أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فهيا بنا نستمع إلى هذه الآيات وقد درسنا بعضها، وبعد ذلك نتدارسها إن شاء الله تعالى.
المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ * اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:1-4].
الأولى: لما كذب العرب بأن يكون هذا كتاب الله ووحيه أنزله على رسوله، كأنه يقول: إن هذا القرآن مركب من هذه الحروف، وهي من حروف لغتكم، فتفضلوا فأتوا بمثله أو بعشر سور أو سورة من مثله، مع أنه مركب من هذه الحروف، طسم [الشعراء:1]، ص [ص:1]، ق [ق:1]، ن [القلم:1]، الم [البقرة:1]، فعجزوا، فدل هذا على أنه كلام الله، وليس بكلام المخلوق.
ثانياً: لما كانوا يكرهون أن يسمعوه خشية أن يتسرب الإيمان إلى قلوب المواطنين، أصدروا أمرهم بمنع سماع القرآن، وكان هذا في مكة في بداية الدعوة الإسلامية، فأنزل الله تعالى هذه السور مفتتحة بهذه الحروف، وما عهدوا هذا النغم، ولا سمعوا بهذا الصوت المر [الرعد:1]، فإذا سمع القارئ يقرأ هكذا اضطر إلى أن يصغي ويستمع، فإذا أصغى واستمع يدخل النور في قلبه، ولنقرأ لذلك قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، إذا قرأ رسول الله أو حمزة أو أبو بكر في المسجد الحرام فصيحوا بأعلى أصواتكم حتى لا يفهم هذا الكلام؛ حفاظاً على عقيدتهم الباطلة.. على كفرهم وشركهم.
وقوله: وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [الرعد:1]، أي: هو الحق.
أولاً: الشياطين لا تريد للناس أن يسلموا قلوبهم لله، فينجوا من عذاب الله يوم القيامة.
ثانياً: حب الدنيا وإيثارها يحمل صاحبه على أن لا يقبل ديناً أبداً فيه التزهيد في هذه الدنيا.
ثالثاً: الشهوات والأطماع والمناصب يحافظ عليها أصحابها، فيعرض عليهم الإسلام فلا يقبلون أن يتنازلوا عما هم عليه، ومن ثم أكثر الناس لا يؤمنون.
هذه السماوات السبع مرفوعة فوقنا فأين الأعمدة التي وضعت عليها؟ هذه القبة التي فوقنا رفعت على أعمدة أم لا؟
السماوات السبع، سماء فوق سماء ليس فيها -والله- عمود واحد فضلاً عن أعمدة، ولكن بقدرة الله، وحسن تدبيره، وسننه في خلقه جعل السماوات السبع واحدة فوق واحدة، وما بين السماء والسماء مسافة خمسة مائة عام، وهي قائمة، فكيف تنكر الله يا عبد الله؟! من خلق هذه السماوات؟ من رفعها؟ أمك أو أبوك؟! جدك أم آل بيتك؟ من رفعها؟ من يشير إلى كائن في الكون؟ ما يبقى إلا أن تقول: الله، وكذلك كان العرب وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]، ما يقولون: آباؤنا أو أجدادنا أو الطبيعة العمياء، بل يقولون: الله.
وهذه الآيات تقرر وجود الله، وعلمه، ورحمته، وحكمته، ووجوب عبادته، والتقرب إليه.
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2]، أي: مرئية لكم، ووالله لا عمد، ولكن لله سنن يرفع بها ما شاء من الكائنات.
الجواب: لا. روحك أنت، هل عرفت كيفيتها؟ مسها، خروجها، دخولها؟ لا تعرف، ما نعرف إلا ما أقدرنا الله على معرفته، بقدر ما أعطانا من القوة الحسية من سمع أو بصر.
إذاً: يقول تعالى في بيان جلاله وكماله وعلة وجوده وحكمته، يقول: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2]، يدير ملكوته، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل، وهو على عرشه سبحانه.
من أوجد حرارتها؟ هل هناك من يقول: بنو فلان أو بنو فلان؟ أمريكا أو الصين أو اليابان؟ من؟
إنه الله، ولا يتكلم ذو عقل أبداً إلا أن يقول الله، وقد علمنا أنه الله إذ هو الذي أخبرنا، فقد أطلعنا أنه هو الذي خلقها.
إذاً: كُلٌّ يَجْرِي [الرعد:2]، في فلكه، لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الرعد:2]، إما السنة للشمس أو الشهر للقمر، أو كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الرعد:2]، أي: إلى نهاية هذه الحياة، وبعدها: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1]، إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار:1]، وهكذا يفسد هذا العالم كاملاً، ويتحلل، ويتبخر ويكون سديماً وبخاراً كما كان.
لم فصل هذه الآيات في القرآن الكريم؟ ما العلة في ذلك؟ ما هي الحكمة؟
من أجل أن يوقن الناس بوجود ربهم العليم الحكيم؛ فيحبونه ويخافونه ويعبدونه، ويتركون عبادة الأصنام والأوثان والأهواء، لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2].
لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ [الرعد:2]، متى نلقى ربنا؟ يوم القيامة؟ بل يوم نموت نلقى ربنا، أهل دار السلام ترفع أرواحهم إلى الملكوت الأعلى، وتُسجل أسماؤها في كتاب في عليين، واللقاء المباشر وجهاً لوجه يوم القيامة، حيث يقف العبد بين يدي ربه يستنطقه، ويستجوبه، ويجزيه بعد ذلك.
يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2]، في هذا دعوة إلى الإيمان بالبعث الآخر والحياة الثانية، وهذا هو ركن الإسلام والإيمان، فمن لم يؤمن بلقاء الله لا خير فيه.
إذاً: أركان الإيمان ستة، أعظمهما الإيمان بالله، والإيمان بالبعث الآخر -أي: بيوم القيامة- فأيما إنسان ذكراً أو أنثى، عربياً أو عجمياً لم يؤمن بالله أو بلقائه لا خير فيه، ولا يُؤمن على شيء في الحياة، ولا يرجى منه خير قط، الذي فقد الإيمان بالله رباً وإلهاً ولا رب غيره ولا إله سواه -والله- لا يوثق به، ولا يُؤمن جانبه، ولا يعول عليه، ولا يرجى منه شيء، بل هو شر كله، هو شر من القردة والخنازير، وها هو المذهب الشيوعي البلشفي الذي نشرته اليهودية في العالم من أجل أن تركب على ظهور البشرية، وتسودها، وتسوسها!
كيف تنكر وجود خالقك وأنت مخلوق؟!
أنت موجود أم غير موجود؟ موجود. ولو قلت: أنا غير موجود، فلا شك أنك مجنون.
إذاً: أنت موجود، فمن أوجدك؟ أوجدك الله الذي أوجد العوالم كلها.
كيف بمخلوق ينكر خالقه؟! كيف يعقل هذا الكلام؟! ولكن عبثت اليهودية بالبشرية، ووضعت المذهب البلشفي اللاديني من أجل أن تهبط بالبشرية، وتصبح كالبهائم، وقد -والله- نجحوا، وهاهم يسوسون العالم بهذا المذهب الخبيث.
قبل الشيوعية كان المسيحي لا ينظر إلى يهودي، ولا يقوى على النظر إلى وجهه، وهو قاتل ربه وإلهه بزعمه، فكيف أصبحوا فوقهم، يملكونهم وما يملكون؟ لأنهم أفسدوا قلوبهم، حولوهم إلى بهائم والعياذ بالله.
إذاً: الآية تقرر الإيمان بلقاء الله، والذي لا يؤمن بأنه سيموت، وسيبعث حياً، وسيسأل، وسوف يجزى بالعذاب أو بالنعيم، من خلا قلبه من هذه العقيدة -والله- لا خير فيه، ولا يؤاخى ولا ولا.. فهو شر الخليقة.
لم لا يؤمنون به؟ لم لا يسألون عنه ويتعرفون إليه؟ لم لا يطيعونه فيما يأمر وينهى؟ لم.. لم.. لم..؟
لأنهم ما آمنوا، لأنهم كفار والعياذ بالله، وها هو الله يكشف الغطاء ويزيل الستار ويوقفهم على الحقائق التي لا ينكرها العقل، اللهم إلا من لا عقل له.
إذاً: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ [الرعد:3] أي: بسطها وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ [الرعد:3] من الجبال، راسية ثابتة، وَأَنْهَارًا جعل فيها أنهاراً من المياه وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [الرعد:3]، الثمرات الموجودة جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [الرعد:3]، العنب أصفر وأحمر، التمر كذلك، كل الفواكه والخضروات فيها نوعان وصنفان، من كل زوجين اثنين.
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [الرعد:3] أي: يغطي النهار بالليل.
لماذا يجعل الليل مظلماً؟ لنستريح، نعمل في النهار في مزارعنا ومصانعنا فكان لابد من ساعة استراحة في الليل بظلامه، فالليل يغطي النهار.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ [الرعد:3]، أي: علامات دالة على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدنيا دار عمل، وأن الآخرة دار جزاء، وأن الجزاء ضروري، حتمي، لابد منه، نتيجة العمل في هذه الدنيا.
وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ [الرعد:4]، من أوجد هذه القطع المتجاورة؟ إنه الله!
إذاً: بعض النخل من الأسفل نخلة، ومن فوق نخلة ثانية وثالثة. من ركبها هذا التركيب؟ من أوجدها هكذا؟
إنه الله!
صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ [الرعد:4] والعجيب يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ [الرعد:4]، ماء بئر أو نهر أو غيرهما، والثمر يختلف.
نفس النخل، نخلة تمرها جيد وأخرى رديء، هذا عذب وهذا مر، العنب هو هو، التين هو هو، هذا أسود، وهذا مر، وهذا حلو، وهكذا.. آيات وضعها الله من أجل أن يؤمن الناس به، ليخافوه، ويرهبوه، ويعبدوه، فينجوا ويسعدوا.
وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ [الرعد:4]، هذا جيد وهذا رديء، هذا عذب وهذا مر، هذا صالح وهذا غير صالح.
هل يد البشر تفعل هذا؟ هل الفلاح يستطيع هذا؟ لا، ولكنها قدرة الله.
هل الأرض هي التي أنبتت هذا الزرع؟
لماذا هذا أبيض وهذا أسود؟ لماذا هذا حلو وهذا مر؟
لم لا نفكر؟ الذين لا يفكرون لا يعرفون الله، ولا يؤمنون به، فلابد من التفكير.
الذي يأكل التمر والثمر فيميز الطيب من الرديء كيف له أن لا يفكر أبداً، ولا يقول: من خلق هذا؟ كيف فضل هذا على هذا؟ هذه حبة سوداء وهذه بيضاء، هذه لذيذة وهذه غير لذيذة؟
والسؤال: هل البشرية تفكر؟
الجواب: (95%) لا يفكرون أبداً في الليل والنهار، ولا الشمس والقمر، ولا الأكل والشرب، ولا الحياة كلها؛ لأن الشيطان أعمى أبصارهم وقلوبهم؛ حتى يخلدوا في جهنم معه.
[ وقوله: وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الرعد:1]، أي: وهو القرآن العظيم] هو [ الْحَقُّ [الرعد:1]، أي: هو الحق الثابت] من عند الله عز وجل، ليس كما يقول الخصوم شعر، أو سحر، أو كهانة.
[وقوله: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [الرعد:1]، أي: مع أن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق فإن أكثر الناس من قومك وغيرهم لا يؤمنون بأنه وحي الله وتنزيله، فيعملوا به، فيكملوا ويسعدوا.
وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2]، أي: أن إلهكم الحق الذي يجب أن تؤمنوا به وتعبدوه وتوحدوه، الله الذي رفع السماوات على الأرض بغير عمد مرئية لكم ولكن رفعها بقدرته وبما شاء من سنن] من هذه السنن: الجاذبية.
[ وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2]، أي: خلق السموات والأرض، ثم استوى على عرشه استواء يليق بذاته وجلاله يدبر أمر الملكوت] فاستواؤه على الأرض من أجل ماذا؟ لتدبير الملكوت.
[وقوله: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [الرعد:2]، أي: ذللهما بعد خلقهما يسيران في فلكهما سيراً منتظماً إلى نهاية الحياة] من ذللهما فأصبحا يمشيان طول الدهر؟ الله جل جلاله.
[ وقوله: كُلٌّ يَجْرِي [الرعد:2]، أي: في فلكه، فالشمس تقطع فلكها في سنة كاملة، والقمر في شهر كامل، وهما يجريان هكذا إلى نهاية الحياة الدنيا، فيخسف القمر، وتكسف الشمس.
وقوله: يُدَبِّرُ الأَمْرَ [الرعد:2]، أي: يقضي ما يشاء في السموات والأرض ويدبر أمر مخلوقاته بالإماتة والإحياء والمنع والإعطاء كيف يشاء وحده لا شريك له في ذلك. وقوله: يُفَصِّلُ الآيَاتِ [الرعد:2]، أي: القرآنية بذكر القصص، وضرب الأمثال، وبيان الحلال والحرام كل ذلك ليهيئكم ويعدكم للإيمان بلقاء ربكم فتؤمنوا به وتعبدوا الله وتوحدوه في عبادته فتكملوا في أرواحكم وأخلاقكم وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ [الرعد:3]، أي: بسطها. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ [الرعد:3]، أي: جبالاً ثوابت. وَأَنْهَارًا [الرعد:3]، وأجرى فيها أنهاراً. وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [الرعد:3]، أي: نوعين وضربين، فالرمان منه الحلو ومنه الحامض، والزيتون منه الأصفر والأسود، والتين منه الأبيض والأحمر.
وقوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [الرعد:3]، أي يغطي سبحانه وتعالى النهار بالليل لفائدتكم؛ لتناموا، وتستريح أبدانكم من عناء النهار.
وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ [الرعد:3]، أي: المذكور في هذه الآية الكريمة من مد الأرض وجعل الرواسي فيها وإجراء الأنهار، وخلق أنواع الثمار وإغشاء الليل النهار، في كل هذا المذكور: لَآيَاتٍ [الرعد:3]، أي: علامات ودلائل واضحات على وجود الله تعالى، وعلمه، وقدرته، وحكمته، وعلى وجوب عبادته وتوحيده، وعلى الإيمان بوعده ووعيده، وبلقائه، وما أعد من نعيم لأوليائه، وعذاب لأعدائه.
وقوله تعالى: وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ [الرعد:4]، أي: بقاع من الأرض بعضها إلى جنب بعض متلاحقات، هذه تربتها طيبة، وهذه تربتها خبيثة، ملح؛ سبخة، وَفِي الأَرْضِ [الرعد:4]، أيضاً جنات، أي: بساتين من أعناب وفيها زرع ونخيل، صِنْوَانٌ [الرعد:4]، أي: النخلتان والثلاث في أصل واحد. وَغَيْرُ صِنْوَانٍ [الرعد:4]، أي: كل نخلة قائمة على أصلها.
وقوله: يُسْقَى [الرعد:4]، أي: تلك الأعناب والزروع والنخيل. بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ [الرعد:4] ].
ما دامت التربة واحدة والماء واحداً فلم يختلف الطعم واللون؟
ها نحن أبونا آدم وأمنا حواء لم لا نكون كلنا كآدم وحواء لوناً واحداً؟ لم اختلفنا؟
قف الآن وانظر بيننا، فلن تجد اثنين لا يُفرق بينهما قط أبداً، بل لو جمعت البشرية كلها لما وجدت ذلك!
من يدبر هذا التدبير؟ من يقوى على هذا الخلق والتدبير؟
إنه الله، ومع هذا يكفرون بالله.
قال: [ يُسْقَى [الرعد:4] أي: تلك الأعناب والزروع والنخيل بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ [الرعد:4]، وهو ما يؤكل منها فهذا حلو وهذا حامض وهذا لذيذ وهذا سمج.
وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ [الرعد:4]، أي: المذكور من القطع المتجاورات مع اختلاف الطيب وعدمه، وجنات الأعناب والنخيل وسقيها بماء واحد، واختلاف طعومها، وروائحها، وفوائدها، لَآيَاتٍ [الرعد:4]، أي: علامات، ودلائل باهرات على وجوب الإيمان بالله وتوحيده ولقائه ] الإيمان بوجود الله، وبوجوب توحيده في العبادة، فلا يعبد معه غيره، وبوجوب لقائه والوقوف بين يديه [ ولكن لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:4]، أما الذين فقدوا عقولهم لاستيلاء المادة عليها، واستحكام الشهوة فيها، فإنهم لا يدركون ولا يفهمون شيئاً، فكيف إذاً يرون دلائل وجود الله، وعلمه، وقدرته، وحكمته فيؤمنون به ويعبدونه، ويتقربون إليه ].
أولاً: تقرير عقيدة الوحي الإلهي ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ] تقرير عقيدة الوحي، والله قد أوحى القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم.
إذاً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، غن بها وارفع صوتك إلى السماء، والله أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولو تجتمع البشرية كلها بعقولها على أن تنفي هذا -والله- لا تستطيع!
ولو تجتمع البشرية بعقولها -بهذا الشرط- على أن تنفي وجود الله وتوحيده ما قدروا.
ولو تجتمع البشرية بعقولها -والله- ما قدروا أبداً على أن ينفوا رسالة محمد، والله ما استطاعوا، مستحيل أن يكون القرآن بين أيدنا نزل على رجل ونقول: ليس برسول، إذاً: لا عقول لنا، ولا فهوم.
[ ثانياً: تقرير عقيدة التوحيد وأنه لا إله إلا الله ] لا عيسى ولا مريم ولا عزير ولا عبد القادر ولا فلان، ولا رسول، ولا نبي يعبد مع الله أبداً، فلا إله إلا الله.
[ ثالثاً: تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا ] وقد قدمنا غير ما مرة: أن علة وجودنا الآن في هذه الدنيا لنعمل، وعلة وجودنا في الآخرة لنجزى، فافهم هذا، واحلف بالله عليه!
[ رابعاً: فضيلة التفكر في الآيات الكونية.
خامساً: فضيلة العقل للاهتداء به إلى معرفة الحق وإتباعه للإسعاد والإكمال ].
والله تعالى أسأل أن يجعلنا من السعداء الكمل في الدنيا والآخرة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر