إسلام ويب

شرح القواعد المثلى [3]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أسماء المولى عز وجل توقيفية، لا مجال للعقل فيها، ولا مكان للمنطق والفلسفة والإدراك البشري والإحساس الآدمي في أي منها؛ وذلك لأنها متعلقة بالذات الإلهية التي لا يعرف كنهها إلا هو جل في علاه. كما أن أسماءه لا حصر لها، فقد جاء في السنة النبوية ما يدل دلالة قاطعة على ذلك..

    1.   

    قاعدة: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم. أما بعد:

    سنتحدث عن القاعدة الخامسة وهي المتعلقة بأسماء الله سبحانه وتعالى، وهل هي توقيفية أم أنه يمكن الاستدلال عليها بالعقل؟

    أقول: القاعدة الخامسة هي: أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، أي: لا مصدر لها إلا النصوص الواردة في الكتاب والسنة.

    فعقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى هي أنها توقيفية، ولا يمكن أبداً أن يؤخذ اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته إلا عن طريق الكتاب والسنة، فلا دخل للعقل في إثبات اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى.

    والدليل على هذه العقيدة مأخوذ من الشرع وهو الكتاب والسنة والعقل.

    أما الشرع فقد دل على أن أسماء الله سبحانه وتعالى خبرية، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في أسماء الله سبحانه وتعالى بغير علم، كما قال الله عز وجل: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

    والإنسان إذا سمى الله سبحانه وتعالى باسم لم يسم به نفسه من غير دليل شرعي ومن غير خبر عن الصادق عليه الصلاة والسلام فإنه دخل في أمر لا علم له به، وحينئذ يدخل في قوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36].

    وكذلك يدل على هذا قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

    فإذا أثبت إنسان لله اسماً لم يدل عليه دليل شرعي من القرآن أو من السنة فقد قال على الله بغير علم.

    ومن المعقول ما يدل على أنه لا يجوز أن يسمى الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه، وهو أن العقل له مجال محدد، وأسماء الله سبحانه وتعالى ليست داخلة في مدارك العقل، وبناءً على هذا فإذا تجاوز العقل مداركه للدخول في أمور لا قبل له بها فهذا باطل ممن أدخل نفسه فيه.

    وكذلك ثبت أنه لا يجوز أن يسمى الرسول صلى الله عليه وسلم بغير اسمه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يسمى بغير اسمه فالله سبحانه وتعالى أولى.

    فلو أن رجلاً سمى الرسول صلى الله عليه وسلم بالبطل مثلاً وهذا لم يرد، ولم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم به نفسه فلا شك أن هذا باطل وإن كان معناه صحيح؛ لأن التسمية علم كما سبق أن بينا أن الأسماء أعلام، وإن كان معناها صحيح إلا أنه لا يصح أن يطلق الإنسان شيئاً من الأسماء والصفات على أحد إلا إذا ارتضاه وأقره، وبناءً على هذا فلا يصح لإنسان أن يطلق على الله عز وجل أسماء والله عز وجل لم يرضها ولم يقرها.

    ومن الأدلة على أن أسماء الله توقيفية أن الأسماء الحسنى من الغيب الذي لا سبيل إلى الوصول إليه إلا بالوحي، ومن المعلوم أن أهل الإسلام تميزوا بإيمانهم بالغيب، ولهذا لا يصح أن يسمي الإنسان الله عز وجل بغير اسمه إلا بالوحي، كما قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3].

    فإيمانهم بالغيب ثابت ومستقر، والأسماء الحسنى من الغيب، ولا يمكن كشف هذه الأسماء الحسنى إلا بالوحي، أي: أنه لا يمكن أن يكشف الغيب إلا بالوحي.

    ومن الأمور المقررة هو أن هناك فرقاً بين ما يدعى به وبين ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى، فما يدعى الله سبحانه وتعالى به هو الأسماء الحسنى، ولا يصح لإنسان أن يدعو الله عز وجل أو أن يناديه بغير اسمه، كما قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] وقد أخذ المفسرون من هذه الآية أنه لا يصح لأحد أن يسمي الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه.

    وأما ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى فقد سبق أن بينا أن مجال الخبر أوسع من مجال التسمية والوصف، وأن التسمية والوصف لا يجوز أن يكون إلا بما أخبر به الله سبحانه وتعالى وبما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وأما مجال الإخبار العام مثل أن توجد طائفة من الطوائف -تنفي مثلاً- كون الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه ويقولون: إن الله عز وجل مخالط للناس، فيأتي إنسان ويخبر عن الله عز وجل ويقول: الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه.

    فقوله: بائن عن خلقه. لم يرد في القرآن والسنة هذه اللفظة بحروفها لكن معناها صحيح ثابت في النصوص، ولا إشكال عليه.

    وإذا قال قائل: إن الله عز وجل قديم أو موجد الوجود، أو أن له ذاتاً، وكل هذه لم ترد بألفاظها في النصوص، فإذا أخبر الإنسان عن الله عز وجل بها فلا بأس في ذلك، لكن لا يجوز أن يطلقها على الله عز وجل على أنها أسماء.

    وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن أسماء الله توقيفية تثبت بنصوص القرآن والسنة فقط ولا مجال للقياس ولا للعقل فيها بأي وجه من الوجوه.

    عقيدة المعتزلة والأشاعرة في توقيف أسماء الله

    وأما عقيدة المعتزلة فإنهم انقسموا إلى قسمين:

    معتزلة البصرة، ومعتزلة بغداد.

    فأما معتزلة البصرة فقد كانوا يقولون: إنه يصح إجراء الأسماء على الله سبحانه وتعالى بمقتضى العدل من غير إذن منه، فإذا تصور الإنسان معنىً شريفاً يصح أن يسمى الله عز وجل به حتى ولو لم يرد به السمع، أي: لم ترد به النصوص.

    ومن أكثر من أشار إلى هذا وسمى الله عز وجل بأسماء غير لائقة أبو علي الجبائي وهو من معتزلة البصرة، ونص على ذلك القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه شرح الأصول الخمسة، وقال: إنه ثبت عقلاً أنه يصح أن يسمى المخلوق بأسماء إذا كانت معانيها صحيحة، وبناءً على هذا فكذلك الخالق يصح من باب قياس الغائب على الشاهد، كما يقولون.

    وهذا الكلام باطل، والسبب في ذلك: أن المخلوق في الواقع لا يصح أن يسمى بغير اسمه، فلو أن رجلاً كان اسمه علياً فسماه رجل محمداً؛ لأنه محمود بين الناس فلا يصح أن يسميه ويناديه: يا محمد! بإجماع العقلاء، والإشكال الذي وقع فيه هؤلاء أنهم لم يفرقوا بين الأسماء وبين الأخبار.

    فالأسماء والتي هي الأعلام لا يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى باسم منها إلا إذا دل عليه دليل من القرآن أو من السنة؛ لأنها أخبار غيب، والغيب لا يثبت بالعقل، وإنما يثبت بالخبر عنه أو بالسمع.

    وبناءً على ذلك فقد خلطوا وصح عندهم أن يسمى الله عز وجل بأي اسم من الأسماء التي يرونها فسموه بالقديم، وسموه بواجب الوجود، وأطلقوا عليه أنه المتكلم وأنه المريد، وهكذا. وكل هذه أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة.

    وقد سبق أن بينا أن الصفة إذا كانت عامة فهي منقسمة إلى معنى صحيح ومعنى فاسد، ولا يصح أن يؤخذ منها اسم من أسماء الله، فالمريد مثلاً أو وصف الله بالإرادة يمكن أن تكون إرادة خير ويمكن أن تكون إرادة شر فلا يصح أن يؤخذ منها اسم لله عز وجل وهو المريد؛ وذلك لأمرين:

    الأمر الأول: عدم ورود اسم المريد في الكتاب والسنة أنه اسماً لله سبحانه وتعالى.

    والأمر الثاني: أن معناها منقسم إلى معنى حسن ومعنى قبيح، وكما تعلمون أن الله سبحانه وتعالى وصف كل أسمائه بأنها حسنى، فقال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180].

    وأما معتزلة بغداد فإنهم قالوا بأن أسماء الله عز وجل توقيفية فوافقوا بذلك السلف.

    أما الأشاعرة فإن جمهورهم قالوا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، وخالف جمهور الأشاعرة القاضي أبو بكر الباقلاني ووافق المعتزلة البصريين، وقال: يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى من غير توقيف، يعني: يصح أن يطلق على الله عز وجل أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة.

    أما إمام الحرمين الجويني -وهو من الأشاعرة- فقد توقف وقال: لا نقول: إنه يصح إطلاق الأسماء على الله عز وجل من غير توقيف مطلقاً، ولا يصح أيضاً أن نقول: إنه يشترط فيها التوقيف، فنتوقف في هذه المسألة، وقال: إنه ليس عندي دليل في ذلك، وقد ذكر ذلك في كتابه الإرشاد.

    والحق هو ما سبق أن بيناه: أن أسماء الله عز وجل توقيفية لا تؤخذ إلا من النصوص الشرعية فقط.

    وقد ذكر السفاريني رحمه الله في منظومته أن أسماء الله عز وجل توقيفية، فقال:

    لكنها في الحق توقيفية لنا بذا أدلة وفية

    (لكنها) أي: أسماء الله عز وجل.

    (في الحق) أي: في القول الصحيح.

    ثم ذكر رحمه الله في الشرح: أن أسماء الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: الأسماء التي ورد الإذن بإطلاقها، قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه يجوز إطلاقها على الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل أذن بذلك.

    وهناك أسماء ورد المنع من إطلاقها.

    قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه لا يجوز إطلاقها على الله سبحانه وتعالى.

    ثم قال: إن هناك نوعاً ثالثاً من الأسماء وهي الأسماء التي لم يرد إطلاقها، ولم يرد المنع منها.

    ثم قال: إن أهل السنة اختلفوا في ذلك، وذكر أنهم على قسمين:

    جمهور أهل السنة وهم الذين قالوا: إنه يمنع أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يطلقه على نفسه.

    ثم ذكر طائفة سماهم من أهل السنة وقال: إنهم جوزوا أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يرد المنع منه ولم يرد إثباته.

    والحق هو أن السفاريني رحمه الله يخلط في مصطلح أهل السنة فيجعل طوائف من الأشاعرة من أهل السنة، وقد ذكر هذا في مقدمة شرحه في لوامع الأنوار.

    والواجب هو أن تمحص كلمة أهل السنة، فلا تطلق إلا على المتبعين لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والعمل.

    وأما الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة فإنهم لا يدخلون في السنة بهذا المعنى، وبناءً على ذلك فنقول: إن أهل السنة تنقسم عندهم أسماء الله عز وجل إلى قسمين:

    القسم الأول: هو الذي ثبت بالنصوص وحينئذ نطلقها على الله سبحانه وتعالى.

    ونوع آخر: وهي التي لم ترد في الكتاب ولا السنة سواءً بنفي أو بإثبات وهذا ما نرده ولا نثبته لله سبحانه وتعالى ما دام أن الخبر لم يرد من الله عز وجل ومن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    هذا هو ملخص القاعدة الخامسة.

    ومصدر هذه القاعدة هو كتاب بدائع الفوائد (1/162).

    1.   

    قاعدة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين

    القاعدة السادسة هي حول أسماء الله عز وجل، وهل هي محصورة في عدد معين؟ وإذا كانت محصورة فما هي؟ أو أنها غير محصورة في عدد معين؟

    مذهب أهل السنة أن أسماء الله سبحانه وتعالى ليست السنة ليست محصورة في عدد معين، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسأل بكل اسم هو لك سميت به نفسك) -هذه أقسام أسماء الله عز وجل- (سميت به نفسك) هذا أولاً- (أو أنزلته في كتابك) هذا ثانياً، (أو علمته أحداً من خلقك) هذا ثالثاً، (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، إلى آخر الحديث.

    وموضع الشاهد من الحديث هو قوله: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فإنه يدل على أن هناك أسماء لله سبحانه وتعالى في الغيب لم يخبرنا عنها، وبناءً على هذا نقول: إن أسماء الله سبحانه وتعالى ليست محصورة بعدد معين.

    وهذا الحديث حسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه: نتائج الأفكار في تخريج الأذكار، والحافظ ابن حجر له كتاب خرج فيه أذكار النووي على مجالس وكان يمليها، فحسن هذا الحديث في هذا الكتاب.

    لكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قد يشكل على البعض، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة).

    وقد يكون الإشكال عند البعض في قوله: (من أحصاها) فقد يفهم منه على أنه بالإمكان أن تحصى أسماء الله سبحانه وتعالى، مع أننا نقول: إن أسماء الله عز وجل ليست محصورة في عدد معين بحيث يمكن للإنسان أن يحصيها بغير استثناء.

    وكما قلنا: إنه لا يمكن إحصاء أسماء الله عز وجل التي سمى بها نفسه مطلقاً، ويدل على هذا الحديث الذي سبق عندما قال: (واستأثرت به في علم الغيب عندك) فإن قوله هذا يدل على أنه لا يمكن إحصاؤها؛ لأن الغيب لا يمكن إحصاؤه بالنسبة للإنسان، لكن هذا الحديث وهو قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) أورده العلماء رحمهم الله وأوردوا الإشكال الذي يقع فيه وأجابوا عنه، بل نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على أن هذا الحديث لا يدل على أن أسماء الله عز وجل محصورة في عدد معين.

    وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن القول بأن أسماء الله عز وجل ليست محصورة في عدد معين هو قول جمهور العلماء؛ وذلك لأن ابن حزم رحمه الله في كتابه المحلى ذكر أن أسماء الله عز وجل محصورة في عدد معين وهي التسعة والتسعين واستدل بهذا الحديث.

    وأما حديث: (من أحصاها دخل الجنة) فإن الإجابة عليه كما ذكرها عدد من أهل العلم ومنهم الإمام النووي في شرح مسلم وفي الأذكار، ومنهم الخطابي رحمه الله في شأن الدعاء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه.

    الجواب عن هذا هو: أن الإحصاء في هذا الحديث هو للتسعة والتسعين اسماً وليس لكل أسماء الله سبحانه وتعالى.

    فالإحصاء المترتب عليه الجزاء خاص بالتسعة والتسعين، وهذا مثل قول الإنسان: عندي مائة ريال أعددتها للصدقة، وهذا لا يعني أن كل ما يملك هو المائة الريال؛ لأنه من الممكن أن يكون لديه مائة ريال أخرى أعدها لغير الصدقة، لأن هذه المائة مائة معينة أعدها للصدقة.

    وكذلك التسعة والتسعون اسماً ليست كل أسماء الله عز وجل، لكن هي التي رتب عليها الثواب بدخول الجنة إذا أحصيت.

    فذكر العدد لا يعني الحصر، ومثل ذلك عندما يقول إنسان مثلاً: لي زميل وهو فلان، فهذا لا يعني أنه لا زميل له إلا هو.

    وبناءً على هذا يكون معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) يعني: أن هذه التسعة والتسعين هي التي رتب عليها الثواب بدخول الجنة إذا أحصيت.

    وهناك أسماء أخرى لله عز وجل زيادة على التسعة والتسعين لم يرتب عليها هذا الثواب، ويدل على ذلك عدة أمور، منها الحديث السابق وهو أن هناك أسماء كثيرة استأثر الله عز وجل بها في علم الغيب، والغيب لا يمكن إحصاؤه.

    ويدل على ذلك أيضاً: أن الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن العربي في كتابه العواصم من القواصم.

    فالإنسان إذا عد أسماء الله عز وجل في القرآن وفي السنة يجد أنها أكثر من تسعة وتسعين اسماً.

    وطائفة منها اختلف العلماء هل هي أسماء لله عز وجل أو أنها ليست أسماء، وبناءً على هذا يكون المعنى السابق هو توجيه هذا الحديث الذي ذكرنا.

    وقد ورد في سنن الترمذي وفي غيره تسمية هذه الأسماء الحسنى، ضمن هذا الحديث، والصحيح أن هذه التسمية ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هي مدرجة، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق أهل المعرفة بالحديث أن هذه الأسماء ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هي اجتهاد من بعض أهل العلم.

    معنى الإحصاء

    بقي أن ننبه على معنى الإحصاء الذي جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة).

    وقد جاء في بعض الأحاديث ما يبين معنى الإحصاء، ومنها قوله: (من حفظها دخل الجنة) وهذا اللفظ في البخاري وفي مسلم ، وبناءً على هذا فالروايات تفسر بعضها بعضاً، فهذا يدل على أن قوله: (من أحصاها) يعني: من حفظها.

    فالحفظ - أي: حفظ التسعة والتسعين اسماً- داخل في معنى الإحصاء.

    والإحصاء له عدة معان: أول معنى فيه هو حفظ هذه الأسماء وفهم معانيها، وهذا ما رجحه النووي رحمه الله في كتابه شرح صحيح مسلم ، وكذلك الخطابي في شأن الدعاء فقد رجح أن المقصود بالإحصاء الحفظ.

    وأفضل من رأيتُ ممن تكلم على مسألة الإحصاء هو ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد، فقد ذكر كلاماً محققاً وهو أن الإحصاء شامل لثلاثة أمور:

    الأمر الأول: الحفظ، ويدل عليها رواية البخاري : (من أحصاها) ورواية مسلم (من حفظها دخل الجنة).

    والأمر الثاني: فهم معانيها، ويدل على ذلك أن كلمة (من أحصاها) في اللغة يمكن أن تستخدم لمعنى العقل، فإن العرب تسمي المحصي أو صاحب الحصاة العاقل الذي يعقل الأمور، لأن فيه معنى التدقيق، ولا يدقق إلا من فهم.

    والمعنى الثالث: الدعاء بها والتعبد بها، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].

    وقوله: فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة، فدعاء المسألة مثل: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، أي: أن يسأل الإنسان ربه سبحانه وتعالى بأسمائه ومثل ذلك الرجل الذي دعا وقال: اللهم إنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم دعا بعد ذلك. فهذا الدعاء بأسماء الله عز وجل يسمى دعاء المسألة وهو الطلب.

    وأما دعاء العبادة فهو التعبد بمعناها، وهو أنواع:

    أولها: الإيمان بها، وإثباتها كما أمر الله سبحانه وتعالى وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وثانيها: الاتصاف بما تضمنته من معان إذا أمكن الاتصاف بها، فمثلاً: الله عز وجل هو الكريم، فيستحب أن يكون الإنسان كريماً، وهو العفو، فيستحب أن يكون الإنسان عفواً، وهو سبحانه وتعالى العليم، فينبغي للإنسان أن يهتم بالعلم، وهكذا التعبد لله عز وجل بما تضمنته أسماؤه إذا أمكن من دعاء العبادة، وهذا الأمر دل عليه ما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال)، فأخذوا من هذا الحديث أنه يستحب للإنسان أن يتصف بأسماء الله سبحانه وتعالى وبما تدل عليه من المعاني إذا أمكن.

    وقولنا: إذا أمكن؛ لأن هناك أسماء لله عز وجل لا يمكن أن يتصف الإنسان بما تدل عليه من المعاني مثل: الخالق والمتكبر ونحو ذلك، فهناك أسماء تدل على معان خاصة بالله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يتصف بها الإنسان، وإنما يتصف الإنسان بما تدل عليه من المعاني الممكنة مثل الرحمن فيأخذ الإنسان منها صفة الرحمة، وهكذا كثير في أسماء الله سبحانه وتعالى.

    وهناك أسماء متعددة لهذا النوع من التعبد، أطلقها عدد من المشتغلين بأسماء الله عز وجل، وأخطئوا في الإطلاق، فالفلاسفة يقولون: ينبغي على الإنسان أن يتشبه بالله، ولا شك أن هذا استخدام سيء وقبيح.

    وبعضهم يقول: إنه ينبغي التخلق بأخلاق الله، وهذا استخدام عند بعض الصوفية وهو استخدام ليس بمناسب.

    وبعض من تكلم في هذا الأمر يقول: إنه ينبغي أن يتعبد الإنسان بما تدل عليه معاني أسماء الله سبحانه وتعالى، وأفضلها أن يقول الإنسان الدعاء بمعناه، والدعاء كما سبق ينقسم إلى دعاء المسألة ودعاء العبادة، وحينئذ يكون الإنسان موافقاً للهدي النبوي وللأمر الشرعي.

    بقي أن ننبه في هذه القاعدة إلى أمرين مهمين:

    الأمر الأول: أن هناك أسماء لله سبحانه وتعالى تدل على صفة واحدة، مثاله القدير والقادر والمقتدر فكلها مشتقة من صفة واحدة وهي القدرة، وهي ثلاثة أسماء حتى ولو كانت تدل على معنى واحد، ومثل العلي والأعلى والمتعال وهي تدل على معنى العلو: علو الشرف وعلو الذات، وهذه وإن دلت على معنى واحد إلا أنها أيضاً ثلاثة أسماء لله سبحانه وتعالى.

    الأمر الثاني: هناك أسماء مقترنة، لا يصح أن يطلق واحد منها على الله عز وجل دون الآخر، مثاله: المعز المذل، أو الرافع الواضع، أو القابض الباسط أو نحو ذلك من الأسماء المقترنة فلا يصح أن يطلق الإنسان واحداً منها دون الآخر لأنه يكمل بعضها بعضاً في المعنى، ولكنهما يعتبران مع هذا اسمان.

    وهناك عدد من أهل العلم اجتهدوا في جمع أسماء الله سبحانه وتعالى، واختلفوا في هذه الأسماء، فبعضهم يذكر اسماً من أسماء الله عز وجل ويقول: إنه اسم ثابت، وبعضهم ينفيه، وخاصة الأسماء التي وردت في السنة النبوية؛ لأنها مبنية على صحة الحديث وعدم صحة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ولكن القاعدة هي الأهم، وهو أن أسماء الله سبحانه وتعالى هي أعلام، ولا يصح أن يأخذ الإنسان صفة من الصفات ويسمي الله سبحانه وتعالى بها، وقد أخطأ بعض العلماء مثل ابن حزم رحمه الله الذي يجعل الأسماء هي ما ورد فيها الألف واللام وغيرها لا يعتبرها أسماء، فمثلاً: لا يعتبر الوتر اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله وتر يحب الوتر) لأنه لم يرد فيه الألف واللام وهذا خطأ في تحديد الاسم، وإنما الاسم هو العلم الذي يصح أن يكون علماً ويشتق منه صفة.

    والصفة هي المصدر، والأعلام تختلف عن المصادر، وحينئذ يمكن للإنسان أن يفرق بين الأسماء والصفات على اعتبار أن الأسماء أعلام والصفات مصادر، وقد سبق أن ذكرنا فروقاً أخرى.

    1.   

    الأسئلة

    خطأ مقولة: يعلم الله أني فعلت كذا

    السؤال: قرأت في إحدى المنشورات الصادرة عن مركز الدعوة والإرشاد أن لفظة يعلم الله أني فعلت كذا أنها خطأ وسبب النهي أنه إذا وقع الأمر خلاف ما قال فإنه يكون قد اتهم الله بالجهل، نرجو توضيح هذا المعنى؟

    الجواب: إذا قال الإنسان يعلم الله كذا وكذا فهو يخبر أن الله عز وجل يعلم ذلك الأمر، فإذا كان الأمر على خلاف ما قال فهذا يدل على أنه نسب لعلم الله عز وجل شيئاً وهو ليس ثابتاً وإنما هو كذب محض، فلا شك أن هذا أمر مذموم ومنهي عنه.

    كتاب الأسماء والصفات للبيهقي على طريقة الأشاعرة

    السؤال: هل كتاب البيهقي في الأسماء والصفات على منهج الأشاعرة؟

    الجواب: البيهقي رحمه الله له كتاب اسمه الاعتقاد بناه على طريقة الأشاعرة، وهو محدث رحمه الله إلا أنه في الاعتقاد لا سيما في باب الأسماء والصفات على طريقة الأشاعرة، فكتابه الأسماء والصفات على منهج الأشاعرة لكنه كان يخالفهم في أحيان كثيرة.

    الفرق بين دلالة المطابقة والالتزام

    السؤال: ما هو الفرق بين التضمن والالتزام؟

    الجواب: المطابقة هي دلالة الاسم على معنى واحد فقط من المعاني.

    وأما دلالة الالتزام فهي دلالة الاسم على أمر خارج اللفظ، لكن يلزم من هذا اللفظ معنى آخر، مثل اسم الله سبحانه وتعالى القدير، فهو يدل على القدرة ويلزم من إثبات القدرة إثبات العلم، ويلزم من إثبات القدرة كذلك إثبات الحياة؛ لأنه لا يتصور أن قديراً ليس بحي، ولا يتصور أن قديراً ليس عنده علم، فهذه من اللوازم، وهذه هي دلالة الالتزام.

    اعتقاد أهل السنة في الإخبار عن الله

    السؤال: ما هو الاعتقاد الصحيح عند أهل السنة في الإخبار عن الله؟

    الجواب: سبق أن بينا أن ما يطلق على الله عز وجل ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: أسماء الله عز وجل.

    والنوع الثاني: صفات الله عز وجل.

    والنوع الثالث: الإخبار عن الله سبحانه وتعالى.

    فالإخبار عن الله عز وجل هو أن يخبر الإنسان عن الله سبحانه وتعالى بمعان صحيحة، مثل أن يترجم إنسان معنى اسمه العليم إلى لغة أخرى، فهو يترجمها بكلام لم يرد في القرآن والسنة، لكن المعنى صحيح، فهو يخبر عن الله سبحانه وتعالى.

    فالإخبار عن الله سبحانه وتعالى هو: أن يتحدث الإنسان عن الله عز وجل بمعنىً صحيح ولا يزعم أن هذا اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته، وإنما هو معنى.

    والداعي لأن يخبر الإنسان عن الله سبحانه وتعالى بمعان أو بألفاظ لم ترد في القرآن والسنة هو أن هناك فرقاً ضالة تنفي اسماً فيريد أحد أن يثبته فيذكر لفظاً يخبر به عن الله لم يرد في القرآن والسنة، فهم ينفون مثلاً أن يكون الله سبحانه وتعالى مستوياً على عرشه ويقولون: إنه مخالط للناس، فنقول: الله عز وجل ليس مخالطاً للناس وإنما هو بائن عن خلقه، وقولنا: بائن عن خلقه لم يرد في القرآن ولا في السنة لكن معناه صحيح واحتجنا إليه لكي نرد على طائفة مبتدعة.

    ويمكن أن يقال: إن الله عز وجل واجب الوجود وأنه سبحانه وتعالى قديم، وأنه أزلي، ونحو ذلك من الأخبار، وهذه الأخبار ليست من أسمائه وليست من صفاته وإنما هي أخبار يخبر بها الإنسان عن الله عز وجل بمعنى صحيح.

    أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم

    السؤال: هل للرسول صلى الله عليه وسلم أسماء غير محمد وأحمد؟

    الجواب: له أسماء أخرى غير محمد وأحمد، لكن في بعض المصاحف الشامية يذكرون أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم تقارب تسعة وتسعين اسماً، فيزيد في هذه الأسماء وهذا خطأ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم له أسماء أخرى غير محمد وأحمد.

    من هم الصوفية؟

    السؤال: من هم الصوفية؟

    الجواب: الصوفية فرقة من الفرق الضالة، وهم أنواع وأقسام، فبعضهم غلاة وبعضهم أقل من ذلك، لكنهم بالجملة طائفة انحرفوا في باب السلوك إلى الله سبحانه وتعالى، وابتدعوا بدعاً في كيفية التقرب إلى الله عز وجل في الأذكار، وابتدعوا بدعاً في المآلات التي يتوصل الإنسان إليها من خلال العبادة.

    فقالوا مثلاً: إن الإنسان إذا عبد الله عز وجل بطريقة معينة يذكر ورداً معيناً ويقرأه بآلاف المرات ويجلس بهيئة معينة بعد ذلك يحصل له الكشف، والكشف هو علوم إلهامية تأتيه من الله سبحانه وتعالى، ثم تطورت عقيدتهم ودخلت ضمن عقائد أخرى فأصبحوا يستغيثون بالأولياء، وينذرون، ويذبحون لهم، ونحو ذلك من الأعمال الكثيرة، وهي طائفة أكبر من أن يختصر الكلام عنها في لحظات، لكن هذا جانب من جوانب الحديث عنها.

    حكم ترجمة معاني أسماء الله تعالى إلى لغة أخرى

    السؤال: هل يجوز ترجمة أسماء الله تعالى وصفاته إلى غير العربية؟

    الجواب: يجوز ترجمة معاني الأسماء، وقد يشرح معنى اسم من أسماء الله في سطرين أو ثلاثة ولا يمكن أن يكون اسم في سطرين، فالشرح والترجمة إنما يكونان للمعاني وليس للألفاظ؛ لأن الله عز وجل سمى نفسه ووصف نفسه سبحانه وتعالى بالعربية.

    حكم قول: نتعبد الله بمقتضى أسمائه

    السؤال: ما هو الإشكال في قولنا: نتعبد الله بمقتضى أسمائه؟

    الجواب: هذا ليس فيه إشكال أو انحراف أو خطأ أو ضلال، وإنما الأولى هو الاكتفاء باللفظ الشرعي الوارد وهو الدعاء بأسمائه.

    مثال على أسماء الله التي تدل على معنى واحد

    السؤال: هل يمكن ذكر مثال على الأسماء التي تدل على معنى واحد؟

    الجواب: سبق أن بينت هذا مثل القدير والقادر والمقتدر، فكلها تدل على معنى واحد وهي القدرة، لكن تعتبر ثلاثة أسماء.

    أسماء الله تعالى تؤخذ من المعاني لا من الصفات

    السؤال: ذكرتم أن الأسماء لا تؤخذ من الصفات وإنما من المعاني، فما معنى ذلك؟

    الجواب: أصل الاشتقاق اللغوي هو أن الأعلام تؤخذ من المعاني، وتؤخذ من المصادر، لكن لا يصح للإنسان أن يتتبع صفات الله عز وجل ويأخذ منها أسماء، وإنما يقف عند الأسماء الواردة في النصوص الشرعية ويكتفي بها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765795750