يقول ربنا جل جلاله لهذه الأمم والشعوب في الأرض: إنهم ميتون، وقد اختلفوا وتنازعوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ومنهم من ضل ومنهم من اهتدى، ناس من أصحاب اليمين وآخرون من أصحاب الشمال.
فهؤلاء الذين أبوا إلا التكذيب والكفران والجحود، وأبوا إلا أن يصرفوا الصدق عندما يأتيهم سيموتون، وسيموت الدعاة والأنبياء وتموت الناس ويموت الخلق كلهم ملائكةً وجناً وإنساً، وعند ربهم يوم القيامة يختصمون ليُعرف من المحق من المبطل! ومن الصادق من الكاذب! وليعرف من الذي أتى بالحقائق ومن الذي أتى بالأباطيل.
قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزمر:30] الخطاب لسيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهو لكل نفس على وجه الأرض.
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] أي: وإن أولئك الذين عصوك وخالفوك وتمنوا لك الموت سيموتون، ولقد قالوا عنه: صابروه إنه عما قليل يموت وتستريحون منه ومن رسالته، فقال الله: قل لهؤلاء: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] أي: لن يفلت من الموت أحد.
قال الفراء والكسائي من أئمة اللغة: يقال ميِّت ومَيْت، يقال: ميِّت بالتشديد لمن لا يزال حياً وهو سيموت يوماً، ويقال: مَيْت بالفتح لمن هو ميت فعلاً، ولذلك كان الخطاب إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزمر:30] فهو لا يزال حياً ويخاطب بهذا، ومعناه: إنك صائر إلى الموت لا محالة.
فقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] أي: إنك وأتباعك، إنك والكافرين بك، إنك والخلق كلهم صائرون إلى الموت يوماً، قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
لا بد يوماً أن نحمل كما حُمل من مات قبلنا، بينما نمشي على أرجلنا إذا بنا محمولون على هذه الأخشاب.
وبهذه الآية: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] استدل أبو بكر الخليفة الأول رضي الله عنه عندما مات النبي عليه الصلاة والسلام.
فعندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصدق الصحابة، وذهبوا يقولون: ما مات رسول الله، بل لقد وصل الأمر إلى أن يقول عمر: من قال إن رسول الله مات ضربته بسيفي هذا.
وكان أبو بكر رضوان الله عليه أثبتهم وأعرفهم بذلك وأحسنهم توفيقاً، فهو أسبق الصحابة خلافةً ومقاماً، ثبت أنه دخل إلى غرفة ابنته حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله في جبينه وقال له: طبت حياً وميتاً يا رسول الله! فأخذ القوم ينتظرون ما هو فاعل فصعد المنبر فوجد في الدرجة الأولى عمر فأبعده جانباً، وقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].
فانتبه القوم وكأن هاتين الآيتين لم يسمعوهما من قبل، بل لقد قال عمر : والله لكأني أسمع هذه الآية الآن، وعلموا أن الموت حق على الأنبياء وعلى غير الأنبياء، عند ذلك أعادهم أبو بكر بما جاء به رسول الله من عبادة الله وحده ووحدانيته، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وذكّرهم بالرسالة المحمدية، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يرسل لعبادة نفسه أو لشيء يتعلق به، ولكنه جاء رسولاً من رب العالمين يبلّغ رسالات ربه؛ وليعبد الله بنفسه وليكون أول المسلمين؛ وليتبعه جميع من دعاهم من الجن والإنس، وإذا كان الأمر كذلك فالمعبود جل جلاله لا يزال حياً ولن يموت: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] وهو الباقي، وهو الدائم، وهو الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية.
قال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31] أي: أيها الضالون المكذبون، ويا أيها المؤمنون الصادقون؛ ستموتون ثم تبعثون إلى ربكم يوم القيامة، وسيكون بينكم خصومة أمام الله وبين يديه، يشكو بعضكم بعضاً وينازع بعضكم بعضاً, فسيكون الحكم إذ ذاك لله جل جلاله.
قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ [الزمر:31] أي: بعد الموت: تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31] الخصام: النزاع والخلاف في أمر.
قال ابن عمر : طال عليّ الدهر وأنا لا أعلم معنى هذه الآية، أنخاصم أهل الكتاب، أم نخاصم إخواننا المسلمين، وكيف نتخاصم؟ فنحن نعبد رباً واحداً ونؤمن برسالة واحدة، قال: حتى رأيتنا نتضارب بالسيف يقتل أحدنا الآخر، وهو يشير لما حدث للمسلمين من قتال وفتنة بعد موت عمر رضي الله عنه، وما حدث من تمرد على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وهكذا أصبحت الخصومة في أنفسهم!
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أول خصومة تكون بين جارين) كما في مسند أحمد عن عبد الله بن عباس : أول من يتقدم للخصومة وللنزاع وطلب الحكم جاران طغى أحدهما على الآخر في دار الدنيا ولم ينتصف للآخر، فيحكم الله جل جلاله بالعدل بينهما.
وروى عقبة بن عامر في مسند البزار : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تتركوا الخصومة والحقوق بينكم إلى ما بعد الموت، فإن هناك لا درهم ولا دينار) قد يرد الظالم الحق للمحقّ، حتى إذا جئتم يوم القيامة كنتم قد تباعدتم وتعاديتم.
وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه يأتي الرجل يوم القيامة ومعه صلاة وزكاة وعبادة ولكنه يأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وأكل مال هذا، فيأخذ الله من حسناته إلى من ظلمهم، حتى إذا انتهت أُخذ من سيئاتهم فطرحت عليه فيؤمر بحمله إلى النار.
ولذلك فإن الرجل الظالم الذي يريد أن يقبل على الله وهو بريء الذمة من حقوق الناس في دنياه يأخذ الحق من نفسه ويعيد الحقوق لأصحابها ولو مضى عليها زمن، لكن في القوانين الجائرة حتى في العالم الإسلامي: إذا مضى على الجريمة عشرون عاماً حتى وإن كانت الجريمة قتلاً تسقط المتابعة ولا يطالب بها، ولكن شريعة الإسلام ليست كذلك، بل الحق حق طال الزمان أو قصر، والباطل باطل طال الدهر أو قصر؛ وما ضاع حق وراءه طالب.
ولذلك فمن لم يؤد الحق في الحياة الدنيا ويرد الحقوق لأصحابها أو يطلب منهم السماح والمغفرة، سيؤتى به يوم القيامة حيث لا درهم ولا دينار، وسيكون مديناً لزيد أو لعمرو من الناس بدينار أو أكثر، وعندما لا يكون هناك دنانير ولا دراهم يعطى بذلك من حسناته، ثم إذا انتهت تزال سيئات ذلك المظلوم ويحملها هذا الظالم، فيخرج المظلوم وكأنه اشترى حسنات هذا بدراهم معدودة لا تكاد تغنيه ولا تسمن من جوع ولا ترويه من عطش.
يقول ربنا: ليس هناك أعظم افتراء وأكبر جرماً ممن جاء يوم القيامة وقد كذب على الله وكذّب بالصدق، ونسب لله شريكاً أو ولداً وصاحبة، وجاء وقد كذّب بالرسالة الحق التي أتى بها أنبياء الله ورسله وكذب بكتب الله المنزلة لتأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر.
فقوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ) استفهام تقريري، أي: لا أظلم منه ولا أكبر كفراً ولا جريمة ممن كذب على الله فيما ادعاه على الله من كفر وجحود، ثم جاء مكذباً لرسالات الله وكتبه.
قوله: (كذب على الله) أي: نسب له ما ليس بحق، قوله: وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ [الزمر:32] أي: كذب برسل الله وأنبيائه وكتبه والحقائق الثابتة من الدين.
قال تعالى: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [الزمر:32] يقول الله مستفهماً استفهاماً إنكارياً تقريرياً، إذ ينكر على هؤلاء ويوبخهم ماذا كانوا ينتظرون عندما جاءوا يوم القيامة وهم كذبة على الله وكذبوا بالصدق إذ جاءهم: هل كانوا ينتظرون جزاء وشكوراً وهم لا يؤمنون بالآخرة ولا يؤمنون بيوم البعث والنشور، فقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [الزمر:32] أي: ألم يدر هؤلاء أن مثواهم جهنم؟!
والمثوى: الإقامة الدائمة.
قال تعالى: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [الزمر:32] والجواب: بلى، أخذ من سياق القول، وهذا من بلاغة القرآن وفصاحته ومعجزاته، فلا أظلم ممن جاء كاذباً على الله ومكذّباً بالحقائق، ولا مثوى لهؤلاء ولا مقام ولا دار إلا جهنم خالدين فيها أبد الآباد ودهر الداهرين.
قال تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر:33-35].
هذه مقابلة، إذ القرآن متشابه ومثاني، جاء القرآن بالآيات متشابهة في الحق والذكر والبيان وهي مثنى مثنى تذكر الشيء وضده، تذكر الكفر والإيمان، والجنة والنار، وأولئك كذّبوا الصدق وكذبوا على الله، وهؤلاء جاءوا بالصدق وصدّقوا المرسلين.
قال تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33] جاء يوم القيامة ومعه الصدق، جاء، وقد صدّق ربه وكتابه ونبيه، وصدّق بالحقائق كلها.
قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33] أي: أولئك هم المؤمنون الصالحون، الذين اتقوا الباطل والشرك، وجعلوا بينهم وبينه حواجز من الطاعات ومن الإيمان بالله وبرسله.
وذكر أن الذي جاء بالصدق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من المسلم به، جاء رسول الله وجاء الرسل أجمعون بالصدق، قوله: وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33] صدّقوا أنفسهم وكانوا رسلاً لأنفسهم.
وقيل: إن الذي جاء بالصدق هو جبريل.
فقوله تعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33] أي: الملائكة متقون، والرسل والأنبياء متقون، فهم معصومون عن الزلل والخطأ ولكن سياق الآية لا يدل على ذلك؛ يدل على أن المقصود هم الجن والإنس غير المعصومين؛ لقوله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر:34-35] فهؤلاء قوم مسيئون جاءوا بمعاصٍ وذنوب غفرها الله لهم، ثم جازاهم وأحسن إليهم بأحسن أعمالهم.
فنحن الذين نخطئ ونذنب ثم نعود بتوفيق الله لطلب المغفرة من ربنا فيغفر لنا، فهي صفات غير الملائكة والأنبياء وإن كانوا هم الذروة من الذين جاءوا بالصدق من الله وصدّقوا ما جاءوا به، ولكنهم لم يكونوا مسيئين يوماً ولا مذنبين.
فقوله: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33] أي: من الجن والإنس جاء يوم القيامة بالصدق، وهذه بخلاف الآية السابقة: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ [الزمر:32] فهؤلاء الكفرة جاءوا كاذبين على الله ناسبين له الشريك والولد، أما هؤلاء فعكسهم تماماً، جاءوا بالصدق يوم القيامة وبتوحيد الله والإيمان برسله، والعمل بشريعته حسب جهدهم وطاقتهم.
يخبر ربنا عن هؤلاء أنهم هم المتقون المؤمنون الذين اتقوا الذنوب والمعاصي فلم يفعلوها، وإذا فعلوها تابوا واستغفروا وأنابوا إلى الله ورجعوا، والله يغفر لمن يشاء.
والله أكرم هؤلاء الذين جاءوا بالصدق وصدقوا به ووصفهم بالتقوى، فقال: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الزمر:34] مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، جعلنا الله معهم.
ولذلك ورد في الحديث القدسي أن الله جل جلاله يقول لعباده وهم في الجنة: هل أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا! ماذا تزيدنا وقد أعطيتنا ما لم يخطر في بالنا من مشارب ومساكن ومآكل ومن حور عين، فيقول الله لهم: أريكم وجهي، فيتجلى لهم جل جلاله بوجهه الكريم، وهذا يفهم من قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].
قال تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِم [الزمر:34] فهم لهم في الآخرة ما يشاءون من رحمة ورضاً وجنان.
قوله: ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:34] أي: تلك مكافأتهم وعطاؤهم وأجرهم، والإحسان: أن تؤمن بالله وتزيد على ذلك مع اليقين والطاعة.
ثم زاد ربنا فقال في تمام هذا الجزاء: لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا [الزمر:35].
يكفّر الله أي: يستر ويغفر، وأصل الكفر: الستر، يقال: فلان كفر، أي: غطى الحقائق وحجبها، والمغفرة كذلك: الستر، من الغفارة: وهو ما يغطى على الرأس في الحرب ليقيه ضرب السيوف والنبال والرماح.
فقوله: لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا [الزمر:35] أي: أقبح ما صنعوه في الدنيا، وأقبح ما يكون بعد الإيمان وهو بغير حق؛ ومعنى ذلك: أن الله يغفر أعظم السيئات لمن جاء تائباً موحداً ومصدقاً، قال الصدق وعمل به وصدّق به.
قوله: (أسوأ): أفعل تفضيل على يقتضي المشاركة والزيادة من السيئات، ولكن أسوأها وأقبحها يغفره الله، وإذا غفر الله الأكبر والأسوأ فمن باب أولى أن يغفر الذي دونه؛ وهذا معنى قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] لم يذنبوا فقط بل زادوا في الذنب بإسراف، والإسراف: الزيادة في الشيء، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ودون الشرك جميع الذنوب وجميع الآثام.
قال تعالى: وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر:35].
أي: وفي المقابل يجازيهم بأحسن أعمالهم ويكافئهم، وأعظم الأعمال لا إله إلا الله والصلاة وبقية الأركان، فالله يجازيهم عليها.
ولذلك فالتوحيد هو الفارق بين أهل الجنة وبين أهل النار، فمن جاء يوم القيامة وهو موحد فإن مآله دخول الجنة والرضا والرحمة، ومن جاء كافراً وإن أتى بأعمال صالحة تصير كلها سراباً هباء، وهو خالد مخلد في النار.
فقوله: وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر:35] أي: ويجزيهم ربهم من الأعمال أعلاها وأكرمها وأسماها، وأسوأ السيئات يغفرها، وهو يجازي على القليل بالكثير، فالحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله، فقد قال الله: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الزمر:34] أي: بغير حساب ولا كيل ولا ميزان، يحثو لهم حثواً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر