فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! في هذا اليوم المبارك نفتتح دراسة رسالة من رسائلنا مضى عليها أربعون سنة، ألفت في المدينة النبوية بعنوان (لا إله إلا الله)، فهيا ندرس منها ما شاء الله، ونحن في انتظار طلوع الشمس وارتفاعها لنصلي ركعتين؛ ركعتين تعدلان حجة وعمرة معاً، فهنيئاً لمن رزق هذا الفضل الكبير، نجلس ونذكر الله، نستمع إلى الهدى، وكلنا رغبة في أن نهتدي ونفوز وننجح، وفي نفس الوقت الملائكة تصلي علينا: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، فإذا صلينا ركعتي الإشراق كان ذلك أجر حجة وعمرة كاملتين، أليس هذا فضل الله؟! الحمد لله .. الحمد لله.
هذه الرسالة: [لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح:26]]، ما المراد من كلمة التقوى التي ألزمهم الله تعالى بها؟ إنها لا إله إلا الله. لِم سميت كلمة التقوى؟ لأن بها تتقى جهنم وخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
تتقي عذاب الله -يا عبد الله- بكلمة معروفة تسمى كلمة التقوى، إذا أنت حققتها اتقيت عذاب الله، ونجوت منه، وفزت بعد ذلك بالنعيم المقيم في دار السلام، كلمة (لا إله إلا الله).
هذا بعض آية من سورة الفتح المباركة، قال تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، هذا في صلح الحديبية، وما تم فيه من أحداث عظام: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ، ألا وهي كلمة لا إله إلا الله، لا يعبد مع الله مَلَك مقرب ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح، فضلاً عن الأحجار والجمادات، فضلاً عن التماثيل والأصنام والأهواء والشهوات، إذ لا إله إلا الله.
والله الذي لا إله غيره؛ لا يوجد إله حق إلا الله، كيف تحلف على ذلك يا شيخ؟ نعم، لأن الإله الحق هو ذاك الذي خلق ورزق، وهب الحياة ومقوماتها، أوجد الملكوت العلوي والسفلي، هذا الذي يستحق أن يؤله ويعبد. أما الذي هو مربوب مخلوق مصنوع فكيف يستحق الإلهية! كيف يسمى إلهاً! كيف يعبد مع الله! وبأي نوع من أنواع العبادة التي تعبد الله بها عباده؟! لا بدعاء ولا بنداء ولا باستغفار ولا باستغاثة ولا بذبح ولا بنذر ولا بانحناء .. ولا أبداً، لا إله إلا الله.
في هذا الوقت بالذات كادوا ينفجرون: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وهي لا إله إلا الله، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا والله من غيرهم من الخلق والناس: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا يضع كل شيء في موضعه.
معشر المستمعين! من لم يكن يحفظ هذه الجملة يجب أن يحفظها الآن، ولا يعود إلى مكانه الذي يقيم به إلا وهو يرددها ليحفظها، وأنا على علم يوجد كثيرون لا يهتمون بها.
لو سئلت: ما أفضل كلمة قيلت في الأرض وفي السماء؟ هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي )، وهم مائة وأربعة وعشرين ألفاً، ما هذه الكلمة التي هي أفضل كلمة؟ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، من استطاع أن يتملق إلى الله الجبار بها فليتملقه، فإنه يحبها.
أسألكم: لماذا خلقنا؟ لنأكل البقلاوة والرز واللحم؟
لا والله.. لا والله.. لا والله، ما خلقنا إلا لذكر الله تعالى وشكره فقط، ولا تمنّ على الله؛ إنه خالقك، أعطِ قيمة نفسك؛ بكم تساوي أنت؟ من وهبك سمعك؟ من أعطاك بصرك؟ من وهبك عقلك؟ من أعطاك قدرتك؟ من أوجد السماء والأرض لك؟ من .. من؟ أليس الله؟! بلى إنه الله.
ماذا يريد من خلقك؟ يريد منك أن تذكره وتشكره؛ أن تذكره بلسانك لا تفتر، وتشكره بجوارحك وبعبادتك التي تعبَّدك بها من الصلاة إلى الجهاد.
وإن قلت: إذاً لماذا نحرث .. لماذا نزرع .. لماذا نبني .. لماذا نصنع إذا خلقنا فقط للذكر والشكر؟
الجواب: إن كنت من الذاكرين الشاكرين فاجعل بناءك وصنعك .. وزراعتك وفلاحتك .. وأسفارك التجارية كلها ذكراً لله وشكرً له؛ لأنك توفر غذاء لتحتفظ بحياتك لتذكر وتشكر، لتوفر كساء يقيك الحر والبرد، لتبقى حياتك كاملة لتذكر وتشكر.
فلهذا المؤمن الحق ما يعمل من عمل إلا وهو لله، تراه يلبس ثوبه لله، تراه ينزع ثوبه لله، تراه يغتسل لله، تراه يأكل لله، وإن شككتم في هذا فاقرءوا من سورة الأنعام ما نسميه بآية الوقف الإلهي، اقرءوا قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، هذه الآية تمثل وقف العبد على الله، هل بعد الحياة والموت شيء؟ هذه الحياة الدنيا وتلك الدار الآخرة، محياي ومماتي لله رب العالمين.
إذاً: يا عبد الله! ويا أمة الله! حقق عبادتك لله. كل إذا أكلت مما أحل الله لك، ولا تبخل نفسك بذكر الله، كل ما تأكل من أجل الله، اشرب ما تشرب من أجل الله، امشِ إن مشيت من أجل الله، واجلس إن جلست بل ونم إن نمت من أجل الله.
وكان الصاحب الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (إني أحتسب نومتي وقومتي لله)، كل عمل لله، حتى النوم لما أنام أنام من أجل الله وأسجلها في ديوان الله، وإذا استيقظت من نومي لماذا؟ لأجل الله، نعم استيقظ ليعبد الله، وإذا نام نامَ ليستريح من الإعياء والتعب من أجل أن يجدد النشاط في عبادة الله، من هذا الصاحب؟ هذا أبو هريرة رضي الله عنه.
تعرفون عن أبي هريرة ؟ قال: (كنت أصرع في المسجد من شدة الجوع) يصيبني الجوع ويشتد بي من قلة الطعام حتى أصرع، (فيأتي صبيان المدينة فيلعبون عليّ) يطلعون فوق ظهري ويهبطون، ويقولون: (جُنّ أبو هريرة . وما بي جنون وإنما هو الجوع فقط)، ولا يمد يده ويقول: جعتُ أعطني قطعة خبز، ومر به أبو بكر فأراد أن يسأله عن آية لعله يتفطن لجوعه، فسأله ما عرف؟ جاء عمر : السلام عليكم، وعليكم السلام، ما كذا يا عمر، ما فهم، مشى، وجاء أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع، جاء صلى الله عليه وسلم ماراً به، قال: ( يا رسول الله! قال: تعال
وإذا بمهدي يهدي لرسول صلى الله عليه وسلم قدحاً من اللبن، وأبو هريرة يشاهده، فقال: ( أبا هر ! ادعُ أهل الصفة )، في تلك الدكة أكثر من ثلاثين رجلاً، مهاجرون جاءوا من مكة ومن غيرها، لا عمل ولا مال ولا دينار ولا درهم. أذكر هذا لكم لتحمدوا الله في صدق على الطعام والشراب الذي يملأ بطوننا، ثلاثين جياعاً، فقال لـأبي هريرة : ( اسقِ القوم
عشرة أنفار كل واحد تضع له كأساً ليشرب فيه! لماذا ما يشربون في كأس واحدة؟ وتسعة أكؤس تصدق بثمنها على أولئك الفقراء والمساكين، ولكن الجهل مخيم علينا. هذا أبو هريرة !
ونعود إلى هذا الحديث الشريف: ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي )، ماذا يرحمكم الله؟ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، وردها كم مرة تقال؟ مائة مرة.
أسألكم بالله: من يعجز عن أن يقول هذا الورد؟ سائق الطيارة والله ما يعجز .. سائق السيارة المقود في يده وهو يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير .. ماشٍ على رجليه إلى منزله أو مصنعه، يقولها وهو يمشي، ما هو شرط أن يقولها وهو جالس أبداً، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].
من يعدنا بأن لا يترك هذا الورد حتى يموت؟ ما شاء الله! ثلاثة .. أربعة، كلنا؟ إي نعم، والله كلنا لا نترك هذا الورد حتى الموت: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، هذا وردنا حتى نلقى ربنا عز وجل.
سؤال: هل هناك مؤمن صادق في إيمانه لا تنفعه الذكرى؟ والله لا يوجد.
ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا إذا ذُكّر نفعته الذكرى؛ وذلك لكمال حياته؛ لأنه حي بروحه الطاهر، يسمع ويبصر، يقول ويأخذ ويعطي، وهذا الذي قررناه دائماً، المؤمن الحق حي، والكافر ميت، والمؤمن الضعيف الإيمان مريض.
أقرر هذه الحقيقة معشر المستمعين! لعلكم ما سمعتموها، اعلموا أن المؤمن الحق حيّ، يسمع، يبصر، يعطي، يأخذ، يجيء، يذهب، لكمال حياته. إذا سمع النداء أنْ (حي على الصلاة) نهض وأقبل على بيت الله. إذا نودي (هلم إلى الجهاد) قبل وطار برجليه وجناحيه إن كان له جناحان.
وأما الكافر ميت لا يسمع ولا يبصر. يا شيخ! كيف تقول: لا يسمع ولا يبصر! هل سمع النداء: (آمنوا بالله) وآمن؟ والله ما آمن، هل يسمع (حي على الصلاة) فأقبل عليها. إذاً ميت، كيف نقول فيه: حي! ميت، ما يبصر، هل رأى الكواكب والشمس والقمر والكون؟ لو رآهما لقال: من خلق هذا؟ من أوجد هذه العوالم؟ نريد أن نعرفه؟ أين يوجد؟ ما أسماؤه؟ ماذا يطلب؟ كيف يستطيع أن نعيش معه؟ من هو هذا؟ حتى يجد من يقول له: إنه الله.
ما يبصر؛ لا سماء ولا شمس ولا قمر، أعمى.
والبرهنة التي نذكرها للسامعين: أهل الذمة لما يكونون في بلادنا الإسلامية هل يؤمرون بالصيام؟
الآن في مصر وسوريا والعراق يوجد كفار نصارى، هل يصبحون اليوم صائمين؟ الجواب: لا، هل نأمرهم بالصيام؟ الجواب: لا، لماذا؟ أموات، تأمر الميت أن يصوم؟!
هل إذا نودي لصلاة الجمعة يأتون يصلون الجمعة، نكلفهم بهذا؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنهم أموات، وهل الميت يكلف؟! فإذا نفخت فيه روح (لا إله إلا الله) فآمن، حينئذ مره يطعك، اطلب ويعطيك، ناده ويسمعك لكمال حياته.
فهل هناك مؤمن صادق لا تنفعه الذكرى؟ الجواب: لا، لا.
هذا السؤال تأملوه يفتح الله عليكم: هل يوجد مؤمن واحد غير مسئول في الأمة الإسلامية عرب وعجم من غير المجانين والأطفال؟ المجانين والله غير مسئولين، لا يؤمرون بصلاة ولا زكاة، والأطفال الصغار مثلهم، وإنما نأمرهم بالصلاة من سبع سنين من باب تربيتهم على الإيمان والإسلام، نأمرهم بالصيام إذا بلغوا العاشرة أو الحادية عشرة تمريناً لهم، لكن ليس أمر إلزام وإيجاب أبداً. لا يلزم ولا يكلف إلا العاقل البالغ من أمة لا إله إلا الله.
فلاحظ: هل هناك مؤمن واحد غير مسئول في الأمة الإسلامية من غير المجانين؟ تقول: لا، والله لا يوجد، ما منا إلا مسئول.
الآن والحمد لله أصبحت هذه الآلات المخترعة بتوفيق الله، هذه الهواتف والأسلاك الشائكة إلى غير ذلك، الآن هذا الدرس الذي تسمعونه في الإمكان أن يُسمع في العالم الإسلامي بكامله، هذا أمر عجيب أو لا؟! ويؤذن المؤذن وفي الإمكان أن يسمعه كل مؤمن ومؤمنة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟
من مظاهر التخلف والضعف والانحطاط: أن هذه المواصلات والاتصالات ما استفدنا منها، لو استفدنا منها لكنا نصوم ونفطر في يوم واحد، من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً.
نقول: يا خادم الحرمين! حفظك الله، وليناك على أمرنا في هذه القضية، تعلنون ليلة رمضان للعالم الإسلامي بالصيام، وليلة العيد بالإفطار، فإذا أعلنوا صامت الأمة كلها مع بعضها البعض .. أعلن عن الإفطار كذلك، وفيه نوع من الراحة والسعادة أو لا؟ أمة واحدة، مظهر من المظاهر، لكن هل هذا يقع؟ ما وقع، بكينا وصرخنا من أربعين سنة؛ لأنها أمة مشتتة ممزقة هابطة. هذا مظهر من مظاهر الضعف؛ ولهذا قال المؤلف: [وهل هناك عاقل واحد يطمئن اليوم إلى حال الأمة الإسلامية، أو يرضى بما هي عليه من ضعف وتفكك وهون ودون].
هذه لطيفة! لما صدرت هذه الرسالة من اثنين وأربعين سنة، هذه الجملة اهتز لها مئات، لماذا هذا الشيخ يقول: إلا نجد؟ هذا يتملق .. هذا يريد كذا، ويضحكون وهم علماء وجهال.
لا إله إلا الله.. يا جماعة! يا عباد الله! أتحداكم إن كنت كاذباً: هل يوجد غير نجد بلد ما فيه قباب تعبد، دلونا؟ هل يوجد غير نجد ما فيه من يحلف بغير الله؟ هذا المكان طهره الله بواسطة عبد مؤمن، فما بقي فيه قبر يعبد ولا من يحلف بغير الله، ولماذا نكتب رسالة (لا إله إلا الله)! أليس لهداية الناس وإصلاحهم، وبيان الطريق لهم، والشاهد من هذا ضعف هذه الأمة وهبوطها.
ثم قال غفر الله له: [وهل يمكن أن يكون الجواب بغير (لا) وفي هذه التساؤلات كلها؛ ولهذا فإني لم أتوانَ في إصدار هذه الرسالة ونشرها بين المسلمين غير ملتفت إلى كل ما من شأنه أن يحول دون ذلك من اعتبارات؛ سواء كانت فنية تتعلق بمادة الرسالة وموضوعها وأسلوبها، أو غير فنية تتعلق بالظروف والأحوال والنفسيات والمناسبات.
وأنا أؤمن بأني قد قدمت خيراً، وأديت واجباً، وأن الرسالة ستجد تقديراً بين كافة أهل التوحيد والإصلاح الذين لا هم لهم في الحياة إلا أن يعبدوا الله وحده وينصروا دينه ويُعلوا كلمته، وأن ينتظم شأن هذه الأمة، ويصلح حالها، وتسعد في دنياها وأخراها.
حقق الله آمالهم، وأكثر أمثالهم، واحفظ اللهم بهم دينك، وأعز بهم سلطانك، إنك وليهم القادر على نصرهم، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم].
الجواب: نستقبله بقلوبنا وأبداننا وأرواحنا .. نستقبله بالتوبة النصوح، من كان بالأمس يشرب الدخان، اليوم تركه؛ والله لن يعود إليه، من كان يجلس على طاولات اللعب؛ كيرم .. كذا، للترفيه على النفس والترويح، من الآن لن يقف على تلك الطاولة ولن ينظر إليها.
من كان يكثر الضحك والأحاديث من الليلة .. من اليوم لن يضحك إلا بابتسامة؛ لأنه مقبل على الله.
من كان يقول كلمة باطل: كأن يذكر مؤمناً بسوء .. غيبة أو نميمة الآن انتهى ذلك كله.
من كان يجلس أمام شاشة تلفاز أو فيديو ويشاهد العواهر تغني وترقص والأباطيل، واليهود والنصارى يتكلمون في داخل بيته، من الآن والله ما يظهر ذلك في بيت المؤمن.
وهنا يا معشر المستمعين! هذا حبيبكم صلى الله عليه وسلم -إن كنتم صادقين- يدخل في الحجرة التي هو فيها مع صاحبيه، وكانت لأم المؤمنين عائشة خاصة بها، إذ لكل زوجة من أمهات المؤمنين حجرة، فدخل فإذا بها قد وضعت خرقة على نافذة في الجدار، تضع وراءها حاجاتها كالكحل والصابون وما إلى ذلك، ما عندها دواليب حديد ولا خشب.. ولا.. ولا. وفي تلك الخرقة صورة مرسومة بالنسج، ما هي صورة حقيقية، فوالله لقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا
هذا الحديث: إن كنت المؤمن تستطيع أن توجد في بيتك تلفاز تشاهد فيه عواهر النساء وتسمع فيه الطبول والمزامير، والله إن كنت صادق الإيمان ما كان إلا في حال جهلك وعدم علمك، أما بعد العلم أيغضب رسول الله وترضى أنت؟ ثم ما الذي أغضب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ خرقة في جدار، نسيج ما له قيمة، أما أنت .. عاهرة ترقص، وبناتك وأمهاتك يجلسن أمامها، أولادك يشاهدونك تتفرج وهم يرتكبون الفضائع في هذه الصحون الهوائية كما يخبروننا. بهذه الأذن تتصل بي مؤمنة وتقول: يا شيخ ماذا أصنع؟ أخي يفعل الفاحشة في أخته! وهم أطفال صغار، هل كان هذا يخطر ببال الإنسان قبل وجود هذه الصحون وهذه الدشوش؟ ما كان يخطر بالبال أبداً.
وآخر يقول: يا شيخ! ماذا أصنع: ابني يفعل الفاحشة في أخته، من أين هذا جاء؟ أسألكم بالله! أو ما فهمتم ما أقول؟ تعرفون الصحن الهوائي أو لا؟ الذي ينشر ويبث كل أنواع الخبث، وهو على سطوحكم وفي دياركم، والله ما يرضى به مؤمن يؤمن بالله ولقائه أبداً، لتعرفوا أننا هابطون لاصقون بالأرض.
إذاً: نستقبل رمضان لا بالصيام فقط؛ امتناع عن الطعام والشراب، وفي الليل نقبل عليه فنأكل ونشرب طول الليل، وإنما هو رحلة بالروح إلى الملكوت الأعلى، انقطاع عن هذه الدنيا للدخول في الدار الآخرة، صمت وذكر لله وعبادة وطاعة، بهذا نستقبل رمضان يا عباد الله.
نعم قد يوجد بعض السياسيين، وبعض الفطناء وبعض الأدباء وبعض الأغنياء، يقولون: لماذا هذا التشدد؟ لماذا نمنع هذه الآلات التي نروح بها على أنفسنا؟
أنا أقول لهم: أكرر قولي: يا صاحب التلفاز والفيديو، وصاحب الدش على سطحك لتنظر وتشاهد هذه، هل تكتسب بذلك درهماً واحداً في اليوم؟ والله لا درهم، أبداً، هل تكتسب بذلك زيادة في علومك ومعرفتك؟ الجواب: والله لا، ما فيه إلا هبوط. فماذا إذاً أن تستفيد منه إلا أن تغضب الله ورسوله، يا ويلك، ويا ويحك، لا هم لك إلا أن تغضب الله ورسوله.
الشيخ: تحرم الحائض معكم، تغتسل وتلبس ثيابها وتتستر، فقط ما تنتقب، ولا تعمل في يديها .. في كفيها قفازاً، وإذا وصلتم مكة اتركوها في الفندق أو النزل الذي تنزلون فيه، وتوضئوا أنتم واذهبوا واعتمروا، طوفوا واسعوا وقصروا أو احلقوا، وابقوا تعبدون الله يومين ثلاثة أربعة ..، ويوم ما تطهر تغتسل وائتوا بها إلى الكعبة تطوف وتسعى وتقص من شعرها، وتمت عمرتها. إياكم أن تذهبوا بها غير محرمة؛ لأنها حائض، يجب أن تحرم معكم من الميقات، وليس شرطاً أن تغتسلوا في الميقات، هنا في الفندق تغتسل وتتجرد وتلبس الإزار والرداء، وإذا وصلت إلى الميقات قلت: لبيك اللهم لبيك عمرة، وإذا أقلعت الطائرة من مطار المدينة قل: لبيك اللهم لبيك عمرة، وواصل التلبية حتى تصل إلى مكة إن شاء الله.
مرة ثانية: الحائض فقط إذا كان هناك من يقول: ما تستطيع أن تبقى ولا يومين؛ لأننا في رحلة منتظمة ما نقدر، حينئذٍ نقول: ما تحرم ولا تعتمر، ما استطاعت أجرها على الله، لكن قلّما يكون هذا؛ لأن الطائرات الآن متوافرة، هذا الأسبوع ما مشيت، تمشي في الأسبوع الثاني، يتخلف معها رجل قريب من أقربائها ويبقى معها حتى تطهر وتغتسل وتطوف وتسعى، ولا تحرم من العمرة بعدما خرجت لها.
الشيخ: يحج المؤمن ويعتمر عن أي ميت من أقربائه .. أصدقائه تطوعاً وله أجره، وللمحجوج أو المعتمر عنه أجره، بهذا أذن الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يلبي: ( لبيك اللهم لبيك عن
إذاً: يحرم عن الميت: لبيك اللهم لبيك عمرة، ويواصل التلبية ولا ينساه في الدعاء عند الطواف .. عند صلاة الركعتين، وهو يسعى، والأجر عظيم للجميع للمعتمَر والمعتمِر عليه.
وقد سمعنا من بعض الصالحين أنه قال: أريد أن يعتمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! هو كل عام يعتمر مرتين .. ثلاث، قال: نريد أن نتحبب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعتمر عنه.
فقلت له: زادك الله حباً، والرسول لا يعتمر عنه ولا يحج عنه، ولا يصام له، ولا يتصدق، ومن حج عنه أو اعتمر أو تصدق، معناه: أنزله من مكانه إلى عامة الناس، وأقبح من المذنبين، وهذا بعيد، والله يقول: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، ثم ما تفهم أكثر من أن كل أعمالنا الصالحة له مثلها، كل صيامك وجهادك ورباطك وصدقاتك كلها للرسول مثلها، أما قال: ( من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين ) أو لا؟ فلولاه صلينا نحن وصمنا؟ لولاه اجتمعنا في هذا المكان؟ هو السبب أو لا؟ فلهذا إياك أن تقول: أصوم عن رسول الله يوماً أو أتصدق عنه بشاة، أو اعتمر عمرة، هذا فيه طعن في كماله وكرامته، اتق الله يا عبد الله.
نعم، ما لك على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة والسلام عليه، هذا اليوم صلّ عليه عشرة آلاف مرة، ما لنا أبداً ولا علينا إلا أن نصلي عليه الصلاة التي علمنا إياها ربنا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، أخصر صلاة: (اللهم صلّ على محمد وآله وسلم تسليماً) مائة مرة.. مائتي ألف.. ألفين .. ثلاثة، هذا الذي تتحبب به إلى الله ورسوله.
الشيخ: ظننته يقول: يكمل تجارته! فلهذا التبس عليّ كيف يكمل تجارته؟ قال: يكمل سيجارته.
يا معشر المستمعين! بالله الذي لا إله غيره، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يدخن، ومن أصر على ذلك واستباح ما حرم الله يقرب من الكفر.
اسمعوا يرحمكم الله! تعرفون السواك أو لا؟ لماذا نستاك، قولوا؟ لنطيب أفواهنا من أجل إجراء اسم الله عليها، فكيف تلوث فمك بأخبث ريح وأسوأ ريح وتقول: الله .. وباسم الله .. والسلام عليكم.
عرفتم! الملائكة الكرام عن يميني وشمالي، والرسول الحبيب يقول: ( من أراد منكم أن يبصق فلا يبصق عن يمينه؛ فإن على يمينه ملك، وليبصق بين يديه وتحت رجليه ) وأنت تقول: (أُف) في وجه الملك! ماذا يكتب هذا الملك؟ كيف يشكوك إلى الله، تنفخ في وجهه رائحة كريهة، والبصاق ممنوع، زلة زلتها هذه الأمة بسبب أعدائها: اليهود والنصارى والمجوس، ما عرف المسلمون التدخين بأنواعه أبداً إلا بعد أن جاءهم من الغرب؛ لما استعمرهم وسادهم وحكمهم. فنصيحتي لكل مؤمن، إذا في جيبه علبة سيجارة في بيته، الليلة يحرقها ويمزقها، ومن كان يبيع بدكانه من الآن يصر أن لا يدخل في دكانه دخان أبداً.
ثانياً: إذا كان المؤذن يؤذن مع الفجر فلا يحل لك أن تشرب ولا تأكل إلا ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إذا الماء في يدك وأنت تشرب وقال: الله أكبر واصل شربك حتى ترتوي، بإذن رسول الله لك، لما فيه من المشقة والصعوبة إذا انقطعت.
أما إذا كان المؤذن يؤذن قبل دخول الوقت بدقيقة .. بربع ساعة .. بعشر دقائق كما في بعض البلاد، هذا كل واشرب، غير مهم، حتى تتأكد من طلوع الفجر، لكن إذا كانت البلاد ضابطة للأذان، وأنه بعد طلوع الفجر وأنت تعلم هذا، إذا أذن انزع الطعام من فمك، ابعده من أمامك، الشراب لا تشرب، لكن إذا كنت تشرب ما تقطع الشراب إذن رسول الله لك، فصلّ عليه وسلم تسليماً.
الجواب: إذا دخلت مكة محرماً بعمرة فاعتمرت، وأردت أن تعتمر عن ميت، تخرج إلى التنعيم من ميقات عائشة أم المؤمنين، لأن هذا هو حدود الحرم، لما عائشة حاضت رضي الله عنها وما اعتمرت في الحج بكت وقالت: ( يا رسول الله! الناس يعودون بحج وعمرة، وأنا أعود بحج فقط؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأخيها
إذاً أقول: إذا أنت أردت أن تعتمر عن ميت فلا بأس، تخرج إلى التنعيم.
مسألة ثانية: الذين دخلوا مكة الآن، قبل الآن يعني أمس وقبل أمس، وأرادوا أن يعتمروا في رمضان ما استطاعوا، دخلوا في شعبان ماذا يصنعون؟ ينبغي أن يخرجوا إلى التنعيم، ويحرمون بعمرة في رمضان؛ لأن عمرة في رمضان كحجة في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا وموعدنا غداً إن شاء الله، وصلّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر