها أسبوعاً وبعضها أسبوعين، والله لا أعرف مخيماً انصرفنا منه إلا ونحن نبكي على بعض، وكان الوداع عندنا مشهداً مؤثراً، كنا نتوادع في الصباح، فكان يصفنا المشرفون، ثم نقف طابوراً طويلاً وصفاً طويلاً فنبدأ في الوداع، والله ما ينتهي الوداع إلا والبكاء خوار.
فارق إذا فارقت غير مذمم وأمم ومن يممت خير ميمم |
وما منزل اللذات عندي بمنزل إذا لم أبجل عنده وأكرّم |
رحلت فكم باك بأجفان شاجن عليّ وكم باك بأجفان ضيغم |
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى هوى كاسراً كفي وقوسي وأسهمي |
أو كما قال ابن زيدون في مثل هذه اللقاءات إذا فارق الحبيب حبيبه، شاب ترك أسرته من الشمال وأتى إلى الجنوب ليلقى إخواناً يدفعون مهجهم وراحتهم وأموالهم ترحاباً به، فيفارقهم ولسان حاله يقول:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا |
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا |
ويقول:
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا |
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: أولاً: قبل أن أجيب على هذا السؤال وصلتني رسالة من أحد الإخوة الحضور يعلن حبه لي في الله، وأنا أقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأشهد الله أني أحب الحضور جميعاً في الله عز وجل، وأني أتمنى لكل مسلم على وجه الأرض الجنة، فعسى الله أن يجمعني بكم في دار الكرامة.
يقول ابن عباس: [[جليسي الذي ترك الناس وأتى يجلس معي، والله لو استطعت أن أمنع الذباب أن ينزل عليه أو يهبط عليه لفعلت]].
هل أسعد من أن يكرمك الإنسان ويحضر لك، وأن يستمع كلامك، وأن يحترمك، إنه من الحق عليّ والواجب أن أحترم من أمامي، وأن أحضر المادة، وأن أعرض الأفكار بأدب، وأن أحاول ألا أجرح المشاعر، لأنه ما حضر هؤلاء إلا إكراماً فأكرمهم الله، أما ما ذكره الأخ السائل أن هناك من ينبهر بحضارة الغرب ومادياته فأقول: هذا لم يعد ظاهرة، صحيح أنه كان عندنا هذا قبل عشرين سنة، أما الآن فيوجد في بعض كبار السن ممن عاشوا جيل الجفوة لا جيل الصحوة، من ينبهر، وتجد بعضهم يحدثك دائماً في المجلس عن الغرب وعن حضارته، وعن تقدمه وثقافته، وعن التكنولوجيا هناك، ويسهب كأنه يحدثك عن أبي بكر وعمر.
أما الآن مع هذه الطليعة الممتازة المتفوقة من الشباب، فقد أصبح ذاك متلاشٍ (80%) مررت أنا وبعض الإخوة على إحدى عشرة ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية ونزلنا في بعضها ثلاثة أيام وبعضها أربعة أيام فوجدنا (80%) من الشباب المسلم هناك ملتزم (80%) أقولها وأنا مسئول عن هذه الكلمة، كان هناك جماعة وأناس أعرفهم من قبل من هنا، لا يصلون في المسجد، أصبحوا هناك أئمة مساجد وخطباء.
تخصصات دنيوية، أصبح أهلها دعاة إلى الله عز وجل، فأين الانبهار بالثقافة؟ إنه عندهم يرى مصنع الطائرة ومصنع الصاروخ ومصنع الثلاجة والبرادة, ومصنع المكرفون، وهو مع ذلك ملتح يحفظ القرآن، وتجده يخرج من المركز الإسلامي في دلسو في تكساس في لوس أنجلوس، ويقول: الله أكبر الله أكبر، فأي انبهار؟! يقفون بالمرصاد للناس، لدعوتهم إلى الله عز وجل، وللمناهج وإلى ردهم إلى الله، أركب مع أناس من الأطباء من البلاد يدرسون هناك ومهندسين، قال: ما يغرك هؤلاء أي الأمريكان والله لقد تحقق فيهم قول الله وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110].
كنت أظن أنها عاطفة وحمية دينية فقط، لكن هو الحق، سافر سيد قطب إلى هناك وألف كتاب: أمريكا التي رأيت ووصف من العجائب ما لا يعلمه إلا الله، فأين الانبهار؟!
أما في شباب الصحوة فلا أرى انبهاراً، فإن أكثر التفوق الآن والعودة في أهل التخصصات الدنيوية، من كليات الطب، والهندسة، وهم أكثر استقامة في بعض الأحيان من كلية الشريعة وأصول الدين؛ لأنهم رأوا الجاهلية بأنفسهم وعاشوا المناهج الأرضية، وانحرقت أوراق الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وأصبح الإسلام الآن هو البديل الصحيح أمام هؤلاء.
الجواب: تستطيع إذا تذكرت أموراً:
أولاً: أن أجلك في يد الواحد الأحد، لا تدري متى تموت! وقد رأينا من سوّف وأخر التوبة، وفوجئنا به وهو ينقل إلى غرفة الإنعاش وقد فارق الحياة، ورأينا من أصبح معنا ولكنه لم يمس.
ثانياً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أن القبر يحفر لك بعد فترة، وترد إلى الله كما قال سبحانه وتعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62].
ثالثاً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أنك ستجرد من الثياب والمناصب والوظائف ومن الناس: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94].
رابعاً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أن الله أعد ناراً تلظى لمن خالف منهجه، ولمن ضل عن الطريق المستقيم الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام.
خامساً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أن الجنة عرضها السموات والأرض أعدها الله لأوليائه.
سادساً: تستطيع أن تتوب إذا علمت أن الله يناديك في كل ليلة، ويبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
الجواب: هذه القصيدة تكررت كثيراً حتى مللت منها، أظن والله أني كررتها في المحاضرات والندوات أكثر من ستين مرة، حتى الإنسان مل من نفسه، لكن إذا طلب منك إنسان محترم طلباً فإن عليك أن تلبي طلبه، وأنا أعرف أن الكثير قد مل منها أو مجته أذنه، لأنهم يقولون: النفس مولعة بمعاداة المعادات، أي: تعادي المكررات، وقال الشعبي: لحمل الصخور من الجبال أخف عليّ من إعادة أحاديث الرجال، لكن ماذا نفعل؟ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [يوسف:88] أما الجدية فلا أذكرها لأنها طويلة واسمها أمريكا التي رأيت والهزلية فيها بعض الدعابات وهي أرجوزة فمنها:
يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي وليُّ |
مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي |
قد جئت من أبها صباحاًباكرا مشاركاً لحفلكم وشاكرا |
وحَمَلَتْنَا في السما طياره تطفح تارة وتهوي تارة |
قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديكِ |
على ذكر الطيارة أحد الطلبة كان عنده بعض التخلف في مزاجه في فصل من الفصول، وكان الأستاذ دائماً يقول له: أنت تسأل في وادٍ ونحن نشرح في وادٍ، أرجوك لا تسأل، قال: خيراً يا أستاذ! وبدأ الشرح. ولما انتصف في المحاضرة، رفع الطالب يده، قال الأستاذ: خيراً إن شاء الله، قال: هل للطيارة بوري؟ وهو سؤال وجيه، نسأل الله أن ينفعه بالعلم النافع.
يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا |
وهذه أخبار هذه النشرة مسافة السير ثلاث عشرة |
من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا |
أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا |
ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة |
منـزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن |
وقد وصلنا إلى مباني الكونجرس ولم نجد مستقبلاً ولا حرس |
فيها ملايينٌ حوت من الكتب في كل فن إنه هو العجب |
في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة |
يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا |
ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة |
ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان |
وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة |
ومعنا عبد العزيز الغامدي ابن عزيز صاحب المحامد |
والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش |
فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة |
ثم هبطنا في مطار دنفرا جلودنا في البرد صارت كالفرى |
إلى آخرها والله أعلم.
الجواب: الشرك الخفي هو الرياء، ويتخلص منه بثلاثة أمور:
الأول: أن تعرف أنه لا يحاسب ولا يعاقب ولا يثيب ولا يعطي إلا الواحد الأحد، وأن الناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا يقدمون ولا يؤخرون، ولا يملكون لك شيئاً إذا لم يرد الله لك الخير.
الثاني: أن تعرف أن الناس لن يحاسبوك يوم العرض الأكبر، ولا يحاسبك إلا الواحد الأحد.
الثالث: أن تدعو بالدعاء الذي علمه صلى الله عليه وسلم أبا بكر: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم}.
الجواب: وجد هذا كظاهرة عند بعض الشباب من أن يكون خطيباً ويعظ الناس، ولكنه لا يصلي الفجر معهم، فيخفق الناس في سماع خطبه، وكلماته، ونصيحتي لهؤلاء بأمور:
منها: أن يتقوا الله عز وجل وأن يعرفوا أن الصلاة هي عمود الإسلام، وأنها إذا فاتت وضاعت فقد ضاع الدين، فأكبر شهادة على هذا الدين الذي نحمله الصلاة، فكيف تثبت لي أنك مسلم إذا لم تصل جماعة، إلا بعذر شرعي.
ومنها: أن صلاة الفجر -خاصة- ذمة لله عز وجل {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته}.
ثم أرى من الوسائل أن تنام مبكراً مثلاً، وأن تطلب من أهلك إيقاظك أو يكون عندك ساعة حتى تستيقظ بها، والله أعلم.
الجواب: ذكر ذلك ابن رجب في كتابه: الخشوع في الصلاة، منها: أن يتدبر المقروء الذي يقرؤه في الصلاة.
ومنها: أن يعلم أنه لا يكتب له من الصلاة إلا ما عقل.
ومنها: أن يفرغ نفسه من أشغال الدنيا وهمومها وأفكارها قبل الصلاة، فإذا كان جائعاً أن يأكل، أو حاقناً أن ينتهي من حاجته، وإذا كان غضباناً أن يعود له رضاه أو يستأنس، وإذا كان في مكان حار أن يحاول أن يوجد له بديلاً، وإذا كان في شدة حر، أن يبرد بصلاة الظهر.. إلى غير تلك المعاني.
الجواب: لكل طريقة في قراءة الكتب، وأعرف من الشباب من يستعمل طريقة الجرد، وهي أن يقرأ المطولات جرداً فما علق بالذهن فجيد والحمد لله، وما ذهب فمع السلامة، هذه طريقة.
ومنهم: من يقرأ بطريقة البطاقات كأن يقرأ كتاباً ويكتب المعلومات الضرورية في بطاقة، حتى يتذكرها ويستفيد منها.
ومنهم: من يقرأ بثلاث قراءات في الكتاب الواحد، الطريقة الأولى: المسح للكتاب والثانية: أن يأخذ الأفكار الرئيسية في الكتاب، والثالثة: المسائل الجزئية، هذه الطرق التي تحضرني في هذا.
أسأل الله التوفيق والهداية، والرشد والسداد، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر