المقدم:
فمع الأبوة لشباب الصحوة، ومع القيادة العلمية لطلبة العلم، مع الإمام الوالد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ونحن يا سماحة الوالد! لن نثني ولن نمدح فقد أثنت عليك أعمالك، ومدحك ليلك ونهارك، ولكن نستأذنك في إعلان الحب لكم حباً يملأ الجوانح ويسبح على العيون، ويلجُّ على الألسنة ثناءً ودعاءً، حباً من هذه القلوب التي أصافت، والأعين التي شخصت، حباً ووداداً وموالاة، والذي نسأل الله عز وجل أن يجعل هذا الحب من القربات التي تزلفنا عنده، وأن يجعل هذا الحب بجلاله جل وعلا مما يظلنا به تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
وإننا يا سماحة الوالد! ندعو لأنفسنا يوم ندعو الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك في عمركم وينسأ في أثركم، وأن يجعل بقية عمركم رفعة في الدرجات وزيادة في الحسنات، وأن يقر أعينكم بعز الإسلام وصلاح المسلمين وائتلاف قلوبهم وصلاح أمورهم، وأن يجزيكم عنا وعن المسلمين خير ما جزى عباده الصالحين.
أنتم الآن -أيها الإخوة- مع الكلام النوراني المنور بآي التنزيل المعطر بحديث سيد المرسلين، أنتم مع سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز فليتفضل مشكوراً مأجوراً.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله إمام الدعاة إلى الله عز وجل، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فقد سمعنا جميعاً هذه الآيات الكريمات التي تلاها أخونا، فأحب أن أتكلم عليها، وهي قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:18-20].
ربنا عز وجل في كتابه العظيم، خاطب المؤمنين في آيات كثيرة يأمرهم بالتقوى، وينهاهم عما يغضبه سبحانه، وينهاهم عن الاغترار بالدنيا وعن الاغترار بالشيطان.
مفهوم التقوى
عاقبة نسيان الله
التشويق إلى الجنة
ثم يقول سبحانه مشوقاً للجنة ومحذراً من ضدها:
لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ [الحشر:20] لا شك أنهما لا يستويان، لا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النعيم المقيم؛ الأنهار الجارية، والنعم الكثيرة، والراحة التامة في جوار الرب الكريم، والنظر لوجهه الكريم، لا يستوي هؤلاء مع أصحاب الجحيم؛ أصحاب الأغلال والزقوم، أصحاب الحميم والسموم، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال سبحانه:
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، هم الفائزون في الحقيقة في الدنيا والآخرة.
فالواجب على المسلمين جميعاً في كل مكان حكاماً ومحكومين أن يتقوا الله، وأن يراقبوا الله في شعوبهم وفي جميع المسلمين؛ وذلك بإلزامهم بتقوى الله، وزجرهم عن محارم الله، وإيقافهم عند الحد الشرعي، هذا هو الواجب على جميع حكام المسلمين، وعلى كل قادر من مدير وقاضٍ ورئيس قبيلة إلى غير ذلك، الواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله، كما يجب على جميع المكلفين وإن كانوا من عامة الناس يجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يلزموا طاعته التي أوجب عليهم، ويحذروا معصيته، ويسألوه الثبات، ويحذروا أنفسهم، ولكن أرى من جميع الحكام والرؤساء عليهم أن يتقوا الله أكثر، وأن يلزموا شعوبهم ما أوجب الله عليهم من طاعته، ويحذروهم نقمته، ويراعوا ذلك ويراقبوه؛ بالطرق السديدة، وبالرجال الأمناء حتى يستقيم الأمر، وحتى يعبد الله وحده، وحتى يؤدى حقه، وحتى ينتهي الناس عن معصيته ومخالفة أمره.
منة الله على عباده بنشر الدين
وقد منَّ الله على
الجزيرة العربية بدعوة قديمة، دعوة إسلامية، دعوة موافقة لما عليه
أهل السنة والجماعة؛ وهي دعوة شيخنا ومحدثنا
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد كانت هذه
الجزيرة في جهل عظيم، وعبادة للقبور والأشجار والأحجار، وتحكيماً للقوانين ولعادات القبائل، فجاء الله بهذا الشيخ رحمه الله وهو
محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي رحمه الله، قرأ في
نجد و
الحجاز و
البصرة، تعلم على جملة من المشايخ الأخيار، وهدى الله قلبه وسدد مساعيه حتى قام بالدعوة إلى الله عز وجل في هذه
الجزيرة في
حريمنة ثم في
العيينة ثم في
الجزيرة ثم في
أبها، ودعا إلى الله ونشر التوحيد، ودعا إلى هدم القباب، وهدم مشاهد الشرك وأعناق الشرك، ثم ساعده على ذلك الإمام
محمد بن سعود رحمه الله مساعدة عظيمة، فهدى الله بهما الناس في هذه
الجزيرة من الظلمات إلى النور، ورفع بهما هذا الجيل العظيم جيل الإسلام، وهدم الله بهما قواعد وأسس الشرك وعبادة غير الله سبحانه وتعالى، وحكَّما شريعة الله في عباد الله، وجاهدا في سبيل الله هما وأنصارهما، فكان هذا من رحمة الله لهذه
الجزيرة ولغيرها.
فإن الدعوة انتشرت وخرجت عن الجزيرة إلى الهند والشام والعراق وأفريقيا، ونقلها العلماء، ونفع الله بها العباد في أماكن كثيرة، فدعوا إلى الله ووجهوا الناس إلى الخير وإلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ونفوا الشرك بالله فصارت دعوة عظيمة مباركة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، رحم الله بها العباد، وأنقذهم الله بها من الشرك والظلم، وعبادة الأشخاص والأصنام والأوثان، إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى.
ثم استمرت هذه الدولة وهؤلاء العلماء من ذرية الشيخ محمد وأنصاره من الدعاة من نجد وغيرها في الدعوة إلى الله، ومعهم آل سعود وأنصارهم في الدعوة إلى الله، وترغيب الناس في الخير، وإقامة دين الله، وإقامة حدود الله في أرض الله، وفي سبيل الله، من ذاك الوقت إلى يومنا هذا، وهذه من نعم الله العظيمة.
فالواجب الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، والدعاء للموجودين منهم بالتوفيق والهداية، ونسأل الله للموجودين التوفيق والهداية، وأن يبين لهم على المسلك الذي سلكه آباؤهم من آل الشيخ وآل سعود، نسأل الله أن يعينهم على إقامة الحق وفي ذلك الخوض، وأن يوفقهم لكل ما فيه الصلاح لعباده، وأن يعينهم على ذكره وفقهه وحسن عبادته، وأن يوفق علماءنا جميعاً في التعاون معهم في الدعوة إلى الله، ونشر دين الله، والصد على أعداء الله، فإن هذا هو الواجب على العلماء، الواجب على العلماء في هذه الجزيرة وفي كل مكان أن ينشروا دين الله، وأن يعلموا الناس دين الله، وينشروا توحيد الله والإخلاص له، ويعلموا الناس ما يهمهم من أمر دينهم، وأن يدعوهم إلى الإخلاص وإلى نبذ الشرك ومحاربة أسبابه وذرائعه وقواعده؛ من عبادة القبور والبناء عليها، وعبادة الأشجار والأحجار إلى غير ذلك من أصول الشرك وقواعده.
علينا جميعاً ونحن العلماء في هذه الجزيرة وفي بقية أرض الله في كل مكان في أفريقيا وأوروبا وأمريكا وفي بلاد خراسان وفي كل مكان.
الواجب الملقى على العلماء والدعاة
على كل حال: على علماء الحق وعلماء الدين أن يتقوا الله، وأن يجتهدوا في نشر دين الله، وتعليم الناس ما أوجب الله عليهم، وتحريم ما حرم الله عليهم وأساس ذلك توحيد الله والإخلاص له والقيام بحقه سبحانه، هذا هو الأساس العظيم، وهو معنى: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أن يعلموا الناس توحيد الله وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، ويحرضوا على الاستقامة على دين الله والحذر من محارم الله، ويتصفوا بالاستقامة على الحق وعلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا هو واجب أهل العلم أينما كانوا، في دروسهم، وفي خطبهم على المنابر، وفي محاضراتهم، وفي ندواتهم، يجب على كل العلماء أن يسلكوا هذا المسلك، وأن يعلموا الناس دين الله وينشروا بينهم دين الله من طريق الكتاب والسنة؛ من طريق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأن يدعوا لولاة الأمور في كل مكان أن الله يهديهم ويصلحهم، ويعينهم على نشر الحق، والدعوة إليه، فإنهم بحاجة إلى الدعاء من إخوانهم المسلمين.
نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين في كل مكان للقيام بواجبهم، والدعوة إلى الله، ومناصرة الحق وأهله، ونشر الحق بين الناس، كما نسأله أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان للفقه في الدين والاستقامة عليه، وأن يصلح قادتهم، ويعينهم على كل ما فيه رضاه، وعلى كل ما يقربهم منه ويباعدهم من غضبه سبحانه وتعالى، كما نسأله سبحانه وتعالى أيضاً لولاة أمرنا أن يوفقهم للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين، وأن يعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويصلح لهم البطانة، ويجزيهم عما فعلوا من الخير أحسن الجزاء، ويعينهم على إزالة كل شر وإقامة كل حق؛ إنه جل وعلا جواد كريم، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أنصارهم ومن أعوانهم في الحق، وممن يتكاتف معهم ويسعى معهم في كل حق وهدى، وفي ترك كل باطل إنه جل وعلا جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
(المقدم):
شكر الله لكم وجزاكم عنا أفضل ما جزى عباده الصالحين.
أما الآن مع فضيلة الشيخ
سلمان بن فهد العودة في كلمة مختصرة:
بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سماحة الوالد الكريم! أصحاب الفضيلة! أيها الإخوة! إنني أعجب حين أقوم متحدثاً أو أقعد متحدثاً بينكم، ففي هذا المجلس من الأفاضل والمشايخ من هم أجدر بالحديث وأولى به، لكنني لم أملك إلا الموافقة على هذا الطلب، وأسأل الله تعالى أن يلهمني ويسددني.
شأن الإمامة في الدين
أيها الإخوة! إن القرب من الصالحين كله خير وبركة، فعند ذكرهم يرجى نزول الرحمات، ويكون ذكرهم داعياً إلى الاقتداء بمآثرهم والسير على منوالهم والنسج على طريقتهم، وإن هذه الأمة تُعدُّ اليوم بما يزيد على مئات الملايين، بل تاريخ هذه الأمة لم يبدأ منذ ستين سنة أو سبعين سنة، تاريخ هذه الأمة مضى عليه ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة؛ فكم تظن من الناس مشوا على ظهر هذه الأرض ووطئوها من أهل الإيمان ومن أهل التوحيد، بل ومن أهل العلم أيضاً، ولكن كم أولئك الذين بقيت مآثرهم وخلد ذكرهم؛ فأصبح الناس يذكرونهم بالخير؛ فيترحمون عليهم، ويدعون لهم، ويقبسون من علمهم، على رغم أن بينهم وبينهم مفاوز من السنين وأحقاباً متطاولة، وعلى رغم أنهم قد يكونون في مناطق بعيدة نائية، إن الناس اليوم يستفيدون من علم شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله أكثر مما يستفيدون من علم معظم المعاصرين؛ وكأن هذا الإمام حيٌ بيننا، وإن كان موسداً في قبره إلا أنه حيٌ بيننا بعلمه وبتراثه وبكتبه وبمواقفه وكما قيل:
هذه الأمة التي يقولون: عددها ألف بليون إنسان ومائتا مليون إنسان، هذا الرقم من حيث العدد، كم تأثير هذه الأمة؟ وكم إنتاجية هذا العدد الكبير؟
إن فئةً قليلة من أعداء الإسلام قد بلغوا بهذه الأمة مبلغاً عظيماً؛ لأنهم جدوا واجتهدوا وحاولوا وبذلوا، أما هذه الأمة فهي أرقام وأعداد، لكن لو أتيت إلى الذين يقومون بما أوجب الله عليهم من العبادة، والعلم، والدعوة، والجهاد، والصبر لوجدتهم قليلاً، وكما قيل:
ويا سبحان الله! كأن الدعاة إلى الله وكأن العلماء رفاق سفر طويل طويل، فهم يبدءون كثيراً ولكن يتساقطون واحداً بعد الآخر، كلما بعدت المفازة واشتد الأمر وعظم الخطب، ولا يبقى إلا من حكم الله تعالى لهم بأنهم أئمة، قال الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء.
قال سفيان: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين؛ أن يكون عند الإنسان يقين بالحق الذي يحمله ويدعو إليه، يقين من الله تعالى: قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي [الأنعام:57] فهذا اليقين ما أخذه تقليداً ولا أخذه تأثراً بالأتباع والدهماء ومن حوله من الناس، وإنما أخذه بالدليل من القرآن ومن السنة الصحيحة، فاستقر في قلبه وآمن به، وجرى منه مجرى الدم في العروق، فلم يعد يرتاب فيه على رغم قلة النصير والمعين، وكثرة المعارض، فأصبح عنده يقين بدينه، ثم أصبح عنده صبر على ذلك، صبر جميل ليس فيه جزع ولا تشكٍ، ولا تسخط ولا تردد، بل فيه ثبات على هذا الدين، وإصرار عليه، ودعاء أن يثبت الله تعالى قلبه فلا يزلَّ ولا يزيغ.
أعظم وسائل الثبات
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
أما بعد:
فلا شك أن ما قاله أخونا الفاضل الشيخ: سلمان العودة فيما يجب على المسلمين من الدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والنصح لله ولعباده يرجع الأمر أنه أمر لازم والناس في أشد الحاجة إليه، العالم في أشد الحاجة إلى التعليم والتوجيه؛ لأن علماء السنة قلوا واشتدت الغربة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدوركم، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا). فالواجب على أهل العلم أن يعتنوا بالدعوة إلى الله، وأن يكونوا على بصيرة مما يقولون، على كل واحد أن يهتم بالعلم وأن يقول عن علم، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108].
كل واحد مسئول فليتق الله وليقل عن علم أينما كان؛ في بلاده وفي غير بلاده، في السيارة، وفي الطائرة، والقطار، والسفينة، والباخرة، وفي كل مكان، يتقي الله ويدعو إليه، ويرشد الناس إلى الخير.
وعليه أن يكون سليم القلب من الغل على إخوانه وإن سمع شيئاً فليتق الله وليصفح وليعفو؛ لأن هذا أقرب للتقوى، وأقرب لجمع القلوب، وأقرب إلى الصلاح بين الجميع والتعاون، وليكون قلبه سليماً من كل ما يخالف شرع الله؛ من اتباع هوىً، ومن غلٍ على مسلم، ومن حسد لآخر، ومن دعوة إلى غير الله عز وجل، ويكون قلبه سليماً من كل إرادة تخالف شرع الله، ومن كل عمل يخالف شرع الله، ومن كل قول يخالف شرع الله، ومن كل هدف يخالف شرع الله، أن يكون هدفه وجهوده وأعماله وأقواله كلها في تحقيق ما شرعه الله وفي الدعوة إليه، وفي التحذير من خلافه؛ هذا هو طريق النجاة والسلامة، وبذلك نرضي الله وننفع المسلمين وتكثر أحبابه وإخوانه وينتفعون به.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
كلام المقدم:
أثابكم ربي وشكر لكم وبارك فيكم، ووفقكم ونفعنا جميعاً بهذا الكلام المسدد، ووهب لنا من عنده طهارة القلوب.
أما الآن فمع كلمة موجزة لفضيلة الشيخ:
عوض القرني فليتفضل مشكوراً.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تقدست أسماؤك، وتعالت صفاتك، ولا إله إلا أنت سبحانك.
مشايخنا الأفاضل! الحديث في مثل هذا الجمع الكريم من مثلي غير مستفاض، إذا حضرنا مع مثل هذه الوجوه الطيبة من مشايخنا وأساتذتنا وعلمائنا؛ فالجدير بنا أن نحسن الاستماع والتعلم، أما وقد قدمني الإخوة لهذه الكلمة.
فأقول:
أيها الإخوة: أولاً: نهنئ أنفسنا بلقائنا بسماحة شيخنا ووالدنا، ونهنئ أنفسنا بهذا الجمع الكريم المبارك، ونهنئ أخانا الكريم باجتماع هذه الكوكبة الطيبة في منزله في هذه الليلة، وإذا كان في كل منزل سيجتمع مثل هذا الجمع فليقتني في كل أسبوع منزلاً.
أيها الأحبة: أذكركم ببعض ما تعلمون ولا أعلمكم، وقد أشار الإخوة الأفاضل إلى مكانة هذه البلاد التي اصطفاها الله سبحانه وتعالى في مبتدأ أمر هذا الدين، والدور الذي ينبغي أن تؤديه في هذا الزمن، وأذكر بنظرة المسلمين إلى علماء هذه البلاد وإلى رجالها وإلى شباب الصحوة فيها، وأذكركم بمآسي المسلمين وجراحاتهم وقضاياهم، ولئن تباسطنا في الحديث فينبغي ألا تزول آثار تلك الجراح من قلوبنا.
وينبغي -أيها الإخوة المؤمنون- أن نعي رسالتنا في هذه الحياة، وأن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد شرفنا وكلفنا؛ شرفنا حين جعلنا ممن يحمل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بعده ويبلغها للعالمين، ويجاهد في سبيل إعلائها، ويحب من والاها ويبغض من عاداها، وكلفنا سبحانه وتعالى حين جعل على عواتقنا حمل أعباء الرسالة بعد أن ختمت الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأزعم أن القيام ببعض أعباء هذه الرسالة يقتضي منا أموراً كثيرة:
أول هذه الأمور: تصفية المقاصد والقلوب، وتوجيه ذلك إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نراجع أفراداً وطوائف وجماعات مسيرتنا باستمرار، وأن نحدد وجهتنا إلى الله سبحانه وتعالى.
الأمر الآخر: أن نجرد المتابعة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن نلهج بذلك في كلماتنا ومحاضراتنا وندواتنا، وفي منتدياتنا ونوادينا، وفي إعلامنا وتعليمنا؛ حتى يكون صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحية الماثلة للعيان؛ ليس للعلماء وطلبة العلم فقط؛ بل لجميع طوائف الأمة من رجالها ونسائها وشبابها وشاباتها، وأن يكون دور الدعاة والعلماء دور الجداول الموصلة إلى البحر الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
والأمر الثالث: هو أن توحد الصفوف، وتأتلف القلوب، وتجتمع الكفوف، وأن نكون كما وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين: بنياناً مرصوصاً، وكما وصفه محمد صلى الله عليه وسلم: جسداً واحداً، حينئذٍِ -أيها الإخوة الكرام الأفاضل- نستطيع أن نؤدي الرسالة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بها، وحينئذٍ نستطيع أن نلبي نداءات أمتنا واستغاثاتها في كل مكان تستغيث فيه وتنادي باستمرار: وا إسلاماه! وا إسلاماه!
أيها الإخوة الكرام: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلك بنا سبيل الرشاد، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يجعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.