وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد:
فقد تحدثنا عن الصفات الاختيارية، وهي الصفات الفعلية التي تقوم بذات الله سبحانه وتعالى متى شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى.
وهنا سيكون حديثنا بإذن الله تعالى عن الصفات الخبرية, وقد تحدثنا عن أن معنى الصفات الخبرية: هي الصفات التي لا يثبتها العقل استقلالاً، وهي التي وردت في النصوص الشرعية، مثل: إثبات الوجه واليدين والعينين والقدم الساق ونحو ذلك؛ فهذه الصفات تسمى الذاتية، وهي التي تتعلق بذات الله سبحانه وتعالى، وليست منفكة عنه بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالمشيئة.
فـالجعد بن درهم كان ينفي جميع الصفات عن الله سبحانه وتعالى، ويقول: لا يقوم بالله عز وجل صفة من الصفات، وتابعه على ذلك الجهم بن صفوان وبشر بن غياث المريسي والمعتزلة أيضاً، فالمعتزلة تابعوا الجهمية في هذا الأمر.
أما الأشاعرة فقد سبق أن بينت أن أبا الحسن الأشعري كان من المعتزلة ثم ترك الاعتزال بعد أربعين سنة، واتجه إلى مذهب ابن كلاب ، ثم ترك مذهب ابن كلاب في آخر أمره واتجه إلى مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم، أما أتباعه فبعضهم بقي على مذهبه عندما كان كلابياً، والبعض الآخر من المتأخرين غلا حتى صار قريباً من المعتزلة إلى حد كبير.
فكان أبو الحسن الأشعري مثل الكلابية، وكانوا لا ينفون الصفات الخبرية عن الله عز وجل، وكان الصراع بينهم وبين المعتزلة في موضوع الصفات الخبرية قوياً، فـأبو الحسن الأشعري وأبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني والقلانسي وغيرهم من الكلابية أتباع أبي الحسن كانوا يثبتون الصفات الخبرية، فيثبتون أن لله وجهاً ويدين وعينين، ونحو ذلك من الصفات التي سيأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.
وأول من نفى الصفات الخبرية في مذهب أبي الحسن الأشعري هو إمام الحرمين الجويني ، فإنه اتجه بالمذهب الأشعري نحو الاعتزال بقوة، فنفى الصفات الخبرية عن الله عز وجل، فقال: لا نثبت لله وجهاً ولا يدين ولا عينين، وأولها فقال: الوجه هو الثواب أو الذات، واليدان: النعمة أو القدرة، والعينان: الإحاطة أو النظر أو البصر، وحجته في النفي هي حجة المعتزلة نفسها، وهي أن إثبات هذه الصفات يستلزم إثبات الأبعاض في الله عز وجل والأجزاء والتركيب.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه الألفاظ اصطلاحات اتفق عليها هؤلاء المتكلمون، وأنه لا بد على صاحب العقيدة السلفية الصحيحة أن لا ينفيها مطلقاً ولا يثبتها مطلقاً؛ لأن هذه الألفاظ مشتملة على شيء من الحق والباطل، وهكذا تكون البدعة.
فإن البدعة لا يمكن أن تكون باطلاً محضاً؛ لأنها إذا كانت باطلاً محضاً لا يقبلها أحد، ولا يمكن أن تكون حقاً محضاً؛ لأنها لو كانت حقاً محضاً ما كانت بدعة، لكنها خلط ولبس للحق بالباطل، كما قال الله عز وجل عن بني إسرائيل: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71]، فالبدعة خلط ولبس بين الحق والباطل.
وهكذا ألفاظ هؤلاء المتكلمين جميعاً هي مشتملة على حق وباطل، فلا يصح للإنسان أن ينفيها مطلقاً ولا أن يثبتها مطلقاً، بل لا بد من الاستفصال ومعرفة معاني ما يقول، فإذا قال مثلاً: يجب أن ينفي عن الله عز وجل الأجزاء والأبعاض، فلا بد أن نسأله ما القصد بالأجزاء والأبعاض؟
فإذا كان يقصد أن الله عز وجل مركب من أجزاء وأبعاض قد ركبه غيره، أو أنه مركب ينفصل بعضه عن بعض، فهذا معنى باطل لا يقوله أحد ولا يقره أهل السنة.
وإذا سمى هذه الصفات وهي: الوجه واليدان والعينان أبعاضاً فنثبت الوجه واليدين والعينين لله عز وجل ولا نسميها أبعاضاً؛ لأن هذه تسمية مبتدعة، وهكذا يستطيع الإنسان أن يصل إلى الحق مع إجابته عن كلام هؤلاء المبتدعة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رد على قانونهم الكلي الذي هو تعارض العقل مع النقل في كتابه العظيم: درء تعارض العقل والنقل.
ومن الوجوه التي رد عليهم هي: أن هؤلاء المبتدعة يردون النصوص الشرعية بمعتقدات يعتقدونها، وليست هي حقيقة ما في العقل، فهم يصطلحون اصطلاحات، ويأتون بمعقولات ثم يسمونها قواطع عقلية لا تقبل النقض، ثم يعارضون بها النصوص الشرعية ويردونها، هكذا حالهم والعياذ بالله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد:
فقد تحدثنا عن الصفات الاختيارية، وهي الصفات الفعلية التي تقوم بذات الله سبحانه وتعالى متى شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى.
وهنا سيكون حديثنا بإذن الله تعالى عن الصفات الخبرية, وقد تحدثنا عن أن معنى الصفات الخبرية: هي الصفات التي لا يثبتها العقل استقلالاً، وهي التي وردت في النصوص الشرعية، مثل: إثبات الوجه واليدين والعينين والقدم الساق ونحو ذلك؛ فهذه الصفات تسمى الذاتية، وهي التي تتعلق بذات الله سبحانه وتعالى، وليست منفكة عنه بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالمشيئة.
في هاتين الآيتين إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلالة فقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] هذه الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف، وقوله تعالى: ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ فذو وصف للوجه؛ وإعراب وجه فاعل مرفوع، وذو صفة، والصفة تتبع الموصوف، فذو هنا مرفوعة؛ لأن وجه مرفوع، وليست (ذو الجلال) وصفاً لكلمة ربك؛ لأنها لو كانت وصفاً لكلمة ربك لكانت ذي الجلال، فهناك فرق مثلاً بين قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] وبين قوله: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:78].
ففي قوله تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ [الرحمن:78]، هنا ذي وصف لربك، ربك مضاف إليه وهو مجرور، وذي من الأسماء الخمسة، وتجر بالياء، كما أنها ترفع بالواو، كما في قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، ففي هذه الآية إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى.
وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] فيها إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى.
وهناك نصوص كثيرة تدل على إثبات صفة الوجه، منها: حديث عتبان بن مالك الثابت في صحيح البخاري (أن الله عز وجل حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
وقد استنبط منها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، في باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب في المسائل حيث قال: فيه إثبات صفة الوجه خلافاً للأشعرية، يعني: الذين ينفونها، ويقصد بهم الأشعرية المتأخرين الذين جاءوا بعد أبي المعالي الجويني وقلدوه في مشابهة المعتزلة في هذا الباب.
وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] هذا أيضاً فيه إثبات صفة الوجه كما سبقت الإشارة إليه.
وهذا لا شك أنه باطل، فالكاف هنا مؤكدة وزائدة وليست لتشبيه المثل بالمثل.
لكن في قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] لا يصح أن يقولوا: إنها صلة زائدة؛ لأن الوصف في قوله: ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] معطوف على الوجه.
ثم كيف يقال: إنها زائدة مع أنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)؟ فلو قيل إنها زائدة لما كان للحديث معنى.
وبعضهم يفسرها بأن المراد من الوجه الثواب، وهذا لا يصح؛ لأنه لو كان يراد به الثواب فمعنى هذا أنه مخلوق، فكيف يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام؟
فليس المقصود بالوجه هنا الثواب، وإنما المقصود به الوجه الحقيقي؛ لأنه وصف بذو الجلال والإكرام، فهذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنه ورد في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: (أعوذ بوجهك الكريم)، فلو كان المقصود به الثواب، فكيف يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق، والاستعاذة بالمخلوق شرك؟ ولهذا استدل أهل العلم على أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته لقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، فالاستعاذة لا تكون إلا بالله عز وجل أو بصفة من صفاته لا بالمخلوق؛ ففي هذه الاستعاذة دليل على أن الوجه صفة من صفاته، وليس المقصود به الثواب.
وقد تحدث عن هذه القضية ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وقد ألفه للرد على الطواغيت التي نصبها أهل التأويل لدك معاقل الوحي، وهي ما يلي:
الطاغوت الأول: أن دلالات الألفاظ لا تفيد اليقين.
الطاغوت الثاني: أن العقل يرجح على النقل عند التعارض.
الطاغوت الثالث: المجاز.
الطاغوت الرابع: عدم قبول خبر الآحاد في مسائل العقيدة.
ورد عليها بشكل مفصل، وهو كتاب ضخم كبير، إلا أن الموجود منه يشمل: الرد على أن دلالات الألفاظ لا تفيد اليقين، ودرء تعارض العقل والنقل، لكن آخر الكتاب مفقود وليس بموجود، والمطبوع منه الآن أربع مجلدات، واختصره الشيخ محمد الموصلي البعلي رحمه الله تعالى، فالشيء المفقود وجد مختصراً في اختصار محمد الموصلي البعلي رحمه الله تعالى.
ويمكن مراجعة كلام ابن القيم رحمه الله في موضوع صفة الوجه لله عز وجل، والرد على الذين أولوه بالثواب أو بذاته تعالى في هذا الكتاب من صفحة 335 إلى 344.
يقول رحمه الله تعالى: المثال الخامس: وجه الرب جل جلاله، حيث ورد في الكتاب والسنة، فليس بمجاز، بل على حقيقته، ورد على قول المتكلمين بأن صفات الله عز وجل مجاز وليست حقيقة.
قال: واختلف المعطلون في جهة التجوز في هذا، فقالت طائفة: لفظ الوجه زائد والتقدير: ويبقى ربك.
وقالت فرقة أخرى: الوجه بمعنى الذات، وهذا القول نفس قول الذين قالوا: إن الوجه جائز؛ لأن الذات هو حقيقة الله عز وجل.
وقالت طائفة: ثوابه وجزاؤه، فتجعله مخلوقاً منفصلاً، وقالوا: لأن الذي يراد هو الثواب، وهذه أقوال نعوذ بوجه الله العظيم من أن يجعلنا من أهلها.
ثم نقل عن عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله رده على بشر المريسي في هذا الباب، ثم قال: والقول بأن لفظ الوجه مجاز باطل من وجوه، وساق منها مجموعة كبيرة جداً تتجاوز العشرين وجهاً، فقد رد عليها من ست وعشرين وجهاً، أحدها: أن المجاز لا يمتنع نفيه، فعلى هذا لا يمتنع أن يقال: ليس لله وجه ولا حقيقة لوجهه، وهذا تكذيب صريح بما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسوله.
الثاني: أنه خروج عن الأصل والظاهر، يعني: ظاهر النص الشرعي بلا موجب.
الثالث: أن ذلك يستلزم كون حياة وسمع وبصر وقدرة وكلام وإرادة وسائر صفاته مجاز، بل يمكن أن يقال فيما بعد: وجوده مجاز كما يقوله الملاحدة!
وإن دعوى المعطل أن الوجه صلة كذب على الله وعلى رسوله وعلى اللغة، فإن هذه الكلمة ليست مما عهد زيادتها، والعادة أن الذي يكون زائداً هو: من أو ما أو الكاف، أما كلمة لها دلالة بهذه القوة ويقولون: إنها زائدة، فلا شك أن هذا انحراف.
يقول: ما ذكره الخطابي والبيهقي وغيرهما قالوا: لما أضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه فقال: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، دل على أن ذكر الوجه ليس بصلة، وأن قوله: ذو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] صفة للوجه، وأن الوجه صفة للذات، وهذا مع أن الخطابي والبيهقي من الأشاعرة، لكن من المتقدمين الذين كانوا يتأثرون بالسلف رضوان الله عليهم.
الثامن: أنه لا يعرف في لغة من لغات الأمم وجه الشيء بمعنى ذاته ونفسه، وغاية ما شبه به المعطلة وجه الرب أنهم قالوا: هو كقولهم: وجه الحائط، ووجه الثوب، ووجه النهار، ووجه الأمر، فيقال لهذا المعطل المشبه: ليس الوجه في ذلك بمعنى الذات، بل هذا مبطل لقولك، فإن وجه الحائط أحد جانبيه، فهو مقابل لدبر الحائط، ومثل هذا: وجه الكعبة، فهو وجه مقابل لدبرها، ولكنه بحسب المضاف إليه، فلما كان المضاف إليه بناء كان وجهه من جنسه، وكذلك وجه الثوب أحد جانبيه من جنسه، وكذلك وجه النهار أوله ولا يقال: وجه لجميع النهار.
وذكر ثلاث آيات في إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى، وقد جاءت صفة اليدين مفردة ومثناه ومجموعة.
ففي قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، فلفظة اليدين للتثنية وقوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] هنا للإفراد، وقوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] هنا للجمع، والجمع بين هذه الآيات جميعاً هو أن يقال: إن المفرد إذا أضيف فإنه يدل على العموم والجنس، فأنت تقول مثلاً: نعمة الله عز وجل وتقصد بها أنعام الله المتعددة، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، فقال: لا تحصوها مع أنه أفرد النعمة، وهذا يدل على أن المراد بالنعمة جنس النعمة.
وأما الجمع في قوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] فإنه يراد به التعظيم، ولهذا يقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا [الإنسان:23] مع أنه واحد سبحانه وتعالى، فالجمع يراد به التعظيم.
وقد يقال: إن أقل الجمع اثنان، وهذه المسألة فيها خلاف، هل أقل الجمع اثنان أو أكثر؟ وتوجد نصوص تدل على أن أقل الجمع اثنان، وحتى لو كان أقل الجمع ثلاثة فأكثر، فإنه يراد بها التعظيم، وتصبح التثنية نص في المسألة، ويؤخذ من هذا أن الله عز وجل له يدان اثنتان سبحانه وتعالى؛ لأن التثنية نص وليس ظاهر؛ ولهذا فالعلماء يمثلون في الكلام على دلالة الألفاظ للنص الذي لا يحتمل التأويل بالعدد، والتثنية لا تحتمل إلا اثنين، فهي نص في أن لله عز وجل يدان اثنتان سبحانه وتعالى تليق بجلاله، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا الكتاب أن صفة اليد لله سبحانه وتعالى وردت في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية من الإمساك والطي، والقبض، والبسط، والحثيات، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدل بيده، وتخمير طينة آدم بيده، إلى آخر ما هنالك من الأشياء التي ذكرها رحمه الله تعالى.
أولاً: صفة الأخذ، وقد ورد الأخذ في حديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأخذ الله عز وجل سماواته وأراضيه بيديه فيقول: أنا الله الملك)، فصفة الأخذ متعلقة بصفة اليدين.
ثانياً: صفة الأصابع، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]). وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم .
وعندما تقارن بين هذا الحديث والذي قبله دل على أن هذه الأصابع متعلقة باليد، لكنها لا تشبه أصابع وأيدي المخلوقين، ولا يجوز للإنسان أن يكيفها بصورة معينة، فهذا التكييف الذي في ذهن الإنسان كذب وبهتان وزور وبدعة في نفس الوقت.
ولما جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول -يعني: له كيف لكنه مجهول لا نعلمه- والإيمان به واجب، يعني: أن نؤمن بأن له كيفاً لا نعرفه، والسؤال عنه بدعة.
وهذه قاعدة قررها الإمام مالك ، وقيل: أنها من كلام عائشة رضي الله عنها أو أم سلمة ، وقيل: إنها من كلام شيخ الإمام مالك وهو ربيعة الرأي ، وهي قاعدة عامة من قواعد السلف في باب الصفات، فلا يجوز أن تتخيل له الصفة؛ لأن هذا من علم الغيب، وعلم الغيب غيب بالنسبة لنا، ولا يجوز للإنسان أن يكيفه.
فكل تكييف في ذهن الإنسان بدعة من جهة، وهو في نفس الوقت كذب من جهة أخرى، فلا يجوز للإنسان أن يكيف صفات الله عز وجل في ذهنه بصورة أياً كانت هذه الصورة، سواء كانت على صورة الخلق أو على أي صورة يتخيلها الإنسان.
ثالثاً: صفة الإمساك، وهذا وارد في الحديث السابق، فإنه قال: (إن الله يمسك السموات على إصبع).
رابعاً: صفة الكفين والأنامل، فقد ورد الكف في حديث اختصام الملأ الأعلى، وهو أنه رأى ربه في منامه في أحسن صورة، وفي هذا الحديث الطويل: (فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري)، والأنامل هي الأصابع، والكف متعلق بصفة اليد، وهو كما يليق بجلال الله عز وجل سبحانه وتعالى، وفي بعض الألفاظ: (وضع يده).
خامساً: صفة البسط والقبض، يقول الله عز وجل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وفي حديث النزول في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ثم يبسط يديه تبارك وتعالى ويقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم؟).
ومن أسمائه سبحانه وتعالى الباسط، فالباسط يشتمل على صفة البسط، قال تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الزمر:52] ]، وهذه صفة فعلية، ويشمل أيضاً على بسطه ليديه سبحانه وتعالى، وهي لائقة بجلاله لا تشبه أيدي المخلوقين.
وأما القابض فورد في حديث: (يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة)، ويدل عليه قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67].
سادساً: صفة الطي، يقول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، ويقول أيضاًً في الحديث الصحيح الثابت في البخاري وفي مسلم (يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه)، وهذا الحديث موافق لمعنى الآية.
سابعاً: صفة الحثو بالكفين، ففي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلهم الله عز وجل الجنة بغير حساب ولا عذاب، فيه: (ثم يحثو ربي ثلاث حثيات بكفيه)، وهذا حديث صحيح.
ثامناً: صفة الكتابة والخط، يقول الله عز وجل: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً [الأعراف:145] إلى آخر الآية، وقوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء:105]، وفي حديث احتجاج آدم وموسى، أن آدم قال لموسى: (أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده)، والكتابة من الأركان الأساسية في الإيمان بالقدر، وأن الله عز وجل كتب مقادير كل شيء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
والكتابة تحتمل عدة معان، منها:
الاحتمال الأول: أنه أمر القلم أن يكتب.
الاحتمال الثاني: أنه قال للكتابة كوني فكانت الكتابة.
الاحتمال الثالث: أن الكتابة والخط حقيقتان، وأن الله عز وجل كتب ذلك بيده حقيقة وخطها بيده حقيقة، والكتابة والخط بمعنى واحد.
وهذا الاحتمال صحيح وثابت، يدل عليه حديث احتجاج آدم وموسى، فإنه قال: (وخط لك التوراة بيده) ويدل عليه أيضاًَُ حديث رواه الترمذي وابن ماجة ، وفيه: (أن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه أن رحمتي سبقت غضبي).
تاسعاً: صفة المسح، وفيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمه هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة)، وهذا الحديث رواه الترمذي وابن أبي عاصم في السنة والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي .
فهذه الصفات جميعاً ثابتة وهي متعلقة بصفة اليدين، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بها كما يليق بجلال الله عز وجل.
وقاعدة أهل السنة في الصفات جميعاً أنهم يؤمنون بها على مراد الله عز وجل، ويفهمون معناها اللغوي، ولا يكيفونها بكيف معين، سواء من خلقه أو من غير خلقه؛ لأن الله عز جل عظيم وهو القائل عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، والقائل: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، والقائل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وهو القدوس السبوح سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
وورد في أحاديث أخرى أن الله عز وجل له يدان وكلتا يديه يمين، فهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم على قولين:
القول الأول: لله يد يمين وله يد أخرى يسار أو شمال، وهذا القول قال به الدارمي رحمه الله في رده على بشر المريسي ، وهو كتاب معروف ومشهور، وقال به أيضاً أبو يعلى الفراء الحنبلي في كتابه إبطال التأويلات، وقد طبع من هذا الكتاب جزأين، وأصل هذه الكتاب هو في الرد على تأويلات ابن فورك ، فله كتاب في بيان مشكل الحديث، فقد استعرض ابن فورك الأحاديث التي ذكرها ابن خزيمة في كتاب التوحيد حديثاً حديثاً وأولها، فرد عليه أبو يعلى في كتاب (إبطال التأويلات) وينقل عنه شيخ الإسلام كثيراً، وهو محقق في جزأين، ولم يكتمل طبعه بعد.
وأيضاً ممن يرى هذا الرأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، ففي آخر باب من أبواب كتاب التوحيد قال: فيه إثبات الشمال لله سبحانه وتعالى.
وممن قال بهذا صديق حسن خان الهندي العالم المعروف ملك بهوبال، له كتاب اسمه (قطف الثمر في عقائد أهل الأثر)، أثبت فيه هذا المعنى.
ومنهم كذلك شارح العقيدة الواسطية الشيخ محمد خليل الهراس .
ومنهم الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله تعالى في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري .
واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين بشماله) فهذا الحديث فيه ذكر الشمال.
الدليل الثاني: وردت أحاديث كثيرة في وصف إحدى يدي الله عز وجل باليمين، وهذا يقتضي أن الثانية يسار أو شمال، فمن هذه الأحاديث -مثلاً- ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة).
ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة في البخاري ومسلم : (ويطوي السماء بيمينه)، وحديث آخر وفيه: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً فإن الله يقبضها بيمينه)، فهذه الأحاديث فيها وصف لإحدى يدي الله عز وجل باليمين، وهذا يقتضي أن الأخرى ليست يميناً فتكون شمالاً.
القول الثاني: لله عز وجل يدان وكلتا يديه يمين، وهذا قول ابن خزيمة رحمه الله في كتابه التوحيد، وقول البيهقي ، وقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، واستدلوا على ذلك بدليلين:
الدليل الأول: ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين).
الدليل الثاني: ما رواه ابن أبي عاصم في كتابه السنة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، والآجري في الشريعة وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين)، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني .
ويبدو -والله تعالى أعلم- أن الصحيح هو أن لله عز وجل يدين، وكلتا يديه يمين.
وأما الروايات التي ورد فيها أنه يطوي الأراضين بشماله، فيبدو أنها روايات بالمعنى من أحد الرواة.
فالصحيح أن لله يدين، وأن كلتا يديه يمين، ولا ينبغي أن توصف اليد الأخرى بأنها شمال أو يسار، وما ورد من أحاديث فيها أنها شمال أو يسار فيبدو والله تعالى أعلم أنها ضعيفة، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم أنه قال: (ثم يطوي الأرضين بشماله)، فقد روى هذه الرواية عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ، وقد خالف فيها من هو أوثق منه، فهي رواية شاذة أو رواية بالمعنى.
والصحيح أن صفة العين ثابتة لله سبحانه وتعالى، وأنهما عينان اثنتان، ويدل على ذلك ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور)، والعور كما يقول العلماء: هو فقء إحدى العينين.
فهذا الحديث يفهم منه أن لله عز وجل عينين، ولو كانت الأعين أكثر من ذلك لقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدجال أعور وإن الله عز وجل له أعين كثيرة.
أن إثبات صفة اليدين لله عز وجل تدل على أن الله سبحانه وتعالى كريم وكثير العطاء، وأنه تواب رحيم، حيث ورد في بعض الأحاديث: (يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار).
فعندما يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى يبسط يديه ويقبل عن عباده تفرح نفسه بذلك، ويقبل على الله سبحانه وتعالى، وكذلك عندما يعلم أن الله سبحانه وتعالى كريم، فإنه يكثر من دعائه، فلو أن الإنس والجن اجتمعوا في مكان واحد، وكل واحد منهم سأل مسألته فأعطاه الله مسألته، ما نقص من ملك الله عز وجل إلا كما تنقص الإبرة عندما توضع في البحر، فماذا تحمل الإبرة من هذا البحر العظيم؟
فملك الله عظيم، وعطاؤه كثير، والإنسان ينبغي عليه دائماً أن يتعلق بالله عز وجل، والمخلوق مهما يكن عنده من الأموال أو العطاء أو الملك فهو ملك محدود وبسيط، وإثبات هذه الصفات يدعو الإنسان دائماً للتعلق بالله سبحانه وتعالى.
وفي إثبات صفة العينين لله عز وجل يظهر لنا معنى الحفظ، وأن الله عز وجل يحفظ عباده الصالحين من كيد الأعداء، فهذا الدين كيد له بشكل كبير جداً، ولو أن ديناً آخر غير هذا الدين كيد له كما كيد لهذا الدين لما بقيت له باقية أبداً، لكن الله عز وجل يحفظ هذا الدين ويحفظ أهله، يقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
وقد حفظ الله هذه الأمة بوجود طائفة فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، بل إنه حفظ كل قرن من الزمان بمجدد يبعثه الله عز وجل على رأس كل مائة عام يجدد للأمة أمر هذا الدين، فمهما تخلفت هذه الأمة وتراجعت فإن المجدد موجود، والطائفة موجودة، والحق ثابت وبين وواضح، فهذا من حفظ الله عز وجل لهذه الأمة.
كما أن الله عز وجل يحفظ هذا الإنسان من الشرور، قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11].
وكذلك من الآثار التربوية والسلوكية المأخوذة من إثبات صفة العينين نمو المراقبة في نفس الإنسان؛ فإن الإنسان عندما يعلم أن الله عز وجل مطلع عليه، وأن الحواجز التي يضعها يخترقها نظر الله عز وجل وبصره، وأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويرى الإنسان في كل مكان، حتى لو اختبأ بجنح الظلام أو في أي مكان من الأماكن فالله مطلع عليه، وهو يراه سبحانه وتعالى بعينيه؛ ولهذا يجب عليه أن يراقب الله عز وجل وأن يخاف منه.
وكل صفات الله عز وجل لها آثار تربوية عظيمة جداً في سلوك الإنسان وأخلاقه وآدابه.
لكن قد يقول قائل: ما هو الفرق بين هذه الآيات التي ذكرها هنا وبين الآيات السابقة في إثبات صفة السمع والبصر؟
ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في التنبيهات اللطيفة أن الفرق هو: أن الآيات السابقة في إثبات السمع والبصر على أنها صفات ذاتية لله عز وجل، وأن الآيات هنا هي على إثبات صفة السمع والبصر على أنها صفات فعلية لله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]، وقوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، والمقصود بهم اليهود الذين قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64]، فإنهم لما نزل قول الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] قالوا: إن ربك فقير ونحن أغنياء يحتاج منا القرض، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ُ [آل عمران:181]، وهذا السمع يقتضي التهديد مع إثبات صفة السمع في ذاتها.
ويقول الله عز وجل: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80].
ويقول: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].
ويقول: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].
ويقول: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:218-220].
ويقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].
نقف عند هذا الحد، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا إياكم للعلم لنافع والعمل الصالح.
الجواب: الصفات الاختيارية هي: الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل وإرادته.
والصفات الخبرية صفات ذاتية لا تتعلق بالمشيئة، وإن كانت الصفات الخبرية أكثر ما يذكرها العلماء للصفات الذاتية، لكن في بعض الأحيان توجد صفات اختيارية خبرية، مثل: النزول والمجيء والإتيان وغيرها.
الجواب: الأشاعرة يؤولون صفة الغضب بإرادة الانتقام، ولا يفسرونها بإرادة الغضب، لكن هذا يرده قول الله عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا [الزخرف:55] يعني: فلما أغضبونا انتقمنا، فصار الانتقام نتيجة للغضب، فكيف يفسر السبب بالنتيجة؟! فهذا يدل على بطلان تأويلهم.
الجواب: هذا الحديث لا يدل على صفة من صفات الله، فالله خلق مائة رحمة يتراحم بها الناس، فالإنسان فيه رحمة مخلوقة من الله، والحيوان فيه رحمة مخلوقة من الله، فالمائة الرحمة التي خلقها الله ليست هي الصفة من صفاته، أما الصفة فهي ليست مخلوقة.
ولهذا فالرحمة والخلق تأتيان بمعنى المفعول بمعنى الصفة المتعلقة بالله عز وجل، فيقول الله عز وجل: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11]، وخلق الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته القائمة به، هذا نوع آخر.
وهكذا رحمة الله، فقد تكون رحمة الله بمعنى مرحوم وقد تكون بمعنى الصفة المتعلقة به سبحانه وتعالى.
الجواب: لغير المتخصص يغني، وهو كتاب مفيد لو قرأه الإنسان وفهمه سيصبح من أهل العلم في هذا الباب.
الجواب: هذه المسألة بحثها الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وذكر أقوالاً متعددة في مسألة عدد الفرق، منها: أن المقصود بالثلاثة والسبعين أنها كثيرة، ولفظ السبعين يطلق عند العرب للكثرة، لكن هذا يرده الترتيب، فاليهود تفترق على إحدى وسبعين، والنصارى على اثنتين وسبعين، وهذه الأمة على ثلاث وسبعين، فهذا الترتيب يدل على أن العدد مقصود، وأنها تفترق على ثلاث وسبعين فعلاً، لكن يبدو -والله تعالى أعلم- أن المقصود بالثلاثة والسبعين هنا: ثلاثة وسبعون منهجاً وطريقة من الطرق، وقد تكون في هذه الطريقة مثلاً عشرات الفرق؛ لأن الشيعة قد وصلت إلى ثلاثة وسبعين فرقة، وهكذا غيرها من الفرق فقد وصلت إلى فرق متعددة، فإن الباطل يفرخ باطلاً آخر، وقد تكون في الطريقة الواحدة مجموعة من الفرق.
وهذه الفرق ليست مخلدة في النار، فهذا الحديث من أحاديث الوعيد، والفرق الواردة في الحديث هم أهل البدع الذين لم يصلوا إلى الكفر المخرج عن الإسلام، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة) يعني: أمة الإجابة، وفي لفظ: (أمتي)، يعني: المسلمين (على ثلاث وسبعين فرقة).
فقوله: (كلها في النار)، مثل قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، ومثل: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وغيرها من الأحاديث الواردة في الوعيد.
فأهل هذه الفرق هم من أهل القبلة، إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم.
الجواب: كثير من شروح الأسماء الحسنى كتبها أشاعرة، فـالغزالي ، والرازي والخطابي وغيرهم من علماء الأشاعرة ألفوا في شرح الأسماء الحسنى، ومن أفضل الكتب التي وجدتها في شرح الأسماء الحسنى كتاب النهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى في مجلدين لأحد الإخوة اسمه محمد الحمود ، طبع قديماً في مجلدين، وهو كتاب مفيد وعلى عقيدة السلف بإذن الله تعالى.
الجواب: النقصان هنا تابع لملكه، وليس خارجاً عن ملكه؛ لأن كل شيء من ملكه، فهو ينقص من ملكه لملكه، لكن ليس المقصود أنه لا ينقص منه شيء في الحقيقة؛ لأن الحديث نص في النقصان، وهناك كلام ممتاز للشيخ محمد بن عثيمين في شرح هذه المسألة في شرح العقيدة الواسطية، فارجعوا إليه.
الجواب: لا شك أن كلامه هذا باطل، وأنه غير صحيح، وأن هذا هو التأويل الذي عليه الأشاعرة وعليه عامة المعطلة، وهذه التأويلات موجودة كثيراً في كتب البلاغة واللغة والتفسير، وبعض الأحيان في كتب الحديث، وقد يكون الشارح أو المفسر أو الكاتب أشعرياً، فيمثل ببعض الصفات ويتأولها على هذه العقائد الفاسدة، فينبغي الانتباه والحذر من ذلك.
الجواب: قوله صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين) خاص باليدين لا بالعينين، فالأحاديث وردت في اليدين فقط، ولم ترد في صفة العينين.
وليس وارداً في الشرع إثبات الأذن لله عز وجل، فلا يصح مثل هذا الفهم، وينبغي للإنسان ألا يجتهد في هذا الباب، لأنه توقيفي وغيبي، والغيب لا يعرف إلا بالنص الشرعي.
الجواب: الأشاعرة ينقسمون إلى قسمين: الأشاعرة المتقدمين والمتأخرين.
فالمتقدمون يثبتون هذه الصفات الخبرية إلى زمن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني ، فهو من أوائل من أول صفة الوجه واليدين والعينين لله عز وجل، وشابه المعتزلة في ذلك، ثم قلده بقية الأشاعرة المتأخرين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
نكتفي بهذا، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر