المقدم: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
حديثنا في هذه الليلة سيكون عن مصدري الوحي وعن منبعي الهدى: كتاب الله عز وجل، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن فهو كلام الله تعالى الكلام الجزل، الفصل الذي ليس بالهزل.. سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره.. بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتضافر إيجازه وإعجازه، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه إليه.
وأما السنة فهي بيان له، كما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] .
الحديث عن كتاب الله عز وجل وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد يطول، وأنتم تعلمون أن كل البرامج في هذه القناة المباركة وفي غيرها من القنوات ذات التوجه الديني إنما هي خدمةً لكتاب الله عز وجل وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
لعل الوقفة الأولى تكون مع كتاب الله عز وجل، يقول عز من قائل: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:105] فما المراد من هذه الآية، وما المعاني التي تضمنتها، وما القبسات التي يمكن أن نستفيدها منها؟
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنسأل الله في المقام الأول العون والتوفيق، ثم نقول:
قال ربنا جل وعلا وهو أصدق القائلين: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الإسراء:105].
الحديث عن القرآن هو أعظم ما يمكن أن يعرف به القرآن، وهذه الآية مندرجة ضمن آيات عديدة تخبر عن هذا الكتاب المبين، والآية تقول: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ) وتقول: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) والمعنى:
أما الأول: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ) أي: أنزلناه ملتبساً متضمناً للحق، والقرآن أصلاً أخبار وأوامر ونواه، فهو صدق في أخباره وعدل في أوامره ونواهيه، وكونه صدقاً في أخباره وعدلاً في أوامره ونواهيه يجعله حقاً، قال ربنا: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] أي: صدقاً في أخباره، وعدلاً في أوامره ونواهيه.
أما قول ربنا: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) فقبل أن نشرع في بيانه نضرب مثلاً يقرب المعنى: لو أننا هممنا أن نبعث رسالة إلى أحد فهناك مرسل، وهناك مستقبل، وهناك رسالة، وهناك رسول يحمل هذه الرسالة -سواء كانت مكتوبة أو كانت مادية محسوسة أو كانت مالاً- حتى تصل على النحو الأتم والوجه الأكمل كما بعثها مرسلها إلى ذلك المستقبل.
ولا بد أن يتوفر في الرسول شرطان:
الشرط الأول: قوته، الشرط الثاني: أمانته.
ونبدأ بتعريف أمانته: إذا كان خائناً سيعتري تلك الرسالة نقص، فإن كان مالاً أخذ منه، وإن كان مكتوباً غيَّره، وإن كان شفهياً بدل في الأقوال.
وقد يكون الرسول أميناً لكنه متلبس بالضعف، فالضعف يسلط عليه غيره ممن له مصلحة في تبديل الرسالة، فإما أنه استضعف عقله فغيرها دون أن يشعر، وإما استضعف قوته فبدلها رغماً عنه فينشأ التغيير في الرسالة، فما الذي أراد ربنا من قوله: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)؟
أراد أن يقول: إن المرسل بالقرآن وهو جبريل عليه السلام الواسطة بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، اجتمعت فيه خصلتان: قوته وأمانته، فلذلك بقي القرآن حقاً كما بلغه الله جل وعلا جبريل وبلغه جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم.
فمن هنا نفهم معنى قول الله جل وعلا في سورة التكوير: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40]، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:20-21] أي: فجبريل أمين وقوي، وهذا هو الذي قاله الله جل وعلا: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:6] ومرة بمعنى: قوة.
والمقصود من هذا: أن جبريل عليه السلام كان قوياً لا يمكن لأحد أن يستضعفه فيأخذ عنه القرآن ويبدل فيه، وأميناً لا يمكن أن يخون، فالله جل وعلا زكاه، وكفى بتزكية الله لجبريل تزكيةً.
الذي نريد أن نقتبسه من سنا هذا الأمر: أن الإنسان إذا اتخذ رسولاً أو أحداً يقوم بشأنه أو أمره يحاول أن يبحث عن القوي الأمين، كما قالت الابنة الصالحة لذلك العبد الصالح في حق موسى: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] .
كل واحد عنده أسرار وعنده قضايا خاصة لا يحب أن تشيع وتذيع في الناس، ولا يمكن أن تقوم أنت لوحدك بجميع شئونك، فيكون للإنسان خواص، هؤلاء الخواص الذين تقربهم يوجد صفات حسن أن نتبعها.. لا يلزم أن يكون جميع خواصك يعرفون كل شيء، لكن لكل ما يناسبه:
يضلون شتى في البلاد وسرهم إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها
قد يوجد أحدهم تعطيه كل شيء، لكن في الغالب أن تفرق بينهم الأمور، ثم عندما نتخذهم نتقي الله جل وعلا فيهم، ثم نكل إليهم الأمور التي تناسبهم بحسب قوتهم وأمانتهم، فلا يكون صاحب سرك ضعيفاً يغلب على عقله أو يغلب على شخصيته فيذيع ويشيع، وليس حسناً أن تكون أسرار الإنسان فاشية ذائعة بين الناس.
ثم إن بعض الأمور تحتاج إلى كتمان قال صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).
عندما يكون أصدقاء الإنسان والمقربون إليه قوماً مجربين كاملي العقول فإن الغالب أن ينجح في أموره.
الشيخ: وقد كنت أتكلم عن الأشياء الفردية، لكن كلما عظمت المسئولية عظم المطلب من القوة والأمانة في الشخص؛ ولذلك كان من الأعراف الدولية وجود القسم، فيقسم على ما يعتقده.. ويذكر في القسم الأمانة والحفاظ على أسرار الدولة، وهذا موجود في كل بلاد العالم، وهو من الأعراف التي يقرها الشرع.
نستصحب السيرة: فالسيرة تقول: إن القرشيين واجهوا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة عظيمة، وكانوا يكذبون قوله ويردون عليه قرآنه الذي جاء به من عند الله.
مما جاء في القرآن في سورة الأنبياء -وهي مكية كسورة الزخرف- أن الله قال: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] هذا إخبار أن أولئك الذين كفروا بالله فإنهم وما يعبدون من دون الله في جهنم، لكن الله قال: (إِنَّكُمْ وَمَا) وهي لغير العاقل فلا يدخل العاقل فيها.
هذه الآية لما نزلت اجتمع الملأ من قريش، كان فيهم عبد الله بن الزبعرى وقبل أن يسلم وكان رجلاً لسناً خصماً شديد القوة، فلما أخبرته قريش بالآية قال: غلب محمد!
قالوا: كيف غلب؟ قال: ألم يثن محمد على عيسى؟ قالوا: بلى، قال: هنا يقول محمد: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم فمعناه أن النصارى وما تعبد في النار وهي تعبد عيسى، فيقول: كيف يمدحه مرة ويذمه مرة؟ كيف يمدحه ويقول: إنه كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم، ويزعم أن عيسى نبي ورسول، ثم يقول إن عيسى في النار.
و عبد الله بن الزبعرى يعرف لغة العرب، ويعرف أن (ما) لغير العاقل لكنه أراد أن يجادل؛ ولهذا قال الله: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف:58] إذاً: الذي ضرب المثل هو عبد الله بن الزبعرى .
والمقصود بالمثل قضية عيسى فرد الله عليهم في آية بعدها أنزلها الله: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء:98-99] هذا الذي ضرب المثل هو عبد الله بن الزبعرى ، وقلنا إنه أسلم بعد ذلك رضي الله عنه، لكنه قالها يوم كان على الإشراك.
وهذا عبد الله بن الزبعرى جاء في سيرته أنه في يوم أحد كان يقارع حساناً الشعر، وكان حسان رضي الله تعالى عنه قد قال شعراً بعد بدر، فلما وقعت الوقعة في أحد وتضرر المسلمون منها قال أبياته الشهيرة:
يا غراب البين أسمعت فقل إنما تنطق شيئاً قد فعل
حتى قال:
ليت أشياخي ببدر علموا جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها واستحر القتل في عبد الأشل
والذي يعنينا أن سيرته تدل على معرفته باللغة.. وعلى قدرته اللسانية والبيانية في الأخذ والعطاء، فالذي ضرب المثل هو عبد الله بن الزبعرى والمقصود به ألوهية عيسى.
والله جل وعلا نسب الفعل إلى الجمع فقال: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) وهذا من بلاغة القرآن، فالعرب من أساليبها أن تنسب الفعل لجماعة وتريد به فرداً واحداً، قيل:
كان هناك رجل اسمه خالد قتل رجلاً اسمه زهير ، جاء ورقاء بن زهير ينتقم لأبيه فضرب خالداً بالسيف، لكن السيف نبا، بمعنى: أنه لم يصب، والعرب تقول: لكل سيف نبوة -أي: لم يقطع- ولكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة.
لما نبا السيف جاء رجل يسخر من ورقاء صاحب الضربة، وورقاء من بني عبس، الآن تأمل كيف نسبه للفرد والجماعة في آن واحد كما جاء في القرآن، قال:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
الذي نبا هو السيف، وقال: (بيدي ورقاء )، وورقاء رجل واحد، (عن رأس خالد )، يعني: لم يصب خالداً ، وأول البيت: (فسيف بني عبس وقد ضربوا به)، جاء بها بصيغة الجمع، وهذا شاهد من العربية على أن العرب تطلق الفعل جماعةً وتريد به فرداً، وبه جاء القرآن.
والأمر الثاني وقد دل عليه القرآن: أن من وافق أحداً على قوله اشترك معه، فقريش فرحت وضجت وهذه قراءة: (يصدون) ومشاركتهم الفرحة مع عبد الله بن الزبعرى تدل على تأييدهم؛ ولذلك أشركهم الله فقال: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف:58] .
الشيخ: نحن لا نستطيع أن نضع قاعدةً عامةً، لكن الأصل أن يبادر الإنسان للزواج، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) فالغالب أن الزواج معين على طلب العلم، لكن قد تكون هناك أحوال خاصة فتقدر بقدرها، وربما سمع الأخ الفاضل أحداً يوصي أحداً لعلمه بظرفه الخاص، فهذه تقبل، لكن من حيث الإجمال: تحصين الفرج يدفع إلى غض البصر، وهذا يجمع شتات الذهن، ويعين بإذن الله تعالى على طلب العلم.
أما من يستشهد ببعض العلماء كـابن تيمية وغيره، فنقول: هؤلاء الله أعلم بعذرهم، والأصل الاقتداء بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: لا أحفظ شيئاً، ولا أؤيد جمع الرقائق في كتاب واحد، وذلك لأنه يدفع للسآمة والملل، والذي يريد أن يصل إلى الرقائق المؤثرة فليقرأ في التفسير، فهناك تأتي منثورات وهي أشد أثراً في نظري الشخصي، وأنا لا أحب أن أوطن نفسي على قضية وأقول هذا لغيري، ولذلك إذا كان الدرس في الرقائق فينبغي ألا يكثر، وأن تكون الموعظة قليلة أما الدرس العلمي فيمكن أن يطول؛ لأنه يخاطب العقول، وهو يتضمن رقائق، لكن لا تكون الرقائق طويلة؛ لأن الإنسان إلى حد ما ينجذب إليك وتذرف دموعه، وهذا يأخذ وقتاً يسيراً، ولا يحتاج إلى صراخ ولا إلى رفع صوت، ولا زيادة في الأمر، ولا أعتقد أنه يحسن جمعه في كتاب واحد.
الجواب: أن الملك قسمان: ملك حقيقي، وملك صوري فالذي لنا في الدنيا ملك صوري، فإذا كان يوم القيامة حتى الملك الصوري ينتفي فلا يبقى إلا الملك الحقيقي؛ لأن الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً بهماً، فإذا قدموا القيامة على هذا النحو انتفى الملك الصوري فيبقى الملك الحقيقي، والملك الحقيقي من قبل ومن بعد لله.
الشيخ: نفى الله الفلاح عن أهل السحر بالكلية، فقال: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69] ومن نفى الله عنه الفلاح بالكلية لا يجوز إتيانه بأي حال من الأحوال؛ لأن إتيانه فيه شهادة له بأنه يملك شيئاً من الفلاح والله قد نفى عنه الفلاح بالكلية، قال الله: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69].
إضافة إلى أنه كفر بواح بنص القرآن، قال الله جل وعلا: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]. ومرده إلى سفال، أي: السحر، قال الله جل وعلا: قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] .
على هذا يتحرر: أنه ينجم الآن أن أولئك لا يعرفون ذلة الوقوف بين يدي الله، فيتعمد الرجل أو المرأة الذهاب إلى أحد السحرة، فيقع الذي أذن به قدراً أن يكون، وقد قدر أنه سيكون هناك سحر فينجم عنه التفريق بين زوج وزوجة في الغالب، فيلحق الزوج والزوجة من الضرر ما لا يعلمه إلا الله.
ووالله ما رفع هذان أو أحدهما دعوة إلى السماء على من تسبب في سحرهما إلا وظاهر القرآن والسنة أن الله قد قبلها، ولئن عذبت امرأة في هرة لم تدعها تأكل من خشاش الأرض فكيف فيمن تسببت أو تسبب في فراق أسرة، أو حرمان زوج من إتيان زوجته، أو حرمان زوجة من التنعم مع زوجها، وفرق بينهما لمصلحة دنيوية ورغبة شخصية، هؤلاء وأمثالهم -عياذاً بالله- أتوا كفراً بواحاً، فينبغي للمؤمن والمؤمنة ومن يعرف ذلة الوقوف بين يدي الله أن يتقي الله في ذلك.
وأما أولئك الفضلاء الذين يقومون على بيان خطر السحر من الوعاظ والدعاة وخطباء المساجد وبعض المكاتب الدعوية في بلادنا، فهؤلاء على خير عظيم.
وبالأمس كنت في المكتب التعاوني للدعوة بحي النظيم في الرياض، وأطلعني الفضلاء الكرام هناك على جهودهم في حملة قاموا بها في شهر صفر تتحدث عن خطر السحر، وقد من الله عليهم باستجابة كثير من الأسر التي كان فيها سحر معقود لا يعرفون ما هو، وتوبة بعض التائبين والقبض على بعض السحرة بالتعاون مع الإخوة الفضلاء في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا التكاتف ما بين المؤسسات الدينية في ظل دولة مباركة رعاها الله ينجم عنه ردع الباطل ورد أهله، ومن أعظم الباطل والمنكر والكفر البواح السحر أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
المقدم: من المسائل المستجدة الآن: انتشار القنوات المهتمة بأمور السحر، والسؤال الذي قد يطرأ على بال بعض المشاهدين: أنه عندما يتنقل بين القنوات يقع على هذه القناة، وبالتالي يبقى بعض دقائق لمعرفة حقيقتها ولمعرفة ما تبث، فهل نقول: هو في هذا الوقت ينطبق عليه الوعيد المترتب على من أتى كاهناً أو عرافاً؟
الشيخ: إذا أتى للتصديق قد ينطبق عليه، أما إذا كان يود أن يعرف خبثهم ويستطيع أن يرد عليهم بعد ذلك فلا حرج لكن لا يطيل، وما ذكرناه قبل قليل نفثة مصدور، هؤلاء القائمون على تلك القنوات لا يدرى أي شيء يريدون، هؤلاء أئمة ضلال يدعون إلى النار عياناً بياناً، لا يجوز لأحد أن يقرهم، ولا يجوز للمسئولين في أي مكان أن يسهموا ولو بمثقال ذرة في تمكين هؤلاء، وكل من له سلطان أو قدرة على منعهم أو إقفال قنواتهم فيجب أن يبادر ويفعل؛ لأن هذا من أعظم المنكر الذي يصرف الأمة عن عبادة ربها ومعرفة طريقها القويم.
وبعض الناس ربما شغلك برسائل جوال أو برسائل بريدية حول قضايا أمرها واضح لو قرأها قراءة متأنية، لكنه لا يبحث عن إجابة، إنما يبحث عن قضية جدل، والإنسان العاقل إذا رأى أن الذي يخاطبه ليس في مستوى من العقل والعلم فلا يحسن الاستمرار؛ لأنك قد تأثم عندما ترد عليه بكلمة تضره بها أو تستخف به، أو يقع في نفسك أنك أفضل منه تقوى وبراً وورعاً وأنت قد لا تكون كذلك.
نعم قد يتمادى، لكن أنا أرى أن الحل في مثل هذا هو الترك:
وإن سفاهاً أن تعلم جاهلاً فيحسب جهلاً أنه منك أعلم
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
والله قال لنبيه: فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:22].
من نظر إليك نظرة من يجلك ويريد أن يأخذ عنك فأعطه، ومن تعلم أن عقله وعلمه يؤهلانه لأن تأخذ منه وتستفيد من خلال التحاور فتحاور معه، أما من كان لا يملك أبجديات العلم وفي نفس الوقت لا يعترف أنه لا يملك ويريد أن ينازعك ويجادلك؛ فلا هو بالذي شخصيته تؤهله للأخذ، ولا هو بالذي تستفيد منه، فلا تقعان إلا في إثم، فدعه وانصرف إلى غيره.
وقفتنا الأولى مع خطبة الوداع، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمن هذه الخطبة كثيراً من العبارات ومن التوجيهات:
العبارة الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) هذه العبارة لها مدلولات كثيرة.
الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه حج في الإسلام إلا حجة الوداع، واختلف هل حج قبل البعثة أو لم يحج، وهل حج وهو في مكة أو لا؟ فهو صلوات الله وسلامه عليه لما علم الناس أنه سيحج قدموا على المدينة زرافات ووحداناً لينالوا شرف الحجة معه، وفي حجته أنزل الله جل وعلا قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] فلما نزلت عليه هذه الآية شعر صلى الله عليه وسلم بدنو أجله وقرب رحيله وفراقه للدنيا لملاقاة ربه.
ولما كان قد ملئ قلبه شفقة ورحمة أراد أن يودع الناس فكان يقول بين الفينة والفينة، أو بين مقطع ومقطع في الخطبة: (لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) ولهذا سميت حجة الوداع، وسميت هذه الخطبة عند بعض العلماء بخطبة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، وقد وقع ما أخبر عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج من بعدها، فقد مات عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع.
هذه الخطبة قال فيها صلى الله عليه وسلم: (لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) قلنا: إنه فقه أنه سيموت من خلال ما أنزل عليه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) لأن الأنبياء ما بعثوا إلا لتبليغ الدين فإذا كمل الدين فلا حاجة لبقاء النبي؛ لأنهم أعدوا لشيء عظيم وقد فرغوا منه، بلغوا عن الله رسالاته ونصحوا له في برياته.
أحياناً بعض الناس يشعر بدنو أجله، وسأذكر نماذج:
منها ما يكون الأمر ظاهراً جداً، مثل شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين غفر الله له ورحمه معلوم أنه توفي في شهر شوال أظنه في عام (1420 أو 1421هـ) لم أذكر الآن، لكن الشاهد أن الشيخ رحمة الله تعالى عليه انتفعت الأمة كثيراً من علمه خاصة من دروسه في الحرم المكي في العشر الأواخر، فقد كان درسه الذي في عنيزة ربما لطلاب العلم ولمن يسكن عنيزة، لكن في الحرم المكي يستفيد منه الأكثرون.
في الحرم المكي اعتاد الناس على دروس الشيخ سنين طويلة لمدة عشرين عاماً، فالذي أعرفه أن الشيخ بدأ عام ( 1400هـ) بأمر من الشيخ ابن باز رحمة الله تعالى عليهما، وفي ذلك العام كان الشيخ قد بلغ به المرض مبلغاً، في العام الذي توفي فيه في رمضان، فكان يدرس من غرفة خاصة عن طريق ميكرفون فكان يقول: لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، وقد وقع ما قال الشيخ غفر الله له ورحمه ومات في شهر شوال تغمده الله بواسع رحمته، هذه قصة علم من أعلام الأمة في عصرنا.
ثمة قصص تقع لآخرين، أنا أعرف رجلاً في المدينة كان له طلاب، هؤلاء الطلاب قليلون جداً، هذا الشيخ عالم جليل لكنه غير مشهور، الذي يعنينا من القصة أن أحد الطلاب الخاصين له استأذنه في السفر لمدة أسبوع، فقال الشيخ: ما يصلح أن تذهب لمدة أسبوع، قال الطالب: لماذا؟ قال: أنا أضمرت أو كتبت أنك ستقوم بتغسيلي ودفني وتكفيني، وأنا بعد أسبوع غير موجود، فقال الطالب: أذهب أربعة أيام، قال: لا، وهذا الطالب رجل فاضل أعرفه وهو الذي أخبرني بالخبر، وأعرف الشيخ رحمة الله تعالى عليه.
فذهب هذا الطالب ذهب يومين ثم عاد وفي اليوم الثالث مات الشيخ، وفعلاً قام هذا الأخ الفاضل بغسله وتكفينه ودفنه.
أحد المشايخ هنا بالرياض يعمل قاضياً أخبرني بنفسه: أنه ذات مرة جاءه رجل من إحدى الدول العربية، وكان هذا الرجل شاهداً في قضية شخصية يعني: بنزاع بين اثنين، لكن أحد الخصمين لم يأت، والقاضي لا يسمع الشهادة إلا إذا حضر المدعي والمدعى عليه، فقال هذا الأخ: دون شهادتي فأنا أريد أن أسافر الآن، لأني سأموت بعد ثلاثة أيام، وأريد أن أموت عند أهلي في بلادي.
مجمل القضية أن القاضي وفقه الله تحقق من أن الرجل مات فعلاً بعد ثلاثة أيام.
موضوع الشاهد: أحياناً قد يقذف الأمر في القلب، قد يكون هناك إشارات يراها المرء، وهذا يعينه على تجديد التوبة، والإنسان يكون لبيباً عاقلاً، بمعنى أن الإنسان يكثر من عمل الطاعات والخيرات؛ لأن الإنسان لا يدري متى يموت.
وهذه الإشارات لا تعني أن الميت عرف الوقت بالتحديد بل يبقى الموت غيباً، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] وكم من أحد توقع أن يموت قريباً ولم يمت.
الذي يعنينا من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم فقه قرب الأجل ودنو الرحيل من قول الله تعالى له: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] .
لكن ننبه إلى أنه أحياناً يتلقى الإنسان خبراً مفجعاً وهو في حالة مرضية، يعني: يصل الإنسان إلى ذروة النشوة الحياتية الاجتماعية، يعني: يكون في مجلس سعيداً راضياً مستقراً خالي البال فيأتيه خبر مفجع، هذا قد يحدث ردة فعل عكسية، فيصيب الإنسان خوف ورهبة فينجم عنه الخوف من الموت، فكلما قرأ شيئاً أو سمع آية ظن أنها إشارة بقرب الرحيل، وهذا يحدث كثيراً وقد وقع لناس أعرفهم، وعندما يستشير أدله على طبيب نفسي.
يعني: أحياناً يدخل المسجد فيقرأ الإمام قدراً: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] قال: هذا إشعار واضح، ثم يعيش شهراً أو شهرين أو ثلاثة، ثم يدخل المسجد فيقرأ الإمام: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] فيقع في نفس القضية.
الشيخ: حفظ القرآن منقبة عظيمة؛ لأنه جاء في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناجيلهم في صدورهم، والله جل وعلا قال: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] وقد أدركت بعض الأكابر وقد سئل عن أعظم أسباب حفظ القرآن فقال جواباً ترتعد له الفرائص، قال لمن سأله: قم به في الليل تحفظه، فقيام الإنسان بالليل لتلاوة القرآن أعظم معين على حفظه..
وتدعمه آية المزمل: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2] إلى قوله جل وعلا: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6] ثم إن الإنسان يرى في نفسه الأوقات التي يكون فيها قادراً على أن يستقبل أكثر ذهنياً وقلبياً فيتوخاها؛ لأن الأنفس تختلف في حفظ القرآن، والانصراف إلى كلام الله؛ لأن كثرة الصوارف والاشتغال بالدنيا لا بد أن يصرف عن حفظ القرآن، هذا ما يمكن أن يقال حول حفظ القرآن، مع سؤال الله جل وعلا أن يمن علينا بحفظ كتابه.
الشيخ: المستقر في تفسير هذه الآية عند العلماء: أن الله جل وعلا خلق الأرض أولاً في يومين، ثم أبقى شيئاً من خلقها، كما قال ربنا في البقرة: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] و(استوى) إذا تعدى بحرف الجر (إلى)، فمعناه: قصد، فاستوى إلى السماء وسواها في يومين وأكمل خلقها، ثم إنه جل وعلا أكمل خلق الأرض ولهذا قال في النازعات: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30] ولم يقل (خلقها) وإنما أكمل خلقها جل جلاله، فهذا الذي عليه أهل العلم من المفسرين وهو المنقول عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
الشيخ: هذه منقبة عظيمة، والله جل وعلا يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] تدبر القرآن منزلة جليلة جداً تؤدي بالعبد إلى أرفع الدرجات، ووالله لن يسود أحد لم يتدبر القرآن، وإنما الرقي في درجات المجد الديني والدنيوي لن يكون إلا بتدبر كلام الرب تبارك وتعالى، وهذه مسألة تطول، ولو أضمرنا تخصيص حلقة عن تدبر القرآن ونذكر نماذج كيف تدبر الناس القرآن لكان أفضل؛ لأنني أجل كتاب الله أن أجيب عرضاً عن هذه الآية.
الشيخ: هذا جيد وحسن لكن نلحظ مسألة مهمة، إذا أنزلها على نفسه فنجم عن ذلك عمل فقد فعل خيراً؛ لكنه إذا أنزلها على نفسه وقد نجم عن ذلك خوف أو اعتقاد بحصول شيء فقد أخطأ خطأ عظيماً.
مثلاً: رجل قد رتب أن زواج ابنه غداً وأصابته رهبة وخوف فدخل المسجد فسمع الإمام يقرأ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] فعاد وقال: لا زواج.
من أخذ: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وحملها على العمل للآخرة فهذا حسن، فإن كان قد بيت أن يكون في الفرح غناء ومزامير وأمور محرمة تركها.. إن كان قد بيت المعصية في حفلته تركها، هذا الذي ينبغي أن ينعكس أعماله على الآخرة فإنه لا بد أن يقع في كل آن وحين.
الشيخ: المجتمع الجاهلي في جزيرة العرب لا يدين لأحد:
وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا
رأس القبيلة شيخها هو الآمر الناهي في الحق والباطل:
لك المرباع فينا والصفايا بحكمك والنشيطة والفضول
يدعوهم فيجيبون إلى حق أو باطل، في نفس الوقت كان مجتمعات لا تقبل ملكاً ولا يوجد نظام سياسي، بل يحكمهم نهب وسلب وقتل وكل يفعل ما يريد، مجتمع فوضوي.
وكانت تجاورهم أنظمة منضبطة إدارياً: فارس.. الروم.. فرعون في مصر.. وهؤلاء كانوا يؤلهون الملك.. يؤلهون السلطان.. يؤلهون الولي.. ففارس تؤله كسرى، والروم تؤله قيصر، والقبطيون يؤلهون فرعون، هذا الحاكم كانت الأمور عنده منضبطة لكنه طاغوت يفعل ما يشاء، لا يوجد حكم شرعي ينفذه.
قبل أن أتكلم عن الإسلام آتي للحضارة المعاصرة: حضارة الغرب، الغرب يقولون: إننا نبذنا حكم الفرد، يقول شوقي :
زمان الفرد يا فرعون ولى ودالت دولة المتجبرينا
أنا أقول: إن الغرب لم يصنع شيئاً، الغرب أخذ الطاغوتية من الأفراد وأعطاها الشعوب فأصبحت الشعوب هي في نفسها طاغوتاً، بمعنى: أنه لو جاءت أمة من الأمم أو دولة من الدول التي تطبق النظام الديمقراطي العلماني المعاصر فأكثر الناس (51 %) مقابل (49 %) أقروا مثلاًً شذوذاً جنسياً صوتوا عليه، يلزم الناس بهذا الدستور ويصبح الجيش والشرطة تحميان هذا القانون.
إذاً صنعنا هذه الطاغوتية أخذناها من فرد وأعطيناها الناس، وأصبح الجاهل والعالم والعاقل وضعيف العقل والبر والفاجر في الأمر سواء، كلهم مؤهل لأن يحكم في الناس، وهذه كلها لا يمكن أن تصح لا مجتمع الجزيرة قبل الإسلام ولا الكسروية والقيصرية ولا العلمانية والديمقراطية الحديثة.
إنما جاء الإسلام وأوجب السمع والطاعة لولي الأمر الذي يحكم شرع الله، بمعنى: أن ولي الأمر المسلم أوجب الله له الطاعة وأعطاه ما الذي ينفذه، فما هو إلا منفذ لشريعة الله في الأرض، وحتى تنفذ شريعة الله في الأرض لا بد أن يكون هذا الرجل مطاعاً وإلا فلن ينفذ قوله، فحماه الشرع بقوله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا) وبقوله: (وألا ننازع الأمر أهله) وبقول الله: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] أعطاه نوعاً من الحماية قوية وأوجب له السمع والطاعة فينجم عن ذلك مجتمع مسلم.
وبدون مجاملة لأحد ما إخال هذه البلاد المباركة إلا أنموذجاً قريباً جداً مما أراده الله ورسوله، هناك خلل وزلل وهناك هفوات، هذا أمر نحن متفقون عليه، لكن من حيث الجملة هذا هو المقصود الشرعي وهو الذي كان عليه الأسلاف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من أن ولي الأمر المسلم يجب السمع والطاعة له وعدم الخروج عليه، ويجب عليه هو نفسه تطبيق شرع الله والقيام بالعدل بين الناس.
إذاً: المجتمع الجاهلي الذي كان يقوم على الثارات انتفى ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون في خبر مهلهل بن ربيعة؛ أن جساساً قتل كليباً في حرب البسوس كمثال، فلما قتله رجعت زوجة كليب إلى قومها وجساس أخ لها.
فنشأ ابن كليب عند أخواله ولم يخبروه بأن خاله هو الذي قتل أباه، فلما كبر زوجه جساس ابنته، وحدث ذات مرة أن وقعت مغاضبة بينه وبين رجل من تغلب فلما حصل منه المغاضبة عيره بأبيه، ولم يكن يعلم، فثار الدم في وجهه، وكان الجاهليون فيهم حدة وثأر، فذهب إلى زوجته بنت جساس قاتل أبيه، فلما نام عندها قربت منه جسدها كما تصنع امرأة لزوجها فنفث، فلما نفث أصاب أعلى نحرها؟ فإذا هي قروح وجروح، فهرولت إلى أبيها فلما دخلت عليه كشفت عن جيدها وأخبرته الخبر، فقال: هذا والله نفس رجل يطلب الثأر، فكان كما قال.
هذا القصص العربي يدلك على سبب كلام النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، وهو أنه ما زالت هناك دماء معلقة لم تحل، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه دم ربيعة) رجل من بني هاشم قتلته هذيل.
المهم أعاد النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع إلى الحياة المنضبطة المحتكمة إلى الشرع، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179] .. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] جاء الإسلام بضوابط اجتماعية تكفل حقوق الأفراد والجماعات دون أن يطغى حق أحد على أحد.
الشيخ: الربا هلاك اقتصادي خطير، ومهما رفعت هذه البنوك أنوفها فما قام على باطل لا يمكن أن يثمر عنه حق ولا فائدة للمجتمع، وهي شر مستطير موجود في أصقاع الأرض.
والأصل في القرض أن يكون إحساناً فقلبه الربيون إلى قرض ذلة ومهانة يستعبدون بها الناس.
تحريم الربا أمر متفق عليه، لكن نقف عند قوله صلى الله عليه وسلم: (وأول رباً أضعه ربا عمي العباس) فنستفيد منه أن الذي يريد أن يغير يبدأ بنفسه، إن لم يجد في نفسه شيئاً يغيره يبدأ بمن حوله.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعامل بالربا في جاهلية ولا إسلام، فما كان هناك رباً في ماله صلى الله عليه وسلم حتى يضعه، فبدأ بعمه العباس ، ونحن نعلم جميعاً أنه كان للعباس مكانة عظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إن عم الرجل صنو أبيه) وهو كان أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم سناً، وكان عليه الصلاة والسلام يجله، ومع ذلك قال والناس يسمعون في موقف عظيم ومشهد كريم: (وأول رباً أضعه ربا عمي العباس) .
إننا نريد أن نغير، فينبغي أن نكون صادقين مع الله..صادقين مع أنفسنا.. فنبدأ بأنفسنا، لكن لو قدر أننا عجزنا عن إصلاح أنفسنا فذلك لا يمنع من إقامة الحجة على غيرنا؛ ولأن غيرنا مسئول عن العلم هل وصله أو لم يصله، وليس مسئولاً عنا، هذه نقطة يجب أن تحرر.
أنت تعلم أن الفتن كثيرة قديماً أو حديثاً، وقد وردت النصوص أن فتنة المسيح الدجال هي أعظم فتنة، فما السبب أو التعليل لكونه أعظم فتنة؟
الشيخ: كانت فتنة الدجال أعظم فتنة لعظيم ما صرفت عنه، نحن نعلم جميعاً أنه لا توجد غاية لخلق الإنسان أعظم من عبادة الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وما بعث الله الرسل وأنزل الكتب ونصبت الموازين وأقيمت الدواوين وقام سوق الجنة والنار إلا ليعبد الله وحده دون سواه، فمن نازع الله جل وعلا في هذا الأمر العظيم هلك، وتعظم الفتنة كلما عظم صرف الناس عن عبادة الله.
نحن ندرك جميعاً أن هناك فتناً عظيمة مرت على البشرية، وفتناً أخذت ألواناً وأضرباً عدة في تشكلها ولا زالت.
إن الدجال أتى بأشياء أعطاه الله إياها فتنة للناس تصدهم عن ربهم جل وعلا، وتصدهم عن دينهم فيزعم أنه إله، ومما أوتيه أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، ويمر على القوم المرملين لا زرع عندهم ولا ضرع فتنبت أرضهم وتنتج أغنامهم.
ويمر على القرية لا يكلف أحداً ممن معه أن يحفر عن كنوزها، والناس اليوم كم يتكلفون سفراً وغدواً ورواحاً بحثاً عن كنوز الأرض، وتقرأ وتسمع من يحمل خرائط ويجوب الديار، وهذا يمر على القرية الخربة فتتبعه كنوزها تطير طيراناً في الفضاء كيعاسيب النحل، فعندما يراها الناس يذهلون، فعندما يزعم أنه إله يقع في قلوب المرضى أنه إله، فيكون ذلك صارفاً عن تعظيم الله جل جلاله، حتى توحيد الربوبية يخرج الناس عنه؛ لأنهم يظنون أن هذا هو الله عياذاً بالله.
هذا الأمر جعله الله فتنة، حتى إنه عندما يأتي للشاب الذي يخرج إليه من أهل المدينة فيضربه ويفلقه فلقتين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ما بينهما رمية الغرض) أي: مسافة ما بين وقوفك وبين ما ترميه، فهو يأتي بهذا الشاب فيقطعه قطعتين قطعة هنا وقطعة هناك ويمشي بينهما ثم يحييه حتى ينتصب قائماً فيزداد الناس فتنة به؛ فلهذا عد الدجال من أعظم الفتنه؛ ولهذا لما فقه الأنبياء ذلك عليهم الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وحذره قومه من نوح إلى محمد) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيته في المنام عند الكعبة) فكيف نجمع بين هذين الخبرين؟
الشيخ: الخبران صحيحان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأراني عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم - يعني: يميل للسمرة قليلاً - كأحسن ما يكون من أدم الرجال له لمة تضرب إلى منكبيه وهو يضع يديه على منكبي رجلين، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح ابن مريم، ورأيت رجلاً يطوف جعداً قططاً - أي: أنه يكثر تجاعيد شعره - أشبه ما يكون بـ
أشكل على العلماء هذا الحديث مع ما ثبت في صحيح الأخبار أن الله حرم على الدجال أن يدخل مكة والمدينة.
والإجابة عن هذا: قال العلماء: فيها ثلاثة أقوال سأذكرها سرداً ثم أرجح:
قال قوم: إن كونه صلى الله عليه وسلم يراه في الرؤيا لا يلزم من الرؤيا في المنام أن تقع بعينها في الظاهر، واستدلوا على ذلك بأن: (النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه أعطي قدحاً من لبن فشرب فخرج الري من أظافره ثم أعطى فضلته لـ
التخريج الثاني أنهم قالوا: إن كون الدجال يرى عند الكعبة هذا قبل خروجه، وإنما حرمت عليه مكة والمدينة بعد خروجه، وهذا القول مال إليه الحافظ ابن حجر .
القول الثالث: احتجوا برواية مالك عن نافع عن ابن عمر ليس فيها أنه يطوف بالكعبة.
فإذا نظرنا في هذه الأقوال الثلاثة، أما رواية مالك عن نافع عن ابن عمر التي ليس فيها أنه يطوف بالكعبة فهذه لا تنفي الرواية الصحيحة الأخرى؛ لأنه ثبت في راوية صحيحة وهذا يكفي، مثل رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه فيها يطوف على الكعبة، فالزيادة هنا مقبولة.
الأمر الثاني الذي ذهب إليه الحافظ ابن حجر محتمل لكن أرجحها عندي والعلم عند الله القول الأول، وهو أنها رؤيا منام لا يلزم أن تقع بعينها في الظاهر، يعني: لها تفسير غير ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء حقاً.
الوقفة الأولى: مع لفظة (الأم) وإن كنت أود أن تكون كل حلقاتنا في الأم ولن نفي بحقها؛ لكن نقف وقفة سريعة ويسيرة، وما الفرق بين هذه لفظة (أم) ولفظة (والدة)؟
الشيخ: كلمة (أم) في أصلها تقع بإزاء الأب، وأصلها تطلق على الوالدة المباشرة وغير المباشرة، والوالدة المباشرة هي من ولدتنا، والوالدة غير المباشرة من ولدت من ولدنا كالجدة، ويقال لـحواء أمنا لأننا كلنا منها.
أما الأصل لكلمة (أم) فقد ذكر الخليل ضابطاً جيداً في معناها التوسعي المجازي عند بعض البلاغيين، نقول: كل شيء ضم إليه ما حوله يسمى: أمّاً، على هذا المعنى الذي قاله الخليل جاءت كلمة أم في القرآن على معان عدة، على الوجه التالي:
جاءت الأم بمعنى الوالدة كآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23].
وجاءت بمعنى المرضعة وفيها: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] هذه ليس المقصود بها الأم الوالدة.
وجاءت بمعنى مكة (أم القرى).
وجاءت بمعنى أصل الشيء: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7] .
وجاءت بمعنى المآل والمنقلب، قال الله جل وعلا: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:9] .
وجاءت بمعنى أمهات المؤمنين، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهن غير والدات لنا.
هذا ما أذكره الآن في مجيء كلمة (أم) في القرآن.
وجاءت بمعنى الفاتحة (أم الكتاب)، هذه كلها معاني كلمة (أم) في القرآن.
لكن كما قلت نأخذ ضابط الخليل : أن أم الشيء كل شيء ضم إليه سائر ما حوله يسمى أماً، ومنه قول الله: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الأنعام:92] .
الشيخ: هذا من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي هريرة وهي التي تناسب حال أبي هريرة رضي الله عنه، والمسألة فيها عزيمة وفيها غير ذلك، أما العزيمة فإن الإنسان إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يستطيع أن يقوم فيوتر قبل أن ينام، وهذا ما توخاه النبي عليه الصلاة والسلام في أبي هريرة ، فكان أبو هريرة يأخذ بها ويوتر قبل أن ينام ويكتب له قيام بحسب ما قام.
ونقول للأخ الكريم: ما فعلته حسناً، وخير منه أن تتخذ لنفسك وقتاً تقوم فيه آخر الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمعاذ : (وصلاة الرجل في جوف الليل) أما إن غلب على ظنك أنه سيصعب عليك أن تقوم في آخر الليل فابق على ما أنت عليه فأنت على خير عظيم.
الشيخ: قد ورد فيها ذكر بيت الرجل نفسه (بيوتكم) والزوجة تبع لزوجها، لكن يجب أن تحرر المسألة في قضية زواج المسيار، يعني: زواج المسيار عندما نقول بجوازه يقوم على ما يلي:
الله جل وعلا أعطى الزوجة حقوقاً، فمن حقها أن تسكن كما يسكن زوجها كما دلت عليه سورة الطلاق، فالسكنى لها باعتبار سكنى زوجها كل بحسب حاله.
هذا الحق إذا أرادت المرأة أن تتنازل عنه برضاها وقبلت أن تبقى مع أبويها في غرفة خاصة حسب ما يتفقان عليه فذلك جائز، فكل المسألة قائمة على أنها كانت تملك حقاً فتنازلت عنه، فمن هنا قال من يقول بجواز زواج المسيار بأن هذا شيء ليس له علاقة بأركان العقد، فأركان العقد قائمة وهي إيجاب وقبول وشاهدان وولي وتم الأمر، وهذا حق لها فتدرأ مفسدة أكبر من أن تبقى بلا زوج فقبلت به.
أما كونه يشاع أو يذاع فهذا تختلف الظروف الاجتماعية فيه من حال إلى حال ولا أحب أن أخوض فيه.
المقدم: كأني أفهم من كلامك أنك تبيح زواج المسيار؟
الشيخ: أنا لم أقل إني أبيح زواج المسيار، أنا أقول: من يقول بجوازه يقول بكذا، وكذلك: أنا لا أقول بتحريم زواج المسيار ..
المقدم: لكن مسألة الإشهار هي التي يكثر فيها الخلاف في أسرة الزوجة فهل يجب إعلان النكاح أو يكتفى بتوفر الأركان الولي والشاهدين وفقط.
الشيخ: إذا سمع الشاهدان أن فلاناً زوج ابنته بفلان وتم الإيجاب والقبول بين الولي والزوج فهذا يكفي في إتمام العقد، والإشهار لا نستطيع أن نقول إنه ركن.
الشيخ: الجمع بينهما: الله جل وعلا أخبر عن أشياء في الجنة، وهو لا يقول: إن كل ما في الجنة ما لا عين رأت، لكن فيها ما لا عين رأت ولا عين النبي صلى الله عليه وسلم.
مثلاً: جاء إنسان وقال: في الجنة رمان، والله قد قال: في الجنة رمان فيقول: كيف يقول الله: ما خطر على قلب بشر؟
فنقول: نعم، هناك أشياء أخر لم تخطر على قلب بشر، وهناك أشياء مما أخبر الله عنه أو رآه النبي صلى الله عليه وسلم، وبقيت أمور أخر في الجنة لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تخطر على قلب بشر.
الشيخ: هذا في باب القناعة، لكن العلماء يحتجون بحديث أبي هريرة أنه لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اللبن شرب حتى قال: (والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً) هذا معناه أنه شبع وارتوى؛ لكن الأحوال تختلف، فالإنسان يوطن نفسه قدر الإمكان أن لا يصل إلى مرحلة الشبع التام.
الشيخ: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أين هم؟ قال: (في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس) وأجيب بأن من كان على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأصحابه فهو من الطائفة المنصورة، أما قوله صلى الله عليه وسلم: (هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس) فهو يتكلم عن حقبة تاريخية سيكونون هم فيها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وأظن أن هذه الحقبة هي حقبة خروج الدجال في آخر الزمان.
مع أنه يجب أن نثني خيراً على إخواننا الموجودين في بيت المقدس، المرابطين في الثغور القائمين بمجاهدة العدو، والقائمين بالبقاء في الأرض حتى تبقى، ولهم جهود عظيمة، نصرهم الله حيثما كانوا.
الشيخ: تأمل التالي:
لن تكون رضاعة حتى يكون حمل ولادة، يعني: لا يوجد رضاعة حتى تكون ولادة، ولا تكون ولادة حتى يكون حمل، ولا يكون حمل حتى يكون زوج، فالزوج هو المتسبب بقدر الله في الحمل والحمل نتج عنه الولادة والولادة نتج عنها در اللبن.
إذاً: الذي تسبب في در اللبن هو الزوج، والذي ولد من هذا الحمل هو ابنه قطعاً؛ لأنه من ظهره، والذي رضع من هذا اللبن من غير أولاد الزوج يعتبرون أبناء لهذا الرجل؛ لأنه متسبب في اللبن، أي أن اللبن نشأ عن الحمل الذي نشأ عن جماعه، فهذا الرجل يصبح أباً؛ لأنه متسبب في ذلك اللبن الذي شرب منه ذلك الرضيع.
مثلاً: رجل اسمه سالم ورجل اسمه أحمد، فأحد أبناء أحمد رضع من زوجة سالم، هذا الذي رضع نفرض أن اسمه زياد، فزياد أخ لكل أحد رضع من زوجة سالم، ويصبح سالم هذا أباه؛ لأنه متسبب في اللبن.
لو كان لسالم هذا أبناء من امرأة أخرى فهم إخوان لهم؛ لأن الأبوة واحدة
أبناء أحمد الذين لم يرضعوا من زوجة سالم فلا علاقة لهم بالموضوع؛ لأن أحداً منهم لم يرضع من زوجة سالم.
الشيخ: النبي عليه الصلاة والسلام رضع من أمه آمنة بنت وهب وأرضعته ثويبة مولاة أبي لهب وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد ، فـأبو سلمة أخ للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع؛ لأنهما كلاهما رضعا من ثويبة من لبن ابنها مسروح .
ورضع من حليمة السعدية وأرضعت معه أبا سفيان بن الحارث ، فأصبح أبو سفيان بن الحارث أخاً للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة من أمهم حليمة .
في نفس الوقت حمزة رضي الله عنه أخ للنبي صلى الله عليه وسلم من جهتين: فإن حمزة رضع من ثويبة ، ورضع من امرأة سعدية جارة لـحليمة ، هذه الجارة لـحليمة ذات يوم رضع النبي صلى الله عليه وسلم منها.
فأصبح حمزة أخاً النبي صلى الله عليه وسلم بلبن هذه المرأة وبلبن ثويبة التي أرضعته مع ابنها مسروح ، هذا ما يتعلق برضاعته صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: هذا منهج إسلامي عظيم، في أن هناك حقوقاً يجب أن تغلظ، كون الإنسان يرضع من امرأة هل يضاعف لها الحق ويكفي أن الإسلام جاء بأنه تقوم به الحرمة ويستطيع أن يدخل عليها ويصبح محرماً لها، صحيح أنه لا يرثها ولا ترثه؛ لكن هذا من دلائل أن هناك أموراً جاء بها الإسلام تعظم الحقائق التي بنيت عليها كحق الجوار.. حق الصداقة.. حق المعروف.. الصحبة في السفر.. هذه كلها حقوق جاء بها الإسلام.. المؤمن الحق الذي يعرف الدين وما جاء به، ويعرف تلك الحقائق ويقوم بها على الوجه الأكمل والنحو الأتم.
الشيخ: هذه آية عظيمة نختم بها: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] هذا نور بصيرة يعطيه الله جل وعلا من شاء من عباده، يقذفه في قلبه فيوفق للخيرات ويبتعد عن المعاصي والسيئات.
هذا النور سأله النبي صلى الله عليه وسلم ربه كما جاء في دعائه صلوات الله وسلامه عليه كثيراً، والمؤمن الحق يسأل ربه جل وعلا دائماً وأبداً أن يهبه نوراً من عنده؛ لأن أسباب التوفيق مقاليدها وشأنها كله بيد الرب تبارك وتعالى، فإذا انتفى ذلك النور الذي يؤتاه العبد من الله انتفى النور بأكمله؛ لأن الله يقول: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].
وكم من أناس درسوا في أرقى الجامعات، ويحفظون العديد من الكتب، ويتقنون العديد من اللغات، ومع ذلك إذا رأيت ممشاهم وطريقهم وسلوكهم رأيت شيئاً يغبنك؛ لأن الله جل وعلا حرمهم نوراً من عنده.
وكم من أقوام ربما لا يستطيع أحدهم أن يكتب اسمه فترى معالم التوفيق والهداية إلى أكمل طريق قائمة على نفسه؛ لأن الله جل وعلا خصه بالنور، والسرائر إذا صلحت والنوايا إذا صفت، والإنسان إذا برئ من أن يظلم العباد وفق لكثير من الخير.
ولعل الوقت لا يسمح بأكثر من هذا؛ لكن نقول: نسأل الله جل وعلا نوراً مبيناً وسلطاناً من عنده إن ربي سميع الدعاء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر