إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (130)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل عليم بعباده، خبير بما تعالجه نفوسهم، فمن أنفق نفقة أو نذر نذراً فإن الله يعلم إن كان يريد بذلك وجهه تعالى، فيكفر بذلك سيئاته، ويرفع به درجاته، وإن كان يريد بذلك غير وجه الله فإنه يحرم أجر ما أنفق أو نذر، ورب العزة يبين هنا أن من أنفق نفقة فأظهرها مريداً بها وجه الله فهو خير، وإن أخفاها فهو أفضل وأجدر أن يكفر الله به سيئاته ويجزل مثوبته.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا.

    وها نحن وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:270-271].

    معاشر المستمعين والمستمعات! أليس هذا كلام الله؟ إي والله، كلام الرب تعالى، وصل إلينا والحمد لله، فملايين البشر محرومون، لا يسمعون عنه ولا يعرفون، ومن عرف كفر وكذب وأنكر ليحترق ويخسر، ولكن منة الله على المسلمين أن أنزل كتابه على رسوله وأورثه فيهم، يحفظونه في صدورهم، ويحفظونه بسطورهم؛ حتى يرفعه الله حيث لم يبق من ينتفع به في آخر ساعات هذه الأيام.

    من القائل: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة:270] أليس الله؟ بلى؛ لأن هذا كلامه في كتابه، وهذه الآيات من سورة البقرة، وهي ثاني سورة من سور كتاب الله عز وجل، الأولى الفاتحة، والثانية البقرة، هذه البقرة لا تتصور منها ذات اللبن واللحم، هذه السورة ذكر فيها لفظ البقرة؛ فسميت بذلك.

    وحادثة البقرة حادثة عظيمة، تليت على الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأها في الكتاب ولم يشهد أيامها ولم يعرف عن أهلها ولا عن تاريخها، إلا أن اليهود وهم أهلها كانوا يسكنون هنا ويجادلون، والله! ما استطاعوا أن يردوا حادثة ذكرت في القرآن وهي من أحداث آبائهم وأجدادهم، فلهذا قل: آمنت بالله.

    وحادثة هذه البقرة: أن رجلاً كان يحب الدينار والدرهم مثلنا، وكان له ابن أخ يرثه، وطالت المدة، فمتى يموت هذا؟ فاستعجل فقتله وأخذ يصرخ: ابن أخي قتل!

    وتمضي القرون وعشراتها ويحدث هذا في قرية كنا نقيم بها، رجل من أهل القرية له ابن أخ يشترك معه في بستان، فوالله! لقد ذبحه تحت نخلة في حوض، وخرج يندب ويصرخ ويبكي: ابن أخي ذبحوه، وقامت البلاد وقعدت، وجاء الباحثون أو المحققون، وما هي إلا جولة واعترف بأنه هو الذي ذبحه؛ لأن طباع البشر هي هي، إذا لم يمتلئ قلبك بنور الله فأنت في الظلام، والماشي في الظلام كيف ترون مشيته؟ يتخبط، يقوم ويقعد.

    إذاً: فلما رفعت القضية إلى نبي الله موسى عليه السلام بم حكم؟ أوحي إليه أن: اذبحوا بقرة من خيرة ما تملكون. وأخذوا يتشددون: ما وصفها؟ ما سنها؟ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رضوا بأول بقرة ذكرت وذبحوها لأجزأتهم، لكن انتهوا إلى أن اشتروا بقرة من يتيم بملء جلدها ذهباً، وذبحوها وأخذوا قطعة لحم وضربوه بها فاعترف، لهذا سميت بسورة البقرة، ولا بأس بأن نسمعكم تلك الآيات، وهي قصة عجب، ولم يستطع اليهود أن يردوا فيها حرفاً واحداً.

    قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:67-70] قالت العلماء: لولا هذا الاستثناء فوالله ما اهتدوا، لكن ألهمهم الله فقالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة:70-73]، ضربوا المقتول بقطعة منها فقال: قتلني فلان ومات، ومن عجيب أسلوب القرآن أنه قدم القصة وأخر سببها؛ لتبقى النفس متشوقة، ولو ذكرت الحادثة من أولها فقد لا تقرأ الآيات بعد، فآمنا بالله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086907098

    عدد مرات الحفظ

    769444093