أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وكان الدرس الماضي: الأدب مع الكافر وما أتممناه، فهيا بنا نستعرض ما سبق أن درسناه، ثم ندرس البقية الباقية من هذه الآداب المتعلقة بالكافر.
أولاً: علمنا أن كل الأديان باطلة إلا الإسلام، وأقسم بالله ولا أحنث أن لا يهودية، ولا نصرانية، ولا بوذية، ولا مجوسية، ولا أية ديانة، فكلها منسوخة، أوقفها الله وأبطلها وجاء بالدين الجامع الخاتم الذي عليه تسعد البشرية وتكمل في الدنيا والآخرة، وشواهد ذلك: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فلا دين غيره.
ومن هنا فالمؤمن يعتقد أن الكافر مغضوب عليه مسخوط، وأنه من أهل النار، إلا أن يتوب الله عليه فيُسلِم، ومن هنا يبغض المسلم كل كافر، ولا يحب أي كافر ولو كان من كان كأبيه أو أمه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] فأبوك الكافر تبغضه ولا تحبه، وأمك الكافرة تبغضها ولا تحبها، وليس معنى هذا أن تؤذيه أو أن تضر به أو تمنعه حقه، لا، وإنما هذا المخلوق كرهه الله، فيجب أن تكرهه بكره الله عز وجل له، فأنت ولي الله تحبُ ما يحب الله وتكره ما يكره، وإلا انفصلت الولاية وانقطعت.
أولاً: عدم إقراره على الكفر، فلا يحل لمؤمن أبداً أن يقر كافراً على كفره، ويقول: لا بأس وابق على ما أنت عليه، سواء كان نصرانياً أو يهودياً أو بوذياً أو مجوسياً.
ومن لطائف العلم: أن فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب التآليف والدعوة الإسلامية تغمده الله برحمته، كان أمامه تلميذ فقرأ: (ولا تَنكِحوا المشركين حتى يؤمنوا)، فقال: لا والله ولو آمنوا!!
ففرق بين (تَنْكِحُوا) أي: تتزوجوا، وبين (تُنْكِحُوا) أي: تُزوجوا، فلا يجوز أن نتزوج الرجل مؤمناً كان أو كافراً، فكانت من باب اللطائف في ذاك الدرس [وقوله تعالى في إباحة نكاح المسلم للكتابية: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [المائدة:5]] والأجرة أجرة النكاح أي المهر لا أجرة الزنا [ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5]].
فبما أن الرسول لم يقل: يرحمك الله، وما دعا لهم بالرحمة، فتدعو لهم بما هم في حاجة إليه: يهديكم الله ويصلح بالكم، فنقول: إذا كنا مع مؤمنين فسقة: يهديكم الله أحسن، وإذا كنا مع أتقياء: يرحمكم الله -ولا حرج-، وليس معنى هذا أنني أوصيكم بهذا وأشرّع لكم!
وهنا لطيفة: أيام الاستعمار الفرنسي في الديار الجزائرية، قال أحد الفرنسيين لأحد المسلمين: لماذا نحن نسمح لكم أن تلبسوا لباسنا وعمر بن الخطاب خليفة الإسلام كان يمنع الذميين أن يتزيوا بزي المسلمين؟ وقد كان عمر كذلك لا يسمح في الدولة الإسلامية أن يلبس اليهودي أو النصراني لباس المسلم، أي: لا بد له من هيئة تميزه، فألهم الله عز وجل المسلم وقال له: يا هذا! أنت غافل ما تشعر، فالمسلمون على عهد عمر كلهم جند الله، عسكريون -وهو والله كذلك- فهل أنتم تسمحون للمواطنين أن يلبسوا لباس العسكر؟ طبعاً ممنوع بلا خلاف، فالمدني غير عسكري، وعمر أدخل المسلمين في ثكنة الإسلام والجهاد طول العام فلا يسمح للذميين أن يلبسوا لباس العسكريين وهم مدنيون، فأسكته.
فنحن الآن نحافظ على لباسنا ولا نتزيا بزي الكافرين؛ لأننا عسكر الله وجنده، فلا نلبس لباس غير الجنود العسكريين.
ولطيفة أخرى: كان هناك مسيحي صليبي يركب سيارة مع لبناني، فقال المسيحي: أنتم تقولون: الجنة أهلها يأكلون ويشربون وينكحون ولا يبولون ولا يتغوطون؛ وهذا لأن النصارى معتقدهم أن الجنة ليس فيها أكل ولا شرب ولا نكاح وإنما أرواح فقط، فينفون وجود الأبدان في دار السلام، وهذا كفر وضلال، وتكذيب لله ورسوله.
فقال له اللبناني: كيف يأكل الجنين في بطن أمه ويشرب ولا يبول ولا يتغوط؟
فألهم الله ذلك المؤمن العامي وقال له: الطفل الصغير في بطن أمه في الشهر الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع كيف يشرب ويأكل في بطن أمه؟ فأسكته والله.
هل امتلأ بالخراءة والبول؟
لا. بل يتحول ذاك الطعام والشراب إلى دم، كذلك أهل الجنة يتحول الطعام إلى دم في أبدانهم لا بول ولا غائط.
وأزيدكم لطيفة ثالثة: حدثنا بها العالم الرباني الدكتور الهلالي رحمة الله عليه، قال: ركبنا القطار في الهند -وهذه من عجائب ما شاهده في الهند- فتقابلا في الركوب شيعي رافضي وسني، فقال السني للرافضي: ما اسمك؟! وتعني بالهندية: (كينام صاحب)؟ فقال الشيعي: العبد الحقير الذليل تراب أقدام كلب علي ؛ ليطعن فيه، يعني إذا كنتم لا تحبون علياً فأنا كلبه وليس عبده فقط، فما كان من السني إلا أن قال: وأنا العبد الحقير الذليل تراب أقدام خنزير الله!
أي: إذا كنتُ خنزيراً لله فهو أفضل من أن أكون كلباً لـ علي ، فقطعه.
وهذا معقول: فأن أرضى أن أكون خنزيراً لله أفضل من أكون كلباً لإنسان علي كان أو غيره.
هذه لطائف تنفع في الدرس وتخفف.
[وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ومن تشبه بقوم فهو منهم )] وهذا حديث يحفظ، فمن أراد أن يكون مثلهم تزيا بزيهم وهو منهم. وهذه قاعدة عامة، ونحلف بالله أحياناً -بانفعال- أنك لو رأيت عبداً صالحاً وأحببته وأخذت تتشبه به في منطقه ولباسه ومشيته ومعاملته ما لبثت أن تكون مثله، والذي يرى فاجراً أو فاسقاً أو عربيداً أو شيطاناً فيحبه ويتمثله ما يلبث أن يكون مثله شيئاً فشيئاً، وهذه القاعدة لو اجتمع علماء الفلسفة والكون على أن ينقضوها ما نقضوها أبداً؛ لأنها كلمة رسول الله الخالدة: ( من تشبه بقوم فهو منهم )؛ ولهذا نهينا المؤمنات أن يتزيين بزي العواهر في المجلات التي يشاهدنها أو في التلفاز أو في غير ذلك، فلا تلبث أن تصبح عاهرة مثلهن، ولا نسمح للشاب المسلم أن يتزيا بأزياء الكفرة الملاحدة العلمانيين لأنه إذا تزيا بزيهم رغب فيهم وفي ما عندهم وأصبح مثلهم[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( خالفوا المشركين )] خالفوهم فيما هو ممكن، فهم يأكلون بالشمال ونأكل باليمين، ويبدءون في الأكل بالماء ونبدأ بالطعام، ويبدءون بخلع النعل اليمنى ونبدأ باليسرى مثلاً .. المهم المخالفة [( خالفوا المشركين، أعفوا اللحى وقصوا الشوارب )]؛ لأنهم كانوا يحلقون لحاهم ويتركون شواربهم طويلة [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم )] اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم أنتم واصبغوا حتى تتميزوا برسالتكم وبمقامكم وذلك بصبغ اللحية أو شعر الرأس بصفرة أو حمرة؛ لأن الصبغ بالسواد قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لما روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( غيروا هذا الشعر الأبيض واجتنبوا السواد ) وهذه الكلمة قالها في مكة عام الفتح، لما انتصر ودخل فاتحاً جاءه أبو بكر بوالده أبي قحافة كالكتلة، رجل كبير السن لعله فوق المائة، شعره كله أبيض، فقال: ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) لأنهم لو صبغوه بالسواد أصبح طفلاً صغيراً وما هو بطفل، لكن لما يغير بالصفرة يفهم أنه كبير السن وشيخ كبير.
فصلوا على الرسول وسلموا، ما أحكمه! غيروا هذا الشعر الأبيض واجتنبوا السواد، ابتعدوا عنه، ولهذا الجمهور من المسلمين على أن الرجل لا يصبغ بالسواد لحيته ولا رأسه، وإن كان في ذلك خلاف.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
سائل يقول: فضيلة الشيخ! قول الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] هل يدخل فيه الأكل من ذبائحهم؟
الجواب: الجمهور بل الأمة كلها من السلف على أن ذبائح اليهود والنصارى حلال؛ لقوله عز من قائل: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] والمقصود ذبائحهم، لكن الذي حصل أنهم أصبحوا لا يذبحون الشاة ولا البقرة، بل يضربونها بالحديد فقط أو بالرصاص، وفي هذه الحال لا يؤكل هذا اللحم؛ لأنه جيفة، فلو أن مسلماً خنق شاة وما ذبحها ما جاز أكل لحمها، وقد ذهبت مرة إلى مجزرة في باريس لأشاهد هذا، فجاءوا بثور كبير ووضعوه في الوسط ثم جاءوا بحديدة مكهربة فأدخلوها بين عينيه مع ظهره آخذين في تحريكها حتى انهار، فلما انهار ذبحوه، فقلت: هذا لا يجوز؛ لأنهم قتلوه قبل أن يذبحوه، أما إذا ذبح وهو كامل الحياة فذبائح اليهود والنصارى حلال بالإجماع، وليس في ذلك خلاف، وقوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] إذن من الله لنا بأكل لحومهم، وليس معنى هذا أن نأكل الخنزير، فالخنزير محرم ذُبح أو لم يذبح.
مداخلة: الآن يذبحون بالمكائن؟
الشيخ: الله أعلم كيف هذه المكينة.
الجواب: إذا كان يهودياً أو نصرانياً -أي كتابياً- يجوز مصاحبته والأكل والشرب معه والعمل بلا خلاف كما قدمنا، على شرط أنك تبغضه ولا تقره على كفره، فلا تقل: لا بأس عليك أنت كافر! بل قل له: لا يصح منك هذا وأنت من أهل النار، أما كونك تماشيه أو تعمل له أو تأكل معه وتشرب فهذا الذي قدمناه في الجواز.
الجواب: أنه كافر، كافر، كافر، ليس والله بمسلم؛ لأنه كذّب الله ورسوله، فالله فرق بين الأديان وأبطل بعضها، فكيف يقول: أنا لا أفرق وكلها أديان! هذا كافر علماني. نعم.
أما إذا قال: لا أفرق بينها في كونها كلها باطلة نعم إلا الإسلام، فبهذا الشرط نعم، أي: أنا لا أفرق بين البوذي واليهودي والنصراني فكلهم كفار مشركون إلا المسلم، أما الكلام الشائع الذي ذكره: كل الأديان شرع لا أفرق بينها، فهذا كفر، ويسمونها وحدة الأديان، ولا نوحد بين الأديان، لا يصح هذا أبداً.
الجواب: تقضى كما فاتت، أو تقضى على أنها سنة؛ لأن صلاة خسوف القمر يقول فيها مالك على جلالته أن الناس يصلونها في بيوتهم، وأنها ركعتين فقط ليس في كل ركعة ركوعان وسجودان كالشمس؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بهم كسوف الشمس فقرأ وركع ركوعان في كل ركعة، أما في القمر فلم يحصل، فهو يؤدى كما تؤدى النوافل، وإن صُلي كما يصلى كسوف الشمس فلا بأس، ومن فاته ركعة أتى بركعة وكفى.
أولاً: يجب أن يقول: هيا نصلي.
ثانياً: ينبغي أن يقول: هذا التدخين لا يليق بكم، وقد أفتى العلماء بحرمته ومنعه، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يصلح له أن يجلس، أما أن يجلس ليوافقهم ويرضى عنهم فحرام، لا يجوز هذا ولا يصح.
الجواب: يقول السائل: ما حكم إمامة حالق اللحية والمدخن، هل نصلي وراءهما أو لا نصلي؟ فالجواب: إن كنا نحن الذين نقدمهم فحرام علينا أن نقدم حالقاً ونترك ذا لحية في مجلسنا، حرام علينا أن نقدم مدخناً يلوث فمه بالخبث ليصلي بنا وبيننا الطاهرون الصلحاء، فإن كان الأمر ليس بأيدينا والمسئول وزارة الشئون الدينية التي قدمت فلاناً أو غيره، فأقول: على أهل الحي أو القرية أن يذهبوا إلى الوزير أو نائب الوزير ويقولون: لو قدمت فلاناً؛ لأن فلان شأنه كذا وكذا، ويكون هذا أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإن استجاب الوزير وغيره فالحمد لله، وإن قال: اسكتوا، صلوا وراءه ولا حرج، وصلاتهم صحيحة.
الجواب: يقول السائل: عندنا شيخ يدخن ويدرسنا دروساً دينية، فهل أحضر أو لا أحضر؟
إن وجدت غيره فلا تحضر عنده، وإن لم تجد إلا هو يعلمك فاحضر ولا حرج، وإن استطعت أن تحتضنه وتقبله وتقول له: يا شيخي آه لو تركت التدخين اليوم، فتكون قدمت له نِعم الهدية وجزاك الله خيراً، وقد يستجيب لك.
الجواب: سائل يقول: إنه يوجد بين الناس -علماء أو جهال- من يقول: إن السجود لغير الله ليس بشرك؟
فنقول: هات دليلك! كيف عرفت أنه غير شرك؟ والسجود هو أشرف العبادات، فوضع الوجه على تربة الأرض لا يكون إلا لله، فلا تسجد لميت أو لحي، اللهم إلا إذا كان الرشاش بيده وقيل له: اسجد. وهو لا يطيق العذاب فيسجد، كما قال الرسول: (أعطهم يا
الجواب: هذه مؤمنة ربانية تقول: إن زوجها يعدل بينها وبين ضرتها، ولكن الغيرة باقية في نفسها، فادعوا الله أن يزيل عني هذه الغيرة؟
اللهم طهر قلبها وقلبنا معها، وزك نفسنا وزك نفسها، واجعلها ترضى بهذه الضرة وتحبها وتتبادل معها الحب والولاء، ولا تحرمنا أجرنا يا رب العالمين، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر