فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن ليلتنا هذه كسابقتها ليلة القرآن الكريم، وها نحن مع قول ربنا عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:17-20].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!
هذا السياق الكريم نراجع فيه ما سبق أن درسناه ووقفنا عليه وفهمناه إن شاء الله ربنا.
والفريق الثاني هم الكفار، وهم صنفان: صنف توغلوا في الكفر والظلم والشر والفساد، فطبع على قلوبهم وعلى سمعهم، وجاءت الغشاوة على أبصارهم، فهم -والعياذ بالله- آيسون من رحمة الله، ولهم عذاب عظيم.
وصنف آخر لم يتوغلوا في الكفر والشر والفساد، فهم مستعدون لقبول الإيمان والاستقامة على منهج الرحمن، وبذلك يفوزون مع الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة.
ولم قلنا هذا؟ لأن الآية الكريمة تقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] والعلة خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] فهذا نوع من الكافرين توغلوا في الكفر، وضربوا فيه حتى ختم على قلوبهم فمن أين يدخل الإيمان؟! أنذرهم أو لا تنذرهم، خوف أو لا تخوف، أغلق الباب؛ بسببهم هم، أما الله تعالى فحاشاه.
والفريق الثالث: هم المنافقون، والمنافقون هم الذين يبطنون الكفر ويخفونه في قلوبهم وفي صدورهم، وينطقون بالإسلام والإيمان بألسنتهم وجوارحهم، وهؤلاء هم شر الخلق؛ فأذاهم وضررهم على الإسلام والمسلمين أكثر من ضرر الكافرين الصرحاء البين كفرهم.
وقفة: بمَ كان فسادهم أيها المستمعون؟ بارتكاب معاصي الله ورسله.
خذوا هذه قاعدة ثابتة: المفسد في الأرض هو الذي يعصي الله تعالى فيها بترك ما أوجب الله وارتكاب ما حرم الله. والمصلح في الأرض والصالح هو الذي يعبد الله تعالى فيها بما شرع.
فالإصلاح والصلاح يبقيان على النعمة، والفساد والإفساد هما سبب زوالها.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11] أي: بارتكاب الذنوب والمعاصي قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] لأنهم يبررون تلك الذنوب، فقد تكون اتصالاً بالكافرين وباليهود، فيقول: من أجل الدفع عن البلاد والعباد، قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:12-13] ومعنى هذا أنهم يدعون المعرفة، ويدعون العلم، فإذا قال لهم مؤمن من أقاربهم أو ممن شاهدهم يتخبطون في ضلالهم: آمنوا كما آمن فلان وفلان، والمؤمن ما يرتكب هذه الذنوب، ولا يغشى هذه الكبائر، يقولون: أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ؟! إيمان الرجعيين والمتخلفين و.. و.. كما سمعنا؛ لأن هذه الآيات وإن نزلت في المدينة لعلاج المنافقين من اليهود والعرب، إلا أنها عامة خالدة ببقاء هذه البشرية، فتطبق على كل منافق ومنافقة في أي زمان وجد أو في أي مكان كان؛ لأنها آيات الهداية الإلهية، فإذا قرئت على الناس وفهموها ينتفع بها الكثيرون ممن في قلوبهم مرض، فهي خالدة بخلود هذه البشرية إلى أن تنتهي، فلهذا تتنوع الأساليب والعبارات والمعنى واحد.
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا [البقرة:13-14] في مجلس من المجالس وفي خلوة من الخلوات وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ [البقرة:14] من الإنس لا من الجن، من هو الشيطان؟ الذي لا خير فيه، وكله شر، وكل سلوكه وكل قوله وعمله يدعو إلى الشر، هذا هو الشيطان؛ لأن إبليس لعن وأُبلس من الخير كله، وذريته لا خير فيهم البتة، فأيما إنسي أو جني ينسلخ من الخير ويصبح همه .. تفكيره .. قوله .. عمله .. سلوكه .. كله في أودية الشر، فقد أصبح شيطاناً وإن كان اسمه خالداً أو إبراهيم، فالخلو إلى شياطينهم هو أن يتصلوا بأصحاب المؤامرات والباطل، قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] فقط بأولئك المغفلين؛ الرجعيين من المؤمنين.
قال تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:15] يعاملهم بالمثل، يستهزئون بالمؤمنين والله عز وجل يستهزئ بهم وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:15] فلا يفيقون ولا يستفيقون إلى أن يدخلوا جهنم.
ثم قال تعالى: أُوْلَئِكَ [البقرة:16] أي: البعداء، فأشار إليهم بلام البعد هنا لبعدهم عن ساحات الخير والفضيلة والكمال والنعيم في دار السلام، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16] أي: أعطوا الهدى الذي هو الإيمان والاستقامة على دين الله، واستعاضوا عنها الكفر والشرك والعياذ بالله، إذاً: فكيف تكون تجارتهم هذه رابحة؟ قال: فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16]. فالذي يعطى الإيمان والاستقامة على منهج الحق، ويستبدل بذلك الشرك والنفاق والكفر، يصبح شر البرية والخليقة، فهذا ما ربحت تجارته بل خسرت خسراناً أبدياً، فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16] في سلوكهم أو في بيعهم وشرائهم، وما اهتدوا إلى سبيل نجاتهم وفوزهم.
فالمثل الأول يقول تعالى: مَثَلُهُمْ [البقرة:17] في ماذا؟ في خسرانهم، في ضلالهم، في حيرتهم، في تخبطهم، في مصيرهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17] جاء بالحطب وأشعل النار من أجل أن ينتفع بها، فيرى الحية إذا جاءته واللص إذا هاجمه، فيرى ما هو في حاجة إلى رؤيته؛ لأن الظلام صعب، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة:17] فلما اتقدت واشتعلت وأضاءت ما حولهم جاءت ريح عاصفة أطفأتها، ومطر غزير أطفأها، وبقوا في الظلام.
فهذا مثل المنافقين الذين يؤمنون ثم ينتكسون ويعودون إلى الكفر، فهم يظهرون الإيمان كأنهم مؤمنون، وهم في ظلام الكفر والشرك والعياذ بالله مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17]. هذه مصيبة عظيمة، فتصور أن أناساً في خلاء والظلام دامس، فلا يعرفون كيف يتحركون، فجاءوا بحطب وأوقدوا نارهم فاتقدت، واستنارت المنطقة، وفجأة يذهب الله بنورهم، ويبقون في ذلك المكان.
(بُكْمٌ) لو أرادوا أن ينادوا من بعيد: ألا من ينقذنا؟ ألا من يدلنا على الطريق؟ لا يتكلمون.
(عُمْيٌ) لو كان لهم أبصار فيمكن أن يشاهدوا حركة فينادوا أو يصرخوا.
إذاً: خذلوا تمام الخذلان، فلهذا لا يرجعون إلى سبيل النجاة وطريق السلامة والسعادة.
وهذا مثل لبعضهم يتناسب مع كل فريق، مَثَلُهُمْ في نفاقهم وكفرهم وترددهم ورجوعهم إلى الباطل بعد مشاهدة الحق، أي: المثل الذي يتلاءم مع واقعهم هو هذا كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17] لأجل الانتفاع بها فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18] لو بقيت لهم أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم ينطقون، فيمكن أن يخرجوا من الفتنة، لكن فقدوا كل ذلك، وهذا معناه أنهم كفروا وتوغلوا في الكفر كأولئك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، وهذا النوع لا يرجعون فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18].
إذاً هذا المنظر لا يطاق.
الخلاصة قوله: أَوْ كَصَيِّبٍ أي مثلهم كصيب أي: مطر مِنَ السَّمَاءِ من فوق فِيهِ ذلك الصيب أو ذلك المطر ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19] محيط بالكافرين اليوم وقبل اليوم، ما قال: والله محيط بهم، سجل عليهم الكفر، وليكن اللفظ عاماً إلى يوم القيامة، والله محيط بكل شيء، فالملكوت كله في يده، وإذا كانت الأرض يجعلها في كف والسماوات مطويات في آخر، إذاً ما بقي من هو خارج عن قدرة الله وإحاطته بالخلق! وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:20] والله محيط بكل شيء.
إذاً: فمن أين تأتيهم النجاة والمهرب؟!
إذا نزلت الآيات تندد بالمنافقين والكافرين، وتنذر وتخوف يكادون يصعقون، وإذا نزلت الآيات فيها انفتاح وانفراج وما تعرضت لهم مشوا في إيمانهم وواصلوا يوماً أو يومين، فإذا ما نزلت الآيات ترعبهم يقفون، وهذا مثل الآيات القرآنية النازلة من السماء مع أنوار الله أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:19-20] آمنا بالله، إن الله على كل شيء قدير.
ما فعلت هذه الآيات في ذلك المجتمع؟ طهرته، نقته، صفته، ومن مات على النفاق كانوا أفراداً معدودين، ومن عداهم دخلوا في رحمة الله، وأسلموا وهم في دار السلام مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ لأنهم عولجوا بهذا النور الإلهي، فلهذا أيما مجتمع قلَّ عدده أو كثر، عرب أو عجم مصاب بهذه الأمراض، فإن علاجه بهذا القرآن الكريم، ولو أن أهل القرية أو الحي اجتمعوا طول السنة والآيات تتلى كأنها تنزل يوماً بعد يوم، فلا بد وأن تطهر قلوبهم، وأن تزكوا نفوسهم، وأن تتغير طباعهم، وتتبدل مفاهيمهم وأذواقهم؛ لأنها سنة الله، فما أنزل هذا الكتاب إلا للشفاء والدواء والعلاج، وتطهير القلوب والنفوس، ولكن إذا ترك المؤمنون أو المسلمون الاجتماع على كتاب الله فما أصبحوا يسمعون آية، ولا يتلى عليهم هذا الكلام الإلهي، وتزداد ظلمات نفوسهم، ويصبح حالهم كالمثل الأخير، فإذا فرج الله عنهم غماً أو كرباً فرحوا وحمدوا الله، وإن جاء الظلام والكرب -والعياذ بالله- انتكسوا!
صُمٌّ [البقرة:18] لا يسمعون، اقرأ عليهم القرآن لا يسمعون، حي على الصلاة لا يسمعون، أن اتقوا الله لا يسمعون .. فالأصم لا يسمع.
بُكْمٌ [البقرة:18] لا ينطقون بالمعروف، ولا بالخير، ولا بالفضيلة، ولا بالهدى أبداً، بل لا ينطقون إلا بالخبث، والعبث، والشر، والفساد.
عُمْيٌ [البقرة:18] هل شاهدوا آيات الله في الكون؟ فهل نظر أحدهم فقط إلى القمر وقال: سبحان الله؟! من علَّق هذا الكوكب في السماء؟! من سخره ليضيء لنا، ولنعرف أعداد أيامنا وأعوامنا؟! هل نظر أحدهم إلى الشمس وفكر في طاقتها الملتهبة؟ ومن أوجد هذه الشمس؟ لم وجدت؟ لم تطلع وتغيب؟ لم.. لم؟ ما يبصرون.
وقد يتناول عنقود العنب فلا ينظر كيف كان، ولم كان، ومن كونه، ولم.. لا سؤال أبداً، لا ينظر إلى نفسه فقط، ما أنت يا عبد الله، ومن أنت، ومن أين أتيت؟ وإلى أين تذهب؟ كيف وكيف وكيف..؟ لا يبصرون، وهذا شأن من على بصره غشاوة من بياض فما يبصر شيئاً.
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18] ومن أصيب بالصمم أصبح لا يسمع، بالبكم أصبح لا ينطق ولا يسأل، بالعمى أصبح لا يبصر.. كيف يرجع؟ قولوا: كيف يعود إلى بيته أو إلى عمله؟ مثل عجب!
الآيات القرآنية تمثل هذا المنظر لما كانت تنزل، وكذلك لو أنها تتلى بحق، ويسمعها البشر وتبلغهم فإنهم يصابون بمثل ما أصيب به المنافقون، والله يخافون وترتعد فرائصهم، ويعودون إلى الحق فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19] أينما كانوا، وحيثما وجدوا، وفي كل زمان ومكان الله محيط بهم، فإما أن يطهروا ويكملوا، وإما أن تنزل بهم نقم الله عز وجل، ولا تظن أن أمريكا وأوروبا واليابان والصين سوف يبقون هكذا، والله إن يوماً لا بد منه، ويريهم الله عجائب قدرته.
أما من ينتسبون إلى الإسلام فقد يعجل الله لهم العقوبات؛ ليريهم آياته؛ لعلهم يرجعون كما قال تعالى من سورة السجدة: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21] فإذا أذاقهم العذاب وما رجعوا استحقوا حينئذ الإبادة الشاملة.
أما الكفار فيبقيهم، ويملي لهم، ويزيد في أعمارهم، في أولادهم، .. إلى ساعة ما، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد:31] .
قال تعالى: ... وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ [البقرة:19-20] هؤلاء يرجى لهم العودة، وعادوا بخلاف النوع الأول، فلهذا دخلوا في الإسلام، وقلَّ من مات من المنافقين على النفاق والكفر؛ لأن هذه الآيات تنزل أنواراً من السماء، وهم عرب يفهمون لغة القرآن، فدخلوا في رحمة الله نساء ورجالاً وأطفالاً، وإنما اليهود قلَّ من دخل منهم في رحمة الله؛ لعلة عرفناها وهي الشعور بأنهم أكمل الناس، وأنهم أبناء الأنبياء، وأن لهم شأناً ومنزلة عند الله، فغرر بهم رؤساؤهم فرفضوا الإسلام؛ خشية ألا يبقى لهم أمل في مملكة بني إسرائيل وإعادة مجدهم كما كانوا أيام الاستقامة على منهج الله على عهد داود وسليمان ومن بعدهم.
وهنا قد يسأل السائل عن الرعد: جاء في التفاسير منهم من يقول: الرعد هذا صوت ملك، والبرق شرر يتطاير من فمه؟ والله ما ذكر هذا، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم فسر بهذا التفسير، وهذا منقول ومأثور عن بني إسرائيل، فالرعد صوت إذا سمعناه ينبغي أن نقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وبهذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المؤمن! أيتها المؤمنة! إذا سمعت صوت الرعد فقل: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، الرعد يسبح، والنمل يسبح، وليس الرعد فقط! وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] ليس التسبيح خاصاً بالرعد، وإنما لما نسمع هذا الصوت المدوي، المتكون من السحب المتراكمة هنا نقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة يسبحون من الخوف منه يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] فكيف إذاً بالبشرية، لم لا تسبح ربها؟ سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته!
فهذا الصوت ليس صوت الملك، والملك ما هو ذات كذواتنا حتى يكون له صوت هو هذا الرعد، نعم لو نطق ملك من الملائكة، قد يكون له صوت إذا أراد الله أن يسمعنا أسمعنا، وجبريل كان ينزل في صورة إنسان ويسمعون كلامه، والرسول يفتيه ويجيبه، لكن ما دام على هيئته الملكية الخاصة لا يمكن أن نسمع له صوتاً.
الآن الملائكة معنا ويكتبون هل نسمعهم؟ فلم نسمع صوت الرعد فقط ونقول: ملك؟! هذا الدوي نتيجة الاحتكاك بين السحب المتراكمة.
وأما البرق قد عرف أخيراً بالسالب والموجب من الكهرباء، فالاحتكاك بين تلك الجزيئات يحدث هذا، الآن احتكاك بالسلكين، هذا سالب وموجب يوجد النور.
نعم. يجب أن نؤمن إيماناً يقينياً أن الرعد والبرق من فعل الله عز وجل، كما كل الكون والمخلوقات من فعل الله وخلقه وتدبيره، وإذا سمعنا الرعد وصوته نخاف ونخشى أن تنزل بنا صاعقة.
الآن أوجدوا للبلاد التي يكثر فيها الرعد والصواعق آلة يجعلونها في أعلى مكان تبعد الكهرباء وتسلبها، فما تنزل الصاعقة.
وكل ما في الأمر أننا نقول: صوت الرعد ليس بصوت ملك، ونكذب على الله وعلى الملائكة لو قلنا ذلك؛ إذ لو كان صوت ملك ما سكت الرسول صلى الله عليه وسلم ولبينه ولقال لنا، وضرب المثل، فما دام النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر هذا فما نلتفت إلى روايات يذكرها الناس أو فلان في التفاسير محكية عن بني إسرائيل كـابن منبه وغيره.
إذاً: والبرق هذا فعل الله عز وجل، ونحن الآن نشعل النار في السعف أو لا، في الحطب؟ نحك الصخر على الصخر فتشتعل النار، وحجرين تحكهما على بعضهما البعض فتشتعل النار، فهذا الاحتكاك في تلك الأجرام يوجد هذا النور أو النار.
والواجب الذي نحن أهله إذا سمعنا صوت الرعد أن نخاف، ولا بأس من الله عز وجل أن يعاقبنا بذنب من ذنوبنا، فتنزل صاعقة علينا، فنفزع إلى الله ماذا نقول؟ سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته .. سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وتبقى قلوبنا معلقة بربنا، فهو الذي يدفع المكروه عنا، وهو الذي يقينا العذاب ويحفظنا مما يؤذينا؛ إذ هو مفزعنا وملاذنا بخلاف الكافرين، إلى من يفزعون؟ إلى من يلجئون؟ خسران كبير، فما عندهم مفزع، ولا ملجأ، ولا ملاذ، فانظر الفرق بيننا وبينهم، نحن أحياء وهم أموات.
قالت العلماء: الإيمان الصحيح هو اعتقاد الحق في القلب، والعربنة عليه بالنطق: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والبرهنة عليه والتدليل بالعمل. فهذا هو المؤمن المبشر بالجنة، والمبشر بالفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.
اعتقد الحق لا الباطل، وما أكثر المعتقدين للباطل، ويظنون أو يعتقدون أنه حق، فنحن نعتقد الحق الذي علمناه الله ورسوله، وهو أولاً: أنه لا إله إلا الله، لا عيسى ولا البتول، ولا جبريل، ولا عبد القادر ، ولا الملائكة، ولا كائن يستحق أن يؤله بالعبادة إلا الله، لم؟ لأنه هو الخالق، الرازق، المدبر، هل من خالق غير الله؟ والله لا يوجد، ودلونا على من خلق بعوضة .. ريشة في طير .. شعرة في آدمي أو حيوان؟ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فما دام لا خالق، ولا رازق، ولا مدبر الحياة إلا هو، إذاً قل: لا إله إلا الله، واعتقد هذا الحق، هذا اعتقاد حق أو باطل؟! اعتقاد حق. أشهد أن محمداً رسول الله.. هذا الاعتقاد حق أو باطل؟ حق، كيف؟ هذا كتاب الله أين يُذهب بعقول البشر، ولولا أن الله تعالى أرسله ونبأه كيف يوحي إليه كتابه؟ وهذا الكتاب ليس رسالة أو صفحة، هذا الكتاب قل الآن للإنس والجن: يتلاءمون ويجتمعون على أن ياتوا بسورة من مثله، فما هو مجرد كتاب حوى علوم الكون كله، الدنيا والآخرة، ومن ارتاب أو شك فما زال التحدي قائماً: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] هل فعلوا بعد ألف وأربعمائة سنة وزيادة ما فعلوا، ولن يفعلوا، حتى لو أرادوا واستطاعوا يختم الله على قلوبهم، يختم الله على ألسنتهم، يفقدهم عقولهم ونطقهم ولن يأتوا، وَلَنْ تَفْعَلُوا.
إذاً هذا الكتاب العظيم؛ القرآن الكريم حفظه النساء والرجال في صدورهم أربعة عشر قرناً، يحمل الهدى والخير والنور والإصلاح، ولم تعرف الدنيا قط كتاباً أسمى ولا أعز من هذا الكتاب، ومن أين جاء هذا الكتاب؟ أنبتته الشجرة، أو رمى به البحر، أو وجد في جبل! كيف هذا الكتاب؟!
والبشرية جيلاً بعد جيل تشهد أن هذا القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يكون رسول الله؟ أين يذهب بالعقل البشري؟ نعم عرفوا وأنكروا حتى لا يدخلوا في رحمة الله.
إذاً: أشهد أن محمداً رسول الله، هذا هو اعتقاد الحق، وأنك تؤمن وتصدق بكل ما أمرك الله أن تؤمن به وتصدق بالكتب، والرسل، والملائكة، والقضاء والقدر، وكل ما أخبر الله تعالى به، صراط على ظهر جهنم تجتازه البشرية، آمنا، عالم الشقاء تحتنا، عالم السعادة فوقنا، أخبر الله، أخبر رسوله! آمنا، اعتقدنا الحق فقلنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ثم برهنا البرهنة القوية أننا نعبد الله الذي شهدنا له بأنه لا إله إلا هو، ونتبع رسوله، ونقوم بسنته وشرعه؛ لأنه رسول الله فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وصمنا رمضان، وحججنا البيت الحرام، وجاهدنا ساعة الجهاد، وأمرنا بمعروف ونهينا عن منكر، وحرمنا ما حرم الله من الكلمة والنظرة، وأحللنا ما أحل الله من ذلك، فهذا تدليل واضح على صدق اعتقادنا الحق، هذا هو المؤمن.
إذاً الذي يعتقد الحق ويعرف الدار الآخرة، ويعرف الصراط، والميزان، والجنة، والنار، كاليهود والنصارى يعرف أن محمداً رسول الله، وأن الله الإله الحق ولا ينطق؛ لأنه إذا نطق فمعناه أنه خرج من دينه وملته وأهله؛ لأنهم سيبعدون عنه، فيؤثر الدنيا على الآخرة، هذا هو الكافر، فإن كان لا يعتقد الحق، ولا ينطق به، ولا يعمل فهذا أسوأ كافر.
إذاً: عندنا مؤمن، وكافر، وفاسق. فالكافر ميئوس من رحمته، والمؤمن مرجو سعادته وكماله، والفاسق بين بين، فلا نحكم عليه بخلود في النار ولا بدخول الجنة، نتركه إلى الله عز وجل، ولكن إذا مات على اعتقاد الحق والإعراب عنه -انتبهتم- نرجو أن ينجو من عذاب الله، على الأقل من الخلود في النار.
انتبهوا! السيئة تلد سيئة، والحية لا تلد إلا حية، فالذي يواصل الآثام والذنوب يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، من الجائز أن يختم على قلبه، ويموت على سوء الخاتمة.
فلهذا واجب كل مؤمن ومؤمنة ألا يبيت على ذنب، وإذا أحدث الذنب تاب على الفور، وهذه قاعدة عامة: التوبة تجب على الفور، ولا يحل أن تقول: إذا جاء الحج أو جاء عمي أتوب، أو إذا تزوجت أتوب، أو إذا توظفت أتوب، أو إذا تخرجت من الجامعة أتوب.. إياك من هذا، فإذا أذنبت ووقعت في الذنب على الفور: أستغفر الله وأتوب إليه، فإن هذا الإرجاء والتسويف والتأخير قد تكون عاقبته سيئة، والذنب على الذنب يصيب العبد بالظلمة فينكر حتى وجود الله والإسلام.
ولنقرأ هذه القاعدة التي سبق أن عرفناها؛ إذ يقول تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] لا من بعيد، لم هذا الحذر؟ لما علمتم، يوالي المعصية ويكررها حتى تصبح تلك المعصية هي مبتغاه ومطلبه.
وعلى سبيل المثال الذين يدخنون، ونترك الآن التدخين فقد انتهينا منه، وما بقي من يدخن إلا نادراً أو لا؟ الحمد لله نجتمع في مجلس ضيافة فيه ستون رجلاً ما واحد يدخن، الحمد لله.
لكن نضرب مثلاً بالذين يتعاطون المخدرات: الأفيون، الكوكاين، الحشيشة .. بلغنا أنه إذا أدمن عليها أياماً أو أشهراً أو عاماً فإنه لا يستطيع أن يتركها، ولا يقدر أبداً، وكذلك الذي يواصل اللواط أو الزنا أو السرقة، أو كذا من هذه الكبائر أيضاً يخشى عليه ألا يتوب إذا واصل فترة من الزمن. فالحذر الحذر، كلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، ونحن ضعفة لسنا بمعصومين كالأنبياء والرسل، لكن واجبنا إذا فعلت سيئة على الفور امحها بكلمة: أستغفر الله، مع دموعك وعزمك ألا تعود إليها يمح أثرها، وهذه سنة الله عز وجل إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ [النساء:17] ما هو السوء؟ الذي يسيء إلى نفوسهم بالظلمة، والراحة الكريهة، والعفن وهو السيئة. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17] عليماً بخلقه، حكيماً في قضائه وشرعه، هذا أهل لأن يتوب الله عليه، بخلاف الذي واصل الذنب واصل .. واصل.. فأصبح طبعاً من طباعه، وخلقاً من أخلاقه.
ثم يقول تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] لا توبة، إذا شاهدت ملك الموت يقرب منك وأعوانه انتهت التوبة، فلهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الإخبار بالواقع: ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) ما لم تحشرج في الحلق، فإذا حشرجت في الصدر، وشاهد ملك الموت لم يبق له توبة تقبل منه ولا تصح، وليس معنى هذا أنك تملك أن تؤخر الذنب إلى ساعة الموت بيوم أو بساعة، من يملك هذا؟ لا أحد تحت السماء يقول: في استطاعتي أن أتوب قبل موتي بأسبوع أو بيوم، هو يعرف متى يموت؟! فهذا الباب مغلق، وما يبقى إلا باب الله فكلما أذنب أحدنا ذنباً على الفور وقع على الأرض يبكي بين يدي الله، وقام يصلي.
مثلهم: صفتهم وحالهم.
استوقد: أوقد ناراً.
صمٌ بكم عميٌ: لا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون.
الصيّب: المطر.
الظلمات: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر.
الرعد: الصوت القاصف يسمع حال تراكم السحاب ونزول المطر.
البرق: ما يلمع من نور حال تراكم السحاب ونزول المطر.
الصواعق: جمع صاعقة: نار هائلة تنزل أثناء قصف الرعد ولمعان البرق يصيب الله تعالى بها من يشاء.
حذر الموت: أي: توقياً للموت]، لما يجعل أصابعه في أذنيه خوف.
قال: [محيط: المحيط المكتنف للشيء من جميع جهاته.
يكاد: يقرب.
يخطف: يأخذ بسرعة.
أبصارهم: جمع بصر وهو العين المبصرة].
وأما الآية الثانية (18) فهي إخبار عن أولئك المنافقين بأنهم قد فقدوا كل استعداد للاهتداء فلا آذانهم تسمع صوت الحق ولا ألسنتهم تنطق به ولا أعينهم تبصر آثاره؛ وذلك لتوغلهم في الفساد، فلذا هم لا يرجعون عن الكفر إلى الإيمان بحال من الأحوال.
وأما الآية الثالثة والرابعة (19) (20) فهما تتضمنان مثلاً آخر لهؤلاء المنافقين، وصورة المثل العجيبة والمنطبقة على حالهم هي مطر غزير في ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف، وهم في وسطه مذعورون خائفون يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى لا يسمعوا صوت الصواعق حذراً أن تنخلع قلوبهم فيموتوا، ولم يجدوا مفراً ولا مهرباً؛ لأن الله تعالى محيط بهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن البرق لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون، فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه، وإذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيارى خائفين، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم؛ لأنه تعالى على كل شيء قدير. هذه حال أولئك المنافقين، والقرآن ينزل بذكر الكفر وهو ظلمات، وبذكر الوعيد وهو كالصواعق والرعد، وبالحجج والبينات وهي كالبرق في قوة الإضاءة، وهم خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وإزاحة الستار عنهم فيؤخذوا، فإذا نزل بآية لا تشير إليهم ولا تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر، وإذا نزل بآيات فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه، وقفوا حائرين لا يتقدمون ولا يتأخرون، ولو شاء الله أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل؛ لأنهم لذلك أهل، وهو على كل شيء قدير].
أولاً: استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان]. فيستحسن أن يمثل الإنسان لأخيه حتى يفهم، فيضرب له مثلاً.
قال: [ثانياً: خيبة سعي أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم.
ثالثاً: القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر.
رابعاً: شر الكفار المنافقون]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر