أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. اللهم آمين.
هذا هو [ النداء التاسع والأربعون ] وهو [ في بيان عوامل النصر في الجهاد، وهي طاعة الله والرسول ] صلى الله عليه وسلم [ وعدم النزاع، ولزوم الصبر والإخلاص لله ] تعالى.
وهيا بنا نتغنى بهذا النداء؛ علنا نحفظه، وحفظه ضروري ولازم، ولن نصبح علماء إذا لم نحفظ، فالحفظ نصف العلم، وقد قسم العلماء العلم إلى نصفين، نصفه فهم، والنصف الآخر حفظ، فمن جمع بين الحفظ والفهم سما، ومن فهم ولم يحفظ مثلي فهو ناقص، ومن لا يحفظ ولا يفهم فهذه حيوان. والحفظ مع الفهم هذا هو العلم، ومن يحفظ ولا يفهم يحصل على نصف العلم، ومن يفهم ولا يحفظ يحصل نصف العلم، وخيرنا من حفظ وفهم، وخير منه من علم ما علمه وعمل به وحفظه. والجائزة العظمى لهذا هي: أن يدعى في السماء عظيماً؛ إذ من علم وعمل بما علم وعلمه غيره دعي في السماء عظيماً. فعظماء الرجال ليسوا نابليون ولا ماركس ولا لينين ، وإخوانكم يتغنون بهذا، ويذكرون أسماء أخبث الخلق وشرهم، ويعتبرون هؤلاء هم العظماء، ولم يعلموا أن عظماء الرجال هم الذين يَعلَمون شرع الله ويعملون به، ويعلمون غيرهم، فهؤلاء يدعون في الملكوت الأعلى بين الملائكة - وليس بين البشر الهابطين- بأنهم عظماء الرجال. اللهم اجعلنا منهم. آمين.
وقد بدأنا نحفظ ونعلم ونعمل ونعلم، وعلموا أهل بيوتكم، وإذا علموا فهذا لا يكفي، بل انقلوا ما علمتم إلى غيركم، وإلى جيرانكم ورفقائكم في الطريق، ومن يجالسونكم في الصف الأول، فأعطوهم كلمة سمعتموها، وبذلك تكونوا قد بلغتم رسالتكم.
[ الآيات (45 ، 46 ، 47) من سورة الأنفال
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [الأنفال:45-47] ] وهذه الجملة الأخيرة تهديد للذين يخرجون للمباهاة والتعالي على الناس؛ رياء وكبراً وبطراً، وهؤلاء الذين خرجوا بهذه الصورة هم أبو سفيان ورجاله من مكة إلى بدر، فقد خرجوا بطراً ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، الذي هو الإسلام، فلا تكونوا مثلهم.
ولعلنا إن شاء الله نعاود قراءة هذه النداءات بعد أن نختمها؛ حتى يسهل حفظها علينا إن شاء الله، والآن نحن في منتصفها.
[ اعلم أيها القارئ الكريم! والمستمع المستفيد! ] وقد فرقنا بين السامع والمستمع البارحة، فالمستمع هو الذي أصغى بأذنيه يسمع؛ ليتعلم الهدى فيعمل فينجو فيفلح [ ولنعلم كلنا ] وليس السامع والقارئ فقط [ وكل مؤمن ومؤمنة أن هذا النداء الإلهي الكريم موجه إلى المؤمنين بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ] صلى الله عليه وسلم [ نبياً ورسولاً، وقد أذن لهم في قتال أعدائه الكافرين به وبلقائه وكتابه ورسوله ] فقال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39]. وهذا بعد نهي دام أربع عشرة سنة، وقد كان المسلمون يتحملون ولا يقتلون ولا يقاتلون، فأذن لهم لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، واستنارت البلاد وكثر المؤمنون والمجاهدون، فنزلت آية الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39] [ فكانت أول سرية غزت سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه ] فخرجت أول سرية يقودها عبد الله صهر نبينا، وهذا هو أخو زينب أم المؤمنين، وقد عرفتم أنه صهر النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمته أيضاً. وكانت هذه أول سرية.
وهذه الآية تعلمنا كيف نقاتل الكافرين والمشركين، وكيف ننتصر، ولو عرفها رجالنا لما احتاجوا إلى كليات الحرب، فهذه هي الكلية الحقيقية، ولا تشكوا في هذا، فسيدنا ومولانا نصح لنا، وبين لنا طرق الفوز والنصر على أعدائنا، وإن خالفنا النصائح والتوجيهات فوالله لن ننتصر، وأحلف على هذا. ولذلك لم ينتصر المسلمون على اليهود في فلسطين، مع أن نسبة اليهود إلى المسلمين واحد إلى مائة، وهذا يعني: أن مائة كاملة تنهزم أمام واحد، وقد انهزمت والله؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمر ربهم، ولم يمتثلوه، ولذلك فلن ينصرهم، ولن يغشهم، فالله لا يغش عباده، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولكنهم هم الذين رفضوا مبادئ النصر ومقوماته وأسبابه، وتجاهلوها، وعملوا العكس، ولذلك كلما اصطدموا مع اليهود هزموهم. وهذا صحيح. فهيا إذاً نفهم مراد الله من هذا النداء.
قال: [ وتأتي غزوة بدر الكبرى ] بعدها مباشرة [ وانفتح باب الجهاد اليومي على مصراعيه، وهم في حاجة إلى تعليم رباني ] إي: إلى تعليم الله [ وهداية إلهية، يعرفون بموجبها كيف يخوضون المعارك، وينتصرون بها ] فقد انفتح باب الجهاد، فينبغي أن نفتح كليات حربية؛ حتى يتعلموا. والله عز وجل في هذا النداء فقط علمهم كيف يقاتلون وينتصرون، فلا نحتاج إلى أن ننقطع في الكلية أربع سنين، بل اجلس اعمل في مزرعتك، وفي ليلة واحدة فقط تعرف. ولست واهماً في هذا.
أولا: الثبات في وجه العدو ] إذا التقينا وجهاً لوجه زاحفين بالدبابات أو على أرجلنا [ والصمود في القتال، حتى لكأن المجاهدين جبل شامخ لا يتحرك ] فيجب أن نكون كالجبل الذي لا يتحرك. فما أن يرى العدو هذا الثبات حتى ينهار [ دل على هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً [الأنفال:45] طائفة مقاتلة ] يعني: من الكفار. والمراد من الفئة: جماعة يفيء بعضهم إلى بعض، ويتكتلون ويتقوون [ فَاثْبُتُوا [الأنفال:45]، أي: في وجه تلك الطائفة الكافرة المقاتلة، ولا تفروا أبداً ] وقد سمعتم في النداء الذي قبل هذا أنه يحرم الانهزام، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16]. إلا في حالتين عرفناهما، أن يكون متحيزاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة. ولهذا الفرار يوم الزحف من كبائر الذنوب، فالذي يعطي العدو دبره ويهرب هذا توعده الله بمر العذاب، فقد قال تعالى: فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16].
وهنا يعلمنا مولانا وسيدنا وربنا وإلهنا كيف نخوض المعارك، فاحفظ هذا النداء، وافهم معناه فقط، ثم خذونا إلى أية معركة فلن ننهزم بإذن الله.
وقد ذكرت لكم الرواية التي رويناها عن الصالحين عن جيوش الدولة العثمانية أيام كانت تفتح شرق أوروبا، فقد كانوا يربطون المقاتل مع المدفع، فيقاتل ويقاتل حتى تنفد ذخيرته، ويبقى كالأسد، فيذبحون رقبته ويقتلونه، ولا يلين ولا يذل ولا ينكسر أبدا. وهذا أخذاً من قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15]. وجيوش العرب لم يتعلموا هذا، وما أظنهم قرءوا سورة الأنفال، بل يقرءون عجائب قتال أوروبا، وكيف كانت تزحف على المسلمين وتدمرهم، وهذا في أغلب الكليات الحربية، وأما القرآن هذا فلا يقرأ إلا على الموتى، ويقولون عن قراءته: هذه رجعية، ولو تقول: قال الله يقولون: اسكت. وقد كتب طالب أو أستاذ: بسم الله الرحمن الرحيم فدخل مشرف على الأستاذ وقال له: امح هذا، فسأله عن السبب، فقال: هذا رجعية وتخلف. وهذا في بلاد استقلت من الاستعمار. فافهموا هذا. ولهذا لا تعجبوا من الفتن والهبوط والسقوط، وانحرافنا وانحيازنا بعيداً عن جادة الحق والصواب، إلا من رحم الله.
والدليل والبرهنة على هذا: أن هذا يخلد في عذاب لا ينتهي أبداً، وتمر بليارات السنين ولا ينقضي؛ لأن جريمته ليست قتل إنسان أو تدمير قرية أو إسقاط كذا، بل جريمته أنه خرب الكائنات كلها، والتي من أجله خلقها الله.
وها هم عباد الله يخوضون المعركة والدماء تسيل، والأرواح تزهق، والرءوس تتطاير، وهم يذكرونه.
قال: [ وذكر وعده تعالى لأوليائه بالنصر و] ذكر [ وعيده لأعدائه بالهزيمة ] وهذا ذكر باللسان وبالقلب أيضاً، فإذا خضنا المعركة أثناء الزحف ذكرنا الله بألسنتنا مهللين مكبرين مسبحين داعين سائلين النصر، ضارعين إليه، ذاكرين وعده لأليائه بالنصر؛ حتى لا نفتر ونذهب منهزمين، ذاكرين وعده لنا بأن ينصرنا على أعدائنا؛ فيزيد هذا في قدراتنا المعنوية وطاقاتنا، ونصبح مصممين على أن يكون النصر لنا بإذن الله [ دل عليه ] أي: على هذا الذي سمعناه [ قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45] ] في قتالكم وتنتصرون وتفوزون [ أي: تفوزوا بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة والمذلة في الدنيا و] من [ النار وعذابها ] يوم القيامة [ في الآخرة ] فاعرفوا هذا. وقد كنا في بيشاور منذ سنوات في بداية الجهاد في الأفغان، وكان هناك شاب تونسي عجب، لا أدري أين ذهب، كان في فرنسا، ودرس في كليات الحرب عندهم، وكون جيشاً أو فصيلة في بيشاور وزحف بها إلى قتال الروس في بلاد الأفغان - وإياك أن يخطر ببالك أن الشيخ يكذب، انزع هذا، فهذه الأمراض فتكت بنا، فتجد أحدهم يسمع ويسخر، ويقول: الشيخ يكذب. وأنا أقول هذا لأننا عشنا هذا، وما زالت الأمة تهبط- فصف رجاله صفوفاً، ثم نطقوا بكلمة واحدة: الله أكبر، وكان نطقهم والله لأقوى من صوت الرعد، وكان صوتاً متزناً، لو سمعه اليهود والنصارى لصعقوا على الفور، واندهشنا، وكلامي ليس بشيء بجانبه. ولا إله إلا الله، فقد ارتعدت القلوب منه. ولما تكبر مثل هذه التكبيرة وتهجم على العدو والله لتحلل وزال وتبخر.
وأزيدكم صورة عاجلة: حدثنا رجالاتنا في جيشنا جيش هذه المملكة أنهم لما يخرجون على الجيوش الباطلة المهزومة قالوا: والله إنهم ليفرون ويهزمون. وهذا بسبب ذكر الله، والذي لا يذكر الله والله لا ينتصر إن قابل وقاتل من يذكر الله. ولهذا لو أن المؤمنين عرفوا الطريق إلى الله لما أذلهم من يذل، ولا هزمهم من يهزم. والدليل على ذلك: أنه في خمسة وعشرون سنة فقط وهم يركبون على الإبل وعلى الحمير أيضاً، ولا يوجد معهم بواخر ولا سفن، ولا غير ذلك وصلوا بالإسلام إلى ما وراء نهر السند وإلى الأندلس، وقد تم هذا في خمسة وعشرون سنة فقط، وهذا ليس سحراً، وإنما لأن إيمانهم كان غير إيماننا، وعلمهم ومعرفتهم كانا غير علمنا ومعارفنا. هذا هو السر. فهيا نرجع إليهم، ونسلك سبيلهم؛ حتى نكون مثلهم، بل قد نكون خيراً. ولكننا لا نستطيع، فنحن لا نستطيع أن نجتمع في بيوتنا أو في بيوت ربنا، ونبكي بين يديه كل ليلة طول العام؛ ليجدد العهد لنا، ويرفعنا بعد الضعة، وينصرنا بعد الهزيمة، ويوحدنا بعد الفرقة والخلاف. ونحن لا نرجع إليه؛ لأننا مستكبرين، ولسنا في حاجة إليه، هذا لسان الحال، فهو يقول: أنت تريد الأغنياء والأمراء والصالحون والضباط يجلسون في المسجد، ويبكون بين يدي الله، وأقول: نعم، فقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون ].
فقوله:
إذا هبت رياحك فاغتنمها
أي: عجل.
فإن لكل خافقة سكون
أي: تخفى وتسكن. وقد تقدم لنا هذا المعنى في النداءات في قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]. فإذا سنحت الفرصة وأصبحت قادراً على الخير فافعله؛ فإنك لا تدري فقد يقلب الله قلبك، فتصبح تكره المؤمنين وتكره الخير. فإذا هبت رياحك فاغتنمها، فإذا جاءت الأموال وربحت التجارة وارتفع راتبك فاغتنم الفرصة وأنفق في سبيل الله؛ خشية أن يزول هذا.
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون
وسكون جاءت هنا مرفوعة؛ لأن اسم إن محذوف، والأصل: فإنه أو فإنها لكل خافقة سكون، ففي الظاهر فيها لحن، ولكن الحقيقة ليس فيها لحن، بل اسم إن محذوف.
قال: [ ومن أراد فهم معنى الريح المفسرة بالقوة والنصر فليقف في طريق السيارات، أي: إلى جانب الطريق، ولينتظر حتى تمر به شاحنة مسرعة في جريها، فإنها تدفعه بريحها كعاصفة شديدة من الريح، ومن ثم يعرف معنى الريح في هذا النداء، وأنه القوة الدافعة للعدو؛ لأن المجاهدين إذا اتحدوا وصاروا صفاً واحداً وهجموا يوجد لهم قوة أعظم من ريح الشاحنة القوية، وهم في طريقهم إلى دفع العدو وكسره وتحطيم قوته ].
قال: [ أي: على مواصلة القتال بعد الإعداد له، وتوطين النفوس، وإعدادها في سبيل الله تعالى؛ لقوله تعالى: وَاصْبِرُوا [الأنفال:46] ] أيها المجاهدون! [ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] ] وإذا كان الله معهم فلن يهزمهم أحد إذاً، ولا يمكن أن ينهزموا والله معهم، وهذا ليس معقولاً. وأيما فئة تقاتل على علم ويقودها إمامها الرباني وتصبر فإن الله معها، وسينصرها على عدوها، فهذا وعد الله، ولا أحد أصدق من الله حديثاً.
قال: [ فلنذكر أيها القارئ الكريم! ] والمستمع المستفيد! [ أن هذه العوامل عوامل النصر، وهي أفعال وتروك ] والأفعال أي: افعل، والتروك أي: اترك، فالترك يجمع على تروك، وقوله: أفعال وتروك أي: أوامر ونواه، مثل قوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ [الأنفال:47]. فهذا نهي. ومثل قوله: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال:46]. هذا نهي. ومثل قوله: وَاصْبِرُوا [الأنفال:46]. هذا أمر. وهذه الأفعال والتروك [ قد تضمنتها الآيات الثلاث التي نادى الله عز وجل عباده المؤمنين من أجلها ] وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [الأنفال:45-47]. فقد هزمهم شر هزيمة؛ لأنه محيط بهم وبأعمالهم.
قال: [ فلنحفظ الآيات، ولنكرر قراءتها وقراءة معانيها؛ فنصبح بذلك أهلاً لقيادة الجيوش وخوض المعارك ] وهذا ليس بعيداً [ ولن يصل إلى مستوانا الرفيع قائد معارك، ولو درس في كليات الحرب في العالم الكافر الفاجر ] عشرين سنة أو أربعين. وهذا صحيح، ونحلف عليه، فوالله لو أن جيشاً من جيوش العرب أسلم أولاً قلبه ووجهه لله وقال: لأحررن فلسطين من اليهود؛ لأقيم فيها دولة القرآن فوالله العظيم لو اجتمع أهل الأرض كلهم لما هزموه، على شرط أن تكون له عدة، ويكون له رجال. ولكن لا أحد يفكر هذا التفكير. وأولاً: أقيموا الإسلام في بيوتكم أيها العرب! فها أنتم تطاردونهم وتبعدونهم كل ساعة، ثم تريدون بعد أن تقيموا إسلاماً في فلسطين! فليس معقولاً هذا الكلام. فلا إله إلا الله! وقولوا: آمنا بالله.
[ أولاً: الذكر أثناء الجهاد يكون سراً، إلا ما كان عند الهجمة الأولى، فإنه يكون برفع الصوت: الله أكبر! الله أكبر! ] حتى ينهزم العدو، وبعد ذلك يكون الذكر باللسان والقلب، ولا تنسى ذكر الله وأنت تطلق رصاصاتك، أو تطلق صواريخك؛ فإن نسيته هبطت. ويكون الذكر هكذا [ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب الصمت عند ثلاث: ) ] الأولى: [ ( عند تلاوة القرآن ) ] والثانية: [ ( وعند الزحف ) ] والثالثة: [ ( وعند الجنازة )] وفي غير بلادنا يقولون عند الجنازة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذه تهاويل، وعندنا كانوا يقولون: وحدوه. وكشفنا السر، وقلنا: معنى وحدوه: يعني: قولوا: لا إله إلا الله، كما يقولون في سوريا والعراق وبلاد المسلمين، وهؤلاء يقولون: نخاف من الوهابين إذا قلنا: لا إله إلا الله، فلا نستطيع، فالهيئة معنا تؤدبنا، فإذا قالوا: وحدوه لا يستجيبون، فالهيئة معهم، وهم يريدون من يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله بصوت يدوخ المدينة. وقد نهى الرسول عن هذا، ولكنهم لا يفهمون الرسول ولا سنته، فهم لم يدرسوا، ولا تعلموا. فافهموا هذا السر. فهم لما يقولون: وحدوه يعني: اذكروه بأصواتكم، ولا تخافوا من هؤلاء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. والرسول يقول: ( إن الله يحب الصمت عند ثلاث: منها عند الجنازة ). فاسكت وفكر وابك بدموعك، وادع للموتى؛ لأنك إذا رفعت صوتك فهذا يعني: أنك تغني وتفرح. ونحن لا نلمهم؛ لأنهم لم يتعلموا. فانظروا إلى أين وصلنا.
وقوله: ( عند تلاوة القرآن ) أي: إذا كان قارئ يقرأ فاسمع، ولا ترفع صوتك، ولا تتكلم.
قال: [ والذكر المأمور به في القتال يكون بالسر بالقلب واللسان؛ إذ صح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو يناجز قرنه ) ] والله أكبر! فالعبد الحق الصادق هو الذي يذكرني بقلبه وهو يناجز قرنه، والمناجزة هي: القتال بالمدفع أو بالسيف. فهو في تلك الحالة يذكر الله بقلبه، ولا يتركه [ أي: لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي ].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر