أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد اختار الأبناء هذا العنوان: دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة.
أولاً: كلمة (دولة) تفيد وتعلن وتقرر بأنها تدول، وفي القرآن الكريم: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، وما سميت دولة إلا لأنها تدول وتزول والبقاء لله.
أما الظلم فالظلم حقيقته: وضع الشيء في غير موضعه، فمن جاء يبني داراً أو يغرس بستاناً إذا لم يضع كل شيء في مكانه اللائق به، فقدم وأخر، ورفع ووضع فبناؤه سينهار، ولا تطول مدته، وغرسه سوف ييبس ولا يثمر ولا ينتج؛ لأن العدل يقابل الميل والانحراف.
فالدولة إذا أقيمت على أسس قضى الله تعالى أن لا تبنى عليها فهي قطعاً زائلة زائلة، وساعتها سوف تنتهي بدقائقها ولحظاتها وثوانيها.
فالدولة العظمى: دولة روسيا، وقد ظلت تحت جناحيها وكلكلها جمهوريات عدة زالت وسقطت وبادت وانتهت، وكيف تم ذلك؟
تم بتدبير العلي العظيم، العزيز الحكيم، الله رب السماوات والأرضين، وإن كان هناك سبب ظاهر فهو هزيمتها على أيدي أولئك الضعفة المساكين، أصحاب اللحى الضاربة إلى الصدور، والعمائم التي كالقفاف على الرءوس، هذا النوع من الناس كان المخدوعون يظنونه لا شيء، لا قيمة له ولا وزن، فكيف يقاتل وينتصر؟ ويدلك لذلك أنا حلقنا وجوهنا وأعرينا رءوسنا؛ ظانين أن التخلف والتأخر والانهزامية جاءتنا من طريق التمسك بمبادئ دين قديم كرهوه لنا وسموه بالرجعية، ويأبى الله إلا أن يرينا آياته؛ ليقيم الحجة علينا، وليس هذا من باب إكرامنا وإسعادنا، بل هو من باب إيقاظنا وتحريكنا، علنا نستقيم فتستقيم الحياة لنا.
فهزم الله روسيا: الدب الأحمر، روسيا البيضاء، ولم يشأ الله أن تخفي هزيمتها أو تستر عورتها، بل أنطقها الجبار الذي أنطق كل شيء، ففي المحافل الصغرى كالكبرى وداخل ديارها كخارجها أعلنت عن هزيمتها، وقد عهدناها في مناطق شتى جماعات تنتسب إليها تأبى أن تعترف بالهزيمة، وتقاتل عشرات السنين لئلا ينهزم الحزب الشيوعي، وشاء الله أن ينهزم، ومن ثم لم تدم هذه الدولة الطويلة العريضة التي تحدت السماء والأرض، لم يزد عمرها على الخمسة والسبعين سنة، كيف ذلك؟ ولماذا لم تدم؟
التعليل الحكيم: أنها لم تقم على العدل، ووالله ما قامت على العدل، وما قامت إلا لحرب العدل وتحويله إلى اللاعدل، فأرانا الله هذه الآية.
الآن أصبحنا أمام عدو موحد، كان العدو الآخر يشغله، كان يميل إلينا هذا ويستهوينا ذاك لنكون معه، فكانت فرصة لإحياء الإسلام والمسلمين، كانت فرصة ذهبية لأن تظهر القوة الثالثة التي يورثها الله تعالى بهذا الوعد الصادق، إذ قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، كتب هذا في كتاب المقادير أولاً، ثم في كتبه الإلهية ومنها القرآن العظيم، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].
إذاً: الآن فلتتهيأ أمة الإسلام، لقد ضاعت الفرصة وكانت متاحة، وما عرفت الأمة كيف تستغل الظرف، وتأخذ من فضل الله، فقد أعمتها الدنيا، أصمتها الحياة، غرتها مظاهر الحضارة، مظاهر التقدم التي تتغنى به، وضاعت الفرصة، من يأتينا الآن بدولة كروسيا تواجه الصليبية وتفزعها حتى تضطر هذه إلى أن تتملقنا، وتضطر تلك إلى أن تطلب ودنا، إذا شاء الله أن يوجد سيوجد، ولكن أين أسباب ذلك وعوامله؟
أما إذا اجتمعت كلمة المسلمين ومشوا في طريق الحق والعدل والخير، فإن العاقبة لهم والجولة الأخيرة هم مالكوها ووارثوها، وهذا وعد الله الصادق.
إذاً: أمامنا خياران: إما أن نستقيم على منهج الله، أن نقيم دولتنا على العدل، وكلمة العدل ليست بالقليلة المعاني، ولا بالضيقة الميادين، اعلموا أنها أول ما تتناول أن يعبد الله وحده، لا تعبد أهواء ولا شهوات، لا قبور ولا أشجار ولا أحجار، لا ملائكة ولا رسل، وإنما يعبد الله وحده، أي: لا يذل، ولا يخضع، ولا يطاع ظاهراً وباطناً إلا الواحد القهار، وعبادة لغير الله، وميل بالقلوب إلى غير الله خوفاً ورغبة ورهبة لا عدل فيها، بل هي الحيف والجور والظلم، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [النحل:90].
لا تقولوا: يتشاءم، قد قالها من قبلكم: هذا خيال وتشاؤم، أين الأندلس جنة العرب الخضراء؟ كانت تفيض بالعلوم والمعارف، كانت تفيض بالأبطال والشجاعات، كانت تفيض بالعسل، نسخت أو لم تنسخ؟ نسخت.
غورباتشوف في عدد اليوم يقول الكاتب: صرح غير ما مرة بأنه صليبي ضد الإسلام، فأبشروا، ومعنى هذا أن القوة أصبحت في أيدي الصليبية، أول ضحية أن تلك الجاليات المؤمنة المسلمة سوف تمسح من تلك الديار، ويرمى بها كغثاء في البحر، لأننا أضعناها فرصة، لو كان رأينا واحداً وكلمتنا واحدة لكانت الآن أوروبا غشاها نور الإسلام وغطاها، وأصبحت دار أمن وأمان بالإيمان والمسلمين، لكن ضيعناها وما قدمنا شيئاً، آه وهل ينفع التأوه يا عباد الله؟ لا بأس أن تبكوا أو تحزنوا، الدار دار بكاء ودار حزن ليست دار فرح.
ماذا تصنع الآن الصليبية معنا؟ إن لم نوال الله، إن لم نَصلح ونُصلح فسوف نواجه بالصليبية الحاقدة التي منذ أن تكون الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية وهم يرتعدون من كلمة: إسلام ويخافونها، ويجاملون فقط، وقد كشف النقاب وأزيح الستار وعرفناهم يتتبعون القضية الإسلامية والحركات الإسلامية في كل دار من ديار المسلمين ولا يريدونها أن تبرز إلى الوجود؛ حتى لا يتعكر ذاك الصفاء المادي الذي يعيشونه.
معشر المستمعين! ماذا يصنعون؟ إما أن يمنعوا معوناتهم ابتلاء لنا وامتحاناً، إذ لم يبق لنا مجال آخر سواهم، وقد ضاعت الفرصة، والعرب والمسلمون لا يصنعون إبرة، فسوف يمنعون معوناتهم ويكفون أيديهم ويساوموننا، فماذا نعطيهم؟ نعطيهم ما يريدون سوى قلوبنا، الذي يمدونه يسلبونه ما عنده من نور ويتركونه في الظلام، أو يغرقوننا في العطايا والديون ثم يطالبوننا: سددوا أو نتصرف، فيعدّون أنفسهم ليحكمونا -كما كانوا- من أندونيسيا شرقاً إلى الدار البيضاء غرباً، أحببنا أم كرهنا، كيف يكون هذا يا شيخ؟ اتق الله، أما كان قبل الآن؟ أما سادونا وحكمونا وساسونا واستعمرونا من أندونيسيا إلى المغرب، أي برهان تطلب يا عبد الله؟ الشواهد قائمة.
وإذا حكمونا مرة أخرى مسخونا، لن تسود إلا لغتهم، ولن يظهر إلا زيهم، ولن يفكر إلا بتفكيرهم وعقولهم، وهبطنا إلى الأرض.
يا معشر المستمعين! خطر ونستحقه ونحن له أهل؛ لما أضعنا وضيعنا، فالمسلمون يتطاحنون، يتناحرون، يستخف بعضهم ببعض ويتلاعنون، لا حب ولا صدق ولا ولاء، لا إله إلا الله! ما أسوأ منظرنا عند الناظرين بجد وحق، وأذكر مثالاً حياً:
إخواننا في جنوب السودان يلاقون الأمرين، ويكابدون الغصص والألم والأتعاب، ما استطاع العرب والمسلمون أن يطفئوا تلك الجمرة، مع أنهم ببولهم فقط يستطيعون إطفاءها، فما الذي صرفنا؟ من منعنا؟
أين قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]؟ أين قوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )؟ أين قوله: ( المسلم أخو المسلم )؟ عرى انحلت.
يوم آخر: أيها المسلمون قوت يوم يجمع في ذلك اليوم، هيا بنا نصوم يوم الخميس وغداء يوم الخميس وفطوره يجمع بأمان من كل بيت، ويوزع على فقراء المسلمين.
إذا قلنا: من اليوم لا يتخلف مؤمن عن صلاة فرضها الله وحدد ميعادها لمقابلته واللقاء معه، فإذا أذن المؤذن في ديار الإسلام ترى الأمة زاحفة إلى بيوت الرب بمظاهرة لم تعرف الدنيا لها نظيراً، خمس مرات تهتز الدنيا وتضطرب، ويبدأ العدو يتراجع في كتاباته.
لم لا يتم هذا ونحن المسلمون المؤمنون؟ وإن كان هناك ظلام، وإن كان هناك زيغ في القلوب، فإن صيحة واحدة تحرك الإيمان وتزيده، إذ الإيمان كامن في نفوس المؤمنين، متى حرك تحرك واندفع، طاقة كامنة فقط، وإذا لم نلجأ إلى الله فدولة الغرب إما أن تستعمر فتمسخ، بأن تبقي الأجسام والهياكل والأسماء لا تبدلها، لكن أنوار الإيمان تنطفئ، وإما أن تفاوضنا على أن نتخلى بأنفسنا عن ديننا، وتنتشر الخلاعة والدعارة، وينتشر السكر والعهر والباطل والشر، ونصبح نساق كما يريدون، وفقدنا وجودنا وحياتنا، وليس بعيداً أن يساعدوا اليهود على تحقيق حلمهم وهم يتفرجون، دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، لعلهم يتخذونها تجربة فقط ليشاهدوا كيف يتحقق حلم اليهود، من ينصرنا؟ من لنا؟ لا أحد إلا الله، وقد عاديناه، فمن لنا؟
أمة الإسلام أمة واحدة، إذا بكى أو صاح من في أقصى الشرق بكى معه وصاح من في أقصى الغرب، وما بعدنا أبداً عن كلمة: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ثم نأخذ في تطبيق هذه الشريعة، وتدفق أنوارها في ربوع العالم الإسلامي، والظلام يرحل، وما هي إلا فترة وجيزة وإذا نساؤنا كرجالنا، الكل ولي لله، إذا سأله أعطاه، وإذا استعاذه أعاذه، وإذا استنصره نصره.
معشر المستمعين! ولاية الله فيم تتحقق؟ اسمعوا وبلغوا، والله ما لنا إلا الله، فهيا نجدد العهد لولايته، تلك الولاية التي تتمثل في الإيمان، حيث لم يبق في قلوبنا هواجس ولا خواطر باطل ولا وسواس شيطان، إيمان ناصع مشرق، طاقة تدفعنا إلى حيث يرضى الله، إيمان نعرضه على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوى تتمثل في النهوض بالواجبات والتكاليف التي كلفنا الله تعالى بها في كتابه وعلى لسان رسوله، تتمثل في اجتناب ما نهى الله عنه وحرمه وتوعد عليه من كل سوء وباطل، حتى الخلق الفاسد، بهذا تتحقق الولاية، ويوم تثبت ولاية الله لنا سوف يهدينا إلى سبل نجاتنا، سوف يمدنا بإمدادات لا يستطيع البشر أن يصلوا إلى مستواها أو يعرفوا حتى مصدرها وقيمتها.
معاشر المستمعين! وإذا لم نتلاءم ولم نجتمع وبقي ما كتب علينا من الفرقة والخلاف فماذا نقول؟ نلجأ إلى كلمة نرددها: النجاة النجاة.
فيا عبد الله! ويا أمة الله! اطلبي النجاة لنفسك، فإن لله عز وجل عهداً وميثاقاً في قوله: ( من آذى لي ولياً آذنته بالحرب )، فليطلب كل فرد منا النجاة بنفسه إن عز علينا أن نطلبها للعالم الإسلامي، فديارنا هذه تظللها راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ليس من العسير ولا من الصعب أبداً أن تبرز قوة ثانية في العالم على صغر حجمها وقلة عددها إذا نحن استقمنا استقامة يرضاها ربنا، إذا نحن ذبنا في نور لا إله إلا الله فسوف تظهر القوة التي تخضع العالم الهابط الساقط من هذه الديار، من هذا المركز الإشعاعي؛ لأن تلك الدولة التي تحدثنا عنها: دولة الصليبية ما قامت على عدل ولا تعرف العدل، وليست هي بأهل له، سوف تقوم على الظلم وأفظعه، ولن تكون إذاً دولتها إلا دولة ساعة، وليست دولة تبقى إلى قيام الساعة، الذي يبقى إلى قيام الساعة دولة العدل، دولة القرآن، دولة الإسلام.
حسبنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعدون على رءوس الأصابع، ما كانوا أمة كأمتنا بمئات آلافها وملايينها، فكيف استطاعوا في ظرف خمس وعشرين سنة فقط يمشون بسمت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؟ استطاعوا ذلك بولاية الله؛ لأنهم أعطوا الله قلوبهم ووجوههم، وأسلموا له كل شيء.
يا معاشر المستمعين! إننا في مكان آمن وسليم وسالم، فلنغض عن هذه الزخارف، ولنقبل بجد على عبادة الله وطاعته؛ لتعود إلينا تلك الشخصية الإيمانية الإسلامية، وإنا بفضل الله تعالى لقادرون أن نهزم دولة الظلم ولا تهزمنا، فقط عودة صادقة، فكل ما تسربه إلينا من دعايات باطلة نلفظها، كل ما يقدم إلينا من هذه السموم التي تسمم العقول والأفكار نرفضها ونعلو فوقها ونتجاوزها، ونستعد للجوع إن جعنا، وللظمأ إن ظمئنا، ولكن في سبيل أن يبقى علم لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولن تمزقه أيدي الصليبية ولا اليهودية ولا البلشفية إن عادت أو بقي فيها عضو يتحرك.
معشر المستمعين! ماذا عساي أن أقول؟ فليستقم شبابنا، وليستقم رجالنا وكهولنا ونساؤنا وأطفالنا، نرفع أصواتنا بكلمة لا إله إلا الله، ولنستقم على منهج الله أولاً، لم يبق لنا مجال للغو ولا للهو ولا للباطل ولا للترف، نملأ بيوتنا بذكر الله وتلاوة كتابه، كل في مجاله ينتج ويثمر، الكاتب كاتب، والزارع زارع، والصانع صانع، والكلمة واحدة، والقلب واحد، والجهة واحدة، نجتمع في بيوت الله كل ليلة، أهل كل حي كأهل كل قرية يجتمعون ويبكون بين يدي الله يتضرعون ويسألون، فيتزودون كل ليلة بطاقات جديدة من الإيمان وهو القوة الدافعة، وإذا تجلى النهار ودخلنا فيه أرينا الله عز وجل كيف نعمل؟ لا كسل ولا بطالة ولا لهو، ولكن جد وصدق، فمتى رآنا الله قد أقبلنا عليه أقبل علينا، وجعل عسرنا يسراً، وجعل لنا من كل ضيق فرجاً ومخرجاً، وتولانا، ومن تولاه الله فلن يذل ولن يقهر بحال من الأحوال.
نعم، إخواننا في الشرق والغرب شبه أموات، ولكن نحن أحياء، فلم لا تتجلى هذه الحياة فيما نريده من أننا أولياء الله، نستقيم على منهجه، ضراعة لله عز وجل لتتحقق ولايته لنا، ولنسلم من الخطر الداهم الذي يتوقع لنا، ولا نبغي السلام فقط، نبغي إنقاذ العالم، وإن ذلك لسهل ميسور، أود لو أن كتابنا يكتبون اليوم رسائل تترجم إلى اللغات الحية -كما يقولون- يظهرون فيها محاسن الإسلام ويدعون فيه أوروبا وأمريكا واليابان والصين والروس إلى الإسلام، فالفرصة متاحة، والجو خال، والبشرية تتململ حيرى، إلا أن أعداء الإسلام يتآمرون ويتجمعون، هيا نفوت الفرصة عليهم، فلو رفعنا أصواتنا بالإسلام وحققناه قولاً وعملاً واعتقاداً، وأريناهم: انظروا الأمن والإخاء والمودة، والصدق والحب والطهر والصفاء، تريدون الإسلام؟ عرجوا على ديارنا، وشاهدوا حقائق الإسلام، لا بؤس ولا شقاء، لا فساد ولا شر ولا عداء، ولكن أمة متعلقة بالسماء، فسوف يبهرهم ذلك المنظر، ويتحقق مراد الله في قوله: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، سيدخل هذا الدين الإسلامي كل بيت مدراً كان أو وبراً، وسوف يبلغ ما طلعت الشمس وغربت، وهذا كائن، ولعل هذه الأيام هي الفرصة الذهبية.
سقطت البلشفية الشيوعية، الغرب يزحف ويتكتل، هيا بنا نحن نريهم حقيقة الإيمان والإسلام، فليتحرك الكتَّاب والعلماء والمفكرون، وليرفعوا أصواتهم: الإسلام هو المنقذ، الإسلام هو الطريق، الإسلام هو هداية البشرية، وليس غير الإسلام، جربتم البلشفية، جربتم الماسونية، جربتم الصليبية، انتهى كل شيء إلى وبال ودمار، هيا بنا إلى الإسلام.
وعلى سبيل المثال، وبالمثال يتضح المقال: الملك عبد العزيز تغمده الله برحمته جاء الله به ليري البشرية آية كما أرانا آيته الآن في الأفغان، في الوقت الذي لصقت أمة الإسلام بالأرض، لم تبق لها عقيدة ولم يبق لها نور، وداسها الغرب والشرق، وأصبحت تعيش تحت كلكل الاستعمار، وأيست من أن تعود للإسلام دولة أو ترفع له راية، أو يطبق شرعه أو يعلن عن أحكامه، أيس الشرق والغرب، وغنوا وفرحوا وقالوا: انتهينا من هذا الغول، أي: الإسلام.
رجل واحد بمجموعة من فحوله ورجاله، استطاعوا أن يوجدوا دولة في خضم الموت الذي انتظم العالم الإسلامي، ترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتقيم حدود الله، فتأمن هذه البلاد، بل يسير الراكب من شرق الجزيرة إلى غربها لا يخاف إلا الله، كما أخبر بذلك رسول الله، ويتجلى فيها طهر وصفاء لم تعرفه الدنيا إلا في العصور الزاهرة في القرون الثلاثة المفضلة، وأين الطاقات؟ وأين الرجال؟ شيء لا يكاد يذكر، أليست هذه آية؟
فنحن اليوم أعظم شأناً وقدراً من أيام الملك عبد العزيز ، فلو نستقيم ونتعاون حكومة وشعباً، ذكوراً وإناثاً، والله ليفتح الله أمامنا سبل النصر، ونخرج من هذه الديار فاتحين أيضاً، رافعين راية لا إله إلا الله في كل مكان، وإن لم نقو على ذلك فإننا نقوى بإذن الله على إبقاء هذا النور لا ينطفئ، ولتسخط اليهودية، ولتبك الصليبية كما شاءت، ولن يمكنهم الله عز وجل من ديار الإيمان والإسلام إذا نحن أردنا ذلك، أما إذا تلهينا عن ذكر الله، واشتغلنا بالدنيا والأغاني والأكل والشرب والتنافس، والطلوع والهبوط، فإنها فترة نائم ويستيقظ، وإذا بكل شيء تغير أمامه، إنها سنن الله.
نعم، دولة العدل تدوم، ودولة الظلم لا تدوم، قال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل:52]، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، ليس من سنة الله أن أمة مستقيمة على منهجه يسلط عليها عدواً من أعدائه، أو يبتليها ببلاء لا تطيقه، حاشا هذا أن يكون لله، وهو أرحم الراحمين، وأعدل العادلين!
إذاً: وأكرر يا أبنائي! هيا نستفيق وننظر في أحوالنا ونبدأ بقلوبنا، هل أسلمنا قلوبنا لله؟ ننظر في أسرنا وأفراد عائلاتنا، هل البيت كله ذكر واستقامة، أو فيه نوم ولهو ولعب؟ هل صدقت ألسنتنا فما أصبحنا نعرف الكذب، ولا قول الزور؟ هل طهرنا حقيقة؟ هل تحاببنا؟ هل تآخينا؟ هل تعاونا؟ هل كنا كما أراد الله لنا؟ نتساءل قبل أن تفوت الفرصة، ولا تقولوا كما قلت لكم: هذا تشاؤم، لا والله، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].
فمن هنا أقول للمؤمنين في كل مكان: إن أردتم الأمان الإلهي فقووا جانب الصلاح والصالحين، يا معشر المسئولين من حكام وعلماء وآباء وأمهات! أكثروا من الصالحين والصالحات فذلكم الأمان، كيف نكثر الصالحين والصالحات؟ من باب إيقاظهم.. تحريكهم.. دفعهم.. حثهم.. وعظهم.. إرشادهم.. مساعدتهم، كل يوم يستقيم في أسرنا من كان بالأمس معوجاً، لا نشعر إلا وثلاثة أرباع ديارنا نور يتلألأ، وحينئذ يحصل الأمن والأمان بوعد الله الصادق، اذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان هناك عواصف وغبار وريح شديد، فصار يدخل ويخرج ويضرب كفيه ويقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب، فقالت أم المؤمنين
فمن هنا على من أراد النجاة من الهلاك أن يكثر الصالحين في دياره، من الجائز أن يكون غيرنا عاجزاً، أما نحن فقادرون، الحكومة معنا تشجعنا وتدعونا وتطالبنا بالدعوة والإرشاد والتوجيه، إذاً فما المانع؟ هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة، لمَ لا نقف معها؟ لم نخزيها ونخذلها؟ كما هو واقعنا، عرفنا تيار الباطل وميازيب الشر التي تصب فلنهجرها هجراً كاملاً ولا نلتفت إليها، وما ضاع حق وراءه طالب، فلنستقم قبل أن تفوت الفرصة، فليكثر الصالحون، كثروا الصالحين في بيوتكم وفي أي مكان تكونون فيه.
والحمد لله هناك ظاهرة غريبة، قبل خمس وعشرين سنة يجتمع مجموعة من الناس في منزل، فنجد أن الذين يدخنون أكثر ممن لا يدخنون بالضعفين، ومجلس آخر نجتمع فيه فنجد فيهم ملتحياً واحداً أو اثنين، بينما سبعون لا لحى لهم، قبل خمس وعشرين سنة نمشي في الطريق فمن بين عشرين سيارة نجد واحدة ليس صاحبها مغموراً في الأغاني إلى عنان السماء، نمر بالديار لا نكاد نمر ببيت إلا نسمع فيها الأغاني إلى عنان السماء، والآن تمر خمسون سيارة فلا تسمع الغناء في سيارة إلا نادراً، ولم نعد نسمع أغاني في بيت من بيوت المؤمنين إلا نادراً، ومعنى هذا: أننا نكثر والحمد لله؛ لكن لا بد من هذه الدعوة، لا بد من شد أزر الدعاة، لا بد من الوقوف إلى جنبهم، لا بد من طاعتهم والاستجابة لهم، إذ هذه آخر منزع ننزع إليه، أن يكثر الصالحون في ديارنا، فإنهم إذا قلوا صدق وعد الله فينا، وانتهت حياتنا التي نأمل أن نعيشها طائعين أعزاء مكرمين، ما المانع أن نتعاون على البر والتقوى، ولا نتعاون على الإثم والعدوان؟
والطريق أكرره: ما بين المغرب والعشاء يا عباد الله لا يكون لنا مجال ولا مكان نجتمع فيه إلا بيوت الله، اعرفوا هذه الحقيقة واذكروها، مثلاً: نحن الآن مجتمعون هل عصى ربنا واحد فينا؟ الجواب: لا، انتهت المعصية من المغرب إلى العشاء، أرأيتم لو كان أهل كل حي في مسجدهم، وأهل القرى كلهم في مساجدهم، فإنه يقل الشر، يقل الفساد، تقل الرغبة في الدنيا التي تحمل على القول الباطل والفعل الباطل، يتوفر الطعام والشراب، ولا نبقى خائفين نتألم، ماذا يصيبنا غداً؟
وإذا عجزنا أن نلتقي مع ربنا في بيته فنحن عن غير ذلك أعجز، ومع هذا لا بد من محاسبة النفس ومراقبتها، فلا بد وأن تعرض أخلاقك، تعرض نفسيتك، آدابك، أفكارك على الوحي الإلهي: هل أنت مؤمن؟ هل أنت ولي الله؟ كيف تنظر إلى إخوانك؟ لا حسد، لا كبر، لا حب تفوق، بل حب وإخاء ومودة وولاء، صفاء كامل، هذه عوامل بواسطتها يكثر الصالحون والصالحات.
معاشر المستمعين! أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يدخل العبد الجنة إلا إذا آمن، ثم قال: ( ولن تؤمنوا حتى تحابوا )، فعلق دخول الجنة على الحب لبعضنا بعضاً، لماذا؟
لأننا إذا تحاببنا تعاونا، وإذا لم نتحاب لم نتعاون، وإذا لم نتعاون فما أقمنا دين الله ولا استقمنا لله على منهاج، ثم أرشدنا إلى كيفية تحصيل الحب، أو ما هي مباديه، أبسط شيء قال: ( أفشوا السلام بينكم )، إذا لقيت أخاك أمامك فسلم عليه وابتسم، فلا تزال تسلم ويُسلم عليك حتى تصفو القلوب وتطهر.
وهناك عاملان لا ننساهما وهما: كف الأذى، إن لم تكف أذاك عن أخيك لن يحبك، إن لم تكف أذاك عن أخيك لن يودك، لابد من كف الأذى، أي: لا يؤذي بعضنا بعضاً لا بالقول ولا بالعمل، لا في ظاهر ولا باطن، وأذية المسلم حرام، والله يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، وإذا تركنا أذى بعضنا بعضاً فهل يبقى غش أو خديعة، أو فجور أو ظلم أو فساد؟ أين يقع، وكيف يتم وكل منا ملتزم بألا يؤذي أخاه المؤمن!
ثانياً: بعد كف الأذى لا بد من بذل الندى، من بذل الفضل، إذا جاءك أخوك الصادق بأخوته، المؤمن الحق في إيمانه وقال: محتاج إلى كذا، وعندك فضل، فإنك إن رددته لن يحبك، لأنك أغلقت باب الحب في وجهه، جائع وأنت شبعان والطعام متوفر ثم ترده خائباً، لن يحبك؛ فلهذا كان كف الأذى وبذل الفضل لا بد منهما لتحقيق الأخوة الإيمانية التي بها يتم التعاون على البر والتقوى.
فلنعرف هذا، وملتقيات المؤمنين والمؤمنات في بيوت الله كل ليلة يتعلمون الهدى، هذا هو سبيل الوصول إلى هذه الغاية.
والله أسأل أن يحقق لنا ولكم ذلك، إنه قدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الجواب: أما الرأسمالية فقد رفعت رأسها واتجهت نحوكم تريد إماتتكم.
أما دور الشاب المسلم كما قلت: الشاب والكهل والشيخ والمرأة والرجل والحاكم والمحكوم؛ الكل أول خطوة مطلوبة أن نستقيم، الشاب الذي لا يستقيم لا يستطيع أن يقوِّم، فإذا استقمنا على منهج الله وجدنا أنفسنا ملزمين بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ملزمين بأن نفعل الخير ونسابق فيه، ملزمين بأن نبذل الغالي والرخيص في نصرة ديننا وحمايته، فيا أيها الشاب المسلم! هذا هو طريقك، استقم كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، ( قل: آمنت بالله ثم استقم )، لا تمل يمنة ولا يسرة، تخلَّ عن هذه الشهوات والرغبات الفانية البائدة، وأكثر من تلاوة كتاب الله، وأكثر من صلاة الليل، وأكثر من بذل الطاقة البدنية في عملك الذي تعمله، إذا استقام كل شاب استقامت الشبيبة كلها.
الجواب: الرتب العسكرية على الظهر أو على الرأس من حرمها؟ آلله حرمها أم الرسول؟ هي خمر ...؟ ماذا فيها؟ ذهب؟ إذا كانت ذهباً نعم يجب أن تحول إلى فضة أو نحاس؛ لأن الفحل ما يتجمل بالذهب، الذهب حرام على فحولنا، أما إذا لم تكن ذهباً فلم تحرم؟ ما وجه التحريم؟
إلا إذا قلت: إننا قلدنا فيها الغرب فهذا بحث آخر، ولا علاقة له بالحرمة، نحن نطالب بالاستقلال في كل شيء، وشيئاً فشيئاً إذا استقمنا استقللنا.
الجواب: من صلى لعذر في بيته أو عمله إذا أذن المؤذن وكان يريد الصلاة فليصل، وإذا كان يسمع الأذان سماعاً كاملاً فمن السنة أن يحكي ما يقول المؤذن، فإذا فرغ صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا للرسول بالوسيلة والفضيلة ثم تنفل وصلى.
فإذا قال المؤذن: الله أكبر، فقد أعلن عن دخول الوقت، فالمرأة تصلي وكل واحد يصلي، ليس هناك مانع ولا حظر، فقط أهل المساجد لا بد أن ينتظروا إخوانهم، لأنه كيف تعلن عن الوقت ثم تدخل في الصلاة مباشرة؟ لأن المؤمن إذا سمع النداء قام من نومه أو عمله يتوضأ أو يغتسل، فلا بد من فرصة يغتسل فيها ويأتي المسجد، لكن الذين يصلون في البيوت كالنساء وأصحاب الأعمال إذا سمعوا الأذان فقد دخل الوقت فليصلوا إن شاءوا، والصلاة أول الوقت أفضل من آخره، والمرأة إذا أرادت أن تقيم سراً فلتقم، فهو ذكر لله عز وجل، وإذا لم تقم فلا شيء عليها.
الجواب: الموقف تجاه الصليبيين: أولاً: لا خمر تشرب في ديارنا، لا مسكر مطلقاً؛ لأننا لا بد وأن نفاصلهم.
ثانياً: لا نتعشق هيئاتهم، ولا نحمل أفكارهم، ولا نملأ قلوبنا بحبهم لأنه سيخرج حب الله والمؤمنين، لا نضعف ولا نهن، بل نقوى ونشتد ونظهر قوتنا في سلوكنا وأقوالنا وأعمالنا، نظهر العزة التي أكسبنا الله إياها: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]، أما إذا أصبحنا ذليلين تابعين نقدسهم ونحكي أفكارهم ونأكل أكلهم ونفتش خيوطهم أذابونا فيهم، وهذا هو مرادهم.
الجواب: إذا صلت قبل أن يؤذن المؤذن فمعناه: أنها صلت قبل دخول الوقت، فصلاتها باطلة بلا خلاف بين أهل العلم، ضرب الله مواعيد لعباده يلتقون معه في البيوت أو في أماكن طاهرة، فلا بد من حضورك عندما يدخل الوقت، فلهذا من صلى قبل الوقت فصلاته باطلة، ومن صلى بعد الوقت فقد يطرد ولا يقبل، دعوناك في وقت معين فما حضرت آثرت اللهو واللعب عياذاً بالله، ولكن نقول: صلِّ وتملق عسى الله أن يعفو عنك.
الجواب: أولاً: قوله: إني أحبك في الله، أقول: الذي يحب في الله فليبشر بأنه مؤمن، إذ لا يحب في الله إلا مؤمن، وأنا أغتبط بمن يقول هذا، الذي يحب لله فقط لا للجمال ولا للمال ولا القرابة والله إنه لمؤمن.
أما بالنسبة للشاب فالكلام الذي تكلمنا به وسمعتموه ذلك هو مبدأ الشاب، فعلى الشاب أن يقوى عقلياً وبدنياً وروحياً، ثلاث طاقات إذا ضعفت واحدة انهزم:
أولاً: لا بد أن يتمتع بحصافة عقل، يستنير بنور الوحي الإلهي: القرآن والسنة.
ثانياً: طاقة بدنية، الرياضة.. نظام الأكل.. نظام النوم، الاندفاع وراء العمل بدون كسل؛ حتى تبقى بنيته قوية ثابتة.
ثالثاً: قوة روحية، وهي أن يعيش مع الله يذكره في كل أحايينه، وحينئذ يعصم من أن تزين له الأهواء، أو يقول سوءاً أو يفعل باطلاً أو محرماً، هذه القوى الثلاث لا بد منها في الشاب الذي يدعم الحياة ويثبت فيها.
الجواب: أما الجند في أي مجال من مجالاتهم: بحرية، جوية، ميدانية، أرضية فهؤلاء مجاهدون أحببنا أم كرهنا، وهم مرابطون رباطاً حقيقياً، إذ يوم يدعوهم إمام المؤمنين سوف يندفعون، فما عليهم إلا أن ينووا نية الرباط والجهاد، ولازم هذا أن يستقيموا، إذ كيف ترابط في سبيل مولاك وتعصيه وتخرج عن طاعته؟ إن زلت قدمك مرة وسقطت انهض وأنت تعلو على الشيطان وتتفوق بكلمة: أستغفر الله.
وأما الذين يعملون موظفين في سلك الوظائف الحكومية، أو يعملون عمالاً في البناء والمصانع، أو يعملون تجاراً أو كناسين، كل من نوى بعمله التقوي به على عبادة الله ونشر دينه فهو يثاب على عمله، لا نقول: هو جهاد، ولكن نقول فيه: انقلب المباح إلى عبادة، إذا كان ينوي التقوي على عبادة الله فهو مأجور غير مأزور، وهكذا الباني والغاسل والتاجر، وهذا ليس من باب الشيء الفاضل، بل هذا واجب نحث عليه، فلا نأكل إلا لأجل الله، ولا نتزوج إلا من أجل الله، ولا نطلق إلا من أجل الله، ولا نعطي ولا نأخذ إلا من أجل الله؛ لأننا أولياء الله، نعيش في فلك طلب مرضاته.
فليس عندنا غفلة يأكل الواحد ولا يدري لماذا يأكل، يطلق ولا يدري لم طلق، يتزوج ولا يدري لم تزوج، اسأل أي أحد وإذا ما أجابك وقال: إنني لله، فما أصبح ولي الله.
الجواب: الصليبيون أولاً: لا نفتح قلوبنا لحبهم؛ لأن قلوبنا مشغولة: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4]، فالمؤمن لا يجتمع في قلبه حب الله وحب أعدائه.
ثانياً: لا نصرة لهم أبداً، فلا ننصر صليبياً على مسلم، وهذا معنى الولاء والبراء: الحب والنصرة، أما أن أسرق مال الصليبي أو أغشه أو أخدعه في معاملته وأذله وأهينه، هذا ما أمرنا به، إنما أمرنا بالإحسان لا بالإساءة، والمقصود بالبراءة فقط أنه لا ود ولا نصرة، وتبقى المعاملة، فالمسلم أحسن الخلق معاملة، وكما تحسن إلى المسلم تحسن إلى الذمي من اليهود والنصارى، وكما تحرم أموالنا تحرم أموالهم أيضاً، وكما يحرم ظلمنا يحرم ظلمهم أيضاً، احفظوا هذه المسألة، فقط لا تحب من لا يحبه ربك ولو كان أمك أو أباك، وليس فقط الصليبي، ولا تنصرهم على إخوانك المؤمنين والمسلمين، بل كن لهم لا عليهم، فمن نصر أعداء الله على أوليائه مزق صلته بربه، وهذا هو الذي حرمه الله.
الجواب: التميمة المراد بها العقيقة، وهي الشاة تذبح سابع الولادة، هذه الشاة السنة فيها أن تقسم ثلاثة أقسام: قسم للأسرة: الأم الوالدة وأولادها، وقسم للأقارب والجيران، وقسم للفقراء والمساكين، وليس هناك أمر ملزم في توزيعها بهذه الطريقة، وإن أعطاها للفقراء فلا بأس، وعليه ألا يحرم الفقراء منها ويأكلها في بيته، فإن فعل فإن السنة قد قامت ولكنه فقد أجراً كبيراً.
الجواب: نعم قلتها وما زلت، رأيته صلى الله عليه وسلم، لكن لتلك الرؤيا مغازي سامية، إذ أشار بيده الشريفة وقال: أبمثل هذا يبتغون العزة؟ ولعل بعض السامعين ما علم القصة.
لما يسر الله لنا الهجرة إلى ديار النبوة في أول سنة دخل رمضان وإذا بالثورة النجيبية والعرب في ذلك الوقت كانوا هابطين وراسخين تحت الاستعمار، فاعتزوا بعزة الثورة المصرية وأصبحوا يسمونها: بدلة نجيب، فيخيطون لأطفالهم الأحداث من الرابعة إلى العاشرة بدلة نجيب، وجاء العيد فيأتون إلى قبر الحبيب صلى الله عليه وسلم ومعهم أطفالهم وكأنهم نصارى: البرنيطة والبدلة، فأنا ما أطقت هذا المنظر فكربت وحزنت، لقد كنت في ديار ليست ديار إسلام ومع هذا كنا لا نفهم من شخص يلبس البرنيطة إلا إذا كان كافراً فقط، أما أن يكون هذا في مدينة الرسول! ويومها جيشنا بالعمائم الذهبية والعقل، ما أفاض بعد ذلك علينا الزعيم عبد الناصر .
فمرضت لهذا الوضع وأنكرته في الدرس، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال بنفسه: أبمثل هذا يبتغون العزة؟ هم أرادوا العزة، وظنوا أنهم إذا كانوا كاليهود والنصارى في لبساهم وكل شيء أنهم سوف ينتصرون، أسألكم بالله هل عز العرب؟ من ذاك اليوم يتلقون ضربات اليهود وهم يفعلون بهم العجب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنبك على أنفسنا.
الجواب: الحل أن ندعو الله تعالى أن يصرّف قلوبهم، اللهم إنا نسألك يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين أن تجمع قلوب الحاكمين في بلاد المسلمين على إيمان بك صادق وطاعة حقة، اللهم اجمع قلوبهم ووجوههم في يوم من الأيام ليعلنوا عن وحدة الإسلام والمسلمين والمؤمنين، اللهم آمين، اللهم آمين.
الجواب: احتفظي بذلك المبلغ بنية أنه إذا جاء صاحبه يوماً من الدهر فتعطيه إياه، فإذا مضت فترة وأيست من وجوده فتصدقي به عنه: هذه صدقة عن فلان صاحب المال، وتؤجري ويؤجر هو كذلك.
ولو كان الاتفاق على إيجار ستة أشهر لكنه ما جلس فيها إلا شهراً ثم خرج، فهو قد أضاع حقه، لكن المفروض أن تؤجرها نيابة عنه، لا تستغلها بل تؤجرها لشخص وذاك المبلغ تتصدق به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر