إسلام ويب

شرح كتاب الإبانة - الإيمان قول وعمل يزيد وينقص [1]للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ذكر الله تعالى الآيات الكثيرة التي تثبت أن العمل الصالح من الإيمان، وأن المدح لا يكون إلا لمن آمن وعمل صالحاً، وأن العمل سبب في زيادة الإيمان أو نقصانه، وفي ذلك رد على الفرق المنحرفة كالمرجئة القائلين بعدم دخول العمل في مسمى الإيمان، أو الجهمية الذين جاءوا بأفحش من ذلك فقالوا بأن الإيمان هو المعرفة أو العلم دون النطق أو العمل.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أما بعد:

    فلا زال الكلام موصولاً في إثبات أن العمل من الإيمان، وكنا قد بدأنا هذا الموضوع في الدرس الماضي وتتمته في دروس متعاقبة بإذن الله.

    قال الإمام ابن بطة: [واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاه عنهم إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح، وقرن القول بالعمل، والنية بالإخلاص، وأن كل ذلك من الإيمان حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة لا ينفصل بعضها عن بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض، حتى صار الإيمان قولاً باللسان، وعملاً بالجوارح والأركان، ومعرفة -أي: إقراراً- ويقيناً بالقلب، خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم، وتلاعبت الشياطين بعقولهم، وذكر الله عز وجل ذلك كله في كتابه، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته]؛ لأن المرجئة قالوا: العمل ليس من الإيمان، وأن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل.

    [باب الآيات من كتاب الله عز وجل في إثبات أن العمل من الإيمان]، وأن اسم المدح لا يكون إلا لمن آمن وعمل عملاً صالحاً، لمن آمن بلسانه وقلبه وعمل بجوارحه، وأخلص العمل لله عز وجل، فهذا هو المستحق للمدح والمستحق للنعيم في الدنيا والآخرة.

    [قال الله عز وجل: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25]] لم يقل: بشر الذين آمنوا أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وإنما قرن العمل الصالح بالإيمان.

    قال: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ [البقرة:25].

    وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277]].

    فقرن الإيمان بالعمل الصالح، والصلاة والزكاة من العمل الصالح، فهذا ذكر للخاص بعد العام لبيان أهميته، مع أن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يمكن الاستغناء عن ذكرهما بقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، ولكن ذكر الخاص بعد ذكر العام، وهو العمل الصالح؛ لبيان أهمية الخاص.

    فإذا قلت لك: لا تأخذ المال من جيبي ولا تأخذ هذا الجنيه، فهذا الجنيه يدخل ضمن المال، وأنا قد نهيتك عن أخذ شيء من جيبي مطلقاً.. والتنبيه على عدم أخذ هذا الجنيه بالذات للأهمية.

    فهذا يسميه الأصوليون ذكر الخاص بعد العام من باب التأكيد عليه.

    [وقال الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57].

    وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122].

    وقال عز وجل: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ [النساء:172] إلى أن قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:173]، فقرن العمل بالإيمان فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:173].

    وقال عز وجل: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ [الأنعام:48]، أي: عمل عملاً صالحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48].

    وقال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف:42].

    وقال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا [التوبة:20] والهجرة عمل والجهاد عمل وقرنهما بالإيمان الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ [التوبة:20] أي: ممن آمن ولم يهاجر ولم يجاهد وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20].

    وقال الله تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التوبة:88]].

    قال الإمام: [فتأملوا هذا الخطاب، واعقلوا عن مولاكم، واعرفوا السبب الذي به أعد الله الخيرات والجنات، هل تجدونه غير الإيمان والعمل؟] أي: أن الله تعالى ما أعد هذا الخير وهذا النعيم المقيم في الآخرة إلا لمن آمن وعمل، [ولقد آمن قوم من أهل مكة، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصدقوا بالتنزيل، واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فاستثناهم الله عز وجل وميزهم من أهل حقائق الإيمان، فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا [الأنفال:72]] فالهجرة عمل، فالذين آمنوا ولم يهاجروا ميزهم الله تبارك وتعالى ممن آمن وهاجر، فقال: هؤلاء ليسوا أولياءكم حتى يهاجروا.

    [ثم ذكر قوماً آمنوا بمكة أمكنتهم الهجرة وقدروا عليها فتخلفوا عنها، فلم يدعهم باسم الإيمان، لكن سماهم ظالمين، وقال فيهم قولاً عظيماً، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ أي: أين كنتم؟ ولماذا تخلفتم؟ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أي: على فرض صحة قولكم أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97]] فميزهم الله تعالى ممن آمن وهاجر.

    [وكل هذا يدل على بطلان ما تدعيه المرجئة وتذهب إليه، من إخراجها الفرائض والأعمال من الإيمان، وتكذيب لها أن الفواحش والكبائر لا تنقص الإيمان ولا تضر به]، أي: أن هذه الآيات تكذب المرجئة لأنهم يقولون: الإيمان لا علاقة له بالعمل، وأن إيمان أفسق الناس كإيمان أطوع الخلق لربه.

    [وقال الله عز وجل: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ [يونس:4]] أي: بالعدل، فالله عز وجل بدأ الخلق، ثم كتب عليهم الفناء، ثم البعث بعد الفناء؛ ليحاسبهم على الإيمان والعمل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ [يونس:4].

    [وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [يونس:9].

    وقال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64]].

    الشاهد هنا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] يتقون الناس بإتيان الأمر واجتناب النهي، وهذا عمل.

    [وقال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29]].

    [قيل: إن طوبى اسم منزلة في الجنة، وقيل: اسم شجرة يسير في ظلها الراكب المسرع مائة عام.

    وقال عز وجل: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ [إبراهيم:23]]، أما إيمان بغير عمل فلا ينفع صاحبه.

    [وقال عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ] لم يقل: ويبشر المؤمنين الذين آمنوا، وإنما وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9].

    [وقال تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا [الكهف:2-3].

    وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:30]] ولم يقل: من أحسن قولاً؛ لأن الإيمان قول، فلو كان القول وحده عليه النجاة والفوز لقال: إنا لا نضيع أجر من أحسن قولاً، فلما لم يغن القول عن العمل جمع الله بين الإيمان والعمل في آي القرآن، وجمع بينهما النبي عليه الصلاة والسلام.

    [وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107].

    وقال عز وجل: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم:60]] أي: هذا لمن كان مذنباً أو ارتكب الكبائر، ثم تاب منها وآمن إيماناً حقيقياً يستلزم العمل وَعَمِلَ صَالِحًا فلو أنه تاب وآمن ولم يعمل فإنه لا يدخل الجنة، وربما وقع عليه شيء من العذاب أو العقاب.

    [وقال عز وجل: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ أي: ومن يأت ربه مؤمناً يوم القيامة قد عمل الصالحات فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى [طه:75].

    وقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]] وهذا شرط، والعلماء يقولون: إذا تحقق الشرط تحقق المشروط، وإلا فلا يتحقق المشروط، فإذا قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فهذه شروط ثلاثة؛ فإن الله تعالى لا يتوب إلا على من تاب توبة نصوحاً، وآمن، وعمل عملاً صالحاً، فلو أنه حقق اثنين دون الثالث أو واحداً دون الاثنين، فإنه لا يحظى بتوبة الله عز وجل ولا بمغفرة الله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي أخبر في كتابه قال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، فهذه أربعة شروط.

    [وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [الحج:14].

    إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج:23].

    وقال عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الحج:49-50]].

    لا بد من العمل الصالح وأنه من الإيمان.

    [وقال عز وجل: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الحج:56].

    وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:7].

    وقال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [العنكبوت:58-59].

    وقال عز وجل: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [الروم:15].

    وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [لقمان:8-9].

    وقال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا [السجدة:18]].

    وأنتم تعلمون أن الفسق بالعمل، فلو أن الخلل في القلب لكان نفاقاً، ولو كان الخلل في العمل فهذا فسق، والفاسق هو من ارتكب الكبيرة أو أصر على الصغيرة.

    [فقال الله تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:18-19]] مع أن الله تعالى قال: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا؟ وهذا سؤال، والجواب هو قوله: لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، ثم بين وجه المفارقة بين المؤمن والفاسق فقال: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:19] وكان الأصل أن يقول: بما كانوا يؤمنون؛ لأنه عقد المقارنة بين المؤمن والفاسق في أول الآية، فدل على أن الإيمان الذي ذكره على سبيل المضادة للفسق عمل وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة:20].

    [وقال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [سبأ:4].

    وقال عز وجل: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا أولادكم وأموالكم لا تقربكم إلى الله تعالى، إنما الذي يقربكم إلى الله إيمانكم وعملكم الصالح [إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37]].

    و إِلَّا هنا بمعنى: لكن، أي: لكن من آمن وعمل صالحاً.

    [وقال عز وجل: الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [فاطر:7].

    وقال عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71] إلى قوله: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74]]، أي: للذين آمنوا.

    [وقال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الشورى:22-23].

    وقال عز وجل: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] إلى قوله: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72].

    وقال عز وجل: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [الجاثية:30]]، ففي الآية إيمان وعمل.

    [وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا أي: على العمل.

    قالوا: ربنا الله، أي: آمنوا، ثم استقاموا، أي: على منهاج النبوة.

    [فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14].

    وقال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ [محمد:2].

    وقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12].

    وقال عز وجل: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التغابن:9].

    وقال عز وجل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:6]]، أي: غير منقوص، المهم أن يؤمنوا وأن يعملوا بمقتضى هذا الإيمان أعمالاً صالحة.

    [وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7]]، فخير البرية هم الذين جمعوا العمل والإيمان.

    [وقال عز وجل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]]، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من العمل.

    اختلاف الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة في تعريف الإيمان والرد عليهم

    [قال الإمام: فتفهموا رحمكم الله هذا الخطاب، وتدبروا كلام ربكم عز وجل، وانظروا هل ميز الإيمان من العمل؟] يعني: هل جعل العمل شيئاً والإيمان شيئاً آخر؟

    [أو هل أخبر في شيء من هذه الآيات أنه ورث الجنة لأحد بقوله دون عمله؟ ألا ترون إلى قوله عز وجل: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] ولم يقل: بما كنتم تقولون].

    لأن المرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق.

    والجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة، ومنهم من يقول: الإيمان هو العلم.

    وإبليس عليه لعنة الله يعرف جيداً أن الله تعالى إله واحد، ويعلم ذلك علماً يقينياً، فهل يكون بذلك مؤمناً؟

    فالجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة أو العلم، ولا يشترطون النطق به.

    والمرجئة يقولون: يشترط النطق باللسان الذي يدل على تصديق القلب، ويقولون الإيمان هو التصديق.

    وكلاهما في غاية البطلان والفساد، لأن المرجئة يقولون: إذا صدق المرء بقلبه ونطق بلسانه فلا علاقة للعمل حينئذ بهذا الإيمان، ويكفي أنه نطق بالشهادتين، فيثبت له كمال الإيمان وتمامه، فإيمانه كإيمان جبريل أو كإيمان الملائكة الذين فطروا على عبادة الله عز وجل.

    فلو أن الواحد صدق بلسانه وبقلبه فهو عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان وإن ارتكب جميع الفواحش والمنكرات، والأمر أشد من ذلك ضلالاً عند الجهمية، فلو أنه ترك كل أمر وارتكب كل نهي، فلا يضره ذلك عندهم.

    فالمرجئة يناقشون أهل السنة ويقولون: هل ينفع مع الشرك عمل؟

    الجواب عند أهل السنة: لا ينفع؛ لأن الله تعالى يقول: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، ويقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:48] من الكبائر والصغائر، فهي في مشيئة الله تعالى.

    يقولون: كما لا ينفع مع الشرك عمل فإنه لا يضر مع الإيمان معصية، وانظروا إلى مدى قول المرجئة!

    فإن هذا كلام لا يستقيم أبداً.

    [وقال الله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، ولو كان العمل لا يضر الإيمان زيادة ونقصاناً أو إزالة من الأصل، فكيف يحاسبهم الله تعالى ويجازيهم على إساءتهم العمل في حياتهم الدنيا.

    قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] ففرق الله تعالى بين المسيء والمحسن، وجعل الإساءة والإحسان متعلقين بالعمل، ورتب على هذا العمل ثواباً وعقاباً، أما من أساء فيعاقبه الله، وأما من أحسن في عمله فيجازيه الله عز وجل.

    [ولم يقل: بما قالوا]، أي: بل قال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا لأنه قد قال كلمة الإيمان وفرغ منها ولكنه أساء العمل، ومع هذا فإنه داخل في المحاسبة والمجازاة، ولو كان العمل لا علاقة له بالإيمان فإن الله لا يحاسبه عليه، ويكفي أنه تلفظ بهذا الإيمان، فلما جازاه الله تعالى على عمله دل أن العمل من الإيمان.

    [وقال تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7] ولم يقل: أحسن قولاً]؛ لأن القول لو كان هو المراد دون غيره، وأن العمل لا علاقة له؛ لما كان في محاسبة هذا العبد عدل، والله تبارك وتعالى متصف بكمال العدل، منزه عن الظلم والنقص.

    [وقال الله تعالى في قصة الكفار: فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الأعراف:53]]، فالكفار يوم القيامة علموا أن سبب ورودهم جهنم ما كانوا يعملون، [ولم يقولوا: غير الذي كنا نقول]، أي: وإنما قالوا: فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الأعراف:53].

    [وقال عز وجل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285]]، الإيمان بالكتب والرسل يستلزم الإيمان بالأمر والنهي عملاً وتركاً.

    ومعنى أنك مؤمن بكتاب الله تعالى هو: أنك تعظم كتاب الله تعالى، وتشرف كتاب الله تعالى، وتحفظ كتاب الله تعالى، وتعمل بأوامره وتنتهي بنواهيه، وتؤمن أنه كله من عند الله، وهذا كله عمل.

    ومن قال: أنا أحب كتاب الله ولكني لا أعمل بهذه الآية، فإنه يكفر بهذا القول، فلو أنه جحد أو أنكر آية واحدة من كتاب الله كفر بهذا حتى وإن عمل بها، لأنه تلفظ بلفظ الكفر، كمن يقول: أنا لا أؤمن أن الله تعالى حرم الزنا وإن كنت لا أزني، فقد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو يقول: الله تعالى لم يحرم الخمر وإن كنت لا أشربها، فالكفر يكون بالقول كما يكون بالعمل.

    [فلم يفرد الإيمان حتى قال: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ أي: بما في كتبه من أمره ونهيه وفرائضه وأحكامه، ثم حكى ذلك عنهم حين صدقهم في قولهم وفعلهم فقال: وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285]].

    سمعنا أي: سماع إجابة، وليس سماع إعراض.

    لأنك حينما مثلاً تكلم ابنك وتقول له: هل تسمعني أم لا؟ يقول: نعم أسمعك، تقول له: انطلق إذاً، يقول: أنا سمعتك لكني لا أعمل، فهذا سماع إعراض وجحود، واليهود قالوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة:93] و(سمعنا وعصينا) لا يمكن أن تستوي مع (سمعنا وأطعنا)، فهذا سماع جحود ونكران، والذي نحن بصدده سماع إجابة وطاعة.

    كذلك حينما تقول لولدك: انصرف يا ولدي، فيقول: حاضر، ثم هو يقف ولا ينصرف، فهل هذا قد سمع سماع طاعة؟ مع أنه قال لك: حاضر يا أبي، وقد وجه إليه الأمر عشرات المرات وهو باق في مكانه لا يتحرك، فهذا وإن بدا منه الطاعة إلا أنه في حقيقة الأمر ليس مطيعاً، فالله تعالى أثنى على أهل الإيمان وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285]، [فيصير الإيمان بذلك كله إيماناً واحداً وقولاً واحداً..] الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.. كل هذا يعتبر قولاً واحداً وشيئاً واحداً وعملاً واحداً، [ولم يفرق] أي: الله تعالى [بعضه من بعض].

    حكم من زعم أن شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه ليست من الإيمان

    قال المؤلف: [فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه ليست من الإيمان، وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن؛ فقد أعظم على الله الفرية].

    ولو أن واحداً قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فهذا عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان، ولكنه يقول: لا توجد صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج ولا جهاد، ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، ولا ولا.. ولن أفعل شيئاً من ذلك، وأنا أزني وأشرب الخمر وأسرق وأقطع الطريق، وغير ذلك من سائر المعاصي والذنوب، وأنا متأكد أنني مؤمن كامل الإيمان، كيف ذلك؟ فمن لجهنم حينئذ؟

    فيكاد الإجماع أن ينعقد على أن من ترك الصلوات الخمس كفر بالله عز وجل، بل ومنعقد عند الصحابة أن من ترك الصلاة كفر وخرج من الملة.

    ولم يأت عن صحابي واحد أن من ترك الصلاة لا يكفر بها، ووقع النزاع فيما دون ذلك، بل وقع النزاع بعد عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

    قال: [فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه ليست من الإيمان، وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن؛ فقد أعظم على الله الفرية، وخالف كتاب الله، ونبذ الإسلام وراء ظهره، ونقض عهد الله وميثاقه، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81]].

    فلو قال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: الجهاد عمل يا رسول الله أم ليس عملاً؟ فسيقول لهم: الجهاد عمل، ولو قالوا له: اذهب أنت وجاهد؛ لأنه حينما كان العمل ليس من الإيمان فليس عندنا استعداد أن نشارك معك في هذه الغزوة، أو على الأقل نحن شاركنا معك في غزوة أو غزوتين، فتفضل أنت وحارب والله معك ويعصمك!!

    لو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ترك الجهاد مع النبي عليه الصلاة والسلام، فهل تتصورون أن القرآن ينزل بمدحهم؟ لا يمكن أبداً، وهذا يدل على أن العمل من الإيمان.

    فتصور لو أن الجهاد في مصر مثلاً فرض عين، لأن اليهود دخلوا علينا وفوجئنا أن هناك رشاشات ودبابات مع جنود يهود أمام المسجد في هذا الوقت، فنقول: هيا لنجاهد، قالوا: نحن متأسفون، لأن الجهاد عمل، والعمل ليس من الإيمان على مذهب المرجئة؛ فأنا إن جاهدت أو لم أجاهد فأنا في الحالتين مؤمن كامل الإيمان.. فإذا كنت أنا في حال تركي للجهاد مؤمناً كامل الإيمان، فلماذا أجاهد؟ سأحرص على حياتي!

    فهذا القول قول المرجئة، وكلام المرجئة في الإيمان كلام بلا ذيل ولا يمكن ضبطه أبداً؛ لأنه كلام في غاية الفساد والبطلان.

    [لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].

    ثم قال الله تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82]] أي: فمن تولى عن نصرة النبي عليه الصلاة والسلام حياً أو ميتاً إذا تعين عليه ذلك؛ فهو فاسق.

    وبعض أهل البدع الآن خرج بشبهات على السنة، حتى كاد أن يهلك الناس وأن يفتنهم في دينهم، وكان هناك عشرة من الناس بإمكانهم أن يدافعوا وأن يذبوا عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويبينوا مزاعم الأعداء وافتراءات المفترين، وأن يجلوا هذه الغمة عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يرشدوا الأمة إلى صالح عملها واعتقادها في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم تواطئوا واتفقوا على عدم الدفاع عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فهم يصيرون بذلك من الفساق.

    فلا بد من نصرة النبي عليه الصلاة والسلام حياً وميتاً.

    [ثم قال الله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران:83]]، فبين أن الإيمان والعمل سواء بسواء يدخل تحت مسمى الدين، [ثم قال تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] فجمع الله تعالى القول والعمل في هذه الآية، وقال: فمن زعم أنه يقر بالفرائض لكنه لا يؤديها ولا يعلمها، كما أنه مقر بتحريم الفواحش والمنكرات، ولا ينزجر عنها ولا يتركها، وأنه مع ذلك مؤمن؛ فقد كذب بالكتاب وبما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثله مثل المنافقين الذين قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41] فأكذبهم الله ورد عليهم قولهم، وسماهم منافقين مأواهم الدرك الأسفل من النار].

    الإمام ابن بطة يقول: [على أن المنافقين أحسن حالاً من المرجئة]، وهذا كلام في غاية الأهمية، لأن المنافقين والمرجئة كلاهما قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، كلاهما زعم أنه مؤمن، فالمرجئة آمنوا بأفواههم ولم يعملوا -أي: لم تعمل جوارحهم- أما المنافقون فإنهم آمنوا بأفواههم وعملوا..

    قال: وبالتالي فإن المرجئة شر من المنافقين؛ لأن المنافقين عملوا والمرجئة لم يعملوا.

    ثم قال: [ويح لمن لم يكن القرآن والسنة دليله، فما أضل سبيله، وأكسف باله، وأسوأ حاله!].

    لا يقبل قول إلا بعمل

    [وعن الحسن البصري رحمه الله قال: قال قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لنحب ربنا عز وجل]، والحب أمر قلبي، فزعم بعض الصحابة أنهم يحبون الله عز وجل، [فأنزل الله تعالى] آية أعظم ابتلاء واختباراً لمن زعم أن المحبة ظاهراً قال: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31]] يعني: إذا كنتم صادقين في زعمكم وادعائكم المحبة، فاعلموا أن المحبة ليست كلاماً، وإنما المحبة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الممثل عملياً لكلام الله عز وجل وكلامه صلى الله عليه وسلم، [فجعل الله عز وجل اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم علماً لمحبته، وأكذب من خالفه، ثم جعل على كل قول دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، يعلم نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من عباده الإيمان.

    قال الله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136].

    فأعلم الله تعالى نبيه في هذه الآية أن الإيمان بالله هو الإيمان بما أنزل عليه وبما أنزل على الذين من قبله من الرسل والأنبياء، وبما في كتبه من الشرائع والأحكام والفرائض، وأن ذلك هو الإيمان والإسلام، ثم قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

    ففي هذا دليل على أن الإيمان قول وعمل، لا ينفصل الإسلام عن العمل في هذه الآية، وذلك أن الله عز وجل قد أخبرنا أنه لا يقبل قولاً إلا بعمل.

    قال الله عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]] أطيب كلمة هي كلمة التوحيد، وهذه الكلمة لو قالها إنسان ولم يعمل بمقتضاها لا تنفعه، فلو أن إنساناً لهج بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ولكنه لم يعمل بمقتضاها، بل عمل بما ينافيها وينقضها، لا تنفعه.

    أي: لو أنه قالها وهو كاره لها، أو قالها وهو غير عالم بحقيقتها، أو قالها وهو غير مخلص فيها.. فهناك ضوابط وشروط ومقتضيات لهذه الكلمة، أما لو فإنها مجردة لا تنفع.

    [فأخبرنا الله عز وجل أنه لا يقبل قولاً طيباً إلا بعمل صالح، أو عملاً صالحاً إلا بقول طيب؛ لأنه قال في آية أخرى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97]، ولكن لو عمل عملاً صالحاً وهو مشرك لا ينفعه ذلك، فلا بد من العمل الصالح مع الإيمان، [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].

    قال: فلا قول أزكى ولا أطيب من التوحيد، ولا عمل أصلح ولا أفضل من أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإذا قال قولاً حسناً أو عمل عملاً حسناً رفع الله قوله بعمله، وإذا قال قولاً حسناً وعمل عملاً سيئاً رد الله قوله على العمل، وذلك في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]].

    [وعن أبي العالية رحمه الله قال في قول الله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] قال: تكلموا بكلام الإيمان وحققوه بالعمل.

    قال الربيع بن أنس : وكان الحسن يقول: الإيمان كلام، وحقيقته العمل، فإن لم يحقق القول بالعمل لم ينفعه القول] قول طيب.

    العبادة والإيمان

    قال ابن بطة: [وحسبك من كتاب الله عز وجل بآية جمعت كل قول طيب وكل عمل صالح وهو قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    فإنه جمع في هذه الآية القول والعمل، والإخلاص والطاعة لعبادته وطاعته والإيمان به وبكتبه وبرسله، وما كانوا عليه من عبادة الله وطاعته].

    فالعبادة عمل، والعمل من الإيمان، [فلو كانت العبادة التي خلقهم الله لها قولاً بغير عمل لما أسماها عبادة وسماها قولاً، ولقال: وما خلقت الجن والأنس إلا ليقولون]، فكونه قال إِلَّا لِيَعْبُدُونِ دل على أن العمل من الإيمان، وأنه عبادة.

    [وليس يشك العقلاء أن العبادة خدمة، وأن الخدمة عمل، وأن العامل مع الله عز وجل إنما عمله أداء الفرائض واجتناب المحارم، وطاعة الله فيما أمر به من شرائع الدين وأداء الفرائض، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:77-78].

    فهل يخفى على ذي لب أو عقل سمع هذا الخطاب الذي نزل به نص الكتاب، أن اسم الإيمان قد انتظم التصديق بالقول والعمل والمعرفة، قال الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

    وقال الله تعالى لنبيه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    فدل على أن الصلاة والحج والنسك والذبح والهدي، بل المحيا والممات عموماً كلها لله عز وجل.

    وقال الله تعالى: وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنعام:71-72].

    وإقام الصلاة هو العمل، وهو الدين الذي أرسل الله تعالى به المرسلين وأمر به المؤمنين، فما ظنكم رحمكم الله بمن يقول: الصلاة ليست من الإيمان! وأن ترك الصلاة ليس شركاً! والله عز وجل يقول: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم:31]].

    فهذا يدل على أن من ترك الصلاة قد أتى شعبة من شعب الشرك أو وقع في الشرك، [فجعل الله من ترك الصلاة مشركاً خارجاً من الإيمان؛ لأن هذا الخطاب للمؤمنين؛ تحذير لهم أن يتركوا الصلاة فيخرجوا من الإيمان ويكونوا كالمشركين.

    قال عز وجل: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18].

    فقوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ فلم يفرق بين الإيمان وبين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤمن لم تنفعه الصلاة، ومن لم يصل لم ينفعه الإيمان، واستبدل بمحل الصلاة من الإيمان ونزولها منه بالذروة العليا، وأن الله تعالى فرضها بالطهارة بالماء، فلا تجزئ الصلاة إلا بالطهارة، فإذا عجز عن الطهارة بالماء فإنه يجب عليه أن يتطهر بالتراب عوضاً من الماء؛ لئلا يجد أحد في ترك الصلاة مندوحة، ولا في تأخيرها عن وقتها رخصة، وكذلك فرض الله تعالى عليهم الصلاة في حال شدة الخوف ومبارزة العدو، فأمرهم بإقامتها على الحال التي هم فيها، فعلمهم كيف يؤدونها، فلا يكون أحد أعظم جهلاً، وأقل علماً، وأضل عن سواء السبيل، وأشد تكذيباً لكتاب الله وسنة رسوله، وسنة الإيمان وشريعة الإسلام؛ ممن علم أن الله عز وجل قد فرض الصلاة وجعل محلها من الإيمان هذا المحل، وموضعها من الدين هذا الموضع، وألزم الله تعالى عباده إقامتها هذا الإلزام في هذه الأحايين كلها مع الضيق والشدة والعنت، وأمر بالمحافظة والمواظبة عليها على هذه الشدائد والضرورات، فيخالف ذلك إلى اتباع هواه، وإيثاره إلى رأيه المحدث الذي ضل به عن سواء السبيل، وأضل به من اتبعه فصار ممن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين، فولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.

    قال الإمام: فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل]، أي: هذه الأدلة من الكتاب التي يثبت بها أن الإيمان قول وعمل، وأن الإيمان بلا عمل لا ينفع صاحبه، وأن العمل بغير إيمان لا ينفع صاحبه حتى يؤمن ويعمل صالحاً.

    [وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذباً وخارجاً من الإيمان، وأن الله لا يقبل قولاً إلا بعمل، ولا عملاً إلا بقول].

    في الدرس القادم بمشيئة الله تعالى سيذكر المؤلف الإمام من أخبار النبي عليه الصلاة والسلام وسنته، وأخبار الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، أن العمل من الإيمان، وأن الله لا يقبل عملاً بغير إيمان، ولا يقبل إيماناً بغير عمل.

    أي: هذا هو شق المسألة من كتاب الله تعالى، وهي الآيات التي دلت على أن الإيمان لا ينفع إلا بالعمل، وأن العمل لا ينفع إلا بالإيمان، ويبقى سرد الأدلة من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن كلام الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، وهذا موعده إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087862637

    عدد مرات الحفظ

    774468949