إسلام ويب

أصول العقيدة [3]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الواجب على العبد أن يوحد ربه عز وجل في أقسام التوحيد الثلاثة المعتبرة عند أهل السنة والجماعة, لا سيما توحيد الإلهية الذي ثبت وجوبه واستقر فضله؛ خلافًا لطوائف أهل الكلام الذين سلكوا في تقسيم التوحيد مسلكًا خاطئًا يعتوره الإشكال والقصور.

    1.   

    تقسيم التوحيد عند أهل السنة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، وعلى صحابته والتابعين وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    أهل العلم قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام باعتبار النظر إلى الله عز وجل، وإلى قسمين باعتبار النظر إلى العبد.

    وباعتبار النظر إلى الله عز وجل يقسم التوحيد إلى: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وباعتبار النظر إلى العبد يقسم إلى قسمين: توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب.

    هذا التقسيم الذي هو المعرفة والإثبات والقصد والطلب أو التوحيد العلمي والعملي، موافق لتعريف الإيمان، فالإيمان عند علماء السلف -كما سيأتي شرحه تفصيلاً-: هو قول وعمل، والقول قول القلب وقول اللسان، والعمل عمل القلب وعمل الجوارح.

    وبالنسبة إلى نشاط الإنسان فإن له نشاطين: نشاط علمي، ونشاط عملي، أو نشاط ظاهر ونشاط باطن، فالنشاط العلمي يشمل الإقرار والاعتقاد، والنشاط العملي يشمل العمل سواء عمل القلب أو عمل الجوارح، والتوحيد جاء في جميع أنشطة الإنسان العلمية والعملية، والإيمان كذلك جاء في جميع أنشطة الإنسان العلمية والعملية.

    1.   

    نقد تقسيم التوحيد عند أهل الكلام

    أهل الكلام خالفوا أهل السنة والجماعة في أقسام التوحيد، فأقسام التوحيد عندهم ثلاثة أقسام، لكنها مختلفة عن أقسام التوحيد عند أهل السنة، فيقولون: الله عز وجل واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.

    وهذا التقسيم عند أهل الكلام عليه ملاحظات شرعية:

    الملاحظة الأولى: هو أن هذا التقسيم ناقص؛ لأن هذه التقسيمات الثلاث في مدلولها تشمل نوعين من التوحيد، هما: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، بينما توحيد الألوهية لا ذكر له عندهم.

    فقولهم: واحد في ذاته، حسب فهمهم لقضية الذات، هذا تابع لباب الصفات، وواحد في صفاته تابع أيضاً لباب الصفات، وواحد في أفعاله تابع لباب الربوبية، وهذا التقسيم ناقص فلا ذكر للألوهية فيه، ولهذا جاء المتأخرون منهم وقالوا: إن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية واحد، وأنه لا فرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أبداً كما سيأتي الإشارة إليه بإذن الله تعالى.

    الملاحظة الثانية: هو أن هذه الأقسام الثلاثة تتضمن معاني باطلة، فهم يقولون: الله واحد في ذاته لا قسيم له، فهل لله عز وجل ذاتاً مجردة عن الصفات؟ فقالوا: إن ذاته واحدة، فإذا أثبت صفة من الصفات قالوا: إنك بهذه الطريقة تثبت شريكاً مع الله، ولهذا قالت المعتزلة في مسألة تعدد القدماء: إن القديم هو الذات، فإذا أضفت صفة من الصفات سواء كانت من الصفات الخبرية، أو الصفات الثبوتية العقلية الأخرى مثل العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والعينين واليد ونحو ذلك، قالوا: أنت إذاً أضفت قدماء آخرون، فيلزم من هذا حصول الشرك ونحن ندعو إلى التوحيد، والتوحيد يقتضي تجريد الله عز وجل من الصفات، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً! ولهذا نفوا الصفات.

    أما أهل السنة فإنهم يقولون: إنه لا يتصور لله عز وجل ذات بدون صفات، بل لا يمكن أن توجد ذات بدون صفات إلا في الذهن، وأما في خارج الذهن فإنه لا توجد ذات إلا مقرونة بالصفات، وهذا لا يمنع أن تكون له أوصاف متعددة وهو واحد، فهو الله مع أنه عليم حكيم رحيم غفور، له يدان، وعينان، وله علم وسمع وبصر، فهذا التعدد لا يمنع من كونه واحداً، وهذا أمر متفق عليه عند سائر بني آدم.

    فأنت تقول: فلان، الرجل الصالح الكريم الأبيض الطويل، القصير الذي فيه كذا وفيه كذا، وأنت تقصد واحداً، بل حتى في غير الإنسان، فتقول في الثوب -مثلاً-: هذا الثوب ثخين، طويل، أبيض، فيه كذا وكذا، مع أنه ثوب واحد، والعرب يسمون الشيء الواحد واحداً مع أن له أوصافاً متعددة، فالله عز وجل يقول عن المغيرة : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر:11]، فسمى المغيرة وحيداً، يعني: خلقه الله وحيداً، مع أن له صفات متعددة يدين ورجلين وعينين وعقلاً وأحشاء.

    ففهمهم للصفات فاهم فاسد، وقولهم: إن الله عز وجل واحد في ذاته لا قسيم له، يدل على فهم ناقص وفاسد.

    أيضاً: فهمهم لنفي الشبيه، عندما قالوا: وهو واحد في صفاته لا شبيه له، فهذا يتضمن نفي الصفات، فإذا أثبت لله عز وجل يدين أو عينين، فأنت شبهته بمخلوقاته، ونحن نقول: إن هذا لا يستلزم، فلله عز وجل صفاته الخاصة به، وللمخلوق صفاته الخاصة به، ولا يستلزم الاتفاق في الأسماء التماثل في المسميات، وليس هناك ارتباط بين هذين الأمرين.

    الملاحظة الثالثة: أنهم قالوا: إن الله واحد في أفعاله لا شريك له، وجعلوا حقيقة الشرك في شرك الربوبية فقط، فقالوا: إن المشرك هو الذي يدعي أن هناك خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً مع الله عز وجل، وحصروا الشرك في هذا الباب، وأما الشرك في الألوهية فإنهم لا يرونه.

    1.   

    توحيد الربوبية

    المسألة الجديدة التي سنبحثها هي: مسألة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالربوبية مشتقة من (الرب)، والرب معناه في لغة العرب: السيد المطاع الذي بلغ كمال السؤدد، ومن لوازم ذلك أن يكون مالكاً، فهو سبحانه وتعالى السيد المطاع المالك الآمر سبحانه وتعالى، فهذا معنى الربوبية، وقد دلت نصوص القرآن بكثرة على توحيد الربوبية، كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وفي الخلق: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا [الملك:3] وفي باب الأمر: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، والله عز وجل له التدبير وحده لا شريك له، فهو المحيي والمميت، وهو الضار والنافع سبحانه وتعالى، وحده لا شريك له، وهذا النوع من التوحيد لا ينكره أحد من سائر الأمم حتى من تظاهر بإنكار الخالق فإنه في الباطن مقر به، ولهذا يقول الله عز وجل عن فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وقال الله عز وجل عنه في خطاب موسى له: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102]، وأيضاً قال: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، قال العلماء: يتذكر ما في فطرته من معرفة الله عز وجل، ولهذا كان سائر الأمم يقرون بالخالق سبحانه وتعالى، ولا توجد طائفة من الطوائف تنكر وجود الله عز وجل إنكاراً تاماً حتى المجوس الذين قالوا بالأصلين النور والظلمة لا يقولون: إن النور والظلمة متساويان في الصفات والأفعال، بل يرون أن النور أعظم وأنه أفضل وأحسن، ويرون أنه هو القديم، والظلمة هي الحادثة، وأن الظلمة شريرة ونحو ذلك، فلا توجد طائفة من البشر تقول: إن لله شريكاً موافقاً له في الصفات والأفعال، حتى النصارى الذين قالوا: بالأقانيم فإنهم قالوا أن إلههم هو الأب والابن وروح القدس، وما كانوا يعتقدون أن الأب والابن وروح القدس ثلاثة آلهة منفصلة بل كل إله له ما للإله الآخر من الصفات والأفعال، بل كانوا يفسرون الأقانيم بأنها الصفات، ويرون أنه إله واحد موصوف بأنه أب وبأنه ابن وبأنه روح للقدس، لكن عند التفصيل تجد أنهم يتناقضون، فهم يعتقدون أن الأب إله عظيم، وأن الابن هو عيسى، وأن روح القدس هو جبريل، فعلى كل حال لا توجد طائفة من البشر تنكر توحيد الربوبية إنكاراً تاماً، لكن يوجد من يشرك في الربوبية.

    فالعرب كانوا ينكرون البعث، والبعث هو خلق آخر، يقول الله عز وجل: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن:7]، وكانوا يقولون: ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، ويقول أحدهم:

    أموت ثم قبر ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو

    فكانوا ينكرون الحشر والبعث، مع أن البعث والحشر هو في حقيقته خلق آخر، وكانوا يشركون بالله عز وجل، فيجعلون لله البنات سبحانه، وقالوا: الملائكة بنات الله، كما قالت اليهود: عزير ابن الله، وكما قال النصارى المسيح ابن الله، وكل هذا من الشرك في الربوبية، ولا يصح أن نقول: إنه لا توجد طائفة تشرك في الربوبية، لكن نقول: لا توجد طائفة تنكر توحيد الربوبية بالكلية، وتقول: إن الله ليس برب أو تعتقد أن هناك رباً آخر مع الله عز وجل مساوي له في الصفات والأفعال، وهذا أمر مقرر عند أهل السنة بالإجماع ومتفقون عليه.

    1.   

    توحيد الألوهية

    توحيد الألوهية مشتق من الإله، ومعنى توحيد الإلوهية هو: شهادة أن لا إله إلا الله، والإله فعال بمعنى مفعول، يعني: إله بمعنى مألوه، والمألوه هو المعبود، والله هو المعبود محبة ورغبة ورجاءً وخوفاً وتوكلاً وإنابة سبحانه وتعالى، والإله في لغة العرب معناه: المعبود، ولهذا يقول رؤبة بن العجاج الراجز:

    لله در الغانيات المُدَّهِ سبحن واسترجعن من تألهي

    فجعل التسبيح والترجيع جزءاً من التأله، والتأله معناه: التعبد، ولهذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفار: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، وأمرهم بشهادة أن لا إله إلا الله، كان جوابهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، فأنكروا عليه أنه جعل الآلهة المتعددة المختلفة معبوداً واحداً، مع أنهم في الحقيقة ما كانوا يجعلون خالقين مع الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، وهم يعرفون أن الله وحده خالق السماوات والأرض، ولا يشركون مع الله في خلق السماوات والأرض، ولكن كانوا يعتقدون أن هناك معبودات من دون الله يقدمون لها العبادة وهي بدورها تقربهم إلى الله عز وجل، كما قال الله عز وجل عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حصيناً والد عمران قال له: (كم تعبد؟ -وكان رجلاً حصيفاً ذكياً- قال: أعبد سبعة، قال: أين هم؟ قال: واحد في السماء، والستة في الأرض، قال: من لنفعك وضرك وحاجتك؟ قال: الذي في السماء، قال: لماذا تعبد التي في الأرض؟)، فأقنعه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدليل العقلي فأسلم وحسن إسلامه.

    فتوحيد الألوهية مشتق من (الإله)، وهناك فرق في لغة العرب بين (الرب) و(الإله).

    الأمر الثاني: أن مدلول توحيد الربوبية ومتعلقه: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وإثباتها لله عز وجل، بينما متعلق توحيد الألوهية: الله عز وجل.

    الأمر الثالث: توحيد الربوبية متعلقه: أفعال الله، وتوحيد الألوهية: متعلقه أفعال العبد، الربوبية حقيقتها: هي أن تؤمن بأفعال الله مثل الخلق، والرزق، والإحياء والإماتة، ونحو ذلك، وأما توحيد الألوهية فمتعلقة بأفعال العبد نفسه مثل المحبة والخوف والرجاء ونحو ذلك.

    والفارق الآخر: هو أن مدلول توحيد الربوبية: علمي، ومدلول توحيد الألوهية: عملي، فتوحيد الربوبية يحتاج من الإنسان أن يؤمن به فهو علمي، وتوحيد الألوهية يحتاج من الإنسان أن يعمل به فهو عملي، وهناك فرق بين العلم والعمل، وهذا أمر يشعر به الإنسان في نفسه.

    ولهذا عرف أهل العلم توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله، وتوحيد الألوهية بأنه توحيد الله بأفعال العباد، وهناك تعريف أدق من هذا التعريف وهو التعريف الذي ذكره الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو: التوحيد هو: إفراد الله بالخلق والملك والتدبير؛ لأن التعريف بأن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله يكون تعريفاً عاماً.

    وأفعال الله عز وجل نوعان: أفعال متعدية وأفعال لازمة.

    فالأفعال المتعدية: هي التي لها تأثير على المخلوقات، والأفعال اللازمة: هي التي ليس لها تأثير على المخلوقات، مثل: النزول والاستواء، والمجيء والإتيان، ونحو ذلك، وتسمى هذه الأفعال أفعال الصفات.

    ومثال الأفعال المتعدية: الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فهي أفعال لله عز وجل، لكنها متعدية إلى الخلق، وتسمى هذه الأفعال الربوبية.

    فعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله فإنه يشمل هذه الأنواع جميعاً فلا يكون دقيقاً، وعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه إفراد الله بالخلق والرزق والملك والتدبير، فإن هذا يكون أدق؛ لأنه يتعلق بأفعاله المتعدية التي يسميها أهل العلم أفعال الربوبية.

    ولهذا نجد أن النصوص القرآنية تطلب من العبد الإيمان بأن الله خالق ورازق ومحيي ومميت وأنه بيده مقاليد كل شيء، وأنه هو المدبر وأنه يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون:88] سبحانه وتعالى، وهناك نصوص تطالب العبد بأن يكون خوفه من الله، وأن يكون رجاؤه لله، وتوكله على الله ونحو ذلك.

    فالنوع الأول هو توحيد الربوبية، والنوع الثاني هو توحيد الألوهية، فالفرق بين توحيد الربوبية والألوهية ظاهر في النصوص الشرعية ولا إشكال فيه.

    وتوحيد الربوبية لا يكون كافياً في الإيمان، فمن آمن بتوحيد الربوبية إيماناً تاماً، ولم يؤمن بتوحيد الألوهية بأن جعل شريكاً مع الله في عبادته، فإنه في هذه الحالة يكون مشركاً غير موحد حتى يؤمن بتوحيد الألوهية.

    ولهذا فإن شرك المشركين في توحيد الألوهية، بل شرك عامة مشركي الأمم الذين بعث إليهم الأنبياء، فكل نبي يقول: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32]، ومعنى: (اعبدوا الله): أفردوا الله عز وجل بالعبادة.

    فضائل توحيد الألوهية

    ننتقل إلى مسألة أخرى وهي: فضائل توحيد الألوهية.

    أولاً: توحيد الألوهية: هو الحكمة من خلق الجن والإنس، يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ففي هذه الآية بيان أن الله عز وجل خلق الإنس والجن لتحقيق غاية معينة وهي العبادة، ولهذا قال ابن عباس في معنى قوله: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]: إلا ليوحدون، يعني: إلا ليفردوا الله عز وجل بتوحيد العبادة.

    ثانياً: توحيد الألوهية هو أساس دعوة الرسل جميعاً: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

    ثالثاً: أن توحيد الألوهية -وهو إفراد الله عز وجل بالتأله والتعبد- هو حق الله عز وجل على الناس، كما ورد في حديث معاذ بن جبل عندما كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال له: (يا معاذ ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً).

    رابعاً: أن من حقق هذا التوحيد وخلصه من شوائب الشرك الأكبر والأصغر وخلصه من البدع والمعاصي، فإنه سيكون من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما ورد في حديث ابن عباس الطويل في السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

    خامساً: أن من جاء بهذا التوحيد تاماً فإن له الأمن والاهتداء بحسب توحيده، ومن جاء بالتوحيد ناقصاً فإن له الأمن والاهتداء ناقصاً.

    يقول الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، ومعنى (الذين آمنوا ولم يلبسوا) يعني: لم يخلطوا، (إيمانهم بظلم) يعني: بشرك، (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فالأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة.

    وقد فسرت الآية الأخرى في سورة لقمان أن المقصود بالظلم هو الشرك، قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] كما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عندما جاء الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ -لأنهم فهموا من الآية ظلم العبد لنفسه، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بالظلم هو الظلم الأكبر الذي هو الشرك، واستدل بآية لقمان السابقة- فقال: ألم تسمعوا قول العبد الصالح: .. إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]).

    سادساً: هو أن من كان معه أصل توحيد الألوهية فإنه لابد أن يدخل الجنة حتى لو كان معه بعض الذنوب والمعاصي والآثام ودخل النار، فإنه يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت : (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وهذا الحديث في الصحيحين.

    فقوله: (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) فيه مجموعة من الشروح لأهل العلم، منها: سيدخل الجنة على أي عمل كان، فإذا كان فاسقاً وعنده ذنوب ومعاصي فإنه سيدخل الجنة حتى لو دخل النار زمناً وطهر فإن عاقبته إلى الجنة، وهذا يدل على فضل هذا التوحيد، وأن عاقبته هي الخير للإنسان.

    سابعاً: أن من جاء بالتوحيد فإن الله يغفر به جميع الذنوب، ولهذا جاء في الحديث القدسي أنه قال: (ولو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة)، وأهم شيء هو أن يكون الإنسان موحداً وألا يكون عنده شيء من الشرك.

    ولهذا فإن فضائل توحيد الألوهية كثيرة لا تكاد تعد ولا تحصى، بل إن ابن القيم رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين) قال: إن القرآن كله راجع إلى هذا النوع من التوحيد، فهو إما آيات صريحة في توحيد الله عز وجل فهو راجع إلى التوحيد صراحة، وإما آيات في الأحكام وهي من لوازم التوحيد؛ فإن توحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة ومن العبادات هذه الأحكام، أو قصص وأخبار، فهي قصص لأهل التوحيد مع أهل الشرك وكيف كانت عاقبة الموحدين المشركين، أو أنها في ذكر صفات الله عز وجل وهذه راجعة أيضاً للتوحيد، فكل القرآن يرجع إلى التوحيد.

    ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، وكانت (آية الكرسي) أعظم آية في القرآن؛ لأنها تشتمل على توحيد الألوهية، فهو أول الأمر وآخره، وهو الذي تحقن به الدماء، فإن من لم يوحد ربه بهذا النوع من التوحيد فإن دمه حلال، ولا يكون حراماً إلا إذا وجدت عهود أو عقود بحسبها، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام)، ومعنى (عصمة الدم) أي: عدم جواز القتل لمن كان دمه معصوماً لذاته، والأصل في الكافر الذمي أن دمه ليس معصوماً وإنما صار معصوماً بسبب عقد الذمة، وكذلك المستأمن والرسول الذي يأتي من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين فلا يجوز قتله ولو كان بين المسلمين والكفار حرب، وهذا من أخلاقيات المسلمين في الحروب: أن الرسل والمعاهدين لا يقتلون، وأن أهل الإسلام لا يخونون ذممهم، بل هم من أكثر الناس عدلاً وأرحم الخلق بالخلق كما هو معلوم.

    فتوحيد الألوهية هو كل شيء بل هو حقيقة الإسلام، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، ومعنى الاستسلام: الخضوع لله سبحانه وتعالى.

    وتوحيد الألوهية له تسمية أخرى ذكرها بعض العلماء وهي: توحيد العبادة، وتوحيد العبادة هو نفسه توحيد الألوهية، وسموه توحيد العبادة؛ لأن العبد يوحد الله عز وجل في عبادته، وسموه توحيد الألوهية؛ لأن العبد يوحد الله عز وجل في إلهية الرب سبحانه وتعالى.

    فالتوحيد له جانبان: جانب يتعلق بالعبد، وجانب يتعلق بالله عز وجل، فمن العبد: العبادة، والله عز وجل هو الكامل المستحق للعبادة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: إن استحقاق الله سبحانه وتعالى للعبادة لسببين:

    السبب الأول: لكمال ذاته وصفاته، فهو الكامل في علمه، وقدرته، وإرادته، وفي كل أمر من الأمور، ولهذا يقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] و(الحسنى) على وزن (فُعلى) وهي: التي بلغت غاية الحسن والجمال والكمال.

    السبب الثاني: كمال إنعامه وتفضله على خلقه.

    معنى توحيد العبادة

    توحيد العبادة وتوحيد الألوهية بمعنى واحد، واشتقاق توحيد الألوهية مأخوذ من الإله، والإله هو المعبود، والتأله معناه التعبد، ولهذا يقولون: فلان يتأله لله عز وجل بمعنى يتعبد، والعبادة التي هي مدلول الألوهية معناها: الخضوع والذل، وفي لغة العرب يقولون: طريق معبد، يعني: ذللته الأقدام بكثرة السير عليه، وسمي العبد عبداً؛ لأنه لا يملك نفسه بل هو مسلم أمره لسيده؛ ولهذا يباع ويشترى.

    وتوحيد العبادة معناه: أن يحقق الإنسان لله عز وجل كمال الذل والخضوع مع كمال المحبة.

    هنالك أنواع من الشرك تتعلق ببعض إرادات الإنسان، ونجد أن جزءاً من إرادات الإنسان طبيعية فكيف نميز بين الأعمال الطبيعية في إرادة الإنسان وبين الأعمال التي تعتبر من العبادة؟ فمثلاً: الحب، والكره، والخوف، والاعتماد والتوكل، فإن منها جزءاً طبيعياً مثل: محبة الإنسان لطفله، ومحبة الإنسان لزوجته، ومحبة الإنسان لأمه وأبيه، ومحبة الإنسان لبلده، والمحبة الطبيعية التي يعيش بها الإنسان في المجتمع.

    هناك نوع من المحبة عبادة: فلو أن شخصاً -مثلاً- قال لشخص: إذا أحببت ابنك فأنت مشرك؛ لأنك جعلت مع الله شريكاً وهو ابنك هذا! فيكون فهمه باطلاً، ولهذا لابد أن نميز بين المحبة الطبيعية والخوف الطبيعي والإرادة الطبيعية والتوكل أو الاعتماد الطبيعي، والمحبة والخوف والاعتماد التعبدي، والفارق بينهما: أن النوع الذي هو عبادة يكون فيه ذل للمحبوب وخضوع له مع محبة.

    فمحبة المسلم لأحد الصالحين، فينشرح صدره له؛ لأنه يراه يتعبد لله عز وجل، فهذه محبة طبيعية وله أجر عليها، ويكون هذا النوع من التعبد لله عز وجل.

    ومحبة الصوفية لأوليائهم، ويعظمونهم إلى درجة أن أحدهم يتخيل أن الولي معه في بيته وفي كل مكان، ولا يمكن أن يخفى عن الولي شيء، ويسجد له ويخضع له ويخاف منه، ويخاف على أولاده من الولي، ويخاف على حياته، ويشعر أن حياته بيد هذا الولي، ويخاف على ماله ورزقه، ويخاف على صحته؛ فهذه المحبة محبة عبادة لغير الله، وهذا هو التأله والتعبد لغير الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: التعبد أو العبادة معناهما: كمال الذل وكمال الخضوع مع كمال المحبة؛ لأن الذل والخضوع قد يكونان لمن يكرهه، كذل وخضوع الناس لطاغوت من الطواغيت، وهذا الذل والخضوع واقعان مع كره في القلب، فلا يعتبر ذلك عبادة، فالمحبة بدون ذل وخضوع لا تعتبر عبادة مثل محبة الإنسان لأولاده، والمحبة العادية تكون عبادة إذا كان فيها ذل وخضوع وتعلق بغير الله سبحانه وتعالى، فهذا هو حقيقة توحيد العبادة الذي سبق أن أشرنا إليه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الطعن في العلماء وتضليلهم

    السؤال: ما رأيكم في الذين يضللون العلماء؟ وهل خرجوا عن الملة؟

    الجواب: لا شك أن أهل العلم لهم مكانة عظيمة في الإسلام، لما يحملونه من العلم الذي أعطاهم الله عز وجل إياه، ولأنهم هم الهداة، وهم مثل النجوم في السماء يهتدي بها الناس، ولهذا رفعهم الله عز وجل عنده درجات، فقال الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، فالكلام في أهل العلم وفي الناس عموماً مذموم، فعندما يغتاب المسلم الناس ويذمهم ويحتقرهم ويتهجمهم فهذا ليس من أخلاق النبوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن طعاناً ولا لعاناً ولا فاحشاً ولا بذيئاً.

    ومن محاسن الأخلاق التي لها مكانة عظيمة عند الله عز وجل: أن يكون المسلم عفيف اللسان، فإن حسن الخلق من أعظم العبادات عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا وصف الله عز وجل به خير الأنبياء وهو محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضل الخلق: (إن أحدكم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، فالمسلم بحسن خلقه يبلغ مثل عمل المسلم الذي يصوم النهار، ويقوم الليل بشكل مستمر، ومن أبرز الأمور التي تدل على حسن الخلق أن يكون المسلم عفيف اللسان وأن يكون بعيداً عن التهجم على الناس عموماً، فكيف بأهل العلم الذين هم خلاصة الناس وصفوتهم وأحسنهم وأفضلهم وأطيبهم.

    والمسلم يخاف من الله عز وجل عندما يكون خصيمه رجلاً من المؤمنين، فكيف إذا كان عالماً من العلماء أو فاضلاً من الفضلاء؟

    وقد تكلم بعض العلماء عن أقوام كانوا يطعنون في العلماء فقال: أنتم اليوم تتكلمون في أشخاص قد وضعوا رحالهم في الجنة، فكثير من الناس يغتابون أشخاصاً لهم من المنزلة والمكانة وعلو القدر الشيء الكثير، فيجب على المسلم أن يكون عفيف اللسان، طيب المنطق، بعيداً عن التهجم على الناس عموماً وخصوصاً أهل العلم.

    وظهر في شباب الدعوة إلى الله عز وجل طائفتين، كل طائفة اشتطت عكس الأخرى، وكل طائفة تتكلم على أهل العلم، وتذم أهل العلم، وقد يصل في بعض الأحيان -والعياذ بالله- إلى التكفير والتبديع والكلام الذي لا يليق أبداً.

    وطائفة اتهموا أهل العلم بالابتداع؛ لأنهم لم يتفقوا معهم حول بعض الآراء الفقهية، التي تعتبر من جملة الاجتهادات وليست من قضايا العقيدة، إلا بعض أولئك الذين يربطون الآراء بالعقائد بدون وجه حق في الربط.

    وبعض الناس يتكلم على العلماء ويتهمهم بأنهم من الخوارج، أو من علماء السلاطين -والعياذ بالله- ونحو ذلك من الكلام الذي لا داعي له ولا مبرر له.

    والعالم قد يقع في الخطأ، ولا يجوز للمسلم أن يتبع العالم إذا وقع في خطأ؛ لأن الواجب علينا اتباع الكتاب والسنة وليس اتباع الأشخاص، وإذا خالف العالم النص الصريح الواضح من القرآن والسنة فلا نتبعه، بل نتبع النص الصريح من القرآن والسنة، دون التهجم عليه، بل ينبغي أن يلتمس له العذر.

    ولهذا ألف ابن تيمية رحمه الله كتاباً عظيماً وهو: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) فينبغي للمسلم أن يكون عفيف اللسان عن أهل العلم، وأن يكون بعيداً من الكلام عليهم، وإن أخطأ العالم أو عصى الله عز وجل في أمر من الأمور فإن له من الفضائل والحسنات ما يكون ماحياً لمثل هذا الخطأ، فينبغي أن يحرص المسلم على هذا الأدب وهذا الأمر.

    نصيحة لمن ينام عن الصلاة

    السؤال: أنام أغلب الأحيان عن العصر والفجر، وعندما أستيقظ مباشرة أصلي وأخشى على نفسي النفاق، فماذا أفعل لأستيقظ؟

    الجواب: يحاول الإنسان أن يتخذ بعض الوسائل للاستيقاظ مبكراً مثل النوم مبكراً، أو تكون عنده آلة توقظه، أو يتفق مع أشخاص لإيقاظه، وأن يجتهد في إصلاح مثل هذا الخطأ؛ ولعل الله عز وجل أن يبارك لهذا الشخص الذي يبدو أن الإيمان إن شاء الله موجود فيه، لأنه يخشى النفاق على نفسه.

    واجب المسلمين تجاه الدول الإسلامية المحتلة

    السؤال: ما واجب المسلمين تجاه إخوانهم المحتلين من قبل الكفار؟

    الجواب: المشكلات والحروب الطاحنة التي تدور في بلاد الإسلام فيها عبر كثيرة ينبغي على الإنسان أن يتسع أفقه حتى يتفهم مثل هذه العبر، فمن ضمنها: قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما وقع في الأمة بلاء إلا بسبب ذنب، ولا رفع إلا بتوبة صادقة، فمثل هذه الابتلاءات والحروب الطاحنة والقتل في بلاد المسلمين وتدمير ممتلكاتهم وإزهاق أرواحهم وجعل بلادهم ضائعة كأفغانستان والعراق؛ علينا أن ندرك أن هذا بسبب ذنوبنا، فنرجع إلى الله عز وجل، ونعود عودة صادقة إلى الله عز وجل، فالأمة بأكملها تحتاج إلى أمر بمعروف ونهي عن المنكر، وتحتاج إلى وعظ وتذكير ونصح، وتحتاج أن تكون هذه الحروب التي حصلت عبرة لنا لنعيد النظر في تعاملنا مع الله سبحانه وتعالى، وهل نحن ملتزمون بطاعة الله عز وجل بعيدون عن معصية الله عز وجل؟

    إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم مع فضلهم ومكانتهم هزموا يوم أحد بسبب معصية للنبي صلى الله عليه وسلم عندما نزلوا من جبل الرماة، قال الله عز وجل فيهم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152] فكيف إذا كان الأغلب فينا يجتهدون في حطام الدنيا بأي أسلوب من الحلال والحرام؛ ولهذا يجب علينا أن نجتهد في تربية هذه الأمة على مستوى أنفسنا، وتربية أبنائنا وزوجاتنا وأقاربنا، ووعظ الناس في المساجد، ودعوة أكبر قدر من الشباب للتدين والعودة الصادقة إلى الله عز وجل.

    فهذا الأمر ما زلنا مفرطين ومقصرين فيه.

    الأمر الثاني: ينبغي علينا أن نعلم أن هذه الأمة تضرب بخطط أمريكا بالذات، وأن أمريكا ظهرت بوجهها الكالح البغيض الخبيث للناس، وأنه إذا كان الاستعمار القديم يتلون للناس ويظهر لهم أنه يريد مصلحتهم، فإن أمريكا اليوم تظهر للناس بهذا الشعار الكاذب والناس غير مقتنعين، فقد سموا الحرب على العراق (حرب تحرير العراق) وكأن العراق محتل وهم يريدون تحريرها! مع أن كل إنسان يعلم أن هؤلاء جاءوا لاحتلال هذا البلد وقد فعلوا، وخطط أمريكا لا تقف عند الحرب فقط، بل تتجاوز ذلك إلى تحرير المرأة وإفسادها وإخراجها من بيتها حتى تخالط الرجال، وتتجاوز ذلك لتغيير المناهج، فبعد احتلال العراق تسعى أمريكا لتغيير المناهج العراقية، بحجة أن هذه المناهج تمجد صداماً ، فهم يريدون أن يزيلوا طاغوتاً ليأتوا بطاغوت آخر يمجدونه، كالحضارات السامرية والآشورية التي كانت موجودة في العراق، والتي كفرت بالأنبياء والمرسلين، كما يحصل في كثير من بلاد المسلمين أنهم يمجدون الفراعنة أو غيرهم من أصحاب الجاهلية القديمة.

    أيضاً: أمريكا تريد إفساد بلاد المسلمين من الداخل، ومع الأسف لها عملاء في كل مكان، فلها عملاء في العراق عن طريق المعارضة العراقية التي يرتبون لها ويتعاونون معها، وكانوا يدفعون أمريكا لضرب العراق قبل أن تبدأ الحرب، وهؤلاء العملاء هم الذين يتحدث عنهم أهل العلم باسم المنافقين أي: (الطابور الخامس)، وهم أيضاً العلمانيون الذين يريدون تغيير هوية الأمة وعقيدتها ويريدون مسخ الأمة، وجعلها تابعة لعدوها، ولهذا يجب علينا أن نقف في وجه هؤلاء، وأن نرفض كل ما يريدونه وكل ما يخططون له، وهذا يتطلب منا نحن الدعاة إلى الله والمصلحين أن نكون إيجابيين، فإذا رأينا منكراً من المنكرات لا نسكت، وما تنتشر المنكرات إلا بسبب سكوتنا، فلو رأينا منكراً في صحيفة اتصلنا على الصحيفة وتكلمنا معهم بكلام مهذب ومؤدب وحسن فإننا سنؤثر بإذن الله، وإذا رأينا منكراً عاماً نكتب لولي الأمر أو لولي العهد أو لوزير الداخلية، أو لأي جهة من الجهات، بأسلوب مهذب مؤدب ونستدل بالقرآن والسنة فإن الكلام حينئذٍ سيكون له وقع بإذن الله.

    فلا تظن أنك إنسان لا قيمة لك، فأنت لك كيان، وأنت جزء ممن سيقع عليه أي قرار يتخذ في أي بلد من البلاد الإسلامية ومنها بلادنا.

    فالهجمة الأمريكية عامة على كل البلاد الإسلامية فليست خاصة بالعراق وأفغانستان، نعم هي في العراق وأفغانستان على شكل حرب مسلحة فقد دمروا هذه البلاد واستحلوها، وهذه الصورة من صور الحملة.

    وهناك حملة من نوع آخر، وهي تغيير هوية الأمة ومحاولة تغيير عقائد المسلمين وإضلالهم، ولهذا تحدث أهل العلم عن كيفية مواجهة مثل هذه المشكلة وكان لهم كلام واضح وبين في هذه القضية، ومنه إنكار هذا العدوان الظالم والذي لا يشك مسلم في كونه ظالماً.

    والأمر الآخر: أنهم ينبهون الشباب أن يكون لهم دور في إصلاح أمتهم، قبل أن تحصدهم طائرات وصواريخ العدو، فلكل شاب في بلاد المسلمين دور إصلاحي وأثر في بلاد المسلمين، وهذا الدور الإصلاحي وهذا الأثر يجعلان له موقعاً من التأثير، وليس من المعقول ولا من المطلوب لا شرعاً ولا عقلاً أن يترك الدعاة مواقعهم في الأمة ليذهبوا ليقاتلوا هنا أو هناك وتترك الأمة ضائعة مثل الشياة في الليلة المطيرة.

    فالدعاة إلى الله المصلحون هم صمام الأمان بالنسبة للأمة، وهم الذين يرشدونها ويعلمونها ويعظونها ويصلحونها.

    وإذا فهمنا أن الحرب شاملة، وأنه يجب على كل داعية أن يكون له دور، وأن العدو شرس، وأنه يجب علينا أن نتعامل مع الموضوع بشورى فيما بين المسلمين وخصوصاً الدعاة إلى الله عز وجل؛ حينئذٍ ندرك كيف يمكن أن نتعامل مع مثل هذه الأحداث.

    والحقيقة أن بعض الشباب يتعامل مع الموضوع بشكل سطحي، وهذا خطأ، فعندما يأتي شاب ويقول: أنا أريد أن أذهب إلى الجهاد في العراق؟ فليست هناك راية واضحة للجهاد في العراق، ثم إن بعض الناس قد يذهب ويقع في يد من لا يخاف الله عز وجل فيؤذيه وقد يقتله، وقد يقتل الإنسان في مكان وهو لم يبلغ أصلاً المكان الذي يريد أن يذهب إليه، فلا يصح للإنسان أن يتخذ قراراً من نفسه، بل يرجع إلى أهل العلم، والله عز وجل يقول: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38] فينبغي للإنسان أن يشاور أهل العلم، وأن يكون قريباً من أهل العلم؛ وإذا كنا لا نتشاور، وكل واحد يجتهد من عنده، أو يقرأ كلاماً عاماً لبعض العلماء -مثلاً- في أن الجهاد ضرورة وواجب، وقد يكون هدف هذا العالم الذي تكلم هو تحريك الأمة، ليس هدفه أن الناس كلهم يجاهدون، وفي يوم من الأيام كنت أتكلم عن أحداث المسلمين الآن، فجاءني شخص وقال: لماذا لا تنادي المسلمين في المسجد بالجهاد، قلت له: ننادي في الجهاد إلى أين؟ ونحتاج إلى أسلحة وإلى تدريب وإلى إذن، وإلى خروج إلى البلاد، والبلاد الإسلامية محكومة ولها ضوابط، ولا نتصور أن الجهاد بهذه الطريقة وبهذا التسطيح، وينبغي أن يكون لدينا عمق، وينبغي ألا يكون الإنسان فارغاً ليس لديه دعوة وليس لديه إصلاح في الأمة، فإذا سمع عن منطقة من المناطق تحتاج إلى الجهاد في سبيل الله خرج، وكأن الجهاد هو الدين كله، فالجهاد جزء من الدين، والجهاد درجات وله ضوابط.

    وفي بعض الأحيان فإن خروج الإنسان من بلاد المسلمين إلى مكان آخر لا يدري ما حقيقته، وتركه في المكان الذي هو فيه الدعوة والإصلاح يكون غير صحيح.

    ولهذا فإننا نجزم أنه لا يمكن أن تحل مشاكل المسلمين إلا بالجهاد في سبيل الله، وبالعودة الصادقة إلى الله، لكن هذا الكلام كلام عام، وهناك ترتيب لابد من حصوله حتى نصل إلى هذه المرحلة، وهذا الترتيب يتجزأ إلى أجزاء فمنها: الدعوة والإصلاح، والشورى مع أهل العلم، وأن يكون الإنسان مستعداً إيمانياً ومستعداً من حيث الجوانب العسكرية لمثل هذا الأمر، وأن يكون مع ولي أمر ظاهر الراية بين الهدف.

    إذاً: هناك عدة قضايا تحتاج قبل أن نصل إلى هذه المرحلة، والجهاد مبدأ لا شك فيه، ولا يجوز لمسلم أن يشك فيه، لكن الكلام هو في كيفية الوصول إليه، وبعض الناس يأخذ الموضوع بسهولة، وأن المسألة سهلة وبسيطة، والحقيقة أن المسألة ليست بهذا المستوى من السهولة، وأنه ينبغي على الدعاة أن يتشاوروا، وأن يكون بينهم رأي واضح في هذا الأمر.

    رد القول بأن توحيد الربوبية أول واجب على المكلف

    السؤال: ما هي علاقة فطرية التوحيد بأول واجب على المكلف؟

    الجواب: سبق أن أشرنا وقلنا: أن معرفة الله عز وجل وإثبات وجود الله عز وجل فطري عند الإنسان، وأن توحيد الربوبية مفطور عليه الإنسان، فترتب على هذا: أن أول واجب على الإنسان هو أن يعبد الله عز وجل؛ لأنه لو كان أول واجب هو الفطرة كان هذا تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل ممتنع كما ذكره أهل العلم.

    الواجب على المسلم تجاه المنكرات

    السؤال: ما حكم من رأى فتنة ولكن لا يستطيع إنكارها ضعفاً منه أو ليس عنده علم؟ وهل يحاسب عليه يوم الحساب ويكون مسئولاً؟

    الجواب: إذا وجدت المنكرات فلابد من إنكارها، والمقصود بالمنكرات الظاهرة الواضحة؛ لأن المسائل الاجتهادية والخلافية ليست من المنكرات، وإن كان إنكار ما خالف الدليل الواضح الصريح واجب أيضاً، ولهذا أنكر بعض الصحابة على بعض في بعض المسائل الاجتهادية.

    والمنكر الواضح الصريح مثل أكل الربا وشرب الخمر والفواحش ونحو السب والشتم وترك الصلاة ونحو ذلك، فهذا كله إنكاره من الأمور الواجبة، ويكون تغييرها حسب استطاعة الإنسان وقدراته وإمكانياته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

    الحكم على الشيعة

    السؤال: هل الشيعة مسلمون أم مشركون؟

    الجواب: الشيعة طوائف متعددة فليست طائفة واحدة، فهناك الباطنية من الشيعة وهم مرتدون بإجماع العلماء، وهؤلاء الباطنية أمثال البهرة الأخانية والإسماعيلية، وتفصيل عقائدهم يمكن مراجعتها في مضانها، وقد كفرهم أهل العلم وقال عنهم العلماء: إنهم أكفر من اليهود والنصارى.

    والنوع الثاني من الشيعة هم الروافض أي: الإثنا عشرية، وهم الذين يطلق عليهم الشيعة، وهم الذين يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يعظمون أئمتهم إلى درجة أنهم يجعلون للإمام دوراً في التشريع، وهم الذين يتعبدون عند قبور أئمتهم، فدين الشيعة الرافضة الإثني عشرية كفر، مخرج عن الإسلام، لكن الذي يكفر على التعيين هم أهل العلم فيهم، يعني: علماؤهم الذين يعرفون هذه العقائد الموجودة في الكتب هم الذين يكفرون؛ لأنهم يعرفون هذه العقائد، وكذلك من كان باحثاً منهم ويعرف العقائد ويقرها فهو بلا شك كافر، أما عوامهم فهم بحسب أحوالهم، فإن كانوا يعرفون هذه العقائد الكفرية ويقرونها ويعترفون بها، فإنهم كفار والعياذ بالله، أما إذا كانوا غير ذلك فلا يكفرون؛ ولا يصح للإنسان أن يكفر طائفة كاملة قد يوجد فيها أشخاص لا يعتقدون هذه العقائد، فينبغي إدراك هذه المسألة، فعوام الشيعة ليسوا كلهم كفاراً، فبعضهم قد لا يكون لديه هذه العقائد، وقد يكون عنده بدع، وقد يكون عنده بعض الكفريات، لكن لجهله أو لما عنده من التأويل لا يكفر؛ ولهذا يحتاج الأمر إلى تفصيل، فهو بحسب عقيدة هذا الشخص.

    ثبوت أقسام التوحيد والرد على مدعي ابتداعها

    السؤال: ما الرد على من يقول: إن أقسام التوحيد لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتهمنا بأننا ابتدعنا في الدين؟

    الجواب: أقسام التوحيد من حيث معناها ومن حيث مضمونها هي أقسام واردة في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة، أما من حيث الترتيب العلمي فهي أقسام ثلاثة أو قسمين، وصحيح أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا باب واسع عند العلماء ويسمى باب الاصطلاح، والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، فإذا كان معنى الاصطلاح صحيحاً فإن الاصطلاح يكون صحيحاً، وإذا كان الاصطلاح معناه فاسد، فإن الاصطلاح فاسد، ولهذا أنكر العلماء على اصطلاحات الصوفية مثل: الفناء والسكر والشطح وغيرها؛ لأنها تتضمن معاني فاسدة وباطلة.

    وأيضاً أنكر العلماء على مصطلحات أهل الكلام مثل الجسم والعرض والحيز والجهة ونحو ذلك؛ لأنها تتضمن مصطلحات باطلة، بينما لم ينكر أهل العلم على مصطلحات النحاة، ولا على مصطلحات الأصوليين، ولا على مصطلحات الفقهاء، ولا على مصطلحات الحديث: حديث صحيح، وحديث ضعيف، وحديث شاذ، وحديث منكر، هذه كلها لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ومع هذا أصبحت جزءاً من العلوم المعيارية الأساسية.

    فهذه المصطلحات صحيحة؛ لأن معانيها صحيحة، فإنه لا إنكار فيها، لكن الإنكار على المصطلحات التي تكون معانيها غير صحيحة، والعجيب! أنني رأيت كتاباً اسمه (التنديد بمن قسم التوحيد) وألفه أحد الضالين واسمه: حسن السقاف ، وتكلم فيه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال: إن هؤلاء ضالون؛ لأنهم ابتدعوا فقسموا التوحيد بهذه الطريقة، وهذا ابتداع! وعرف التوحيد بأنه توحيد الله عز وجل في ذاته وأسمائه وأفعاله، وهذا تعريف المتكلمين: أن يكون الله واحداً في ذاته لا قسيم له، وفي أسمائه وصفاته لا شبيه له، وفي أفعاله لا شريك له، وهل التقسيم لأهل الكلام حلال، وعند أهل السنة حرام؟ وكل أصحاب المناهج وأصحاب الكتب يقسمون، لكن أهم شيء هو: هل هذا التقسيم صحيح أو تقسيم فاسد؟ والاستدلال لا يكون بذات التقسيم ولا نقسم أبداً، ولا أحد يقول بهذا القول أبداً، فالذين قالوا: بأن أهل السنة مبتدعون لأنهم قسموا هذه الأقسام الثلاثة، فهم يقسمون أيضاً، وتقسيمهم هذا تقسيم غير شرعي، وهو تقسيم فيه خلل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794897