إسلام ويب

معالم على طريق الصحوةللشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصحوة الإسلامية في العصر الحاضر يقظة بعد نوم، وصحوة بعد سبات، وهي صحوة مباركة آتت كثيراً من الثمار، وأعادت الناس إلى التمسك بالسنة وإحياء بعض معاني الدين التي كادت تموت، وإماتة البدع والمحدثات، ومع ذلك فهناك سلبيات وأخطاء ينبغي تداركها والعمل على إزالتها.

    1.   

    أهمية الكلام عن الصحوة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:

    أيها الإخوة! فإن من أهم الأمور التي تجول في خاطر كل مسلم غيور على دينه ما يتعلق بالصحوة في حقيقتها ومفهومها، وفي خصائصها وسماتها، وفي إيجابياتها وسلبياتها وأخطائها، وفي تسديدها وتقويمها وفي مستقبلها.

    والحديث عن هذا الموضوع متشعب وطويل، وبمجرد ما أشير علي بالحديث عنه تواردت إلي خواطر كثيرة اخترت منها ما أرى أنه مهم وجدير بالبحث على وجه السرعة، ونظراً لكثرة الموضوعات وتداعيها فإني سأطرح كثيراً من القضايا التي أذكرها على شكل أطروحات يجب على أهل الحل والعقد في هذه الأمة من العلماء والدعاة وطلاب العلم أن يعنوا بها، وأن يعطوها حقها من البحث والعمل.

    وسأقف بعض الوقفات:

    الوقفة الأولى: حول مفهوم الصحوة.

    والثانية: في تقويمها.

    والثالثة: في مظاهر هذه الصحوة.

    والرابعة: في خصائص الصحوة.

    والخامس: في عيوبها وسلبياتها.

    والسادسة: في مواقف الناس منها.

    والأخيرة: في التوصيات.

    1.   

    مفهوم الصحوة

    أما الوقفة الأولى: ففي مفهوم هذه الصحوة.

    الصحوة: مصطلح جديد فرض نفسه على الناس، والصحوة في اللغة مأخوذة من الصحو، وهو: ترك الباطل، أو ترك الصبوة، أو ذهاب السكر.

    والصحوة أيضاً: تطلق على ذهاب الغيم، يقال: أصحت السماء بمعنى: انقشع عنها الغيم، أو نحوه مما يحجبه.

    ويقال: صحا فلان من نومه أي: أفاق.

    فالصحوة أيضاً بمعنى: الإفاقة من الغفوة والنومة والغفلة.

    أما في الاصطلاح: أي: فيما هو معهود عند الناس اليوم فإن الصحوة بالاصطلاح المعاصر تعني: عودة شباب هذه الأمة بخاصة إلى دين الله تعالى، كما أنها تعني إفاقة المسلمين بعامة من غفوة الجهل والفرقة، وهيمنة البدع والمحدثات والشركيات.

    كما أنها تعني أيضاً: الإفاقة من سكرة الذل والتبعية والهوى.

    أو هي: محاولة العودة إلى السنة والجماعة وتجديد الدين بالمعنى الشرعي الصحيح بعد الغربة التي هيمنت على الإسلام والمسلمين في العصور المتأخرة.

    والصحوة هي: وعد الله الذي لا يخلف، وهي قدر الله الذي لا يرد؛ لأنها مقدمات الفتح بمعانيه الشرعية الشاملة، والله تعالى بشر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصحوة الأولى حينما تمكن الإسلام من قلوب الناس في ذلك الوقت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].

    وفي نظري أن التعبير عن نهضة المسلمين وعودتهم إلى دين الله بالصحوة تعبير سليم، وهو يقابل التعبيرات والإطلاقات السائدة إعلامياً والتي انطلقت من خصوم الدعوة في داخل العالم الإسلامي وفي خارجه، وهي: تلك التسميات التي تعني لمز الدعوة إلى الله، ولمز الرجوع والعودة إلى الإسلام.

    من هذه الإطلاقات الشنيعة: إطلاق كلمة التطرف على الصحوة، أو إطلاق كلمة الأصولية، وإن كانت هذه الكلمة محتملة للمعنى الصحيح والمعنى الباطل، لكن الذين أطلقوها لا يريدون إلا المعنى الباطل.

    كذلك: إطلاق وصف المعارضة على هذه الصحوة المباركة، كل ذلك من الإطلاقات الجائرة التي انساق معها كثير من خصوم الدعوة، ومن الإعلام في العالم الإسلامي مع إطلاقات الكفار فيها.

    1.   

    تقويم عام للصحوة

    الوقفة الثانية: تقويم عام موجز لهذه الصحوة، وسيليه تقويم شامل إن شاء الله.

    أما التقويم العام: فإن أحسن ما يمكن أن يقال في هذه الصحوة أنها في الجملة خير وبركة، وباعث على الفأل للأمة جميعاً، وهي: مقدمة النصر للإسلام والمسلمين، وهي بشرى من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، وهي قدر الله الذي لا يرد، وغرسه المبارك، ووعده الصادق، وأمنية كل مسلم مخلص.

    لكن مع ذلك يجب ألا نفرط في التفاؤل؛ لأنا نجد في ثنايا هذه الصحوة مظاهر فرقة، ومظاهر غلو وتشدد في الدين وتعمق، ونرى نزعات أهواء وعصبيات وشعارات وأحزاب وخصومات، إذا لم يعالجها العقلاء أهل العلم والفقه في الدين فربما تتحول إلى مصائب وبلايا ومحن وفتن لا يعلم مداها إلا الله، نسأل الله العافية.

    1.   

    مظاهر الصحوة وسماتها

    الوقفة الثالثة: في مظاهر هذه الصحوة وفي سماتها:

    مظاهر الصحوة وسماتها كثيرة ومختلفة بحسب رؤية الرائين، وبحسب نظرة المراقبين لهذه الصحوة، أو المعايشين لها، أو خصومها، لكني ألخص أهم هذه المظاهر بما يلي:

    أولاً: تنامي التدين، أي: العودة إلى الإسلام والسنة، والالتزام الشرعي في كل شرائح الأمة، بل في كل مكان، وكل بقعة من الأرض، وعلى كل مستوى من المستويات، وليس فقط في الشباب كما يظن بعض الناس، وإن كان أبرز مظاهر هذه الصحوة وجودها في الشباب، أو تنامي التدين في الشباب، لكن هذا مظهر من المظاهر، ونجد للصحوة مظاهر شتى في جميع مجالات حياة الأمة، وفي جميع شرائحها في الصغار والكبار، وعلى كل المستويات الرسمية وغير الرسمية.

    ثانياً: من مظاهر هذه الصحوة: ظهور الجماعات الكثيرة في الدعوة إلى الله، بصرف النظر عن إيجابية هذه الظاهرة أو سلبيتها، إنما ظهور الجماعات وكثرتها والتفاتها إلى الدعوة والحسبة كل ذلك مظهر من المظاهر الجلية للصحوة.

    ثالثاً: القوة في الحق في أبناء هذه الصحوة، والجرأة في الصدع بالحق.

    رابعاً: تتمثل الصحوة أيضاً في جرأة الشعوب على النداء بالعودة إلى الإسلام في كل مكان، وفي كل زمان، رغم ما يكتنف هذه النداءات والشعارات من الجهل والتقصير والتجاوز إلا أنها ظاهرة قوية في جميع الشعوب في العالم الإسلامي، بل وحتى في غير العالم الإسلامي، حتى في الأقليات الموجودة في البلاد الكافرة، نجد أن مظاهر الاعتزاز بالدين والالتزام، ومحاولة استعادة المكانة اللائقة بالمسلم شملت جميع الأرض، وما من حجر أو مدر فيه إنسان مسلم إلا ونجده بدأ يشعر بعزة الإسلام، وعزة المسلم، وهذه ظاهرة أقضت مضاجع الأعداء والخصوم.

    خامساً: تتمثل الصحوة بهذه النهضة العلمية الشرعية العارمة القوية في كل مجال وفي كل مكان، وعلى كل مستوى، وتتمثل هذه النهضة في كثرة المؤلفات الجيدة المؤصلة، وفي كثرة الوسائل الأخرى التي تنشر العلم الشرعي من النشرات والكتب والأشرطة وغيرها.

    كما تتمثل أيضاً: بكثرة المراكز العلمية والجمعيات وتناميها.

    المظهر السادس: محاولة استئناف الريادة لأهل الريادة الشرعية، ريادة الأمة بالعلماء وأهل الفقه في الدين، وهذه المحاولة محاولة جادة نشطة في الشباب وفي غير الشباب من شرائح الأمة وطبقاتها، فنجد أن المسلمين بدءوا يشعرون بأنهم بحاجة إلى الالتفاف حول أهل العلم والفقه في الدين، وإلى إحياء معاني أهل الحل والعقد في الأمة بعدما كاد هذا المعنى يضيع، وبعدما سيطرت العلمنة على الأمة فمكنت للرؤساء الجهال الذين قادوا الأمة إلى العلمنة والإعراض عن دين الله.

    فاستئناف الريادة للعلماء وأهل الفقه في الدين ظاهرة جلية واضحة بحمد الله، تتمثل في الالتفاف حولهم، وفي رد اعتبارهم، وفي السماع منهم، وفي الصدور عن قولهم ورأيهم وتوجيههم، رغم ما في ذلك من التقصير والتجاوزات، إلا أن هذه في نظري ظاهرة عامة قوية تتنامى وتزيد.

    السابع: إحياء شعائر الدين الظاهرة وغير الظاهرة من إقامة الصلاة، وإقامة الفرائض والسنن، وإحياء الجهاد، وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحسبة بمعانيها الشاملة.

    ثامناً: السعي للخروج بالأمة من حالة الإعراض عن دين الله تعالى والصد عنه أحياناً، ومن حالة الجهل والفرقة وهيمنة البدع والتخلف العقدي، ومن التبعية الفكرية والثقافية والسياسية، إلى العزة التي أرادها الله سبحانه وتعالى.

    تاسعاً: تتمثل مظاهر هذه الصحوة وآثارها في تنازلات بعض الأنظمة والدساتير بالاعتراف بالإسلام، وإن كان شكلياً إلى الآن، لكنه تنازل يدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الأمة أن تنهض فألقى الرعب في قلوب أعداء الإسلام في الداخل والخارج.

    عاشراً: خروج الكفار والخصوم عن صمتهم، وعن الكيد والدس الخفي إلى إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين إعلاناً سافراً، لا التواء فيه، بل إنهم أعلنوا رهبتهم من هذه الصحوة، حتى أن رئيساً من أكبر رؤساء الغرب يوصي رئيساً من أصغر رؤساء الشرق بأن يحذر من الأصولية، وهذه مسألة لا يبوح بها رئيس في أمر خطير من أهم أمور الغرب الاستراتيجية إلا والأمر وصل إلى حد الخروج عن الصمت والفزع الذي أقض المضاجع عند الغرب.

    أقول: إن من أبرز مظاهر الصحوة: خروج الكفار وخصوم الدعوة وخصوم الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج عن صمتهم، وإعلانهم رهبتهم من الصحوة، وإعلان حالة الطوارئ سياسياً في جميع العالم.

    1.   

    خصائص الصحوة

    الوقفة الرابعة: في خصائص هذه الصحوة:

    وأقصد بالخصائص الجوانب الإيجابية التي تتميز بها.

    سرعة الانتشار

    فأول هذه الخصائص وأبرزها لكل ناظر لأمر الصحوة هو: سرعة الانتشار وسرعة النمو، وسرعة التكامل بشكل مذهل.

    القوة في الحق والحرص على العلم

    وثانياً: القوة والصلابة في الحق عند كثير من أبناء هذه الصحوة.

    وثالثاً: الإقبال والحرص على التزود بالعلم الشرعي والفقه في الدين، وهذه ظاهرة صحية تبشر بالخير، وتبعث على الفأل.

    إقبال المسلمين عموماً والشباب على وجه الخصوص على التزود بالعلم الشرعي الصحيح وبطرقه السليمة، وعلى التفقه في الدين، والتزام أهل العلم من العلماء والمشايخ القدوة، مما يبعث على الفأل في هذه الصحوة.

    الحرص على السنة

    رابعاً: الحرص على السنة والجماعة بكل معانيها، وهذا لا يعني أن الصحوة كلها تسلك طريق السنة والجماعة، لكن مظاهر الحرص موجودة، ودعاوى الالتفاف حول أهل السنة والجماعة ورفع شعار السنة والجماعة موجودة وبجد، لكن قد يكون هناك شيء من التقصير أو الفهم الخاطئ لمعنى السنة والجماعة، ولمناهج أهل السنة والجماعة.

    أما جدية الإقبال فهي موجودة ومتوفرة في كثير من فصائل الدعوة والصحوة في جميع العالم.

    التخلص من البدع

    خامساً: محاولة التخلص في الأغلب من البدع والمحدثات في الدين، ومن آثار الجهل والافتراق التي هيمنت على الأمة في عصورها المتأخرة.

    العزة

    سادساً: تتمثل أيضاً هذه الخصائص بالاعتزاز، أي: اعتزاز المسلمين عموماً، وشباب الصحوة على وجه الخصوص بالدين والسنة، وإظهار الولاء للمؤمنين وللإسلام وللحق وأهله، والبراءة من الشرك والكفر والفسق والفجور، وهذه أيضاً خصيصة تكثر وتزداد بحمد الله.

    السعي إلى إحياء معاني الجهاد والحسبة

    سابعاً: السعي إلى إحياء معاني الجهاد والحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، وهذه المعاني أيضاً: تظهر في كل بلد من بلاد المسلمين بقوة وجلادة، لكنها قد توجد فعلاً وقد لا توجد، أما التوجه فهو توجه عارم قوي، ومن أكبر هواجس الدعاة وشباب الصحوة في كل بلد إسلامي هو ما يتعلق بهذه الأمور التي تحيي شعائر الإسلام.

    رفض مظاهر الفسق والانحلال والتبعية

    ثامناً: رفض مظاهر الفسق والانحلال والذلة والتبعية والتشبه والانهزامية التي هيمنت على الأمة في الآونة الأخيرة:

    وأقصد بذلك أن المسلمين بدأ عندهم الشعور بضرورة العودة إلى الإسلام، فلذلك صار عندهم شيء من ردة الفعل المعتدلة أحياناً والعنيفة أحياناً ضد مظاهر الفسق والانحلال والرذيلة.

    بل ربما يكون من أقوى أسباب قوة هذه العودة إلى الإسلام هو هيمنة الفساق والعلمانيين على العالم الإسلامي، وما سعوا إليه من فرض الحكم بغير ما أنزل الله، ورفض دين الله تعالى وشرعه، وإعلان مظاهر الانحلال والخروج من الفضيلة والحشمة، أقول: إن هذا السبب هو من أعظم أسباب سرعة التنامي في وجود الصحوة والعودة إلى الإسلام من جديد.

    فلذلك يجب ألا يغفل من يدرس ظواهر التشدد والغلو في بعض شباب الأمة، عن أن السبب الأول لظهور العنف والتشدد والغلو في بعض الشباب الجهلة هو هيمنة العلمانية، وفرض أسسها الخبيثة التي تعلن الرذيلة وتعرض عن دين الله تعالى، وتصد عن سبيل الله، ولو تحاكم الناس إلى شرع الله لوجدوا أن المسئول الأول عن ظهور هذه المظاهر الشاذة في بعض الشباب المتشدد هو العلمنة وما نتج عنها.

    الاهتمام بأمور المسلمين

    تاسعاً: من خصائص الصحوة الطيبة: الاهتمام بأمور المسلمين وقضاياهم في كل مكان، والمراقب المنصف يجد أن من أكبر حسنات هذه الصحوة المباركة أنها أيقظت المسلمين لشعور بعضهم بمعاناة البعض الآخر، وأيقظتهم للاهتمام بأمور المسلمين في أي مكان، وأوجدت لديهم ضرورة التكافل والتعاون والتناصر والتآزر، وأبعدت عنهم الإقليمية والانطوائية التي غرسها الجهل والبدع، وغرسها الاستعمار والاحتلال، وغرستها الأنظمة العلمانية.

    محاولة النهوض بالأمة

    عاشراً: محاولة النهوض بالأمة في كل نواحي الحياة، فإنا نجد أن أكثر الناس جداً وإسهاماً في إخراج الأمة من ضعفها وذلها هم شباب هذه الصحوة، ولو مكن لهم لكان للأمة وضع غير ما هي عليه، أعني: لو مكن أهل الخير والاستقامة، وأهل العلم والفضل والفقه في الدين من الإسهام الإيجابي في أمور الأمة في دينها ودنياها؛ لنهضت نهضة جبارة سبقت غيرها من الأمم.

    وهذه سنة من سنن الله التي لا تتخلف.

    فمن حسنات هذه الصحوة وخصائصها الطيبة: أنها حاولت جادة النهوض بالأمة، رغم ما يحدث من صدها وإبعادها عن مراكز التأثير والإنتاج والعمل الإيجابي.

    السعي إلى الرقي بالدعوة

    حادي عشر: السعي إلى الرقي بالدعوة بوسائلها وخططها وأساليبها من الارتجاليات والعفويات، والطرق والوسائل البدائية والفردية، إلى العمل المؤسسي والمنهجي والإداري المدروس الذي يفيد من الإمكانات المتاحة للأمة، وهي الإمكانات المعاصرة الجبارة، والوسائل المتوفرة التي لو استخدمت في نصرة الحق، لكان خيراً عظيماً.

    العالمية

    ثاني عشر: من أبرز خصائص هذه الصحوة أنها عالمية، خرجت من نطاق الإقليمية والوطنية، ومن نطاق القومية، وإن كان هذا شيئاً نسبياً قد يتخلف أحياناً في بعض الجماعات أو في بعض البلاد أو في بعض الأفراد الذين لهم أثر في الدعوة، لكن السمة العامة التي تتميز بها الصحوة في عمومها في جميع العالم العالمية.

    وأنا عندما أتكلم عن الصحوة أحب أن أنبه أني لا أقصد الصحوة في بلد معين، ولا في العالم الإسلامي فقط، بل الصحوة في جميع العالم، لأنا نجد أن الإسلام نفسه يتنامى وتظهر دول الآن بملايين السكان تنضم إلى منظومة العالم الإسلامي، وهذه بداية نصر الله وفتحه الذي وعد الله به.

    فأقول: إن من أهم سمات هذه الصحوة: أنها عالمية، عالمية في التوجه والأهداف، وعالمية في نشر الإسلام، وعالمية في الاهتمامات حتى إنها تتخطى الحدود والإقليميات وهذا مما أزعج خصوم الدعوة، وجعلهم يتكالبون عليها في كل مكان، حتى الدول التي لا يوجد فيها عزة للمسلمين أو أن المسلمين فيها أقلية، نجد أنها تنضم إلى مجموعة التحدي والتصدي للإسلام والمسلمين، وهذا من سنن الله التي يجب أن نفقهها وأن نعلمها ولا نستغربها.

    ولا يهولنا الأمر إذا علمنا هذا، بل نستبشر خيراً؛ لأنه ما وجد هذا الزخم الهائل في خصومة الدعوة والتصدي لها إلا حينما كان لها كيان، فلذلك يجب بعد هذا ألا نتجادل: هل الدعوة أثمرت أو ما أثمرت؛ لأنها لو لم تثمر لما كان هذا الزخم من التخوف والتصدي لهذه الصحوة في جميع العالم.

    إذاً: فهي عالمية تحمل هموم المسلمين في كل مكان، وتحمل إن شاء الله غايات الإسلام في كل مكان.

    1.   

    عيوب الصحوة وسلبياتها

    الوقفة الخامسة: أرجو ألا تضيق بها صدوركم، فإن الخير قد يأتي بالشر كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الخير قد يأتي بالشر).

    فلذلك يجب ألا نغرق في التفاؤل، ويجب أن نعرف أن التسديد والنصر والتوفيق رهين ببذل الجهد والنصح، وفي تسديد الصحوة وترشيدها، وإن تركت لمجرد التفاؤل والاندفاع التي هي عليه فربما تحدث نكسات الله أعلم بها.

    فلذلك سأشير إلى أهم ما يمكن أن يظهر للمراقب لهذه الصحوة من عيوبها وسلبياتها ودوائها.

    والصحوة إنما تتمثل في بشر، وهم المسلمون الذين فيهم ما فيهم من أمراض العقائد، وأمراض السلوك، وأمراض الأفكار، والأدواء الأخرى، ثم إنها ظهرت من ركام جاهلي ثقيل عظيم شديد، فمن الطبيعي أن تحمل بعض أضرار هذه الركام، ومن الطبيعي أيضاً أن توجد فيها بعض السلبيات؛ لأن ضخامة الصحوة وسرعة انتشارها أكبر من أن يتحكم فيها العقلاء، لكن مع ذلك يجب التسديد والمقاربة والنصح قدر الإمكان ومع بذل الوسع وإهداء النصح، فإن الله سبحانه وتعالى لا يخيب عمل العاملين.

    من أبرز هذه العيوب ما يلي:

    ضعف التفقه في الدين

    أولاً: ضعف التفقه في الدين في العموم: فرغم كثرة الحرص على التحصيل الشرعي، ورغم كثرة الوسائل لهذا التحصيل إلا أنه تنقصه المنهجية التي تتمثل في أن تحصيل العلوم الشرعية ينبغي أن يكون على القدوة على ركب العلماء والمشايخ، وهذه المسألة لا تزال غير كافية في تفقيه الصحوة.

    وأيضاً: ينبغي أن يكون تحصيل العلم الشرعي على أصوله الشرعية المعروفة في التحصيل في البدايات والنهايات وطرق التحصيل وأساليبها، وعلى من تكون، وكيف تكون، كل ذلك لا يتسع المقام لتفصيله، إنما له طرق شرعية مثبتة في النصوص وآثار السلف، وفي مناهجهم.

    الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب

    ثانياً: من أخطر أدواء هذه الصحوة في بعض فصائلها وبعض شبابها، وبالطبع ينبغي أن يفهم أن أكثر هذه العيوب توجد في شرائح من المسلمين وفي طبقات، وليست في جميع المسلمين، وفي جميع أبناء الصحوة، لكن مع ذلك لابد من الاعتراف بها، وإن وجدت في قلة من الشباب أو من المسلمين.

    أقول: من أخطر هذه العيوب والسلبيات: الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب، والتي يغذيها خصوم الدعوة وينمونها بكل وسيلة، وهذه الجفوة منها: جانب حقيقي، ومنها: جانب وهمي مفتعل ومتكلف أو سعى إليه خصوم الإسلام، وتتمثل هذه الجفوة بأمور:

    أولها: قلة الشباب الذين يتلقون العلم الشرعي عن المشايخ، وأكثرهم يتلقون العلم الشرعي إما عن بعضهم، أو عمن هم دون طلاب العلم والمشايخ، وهذا أمر لا ينكر لذاته؛ لأن تحصيل العلم الشرعي يكون عن كل من كان لديه علم وأجاده ولو لم يكن عالماً، لكن الخطير هو الاستغناء بالشباب الأحداث وطلاب العلم الصغار عن أخذ العلم عن الكبار.

    أما أخذ العلم عن الجميع فهو أمر شرعي، ولا يتأتى للناس ألا يأخذوا العلم إلا عن الكبار؛ لأن هذا أمر لا يمكن مع كثرة الواردين وكثرة الطالبين.

    لكني أقول: إن ظاهرة عزوف الشباب عن أخذ العلم عن المشايخ ظاهرة لا تزال موجودة، تحتاج إلى شيء من النظر والعلاج.

    كما تتمثل هذه الجفوة بالتفاوت بين الشباب والشيوخ والعلماء، التفاوت الذي سببه ضعف التلقي، أي: تلقي الشباب من مشايخهم، التفاوت في التفكير والتفاوت في الحكم على الأشياء، والتفاوت في النظرة إلى الأمور الخطيرة في حياة الأمة ومستقبلها.

    ولو قلنا بالإنصاف لوجدنا أن المسئول الأول عن هذا التفاوت ليس هو المشايخ والعلماء الكبار بقدر ما هم الشباب، أو الموجهون للشباب.

    تغليب جوانب اليأس

    ثالثاً: من العيوب التي توجد في بعض شباب الصحوة: تغليب جوانب اليأس، والتشاؤم والشعور بالإحباط، وسوء الظن، ونشر ذلك بين شباب الأمة وأفرادها.

    التنازع في الخلافيات

    رابعاً: التنازع في الخلافيات التي يسع فيها الخلاف ويعذر فيها المسلم أخاه، وما ينتج عن هذا التنازع من التنابز، ومن التبرؤ أحياناً، والتهارج والتهارش والخصومات على الانتماءات والمناهج والشعارات، والتعلق بالأمور الخلافية التي يجب على المسلم أن يعذر أخاه في المخالفة فيها.

    وأنا أقول وحسب ما أعلمه: إن الكثير مما يختلف فيه المسلمون اليوم وخاصة الشباب، ويتخاصمون عليه من الخلاف على المناهج، أو على الجماعات، أو على الشعارات أو على الانتماءات أو نحو ذلك: إن أغلبه يدخل في مجال الأمور الخلافية التي يجب ألا يتنازع فيها المسلمون، إنما يجب أن يحترم كل واحد فيها وجهة نظر الآخر، ولا يجوز أن يخاصم فيها أو يعادي، أو يوالي ويتبرأ عليها.

    التعلق بالشعارات أكثر من التعلق بالحقائق

    خامساً: من العيوب الخطيرة: التعلق بالشعارات أكثر من التعلق بالحقائق والمعاني.

    الغلو في الدين

    وسادساً: من السمات الظاهرة في بعض شباب الدعوة وشباب الأمة: الغلو في الدين، والتشدد الذي يصل أحياناً إلى سلوك مسلك الخوارج، وأحياناً يكون دون ذلك.

    ولاشك أن مظاهر الخوارج وسمات الخوارج موجودة في فئات قليلة بحمد الله، كما أن مظاهر التشدد والغلو في الدين وبذور الفرقة موجودة في قطاع من شباب الأمة، وهو إن كان قليلاً، لكن القلة يجب ألا يستهان بها، فإن الخوارج الأولين كانوا قلة ومع ذلك أتعبوا الأمة في العصور الفاضلة، فكيف في هذه العصور المتأخرة التي ضاع فيها كثير من معالم الحق عن الناس.

    وكما أسلفت فإن المسئول الأول عن وجود مظاهر الغلو والتشدد والعنف هو الأنظمة العلمانية والمظاهر العلمانية، وتمكن العلمانيين من مقاليد الأمة، وما فعلوه وأوصلوا الأمة إليه من رفض شرع الله تعالى، والصد عن دين الله، وإشاعة الرذائل، ومطاردة أهل الفضيلة، وفرض الكفر على الأمة بالحكم بغير ما أنزل الله، وما يستتبع ذلك من مظاهر الكفر والشرك والانحراف، والفساد الخلقي والاجتماعي، والفساد الاقتصادي وغير ذلك مما ساد في الأمة حتى أصبح من المعضلات الكبرى التي يئس الناس من حلها إلا بقدر من الله.

    أقول: إن المسئول الأول عن وجود مظاهر التشدد والعنف هي الأنظمة التي تتحدى الإسلام، فإذا زالت مظاهر هذا التحدي فلاشك أن مظاهر العنف ستخف، وربما يكون القضاء عليها سهلاً؛ لأن العقلاء إذا كان لهم دور في الحل والعقد استطاعوا أن يقضوا على مثل هذه المظاهر إذا لم تكن موجباتها أكبر من استطاعتها.

    أما الآن: فإن موجبات التشدد وموجبات العنف أكبر من أن يستطيع أهل الإصلاح القضاء عليها بين عشية وضحاها.

    العاطفية وسرعة الانفعال

    سابعاً: من عيوب هذه الصحوة: العاطفية، وسرعة الانفعال، وسرعة الحكم، وما يستتبع ذلك من الطيش والتقلب في الآراء والمواقف، والجرأة في الفتاوى والأحكام، وغير ذلك، هذا وإن كان يوجد في القليل إلا أنها سمة بدأت تكثر وتنتشر مع فداحة الأحداث في الآونة الأخيرة.

    التعلق بكل ناعق

    ثامناً: التعلق بكل ناعق واتباع كل من رفع الشعار:

    ولذلك نجد أنه يتصدر الدعوة إلى الله وأمور المسلمين في كثير من البلاد من لا يفقه من الدين شيئاً، أو لا يفقه إلا القليل.

    الاستسلام للأوهام

    تاسعاً: الاستسلام للأوهام النفسية:

    ومن ذلك توهم بعض الخصوم الذين لا وجود لهم، أو توهم العقبات التي ليست بعقبات في الحقيقة، أو هي عقبات هينة بإذن الله وبعونه وتوفيقه.

    وكذلك توهم أن كثيراً من أفراد المجتمع والأمة ومن بأيديهم مقاليد الأمور خصوم، في حين أن الأمر قد لا يكون كذلك، نعم لا بد أن يوجد خصوم؛ لأن هذه سنة الله في خلقه، لكنه يوجد في بعض الأمة من الغيورين من يتوهم أن كثيراً ممن حوله هم من خصومه أو من خصوم الدعوة، وهذا مرض يجب أن يعالج.

    كذلك من الأمراض النفسية عند بعض شباب الصحوة التهويل من خطط الخصوم والأعداء، وافتراض الأشياء المستقبلية بناء على شائعات أو تقارير تسمع، أو على تصريحات تقال، أو على قرارات دولية أو غير دولية.

    والمبالغة في هذه الأمور فيها نوع من التيئيس والإحباط، وعدم الثقة بالله تعالى سبحانه وتعالى وبنصره.

    ولا أقول بالاستهانة بما عليه الأعداء، أو بما يخططون له من صد عن دين الله وشرعه، وقمع للدعاة والمصلحين، هذا أمر يجب أن يكون على البال حتى لو لم يوجد فيجب أن نفترض أنه موجود؛ لأنه سنة ثابتة من سنن الله.

    لكن أقول: المبالغة في تصوير الأحكام والتقارير على أنها عقبات كبرى أمام الدعوة إلى الله، وترتيب النتائج المستقبلية عليها بما يؤدي إلى اليأس والقنوط؛ هذا أمر لا يجوز شرعاً، وهي سمة وظاهرة خطيرة في بعض وشباب الصحوة.

    تجاهل الآخرين من المخالفين

    عاشراً: تجاهل الآخرين من المخالفين أو العامة، أو فصائل وطبقات المجتمع والأمة التي لا تباشر الدعوة، أو لا تؤديها أو لا يهمها أمر الدعوة، ولا أمر الإسلام والمسلمين.

    ينبغي للدعاة إلى الله ألا يفترضوا أن الناس كلهم يجب أن يكونوا على نمط واحد من الاستقامة، ولا على نمط واحد من الفهم والاستعداد، ولا على نمط واحد من القيام بالواجب، فإنا لو تصورنا الأمر كذلك لاختلت الموازين، ولما وجدنا للخير منفذاً، بل يجب أن نفهم أن الأمور مناطة أولاً بالخلص من أهل التقوى والصلاح الذين يحملون هذه الدعوة، وثانياً بأهل الحل والعقد في الأمة، وهم العلماء والدعاة وطلاب العلم، فهؤلاء هم الذين يجب عليهم أن يقوموا بالواجب، وغيرهم إن سادوا فهم تبع لهم، وإن لم يسودوا فالناس تبع لمن ساد، ويجب ألا نغفل عن هذه الحقيقة، فلذلك يجب على شباب الصحوة على وجه الخصوص ألا يتجاهلوا الآخرين، وأن يعطوهم اعتبارهم في جميع جوانب التعامل، وألا يستهينوا بهم لا سلباً ولا إيجاباً.

    الاستهانة بمبدأ النصيحة

    حادي عشر: من سلبيات هذه الصحوة: الاستهانة بمبدأ النصيحة الواجبة شرعاً بمعناها الشامل، أعني: النصيحة لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

    وتبرز أخطر جوانب الإخلال بالنصيحة في عزوف بعض الدعاة والمصلحين عن مناصحة ولاة الأمور، أو السلاطين أو الولاة بشتى أشكالهم وأنواعهم، فإن العزوف عن هذه المناصحة مخالفة لسنة من أعظم سنن الهدى التي كان عليها سلفنا الصالح.

    والمناصحة لابد أن تكون بأسلوبها المناسب، ولابد أن تؤدى حتى ولو رفضت، وأن تكرر حتى ولو صدت، وأن تكون بكل وسيلة يستطيعها الفرد، أو تستطيعها الجماعات، أو يستطيعها أهل الحل والعقد، فإن من أعظم جوانب التقصير الإخلال بهذا الجانب، بل أخطر من ذلك اعتقاد بعض الناس أن الولاة إذا كانوا ظلمة أو فجرة أو عصاة لا يناصحون، أو أنه لا تجوز مناصحتهم، أو أن مناصحتهم لا تفيد، وهذا مبدأ خطير يخالف الأصول التي عرفناها وعلمناها عن سلفنا الصالح، فإن المناصحة واجبة لكل من ولاه الله أمر المسلمين حتى لو لم يكن حقيقاً بالولاية، فلابد مناصحته بكل وسيلة، وبأسلوب مناسب، ولابد من تكرار المناصحة وإن لم تفد، فإن المناصحة واجبة شرعاً، وهي حق من الحقوق، ثم إنها مدفعة للبلاء، ومجلبة للخير، وبها الإعذار من الله سبحانه وتعالى، ويتحقق بها الأجر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بالواجب ممن يسدون النصيحة.

    الاضطراب في المواقف والأحكام

    ثاني عشر: الاختلال والاضطراب في المواقف والأحكام خاصة عند الأحداث الخطيرة والمحن التي تصيب الأمة.

    اختلال موازين العدل والإنصاف مع الخصوم

    ثالث عشر: اختلال موازين العدل والإنصاف خاصة مع الخصوم.

    وهذه أيضاً سمة ظاهرة عند كثير من الدعاة، فإن بعضهم يغفل إنصاف الخصم إما تورعاً وهو تورع كاذب، وإما بتأول كأن يقول: الأصل في الناس الخير، ونحن ما يهمنا إلا ذكر المعايب، أو ذكر الأخطاء لتفاديها. وهذا أمر لا يجوز فيمن يحكم على الآخرين باسم الدعوة إلى الله، وفيمن يقوم الآخرين تقويماً يقتدى به فيه، فإنه لابد من إنصاف الناس حتى الخصوم.

    والدعاة إذا تكلموا في حاكم أو عالم أو هيئة أو مؤسسة، في صديق أو منازع أو خصم، فلابد أن ينصفوا وأن يذكروا الإيجابيات، ثم يذكروا السلبيات، خاصة في هذا الوقت التي تلتقط فيه زلات الدعوة، ويترصد خصومها كل خطأ ليأخذوها به، فيجب الإنصاف.

    فأقول وأنا مقتنع: إن كثيرين من الدعاة وشباب الصحوة عندهم اختلال في موازين العدل والإنصاف مع الخصوم، تورعاً أو بتأول، أو بأسباب أخرى لا يناسب المقام ذكرها، ولعلها تأتي لها مناسبة أخرى إن شاء الله.

    الجهل بقواعد الشرع ومقاصده

    رابع عشر: الجهل بقواعد الشرع، ومقاصده الكبرى.

    قلة الصبر والتحمل

    خامس عشر: قلة الصبر والتحمل.

    الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والعلماء والعامة

    سادس عشر: الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والسلاطين والرؤساء والعلماء والعامة.

    قلة التجارب

    سابع عشر: قلة التجارب:

    لأن الصحوة وليدة ناشئة، وأحسن وصف لها: أنها الآن في فترة المراهقة، لقد تجاوزت فترة الطفولة، وبدأت في فترة المراهقة، فتجارب قوادها قليلة، واستفادتهم من الأحداث قليلة، يضاف إلى هذا ما قلته من السلبيات السابقة من عزوفهم عن الاستنصاح بتجارب السابقين من المشايخ الأكبر سناً، والأكبر علماً، والأكثر تجربة.

    الجهل بأصول السنة

    ثامن عشر: الجهل بأصول السنة والجماعة في بعض شرائح الدعوة، وبمناهج أهل السنة والجماعة.

    غلبة نزعات الأهواء

    تاسع عشر وأخيراً: غلبة نزعات الأهواء في بعض فصائل الصحوة.

    1.   

    مواقف الناس من الصحوة

    الوقفة السادسة: مواقف الناس من الصحوة: أعرضها بإيجاز:

    مواقف الناس من الصحوة تتلخص فيما يلي:

    أولاً: جمهور المسلمين وعامتهم من العلماء والدعاة، وطلاب العلم والعامة في كل مكان تغمرهم الفرحة والبشرى والغبطة والأمل والفأل بهذه الصحوة العالمية المباركة، وإن كانوا يشعرون بشيء من القلق، لكن الفأل هو الغالب على أكثر المسلمين.

    الموقف الثاني: طائفة مفرطة في التفاؤل وفي تزكية الصحوة والدفاع عن أخطائها إلى حد بعيد عن العدل والإنصاف، وإلى حد تناسي الأخطاء والانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية، وهذا أيضاً موقف ظاهر من داخل الدعوات والجماعات نفسها.

    فإنها لا تزال أو أكثرها في ذهول عما هي فيه من أخطاء، وما يرتكبه بعض أفرادها، وبعض جماعاتها من تجاوزات لا تجوز شرعاً.

    الموقف الثالث: طائفة تنظر إلى الصحوة بريبة وحذر، وخيفة وسوء ظن، وأغلب هؤلاء إما من أصحاب المصالح أو من القاعدين، وربما يكون منهم علماء وطلاب علم وأخيار، ومنهم من نجد أنه مضطرب في أمر الصحوة يتنازعه أمران:

    الخوف والحذر من ناحية، والأمل والرجاء من ناحية أخرى.

    وبعض هؤلاء الذين ينظرون إلى الصحوة بريبة من الأخيار وربما يكونون من العلماء والمشايخ، فلاسترابتهم مبررات يتحملها أكثر الدعاة، وهم ليسوا معصومين، وإن كانوا من التقاة الصالحين.

    الطائفة الرابعة: وهم قليل من المنتسبين للعلم، لكن لهم وجود وربما يكون لهم إسهام في إثارة البلبلة والتشهير بين أبناء هذه الصحوة، فلا يعجبهم العجب، همهم التشهير والنقد غير البناء والتحامل على كل من ظهر له أثر في هذه الصحوة المباركة.

    وهؤلاء وإن كانوا قلة إلا أنهم نتوء في أهل الخير، وهم ظاهرة مزعجة؛ لأنها تفت من عضد الأمة بأكملها، ومن مسيرة هذه الصحوة المباركة، ولأنهم ينقدون الصحوة والدعاة من منطلق الغيرة على السنة والجماعة، ولأنهم أيضاً ممن يعرف بالعلم والاستقامة، فلذلك أجد أن خطر هؤلاء أكثر من خطر خصوم الدعوة؛ لأن أسلوبهم يؤدي إلى الفرقة وإلى الحيرة عند الشباب، بل قد أدى إلى حيرة واضطراب كثير من الشباب الملتزم المتدين، بل وحتى العامة والعامة لابد أن يرفق بهم، وأن يكون لهم اعتبار في أي أمر يتعلق بالحديث عن الدعوة والدعاة.

    الفئة الخامسة: فئة جاهلة بالأمر لا تدري ماذا يدور، فئة من الغافلين اللاهين الساهين، وهؤلاء لا يهمهم إلا أن يبقوا سالمين.

    الفئة السادسة: خصوم الدعوة، بل خصوم الإسلام، وخصوم الحق والخير، خصوم الدين والفضيلة، وهم الكارهون لهذه الصحوة المباركة من أهل العلمنة والفجور، وأصحاب المصالح، أو من الكفار الأعداء الألداء، فكل هذه الفئة في خندق واحد، ونرى الفئة الأولى تصدر عن الفئة الأخيرة، وتستعين بها، وتستعديها على هذه الصحوة المباركة.

    1.   

    توصيات عاجلة

    الوقفة السابعة والأخيرة: توصيات عاجلة واقتراحات ألخصها بما يلي:

    الالتفاف حول العلماء

    أولاً: يجب أن يكون من أسس الدعوة إلى الله، وهذه الصحوة المباركة الالتفاف حول العلماء بكل ما تعنيه الكلمة، والصدور عنهم عن علمهم وعن رأيهم وعن توجيههم وتلقي ما يصدر عنهم من مشورة، والالتزام لهم بكل معاني الالتزام، والإحاطة بهم، وضرورة الحيلولة بينهم وبين من يفرقون بين المسلمين.

    الخروج من دائرة الحزبيات إلى عقد الولاء للإسلام

    ثانياً: الخروج من دائرة الحزبيات والجماعات والشعارات والاتجاهات مهما كانت مبرراتها إلى عقد الولاء للإسلام وللمسلمين وللسنة والجماعة، والخروج من دائرة الحزبيات والجماعات والاتجاهات التي يقع فيها كثير من شرائح الصحوة إلى الأصول الشرعية التي تتمثل في عقد الولاء لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكل مسلم على السنة والجماعة.

    الاهتمام بالصحوة

    ثالثاً: اهتمام العلماء وطلاب العلم بالصحوة، وبرعايتها، وانقطاع فريق منهم بالضرورة لتسديدها وترشيدها وحل معضلاتها التي هي معضلات الأمة جميعها.

    فهناك من المعضلات الكبرى ما لابد من حله، ولا نتصور أنه يوجد في شباب الصحوة غير العلماء من يتمكن من الحل إلا بأساليب قد لا تكون شرعية، أو بأساليب متهورة، أو تمخاذلة.

    وأضرب مثلاً على المعضلات الكبرى التي لابد أن يحلها أهل العلم والفقه في الدين، مثل: أحكام التعامل مع الأنظمة العلمانية في البلاد الإسلامية التي يهيمن عليها النظام العلماني.

    أيضاً: التحاكم إلى غير شرع الله، وما يترتب عليه من معضلات ومصائب ومواقف يخرج فيها المسلم أحكام الأمة مع من نعم أحكام المسلم في تعامله مع الآخرين، خاصة في البلاد الإسلامية التي خلت من السلطة الشرعية، فلا يوجد فيها إمام، ولا بيعة شرعية؛ فما حكم حياة المسلم فيها، وكيف يتعامل وقد تعطل فيها الحدود والجهاد والأمر والنهي، هذه من القضايا والمعضلات التي يجب أن يهتم بها العلماء، وأن يحلوها لشباب هذه الصحوة، وإلا تصرف الشباب بأساليب متشنجة أو بأساليب اجتهادية تؤدي إلى مخالفة شرع الله وحكمه.

    التحلي بالصبر

    رابعاً: ضرورة التحلي بالصبر في الدعوة إلى الله، الصبر على المكاره، والصبر على المظالم، والصبر على الأذى مع الاستمرار في القيام بواجب الدعوة والاستمرار في النصح، وعدم التذمر أو الجزع أو التوقف لأدنى عائق، فإن النصر مع الصبر.

    القيام بواجب النصيحة

    خامساً: ضرورة القيام بواجب النصيحة، بمفهومها الواسع وقد أشرت إلى ذلك سابقاً.

    الاتفاق على المقاصد الكبرى للدعوة

    سادساً: لابد من اتفاق الأمة والتي تمثلها الآن الصحوة بعلمائها ودعاتها وشبابها، على المقاصد الكبرى للدعوة إلى الله وللدين؛ لأن دعاوى التمسك بالسنة موجودة عند الجميع.

    ودعاوى العودة واستئناف الحياة الإسلامية الحقة دعوى موجودة عند الجميع حققها من حققها، وعجز من عجز، وجهل من جهل.

    لكن هناك قواعد كبرى لابد من أن تلتف حولها الدعوة في كل مكان، بل تكون غاية للمسلمين في مستقبلهم القريب.

    من ذلك: ضرورة تعبيد الناس لله تعالى، ونبذ الشرك والشركيات والبدع والخرافات، وكل ما هيمن على حياة بعض المسلمين مما ينافي التوحيد، أو يخل به.

    ثانياً: الموازنة بين المصالح والمفاسد في كل موقف ذي بال، وفي كل حدث مهم وخطير.

    ثالثاً: السعي لتحقيق وجود أهل الحل والعقد في الأمة على مستوى الأمة كلها، وعلى مستوى البلدان الإسلامية، وعلى مستوى الأقاليم، وعلى مستوى المدن, وعلى مستوى القرى والأرياف، وفي كل مكان، فلابد من إعادة الميزان الشرعي بالالتفاف حول أهل الحل والعقد من أهل العلم إذا فقدت السلطات الشرعية التي تتمثل فيها الجماعة الإسلامية الحقة.

    وأخيراً من هذه المقاصد: ضرورة تحقيق اتباع السنة والإسلام الحق، مع الجمع بينه وبين تحقيق الاجتماع وعدم الفرقة.

    فإن الاتباع بغير اجتماع فرقة وهلكة، والاجتماع بغير اتباع للسنة ضلال وافتراق، فيجب أن يعي ذلك الدعاة وشباب الصحوة جيداً.

    اطراح الخصومات حول المسائل الخلافية

    سابعاً: اطراح الخصومات والنزاعات حول المسائل الخلافية مهما بلغت، والرجوع فيها عند المنازعة إلى أهل العلم.

    الحفاظ على قواعد التآخي

    ثامناً: الحفاظ على قواعد التآخي في الدين، والاجتماع على السنة والجماعة، وإشاعة الألفة والتناصح والتناصر بين عموم المسلمين، وبين خاصة أهل العلم والفضل في إطار السنة والجماعة.

    الاجتماع على معاقد الولاء الشرعي

    تاسعاً: يجب أن يكون الولاء والاجتماع والتعاون بين المسلمين وبين شباب الصحوة بخاصة على معاقد الولاء الشرعي، والأصول التي هي نهج السلف الصالح، وهي نهج الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.

    الحذر من بناء كيان الأمة على البدع والمحدثات

    عاشراً: الحذر كل الحذر من بناء كيان الأمة بعد صحوتها ويقظتها على شيء من البدع المحدثة أو الموروثة، أو على شعار على غير السنة؛ لأن الصحة في طور البناء والتأسيس، ويجب أن تقوم على أسس شرعية سليمة خالصة.

    هذا وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والسداد والرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقائدنا ورائدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    الصحوة وقصور البرامج السياسية

    السؤال: يكاد يجمع منتقدو الصحوة وفيهم بعض المحايدين على عدم وضوح البرامج السياسية للجماعات الإسلامية مما يقلل من التأييد لها في أوساط عامة المثقفين، وهناك من يقول: إن سبب ذلك عدم اهتمام كبار علماء المسلمين بالسياسة، وعدم توفرهم على دراستها ومعالجتها علمياً، فما جوابكم على ذلك؟

    الجواب: هذا سؤال جيد، ولا يسعني إلا أن أجيب بما أرى أنه هو الحق إن شاء الله.

    أولاً: أرى أنه من المبكر، ومن السابق لأوانه أن تضع الأمة الممثلة بهذه الصحوة المباركة برامج محددة للقفز إلى المجال السياسي، ذلك أن التمكين في الأرض يكون بأصول أخرى قبل هذا الجانب.

    فتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، ونبذ الشركيات والبدع الموجودة في الأمة، ثم ما يستتبع ذلك من نشر الفضائل وإقامة الفرائض والسنن وغيرها، هذه مراحل سابقة، والتمكين السياسي تمكين تلقائي يهيئه الله بعد الأخذ بأسبابه، ولا يحتاج إلى خطط مدروسة ولا إلى مناهج ملموسة، بل هو ثمرة تلقائية لتمكين هذه الصحوة في الأرض في المستقبل القريب إن شاء الله، هذا أمر.

    الأمر الآخر: أرى أنه من الخطر، ومن الخلل والخطل أن يستعجل شباب الصحوة -وهم لم ينضجوا بعد- في الحديث الجاد عن السياسة أو محاولة القفز إلى العيش في كواليس السياسة عملياً، ذلك أن السياسة الآن هي آخر صرح للعلمانية وآخر حصن.

    والقفز إليها قبل تهيئة الأمة في أمور أهم منها تتعلق بأصول الدين وشئون الأمة وقضاياها، أمر ربما يكون من الاستعجال الذي يؤدي إلى قمع هذه الصحوة والقضاء عليها في مهدها.

    ثم إن السياسة ليست غاية من غايات الدعوة إلى الله، إنما هي ثمرة تتحقق بالغلبة والنصر، والغلبة والنصر لا تتأتى إلا بأصول وغايات وأساليب ووسائل أخرى يتلمسها الدعاة ويسعون فيها.

    فأول الخطوات التي يجب أن نعنى بها: تسديد هذه الصحوة وترشيدها، وبناء خططها على الأصول الشرعية أصول أهل السنة والجماعة، في أساليبها وفي مناهجها، وفي غايتها وأهدافها.

    أما القفز إلى كواليس السياسة لا تقتضيه الحاجة في الوقت الراهن، ولا الضرورة، بل المصلحة إغفال هذا الجانب، وسيهيئه الله سبحانه وتعالى.

    اضطراب الشباب حول مواقف العلماء

    السؤال: يضطرب الشباب كثيراً بسبب اتخاذ مواقف لا توافق ما أملوه من علمائهم، فما تنصح به؟ وهل من الممكن احتواء الشباب دائماً مع تكرر هذه المواقف؟

    الجواب: هذا من الابتلاء، وهذه الصحوة كما قلت لكم صحوة وليدة ومراهقة، ولم تنضج، ولن تصل إلى مرحلة الرشد إلا بتجاوز مثل هذه العقبات بروية وحكمة وأناة وصبر.

    أما ما يتعلق بالعلاقة بالمشايخ والعلماء فمشايخنا هم مشايخنا وعلماؤنا مهما حدث منهم، ذلك لأنهم بشر والبشر يخطئ ويصيب، وربما ما حدث لحكمة يعلمها الله، منها ألا يتصور البعض العصمة في المشايخ، وأنهم لن يخطئوا، هذا أمر.

    الأمر الآخر: ينبغي ألا نسلم أن ما أقر به غالبية الناس من تصرف للمشايخ ينبغي أن يحكم عليه بأنه خطأ (100%)، فربما يكون صواباً من وجه، وربما يكون عن اجتهاد والمجتهد مأجور، وربما يكون التصرف أو القول أو الحكم من طائفة من العلماء مبنية على تصورات معينة تختلف عن تصورات الشباب، ومنطلقات تفكيرهم.

    ثم إن البشر يعتريهم شيء من الضعف، وشيء من التقصير، وشيء من الأخطاء التي لابد أن يقعوا فيها وإن كانوا علماء، فلذلك لا نفترض في علمائنا العصمة، بل يجب أن نحسن فيهم الظن، وأن نعرف أن ما يصدر عنهم من توجيه وإرشاد إنما يقصدون به مصلحة الشباب ومصلحة الأمة، سواء وافقوا ما نريد أو لم يوافقوا، وسواء كان هذا هو الصواب أو لم يكن هو الصواب في نظر الكثيرين.

    ثم إن آراء مشايخنا -وعلمائنا وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الأمور الاجتهادية- ليست آراء ملزمة، إنما هي آراء تسترشد بها الأمة.

    والآراء الملزمة إنما تكون في القرارات الخطيرة التي تتعلق بمصالح الأمة، والتي يجب الاجتماع عليها، أما ما عدا ذلك فهو أشبه بتوجيهات الكبار للصغار، وعندما يكون هناك شيء من الاختلاف في النظرة بين المشايخ والشباب، فربما يكون من المناسب أن يكون هناك شيء من القسوة كقسوة الأب على ابنه، ومع ذلك قد يجور الأب وهو لا يشعر.

    أما ما يحدث من مشايخنا فأنا على يقين أنه كان عن حسن ظن، وعن محاولة لدرء مفاسد وجلب مصالح، وأمور أخرى أكثرنا لا يعلمها، فيجب أن نحسن الظن، وأن نبقى على الفأل حتى لو حدث مثلما حدث، أو ما يحدث مستقبلاً، يجب أن نوطن أنفسنا على ضرورة ضبط الأعصاب، وعلى ضرورة التحلي بالصبر، وعلى ضرورة الإنصاف في الحكم مع مشايخنا، فلا نسيء بهم الظن وإن أخطئوا، وعلينا التسديد والنصح والإرشاد والالتفاف حولهم، وقطع خط الرجعة على من يريد أن يحول بينهم وبين الصحوة، ويفرق بين الصحوة ومشايخها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767984949