إسلام ويب

المذاهب والفرق المعاصرة - المذاهب الفكرية والأدبية المعاصرةللشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحداثة مذهب معاصر انتحلت مبادئه المادية من الآداب الأوروبية الإنسانية التي خرجت على الكنيسة واتجهت نحو اللذات والشهوات, وقامت مدارسها على هذه الغاية, مستمدة أفكارها من أمثال ماركس وفرويد ودارون, ثم انتقلت إلى العالم الإسلامي عن طريق الاستعمار والاستشراق وغيرهما, فظهر اتجاه الحداثة ورموزه على الساحة الإسلامية, وأفصح كتابه عن مكنون خبثهم في عبارات تخلع ربقة التدين وتجترئ على العقيدة والديانة, وكُتب أصحاب هذا الفكر الخبيث وكتب نقادهم مليئة بالكفريات من أقوالهم في حداثي الشعر والنثر.

    1.   

    نشأة المذاهب الفكرية والأدبية المعاصرة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، أما بعد:

    تحدثنا في الدروس الماضية عن نشأة المذاهب الفكرية في أوروبا وعن انتقال هذه المذاهب إلى العالم الإسلامي، وتحدثنا أيضاً عن العلمانية ومجالات العلمانية، وقلنا أن مذهب العلمانية مذهب فضفاض عام يشتمل على مجموعة مذاهب، فالديمقراطية مثلاً تدخل في العلمانية، والشيوعية يسميها بعض الكتاب (العلمانية المتطرفة)، وهكذا الأدب والفن والحكم والسياسة والاقتصاد وجوانب متعددة، في كل جانب من هذه الجوانب يوجد مجموعة من المذاهب الفكرية وهي جميعاً توصف بأنها علمانية من ناحية أن هذه المذاهب قد عزلت الدين عن الحياة واخترعت لنفسها مناهج في هذه المجالات المتعددة، وهذه المناهج تعارض أحكام الكتاب والسنة، وتبني حياتها على غير تعاليم الكتاب والسنة، وفي هذا اللقاء بإذن الله تعالى سنتحدث عن المذاهب الفكرية والأدبية.

    فإن الأدب والفن له أثر كبير في التعبير عن مكنونات النفس وآرائها وقيمها وعقيدتها وفكرها، ولهذا يقال: إن الأدب هو صورة الحياة وانعكاسها الواضح، فإذا كان الأدب هو صورة الحياة وهو انعكاس لهذه الحياة، فكيف يمكن لنا أن نتصور حياة كحياة أوروبا التي خرجت على الدين واتجهت نحو الإلحاد؟ فهذه الحياة الأوروبية التي بهذه الصورة لا شك أنها ستفرز من خلال التعبير الأدبي ألواناً متعددة من الإلحاد، وألواناً مختلفة من الاعتراض على أحكام الله عز وجل وعلى دينه، وهذا هو الذي وقع بالفعل في أوروبا، ففي بداية الخروج على الدين في أوروبا ظهرت مدارس متعددة، ومذاهب متعددة سيأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.

    1.   

    مجالات الأدب والفن في الحياة الأوربية

    مجالات الأدب والفن مجالات مختلفة ومتعددة فمنها الشعر ومنها القصة ومنها الرواية، والفرق بين القصة والرواية: أن القصة تكون مختصرة، والرواية تكون مطولة ذات فصول وأبواب طويلة، ولهذا يمكن أن تجد كتاباً مكوناً من مائتين أو ثلاثمائة صفحة أو خمسمائة صفحة، وهي عبارة عن رواية واحدة، ومنها أيضاً المسرحية، ومن الفنون أيضاً الرسم التشكيلي والنحت، ومن الفنون والآداب أيضاً الغناء والتمثيل، ونحو ذلك من أنواع الآداب التي تعبر عن النفس، وتعبر عن الضمير، وتعبر عن العقيدة، وتعبر عن وجهة النظر التي يتبناها ذلك الكاتب.

    1.   

    ظهور الآداب الإنسانية في أوربا

    نحن في هذا الدرس لن نتحدث عن موضوع الأدب من حيث صورته الظاهرة، وقوته في التعبير عما في النفس وجزالة اللفظ، وما يتبع ذلك من الحديث عن قوة اللفظ وإيقاعه الموسيقي وتوجهاته الفنية ونحو ذلك، فإن هذا أمر عام مشاع يشترك فيه المسلم والكافر، فقد يعبر أحياناً الكافر عن مكنون نفسه بتعبير جزل قوي، ويعبر غيره بتعبير أضعف، فالتعبير في حد ذاته من حيث القوة والضعف ليس معنياً لنا في هذا الكلام، وإنما نعني: ارتباط الأدب بالعقيدة، والفكر وارتباطها بالدين.

    في أوروبا أطلقوا على الآداب التي خرجت على الكنيسة وخرجت على الدين النصراني الآداب الإنسانية، ويريدون بالآداب الإنسانية: الآداب التي لا تعلق لها بالألوهية، ولا تعلق لها بالدين، وذلك تمييزاً لها عن الكتابات التي كان يكتبها رجال الدين اللاهوتي النصراني، وهذا الإطلاق للآداب الإنسانية مع الأسف استورد عن طريق الجامعات في العالم الإسلامي، وأصبحت كليات تسمى بهذا الاسم، مع أن هذا الاسم من حيث مدلوله الاصطلاحي مصقل بالمعاني الباطلة؛ لأنه نشأ وترعرع في أوروبا بالصورة التي أشرنا إليها، ونحن في حياتنا الإسلامية ليس هناك أدب إنساني وأدب إلهي، وإنما الأدب الإنساني لا بد أن يكون منضبطاً بأحكام الله عز وجل، وبدين الله سبحانه وتعالى ولا يخرج عليه، وبسبب الصراع الذي سبق أن أشرنا إليه بين الدين النصراني وبين الخارجين عليه، أصبح هناك نزعة، وأصبح هناك ظاهرة في المجتمع الغربي، وهو محبة الخروج على الدين، وأصبح الأديب لا يعتبر أديباً حتى يخرج عن الدين، ومع الأسف أن هذه الفكرة ما زالت موجودةً في حياة المسلمين المعاصرة، فأصبح كثير من الأدباء العلمانيين، إذا أراد أن يبرز أدبه، تجرأ على الله وتجرأ على دينه وتجرأ على الأنبياء وتجرأ على القدر وتجرأ على أحكام الله سبحانه وتعالى.

    ظهور المدرسة الكلاسيكية وعلاقتها بالآداب اليونانية القديمة

    وليس معنياً لنا في هذا اللقاء التمييز بين المذاهب الأدبية من الناحية الفنية كما سبق أن أشرنا، وليس معنياً لنا التمييز الدقيق بين هذه المذاهب، وإنما نريد الإشارة إلى العلاقة العقائدية في كل نوع من هذه الأنواع، فمن المدارس التي ظهرت في أوروبا (الكلاسيكية)، والكلاسيكية كانت من أوائل المدارس والمذاهب الأدبية التي اتجهت نحو الآداب اليونانية الإغريقية القديمة، وبعثتها وأظهرتها، وركزت على الاهتمام باللذة وبالدنيا، وذلك كردة فعل للكنيسة التي كانت رهبانية، وكانت هذه الكنيسة تحث على البعد عن الدنيا وعلى الانقطاع إلى الآخرة كما يصورون، وأيضاً تميزت هذه المدرسة بالعودة إلى الإباحية الرومانية، التي سبق أن أشرنا إليها عندما تحدثنا عن الرومان قبل اعتناقهم للديانة النصرانية فقد ذكرنا أن الرومان كان أكثرهم متأثراً بمذهب أبيقور الفلسفي، الذي يعتمد على إثبات الإنسان لذاته عن طريق تعامله مع اللذة وعن طريق إشباع لذاته ورغباته، فأول ما ظهر المذهب الكلاسيكي في عصر ما يسميه الأوربيون النهضة، ظهر هذا المذهب ولم يجد أمامه إلا الآداب اليونانية والرومانية التي كانت قبله، فبعثها واعتنى بالإنسان والاهتمام به كإنسان، وليس الاهتمام به من ناحية إنسانيته فقط، وإنما تعظيم الإنسان إلى درجة وضع الإنسان موضع الله سبحانه وتعالى، ثم يمكن أن نشير مثلاً إلى أغنية ظهرت في زمن الكلاسيكيين هؤلاء، يقولون مثلاً:

    نحن في تجوالنا مغتبطون مشرقون

    نأكل حتى الشبع

    نشرب حتى الثمالة

    نمرح إلى الأبد

    ننهل من الجحيم

    تلتصق صدور بعضنا ببعضنا.

    ومن خلال هذا النص الذي هو عبارة عن أغنية أدبية كانوا يرددونها يتضح ما سبق أن أشرنا إليه في المذهب الكلاسيكي.

    ظهور المدرسة الرومانسية وتطويرها للمدرسة الكلاسيكية

    ثم ظهرت بعد ذلك مدرسة جديدة وهي مدرسة (الرومانسية) وهذه المدرسة قامت بتطوير الفكرة الكلاسيكية في الاعتناء بالإنسان إلى درجة أنهم جعلوه في موطن الله سبحانه وتعالى، فإنهم عندما خرجوا على الكنيسة كرهوا كل ما جاءت به الكنيسة، ومما كرهوه فكرة وجود إله خلف هذا العالم، يمنعهم من ملاذهم ويمنعهم من شهواتهم، وخصوصاً أن الكنيسة كانت تصور لهم من خلال الكتاب المقدس الصراع المرير بين الإله والشيطان، وبين المرأة والرجل، ونحو ذلك من الصراعات.

    ظهور المدرسة الواقعية والرمزية

    المدرسة الكلاسيكية جاءت بالتجنيح نحو الخيال وإثراء الخيال الإنساني، والمبالغة في تعظيم الإنسان إلى درجة الألوهية كما سبق أن أشرنا، والثورة على العقل والعقلانية، فجاءت مدرسة أخرى هي عبارة عن رد فعل لهذه المدرسة وهي الواقعية، ثم ظهرت بعد ذلك الرمزية إلى أن جاء الأدب المعاصر الأوروبي.

    تأثر الآداب الأوربية المعاصرة بأفكار ثلاثة من اليهود

    الأدب المعاصر الأوروبي يطلقون عليه أدب اللامعقول، وهذه الآداب جميعاً -ومنها الحداثة كما سيأتي الكلام عليه- تأثرت بفكر ثلاثة من اليهود الأول هو ماركس ، والثاني هو دارون ، والثالث هو فرويد ، هؤلاء الثلاثة جميعاً من اليهود، تأثرت بهم الآداب الأوروبية -بالذات الحداثة- تأثراً كبيراً وملحوظاً، فتأثرهم بـدارون هو من جهة الإغراق في حيوانية الإنسان، وأن الإنسان حيوان، وتأثروا تأثراً كبيراً بأنه لا علاقة له بالأمور الروحانية، وأنه لا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد، وأما التأثر بـماركس وفلسفة ماركس وهي الفلسفة الشيوعية كما هو معلوم وهو قوله: الحياة مادة، والدين أفيون الشعوب، وإنكاره للأديان ونحو ذلك، وإنكاره لله عز وجل، ونسبة هذا الكون إلى الطبيعة كما هو معلوم من الفلسفة الشيوعية، يتضح هذا من خلال كتاب لأحد الأدباء الفرنسيين وهو هنري لوفيفر ، ألف كتاباً سماه (ما الحداثة؟) هذا الكتاب يقول فيه عن الحداثة وعن حقيقة الحداثة: هذه الحداثة هي ظل الثورة الغائبة هنا -يعني: في فرنسا- القائمة هناك -يعني: في روسيا-. فهو عبر عن التقارب الكبير بين الحداثة والشيوعية، ويظهر لنا فيما سنتحدث عنه من رموز الحداثيين أنهم يميلون إلى الاتجاه الشيوعي.

    وأما نظرية فرويد فإنها أثرت فيهم باتجاهها نحو الجنس، فتجد أنهم يعظمون الجنس ويأتي معنا إن شاء الله ما يسمى بالأدب الإباحي وهو الأدب المكشوف، ظهر هذا في أوروبا بشكل واضح.

    والاتجاه الإباحي في الأدب المعاصر الأوروبي جاء نتيجة تصور الحيوانية عن الإنسان، ونتيجة نظرية فرويد التي يفسر فيها كل علاقة إنسانية مع أي أحد بالجنس، فعلاقة الابن مع أمه علاقة جنسية حتى الرضاع، وعلاقة الأب مع بنته علاقة جنسية حتى العطف العادي، وهكذا عظم الجنس في الحياة الأوروبية تعظيماً كبيراً، فأصبح تعبير الأدباء عن الجنس تعبيراً كبيراً.

    يقول أحد المفكرين الأمريكين وهو برنتن في كتابٍ له يسمى (قصة الفكر الغربي): إن الخشونة والفحش من الصفات الدائمة تقريباً في ثقافتنا الغربية، والأغاني الغربية البذيئة والمسرحيات الفاضحة وعبادة اللذة ونحو ذلك أصبحت مظهراً واضحاً للأدب الغربي، وساعد ذلك على عبادة اللذة والجمال الذي يوجد عند الرومانسيين، وأصبحت الدعوة صريحة عندما جاء الواقعيون، جاء صريحاً في الدعوة إلى الفاحشة والفجور، وما زالت تكبر هذه القضية عند الغربيين إلى درجة ما يسمونه بأدب الجنس أو الأدب المكشوف، فمثلاً لو رجعتم إلى دواوين وكتابات وآداب موسيه الذي يسمونه في الغرب (شاعر الليالي) لوجدتم عجباً في ذلك، وكذلك مثلاً قصة (كولومبيا) للأديب المشهور بروسبير ، وكذلك الكاتبة القذرة الوسخة جورج ساند التي ألفت كتباً قذرة في هذا المجال وهي كتاب (ليليا وإنديانا)، وكذلك ظهر رجل في الغرب وهو ويلسون بكتاب سماه (مذكرات مقاطعة هيث) ملأه بالأدب المكشوف القذر الذي يرون أنه تعبير عن الإنسان، وأنه تعبير عن الوجود الإنساني، ولهذا ظهرت من المذاهب الغربية الأدبية: مذهب الوجودية، ومذهب الوجودية هدفه هو عبادة الإنسان لنفسه، أن يعبد الإنسان نفسه ليثبت وجوده، فإثبات الوجود عنده يكون بتحقيقه لرغباته بشكل تام وكامل، وألا يمنع نفسه من أي أمر اشتهاه ليحقق وجوده، ولهذا الإنسان يعبد نفسه في فلسفة سارتر التي هي الفلسفة الوجودية، وهذا الكتاب الذي سبق أن أشرنا إليه وهو كتاب ويلسون الذي هو (مذكرات مقاطعة هيث) صادرته محكمة القضايا الخاصة بعد أن بيع منه خمسون ألفاً في أوروبا؛ لأنه أصبح الناس يشتاقون لهذا النوع من الأدب، فهو يعبر عن شخصياتهم وميولهم الشخصية.

    هذا على صعيد الأدب الجاد والأدب الذي يعتبر تراثاً حضارياً لأمة من الأمم، ويكتبه أشخاص مشهورون ولهم شهرة أدبية عالمية، وترصد لهم الجوائز الدولية، وكذلك يتبادل على نطاق واسع جداً في الحياة.

    أما الأدب الرخيص الذي هو الأدب الشعبي عند كثير من الناس، فإن الحوانيت الغربية والمسارح الغربية تمتلئ بهذه القذارات وهذه الأوساخ والجنس المكشوف، وهذا أمر معروف وواضح خصوصاً مع ظهور القنوات الفضائية، إذ أصبح كثير من هؤلاء الذين يعتنون بالأدب يعتنون بالجنس على أنه أساس لنقل الآداب، وأصبحت كثير من القنوات تتفرغ لهذا الأمر، وتبث لساعات طويلة هذه الأوساخ والقاذورات.

    الأدب الغربي بكل مدارسه وبكل أفكاره صار يلتذ ويفرح ويعتبر ذلك من تميزه عندما يخرج على الله، وعندما يخرج على دين الله سبحانه وتعالى، وعندما يستهزئ بالأنبياء ويضحك عليهم، وعندما يستهزئ بقصص الصالحين السابقين، وعندما يستهزئ بالقيامة واليوم الآخر، والجنة والنار.. ونحو ذلك من المفاهيم الإسلامية الأساسية في دين الله عز وجل، يلتذ عندما يخرج على هذه المبادئ وهذه القوانين، كما أنه يفرح فرحاً شديداً عندما يصور حيوانية الإنسان وشبقه وتعلقه بالجنس إلى درجة كبيرة جداً، ومن جهة أخرى تعتبر معلماً بارزاً من المعالم الظاهرة في الأدب الأوروبي، وهي الشعور بتفاهة الحياة وأن الحياة لا قيمة لها، وأن الإنسان جهده ضائع في هذا الزمان، وأنه لا يدري لماذا وجد؟ وإلى متى سيستمر؟ وهل وراء هذا الكون إله؟ وإذا كان وراءه إله فأين هو؟ لماذا يتركنا هكذا؟ وهكذا يتعاملون في رواياتهم الأدبية أو في شعرهم أو في مسرحياتهم، أو حتى في الغناء مثلاً يتعاملون مع هذه الحقائق الشرعية بهذه الطريقة.

    1.   

    انتقال الآداب الأوربية إلى العالم الإسلامي والأمثلة على ذلك

    انتقلت هذه الآداب إلى العالم الإسلامي بكل صورها وبكل فضيحتها عن طريق الاستعمار، وعن طريق الاستشراق، وعن طريق التبشير، وأصبحت السخرية بالدين والجرأة على الله سبحانه وتعالى أمر واضح، ونضرب أمثله على هذا، وهذه الروايات يظهر فيها السخرية بالدين والسخرية بالملائكة، يقول أحدهم في رواية عبارة عن قصة طويلة جداً:

    (فيما حانت التفاتة من عبد الرحمن نحو الكيس الذي يحمله هشام العابر) وهشام العابر هذا هو الشخصية الرمزية التي يشير بها عن نفسه وعن ضميره.

    (ويشد عليه فقال وهو يضحك: ما تلك بيمينك يا هشام؟ فابتسم هشام وهو يقول: لا شيء، مجرد كولا تروي العطش، ولي فيها مآرب أخرى، وضحك الاثنان)

    وأيضاً يقول في استهزائه بالملائكة في الصفحة 19 وهو يتحدث عن وجوده في السجن: (نظر حوله مستكشفاً القبر الذي ألقي به فيه، إنه عبارة عن غرفة ضيقة بنافذة واحدة ذات قضبان فولاذية غليظة وسقف مرتفع، تتدلى منه لمبة، تصدر ضوءاً خافتاً كئيباً أقرب إلى ضوء سراج قديم في ليلة شديدة العتمة، جلس على فراشه المطوي وهو يتحسس القيود في رجليه، وينظر إلى البوابة أمامه متوقعاً أن يلج منكر ونكير في أي لحظة، ومعهم المرزبة الرهيبة، ولكن الوقت يمر ولا أحد يجيء، ثم نظر إلى النافذة وتلك النجوم التي تتبدى من ورائها على استحياء، وهو يتصور أن يأتي ملاك الرحمة من هنا وهناك، فينقله على جناحيه إلى حيث نسمة هواء طليقة، ولكن حتى الملائكة اختفت في هذه اللحظة، ويبدو أنها نفسها تخاف الدخول إلى هذا المكان، وليس إلا الرعب والسكون والانتظار)!

    ويسخر مثلاً بالملائكة فيقول في نفس الكتاب في الصفحة 37: (كان يتأملهم -يعني: الجلاد- فيما يظهر عندما سمع صوت الباب الخارجي يفتح، ويلج منه عسكري بعدة شرائط وقف في وسط الصالة، وأخذ يصيح بصوت أجش: هشام السجين هشام إبراهيم العابر، وأخذته رجفة عندما سمع اسمه يتردد في هذا المكان، وبدأ العرق يتصبب بغزارة من ثقوب جسده، لا بد أنه منكر ونكير، لقد حانت ساعة الحساب)!

    ويقول في السخرية من الله سبحانه وتعالى -والعياذ بالله- وهو يعلق على الامتحان الدراسي: (وابتسم هشام بالرغم منه، فشعبية الله مرتفعة هذه الأيام -يعني: أيام الاختبارات-، لو كان ماركس في هذا الموضوع لذكر الله كثيراً)!

    ويقول في صفحة: (مسكين أنت يا الله دائماً نحملك ما نقوم به من أخطاء).

    ويقول في صفحة 176 وهو في السجن واصفاً السيجارة بأنها عبارة عن الجنة، لأنه يتمنى هذه السيجارة، يقول: (رحماك يا الله! ولكن أين الله في هذا المكان، لقد ألغاه العقيد وجعل من نفسه رباً للمكان، رحماك يا عقيد! أريد جنتك فقد كوتني نارك، رحماك يا عقيد فذاتي تقتل ذاتي، رحماك يا عقيد احشرني مع الناس فأنا طامع في سيجارة، وبدون وعي منه هب واقفاً وأخذ يصرخ: يا حارس يا حارس، وجاء الحارس على مهل وهو يقول بغير اكتراث: نعم ماذا تريد؟ ثم يقول: خذني إلى إله المكان، أعني: خذني إلى العقيد، أريد المغفرة، خذني إلى العقيد)!

    ويقول أيضاً بالنسبة لكلامه على الإله: (الله والشيطان وجهان لعملة واحدة)!

    ويستهزئ بالأنبياء وأيضاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وقبيلة قريش فيقول: (ونخر عارف بضيق وهو يقول:...) كلمة قبيحة لا أستحل نقلها.

    وله كلام خبيث جداً غير هذا في القضايا الجنسية، فكما قلت عن الآداب الغربية أنها تأثرت بفكرة دارون وهو أن أصله حيوان، وتأثرت أيضاً بنظرية فرويد الذي يفسر الحركة الإنسانية بالجنس، فأصبح الجنس أساساً في أي رواية من هذه الروايات، لكنها كلمات وسخة لا أستحل نقلها.

    1.   

    انتشار فكرة الحداثة في العالم الإسلامي والأمثلة على ذلك

    انتشر هذا الأدب في العالم الإسلامي انتشاراً كبيراً، وظهرت ما تسمى بالحداثة، وفكرة الحداثة عبارة عن هدم كل ما هو موروث قديم، وإحياء منهج ما كان كل ما هو قديم، ولهذا يستهزئون بالتراث ويستهزئون بكل ما هو قديم، وهذا كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للدكتور عوض بن محمد القرني ، وهو من الكتب المتميزة في هذا الموضوع، نقل نصوصاً كثيرة، قدم له فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى وقرظ له، وقد نقل نصوصاً كثيرة تدل على اعتراف هؤلاء الحداثيين بأن منهجهم منهج متكامل وأنه منهج تغييري، وأنه ليس هو تغييراً في أسلوب الشعر العربي، فإن كثيراً من الحداثيين يريد أن يغيروا مجال المعركة بين المسلمين وبينهم، فيقول: نحن غاية ما عندنا هو أننا غيرنا في تركيبة الشعر العربي، فبدل ما يكون عمودياً مثلاً على أوزان الخليل المعروفة، غيرناه وعبرنا بتعبيرات أخرى، وليس هناك مشاحة في الاصطلاح، وهذا الكلام خطأ، بل إن الصحيح هو أنهم أصحاب منهج عقائدي محدد، وهم يعتمدون على الغموض في أشعارهم من أجل ترويج عقائدهم، ويمكن أن ننقل بعض النصوص:

    يقول: (وهذا كله فعالية لغوية تركز على التركيز على اللغة وما فيها من طاقة لفظية ولا شأن للمعنى بها؛ لأن المعنى هو قطب الدلالة النعتية، وهذا شيء انحرفت عنه الرسالة وعزفت عنه، ولذلك فلا بد من عزل المعنى وإبعاده عن تلقي النص الأدبي أو مناقشة حركة الإبداع الأدبي) وهو بهذا يدعو إلى فكرة أن الفن للفن، وأنه لا علاقة للدين بالأدب، وهي فكرة علمانية مشهورة، وعند هذا الدكتور وغيره فكرة خبيثة جداً وهي فكرة ما يسمونه بموت المؤلف، ويقصدون بالمؤلف كل متكلم، ويقصدون بالنص كل كلام، فيقولون: إن الإنسان إذا خرج منه النص فإنه ينقطع صلة هذا الإنسان بالنص الذي خرج منه، وحينئذ لا يفسر هذا النص على ضوء ما يعتقد هذا الإنسان، يمكن أن يفسر بألف تفسير، وهذه التفاسير المختلفة المتعددة المتناقضة جميعاً صحيحة، وهي فكرة خبيثة، بمعنى أنه يمكن أن تتكلم أنت بكلام، فإذا تكلمت أنت بكلام يمكن أن يفسر هذا النص على غير مقصودك؛ لأن الكلام لم يعد ملكاً لك، وإنما أصبح ملكاً للمجتمع، فيفسره كيفما يشتهي، والنص عندهم يشمل النص القرآني ويشمل النص النبوي، فالنص القرآني عندهم بعد أن تكلم به الله عز وجل، انقطعت الصلة بين الإله وبين هذا النص، وهم يعممون هذا الأمر، ولا يخصونه بالنص الآدمي أو كلام الناس، وإنما يقصدون بالنص كل ما خرج من متكلم أياً كان هذا المتكلم، وحينئذٍ يمكن أن يفسر القرآن بعدة تفسيرات مختلفة متناقضة لا تمت إلى المعنى وإلى اللفظ بصلة، وحينئذٍ يكون هذا المعنى صحيحاً، وهذا قريب من مذهب الباطنية الذي سبق أن أشرنا إليه، ولهذا نجد أن الحداثيين دائماً يحاولون أن يرتبطوا بالتراث عند هؤلاء الباطنية، فتجد أنهم يعظمون ابن سينا والحلاج وابن عربي ، ويعظمون أيضاً ثورة القرامطة والزنج، والثورات الباطنية التي قامت في التاريخ الإسلامي، يعظمونها ويقولون: إن النص يحتمل أكثر من معنى، ولهذا تجد في أشعارهم أنهم قد يأتون بكلمة، مثل أدونيس حاول أن يفسر للناس الشعر الحداثي الحر عندما قال: كان الله رماداً، قال: إن هذا كلام صحيح، لكن الناس فهموه خطأً، يعني: أن الإله نفسه صار رماداً، هو لا يقصد هذا، هو يقصد أن الناس الذين يعبدون الله ماتوا فأصبحوا مثل الرماد، وانتشر الكفر في حياة الناس، بهذه الطريقة يحاولون التخلص من الكلمات الفاجرة الخبيثة التي يتكلمون بها.

    إن الحداثيين أيها الإخوة أصحاب فكر وطرح تغييري للحياة كلها، ويريدون الثورة على كل ما هو قديم، ويريدون الخروج على كل ما هو قديم.

    يقول: (وما يلفت الانتباه في تجربة هؤلاء الشبان أنهم لا يخضعون للثوابت) الثوابت: جمع ثابت، وهي الأمور الثابتة عند الإنسان، مثل الدين والإيمان بالأنبياء والإيمان بالجنة والنار واليوم الآخر.. كل هذا من الثوابت.

    فيقول: (أنهم لا يخضعون للثوابت ولا يجترون -يعني: يسحبون- التعابير الشائعة والمبتذلة والسطحية مع حرصهم العميق على الربط بين الإبداع وضرورة التغيير)

    وهناك شخصيات حداثية مشهورة في العالم الإسلامي، هذه الشخصيات الحداثية أصبحت تمجد عند كثير من شباب المسلمين، وأصبحت تجد صورة هؤلاء في الملاحق دائماً، ويمدحون بشكل متميز، يمكن أن نشير إلى مجموعة منهم وأن ننقل نصوصهم.

    بالمناسبة أيها الإخوان هناك رسالة دكتوراة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان: الاتجاهات العقدية في الأدب العربي المعاصر للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي ، وقد استعرض أغلب الأدباء العرب الذين لهم روايات، ولهم أشعار مشهورة بين الاتجاهات العقدية في مضامينهم الشعرية، فمن هؤلاء مثلاً: محمد الفيتوري وهو رجل سوداني الأب ومصري الأم، ويقال: إنه ليبي الجنسية، وله ديوان في أكثر من مجلد يقول:

    لوددت لو أني سكبتك في دمي عرقاً إلهياً وعطراً

    لوددت أني خلقتك صورة تنمحي دهراً فدهراً

    وجرأة الحداثيين على مسائل الألوهية وغيرها واضحة جداً.

    ومن ذلك أيضاً قوله في نفس الديوان: (وكنت لا أعي، كنت أنا التمثال والإزميل والخالق)

    ويقول أيضاً الفيتوري : (لا شيء لكي أكتب الكلمة، فالكلمة في شفة الله، والله على الأرض سجين)! لعنه الله.

    ويقول أيضاً: (عندما غسلتني المحبة أبصرت في وجهها الله، حدقت في مقلتيه المفرغتين من الشمس والحلم حتى تساقط نصف القناع)!

    وهكذا نقل الدكتور كثيراً من أبيات هذا الرجل الزنديق الكافر الملحد وهو واضح في كفره، يقول مثلاً هذا الزنديق: (فوق روضٍ نضير وجهُ إلهٍ غريب معذب مقهور)!

    ويقول أيضاً في نفس الديوان: (وحتى الطغاة الذين انتهوا وآلهة البشر الساقطين)!

    ويقول عن عشيقته: (يا إلهي هذا رفات جسدي)!

    ويقول: (آلهة البحار صارت جيفاً، وآسفاً)!

    ويقول في قصيدة له بعنوان: ثرثرة برجوازية: (الآلهة الغرقى في العطر تقهقهوا في الردهات، الآلهة الموتى تقلب أعينها الشهوانية)!

    ويقول عن أفريقيا: (صوتك يا إفريقيا صوت الإله)!

    وهكذا، هؤلاء يتجرءون على الله عز وجل، ويرون أن هذا له تأثير في ظهور الأدب، وهم يحاكون ويقلدون ويمشون وراء الأدب الغربي حذو القذة بالقذة، لما خرج الأوروبيون بآدابهم وسياساتهم واقتصادهم على الدين وخرجوا على الله عز وجل، جاء هؤلاء الحمقى وقلدوا أولئك، وظنوا أن الخروج عن الدين فيه خير لهم، وفيه فلاحهم، ويردد كثيراً: آلهة الموت وآلهة الخراب، ونحو ذلك، ويمكن مراجعة ديوانه للتثبت من ذلك.

    ويقول: (ومالت الأشجار في حديقة الله..) ونحو ذلك من العبارات القبيحة السيئة التي يستهزئ فيها بالأنبياء، مثلاً يقول في سياق عنصريته الزنجية يتحدث عن نيويورك:

    وتجهش مخنوقة بالبكاء

    لأنكِ أم وإن كنتِ قاتلة الأنبياء

    وهكذا يعتبر هذا الشاعر أديباً كبيراً من أدبائهم الذين يعظمونهم، وقد ذكر الشيخ عوض القرني في كتابه الحداثة في ميزان الإسلام، الذي قدم له الشيخ نصوصاً كثيرة، وذكر رموزاً لهؤلاء الحداثيين.

    ومنهم عبد العزيز المقالح ، وهذا رجل شيوعي وهو رئيس جامعة صنعاء الآن، له ديوان مشهور، جعل إحدى قصائده بعنوان (قبلة إلى بكين)، يقول عن بكين عاصمة الصين الشيوعية:

    متى أمر تحت قوس النصر

    في ساحتك الحمراء

    أرسم قبلة على الجبين

    جبينك الأخضر يا بكين

    أطلق باسم اليمن الخضراء

    حمامة بيضاء

    متى أسير لو أمتار في الدرب

    حيث سارت رحلة النهار

    رحلة ماو -و(ماو) هذا أحد الشيوعين الصينيين- والرجال الأنصار

    ورحلة كل الطيبين، متى متى؟

    ويقول قاتله الله:

    (صار الله رماداً صمتاً رعباً في كف الجلادين

    حقلاً ينبت سبحات وعمائم، بين الرب الأغنية الثروة، والرب القادم من هوليود

    كان الله قديماً حباً، كان سحابة، كان نهاراً في الليل، أغنية تغسل بالأمطار الخضراء تجاعيد الأرض)!

    وهكذا هذه الكفريات.

    ومن رموزهم أيضاً عبد الوهاب البياتي وهذا شيوعي عراقي توفي قبل سنوات، هذا الرجل يقول في ديوانه (كلمات لا تموت):

    الله في مدينتي يبيعه اليهود

    الله في مدينتي مشرد طريد

    أراده الغزاة أن يكون

    لهم أجيراً شاعراً قواد

    يخدع في قيثاره المذهب العباد

    لكنه أصيب بالجنون

    لأنه أراد أن يصون زنابق الحقول

    من جرادهم أراد أن يكون

    ومع هذا يجد هذا الرجل الذي يتجرأ على الله ويسب الله من يعظمه ويثني عليه ويفرح به ويلتقي به، هؤلاء الزنادقة لهم تلاميذ في بلدان المسلمين، وهم كثيرون وبأسماء عربية، ولهم وجود كبير في حياة المسلمين وكثيراً منهم يمسك بخناق الصحف والملاحق الأدبية وبعض الأندية الأدبية.

    تركي الحمد الذي سمعتم زندقته وكفره في إحدى الملاحق الأدبية ملحق الأربعاء التابع لصحيفة المدينة أظهروه على أنه أبرز أديب في السنة الماضية، أديب يسب الله ويسب الرسول ويسب الأنبياء ويسب القدر، ماذا بقي إذاً من الدين عند هؤلاء وعند هذا الرجل.

    ومن رموزهم أيضاً محمود درويش وهو رجل شيوعي أيضاً، ولهذا تلاحظون أن أغلب هؤلاء أو يكاد يكونون كلهم لهم صلة بالشيوعيين، كما سبق أن أشرنا في كتاب (ما الحداثة) الذي ألفه الفرنسي هنري لوفيفر ، فإنه كما قلت بالنص هكذا يقول: (أن الحداثة هي ظل الثورة) والثورة هي الثورة الشيوعية.

    يقول: (ظل الثورة الغائب هنا -يعني: في فرنسا- القائمة هناك -يعني: في موسكو)

    هذا الرجل الشيوعي محمود درويش هو عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وجنسيته إسرائيلية كما يذكرون، وله ديوان يسمى (حصاد لمدائح البحر) وقد نقل في رسالة الدكتور نصوص عن هذا الرجل الخبيث الذي هو الشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول لعشيقته:

    (نامي فعين الله نائمة عنا وأسراب الشحارير)!

    ويقول: (هكذا الدنيا وأنت الآن يا جلاد أقوى ولد الله وكان الشرطي)!

    وله كلمات كفرية يقول مثلاً: (يوم كان الإله يجلد عبده قلت: يا ناس نكفر)!

    وأيضاً له نصوص أخرى يقول: (فخذوا وقتكم لكي تقتلوا الله).

    وأصبح هؤلاء يتمتعون بالكلام على الإله وسب الله وسب الأنبياء وسب الملائكة وسب الجنة والنار، والاستهزاء بها، يتمتعون ويعتقدون أنه تميز في الأدب، ويعتقدون أن هذا من الجرأة التي تدل على التغيير، ولهذا ينص كثير من هؤلاء على أن التغيير المطلوب والحداثة المطلوبة تبدأ من هدم القديم، فأنت إذا أردت أن تكون حداثياً فاهدم كل ما هو ماضٍ، اهدم الدين واهدم الأنبياء واهدم الرسل، واهدم الإله، لأنه هو الأول ليس قبله شيء، واهدم هذه الأشياء لتبني مجتمعاً حديثاً لا صلة له بالقديم.

    1.   

    من مميزات الأدب الحداثي ورموزه الظاهرة

    من الأمور التي تظهر في الأدب الأوروبي المعاصر هو الاضطراب والشعور بعدم الانتماء وأيضاً القلق، ولهذا تلاحظونها أنتم في الآداب الأوروبية، وفي القنوات الفضائية التي تنشر الغناء الأوروبي مثلاً، تنشر رقصاً غير طبيعيٍّ مزعج غير منظم، يكبر فيه رأس الإنسان ويصغر في آن واحد، ويستخدمون المؤثرات السينمائية لهذا الغرض، وهكذا يشعرون بالفوضى النفسية، وأصبحت الفوضى عندهم مقصودة في حد ذاتها، ولهذا ظهر عبدة الشيطان في أوروبا وفي العالم الإسلامي من خلال الاستماع والرقص على موسيقى (الروك) كما يسمونها، هذه الموسيقى المزعجة الصاخبة التي تجعلهم يصيحون ويرقصون رقصاً غير منظم حتى يسقطون على وجوههم مع المخدرات ومع الجنس، كونت هذه الطوائف الغريبة التي تعبد الشيطان وتعبد الهوى وتعبد أي شيء، ولا تريد أن تعبد، وتريد أن تلعب ولا تريد أن تلعب؛ جنون غريب في حياة هذا الإنسان، ويرون أن الجنون في حد ذاته مقصود، وأنه يدل على رقي الآداب وعلى العمق الأدبي الذي وصلوا إليه!

    ومن رموزهم أيضاً (أدونيس) وهو رجل يسمى علي أحمد سعيد ، وهو نصيري من الباطنية، فليس غريباً أن يقول هذه المقالات، وقد سمى نفسه أدونيس ويقول في بعض كتبه عن سيرة حياته: (التحقت بالحزب القومي السوري الذي أسسه أنطون سعادة ) وقد سبق أن أشرت إلى هذا الحزب، وقلت: إن هذا الحزب أسسه أنطون سعادة وهو من النصارى العرب الذين لهم تأثير كبير جداً في نشر التغريب في حياة المسلمين، قام أنطون سعادة فأسس الحزب القومي السوري وانخرط فيه أدونيس، ومن أكبر المعالم العقائدية الذي يدعو إليها هذا الحزب تعظيم الحضارة الفينيقية، وأدونيس هذا اسم لإله من آلهة الفينيقية، تسمى باسمه هذا الرجل الذي هو علي أحمد سعيد ، فسمي أدونيس من تلك اللحظة، ألف كتاباً سماه (أغاني مهيار الدمشقي ) وله كتب متعددة، وهذا الرجل له كتاب، وهو عبارة عن رسالة دكتوراة في ثلاث مجلدات تقريباً اسمه (الثابت والمتحول) قنن فيه للفكر الحداثي تقنيناً واضحاً، وأنه منهج يراد منه تغيير الحياة بأكملها بما في ذلك الأنبياء والأديان والإله ونحو ذلك، والشيخ عوض نقل بعض النصوص من هذه الكتب منها:

    يقول: (الأدب والحق هو الذي يعبر عن الحياة، ومن أعقد مشكلات الحياة العربية وأكثرها حضوراً وإلحاحاً مشكلة الجنس) يذهبون ويأتون إلى الجنس نظرية دارون ونظرية فرويد .

    (لكن حين يعالجها كاتب شاب بأقل ما يمكن من الصراحة والجرأة تهب في وجهه رياح التأفف والشتيمة، ومن أعقد مشكلاتنا مشكلة الله وما يتصل بها مباشرة في الطبيعة وفيما بعدها، ونعرف جميعاً ماذا يهيأ للذين يعالجونها) الذي يهيأ قصده التكفير، وهذا أمر واضح، والذي لا يكفر هؤلاء الذين يجرءون على الله ويجرءون على الأنبياء بهذه الطريقة ليس بمسلم، فلو أن إنساناً توقف في كفرهم وقال: لا أدري يمكن أن يكونوا كفاراً، لكان كافراً هو؛ لأن هذا كفر واضح ليس عليه غبار ولا شك، ولا يحتمله شيء، ولهذا سب الله وسب الأنبياء وسب الأديان وهذه العقائد الواضحة البينة لا شك أنها كفر محض، وحتى المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان هو التصديق يكفرونهم، وكل الطوائف متفقة على كفر هؤلاء، حتى المرجئة؛ لأنهم يقولون: إن سب الله دليل على استحلال القلب فهو كافر.

    ويقول: (ومن أعقد مشكلاتنا أيضاً وأكثرها إلحاحاً وحضوراً مشكلة القيم والتراث) هذا هو شيخ الحداثيين، ويسمون كتابه الثابت والمتحول إنجيل الحداثيين؛ لأنه يعتبر من الكتب المتميزة عندهم.

    ومن الحداثيين العرب صلاح عبد الصبور ويقول في ديوانه: (والشيطان خالقنا ليجرح قدرة الله العظيم)!

    وهناك مجموعة من الحداثيين مثل حسين مروه الشيوعي اللبناني الذي قتل، ومثل عبد الله العروي المفكر المغربي، ومحمد عابد الجابري المفكر المغربي، وأمل دنقل وفاروق شوشة وسهيل إدريس وأمثال هؤلاء من الحداثيين الذين تنضح كتبهم بالكفر والعياذ بالله، وكثير منهم يؤلفها على شكل رواية أو قصيدة غير عمودية وما إلى ذلك.

    وقد انتقلت هذه الحداثة إلى بعض المنتسبين إلى الإسلام في حياة المسلمين الآن، يقول أحد الشعراء وهو حداثي مشهور يعتبرونه مبدعاً نشر قصيدة له يقول فيها:

    أرضنا البيد غارقة

    طوف الليل أرجاءها

    وكساها بعسجده الهاشمي

    فدانت لعاداته معبداً

    طبعاً أي إنسان يعلم من هو الهاشمي؟ ومن هو الذي يتعبد الناس لعاداته حسب تصوره.

    ويقول: أرضنا البيد غارقة، طوف الليل أرجاءها، والليل كناية عن الجهل والظلام.

    فإذا كان الإنسان بهذه الجرأة يتجرأ على الدين ويتجرأ على النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تنتظر منه؟

    وهكذا كثير من هؤلاء الشباب يقلدونهم، وأقل شأنهم أنهم يعظمون هؤلاء، ويمكن أن تراجعوا كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) ستجدون فيه مادة غزيرة موثقة لهؤلاء الحداثيين، ويمكن أن تراجعوا كتاب (الاتجاهات العقدية في الأدب العربي المعاصر) وهو رسالة دكتوراة في جامعة الإمام، ويمكن أن تراجعوا مقالاً للدكتور مصطفى هدارة رحمه الله، وهو دكتور مصري توفي رحمه الله قبل سنوات، قدم إلى هذه البلاد وألقى مجموعة محاضرات في جدة وفي مكة وفي الرياض، وكشف الحداثة، وكتب مقالاً طويلاً يمكن أن يراجع في مجلة الحرس الوطني في شهر ربيع الأول عام 1410هـ، كتب مقالاً عن الحداثة وبين أصولها الفكرية والعقائدية، وبين أنها كفر مبين.

    وممن كان يكتب عن هؤلاء أيضاً محمد مليباري رحمه الله، كان له عمود في جريدة الندوة بين الكفر المبين عند هؤلاء الحداثيين، والحداثة هي عبارة عن مذهب غربي انتقل إلى العالم الإسلامي وصار له في العالم العربي رموز، وقد أشرنا إلى أسماء بعضهم، وصار لهؤلاء الرموز تلاميذ في بلادنا يدعون إليهم ويعظمونهم، وقد توصل هؤلاء التلاميذ إلى بعض الملاحق الأدبية فعظموا مثل هؤلاء، وهناك نصوص موثقة لهؤلاء كما قلت في هذا الكتاب.

    أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يعيذنا من هؤلاء الأعداء، وأن يحفظ شباب الأمة منهم؛ إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    1.   

    الأسئلة

    خروج رجاء جارودي من كفر إلى كفر آخر

    السؤال: استبشر المسلمون بدخول رجاء جارودي الإسلام، لكنه ظهر على حقيقته، نريد توضيح هذا؟

    الجواب: رجاء جارودي كان شيوعياً في الحزب الشيوعي الفرنسي، وكان فيما يذكر أنه الرجل الثاني في الحزب الشيوعي، وفجأة أعلن جارودي إسلامه، لكن أعلن إسلامه على طريقة أصحاب وحدة الوجود الذين هم طريقة ابن عربي وأمثاله ممن يرى أن الوجود إله واحد، ويقول:

    العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف

    إن قلت عبد فذاك رب أو قلت ربٌ أنى يكلف

    وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كلام في رجاء جارودي ، وهو أنه لم يسلم أصلاً ما دام أنه خرج من الشيوعية والنصرانية إلى مذهب وحدة الوجود، فهو خرج من كفر إلى كفر آخر، مثل يهودي يخرج من اليهودية إلى البوذية، وكون أهل وحدة الوجود ينتسبون إلى الإسلام لا يعني أنه أسلم.

    النصيحة بالرد على كتابات الحداثيين في الصحف

    السؤال: يوجد كتابات لبعض الحداثيين في الصحف هل ينصح بالرد عليهم؟

    الجواب: نعم، إذا كانت هناك مخالفات في كتابات هؤلاء فلا بد من الرد عليهم؛ لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالنسبة للرد على مثل هؤلاء لا بد أن يكون عند الإنسان علم وعنده قدره على التعبير ومعرفة الأدلة، وترتيب الكلام بشكل جيد، بحيث إنه يكون مقنعاً، أما أن ترد على شخص بصياح وكلام لا فائدة فيه فلا أرى أن هذا مناسب، فإذا أراد إنسان أن يرد على صاحب فكر منحرف، يجب أن يكون عنده علم حتى يرد، وإذا لم يكن عنده علم يكفيه أن يعلم هذا الفكر المنحرف ليحذر هو منه، ويحذر من يستطيع من المسلمين من هذا الفكر المنحرف، ويمكن أن يناصح من ينشر له بالكلمة الطيبة وبالتي هي أحسن، ويكشف له عوار هؤلاء، فربما بعضهم لا يدري عن هؤلاء، ولم يعرف هذه النصوص التي تنقل عنهم.

    الفوائد المرجوة عند الكلام عن العلمانية والحداثة

    السؤال: ما هي الفائدة المرجوة عندما نتكلم على العلمانية والحداثة؟

    الجواب: هذا كلام ممتاز جداً، الفائدة المرجوة من هذا هو أن نحذر، الله عز وجل يقول: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55]، وقد سبق أن ذكرت في بداية هذه الدورة أن الأنبياء جاءوا بالدعوة إلى أمرين:

    الأمر الأول: عبادة الله.

    الأمر الثاني: الكفر بالطاغوت.

    كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فمن حقائق هذا الدين كشف الباطل وبيان باطله واعتقاد بطلانه والحذر من أهله، لكن عندما نسكت عن هؤلاء ولا نتكلم عنهم، أو عندما نغفل عنهم سيخترق هؤلاء المسلمين ويأخذونهم واحداً واحداً، ويؤثرون فيهم، وتنتشر رقعتهم، لكن عندما يحذر منهم يخاف الناس من هذا العقائد الباطلة ويتركونهم، ولهذا لابد من التحذير من الباطل أياً كان سواء كان هذا الباطل العلمانية، أو كان هذا الباطل الحداثة، أو كان هذا الباطل الشيوعية أو الديمقراطية أو الفرق الضالة، لا بد من بيان الباطل حتى يحذر المسلم في نفسه، ويحذر من يستطيع من المسلمين، وكذلك التحذير من أصحاب الشهوات، ما هي الفائدة منه عندما يحذر إنسان من أصحاب الشهوات؟

    الجواب: حتى يضعف الفاسق، وحتى يحذره المسلمون، فلا يذهبون إلى مكان شهوته، ومن حقائق الإسلام العامة الكبرى قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ذم الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل لتركهم هذا الركن العظيم من دين الله عز وجل، يقول الله عز وجل: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79]، قال العلماء كما يقول ابن عطية في التفسير وغيره: لو كانوا يتعاطون الكئوس -يعني: كئوس الخمور- هذا يسقي هذا، لوجب على كل واحد أن ينهى صاحبه عن ذلك. فكيف بأهل الإسلام الذين ينصحون المسلمين، هذا أمر واجب، ولهذا سئل الإمام أحمد رحمه الله: الرجل يصوم ويصلي ولا يتكلم عن أهل البدع خير أم الذي يتكلم على أهل البدع؟ قال: لا، الذي يتكلم على أهل البدع. ولهذا تكلم الإمام أحمد على أهل البدع، وتكلم الأئمة من بعده، وقد ذكرنا سابقاً عن أبي إسماعيل الهروي أنه قال: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، وإنما يقال: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت. لماذا؟ لأن توضيح الحق للناس وكشف باطل المبطلين ضروري من الضرورات الشرعية الأساسية.

    وهناك أمر مهم جداً في الدين وهو ما يسمى بمقاصد الشريعة، هذه الشريعة التي أنزلها الله عز وجل لها مقاصد ولها أهداف، فمن مقاصدها حفظ الدين، وحفظ الدين يقتضي تعليم الناس الدين على حقيقته؛ لأنه إذا لم يعلم الناس الدين جهلوه فاندرس فلم يتحقق هذا المقصد، ومن مقاصده: كشف الباطل حتى لا يلتبس الحق بالباطل؛ لأن الله عز وجل يقول: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:42].

    ومن مقاصد الدعوة الإسلامية الكبرى: تمييز الحق عن الباطل، وتوضيح الحق للناس ليعتقدوه فيدخلوا الجنة.

    ومن مقاصدها أيضاً: توضيح الباطل للناس، فبعض الناس يقول: لماذا لا تصلي وتصوم وتجلس في بيتك، لماذا الكلام على الناس؟ نقول: هذا الكلام العام خطأ، إذا كان هؤلاء الناس ضالين منحرفين كفاراً يسبون الإله ويسبون الدين، فالكلام عليهم واجب، والتحذير منهم واجب، وتكفيرهم واجب، وجهادهم واجب، وإقامة حد الردة عليهم من ولي الأمر واجب، وهكذا واجبات كثيرة متعلقة بالمسلمين، سواء كانوا على شكل فردي أو على شكل مجموعة لهم سلطان وإمام، وكذلك أيضاً اعتقاد كفر المشرك نفسه وبيان الشرك نفسه أمر ضروري في دين الله سبحانه وتعالى، ولهذا يسأل كثير من الإخوان، يقول: ما هي الفائدة المرجوة عندما نتكلم عن العلمانية وغيرها؟ نحن ناس طيبون، لا نتكلم عن العلمانية، لماذا نتكلم؟

    نقول: أولاً: لنحذرها؛ لأن كثيراً من الطيبين قد توجد عنده أفكار علمانية وهو لا يشعر.

    ثانياً: أن نحذر المسلمين من هذا الخطر العظيم، من هؤلاء الكتاب وهؤلاء الشعراء والروائيين نحذرهم حتى لا يقرءوا تراثهم فيتأثروا بهم، وكم من الشباب اقتنصهم هؤلاء عن طريق الأدب والشعر، يأتي شاب معجب بالأدب وعنده موهبة الشعر فيكتب قصيدة ملخبطة ويرسلها إلى بعض هؤلاء، فيعظمها هذا ويبروزها ويجملها ويحسنها، ويأتي يمدح هذا الكاتب ويثني عليه ويفرح به، ويبدأ يتناقلها النقاد الكبار فيعظمونه، فيبدأ الشاب لا يصدق أنه بهذه الصورة فيرتفع قليلاً قليلاً قليلاً، حتى يصل إلى الكفر والعياذ بالله، كما هي طريقة الباطنية، في البداية يسترون عقائدهم وفي النهاية يظهرونها بعد ذلك.

    الحذر من الروايات الأدبية التي تتكلم عن الجنس

    السؤال: هذه النصوص قد تزيد الحب في القلب والجنس، فكيف يتخلص منها خاصة الإنسان الذي وقع في قلبه شيء من الحب، وهو يعيش حياة تفكير في الحب والجنس؟

    الجواب: النصوص هذه نحن ما نقلناها إلا للضرورة، ما نقلناها لنتفكه بها، أو نقلناها فرحاً بها، بل نقلناها حتى يعرف الإنسان أن هؤلاء كفار وملاحدة، فأحياناً ربما إنسان يقول: هذا كافر، ملحد يستهزئ بالله، فيقول القائل: كيف تسب الناس وتتكلم عليهم؟ لكن عندما تأتي وتقول: هذا يقول: الله والشيطان وجهان لعملة واحدة، هذا نص واضح، وعبارة: مسكين أنت يا الله، ونحو ذلك من العبارات، وعبارة: الله في بلادي تطرده اليهود، أو: كان الله رماداً، نصوص واضحة تدل على الكفر المبين، وحينئذ يدرك الإنسان هذا الأمر.

    أما ما أشار إليه الأخ من أنه قد يكون إنسان مبتلى بمسألة العشق والحب، فهذا أمر آخر، فإن العاطفة لها تأثير كبير على حياة الإنسان، وإذا لم يضبط الإنسان عواطفه بمقتضى الشرع فإنه يضيع ويضل، ولهذا ظهر عشاق أصبحوا يجعلون التودد إلى درجة التعبد لغير الله عز وجل، وأنتم تعلمون أن العبادة مكونة من أمرين: الخضوع والذل والمحبة لله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، وهذا الحب هو حب التأله والتذلل، وهناك شرك يسمى شرك المحبة، وهو الشرك الذي يجعل الإنسان يطيع محبوبه في الكفر أو في المعصية، وهو الذي يجعل الإنسان عند محبوبه ذليلاً مطيعاً طاعة تامة، مثل محبة الصوفية لأوليائهم ومحبة الشيعة لأئمتهم، ومثل بعض عشاق الصور، وبعض الناس قد يبتلى بهذا الحب وهو كما يعبرون بقولهم: الحب عذاب، وهو فعلاً عذاب في الدنيا وعذاب في الآخر، ولهذا يقول نصيب :

    فما في الأرض أشقى من محب ولو وجد الهوى حلو المذاق

    تراه باكياً في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق

    إلى آخر الأبيات، ويمكن مراجعة كلام ابن القيم في هذا الموضوع في (الداء والدواء) ومراجعة أيضاً كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (العبودية) وفي (التحفة العراقية) وغيرها.

    عدم جواز القول بأن الإسلام هو الفلسفة الحديثة

    السؤال: هناك من ينادي بأن الإسلام هو الفلسفة الحديثة؟

    الجواب: كلمة الفلسفة هي اصطلاح، وهي كلمة يونانية مركبة من كلمتين (فيلا) و(سوف)، (فيلا) يعني: الحكمة، و(سوف) يعني: عاشق، فمعناها عاشق الحكمة، وهي عبارة عن منهج وعقيدة ودين نشأ عند اليونان الذين كانوا بعيدين عن النبوات، وأرادوا أن يتعرفوا على ما يسمونه بالميتافيزيقيا وهي ما وراء الطبيعة، فأرادوا أن يتعرفوا على هذه، فتعرفوا عليها من خلال العقل، والعقل كما تعلمون لا يهدي ولا يكفي الإنسان في الهداية إلى الصراط المستقيم، فصارت الفلسفة فكراً محدداً عن أفلاطون يتكون من عدة آراء كفرهم السلف رضوان الله عليهم بها، وأصلاً هم كفار ولم ينتسبوا للإسلام، لكن وجد في القديم أشخاص أخذوا أفكارهم مثل الحداثيين هؤلاء والعلمانيين الذين أخذوا المذاهب الغربية قديماً مثل ابن سينا والفارابي وابن الراوندي ، فأخذوا هذه الأفكار، أفكار الفلاسفة ونشروها في المسلمين، وكفرهم أبو حامد الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) لثلاثة أشياء:

    الأمر الأول: لقولهم بقدم العالم.

    الأمر الثاني: لإنكارهم للبعث الجسماني.

    الأمر الثالث: لإنكارهم لعلم الله تعالى بالجزئيات.

    ولهذا لا يقال: الإسلام فلسفة؛ لأن فلسفة يقصد بها الجهة المعروفة، وهي الديانة التي عليها أرسطو وأفلاطون وأفلوطين وفيثاغورس وهؤلاء الفلاسفة المشهورين.

    بلاغة القرآن وفصاحته في بيان العقيدة

    السؤال: إن السبب الذي جعل هذه الأفكار تروج هو أنه لم يوجد عرض جميل للعقيدة الصحيحة بأساليب، فأساليب عرض العقيدة تفتقر إلى هذا؟

    الجواب: أنا أختلف حقيقة مع الأخ هذا في هذا الأمر، قد يوجد في بعض الأشخاص أنهم لا يحسنون العرض، لكن لا يعني هذا: أن العقيدة لم تعرض عرضاً صحيحاً، العقيدة عرضت في القرآن، وعرض القرآن أفضل عرض، وهو مقنع وبرهاني، وأدلته واضحة وكلام النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً من أفضل العرض للعقيدة، فليس هناك عرض عندنا أفضل من عرض القرآن أبداً، ولهذا لا يمكن أن نأتي بأفضل من تفسير القرآن، وتوضيح الحق للناس من خلال المنهج القرآني، لكن الذي جعل هؤلاء ينتسبون إلى هذه المذاهب عدة أمور:

    الأمر الأول: ضخامة المشكلة الموجودة في العالم الإسلامي، وهي مشكلة التغريب على الصعيد العقائدي وعلى الصعيد الأخلاقي.

    الأمر الثاني: الضعف التربوي عند كثير من الناس بسبب عدم تعلم الدين الصحيح، فهناك ضعف في مناهج التعليم، وفي تعليم الناس الدين الصحيح، وضعف في الأسرة وضعف في وسائل الإعلام في كثير من بلدان المسلمين، مما جعل كثيراً من الناس يتخرج من أعلى المستويات، وهو يجهل أبجديات العقيدة الأساسية ويجهل أحكامها!

    الأمر الثالث: الإعراض عن الدين، فهذه العقائد جاءت إلى قلوب خاوية، فتمكنت من هذه القلوب الخاوية الفارغة من العقيدة الصحيحة، لكن عندما يعرف الإنسان وظيفته في الوجود، وأنه عبادة الله عز وجل، فإن هذا يدعوه لتعلم القرآن وتعلم السنة، ولهذا نلمس الضياع الموجود في شباب المسلمين الآن، وعدم اهتمامهم بتعلم دينهم إلى درجة أن كثيراً من الشباب لو تقول له: اقرأ القرآن، فإنه لا يحسن قراءة القرآن، فإذا كانت القراءة لا يحسنها فكيف يحسن الفهم؟! وكيف سيفهم العقيدة من القرآن؟! وعلى مستوى شباب المسلمين عموماً كثير منهم لا يعطي الدين وقراءة الدين ولا ساعة من يومه، ومع ذلك يوجد شباب أخيار فضلاء يجتهدون في طلب العلم ويتفهمون العقائد الصحيحة بشكل جيد، لكن أنا أتكلم بشكل عام عن هذا الإعراض وهذا الهجر للدين، وأصبح الدين ليس جزءاً أساسياً من كيان الإنسان ومن وقته، أصبح هذا الإنسان مرتعاً خصباً لكل فكر، خصوصاً مع تلون هذه الأفكار وتنوعها وغزوها للشباب بطرق مختلفة، والقوة الاقتصادية والفنية الموجودة عند هؤلاء في إدخال هذه العقائد للناس.

    ولهذا يا إخوان: هل مر عليكم في زمان من أزمان المسلمين أن عبد الشيطان؟! فقد عبد الشيطان وكما تعلمون أنه في عام 1417 تقريباً اكتشفت السلطات المصرية جماعة عبدوا الشيطان من دون الله سبحانه وتعالى! مجموعة من الشباب والشابات يعتمدون على الرقص على موسيقى (الروك) الذي سبق أن أشرنا إليها وغيرها من الطراز الغربي، ويعتمدون على المخدرات والجنس، فأرادوا أن يعبدوا أي شيء، إلى درجة أنهم عبدوا العدو المشهور عند كل الديانات وهو الشيطان الرجيم، مهما تغير اسمه!

    هذا الفراغ العقدي الموجود عند شباب المسلمين جعلهم مرتعاً خصباً لهذه الأفكار وهذه المناهج، خصوصاً الشباب الذين بدءوا يجدون وبدءوا يهتمون فيقرءون، فلم يجدوا إلا تراث العلمانيين بين أيديهم، أو لم يوجهوا إلا لهذا فقرءوه، فصاروا مثلهم والعياذ بالله مع تقدم السنين والأزمان، ولهذا فإن العلاج يكون بتوعية الشباب بدين الله، وبملء الفراغ الموجود في قلوب الشباب، وفي قلب كل إنسان له أخ أو له أخت أو له ابن أو له بنت أو له زوجة أو له أب، يملأ هذا الفراغ الموجود بالعقيدة الصحيحة، وهذا يدل على أن الدعوة إلى الله عز وجل ضرورية، وأن السؤال الذي ألف أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى عليه كتاباً وهو: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ له أجوبة كثيرة جداً، هي في الحقيقة شجون وآلام لحياة العالم كله، فضلاً عن حياة المسلمين، فإذا كانت خسارتنا نحن المسلمين بفقد الإسلام كبيرة جداً، فلا شك أن خسارة العالم خسارة كبيرة ونسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين لكل خير.

    وجود الثقافة الغربية عند كثير من الشباب المسلمين

    السؤال: لقد وجدت مصداقية كلامك عن انخداع الشباب في مثل هؤلاء، فقد وجدت أحد الشباب ومعه كتاب الشعر لـنزار قباني وهو معجب به ويقول لي: أتنظر لهذه البلاغة العجيبة؟

    الجواب: الثقافة التي أصبحت الآن موجودة عند كثير من الشباب، هي ثقافة الجنس وثقافة الحب، ولهذا يحرصون على الكتب التي تتكلم عن الحب والعلاقات المحرمة ونحو ذلك، والذي شجع على هذا الحرب الشرسة الموجهة نحو الفضيلة في قلوب الشباب والفتيات من خلال القنوات الفضائية، التي أصبحت متاحة لكل أحد في زماننا هذا، وإلى درجة أن الإنسان في غرفة النوم يمكن أن يلتقط أبعد مدينة في العالم الغربي من مدن الفساد والانحلال، وأصبح الفساد الأخلاقي الغربي مثل الجنس وغيرها ينشر لعشرات الألوف، بل ملايين المسلمين يمكن أن يشاهدوا هذا، ولهذا كونت في نفوس هؤلاء الشباب محبة الجنس، ولغياب الهوية والعقيدة الصحيحة في نفوسهم اتجهوا نحو الخمر والمخدرات، وتكونت من هذه وتلك مع التشبه بالغرب مثل هذه الاتجاهات وهذه العقائد المضلة الفاسدة، ولهذا يا إخواني هناك جمعيات مغرضة خارج هذه البلاد تسمى جمعيات الصداقة، هذه الجمعيات تنشر أرقامها من خلال القنوات الفضائية ومن خلال الصحف ليتصل بها عشرات الشباب، وبالذات شباب هذه البلاد، يتصلون بها ويجلسون الأوقات الطويلة ينسقون بين شاب وفتاة، وفتاة وشاب آخر، تارة في كندا وتارة في استراليا وتارة في السويد وتارة في أمريكا وتارة هناك وهناك، ويغرونهم بتنمية العواطف، ويأتون للشباب بنساء عاريات، ولا شك أن المقصود من هذا هو تدمير الشباب، ولهذا إذا لم نهتم بإصلاح هؤلاء الشباب فإنهم سيفسدون مع مرور الأيام، ومع السنين القادمة سيفسد عدد كبير جداً، فإذا كانت التمثيلات العربية التي تبث على المسلمين من قبل خمسين سنة تقريباً ويراها المسلمون، هي نشر للفساد بشكل قوي جداً، فكيف إذا كان الناشر لهذا الفساد هم الغرب؟ ماذا تنتظرون من الغرب الذي فقد دينه وفقد خلقه وفقد حضارته وفقد تراثه وفقد كل شيء، نعم لقد فقد كل شيء، فماذا تنتظرون من هذا؟! وهو يريد الآخرين أن يفقدوا أيضاً كل شيء، ولهذا لا بد من الحذر بالنسبة لنا ومن تحذير المسلمين، بل إني أعلم أن بعض الشباب الأخيار الطيبين قد يتساهل، فينظر إلى القنوات الفضائية، ويأتي إلى فندق يتمشى ويتساهل ويشاهد، أو يدعوه صديق من الأصدقاء فينظر، أو من خلال الإنترنت، وطبيعي أن الإنسان عنده طاقة، وعنده رغبة، وإذا حركت الشهوة في نفسه ستتحرك، فإذا نظر إلى القنوات الفضائية سيجد نساء أحسن من زوجته في الجمال؛ لأنه مهما كانت زوجتك جميلة، ومهما أعجبت بها ستجد غيرها أجمل، وهكذا الفتاة ترى في الرجال الموجودين الذين يصورون على شاشة التلفاز أو القنوات الفضائية من هم أجمل منك، وهذا الأمر سبب عدة مفاسد:

    المفسدة الأولى: الاختلاط.

    المفسدة الثانية: الخيانة الزوجية سواءً من جهة الزوجة أو من جهة الزوج، وهذا أمر معروف، بل أصبح بعض الناس إذا كان عزباً قد يعتدي على ذوات المحارم والعياذ بالله، لعدم وجود تقوى الله عز وجل من جهة، ولوجود الإغراء الشديد من جهة أخرى، وكثير من الشباب لا يحفظ نفسه من هذا الإغراء، والإنسان إنسان بطبيعته فيتأثر مهما كان، سيتأثر وسيجد أن لديه رغبة في النظر إلى امرأة أخرى، وحينئذ تنتشر العلاقات المحرمة، وينتشر الفساد في أوسع نطاق يمكن أن يتصوره الإنسان.

    يا إخواني! الانفتاح على العالم الغربي يتصور بعض الحمقى والمغفلين أنه خير لنا، وأن فيه انفتاحاً على العالم واطلاعاً ونحو ذلك، هذه من أكبر الأخطاء، فإما أن ينفتح الإنسان ولديه قيم فعلاً راسخة ولديه علم وينتقي الجيد ويترك الرديء، هذا ربما أن يستفيد مع تعرضه لكثير من المخاطر، وربما يكون فريسة من فرائس الشهوات أو الشبهات، وإما ألا يكون لديه قيم كحال العامة من الناس وهم الأكثرية الذين يشكلون أكثر من 90% من مجتمعات المسلمين فهؤلاء سينخرطون في ركب الغرب الفاسد، وسيتأثرون بهم تأثراً بالغاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765798911