وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
أولاً: وجوب الوفاء بالعهود والعقود، عقود إيجار أو بيع أو شراء، أو عقود نكاح؛ إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
ثانياً: إعلان الله تعالى لنا عن حله لنا بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، هذه منته وعطيته فله الحمد وله الشكر؛ إذ قال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ [المائدة:1]، ثم استثنى عز وجل عشراً من المحرمات فقال: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة:1]، وهو موضوع درسنا اليوم: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3] إلى آخر ما جاء في تلك الآية.
ثالثا: تحريم الصيد على المحرم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1]، فأعلمنا أنه لا يحل لمحرم أن يصيد وهو محرم ولو كان خارج المملكة، أحرم في القدس أو في غيرها بحج أو عمرة فبمجرد أن يقول: لبيك اللهم لبيك يحرم عليه أن يصيد، سواء الغزلان، الأرانب، الطير وكل صيد، اللهم إلا صيد البحر، إذا أحرم في السفينة ورأى أن يلقي بشبكته في البحر ليصيد فله ذلك، أذن الله فيه، أما صيد البر فحتى الأرانب واليرابيع لا يحل له أن يصيدها؛ إذ قال تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ [المائدة:1] لا تحلوا الصيد فإنه حرام، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1]، هذه الجملة حالية: والحال أنكم محرمون، و(حرم) بمعنى محرمين، أنت حرام وهؤلاء حرم.
رابعاً: ثم أعلمنا أن له الحق في أن يحل أو يحرم، لا أحد له في ذلك حق، هو الخالق وهو المالك وهو العليم بما يحتاج إليه خلقه، وبما ينفع ويضر، أما غيره فكيف يحل أو يحرم؟ إياك أن تعترض على الله فإنه الكفر؛ إذ قال: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة:1] إن الله يحكم ما يريد أن يحكم، وليس لغير الله ذلك، لماذا؟
أولاً: لأنه الجبار القهار بيده كل شيء.
ثانياً: لأنه المالك، والمالك يأذن ولا يأذن بما يريد.
ثالثاً: أنه عليم بمنافع الناس ومضارهم، حكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه.
وقوله: وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:2] هذا منسوخ، أذن الله لأمة رسوله أن يقاتلوا أعداءهم في الشهر الحرام إذا قاتلوهم فقال: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، لكن في الجاهلية قبل ألا تكون دولة للإسلام والمسلمين كانوا يحترمون الأشهر الحرم الأربعة، ليتم فيها هدنة عالمية لا يعتدي فيها أحد على أحد.
وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ [المائدة:2]، ما زلنا نهدي إذا استطعنا أن نهدي، أنت في المدينة تشتري بقرة أو تشتري بعيراً وتجرحه من جهة اليمين في سنامه، وتلطخه بالدم وتبعث به إلى مكة ليؤكل في الحرم، والقلائد مثل الكبش تقلده قلادة وتقول: هذا مهدى إلى الله إلى الحرم، فلا يعترضه أحد.
وكان المشركون يحترمون الهدي والقلائد، لا إيمان بالله ولا بلقائه، بل جهل وكفر، ومع هذا من تدبير الله لسكان حرمه وحماة بيته أن ألقى في قلوب العرب في أطراف الجزيرة وفي داخلها أن من قلد هدياً لا يؤذى أبداً ولا يمس بسوء، بل إذا أخذ أحد قشرة من لحاء شجر الحرم وعلقها فإنه يمشي إلى ما وراء البحرين ولا يخاف أحداً، إذ يقال: هذا كان في الحرم، ويسوق قطيع الغنم أو قطيع البقر والإبل فمتى قلدت الغنم أو أشعرت الإبل فإن أعداءه لا يلتفتون إليها، بل يمر الرجل بقاتل أبيه فلا يعرض له، وهل هناك أكبر من قتل أبيه؟ إذا وجده في الحرم أو في الشهر الحرام يلوي رأسه ولا ينظر إليه، واقرءوا في آخر هذه السورة المدنية المباركة: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ [المائدة:97] فمعايشهم عليها بسببها وبسبب الهدي والقلائد، وهذا تدبير الله، ولما جاء الإسلام ولاحت أنواره، وارتفعت رايته، وكان العدل وكان الحكم بشرع الله نسخ الله هذا.
هذه الآية تقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، لا تحل أذيتهم ومنعهم من دخول مكة، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا هذا الجزء من هذه الآية منسوخ، فلا يحل لكافر أن يدخل الحرم، لا يحل لمشرك أن يدخل الحرم، وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، هذا قبل قيام دولة الإسلام، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ [المائدة:2] التجارة، يأتون حجاجاً وعماراً ويتجرون: يشترون البضائع ويبيعون، ويبتغون رضواناً من ربهم، كانوا يدعون الله ليحفظهم في أموالهم وأبدانهم.
فالمدينة هذه حرام لا يصاد صيدها ولا يقتل، ومكة حدودها بينها جبريل لإبراهيم عليهما السلام، كان جبريل يمشي مع إبراهيم ويقول له: ضع علامة هنا، من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأقرب حل إلى مكة هو جبل التنعيم الذي هو ميقات من أراد أن يحرم بعمرة.
فلا يحملنكم بغض إنسان آذاكم أذى أن تعتدوا عليه لأنه آذاكم وهو في الحرم: أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة:2].
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:2] اتقوا الله: خافوه، اجعلوا بينكم وبين غضبه وعذابه وقاية، وتلك هي طاعته وطاعة رسوله فيما يأمر الله به وينهى عنه، فبم يتقى الله عز وجل؟ هل بلباس قوي؟ بحصون عالية؟ بجيوش جرارة؟ بم يتقى الله وهو فوقنا ونحن أقل من بعوضة بين يديه، بم نتقيه؟
لا يتقى إلا بطاعته، إذا قال: اسكت فاسكت، إذا قال: تكلم فتكلم، قال: كل فكل، قال: اشرب فاشرب، قال: لا تأكل ولا تشرب فلا تأكل ولا تشرب، إذا قال: اركع فاركع، قال: اسجد في الأرض وضع جبهتك على التراب فاسجد، بهذا فقط يتقى الله، أما السلاح والرجال والحيل فلا شيء منها يقيك من عذاب الله؛ لأنه قاهر فوقك: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18].
إن معنى (ألا): انتبه! هل أنت تسمع؟ هل أنت واع للخطاب؟ هل أنت تفهم ما أقوله لك؟ وحينئذ يعطيك الخبر: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة.
من هم أولياؤك يا رب الذين أخبرتنا أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
الإيمان ينطبع في قلوبهم مرة واحدة فلا يزول ولا يمحى، أما التقوى فتتجدد، كلما أمر الله بأمر فاتق وافعله، وكلما بلغك نهي فاتركه واجتنبه، وهكذا طول حياتك، فلهذا التقوى تتجدد: وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهل يمكن لإنسان أن يتقي الله وهو لم يعلم أوامره ولا نواهيه؟ والله ما يمكن، مستحيل، إذا لم تعرف أوامر الله ما هي، وكيف تؤديها وما أوقاتها، ولم تعرف نواهيه وما هي؛ فكيف ستتقيه؟ مستحيل، فلهذا بمجرد أن تؤمن وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ تقرع أبواب العلماء: علموني كيف أعبد ربي، علموني بم أطيعه. لا في عامين، بل في أسبوع أو أسبوعين تعرف ما حرم الله وما نهى الله عنه، وما أوجب الله وما أمر به، أما بدون علم فمستحيل أن تكون ولي الله.
ولهذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن تأخذ القلم أو الورق، المهم أن تسأل وتعلم وتعمل، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، اسأل في صدق في جد: أريد أن أغتسل فكيف أغتسل؟ يعلمك ذلك فعلى الفور تحسنه وتعيش عليه، أردت أن أعتمر فكيف أعتمر؟ افعل كذا وكذا. في صدق تفهم ذلك وتعمل، وهذا هو العلم، ليس شرطاً الكتاب ولا القلم؛ لأنه علم عملي، ما هو بعلم خيالي.
وحرم تعالى الدم المسفوح السائل، كانوا يجمعونه ويغلونه على النار فيتجمد ويأكلونه، هذا فيه جراثيم وميكروبات قاتلة، أما الدم الذي يجري في العروق ومع العظام واللحم فلا، الممنوع أن تذبح الشاة وتجعل تحتها إناء وتأخذ ذاك الدم وتطبخه وتأكله، هذا حرام، ولم حرمه الله على أوليائه؟ لأنه يضر بأبدانهم، وهو خلقهم ليذكروه ويشكروه، فإذا مرضوا فكيف يعبدونه؟
أولاً: الخنزير هذا يأكل الجيف، يأكل الفئران الميتة، يأكل القاذورات، يتغذى بالخرء، ففيه أيضاً من الجراثيم القاتلة ما لا يوجد في غيره والعياذ بالله، الخنزير لو قدمت له الخرء فإنه يعيش عليه، وعلى الجيف، كل منتن يتلذذ به، فلهذا يحمل في دمه ولحمه جراثيم وميكروبات قاتلة، فلم يأذن الله لأوليائه أن يأكلوه.
وهناك لطيفة خذوها، وهي: أن الخنزير ديوث الحيوانات، يرضى بالخبث في أنثاه، لا يغار عن أنثاه، رأينا الجمل -والله- يصول صولاناً ولا يسمح لآخر أن يمس أنثاه، التيس من الغنم كذلك، والكلاب، إلا الخنزير فإنه -والعياذ بالله- ديوث، فالذين يأكلونه تنتقل الدياثة إليهم، وقد جرب هذا وعرف، ما تصبح له غيرة على امرأته أو ابنته، فهل عرفتم لم حرم الله لحم الخنزير؟ لأنه ضار بالمؤمنين، مفسد عليهم أعراضهم وأبدانهم، فكيف يجوز أكله؟
وهذا فيه تدسية النفوس وتخبيثها، فالأولى فيها أمراض البدن، وهذه فيها أمراض الروح، وهو أخطر من مرض البدن، خير أن تعيش سبعين سنة مريضاً ولا أن تعيش ساعة واحدة فاسقاً أو فاجراً.
وَمَا أُهِلَّ [المائدة:3] الإهلال: رفع الصوت، ومنه الهلال لارتفاعه، فما قيل عليه: باسم الله والله أكبر فهذا الذي يؤكل، أما باسم المسيح، باسم سيدي فلان، باسم كذا.. فلا يحل أكله أبداً.
وهنا يأتي المغرضون يقولون: أنا قلت: باسم الله عند ذبح الشاة. لكن لو سألته: هذه الشاة لمن؟ يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر ، إذاً: ما فائدة باسم الله؟ هل تكذب؟ أنت جعلتها لسيدي البدوي ، تقول: هذه شاته، هذه شاة سيدي عبد القادر ، هل ينفعك حين تقول: باسم الله عند الذبح؟ لا ينفع؛ لأن كلمة (باسم الله) معناها: أذن الله لي في هذه، أمرني أن أقدمها له باسمه فذبحتها، ليس معنى (باسم الله) للتبرك فقط، بل إعلان عن القصد: أمرني ربي باسمه أن أذبح هذا الحيوان وأقدمه للأكل، إذاً: فما أهل لغير الله به لا يأكل لحمه كالخنزير والميتة والدم على حد سواء.
إذاً: هذه أربعة: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ[المائدة:3]، هذه أصول المحرمات، جاءت في سورة النحل وفي سورة الأنعام: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145] أربعة.
هذه أصول المحرمات: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ [الأنعام:145] آكل يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]، هذه هي الأربعة هنا: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة:3].
قال أولاً: وَالْمُنْخَنِقَةُ [المائدة:3]، هي التي يخنقها بحبل أو بيديه أو بحجرين حتى تموت، هذه مخنوقة، بهيمة مخنوقة لا تؤكل، لم؟ لأنها ميتة؛ لأن الجراثيم والميكروبات في دمها، ما ذكيت وما طهرت.
وَالْمَوْقُوذَةُ [المائدة:3]: الوقذ هو الضرب بشدة، وقذه بعصا بحجر بعنف، فالتي تضرب بعصا أو بحجر حتى تموت هذه هي الموقوذة، لا يحل أكلها، فهي ميتة جيفة.
ثالثاً: وَالْمُتَرَدِّيَةُ [المائدة:3]، سقطت من السطح أو من أعلى الجبل، أو سقطت من السيارة فماتت، هل يجوز أكلها؟ ما يجوز، فهذه ميتة، فيها جراثيم وميكروبات في دمها محبوسة فيها.
وَالنَّطِيحَةُ [المائدة:3]: النطيحة بمعنى المنطوحة تنطحها أختها، تراها تتقاتل على الأكل، تنطحها ويدخل قرنها في بطنها أو كذا فتموت، فهي ميتة.
وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ [المائدة:3]: السبع: الذئب وغيره مما يفترس ويأكل، فالشاة التي يأكلها السبع وتجدها ميتة لا يجوز أكلها، اللهم إلا إذا أدركتها حية والحياة مستقرة فيها وذبحتها وسال دمها فلا بأس، كذلك نقول في المنخنقة، وفي الموقوذة، في المتردية، في النطيحة، ما أدركت فيه الروح كاملة بحيث إذا ذبحته رفس برجليه وانتفض فلا بأس.
إذاً: هيا نتلو بعض الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة:3]، ما معنى: (وما أهل لغير الله به)؟ هذه شاة سيدي عبد القادر ، هذه شاة المسيح، رفع الصوت فيها بغير اسم الله.
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، إلا ما ذكيتموه، قالت العلماء: أدركتم فيه الروح كاملة فذبحتموه، فالمنخنقة، المتردية، النطيحة إذا أدركت فيها الحياة مستقرة وذبحتها فهي حلال، وإن وجدتها ميتة أو في حكم الميتة بحيث إذا ذبحتها لم تتحرك فلا تؤكل، فهي ميتة.
وهذه ما شاعت بين المسلمين وظهرت إلا في بلدين أو ثلاثة وانتهت، فلا يحل لنا أبداً أن نجعل لأحدنا صورة من حديد أو ساج أو عاج أو خشب أو طين حتى نذكره بها ونعظمه، هذا من فعل المشركين، ولا يحل أبداً، وأهله في جهنم.
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة في حجرتها الطاهرة الموجودة الآن، والتي فيها رسول الله وصاحباه، وقد وضعت سترة في كوة أو نافذة فيها صورة منسوجة بالخيوط، والله لقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت الغضب في وجهه فقالت: أتوب إلى الله ورسوله، ماذا فعلت يا رسول الله؟ قال: ( يا
كيف حالكم في بيوتكم يرحمكم الله؟ هل يوجد في بيوتكم صور أم لا؟ أترضون أن يغضب الله ورسوله عليكم؟ اسمعوا واعلموا أن القضية قضية جد ما هي بهزل، بالله الذي لا إله غيره! لا يحل لنا نحن أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن نعلق الصور في بيوتنا، وأعظم من ذلك أن نضع شاشة التلفاز والفيديو ونشاهد العواهر من النساء يغنين، والهابطين من رجال يرقصون ويتكلمون في بيوتنا التي تعمرها الملائكة.
أقول: لو نرجع إلى الله أربعاً وعشرين ساعة يسمع العالم بكامله أن بيوت ألف مليون مسلم ما فيها صورة، لغيرت الدنيا نظامها وعرفوا قيمة الإسلام وأهله، مسألة كهذه فقط: عرف المسلمون أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، فطردوا الشياطين من بيوتهم وأحلوا الملائكة محلها، من أجل أن يذكروا الله وينيبوا إليه، هذه وحدها بها نقول: طلعت شمس الإسلام، في أربع وعشرين ساعة والأمة كلها على قلب رجل واحد، هذه البسيطة الساذجة ما فعلناها!
مع أننا نقول في هذا المسجد: نتحداكم يا من في بيوتكم هذه الملاهي أن تغتنموا غنيمة، ما هناك دينار واحد، طول الليل والرواقص في بيتك، فكم ريالاً تجني؟ والله لا تجني ريالاً واحداً، هل يحدث لك الشبع في بطنك؟ هل يعلو شرفك ومكانتك وتصبح ولي الله؟ والله ما كان، هل ترهب وتصبح كالأسد يخافونك من فوقك ومن تحتك؟ والله ما كان، ما هي النتيجة غير أن يغضب الله ورسوله؟
أننا نحن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه لا نتكلم بالكلمة إلا إذا كانت تنتج لنا حسنة أو تنتج لنا درهماً، لا نمشي مشية أبداً إلا من أجل أن نكتسب درهماً لمعاشنا أو حسنة لمعادنا، فكيف نجلس الساعات ونضيع وقتنا في اللهو والباطل؟ ولا ألوم؛ لأننا ما عرفنا، ما علمونا، جهلنا منذ قرون، أبعدونا عن القرآن والسنة، إذاً هذا هو الذي يجري بيننا.
ومع الأسف أنه أيضاً حتى العبد إذا سمع لا تطمئن نفسه إلى ما سمع، ولو كنا صادقين فوالله لن يوجد من الليلة في بيته تلفاز ولا فيديو أبداً، وإن وجد لضرورة لمسئول من المسئولين أو سياسي من السياسيين في غرفة خاصة فيها إبليس عند الحاجة والضرورة يفتح ويسمع أو يشاهد، ثم يغلق، ما يجعله لبناته ونسائه وأولاده يتفرجون على العهر والباطل، فتفسد قلوبهم وتطمئن نفوسهم إلى الباطل ويتلذذون به.
يصلون المغرب النساء وراء الستارة والأطفال دونهن والفحول أمامهم، بعد صلاة المغرب آية يدرسونها كل ليلة، يتغنون بها حتى تحفظ، فيحفظها الرجل والمرأة والطفل حفظاً حقيقياً بقصد العلم ومعرفة الطريق إلى الرب تبارك وتعالى، في ربع ساعة كل الحاضرين والحاضرات حفظوا تلك الآية، ثم يأخذ المربي يضع أيديهم على المطلوب منها، الآية تطلب منا عقيدة كذا فهيا نعقدها في نفوسنا، الآية تطلب منا ترك معصية فلانية فمن الآن عزمنا على تركها، تأمر بواجب فمن الآن نقوم به، وفي الليلة الثانية حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، ما تمضي سنة إلا وأهل القرية والله كأنهم رجل واحد، على قلب رجل واحد، لا خلاف ولا مذهبية ولا فرقة، بل قال الله قال رسوله، يطبقون دين الله عز وجل.
والمدن كذلك، كل مدينة فيها أحياء، كل حي له مسجده، دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب فتوضئوا وأتوا بيت ربهم يطرحون بين يديه، يبكون بين يديه، يطلبون عونه ونصره على أنفسهم أولاً ثم على أعدائهم ثانياً، يتعلمون الكتاب والحكمة، فما تمضي سنة إلا وهم كرجل واحد، وتنتهي مظاهر الغش، والحسد، والكبر، والجهل، والشرك، والباطل، والله! إنه لمستحيل أن تبقى، إنها سنن الله عز وجل: الطعام يشبع أم لا؟ الماء يروي أم لا؟ الحديد يقطع أم لا؟ لم لا تتخلف هذه السنن؟ إذاً: فتعلم الكتاب والحكمة وتزكية النفوس يستحيل معه الباطل والشر والفساد.
هذا هو الطريق، هذا طريق العلم، هذا طريق العودة إلى الله، هذا طريق النجاة، فبلغوا، حاولوا أن تفعلوا حتى في بيوتكم، اجمع امرأتك وأولادك وتغن بآية معهم أو حديث، ليلة آية وليلة حديث، تشبعون بالنور الإلهي وتنامون، أما أن تترك التلفاز في بيتك والفيديو والعواهر يغنين فكيف يصح هذا؟ والله إني أخشى أن يموتوا على سوء الخاتمة، تفسد القلوب، وإن صاموا وصلوا.
اللهم إنا نسألك أن تهنئ المؤمنين والمؤمنات بصوم رمضان، اللهم هنئهم بالثواب المأجور عليه، اللهم هنئهم بالثواب وأعدهم إلى مثله يا رب العالمين، اللهم أعدهم إلى مثله وهم طيبون طاهرون أتقياء بررة مستقيمون، اللهم أعدهم إليه وأعده عليهم يا رب العالمين سنوات عديدة وهم أتقياء أولياء صالحون يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر