إسلام ويب

شرح كتاب الإبانة - كفر تارك الصلاة ومانع الزكاة وإباحة قتالهمللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد وردت الأحاديث والآثار الكثيرة الدالة على كفر تارك الصلاة وحبوط عمله، وإباحة قتله وقتاله، والمتأمل فيها يجد أن تارك الصلاة يكفر كفراً مخرجاً من الملة، وهذا يدل على عظم مكانة الصلاة في الإسلام، فعلى المسلم أن يحذر من التهاون فيها، وأن يحرص على المحافظة عليها مع جماعة المسلمين في أوقاتها.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    وبعد:

    فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب كفر تارك الصلاة ومانع الزكاة وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك.

    عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين العبد والشرك أو الكفر إلا ترك الصلاة) ]، والحديث أخرجه مسلم من حديث جابر .

    ثم قال: [قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة)]، ومن حديثه [قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)].

    قال النووي في شرح مسلم لهذا الحديث: (وأما تارك الصلاة فإن كان منكراً لوجوبها؛ فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملة الإسلام، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه) وهذا الكلام لا خلاف عليه، ليس في الصلاة فقط، بل في كل مباني الإسلام.. بل في الواجبات والمحرمات، فلو أن مسلماً يعيش في بلاد المسلمين، وأنكر أن الزنا حرام يكفر، مع أن الزنا كبيرة من الكبائر وليس من مباني الإسلام، بخلاف الصلاة والصيام والزكاة والحج، فإنها مباني الإسلام، فنحن نتكلم في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على كيت وكيت وكيت وعدَّ هذه المباني، أما سائر الواجبات والطاعات، وكذا سائر المحرمات؛ فإنها ليست من مباني الإسلام، بل هي واجبات أو منهيات متممات للإسلام والإيمان، فلو أن واحداً أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، والمعلوم كما عرفتم هو ما اتفق واستوى في علمه العامة مع الخاصة، فمن من الناس الآن يجهل حكم الزنا، أو حكم شرب الخمر؟ هل يتصور أن واحداً يعتقد أن شرب الخمر حلال؟ ربما يقع الخلاف في كون هذا خمراً أم لا؟ فلو أردنا معرفة حكم الإسلام في البيرة، فسنجد أقوالاً مختلفة، فمنهم من يقول: هي حرام، ومنهم من يقول: هي حلال، ومنهم من يقول: فيها شبهة، دعنا من هذا الخلاف، لكني أتكلم عن الخمر الذي يعرفه العامة والخاصة، هل يختلف اثنان على حرمته؟ لا، فلو أن مسلماً يعيش في بلاد المسلمين أتى الآن وقال: الخمر حلال، فماذا يكون بعد قيام الحجة عليه؟ يكون كافراً؛ لأنه قد أحل ما حرمه الله عز وجل في كتابه وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذا من أصول الإيمان والثوابت في الإسلام، فلا يصح أن يهدر هذا.

    وقول الإمام النووي هنا فيما يتعلق بتارك الصلاة جحداً وعناداً إنه كافر، هذا كلام لا يحتاج إلى إجماع؛ فإجماع أهل العلم على ذلك أمر يعضد أصول الإيمان في هذه القضية، لكن إذا لم يكن هناك إجماع فإن جاحد الصلاة كافر؛ لأنه لو جحد ما دون الصلاة كفر به إذا أقيمت الحجة عليه.

    حكم تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً

    وقع النزاع فيما يتعلق بحكم تارك الصلاة كسلاً أو تهاوناً، فمنهم من قال: تارك الصلاة كسلاً أو تهاوناً ليس بكافر؛ لأنه لا يستوي مع من جحد. والرد عليه أن الكفر أنواع، وإن شمل الجميع اسم الكفر: فالجاحد كافر، وتارك الصلاة عند جميع أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بغير تفصيل كافر، وإن كان كفر الاثنين مختلفاً، لكن يجمعهم اسم الكافر.

    والكافر إنما يطلق في هذه القضية عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام على كفر الخروج، أي: كفر الخروج من الملة، يقول عبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله: ما كان الصحابة رضي الله عنهم يعدون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة.

    ولا يمكن أن يُتصور أن هذا القول محمول على الكفر العملي؛ لأن الكفر العملي في كل الواجبات والمحرمات، وليس بابه الصلاة فحسب، وإنما بابه هذه المباني كلها، والواجبات الشرعية والمنهيات الشرعية.

    فلا يتصور أن عبد الله بن شقيق إنما أراد أنه ليس شيء عند الصحابة يكفر به صاحبه كفراً عملياً من الإسلام إلا الصلاة، هذا الكلام غير متصور نهائياً، ولا يستقيم مع فقه الصحابة رضي الله عنهم، والعجيب أنه لم يرد عن واحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام خلاف ذلك، فالصحابة مجمعون على أن تارك الصلاة يكفر بهذا الترك كفراً يخرجه عن الملة، وأنا حرصت أن أقول: كفراً يخرجه عن الملة، لا أسميه اعتقادياً ولا عملياً حتى أبينه، وإن كانت الصلاة من المسائل العملية في الدين، إلا أن الكفر كما يقع في القول والاعتقاد، يقع كذلك في الفعل، فأسباب الكفر: إما الاعتقاد؛ وهو استحلال ما حرمه الله، أو تحريم ما أحله الله.

    وإما القول الذي يكفر به صاحبه، سواء كان تهاوناً بدين الله واستخفافاً واستهزاء بدين الله، أو لعباً ولهواً وهزءاً بشيء من أحكام الشرع وهو عالم مختار غير مكره، على تفصيل بين أهل العلم في هذه الفرعيات، فيما يتعلق بمسائل الإيمان والكفر.

    فأقول: إن الكفر يكون بالعمل كذلك، وكذا الصلاة قد ثبت أنها من أصول الإيمان؛ ولذلك الإمام البخاري وغيره من أهل العلم لما ذكروا حديث شعب الإيمان ذكروا بعض شعب الإيمان، فقالوا: باب الصلاة من الإيمان.. باب الزكاة من الإيمان.. باب الصيام من الإيمان.

    ونقل الإمام الحميدي وغيره: أن من ترك الخمس فهو كافر بإجماع المسلمين.

    أي: شعائر الإسلام الخمس. والصحابة رضي الله عنهم مجمعون على كفر تارك الصلاة كفراً يخرجه من الملة، وإن كانت الصلاة متعلقة بعمل الجوارح، يقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، وبإجماع المفسرين أن الإيمان هنا هو الصلاة.

    إذاً: الصلاة متعلقة بالإيمان، بل هي جزء من الإيمان، والذي يترجح لدي هذا المذهب؛ لأن الإجماع المعتبر الذي لا خلاف عليه هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ووقع نزاع في الإجماع بعد الصحابة، والراجح ثبوته، لكن الذي لا خلاف عليه هو إجماع الصحابة، فإذا أجمعوا أن تارك الصلاة كافر؛ فلا أقل من أن يكون هذا هو المنهج الحق في هذه المسألة، وهو الرأي الذي يترجح لدي.

    وقال بعضهم: تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً يفسق بهذا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : لا بد من التفريق بين خلل في طاعة الله عز وجل فيما يتعلق بمبادئ الإسلام، وبين سائر الذنوب والمعاصي. قال ذلك هو يرد على من قال: لا يكفر المرء إلا بالاستحلال، فيثبت أن الكفر يكون بالعمل وبالقول دون ذكر للاستحلال، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وإن كانت الصلاة تؤدى بالجوارح فصاحبها إنما يكفر بتركها؛ لأنه ليس كل عمل لا يأتيه المكلف لا يكفر به.

    فمن الأعمال ما يكفر بها صاحبها، ومن الأعمال ما لا يكفر بها صاحبها، فيضع ضابطاً لذلك ويقول: إذا كان الفعل متعلقاً بالإيمان فتركه كفر كالصلاة، وإذا كان الفعل متعلقاً بسائر المعاصي، كالزنا وشرب الخمر والسرقة وغيرها؛ فلا يكفر صاحبها بذلك، إلا إذا أتاها مستحلاً لها؛ فيفرق بين المسائل المتعلقة بأصل الإيمان وإن كانت تؤدى بالجوارح، وبين المسائل التي لا تعلق لها بأصل الإيمان.

    والإمام ابن بطة إنما سار هنا على المذهب الأول، وهو تكفير تارك الصلاة.

    ويقول بعضهم: إن تارك الصلاة إنما يؤخذ ويعزر ويحبس ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل، وأنا لا أتصور قط أن واحداً يحبس حتى يصلي، ويشهر على رقبته السيف ثلاثة أيام وهو يقول: أنا لا أصلي كسلاً، ثم يقدم للإعدام أو للمشنقة أو لضرب عنقه وهو يقول أيضاً: لا أصلي، وإن كنت أعتقد أن الله أوجب الصلاة؛ هذا لا يمكن أن يتصور قط.

    أهمية الصلاة عند سلف الأمة وحكم تاركها

    قال: [ عن المسور بن مخرمة أن ابن عباس دخل على عمر بعدما طعن، فقال: الصلاة، فقال أمير المؤمنين: نعم، لا حظ لامرئ في الإسلام أضاع الصلاة؛ فصلى والجرح يثعب دماً ].

    لو لم تكن الصلاة من أصول الإيمان، وأن تاركها تارك الإيمان؛ لما اهتم بذلك ابن عباس ، فضلاً عن عمر رضي الله تعالى عنهما على هذا النحو وهذه الحال.

    ثم قال: [ عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة : أن عمر لما أصيب جعل يغمى عليه، فقالوا: إنكم لن تفزعوه -أي: لن تفيقوه- بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة ] يعني: لا يمكن أن تحصلوا على إفاقة لـعمر إلا إذا ذكرتموه بالصلاة، إذا كان فيه رمق وبقية حياة.

    ثم قال: [ فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين قد صُلّيت، قال: فانتبه، فقال: الصلاة! ها الله إذاً، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه ليثعب دماً ].

    فهذه نصوص تفيد أهمية الصلاة عند سلف الأمة.

    قال: [ عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بيننا وبينهم ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر) ] أي: بيننا وبين الكفار ترك الصلاة، فالعلامة التي تميز المسلم عن غيره إنما هي الصلاة.

    وقوله: (فمن تركها فقد كفر)، لو كان هذا النص محمولاً على الكفر العملي؛ فما بالكم بمن ترك الزكاة، ومن ترك الصيام، ومن ترك الحج لا يكون كافراً كفراً عملياً؟! لو أن واحداً ترك الصيام، أو ترك الزكاة مع القدرة على إخراج الزكاة أليس هذا بإجماع المسلمين كافراً كفراً عملياً، ووقع نزاع فيما يتعلق بالزكاة.

    لكن هذا النص: (ليس بيننا وبينهم إلا الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، لا يتصور قط أن قوله: (فقد كفر)، أي: كفراً عملياً، لماذا؟ لأن الصلاة حينئذ تكون شريكة لغيرها من سائر الأعمال، فدل هذا الحصر في قوله: (ليس بيننا وبينهم إلا ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر) لا يتصور أن يكون هذا الكفر متعلقاً بالكفر العملي، وإلا فالكفر العملي في الزكاة والصيام والحج.. وغير ذلك من سائر الواجبات والمحرمات، فلم خص الصلاة إذاً؟ إلا أن الحكم المتعلق بالصلاة غير الحكم المتعلق بغيرها من سائر الذنوب والمعاصي، فهذا كفر أكبر، وذاك كفر أصغر.

    حبوط عمل من ترك الصلاة وكفره

    قال: [ عن أبي المليح قال: (كنا مع بريدة في غزاة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بالصلاة؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ترك الصلاة حبط عمله). والحبوط هو البطلان، فلو ترك الصلاة حبط عمله؛ لأن الله تعالى يقول: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] أي: ليبطلن عملك كله، إذا كنت تعمل صالحاً إنما تجازى عليه كما يجازى المشرك على عمله الصالح في الدنيا، حتى لا يكون له عند الله عز وجل جزاء ولا ثواب في الآخرة.

    أما تارك الصلاة فقد ورد النص صريحاً في حديث جابر : (بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر أو أشرك)، وفي رواية: (فقد كفر وأشرك)، لا يقال كفراً عملياً، ولا يقال شركاً عملياً؛ لأنه لو كان كذلك لما ساغ تخصيص الصلاة بهذا الحكم، إذا كان ترك الصلاة يختلف مع غيره من سائر الذنوب والمعاصي في أنه كفر عملي؛ فلا يكون حينئذ لذكر ترك الصلاة وتخصيصها بهذا الحكم مزية.

    ثم قال: [ عن مجاهد بن جبر -المكي أبي الحجاج، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت له: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الصلاة ]. يعني: مجاهد بن جبر المكي تلميذ ابن عباس يسأل جابر بن عبد الله الأنصاري فيقول: ما هو العمل الذي كان يفرَّق به عندكم يا معشر الصحابة بين الكفر والإيمان من الأعمال؟ فقال جابر: الصلاة.

    فهل يتصور أن معنى قول مجاهد هنا: ما هو العمل الذي كنتم تفرِّقون به بين مسائل الكفر العملي والإيمان؟ لا يتصور، وإنما ذكر الكفر في مقابلة الإيمان، فيدل على أنه الكفر المخرج من الملة، وإن كان سبب الكفر عملاً من الأعمال؛ لأن الأعمال منها ما يخرج من الملة، ومنها ما لا يخرج من الملة.

    ثم قال: [ عن الحسن قال: بلغني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة من غير عذر ].

    هذا من بلاغات الحسن ، وعلى أية حال ليس في الباب هذا النص فحسب، بل هذا النص يشهد له كلام عبد الله بن شقيق العقيلي السابق، وهو سيد التابعين في البصرة، والحسن البصري سيد التابعين في البصرة أيضاً.

    فقول عبد الله بن شقيق : كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة. يوافقه الحسن بلاغاً عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة من غير عذر.

    ثم قال: [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرم علي دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله تعالى) ].

    فهذا النص إنما أضاف إلى أصل الإيمان وكلمة التوحيد مبنيين: الصلاة، والزكاة، فقال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)، فلو كان إيمان المرء وإسلامه يثبت فقط بمجرد الشهادة؛ لما كان هناك مسوغ لقتالهم على الصلاة والزكاة، ولما قاتلهم أبو بكر الصديق على منع الزكاة، مع أنهم كانوا قائمين بالصلاة، ولكن قاتلهم على الزكاة.

    ولذلك احتج به عمر على أبي بكر لما أصرَّ أبو بكر رضي الله عنه على مقاتلة ومحاربة مانعي الزكاة، فقال: يا أبا بكر أما بلغك أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)؟ فقال: بلى، يعني: هذا الكلام قد بلغني، وإنهم كانوا يؤدون الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو منعوني عقالاً. وفي رواية: عناقاً. وهو حبل بعير، أو ابن الناقة.. لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لقاتلتهم عليه، قال عمر : فلما رأيت أن شرح الله صدره لذلك؛ علمت أنه الحق.

    ومن حجة أبي بكر في ذلك أنه قال عمر : لو أن هؤلاء الناس تركوا الصلاة؛ كنت تقاتلهم أم لا؟ قال: أقاتلهم، قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

    إذاً: لا خلاف بين الصحابة أن من ترك الصلاة كفر وقتل بتركه لها، فقاس أبو بكر الصديق ما لم يكن معلوماً عند عمر وهو حكم الزكاة، على ما هو معلوم لديه فيما يتعلق بالصلاة، فقاس المجهول لديه على المعلوم لديه؛ فانشرح صدر عمر حينئذ أنه لا يفرق بين الصلاة والزكاة، خاصة وأن الله تعالى قرن بين الصلاة والزكاة في كتابه العزيز في أكثر من سبعين موضعاً: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43].. أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77]، فلا يفرَّق بين الصلاة والزكاة؛ لأن الله تعالى لازم وتابع وقرن بينهما.

    حديث معاذ في رأس الأمر وقوامه وذروة سنامه

    بعث أبي بكر لخالد بن الوليد وأمره له أن يقاتل الناس على شعائر الإسلام الخمس

    قال: [ عن حنظلة بن علي بن الأسقع : أن أبا بكر بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يقاتل الناس على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.

    وعن سليم أبي عامر أن وفد الحمراء أتوا عثمان بن عفان رضي الله عنه يبايعونه على الإسلام، وعلى من وراءهم، فبايعهم على ألا يشركوا بالله شيئاً، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويدعوا عيد المجوس -يعني: ألا يتشبهوا بغيرهم- فلما قالوا: نعم -أي: وافقوا على بنود هذه البيعة- بايعهم.

    وعن يزيد قال: قلت لـأنس بن مالك : (إن ناساً يشهدون علينا بالشرك، فقال: أولئك شر الخليقة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين العبد والشرك أو الكفر ترك الصلاة. أو: من ترك الصلاة كفر) ] فهذا أنس بن مالك يرفع ذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام، كما يبين التوجه العام في الحكم في هذه القضية أنه لا يحكم بالكفر ولا بالشرك في عمل من الأعمال إلا في الصلاة، وهذا إجماع الصحابة، ووقع بينهم نزاع فيما يتعلق بتكفير تارك الزكاة.

    حديث معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن

    ثم قال: [ عن عامر الشعبي : أن معاذ بن جبل لما بعثه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن اجتمع الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه ]، أي: قام معاذ خطيباً ومذكراً ومعلماً لأهل اليمن، فحمد الله وأثنى عليه.

    ثم قال: [ وقال: يا أيها الناس! ألا إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً]، أي: أن تفردوه بالعبادة والوحدانية، [وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وأن تطيعوني أهدكم إلى سبيل الرشاد، ألا إنما هو الله وحده، والجنة والنار بلا ظعن خلود فلا موت أبداً ]. ثم بدأ في تعليمهم.

    حديث بريدة (بكروا بالصلاة يوم الغيم)

    حديث أبي ذر (من ترك الصلاة عامداً فقد برئت منه ذمة الله عز وجل)

    قال: [ عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الصلاة عامداً؛ فقد برئت منه ذمة الله عز وجل) ] (من ترك الصلاة عامداً)، العامد يكون جاحداً ويكون غير جاحد، تصور أن واحداً تقول له: صل صلاة العصر، فيقول لك: لا، ما زال الوقت مبكراً، بقي للمغرب وقت طويل، فيقال له: صل يا بني! فيقول: نعم، حاضر، إلى أن سمع أذان المغرب.

    هو في إجاباته السابقة هل أظهر عناداً أو كفراً؟ لم يظهر، ولكنه أظهر استجابة، وكل ما فيها أن الوقت ممتد حتى دخل الوقت الثاني، وفات وقت العصر عمداً أم نسياناً؟ عمداً؛ لأن المذكر فوق رأسه يذكره في كل بضع دقائق بحق الله تعالى في إتيان الصلاة، حتى دخل وقت المغرب، لا شك أن هذا ترك للصلاة عمداً لا كسلاً ولا تهاوناً ولا نسياناً، فمن فعل ذلك فقد برئت منه ذمة الله عز وجل، والذمة: هي العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، ولذلك سمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم.

    حديث (قيل لابن مسعود: إن الله ليكثر ذكر الصلاة ...)

    قال: [ قيل لـعبد الله بن مسعود : إن الله عز وجل ليكثر ذكر الصلاة في القرآن: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23].. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]، فقال عبد الله بن مسعود : ذلك على مواقيتها، قالوا: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا على تركها، فقال عبد الله : تركها الكفر ].

    لم يقل: تركها كفر، وإنما قال: تركها الكفر، والألف واللام للعهد في هذا النص الذي سمعت؛ لأنها لو كانت للجنس لأطلقت على جنس الكفر المخرج وغير المخرج.

    فهذا يدل على أن ابن مسعود صحح للتابعين خطأهم، وأنهم كانوا يتصورون أن هذا المذهب إنما ينطبق على من أتاها دون من تركها، فقال: ليس الأمر كما تظنون، وإنما ترك الصلاة هو الكفر المعهود لديكم. والعهد: هو الشيء المعهود. كما أقول لك: هل قابلت رجلاً؟ فتقول: نعم، قابلت رجلاً في أول الطريق، وآخر في وسط الطريق وآخر في نهايته؛ لأني سألتك عن جنس الرجال. فتقول: نعم، أنا قابلت رجالاً، فضلاً عن رجل، بخلاف ما لو قلت لك: هل قابلت الرجل. أي: الرجل المعهود لديك الذي أرسلتك إليه خاصة؟ مثلاً أرسلتك بجواب، وقلت لك: خذ هذا الجواب وسلمه لمحمد بن إبراهيم، عينته لك، فذهبت وسلمت الرسالة له، لكن لو سلمتها لرجل غير معين ولا معروف، فهذا لا يفيد عندي أنك أعطيتها للرجل المعهود الذي عاهدتك أن تختاره من بين الرجال فتعطيه الرسالة.

    فإذاً: الألف واللام تكون للعهد، أي: لشيء معروف لدى الكل.

    فقال هنا: (قيل لـعبد الله بن مسعود : إن الله عز وجل ليكثر أن يذكر الصلاة في القرآن: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23].. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]؛ فقال عبد الله: ذلك على مواقيتها). فربنا يمدح الذي يقيم الصلاة على وقتها، (قيل: يا رسول الله! ما أفضل الأعمال؟ قال: الصلاة على وقتها أو لوقتها).

    (قالوا: يا أبا عبد الرحمن ! ما كنا نرى ذلك إلا على تركها، فقال: تركها الكفر) يعني: الكفر المعهود، وهو الكفر المخرج من الملة.

    أثر أبي الدرداء (لا إيمان لمن لا صلاة له ...)

    قال: [ عن عبد الله بن أبي زكريا أن أم الدرداء حدثته أنها سمعت أبا الدرداء يقول: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له ]. يعني: النفي متعلق بأصل الإيمان، فمن لا يصلي لا يكون عنده أدنى إيمان ولا ذرة إيمان. والقرينة على هذا أنه قال: (ولا صلاة لمن لا وضوء له)؛ لأنه لا يمكن أبداً حمل هذا النص على أنه لا صلاة كاملة الثواب لمن لا وضوء له، هذا الكلام غير مستقيم؛ لأن الذي ليس على وضوء لا تصح صلاته وإن صلى ألف ركعة؛ لأن الوضوء شرط صحة في الصلاة، وكذلك الصلاة شرط صحة في الإيمان، ليست شرط كمال، وإنما هي شرط صحة.

    فإذا صلى المرء بغير وضوء فلا صلاة له، وكذلك إذا ترك المرء الصلاة فلا إيمان له البتة، ولذلك قرنهما في نص واحد، قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له)، فقاس المجهول لديهم على المعلوم، ألا تعلمون أن الذي يصلي بغير وضوء لا صلاة له أصلاً، وأن قوله: (لا صلاة له)، أي: نفي الصلاة من الأساس، فإذا كنتم تعلمون أنه لا صلاة لمن لا وضوء له، فكذلك لا إيمان لمن لا صلاة له.

    ثم قال: [ عن عبد الله بن مسعود قال: من لم يصل فلا دين له ].

    حديث الباقر (لو مات هذا مات على غير دين محمد صلى الله عليه وسلم)

    [وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال: (دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى، فجعل ينقر صلاته كما ينقر الغراب، فقال: لو مت على هذا مت على غير دين محمد صلى الله عليه وسلم) ]، مع أن هذا يصلي، لكنه لا يصلي الصلاة المشروعة التي تقبل عند الله عز وجل، ولذلك (لما دخل الرجل فصلى ركعتين ينقرهما نقراً، ويقعي فيهما إقعاء الكلب، ثم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: السلام عليك يا رسول الله! قال: وعليك السلام! ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، وهذا نفي للصلاة، ولو كان معنى هذا النص: إنك لم تصل صلاة كاملة تامة؛ لما أمره بالإعادة.

    فقوله: (ارجع فصل) دليل على أن الصلاة كلها لم تقع صحيحة، فكأنه لم يصل صلاة صحيحة؛ لأنه أمره أن يعيدها كذلك لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً في قدمه موضع درهم لم يمسه الماء، قال عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار)؛ لأن العقب الذي فوق مؤخرة القدم وتحت الكعبين، هذا المكان في الغالب أن من لا يحرص على إتمام الوضوء يقصر في تتبع هذا الموضع، خاصة من كان عندهم نحافة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار)؛ وأمر الرجل بعد أن فرغ من وضوئه أن يرجع فيعيد الوضوء من أساسه.

    أثر ابن مسعود (من أقام الصلاة ولم يؤد الزكاة فلا صلاة له)

    قال: [ قال عبد الله بن مسعود: من أقام الصلاة ولم يؤد الزكاة؛ فلا صلاة له ].

    والزكاة ليست كالصلاة، الصلاة عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام من تركها كفر إجماعاً، بخلاف الزكاة، فقد وقع بينهم نزاع في تكفير تارك الزكاة.

    ثم قال: [ قال عبد الله : (ما تارك الزكاة بمسلم) ]، فنفى عنه الإسلام.

    أثر حذيفة في الإنكار على من لا يتم الركوع والسجود

    قال: [ عن حذيفة أنه رأى رجلاً يصلي لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما انصرف دعاه حذيفة فقال: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: أصليها منذ كذا وكذا -أي: منذ كذا وكذا سنة- قال: ما صليت، أو ما صليت لله عز وجل. قال أحد الرواة: وأحسبه قال: لو مت مت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم ]، والسنة هنا بمعنى: العقيدة والدين.

    أثر ابن المبارك في تكفير من قال أصلي غداً

    ثم قال: [ يقول ابن المبارك: من قال أصلي الفريضة غداً؛ فهو عندي أكفر من الحمار]. لا بد أن تحمل هذه النصوص كلها على الكفر المعهود، وهو الكفر المخرج من الملة.

    أنا لا أجرؤ على تكفير من صلى وترك، أو من ترك فرضاً أو فرضين، أو تكاسل وصلاهما بعد ذلك، إنما أجرؤ على تكفير من ترك الصلاة بالكلية، فأنا لا أشك أن من ترك الصلاة بالكلية كافر كفراً يخرجه عن ملة الإسلام، فإذا كفر أخذ حكم الكافرين، وإذا كانت امرأته تصلي فيجب التفريق بينهما؛ لأن الله تعالى حرم أن يكون للكافر سبيل على المسلم، كما قال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وولاية الزواج من السبيل، فهذا لا يغسل ولا يكفن، ولا يورث ولا يدفن في مقابر المسلمين، وكل هذا مشروط بمسألة المصلحة والمفسدة، خاصة في هذا الزمان.

    حديث عبد الله بن عمرو: (من حافظ عليها كانت له نوراً ...)

    قال رحمه الله: [ عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة، ويأتي يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف) ].

    هؤلاء كانوا كفاراً كفراً حقيقياً، فهم كفار مخلدون في نار جهنم، ويأتي يوم القيامة تارك الصلاة ويخلد معهم في النار، فإذا كان تارك الصلاة كافراً كفراً عملياً، أليس من الظلم أن يأتي مع هؤلاء؟ بلى! فلما تنزه الله تبارك وتعالى عن الظلم واتصف بصفات الكمال؛ لا بد أن نقول: إن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة؛ ولذلك استوجب لنفسه أن يخلد في النار مع قارون، وفرعون، وهامان وأبي بن خلف .

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087860908

    عدد مرات الحفظ

    774458667