قد عرف أهل العلم العبادة بتعريفات متعددة، منهم من عرف العبادة في ذاتها، ومنهم من عرف العبادة التي هي فعل العبد بعد أن يفعلها، فقد عرفت بأنها اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، هذا التعريف هو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أول كتاب (العبودية) وهو تعريف لفعل العبد، وهو تعريف لحقيقة العبادة في نفسها، والعبادات في ذاتها تشمل الدين كله، فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولهذا بين حقيقة العبادة نفسها وبين فعل العبد اتصال وثيق لا يمكن الفصل بينهما إلا نظرياً، يعني: يمكن نتخيل في الجانب النظري أن هناك عبادة بدون فعل، فنسمي هذه العبادة بدون فعل: أنها كمال الذل مع كمال المحبة، ويمكن أن نتخيل أن هناك فعلاً ونسميه حينئذ: الاسم الجامع لكل ما يحب الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وإلا فالحقيقة فعل العبادة مع تلبس العبد بها مركبان بعضهما من بعض، لا يفصلان في الواقع، وإنما يتخيل الإنسان هذا الفصل فعرف العبادة في نفسها بتعريف، وعرف فعل العبد لها بتعريف آخر، وهما يصبان في إناء واحد وفي مكان واحد، ونلاحظ من خلال تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله للعبادة أن العبادة شاملة للدين كله، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، والعبادة لا يجوز أن تكون إلا لله سبحانه وتعالى، فمن عبد غير الله عز وجل فقد وقع في الشرك ونقض التوحيد.
الركن الأول: عبادة الله.
الركن الثاني: الكفر بالطاغوت.
ويقول الله عز وجل: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا [البقرة:256].
قال العلماء: إن العروة الوثقى: هي لا إله إلا الله، وسبق أن أشرنا في القاعدة الأولى أن لا إله إلا الله هو توحيد الألوهية، ونحن إذا جئنا إلى هذين الركنين في توحيد الألوهية: عبادة الله، والكفر بالطاغوت نجد أن معناهما هو نفس معنى لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله كلمة مركبة من نفي وإثبات، والنفي مأخوذ من قوله: (لا إله)، والإثبات مأخوذ من قوله: (إلا الله)، فالإثبات هو معنى عبادة الله، والنفي هو الكفر بالطاغوت، والطاغوت: هو اسم عام لكل معبود أو متبوع أو مطاع من دون الله سبحانه وتعالى وهو راض، فكل معبود أو متبوع أو مطاع من دون الله عز وجل وهو راض فهو طاغوت، فالأصنام طاغوت، والأوثان طاغوت، والقبور التي تعبد من دون الله طواغيت، والحكام الذين يحكمون بغير شريعة الله عز وجل ويبدلون شريعة الله تعالى طواغيت، والكهان الذين يدعون علم الغيب، وينسبون أنفسهم للحديث عن المغيبات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل طواغيت، ولهذا عند الكلام حول الآية السابقة وهي قوله: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، تعددت تفسيرات أهل العلم في معنى الطاغوت، فقال بعضهم: الطاغوت هو الشيطان، وقال بعضهم: الطواغيت هم كهان كانوا في أحياء العرب يدعون أن الجن تنزل عليهم، ويتكلمون في المغيبات، وقال بعضهم: الطاغوت هو الحاكم بغير ما أنزل الله.
يقول الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
فقوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي [الأنعام:153]، قال بعضهم: اتباع الرسول، وقال بعضهم: القرآن، وقال بعضهم: الإسلام، وقال بعضهم: الإيمان، وكل هذه المعاني هي من الصراط المستقيم، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمته النفيسة لأصول التفسير أنهم قد يذكرون في تفسيرهم أحياناً مثالاً واحداً، ولا يعني ذكرهم لهذا المثال أنهم ينفون ما عداه، فالذين قالوا عن الطاغوت بأنه الشيطان، لا يعني هذا أنهم يرون أن الأصنام ليست طواغيت، أبداً، وإنما هم ذكروا مثالاً على الطاغوت؛ لأن الشيطان يأمر الناس بالشرك، والشرك هو حقيقة الطاغوت، ولهذا كل من عبد غير الله عز وجل فقد حصل منه الكفر والعياذ بالله، وأصبح من الطواغيت.
وعلى كل حال سواء كان هذا التقسيم دقيقاً أو ليس بدقيق، فإن الحكم والتشريع والطاعة المطلقة هي من جنس العبادة، ولا يجوز للإنسان أن يحكم بغير ما أنزل الله، ولا أن يشرع بغير ما أنزل الله، ولا أن يتبع اتباعاً مطلقاً غير ما أمر الله سبحانه وتعالى به، ولهذا تأملوا قول الله عز وجل: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:40].
فقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ هذا يدل على أن الحكم من العبادة، ولهذا جعل من أطاع واتبع من شرع بغير ما أنزل الله، وجعل للناس شريعة غير شريعة الله عز وجل، جعله ممن اتخذ هؤلاء أرباباً، فقال الله عز وجل عن اليهود والنصارى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31].
واتخاذهم للأحبار والرهبان أرباباً لا يعني أنهم كانوا يصلون لهم، ويقدمون لهم أنواع العبادات، وإنما كانوا يشرعون لهم فيتبعونهم في هذا التشريع، ولهذا جاء في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم في آية سورة التوبة: (نحن لا نعبدهم -وقد كان
إذاً: تغيير شريعة الله عز وجل كفر مخرج عن الملة، واتباع من شرع بغير ما أنزل الله عن رضا ومعرفة وعلم فهذا أيضاً كفر كامل، يعني: المشرع الذي بدل الشريعة كافر خارج عن الإسلام، وكذلك الذي أطاعه عن علم ومعرفة وقناعة، فهذا أيضاً كافر خارج عن الإسلام.
ولهذا قال العلماء: إن الديمقراطية كفر، بعض الناس ينظر إلى آليات في الديمقراطية مثل: الانتخابات وحق الانتخاب، وحق الاجتماع، وحق الاختيار، ونحو ذلك من الحقوق العادية التي حصلت من جراء الديمقراطية، أما الديمقراطية كمنهج فهي حكم الشعب للشعب، يعني: أن يحكم الشعب نفسه، والحكم عندهم كلمة عامة تشمل أن يشرع الناس لأنفسهم بعقولهم ما يظنون أنه يهديهم إلى أحسن السبل وأفضل الطرق، فهم يقومون بتوزيع أي شعب من الشعوب إلى دوائر، وكل دائرة ترشح نائباً عنها، فيجتمع هؤلاء النواب، ثم بعد ذلك يبدءون في التشريع، ويحق لهؤلاء النواب، أو من يوكله النواب مثل: لجنة التشريعات أن تشرع للناس في كل باب من الأبواب ما يحلو لها، ولا يصح لأحد أن يعترض على هؤلاء النواب بأن عملهم هذا مخالف لشريعة الله، فمثلاً: قد يرون أن من المصلحة فتح باب الدعارة والزنا في البلاد، وأن تكون مقننة، وأن تكون تابعة لوزارة الصحة حتى لا يحصل انتشار (للإيدز)، وحتى لا تحصل بعض الأمراض الخطيرة، وهكذا الأمر في الخمر والربا وأي باب من الأبواب المحرمة، فإذا قيل لهم: إن هذا أمر حرمه الله، قالوا: نحن الآن في عملية ديمقراطية، والدين والقضايا الدينية مكانها المسجد، أما مجال الحكم ومجال التشريع فإنه لا مجال للدين فيه! ولهذا كانت الديمقراطية صورة من صور العلمانية، ولهذا يا إخواني! الديمقراطية كفر مخرج عن الإسلام، هذا في جانبها التشريعي، أما في جانب الآلة، يعني: كيف تتم عملية الشورى، وهي عملية انتخابات، فلو قالوا: نريد أن نوزع البلد إلى دوائر ثم تحصل انتخابات، ويقوم مجلس بوضع قوانين إدارية، مثل: قوانين المرور، وقوانين الإجراءات الإدارية المعتادة، وأما مسائل الحلال والحرام فإنها أمر مقطوع بها، وأنها في دين الله عز وجل واضحة وبينة ولا مجال للكلام فيها، إذا كان بهذا الأسلوب فإنه لا يكون كفراً، لكنه يكون مخالفاً للأسلوب والمنهج النبوي في الشورى، فإن المنهج النبوي في الشورى أن الناس لا يتساوون، بينما في الديمقراطية الناس يتساوون، عندهم صوت العجوز التي في بيتها لا تفقه شيئاً مثل صوت العالم الذي عرف شريعة الله عز وجل ودرسها دراسة دقيقة، وعندهم صوت الشاب المراهق الذي لم يعرف الحياة بعد، مثل صوت صاحب الخبرة ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه تسوية فيما فرق الله عز وجل فيه، ولهذا كانت طريقة المسلمين وطريقة أهل الإسلام في تقديم الشورى هي أفضل الطرق؛ لأن تقديم الشورى يتم عن طريق أهل الحل والعقد، وأهل الحل والعقد في الأمة هم الأشخاص الأمناء الأتقياء الثقات، الذين يحسنون التدبير ولهم تأثير في الأمة، ويدخل في هذا العلماء، ويدخل في هذا كبار العسكريين، ويدخل في هذا كبار الخبراء من أصحاب الخبرات في مجال الاقتصاد والسياسة، وإدارة الناس، ونحو ذلك، والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعاً صحة الديانة والأمانة في تقديم النصيحة، وألا يكونوا مثلاً يتبنون مناهج كفرية مخالفة لأصول الدين، لكن كلهم من المسلمين، وكلهم يريد النصر والخير، فهؤلاء هم أهل الحل والعقد، ولهذا تلاحظون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اغتاله المجوسي الخبيث أبو لؤلؤة جمع بقية الصحابة العشرة المبشرين بالجنة وأمرهم أن ينتخبوا خليفة، فالانتخاب لا يكون للناس جميعاً؛ لأن الناس ليسوا جميعاً أصحاب فكر جيد، وليسوا جميعاً أصحاب إمكانية في الشورى، وإنما تكون الشورى لزبدة الناس وخير الناس وأفضل الناس، فهؤلاء الذين يقدمون هذه الشورى، وهذه تحصل عندما تكون الحكومة إسلامية راشدة صالحة تريد نفع المسلمين، أما عندما تبنى الدولة على مناهج الديمقراطية أو غيرها، فإنهم يسوون بين الجيد والرديء، ويسوون بين العالم والجاهل، ويسوون بين صاحب الخبرة وبين المراهق الذي لا خبرة له ولا معرفة له.
هذا فيما يتعلق بالركن الأول من أركان توحيد الألوهية.
الأمر الأول: اجتناب هذا الطاغوت وتركه، بمعنى ألا يكون الإنسان ممن يعبد غير الله عز وجل فيعبد هذا الطاغوت.
الأمر الثاني: البراءة والبغض للطواغيت والشرك.
الأمر الثالث: البراءة والبغض لأصحاب الطاغوت وأتباع الطاغوت، فمن لم يكفر الطاغوت فهو كافر، يعني: لو أن إنساناً اعتقد أن الطاغوت غير كافر، فهذا لا شك أنه وقع في مكفر، لكن الكفار نوعان: كفار يعلم كفرهم من الدين بالضرورة، مثل: اليهود والنصارى والمشركين، وكفار هم من المنتسبين إلى الإسلام ووقعوا في الردة، وقد يخفى حالهم على بعض المسلمين، فمن لم يكفر اليهود والنصارى والوثنيين فإنه قد وقع في الكفر؛ لأنه مكذب لخبر الله عز وجل الذي كفرهم صراحة في القرآن.
وأما من كان ممن ينتسب إلى الإسلام ووقع في مكفر، وارتد عن الدين، والتبس حاله، ثم لم يكفره شخص من الأشخاص، فإنه لا يحكم عليه بالكفر بسبب ذلك؛ لوجود الالتباس، وعدم وضوح حال مثل هذا الإنسان، فينبغي التفريق بين هذين الأمرين.
إذاً: قاعدة: من لم يكفر الكافر فهو كافر، المقصود بها الكافر الأصلي الواضح الكفر، مثل: اليهود والنصارى والوثنيين عموماً بكل أنواعهم، فهؤلاء من لم يكفرهم مع وضوح حالهم، وإخبار الله عز وجل بتكفيرهم فهذا وقع في الكفر، أما المرتد الذي يلتبس حاله على بعض المسلمين فهذا من جنس المنافقين، فإذا وقع منه الكفر، وأقيمت عليه الحجة، ووجدت فيه الشروط، وانتفت عنه الموانع؛ فإنه يكون كافراً، لكن من التبس عليه حال مثل هذا الإنسان فلم يكفره، فإنا لا نقول: إن من لم يكفر الكافر فهو كافر في مثل هذه الحالة، فهذه حالة فيها التباس، ولا يكفر أحد لعدم تكفيره لها، لوجود هذا الالتباس.
وأما من ضعف توحيده وضعفت محبته لربه، وضعف خوفه من الله سبحانه وتعالى، وضعف توكله واعتماده على الله، وضعف إيمانه فإنه يكون حينئذ توحيده ضعيفاً أيضاً.
ولهذا يا إخواني! مع الأسف وقد سبق أن نبهت على هذه المسألة: وهي أن كثيراً من الدارسين لأمور العقيدة تجدهم يركزون على الأركان والشروط، والأنواع، والأدلة، ونحو ذلك، وهذا أمر طيب ومطلوب، وهو سبب في حفظ الدين الصحيح واستمراره إلى قيام الساعة بإذن الله تعالى، وهذه من مميزات وخصائص هذه الأمة، لكن هذا وحده ليس كل العقيدة، بل العقيدة يدخل فيها علو الإيمان، وقوة التوحيد، عن طريق محبة الله، والخوف من الله، والتعلق بالله سبحانه وتعالى، والثقة بنصر الله، انظروا إلى كثير من المسلمين اليوم ونحن جزء منهم، ممن لم يقارف ولله الحمد في الظاهر أعمالاً شركية، مثل: الطواف حول القبور، والذبح لغير الله، ونحو ذلك، لكن مع ذلك تجد محبته لله فيها ضعف، وخوفه من الله فيه ضعف، وتوكله على الله عز وجل فيه ضعف، وثقته بالله فيها ضعف، وتجد كثيراً من الناس عندما يرى تكالب الأعداء، ويرى قوة أهل الباطل يضعف يقينه بالله سبحانه وتعالى، بل بعضهم ربما شعر باليأس، بل ربما زاد بعضهم إلى درجة الشك في نصرة هذا الدين، مع أن من العقائد الأساسية في دين الإسلام تصديق خبر الله عز وجل فيما يتعلق بانتصار هذا الدين، ولهذا لابد من تجديد الثقة وتجديد الإيمان وتجديد العقيدة في نفوسنا، لأننا نجد بعض طلاب العلم قد يحسن تقرير مسائل العقيدة من ناحية التقرير النظري، وتفصيل المسائل، وترتيبها، وذكر القواعد والشروط والموانع والقوادح وما يتعلق بهذه المسائل، إلا أنه من حيث التطبيق العملي لتوحيد الألوهية والإيمان ضعيف، فتجد أنه يمكن أن يعصي الله عز وجل بسهولة، وتجد أن محبته لله عز وجل فيها ضعف، وتجد أن ثقته بالله عز وجل ضعيفة، ولهذا يا إخواني! نحن بحاجة إلى أن نربط كل شئون الحياة بهذه العقيدة، حتى مجال الأخلاق؛ لأن كثيراً من الناس يتصور أن الأخلاق ليست مرتبطة بالعقيدة، ويتصور أن العقيدة هي مسائل نظرية وأبواب معينة محددة موجودة في الكتب فقط، لا، الأخلاق مرتبطة بالعقيدة ارتباطاً وثيقاً، فالثقة بنصر الله والصبر، وما يتعلق بالشجاعة ونحو ذلك كلها مرتبطة بالعقيدة.
نحن بحاجة إلى التفكير دائماً في مسألة أخلاق الأزمات، هذا الموضوع يمكن أن أطرحه عليكم، وأتمنى في اللقاء القادم من كل واحد من الإخوة أن يذكر خلقاً من الأخلاق، أو يذكر مجموعة أخلاق ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في وقت الأزمات؛ لأنه عندما تحصل أزمة من الأزمات، أو مشكلة من المشكلات في بلاد المسلمين، فإن هناك مجموعة من الأخلاق الضرورية والأساسية التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في هذه الأزمات، وهذه الأخلاق وهذه الآداب التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في هذه الأزمات نحن بحاجة إلى أن نكتبها.
أنا أذكر لكم مجموعة مثلاً منها: الصبر، عندما تحصل أزمة، والأزمة طبيعتها فيها شدة وفيها ابتلاء، قد يكون فيها قتل، وقد يكون فيها أذى، ولهذا نحن بحاجة إلى الصبر، والصبر ليس صبراً سلبياً، يعني: أن يتحمل في نفسه فقط، لا، بل الصبر على رفع الأزمة، والصبر على رفع الأزمة يحتاج إلى عمل، ويحتاج من الشخص أن يكون إيجابياً.
من الأخلاق مثلاً في الأزمات: الشجاعة، ألا يكون الإنسان ضعيف القلب، وأنه بمجرد حصول أزمة من الأزمات ينهار مباشرة.
من أخلاق الأزمات: الزهد في الدنيا؛ لأن التعلق بالدنيا هو سبب الانهيار في الأزمات، فمثلاً: عندما يكون كل شيء موجود في حياة الإنسان، وفجأة يفقد هذه الدنيا، فإنه ينهار مباشرة، لكن عندما يكون لديه خلق عظيم وهو الزهد، ويتعامل مع الدنيا على أنها في اليد، ثم بعد ذلك إذا زالت عنه فإنه لا يحزن وإنما يؤمن بقضاء الله وقدره، وهذا يدعونا إلى إشارة أخرى وهي الإيمان بالقضاء والقدر فيما يتعلق بالأزمات.
ومن أخلاق الأزمات: الأمانة، فنحن عندما تحصل أزمة من الأزمات نحتاج إلى وجود أمانة، وينبغي للمسلم أن يحافظ على أمانته، وأن يكون أميناً فيما يتعلق بأمور المسلمين.
أيضاً من أخلاق الأزمات: أن يكون الإنسان إيجابياً فيما يتعلق بمصالح المسلمين، يعني: لا يكون شخصاً لا ينظر إلا إلى نفسه، بعض الناس ينظر إلى نفسه، أنا التقيت بأحد الشباب الأذكياء أصحاب الفطنة، يقول: والله يا أخي! لو صار عندنا هنا مثل ما حصل في العراق، فإني سآخذ أهلي وسأذهب إلى بلد من البلدان ليس فيه مشاكل وأقعد فيه، فقلت له: أتترك المسلمين؟ قال: ماذا أفعل؟ قلت له: هناك أشياء كثيرة أنت ممكن أن تفعلها، منها: أن تجتمع مع المسلمين وتحافظوا على الأمن وعلى مصالح المسلمين، وعلى عورات المسلمين وأموال المسلمين، قال: ممكن أقتل، قلت: وماذا إذا قتلت؟ القتل والموت ليس عيباً في حد ذاته، لكن العيب هو على أي شيء يموت الإنسان؟ كل إنسان سيموت، لكن على أي شيء يموت؟
قد يموت والعياذ بالله على معصية، ونسأل الله عز وجل أن يحسن ختامناً جميعاً، وأن يعيذنا وإياكم من الموت على المعاصي، وقد يموت وهو هارب، وهذا ضعف وهزيمة نفسية، لكن أن يموت وهو يؤدي واجبه الإيماني، وواجبه العقدي بشكل صحيح، فليس في هذا عيب، والإنسان لو تعلق بهذه الدنيا سيموت مهما يكن، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، كل شيء له كتاب حتى على مستوى الأمم.
فلو أنه جهل معناها، وظن أن معناها: لا خالق إلا الله، فإنه يكون قد نقض هذا الشرط، وهذا يدعو إلى الإشارة إلى أمر خطير جداً، وهو أن كثيراً من الدراسات مع الأسف وبعض الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى يقررون للناس في دروسهم ومحاضراتهم ومجالسهم أن لا إله إلا الله معناها: لا خالق إلا الله، فتجد أنه إذا شرح لا إله إلا الله يبدأ ويتكلم عن خلق الكون، وتدبير الكون، وأنه لا مدبر إلا الله، ولا خالق إلا الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يؤدي أي شيء إلا بالله عز وجل، وينسى جانب العبادة، وأن معنى لا إله إلا الله هي مباشرة في توحيد العبادة، وأن المطلوب من العبد هو إفراد الله بالعبادة، فلو أنه علم أن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت، وأنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله، لكنه مع ذلك لم يفرد العبادة لله، وأشرك مع الله فإن ذلك لا ينفعه، بل لابد أن ينضاف إليه اعتقاد وعمل العبادة لله عز وجل دون غيره.
ولهذا كان المشركون يعتقدون أن الله هو الخالق وحده، والرازق والمحيي والمميت، وكانوا يعبدون هذه الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله عز وجل، ويعتقدون أن لها مكانة عند الله، واللات التي كانوا يعبدونها هي باسم رجل كان يلت السويق على صخرة في الطائف ويقدمه للحجاج، وكان رجلاً فاضلاً كريم الخلق، فلما مات عكفوا على قبره، واعتقدوا البركة فيه، واعتقدوا أن هذا رجل له مكانة عند الله، فأصبحوا يتعبدون له، ويتوقعون أنه سيشفع لهم عند الله، وأن الله عز وجل سيقبل هذه الشفاعة، فصارت العبادات لهذا اللات الذي كان يلت السويق وليست لله سبحانه وتعالى.
مع أنهم كانوا يعتقدون أن الخالق هو الله، والرازق هو الله، ويعظمون البيت، ويطوفون به، ويقولون: نحن الحمس، يعني: حماة البيت، وكانوا يحجون ويذهبون إلى منى ومزدلفة، وكانوا يذبحون لله، وينحرون لله عز وجل، ولم ينفعهم ذلك بشيء لما أشركوا غير الله عز وجل.
إذاً: لابد من العلم بلا إله إلا الله، يقول الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].
ثانياً: كثرة الذنوب والمعاصي، فإنها تورث الإنسان الشك في دين الله.
إذاً: ينبغي للإنسان أن يحرص على أمرين:
الأمر الأول: أن يتعلم أسماء الله وصفات الله عز وجل، وعظمة هذا الدين.
الأمر الثاني: أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي، ويقترب من الله عز وجل بالطاعة.
إن السبب الذي جعل بعض شباب المسلمين في بلاد المسلمين في هذه الأيام يعبد الشيطان، كظاهرة عبادة الشيطان التي حصلت في مصر، وأيضاً في لبنان، وفي بعض البلاد، وهذه الظاهرة أصبحت في أكثر البلاد الإسلامية، وإن كان بعضهم يسترها، فأمر غريب أن يعبد ألد أعداء الإنسان، فالسبب الذي جعلهم يصلون إلى هذه المرحلة المخدرات والجنس، حتى إنهم صاروا يبحثون عن الشذوذ مثل: الجنس الجماعي، أو الجنس المثلي، الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، أو الجنس الشاذ الغريب، أو إرادة الاستغراب إلى درجة أنهم من طقوسهم يشربون الدماء، أو يتعاطى الجنس أثناء نزيف الدم منه، أو ممن يفعل به هذه الفاحشة والعياذ بالله.
ولهذا أصبحت لهم طقوس ولهم أشكال معينة، ولهم اهتمامات معينة.
فالسبب الذي جعلهم يعبدون غير الله هو ضعف المعرفة بالله عز وجل والإيمان به، وضعف التعبد له، وكثرة الذنوب والمعاصي، وعدم شعور الإنسان بخطورة هذه الذنوب، فهذا الأمر يورث والعياذ بالله بداية الشك، ثم يصل إلى درجة التكذيب، ثم يصل إلى درجة الشذوذ والاعتراض، ولهذا تكثر هذه العبادات الشيطانية عند أصحاب الأموال الكثيرة، أو عند الفقراء المعدمين جداً، يعني: إما عند هؤلاء أو عند هؤلاء؛ لأن الجميع يريد أن يرى شيئاً غير طبيعي.
ومن معاني الرضا: أن يكون منقاداً لهذه الشريعة، فمن لم يقبلها ولم يرض بها، فيعتبر رافضاً للشريعة مثل: اعتقاد أن هذه الشريعة لا تصلح للمجتمع الصناعي الذي نعيش فيه، أو أنها لا تصلح للقرن العشرين، يقولون: نحن في القرن العشرين، عسانا في القرن المائة ليس في القرن العشرين، فماذا كان؟ شريعة الله عز وجل تصلح لكل القرون، وهي هادية للبشرية في كل أحوالهم، وانظروا إلى أحوال الذين تكبروا عن الشريعة.
إذاً: لابد من الرضا ولا بد من القبول لدين الله سبحانه وتعالى، وأيضاً لا بد من الانقياد، ومعنى الانقياد: أن الإنسان إذا علم وعرف معنى لا إله إلا الله لا بد أن ينقاد لهذه الكلمة العظيمة، وذلك بأن يعبد الله لا يعبد غيره، فإذا قيل لك: فلان منقاد للا إله إلا الله فمعنى ذلك: أن هذا الشخص لا يتأله إلا لله، لا يصلي إلا لله، لا يصوم إلا لله، وفي نفس الوقت يبرأ ويبغض كل مخالف لشريعة الله سبحانه وتعالى.
وزاد بعض العلماء على هذه الشروط: الموت عليها، يعني: أن يموت على لا إله إلا الله، فمن مات على غير لا إله إلا الله فلا فائدة مما سبق، ولهذا إذا أبطل الإنسان توحيده ونقضه، فإنه وإن كان قبل ذلك يتعبد لله عز وجل فقد نقض هذا البنيان وهدمه.
وأساس التوحيد أن يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأن يأتي بالشروط السابقة، والشروط السابقة هي: الإخلاص، واليقين، والعلم، والمحبة، والانقياد، والقبول، والرضا، والموت عليها، ونحو ذلك، كل هذه الشروط تلاحظون أن فيها أصلاً وفيها زيادات، فالعلم فيه شيء أساسي لا بد أن يعرفه، وفيه زيادة مثل: معرفة صفات الله عز وجل على التفصيل، ومعرفة أسماء الله عز وجل على التفصيل، فمثلاً: المحبة ليست درجة واحدة وإنما هي درجات، وكذلك اليقين ليس درجة واحدة وإنما هو درجات، فالمطلوب حتى يكون الإنسان مسلماً أن يأتي بهذه الشروط جميعاً، وأن يحققها.
والأصل في هذه الشروط جميعاً: هو القدر الذي يمنع من عكسها، يعني: لابد من وجود الإخلاص بحيث إنه يمتنع من الكفر، ولا بد من وجود اليقين بحيث لا يكون في قلبه شك، ولا بد من وجود المحبة بحيث لا يكون في قلبه بغض، ولا بد من وجود الرضا بحيث لا يكون في قلبه أو في نفسه شيء من الرد أو عدم الانقياد لشريعة الله عز وجل، وهكذا.
فمن جاء بأصل التوحيد فهو ناج عند الله، وهذا هو الذي يسميه العلماء: الإيمان المنجي عند الله عز وجل، حتى لو فعل شيئاً من الذنوب والمعاصي، فإنه لا بد له من دخول الجنة ولو عذب قبل ذلك في النار، ويدل على ذلك حديث الشفاعة الكبرى، فإن عصاة الموحدين يدخلون النار، ويشفع لهم الأنبياء والصالحون، ويشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويخرج الله عز وجل أقواماً بدون شفاعة، بل برحمته يخرجهم الله عز وجل بفضله ورحمته، ويكونون من أهل الجنة، وذلك أن أصل التوحيد موجود عند هؤلاء جميعاً، فإن الجنة لا يمكن أن يدخلها كافر أبداً، لابد لكل من يدخل الجنة أن يكون من المسلمين، ولهذا مع الأسف نجد أن كثيراً من كتاب الصحافة، أو بعض الذين يكتبون ويؤلفون من أنصاف المثقفين أو المشتغلين بالثقافة، يتكلمون في دين الله عز وجل بغير علم، فتجد أن بعضهم معجب بزعماء وأذكياء غربيين، فيكتب ويقول: إن من السذاجة والسطحية أن تعتقد مثلاً أن الفلاح سيدخل الجنة وهو جاهل، وقد يكون فيه حمق وغباء؛ لأنه يقول: لا إله إلا الله، ومن المسلمين، ويصلي في المسجد ويكون من المسلمين، وأن زعماء وأباطرة وبناة الحضارة؛ لأنهم مشركون يكونون في جهنم، مثل: فلان وفلان، ويبدأ يسمي لك مجموعة من المشركين ممن هم أصحاب الذكاء فعلاً، وأصحاب المعلومات فعلاً، وقد يكونون ممن بنوا الحضارة المادية فعلاً، نقول لهذا وأمثاله: لا ينفعهم ذلك بشيء، يقول الله عز وجل: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].
عائشة رضي الله عنها عندما سألت عن عبد الله بن جدعان ، وكان عبد الله بن جدعان قد وقع على كنز في الجاهلية، وكان رجلاً كريم النفس، فكان يضع الأكل في كل مكان، ويجتمع عليه الفقراء والغرباء الذين يأتون لمكة من خارجها، وكان يكسي العاري، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق، فقالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ينفعه ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين).
فلا ينفعه ذلك، يقول الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18].
ولهذا تلاحظون أن بعض الكفار مثلاً عندهم جمعيات خيرية، أعني غير الجمعيات التنصيرية؛ لأن الجمعيات التنصيرية أصلاً أعمالها فاسدة، حتى لو كانوا يقدمون الطب للناس، وحتى لو كانوا يقدمون بعض الخدمات التي يسمونها بالخدمات الإنسانية، فما دام أنهم يدعونهم إلى الكفر فهذا يبطل عملهم والعياذ بالله، لكن هناك ناس من الغربيين ملاحدة لا دين لهم، وعندهم محبة ونزعة إنسانية، ويريدون أن يساعدوا الناس بغض النظر عن الأديان، فهؤلاء ما يقدمونه من أعمال فاضلة في الدنيا لا تنفعهم في الآخرة، لكن يعطون بقدرها في الدنيا، من الراحة، ومن التوفيق الدنيوي، أما في الآخرة فإنه لا يقبل إلا التوحيد.
انتهينا من القواعد المتعلقة بمفهوم توحيد الألوهية، وفي اللقاء القادم سنتحدث عن القواعد المتعلقة بأدلة توحيد الألوهية، وبالقواعد المتعلقة بقوادح توحيد الألوهية.
ومن الأشياء الثابتة الآن أن أمريكا أعطت بعض عقود الإعمار في العراق لبعض الشركات التي كشفت في أماكن مثل البوسنة أنها تحت غطاء إنساني تشتغل بتجارة الدعارة والعياذ بالله، فهم يأتون ببنات من أوربا الشرقية وروسيا، أعمارهن يتراوح بين اثني عشرة سنة أو أقل، وينظمونهن في شبكة دعارة، ويأتون بهن باسم الإعمار وإعادة الحاجيات الأساسية للناس!
بهذا انكشفت الحملة الأمريكية في أوضح صورها، هي منكشفة من قديم، ودعاوى حقوق الإنسان، ودعاوى الديمقراطية، ودعاوى الحرية، ودعاوى ترفيه الشعب العراقي، ودعاوى أن البترول الموجود في العراق سيكون للعراقيين، وهم يحتلونه وينهبونه، ويعبثون به بهذه الطريقة، كلها مكشوفة، ولكن المسلم لا ييئس أبداً؛ لأننا نحن المسلمون بشكل خاص ميزنا الله سبحانه وتعالى بميزة عظيمة جداً، وهي أننا لا نعرف ولله الحمد الهوان، ولا نعرف انكسار النفس، ولا نعرف الخذلان، ولا نعرف اليأس والإحباط، قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146].
تأملوا في بعض القراءات: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، (وربيون) نسبة إلى الرب، يعني: ربانيون، أعمالهم لله سبحانه وتعالى، والنتيجة مع أنهم قتلوا ومع أنهم حصل لهم ضرر دنيوي قال: فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران:146].
يعني: نفوسهم ليست ضعيفة تنكسر عند أول الهزيمة، أو أول نكبة تحصل، أو حتى ثاني أو عاشر أو مائة؛ لأن المسلم إذا كان متعلقاً بالله عز وجل فإنه يكون في غاية الثقة، وفي غاية القوة، وفي غاية العزة، وفي غاية الشموخ، حتى ولو كان عدوه في الظاهر هو المنتصر؛ لأن الانتصار الحقيقي هو أن يثبت الإنسان على دينه، وأن يثبت على مبدئه، يواجه عدوه بشجاعة ورجولة، ويؤدي دوره الواجب عليه نحو هذا الدين، ونحو هذه الأمة، وأن يصلح قدر ما يستطيع، وأما الأمور الدنيوية مثل تحطيم البيوت، أو قتل الأطفال، أو قتل النساء، أو نقص المياه والأغذية والصحة ونحو ذلك كل هذه لا تضعف المسلم، صحيح أن هذا أمر يؤلمنا عندما يحصل للمسلمين، لكن كما قلت: إن هذا لا يضعف المسلم، ولهذا لو رأيتم البشارات العظيمة التي تحملها مثل هذه الأزمات لتعجبتم، بشارات عظيمة جداً تحملها هذه الأزمات، من أعظمها: انكشاف العدو بالنسبة للمسلمين، هذا في حد ذاته يعتبر ربحاً ومكسباً؛ لأن كثيراً من الصالحين كانوا من خلال خطبهم، ومن خلال دروسهم، ومن خلال برامجهم التي يقدمونها للناس يقولون: لا تصدقوا الدعاية الأمريكية الكاذبة التي تقول: نحن جئنا لراحة الإنسانية، ونحن جئنا لتقديم الحريات لهم، وكان هناك بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يشارك في تثقيف المسلمين ثقافة الهزيمة، كان لهم مجال يتكلمون، لكن الآن ليس لهم مجال، حتى هؤلاء المتأمركون أصبحوا ينتقدون أمريكا؛ لوضوح وانكشاف القضية بشكل كبير.
فهذه الصحوة ولله الحمد التي انتشرت في المسلمين تحتاج إلى دعم وتنشيط أكثر، وتحتاج إلى بذل أكثر، وعمل أكثر، وحقيقة أن كثيراً من الناس عندما يجد مشكلة من المشكلات لا يعالجها إلا بشيء واحد يضعه في ذهنه وهو قتال هؤلاء، أقول: صحيح أن قتال هؤلاء يقف على رأس العلاج لمثل هؤلاء، لكن لا يعني هذا أنه هو الحل الوحيد، هناك حلول أخرى، نحن نعيش في أمة ما زال كثير من أبنائها في غفلة، أنتم تلاحظون كم عدد الشباب الذين يتركون الصلاة مثلاً! كم عدد الشباب الذين يغفلون عن حقوق الله سبحانه وتعالى! كم عدد الشباب الذين أصبحوا فريسة للخبث والخناء والفجور والفساد الأخلاقي الذي ينشره هؤلاء الغربيون، كثير جداً من أبنائنا نحن المسلمين بحاجة إلى أن ندعوهم إلى الله، إلى أن نصلحهم، ونجتهد في أن نربطهم بالله عز وجل أكثر وأكثر، أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لكل خير إنه على كل شيء قدير.
الجواب: الحقيقة أنه ينبغي أن ندرك قاعدة من القواعد الشرعية في هذا الباب: القاعدة هي: أن تبديل الشريعة كفر، وأن محاربة الموحدين ومعاونة الكفار عليهم يعتبر في حد ذاته كفراً أيضاً، ولكن تنزيل هذا على المعينين يحتاج إلى توافر شروط وانتفاء موانع.
والحقيقة أن كثيراً ممن وقعوا في مثل هذه الأعمال قد يكون وقع عن جهل أو عدم معرفة، وقد يكون وقع فيه عن علم وبصيرة، فإذا كان وقع فيه عن علم وبصيرة ومعرفة لما يترتب عليه، فإنه لا شك أنه وقع في الكفر والعياذ بالله، ولهذا لا بد من معرفة قاعدة أهل العلم فيما يتعلق بالمعينين، وأنه لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع بالنسبة لهم.
الجواب: سبق أن تحدثت عن الديمقراطية، وقلت: إن الديمقراطية لها جانبان:
الجانب الأول: أن يعطي التشريع لغير الله عز وجل، فهذا كفر مخرج عن الإسلام، وسبق أن أشرت إليه وبينته.
الجانب الثاني: أن يعتمد التشريع الرباني والشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالتشريعات، لكن يتخذ العمل الانتخابي كآلة من آلات المشاركة السياسية كما يعبرون، فهذه ليست كفراً، لكنها مخالفة للمنهج النبوي فيما يتعلق بطريقة الشورى، فهي ليست كفراً، لكن المطبق في كثير من بلاد المسلمين مع الأسف هو النوع الأول: وهو أن التشريع لغير الله عز وجل، وإن كان في الظاهر أن البعض يقول: إن الشريعة هي المصدر الأساسي للحكم، فالمصدر الأساسي يدل على أن هناك مصادر أخرى، والواجب هو أن يكون المصدر الوحيد، وألا يكون هناك أي مصادر أخرى؛ لأن فيها غنية ولله الحمد، ومن اتخذ مصدراً آخر غيرها فهو مثل من يقول: إن هناك معبوداً غير الله سبحانه وتعالى.
في مثل هذه الحالة إذا قال بعض الدعاة: أريد أن أشارك في مثل هذه الحكومات التي تعتمد طريقة الديمقراطية؛ من أجل أن أرفع أكبر قدر من الضرر، وأن أصلح قدراً من الخلل، فما هو حكم هذا؟
الحقيقة أن هذه المسألة ليس لها حكم واحد، من الخطأ أن يطبق هذا الكلام على كل من شارك، من الخطأ أن نقول: إن كل من شارك مخطئ أو كل من شارك مصيب، وإنما تختلف الأحوال، ولهذا تحتاج إلى عدة ضوابط:
الضابط الأول: ألا يعترف ولا يقر لمثل هذه الأنظمة بأن التشريع لغير الله عز وجل، أو مشاركة مصادر أخرى في التشريع غير الشريعة الإسلامية، فإذا أنكر هذا وجاء بوضوح أنه يريد إصلاح بعض الخلل الموجود، وبين أن التشريع لغير الله عز وجل كفر، وأن التشريع فيما يتعلق بالحلال والحرام يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى، أما الأمور الإدارية فهذه قضية أخرى.
الضابط الثاني: ألا يكون في مشاركته مخادعة للمسلمين، بحيث يظنون أن الديمقراطية عملية شرعية صحيحة، فينبغي أن يبين لجمهور المسلمين أن هذه العملية الديمقراطية هي عملية غير شرعية، وليست صحيحة، وهي خطيرة، لكن مشاركتي أنا مثل مشاركة يوسف عليه السلام عندما كان وزير خزانة الملك في تلك الفترة، وكانوا كفاراً في تلك الفترة، فمشاركة يوسف عليه السلام لم تقتض إقرارهم على الكفر، بل كان واضحاً عليه السلام: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39]، بل إن في سياق قصة يوسف جاء فيها: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:40]، ولهذا كان يوسف عليه السلام واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار فيما يتعلق بوزارته في هذه الدولة، فكان يكفر الكفار ويوضح كفرهم، ويقول: إنني على ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهكذا.
الضابط الثالث: أن يغلب على الظن إمكانية الإصلاح، أما إذا كان مجرد مشاركات واقتراع وصراع على الاقتراع.. ونحو ذلك، فهذا حينئذ لا يصلح أن يكون مجالاً للإفادة.
الضابط الرابع وهو مهم جداً: ألا نحصر دائرة الإصلاح في هذا الأمر، فمن تحققت فيه الضوابط السابقة وحصر دائرة الإصلاح في هذا الأمر، فإنه يكون قد أخطأ خطأ كبيراً، فإن مجالات الإصلاح واسعة، ربما يكون هذا الأمر من المجالات الإصلاحية بالضوابط الشرعية كما قلت، وقد يكون غير وسيلة من وسائل الإصلاح، ولهذا مثل هذه الأمور يجب أن ترد إلى أهل العلم، وأن تكون شورى بين أهل العلم وطلاب العلم، وكل حالة لها حكمها الخاص، وهي تختلف من حال إلى حال، ومن بلد إلى بلد، ومن مكان إلى مكان، ولا يصح أن يطلق فيها حكم واحد بالتحريم مطلقاً، أو بالإباحة مطلقاً، وإنما يكون الحال بحسب نوع النموذج الديمقراطي الموجود والمشاركة، ومدى وضوح مشاركة الداعية عند الناس، بحيث إن الناس يفهمون أن مشاركة الداعية مشاركة إصلاحية، وليس إقراراً لهذا النظام الباطل والفاسد.
هذه الضوابط هي التي تحدد مسألة إمكانية المشاركة وإباحتها، أو عدم إباحتها.
الجواب: من لوازم أصل التوحيد الصلاة؛ لأن أصل التوحيد هو إيمان القلب وتصديق القلب، ووجود الشروط السابقة: الإخلاص، والمحبة، والرضا، والقبول، وهذه الأعمال القلبية يستحيل أن تكون في القلب، ثم لا تدفع صاحبها إلى الصلاة، بل لابد أن يكون من أهل الصلاة؛ لأن وجود أصل الإخلاص واليقين والمحبة وغيرها كل هذه الأمور جميعاً تدفعه إلى الصلاة.
بعض المتحذلقين ممن ينصر الإرجاء مع الأسف يقول: إنه يمكن أن يكون عنده أصل الإيمان، وعنده أعمال القلب، وتدفعه مثلاً إلى بر الوالدين ولا تدفعه إلى الصلاة مع أنها أهم، أقول: هذا من الحمق والتفكير الساذج؛ لأنه لو كان عنده أصل الإيمان لدفعه إلى عمل صالح، ومن أولويات العمل الصالح الصلاة، وهي المتكررة بالنسبة للإنسان.
الجواب: هناك قاعدة عند أهل العلم وهي: أن أعمال القلب متلازمة مع أعمال الظاهر، فيستحيل وجود عمل القلب بدون عمل ظاهر، وبقدر قلة عمل القلب يقل عمل الظاهر، وبقدر قوة عمل القلب يزداد عمل الظاهر، وإذا انعدم عمل القلب لحظة انعدم عمل الظاهر، فانعدام عمل الظاهر دليل على انعدام عمل الباطن أيضاً، فلو أن إنساناً لم يعمل شيئاً من الظاهر أبداً، فهذا دليل على عدم وجود أعمال القلب في قلبه، إذ لو وجد في قلبه لدفعه إلى عمل الظاهر.
وحالة الجهنميين التي هي أقل حالة أو آخر أهل النار خروجاً من الموحدين، جاء في أوصفاهم أنهم يقولون: لا إله إلا الله، وأن في قلبهم مثقال ذرة من إيمان، وأنهم من أهل الصلاة، ولهذا يعرفون بمواطن السجود الذي هو سجود الصلاة، ولهذا ساقه البخاري في كتاب الأذان فيما يتعلق بفضل السجود، فهذا مما يدل على أن البخاري رحمه الله فهم من السجود الوارد في حديث الجهنميين هو سجود الصلاة، وليس كما يقول بعض المؤولة: بأن المقصود به الوجه، وهذا تأويل يشبه تأويلات الجهمية.
الجواب: لا، ما يجوز؛ لأن القرآن هو الذي ينفع الناس كلهم، وهو الذي يفيد المسلمين، فمن يقارن بين القرآن والإنجليزي فقد طمس الله على بصيرته.
الجواب: من كان عنده أصل التوحيد، وكان عنده بعض الذنوب والمعاصي، مثل النميمة، أو الكذب، أو الغيبة، أو الزنا، أو أكل الربا، أو نحو ذلك، فإن هذا يعتبر من أهل الإسلام، ويسمى عند العلماء الفاسق الملي، وإذا أراد الله عز وجل يوم القيامة أن يغفر له يغفر له، وإذا أراد أن يعذبه، فإنه يعذب ثم يكون آخر أمره إلى الجنة بإذن الله تعالى.
يعني: هو تحت مشيئة الله عز وجل، إما أن يعذب حتى يطهر من هذه الذنوب والمعاصي ثم يدخل الجنة، وإما أن يغفر الله عز وجل له ويدخل الجنة مباشرة.
الجواب: سبق أن تحدثنا عنه، وقلنا: إن المقصود بكلمة البعث يعني: الإحياء، وهدف حزب البعث إحياء الأمة، بحيث يكون أساس الارتباط بين الناس جميعاً اللغة، فأساس الصلة بين الناس جميعاً العروبة، ولهذا يساوون بين المسلم العربي، والنصراني العربي، واليهودي العربي، والبوذي العربي، والمشرك العربي، والملحد العربي، ما دام أنهم عرب فهم مستوون وهم إخوة لنا، ولهذا يرون أن الإسلام هو جزء من تاريخ الأمة العربية الطويل، وأنه جزء مشرق كما أن الجاهلية جزء آخر مشرق أيضاً، فهم يساوون بين الجاهلية والإسلام، ويرون أن أبا لهب مثل أبي بكر ، وأن أبا جهل مثل عمر ، وأن امرؤ القيس مثل حسان بن ثابت ، وأن الإسلام ليس شرطاً أساسياً فيما يتعلق بالولاء والبراء، وفيما يتعلق بالانتماء، وفيما يتعلق بالنصرة، وإنما الرابط هو اللغة، هذا هو المقصود بحزب البعث.
وحزب البعث انهار، والقومية انهارت منذ قديم، انهارت من حرب (1967) عندما كان جمال عبد الناصر يكذب على الجماهير ويقول: إنه يريد أن يحرر الأمة العربية، ومع الأسف اتضحت خيانته إلى أبعد درجة، إلى درجة أن اليهود ضربوا القوات المصرية ودمروا ثلاثمائة طائرة وهي على الأرض لم تقلع، وقتلوا من خيار الطيارين المصريين مائة طيار مصري، وكل هذا بخيانة جمال عبد الناصر ، وأتى أمام مجلس الشعب أو الذي يسمونه (المؤتمر القومي العربي) وقال: نحن كان عندنا خبر أن إسرائيل ستضرب، لكن ما كنا نتوقع أنها تضرب بهذه الطريقة! يعني: الخلاف هو في مسألة حجم الضربة، ولهذا منذ تلك اللحظة انهارت القومية، وعرفت الشعوب العربية أن القوميين من أكذب الناس، وأنهم أبعد الناس عن الاتحاد والاجتماع، وجامعة الدول العربية صارت شر مثال لهذه القضية، وليست خير مثال لها.
الجواب: تقنين الشريعة غير القوانين الوضعية، القوانين الوضعية مسألة الكفر فيها ظاهر؛ لأن التشريع فيها أصلاً ليس تشريعاً ربانياً، وإنما تشريع باطل، هو من زبالة أذهان الناس.
أما تقنين الشريعة فهي فكرة نادى بها بعض المختصين في الفقه، يقول: إن الأحكام القضائية بدل أن يكون فيها خلاف يمكن أن نجعلها على شكل قانوني، مثلاً: الزنا يشترط فيه كذا شرط، فإذا حصل هذا الشرط فإن العقوبة كذا، السرقة كذا، الوضع كذا، يعني: تقنن على شكل مواد، ويحكم بها كل القضاة بدرجة واحدة، بحيث إن الحكم في مسألة معينة يكون في شرق البلاد مثلما يكون في غربها، بدون أي تردد.
هذه الفكرة ليست مثل فكرة الديمقراطية، هي مختلفة عنها تماماً، لكن هي في الحقيقة ليست فكرة صحيحة؛ لأن المسائل الشرعية وقع فيها خلاف بين العلماء، ولا يصح أن يلزم القاضي بأن يحكم برأي ارتآه مجموعة من الناس، قد يرى أن في الأدلة الشرعية ما يخالف هذا، وحينئذ يجب عليه أن يحكم بما يراه موافقاً للشريعة، قد يقول قائل: أين المساواة عندما يحكم القاضي في مسألة بحكم، والقاضي الثاني يحكم فيها بحكم آخر؟ نقول: أولاً الخلاف في المسائل القضائية لا يصل إلى درجة الافتراق التام، وإنما هو خلاف متقارب.
ثانياً: أن القاضي الذي حكم بهذا الحكم حكم بشريعة الله، كما أن القاضي الآخر حكم بشريعة الله، فالجميع حكموا بشريعة الله عز وجل، حتى لو اختلفت؛ لأنه قد يفتي عالم في مسألة من المسائل بالإباحة، ويفتي عالم آخر بالتحريم، والجميع حكم بالشريعة من حيث استخدام الأداة الشرعية، لكن لا بد أن يكون أحدهما مصيباً والآخر مخطئاً، والخطأ هنا ليس خطأ مناقضاً للشريعة، ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً اسمه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ومنذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، وكانت دائرة الدولة الإسلامية أكبر من الآن، فقد كانت الدولة الإسلامية تشمل الجزيرة العربية، وبلاد الشام، والعراق، والهند، إلى الشيشان إلى روسيا، ومصر، وشمال أفريقيا إلى المغرب، والأندلس، هذه كلها كانت دولة واحدة، وفيها آلاف القضاة، وكانوا على أكثر من مذهب فقهي، وكانوا يحكمون بما يرون أنه موافق للشرع، ويجتهدون في ذلك، وكانت هناك ضوابط شرعية في الاجتهاد الشرعي، والقاضي إذا حكم بهواه فإنه يشتكى إلى من هو أعلى منه.
ولهذا كان هناك شيوخ للقضاة عموماً، ففي المغرب كانوا يسمونه: قاضي الجماعة، يعني: قاضي مجموعة كبيرة من القضاة، وهو الذي يشرف عليهم.
ومع هذا لم يقننوا الشريعة بالطريقة التي يريدها هؤلاء بهذا الأسلوب، لم يقننوها بهذه الطريقة، والذين طالبوا بتقنين الشريعة هم تأثروا في الحقيقة بالأسلوب القانوني المعاصر الذي أساسه من الغرب، بحيث تكون القضية منضبطة عندهم مائة بالمائة، وهذه الشريعة فيها قضايا قطعية وواضحة، ولا إشكال فيها، لكن بعض الأحيان القضية ترجع إلى تقدير القاضي، حتى في تصديق القوانين الوضعية الموجودة الآن عند الغربيين ترجع إلى نظرة القاضي، يعني: تطبيق القانون على حالة معينة لابد من اجتهاد القاضي نفسه، هذا عند الغربيين، مع أن القانون هو عبارة عن أفكار بشرية، فتجد أن القاضي يحكم فيها بهذا القانون المعين الذي ينطبق على هذه الحالة المعينة، ولا ينطبق على كل الحالات، ولهذا يختلفون اختلافاً كبيراً، فالمطالبة بتقنين الشريعة مطالبة غير واقعية، وغير موافقة للأحكام الشرعية كما سبق أن أشرنا إليه، والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد له رسالة خاصة في تقنين الشريعة يمكن مراجعتها، فهي من أنفع ما كتب في هذا الباب.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر