وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين المباركة- ندرس كتاب الله، آملين، راجين، طامعين في ذلك الموعود الذي جاء على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
ولم يرغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية بالذات؟ لعلمه أن هذه الأمة لن تكمل ولن تسعد، لن تسمو ولن ترتفع إلا إذا اجتمعت في بيوت ربها على كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن طالبنا بالدليل وقال: ما البرهنة على ما تقول؟ نقول: أيام كانت هذه الأمة تتعلم الكتاب والحكمة في بيوت ربها من أهل الكتاب والحكمة بلغت من الكمال شيئاً -والله- ما بلغته أمة على وجه الأرض، كمال الطهر والصفاء، كمال العزة والكرامة والسمو والعلو والآداب والأخلاق، في خلال خمس وعشرين سنة فقط حملت راية الكتاب والسنة إلى ما وراء نهر الصين شرقاً وإلى ديار الأندلس غرباً، ولا تملك صواريخ ولا هيدروجين ولا ذرة، وإنما إيمان صادق ويقين ثابت ومعرفة، علم بالكتاب والسنة.
ومن أراد أن يرد علينا فليتفضل، فليجمع أهل قرية من قرى العالم الإسلامي سواء كانوا عرباً أو عجماً، يجمعهم بنية أن يتعلموا الكتاب والحكمة ليزكوا ويسموا ويطهروا، ويجمعهم بنسائهم وأطفالهم وذلك كل ليلة وطول العام من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويجلس لهم رباني يعلم الكتاب والحكمة كجلوسنا هذا، ليلة آية والتي بعدها حديث، الليلة آية والتي بعدها حديث طول العام.
ولينظروا: فإن بقي جهل فليطالبونا بغرامة، وإن انتفى الجهل فوالله! ما يبقى زناً ولا قمار ولا رباً ولا سرقة ولا تلصص ولا حسد ولا بغضاء ولا كبر ولا ظلم، ويصبح أهل تلك القرية كأنهم أسرة واحدة متحابين في الله، متآخين في دين الله، متعاطفين متراحمين برحمة الله، وتعالوا بالعالم ليشاهد من بعيد أنوار تلك القرية.
وقد جربتم الشيوعية والاشتراكية والمبادئ الغربية، فأين وصلت هممكم وأخلاقكم وآدابكم وعزتكم وسيادتكم أيام كنتم تقولون: اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعاديها؟ أرونا عزنا وكمالنا وسعادتنا وطهرنا وصفاءنا، هل هناك من يرد على هذا غير المجانين؟ أما العقلاء فحاشاهم.
إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، واقرءوا دائماً: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، ومن ثَمَّ فالطعام يشبع، ترقت الشعوب ووصلت إلى القمر فهل استغنوا عن الطعام، فما أصبح الطعام يشبعهم لا خبز ولا تمر ولا لبن؟ والنار تحرق، فهل تعطلت هذه السنة وأصبحت النار ما تحرق؟ والحديد يقطع، فهل أصبح الحديد الآن ما يقطع؟
إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير شاءها كذلك، ومن ذلك سنته في أن من عرف الله فأنتجت له المعرفة حب الله فأحبه، أنتجت له خوف الله فخافه؛ فإنه بذلك يستطيع أن يستقيم على منهج الحق والعدل والخير والطهر والصفاء، سنن لا تتبدل أبداً.
ونطالب ببرهنة: فنقول: هيا نذهب إلى أية قرية من قرى العالم الإسلامي في صدق، فنجد أن أعلمهم بالله أتقاهم له، أقلهم شراً وفساداً، وأن أجهلهم بالله ومحابه ومساخطه أكثرهم فسقاً وفجوراً وخيانة وكذباً، فمن يرد؟ لم إذاً؟ ما الذي يمنع أمة الإسلام أن تعود إلى بيوت ربها؟ تحمل نساءها وأطفالها ساعتين من المغرب إلى العشاء فقط يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم، ما المانع؟ ما وجدنا لذلك مانعاً أبداً، رأينا اليهود، النصارى، البوذيين، المشركين، الشيوعيين، الكل إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يقف دولاب العمل، لا مصنع ولا متجر ولا مطعم ولا مقهى، وتذهب تلك الجماعات من النساء والأطفال والرجال إلى الملاهي، إلى المقاهي، إلى الملاعب، إلى المساخط، ولا لوم فإنهم أموات: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171].
فما المانع لنا؟ هيا نجرب في قرية فقط، فإن قيل: ما نستطيع، قلنا: لم ما نستطيع؟ ما الذي يقف في وجهنا؟ هل التجارة تتعطل، هل الصناعة تقف؟ إن أرباب التجارة والصناعة الذين نجري وراءهم ونقلدهم يوقفون أعمالهم مع غروب الشمس، لم ما قالوا: تعطلت تجارتنا وصناعتنا؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].
هذه لو يكررها أهل المسجد ثلث ساعة ويحفظها الأطفال والنساء والرجال ويفهمون معناها ويطبقونه فستتغير الحياة رأساً على عقب، يصبحون خلقاً غير هذا الخلق الهابط، عرف العدو هذا، المجوس واليهود والنصارى عرفوا هذا منذ ألف سنة، عرفوا أن الروح التي بها الحياة هي القرآن العظيم، أن النور الذي به الهداية إلى السعادة والكمال هو القرآن، فصرفوا المسلمين بالسحر والتدجيل والحيل، صرفوهم عن القرآن، وأصبح القرآن لا يقرأ إلا على الموتى، لا تسمع من يقرأ القرآن إلا إذا كان في البيت ميت، وهل أفقنا؟ ما أفقنا.
أينزل الله كتابه يحمل العلم والمعرفة والهداية ونعرض عنه ونقرؤه على الموتى؟ لم لا نجتمع عليه في بيوت ربنا ندرسه ونتعلمه؟ لعلنا ما نحن في حاجة إلى هذا، حسبنا كليات العلم ومدارس التربية، أهذا يكفي؟
إليكم صورة ربانية: ماذا تعرفون عن رسول الله؟ أليس هو الذي أنزل عليه القرآن؟ أليس الذي أمر ببيان القرآن وتفسيره؟ يقول يوماً لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا
أين أمة الإسلام؟ أين مظاهر الكمال فيها؟ الآن الركض المتواصل بين طلبة العلم وبين الأمة بكاملها -إلا من رحم الله- على الأكل والشرب والنكاح، إذاً: أصبحنا كالآخرين، ما نستطيع أن نتفرغ ساعة بأبنائنا ونسائنا لنسمع كلام الله ونحثهم ونحضهم على فهمه وتطبيقه والعمل به، لأنه سلم كمالنا ورقينا في الدنيا والآخرة.
عبد الله بن مسعود يقول لنا: إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، أعطها أذنك. لم يا عبد الله ؟ لأنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه. وهل أنت ترضى بفقدان الخير أو بحلول الشر؟ إذاً: كيف لا تسمع؟
ناداهم بعنوان الإيمان، لم يا أبنائي؟ لأن المؤمن حي كامل الحياة يسمع، يبصر، ينطق، يعي ويفهم، يأخذ ويترك، قادر على أن يفعل لأنه حي، لو كان كافراً ميتاً فلن يناديه ولن يكلفه، فهو ميت، أتضع بين يديك ميتاً وتأخذ تأمره: قم صل، قم اغتسل من جنابتك، أد حقوقك؟!
فلكمال الحياة يناديهم الله عز وجل إما ليأمرهم بما فيه خيرهم، أو لينهاهم عما فيه شرهم، أو لينذرهم عما فيه مخاوف لهم وعواقب سوء، أو يبشرهم بما يزيد في فرحهم وسرورهم، أو ليعلمهم، أما أن يناديهم لا لشيء فتعالى الله عن اللهو واللعب، تعالى الله علواً كبيراً.
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، والطيبات جمع طيب، ما الطيب يا أبنائي؟ الحلال، وهو ما انحلت عقدة الحظر منه وأصبح مأذوناً فيه من مالكه مباحاً، هذا هو الحلال.
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هل من رازق غير الله؟ المرأة تقول: أنا الذي طهوت الطعام وأنا الذي فعلته، نقول لها: وأنتِ من خلقكِ؟ يداك من شغلهما؟ عقلكِ من قاده؟ من علمكِ؟ ما هو إلا الله.
أما الذكر فمعروف، الصلاة التي نصليها نفتتحها بذكر الله: الله أكبر، ونختمها بـ(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وما بين الافتتاح والسلام كله ذكر: الله أكبر، سبحان الله، قراءة القرآن، كله ذكر.
إذاً: وأعظم من هذا أننا نحن -المؤمنين بحق- الذين ننادى لا يمكن أن تمضي الساعة والساعتان على أحدنا ولا يذكر الله أبداً، إلا إذا نام فقط، القلوب والألسنة متفقة متواطئة، يذكر القلب فيتبعه اللسان، ويذكر اللسان فيتبعه القلب؛ لأن ذكر الله غذاءنا الروحي، لأن ذكر الله حصننا الحصين، لا تستطيع الشياطين أن تدخل على قلب صاحبه يذكر الله، ولا تحتله أبداً، والذين يتركون ذكر الله تحتل الشياطين قلوبهم وتعبث بها كما شاءت.
وقد تقول: يا شيخ! كيف هذا الكلام؟ فأقول: الذي يجري إلى معصية من دفعه؟ من حسنها؟ من زينها إن لم يكن الشيطان؟
وقد عرفتم أن الخناس ذاك الذي يوسوس، فإذا لاح في الأفق (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) انخنس وانكسر وسكت، ما يقوى، وعرفنا أن أهل التقوى التي هي طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر فيما أمر الله به ونهى عنه، هذه الطاعة هي التي تزكي النفس البشرية وتطيبها وتطهرها، بمعنى أن ما نقوم به من عبادات يزكي أنفسنا يغسلها ينظفها يطهرها، وما نتجنب من المعاصي والذنوب وغير ذلك من الذي يخبثها ويدسيها، فإذا اتقينا الله وخفنا منه فعملنا بما أمر وتركنا ما نهى عنه وزجر احتفظنا بطهارة أرواحنا، احتفظنا بزكاة نفوسنا، فإذا جاء العدو يريد أن يغزوك تلوح على الفور أنوار التقوى فيشاهدها فيهرب، كالرادار الممتاز الآن في مطاردة العدو، ولنقرأ لذلك دائماً: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] إخوان من؟ إخوان الشياطين، فهل يصبح الآدمي أخاً للشياطين؟ أي نعم، إذا تزيا بزيهم ونطق بمنطقهم ولبس لباسهم وعمل عملهم فهو واحد منهم، أما قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [هود:119].
الشكر مادته مأخوذة من الظهور، شكرت الدابة: إذا ظهر سمنها بالعلف الذي قدمته لها، شكرت فهي شكور، فالشكر -إذاً- إظهار النعمة، وذلك يتم بثلاثة أمور:
أولاً: الاعتراف للمنعم بقلبك ولسانك، ما هذا الثوب الذي ترتديه؟ من الله، ما هذه السيارة التي تركبها؟ من الله، ما هذه المرأة التي في بيتك؟ من الله، كل شيء من الله لا من زيد أو عمرو، فالاعتراف بالنعمة لله، فما بنا من نعمة إلا وهي من الله.
ثانياً: الاعتراف باللسان بأن تحمد الله عز وجل على نعمه، أكلت فقل: الحمد لله، شربت فقل: الحمد لله، ركبت الدابة والسيارة فقل: الحمد لله، نزلت فقل: الحمد لله، نمت فقل: الحمد لله، استيقظت فقل: الحمد لله، وتتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستيقظ من النوم فيقول: ( الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور )، ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي ). وما رفعت مائدته بين يديه بعد الفراغ من الأكل إلا قال: ( الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ).
فالشكر: الاعتراف بالنعمة للمنعم أولاً.
ثانياً: النطق بها وحمده والثناء بها عليه.
ثالثاً: صرفها فيما يحب، فمن صرفها فيما يكره فوالله! ما شكر، وكيف تصرف النعمة فيما يحب الله؟
أولاً: بالعمل به.
ثانياً: بتعليمه غيرك، فإن لم تعمل به فأنت كافر النعمة -والله- وجاحدها، أين هي النعمة؟ فإن عملت ولم تعمل فأنت أيضاً غير معترف بفضلها ولا بكمالها ولا بأجرها ولا بحسناتها، لم لا تعلمها؟ وهكذا أصبح العالم في القرية في المدينة في أي مكان يعلم ويعمل ويعلم.
أولاً: الاعتراف بأن هذه الصحة من الله عز وجل.
ثانياً: نحمده في كل مناسبة: الحمد لله.. الحمد لله.
ثالثاً: ألا نعمل بها معصية من المعاصي.
ونبدأ من ذلك باللسان، لا تغتب مؤمناً، لا تسب مؤمناً، لا تؤذ مؤمناً، لا تنطق ببذاء، لا تنطق بسوء أبداً، حتى تشكر نعمة الله على المنطق والنطق.
ونعمة العين انظر بها إلى كتاب الله، انظر بها إلى الآيات الكونية، انظر بها الطريق إلى بيتك، انظر بها إلى كتابك الذي تقرؤه، انظر بها إلى أولادك لتحبهم وتفرح بهم، أما أن تنظر بعينيك إلى ما حرم الله عليك فوالله! لأنت كافر بهذه النعمة، وما شكرت الله.
وهل هناك أشياء غير مسموح لنا النظر إليها؟ أي نعم، كل محارم المؤمنين لا يحل النظر إليها، لا يحل لك أن تقلب عينيك في امرأة ليست من محارمك، وسواء كانت في الشارع أو في الطيارة، غض بصرك وطأطئ رأسك ولا تلتفت إليها، وما لك إلا النظرة الضرورية الأولى، وإلا فما شكرت نعمة البصر.
والسمع نعمة أم لا؟ سلوا أهل الصمم: كيف حالكم؟ في كرب، ما يسمعون، فهذه النعمة كيف تشكر، هذه تشكر بسماع الحق، تشكر بسماع ذكر الله، تشكر بسماع كلام يفيد وينفع، أما أنك تصغي إلى عاهرة تغني أو إلى ماجن ساقط هابط يغني فوالله! ما شكرت هذه النعمة، لقد كفرتها وسيؤدي بك هذا الكفر إلى ويلات، قد تموت على سوء الخاتمة.
وإن قلتم: ما هذا التشديد يا شيخ؟ قلت: أما عرفتم لماذا؟ إن أمريكا والصين واليابان وأوروبا والعالم آيسون من الصعود إلى الملكوت الأعلى والنزول في الفراديس العلا، آيسون بالمرة، ونحن نرجو ونأمل، إذاً: فإذا صمنا الدهر كله فذلك لا يضر، وإلا فكيف ترقى، كيف تخترق مسافة سبعة آلاف وخمسمائة سنة ساعة خروج روحك، كيف تنزل في الملكوت الأعلى؟ لو طلب منك أن لا تأكل فلا تأكل، أو أن لا تشرب فلا تشرب، أو أن تقف في مكان لا تتحرك فإنك تقف، لم؟ لأن الغاية عظيمة.
ومع هذا فما حرمه الله علينا من السماع وكلام البذاءة ما منعه إلا لأنه يلوث أرواحنا ويخبث نفوسنا ويحول بيننا وبين حب الله ورضاه.
إذاً: عرفتم الصحة البدنية، إذا مررت بأخيك يحمل حملاً ثقيلاً فاحمل معه ساعده، وإذا كنت ما تستطيع فادع له بالعون من الله عز وجل.
إذاً: هذا المال الذين يشترون به ما يسمونه بالصحن الهوائي كان يساوي مبالغ مالية طائلة ما يملكها أمثالنا، يبلغ خمسين أو ستين ألفاً، فعرف العدو الماكر إبليس وجنده أن هذا ما يفسد على هذه الأمة عقولها ولا قلوبها، ونحن نريد دمارها وخرابها، فأنزلوا ثمنه حتى أصبح بألفي ريال أو بثلاثة، وأصدر فتيا ربانية إلهية سماوية أعلم أهل الأرض -فيما نعرف- وأتقاهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بحرمة هذا، ووزعت الفتيا وكتب في الجرائد، وإخوانكم الهابطون يتحدون الله ورسوله والمؤمنين، وبعضهم فقراء ولا تشعر إلا والدش على السطح، البيت الواحد فيه أربعة أو خمسة بحسب السكان في المدينة، فهل المؤمنون عرفوا الله حقيقة؟ أنا في حيرة، المؤمن يقول كلمة فيرتبك ويضطرب، ويبحث ويقول: كيف وقعت هذه المحنة؟ بكيف بهذا الذي يتحدى، وتحدوا أيضاً حكومة القرآن، وأصدرت بياناتها وأبطلتها، وهم إلى الآن يتحدون.
نعرف مؤمنين في القرى إذا قال الشيخ: هذا حرام يبتعد عنه نهائياً وهو أمي، يقول: أنا سألت فقال الشيخ: ما يجوز هذا، فما يدخله بيته! ونحن ندعي العلم والمعرفة والصناعة ونتحدى الله ورسوله والمؤمنين، فهل يجوز؟
واسمعوا وبلغوا: لو دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيتك وفيه عاهرة تغني أو ماجن راقص يرقص، فماذا تقول؟ وفي مدينته وتحت رايته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، هذه -والله العظيم- وحدها لو وعاها ذو وعي أو معرفة لمزق هذا، وإن أكره بالتعذيب والضرب فإنه يهاجر ولا يتحدى رسول الله ويغضبه.
والله! لقد كتبت كتاباً بالعبارات التي سمعتم، وأعطيناه لصاحب دش مقابل المسجد النبوي، ولا أدري من هو هذا، فوالله! ما التفت ولا تغير، وقلت لكم: والله! لو كان يهودياً لخجل واحترم هذا الكتاب والكلام وتركه، فهل عرفتم وضعنا أم لا؟ إننا منحدرون، ما علة هذا يا شيخ؟ الجهل بالله، مؤمن مقلد، اسأله عن الله، ما عرفه، فكيف يحبه أو يخافه.
لكن المحنة أن يعرف أن هناك علماً وعلماء يجب أن يسألهم ولا يسأل، والله تعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وجاهد نفسك، إذا قال عالم: هذا باطل فلا تجعله حقاً أبداً.
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] نعمه الظاهرة والباطنة بالاعتراف بها وحمد الله بالألسن عليها وبإنفاقها في محابه وإبعادها عن مساخطه، إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ألستم تدعون تقولون: إننا مؤمنون؟ تقولون: لا إله إلا الله أم لا؟ تقولون: لا نعبد إلا الله؟
إذاً: إن كنتم كذلك فاشكروا الله، ومن قال: لا فقد كذب.
أربعة: أولاً: الميتة، فالحيوان المأكول اللحم كالأنعام من الإبل والبقر والغنم والأرانب والغزلان إذا مات بدون عملية التذكية فهو ميتة، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يأكلها، لم؟ فيها جراثيم فيها أمراض فيها كذا، حاشاه سبحانه أن يحرم شيئاً لا خطر فيه ولا ضرر، والله! ما كان، وإن كابر الأطباء الدنيا.
الثاني: الدم، ما هو الدم؟ هو القاني الأحمر، هذا الدم الذي يتجمع إذا ذبحت الشاة أو البعير أو البقرة ووضع له إناء يجمع فيه، أما الدم مع العظام مع اللحوم فما فيه شيء، الدم المسفوح المصبوب صباً، فهذا الدم المسفوح حرام، أما المختلط باللحم والعظم فلا شيء فيه.
الثالث: لحم الخنزير، حرمه لم؟ لأنه يورث الدياثة، والديوث لا يدخل الجنة، بهذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله، والذي يأكل لحم الخنزير ويتربى عليه يصبح ديوثاً، يقدم امرأته أو أخته للآخر وهو يبتسم، أما رأيتموهم في أوروبا يكونون جالسين في المرقص فيقول لزوجه: قومي ارقصي مع فلان، أو يأتي فلان فيأخذها يقول: تعالي نرقص، ويرقص مع امرأة فلان وهو جالس؛ لأنهم أكلوا الخنزير ففقدوا الفحولة والمروءة.
وعندنا كلمة نبلغها للنساء حفظناها عن عائشة أمنا قالت: الديوثة من النساء التي يسمع صوتها الضيف في حجرتها. فبلغوها، الديوثة من النساء من هي؟ التي يسمع صوتها ضيف زوجها في حجرته وهي ترفع في صوتها.
والله تعالى أسأل أن يحيي قلوبنا وأن يردنا إلى الصراط المستقيم حتى نعرف الله ونحبه ونخشاه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر