ولقد كان حكم الشريعة الإسلامية في مرتكبي هذه الجريمة أن يقتل الفاعل والمفعول به.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل.
عباد الله: جاء في القرآن الكريم ذكر أمة من الأمم لها فعلٌ وخيمٌ لم تسبق إلى مثله، إن تلك الأمة جاءت بعارٍ شنيع فعُيرت بذلك الفعل الوخيم، وعذبت به عذاباً سُطِّر خبره في كتاب الله عز وجل؛ ليكون تحذيراً للأمة الإسلامية؛ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما تلك الأمة التي فعلت تلك الجريمة الشنعاء، التي يقشعر من ذكر جريمتها الجلد، ويندى لها الجبين؟
إنهم قوم لوط؛ الذين أخبر الله عنهم في كتابه المبين حيث قال: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف:80] فهي فاحشةٌ عظيمةٌ ووخيمةٌ، كيف لا؟! والله يذكرها في مواضعٍ من كتابه بذكر وتصريح فتشمئز منها القلوب، وتنفر عنها الطباع أشد نفرة، ألا وهو إتيان الرجل رجلاً مثله! فيقول الله جلَّ وعلا: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف:81] والإسراف هو: مجاوزة الحد، ثم وصف الله جل وعلا تلك الأمة بوصفين في غاية القبح، فقال جل وعلا: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [الأنبياء:74] وسماهم مفسدين، وسماهم ظالمين، والآيات فيهم في كتاب الله كثيرة معلومة.
عباد الله! إنه ليس في المعاصي مفسدةٌ أعظم من مفسدة اللواط، فهي كبيرةٌ عظيمةٌ وفاحشةٌ شنعاء، وهي التي تلي مفسدة الكفر، ولم يبتلِ الله بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، فلهذا عاقبهم الله عقوبة لم يعاقب بها أمةً غيرهم.
وروى الطبراني والبيهقي: {أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخطه، قلت: يا رسول الله! من هم؟ قال: المتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، والذي يأتي البهيمة، واللوطي}.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن اللوطي إذا مات من غير توبة، مسخ في قبره خنزيراً]] لذلك حرّم كثيرٌ من العلماء الخلوة بالأمرد في نحو بيتٍ ودكان، وما ذاك إلا لخوف الوقوع في هذه الفاحشة العظمى.
وورد في الحديث القدسي: {النظر سهمٌ مسموم من سهام إبليس من تركه مخافتي؛ أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه} ولما كانت الخلوة بالأمرد من الأسباب الداعية إلى الوصول إلى تلك الجريمة الشنعاء؛ حرمه العلماء، وهذا سفيان الثوري رحمة الله عليه لما دخل عليه في الحمام صبي حسن الوجه، قال: أخرجوه عني فإني أرى مع كل امرأةٍ شيطاناً، ومع كل صبي بضعة عشر شيطاناً.
فهؤلاء هم أرباب القلوب الحية، الخائفون أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها.
أيها المسلمون: إن جريمة اللواط جريمة شنعاء وفاحشةٌ عظيمةٌ، ولذلك اختلف في كيفية قتل هذا المجرم الذي عَمِلَ عَمَل قوم لوط، فروي عن الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أنه أحرق رجلاً يعمل عمل قوم لوط بعدما استشار من اجتمع عنده من الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك أحرق بالنار من عمل عمل قوم لوط ابن الزبير رضي الله عنه وأرضاه، وهشام بن الوليد ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[يرمى من أعلى شاهقٍ في البلد منكساً، ثم يتبع بالحجارة]].
فهذا رب العالمين يحث المسرفين على التوبة، ويدعو العصاة إلى أن يطرقوا باب الكريم الرحيم التواب: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله [الزمر:53] ارجعوا إلى الله، وتوبوا وأنيبوا إليه ما دمتم في وقت الإمكان قبل أن ينزل هادم اللذات ومفرق الجماعات، فتقول نفس: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56].
اللهم ارزقنا توبةً نصوحاً تطهر بها قلوبنا وتمحي بها ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا من أسباب سخطه وعقابه، وخذوا على أيدي سفهائكم وأطروهم على الحق أطراً، وحذروهم من فاحشة اللواط، وحذروهم من الجريمة الشنعاء التي تشمئز منها القلوب، وتقشعر منها الجلود، وأعلموهم أن أهلها ومتعاطيها على خطرٍ عظيمٍ من عذاب الله عز وجل العاجل والآجل؛ كما أخبر الله تبارك وتعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [هود:82] أي: مطبوق: مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].
قال قتادة وعكرمة رحمهما الله: يعني ظالمي هذه الأمة، وما هذا العذاب من ظالمي هذه الأمة ببعيد.
فهؤلاء قوم لوط ما أجار الله منهم ظالماً، بل جعلهم آيةً للعالمين، وموعظةً للمتقين، وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارهم في طريق السالكين، وأمر جبريل عليه السلام فأدخل جناحه تحت منازلهم فاقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب، ثم جعل عاليها سافلها وأمطرت عليهم حجارةٌ من سجيل، وكانت تلك القرى فيما ذكر أربع قرى، وقيل: خمس فيها أربعمائة ألف، وما يعجز الله من شيء، فقلبها عليهم وما يتبعها من الضواحي فنسأل الله العفو والعافية.
ويروى في الحديث: (لا تذهب الليالي والأيام حتى تستحل هذه الأمة أدبار الرجال كما استحلوا أدبار النساء، وتصيب طوائف من هذه الأمة حجارةٌ من ربك) فلما عتوا وتمردوا واستمروا على العمل الخبيث، أخذهم أمر الله وهم نائمون، وجاءهم بأسهم وهم في سكرتهم يعمهون، فما أغنى عنهم ما يكسبون.
تقلبوا على تلك اللذات طويلاً، فأصبحوا بها يعذبون، ورتعوا مرتعاً وخيماً، فأعقبهم عذاباً أليماً، فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم، وبكوا على ما أسلفوه، فجرت دموع الدم، ويقال لهم وهم إلى العذاب يسحبون: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر:24].. اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:16].. وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
فاتقوا الله -عباد الله-: واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون، وتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون، وخذوا على أيدي السفهاء وذودوهم عن مراكع الهلكة، فإنكم عنهم مسئولون أمام الله عز وجل: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وصلوا على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله؛ امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاةً؛ صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ وسلم على من بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن جميع أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اقمع أهل الشر والفساد والعناد الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم اقمعهم، اللهم اكبتهم، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، وما يئوون إليه من الفساد واجعل دائرة السوء عليهم يا رب العالمين! اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين!
اللهم جنبنا وإياهم جميع المنكرات، وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين!
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين -يا رب العالمين- غير ضالين، ولا مضلين، ولا مفتونين، ولا مغيرين، ولا مبدلين يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوفٌ رحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر