وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر ونفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن نصغي مستمعين إلى تلاوة الآيات مجودة مرتلة، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما جاء فيها من الهدى والنور.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:146-149]. صدق الله العظيم.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! الآيتان الأوليان وإن درسناهما فنحن نذكر أنفسنا أولاً بهما، والذكرى تنفع المؤمنين.
هذا الوعد الشديد: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] وصرفهم عن الآيات فلا يبصرون، قلنا لكم: يعيش هذا المتكبر هذا الجاهل سبعين سنة ما يتفكر في الشمس من خلقها، ولا هذا النبات من أنبته، ولا أمه من أوجدها، ولا مصيره إلى أين، لا يتفكر أبداً، مصروف صرفاً كامل.
إذاً: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأعراف:146] وهو الواقع، وإن يشاهدوا كل آية من المعجزات، من الكرامات، من آيات الله في الكتاب تقرأ عليهم، في الكون بما فيه، الحياة والموت أيضاً؛ فلا يتنازلون ولا يزول كبرياؤهم، ولا يؤمنون.
ثالثاً: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ [الأعراف:146] الطريق الموصل إلى السعادة، إلى الكمال، إلى الطهر، إلى الصفاء ألا وهو دين الله الحق الإسلام، إن يروه لا يتخذوه سبيلاً.
وهنا ضغطة على هذا الزر القديم: أرأيتم كيف أقبل إخوانكم وآباؤكم على الاشتراكية؟ وصفقوا لها وقاموا وقعدوا، هل هي سبيل رشد أو سبيل غي؟ لم لا يقبلون على الإسلام ويطبقونه وهو سبيل الرشد؟ ما الذي صرفهم؟ كبرياؤهم التي كانت في نفوسهم، ولهذا عموا عن آيات الله التنزيلية والكونية ولم يبصروا شيئاً، وصفق لهم الماسونيون فأقبلوا على الاشتراكية، وهي -والله- سبيل غي، فلا ننسى هذه الورطات التي تورط فيها آباؤنا وإخواننا، هذا وعد الله.
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف:146] ولا يمشون معه، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146] والله! لو آمنوا بآيات الله وما غفلوا عنها لما تورطوا في هذا الباطل ولطبقوا شريعة الله وحكموا كتابه في عباده منذ أن استقلوا ورفعوا راية الحكم، ولكن كذبوا بآيات الله وإن لم ينطقوا، فقلوبهم ما هي بمؤمنة، لو آمن العبد بقلبه فوالله ما يستطيع أن يعصي الله ولا يقدر على ذلك، وأنتم تعرفون بأنفسكم، فهذه صورة دعوية للإيمان بآيات الله، فالذي ما يقرأ القرآن عليه ولا يسمعه هل آمن به؟ ويقرءونه على الموتى، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [الأعراف:147] هبطت، تمزقت، تلاشت، والله! ما يستفيدون منها شيئاً حتى ولو كان لهم أعمال صالحة فمع الباطل ذابت معه، حبطت أعمالهم.
ثم قال تعالى: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:147] من يجيب؟ والله! ما يجزون إلا ما كانوا يعملون، لأن الله عدل وغني عن أن يظلم عبداً من عباده، ما يجزون إلا ما كانوا يعملونه باختيارهم وإراداتهم وهم أرباب عقول وفهوم ومنطق وكلام، هذه الآيات لو تعرض على المسلمين طول العام لعلها تعيد ذاك الذي ضاع من نفوسهم من حب الله والخوف منه.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ [الأعراف:148] من قوم موسى؟ بنو إسرائيل الذين توالدوا لما هاجر أولاد يعقوب إلى مصر وحكم يوسف وتناسلوا فبلغوا ستمائة ألف نسمة، وعاشوا دهراً تحت سلطان فرعون، وقد عايشناهم في الآيات السابقة، وعرفنا ماذا حل بهم وما نزل بهم، وشاء الله أن يحررهم ويعتقهم بأعظم آية ما عرفها الكون: انفلاق البحر اثنتي عشرة فلقة، كل قبيلة تسلك سبيلها الخاص بها، ثم إغراق فرعون وملئه وجيشه وكانوا مائة ألف، وحررهم الله واستقلوا، وعلى شاطئ البحر الأحمر مروا بقرية من القرى، فوجدوا أهل القرية يعبدون تماثيل بقر، قالوا لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة! ولا لوم؛ لأنهم تربوا في حجور الباطل والشر والخبث والفساد، ما تربوا في حجور الصالحين، وكون موسى عايشهم أربعين سنة ما هو في كل بيت ولا مع كل واحد، فلهذا شاهدوا الآيات بأعينهم وقالوا: يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138] أدبهم. وثانياً قال: اجلسوا هنا، سأذهب إلى ربي وقد واعدني لآتيكم بالدستور الإسلامي. ويا هارون! اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين حتى آتي بالدستور وأعود وأحكمهم بحكم الله.
وقلنا: استقل لنا نيف وأربعون دولة أو إقليماً، ما جاء إقليم أبداً يطالب بالدستور الإسلامي لا من الملك عبد العزيز ولا من أولاده، وهم يشاهدون البلاد تحكم بالشريعة الإسلامية، هل بلغكم أن إقليماً استقل كالكويت أو إيران أو أي دولة وجاءوا فقالوا: نريد أن نحكم شرع الله، أعطنا قضاة أو أعطنا كتاباً لهذا الطريق نسلكه؟ هل حصل شيء؟ والله ما كان، ماذا تحقق بعد الاستقلال للأمة وللشعب المسلم؟ الهون والدون والضعف والفقر والحاجة والبلاء والشقاء والفجور والباطل والشر والظلم، والله! لكما تسمعون، وهذا جزاؤنا، أعرضنا عن كتاب الله عن سبيل الرشد.
فموسى عليه السلام ما إن استقل حفنة من اليهود حتى أتاهم بالقانون، ونحن نطبق حكم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في أرضنا وديارنا وفي أنفسنا ونزعم أننا مؤمنون! هذه ما تنسى أبداً.
إذاً: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ [الأعراف:148] والقصة ستأتي مفصلة في سورة طه، والمراد من هذا: لما ذهب موسى إلى ربه في جبل الطور، ذهب موسى إلى الله في جبل الطور وواعده الله جل جلاله باللقاء هناك: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142]، وانتهى إلى جبل الطور وكلمه الله جل جلاله بلا واسطة، وكلم موسى ربه بلا واسطة، وشاهد الآيات، في هذه الغيبة الطويلة كان يوجد رجل خبيث منتن مادي كانت مهنته الصياغة، يصوغ الحلي، يقال له: السامري نسبة إلى سامر قرية، واسمه موسى بن ظفر، هذا الإبليسي جمع نساء بني إسرائيل وصاح فيهن: هذا الحلي الذي عندكن يا نساء بني إسرائيل من حلي القبطيات ولا يحل لكن الانتفاع به أبداً. وممكن أنه علم أولاً وقال لنساء بني إسرائيل: استعرن من القبطيات الحلي على سبيل الإعارة، فإذا خرجنا من الديار فسننتفع به، ممكن أنه حصل هذا. فقال: إذاً: اجمعن هذا الحلي كله لنحرقه وترفع المسئولية عنا ولا نأثم بين يدي الله، فأخذ المؤمنات الجاهلات الحلي ودفعنه إليه، وليس معنى هذا أنني أشجع تعليم بناتنا في الجامعات، والله! لا أشجع على هذا منذ أربعين سنة، من أراد أن يعلم بناته فليعلمهن في بيته كيف يعبدن الله، كيف يتحببن ويتقربن إليه، فتكون الحياة طيبة طاهرة، لا أن يحرص على وجودهن في التعليم للوظيفة وإن كانت خسيسة غير شريفة، وقد شاهدنا بأعيننا.
إذاً: فنساء بني إسرائيل جاهلات كن في الشرك والباطل والشر، غرر بهن السامري لعنة الله عليه فجمع الحلي وصاغه على صورة عجل، والعجل ابن البقرة كالفصيل ابن الناقة والجدي ابن العنز، إذاً: صوره، وهذا جار به العمل؛ إذ مروا بالقرية وفيها أبقار مصنوعة تعبد، فقال تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ [الأعراف:148] من بعد ذهاب موسى إلى جبل الطور عِجْلًا جَسَدًا [الأعراف:148] ما معنى جسداً؟ ما هو بمصور على ورقة أو مرسوم في جدار، بل جسد ولا روح فيه.
فلما صنع العجل دمج فيه تلك التربة فصار يخور، والخوار صوت العجل، وقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى، وموسى فقط نسيه وذهب يبحث عنه، فهيا اعبدوه، فعبدوه.
وصاح الخليفة الطاهر هارون: يا قوم .. يا قوم! فما استجابوا، وما عنده عصا ولا حديدة لتأديبهم وزجرهم.
وأخبر موسى وهو عائد أن قومك اتخذوا العجل إلهاً من دون الله، فكانت كروب عاشها موسى وهارون بسبب الجهل وبسبب كيد الكائدين من الشياطين والماكرين، وهذا سيأتي مفصلاً في سورة طه.
يا شيخ! لا تلم بني عمنا، لُمْ إخواننا من عرب وعجم يعكفون على القبور والأضرحة ويستغيثون بها وينادونها ويذبحون لها الذبائح وينذرون لها النذور وهي -والله- لا تكلمهم، لو قلت على قبر: سيدي عبد الرحمن، سيدي موسى، سيدي فلان، فلن تسمع إلا الصياح: يا سيدي، يا مولاي، أنا كذا، ولا رد، وهل يردون عليهم؟
فالذي لا يرد عليك كيف تدعوه؟ ماذا يعطيك؟ فقط صرفك الشيطان عن الله لتلتفت إلى هذا المخلوق الكائن الميت فتعطيه قلبك ووجهك وكلك، هذا فعل الشيطان، ما سبب هذا؟ الجهل ورب الكعبة، ولماذا جهلت أمتنا؟ من حملها على الجهل؟ العدو، وهل لها عدو؟ أي نعم، كل كافر عدو لها، وعرفنا من أعدائها الثالوث الأسود، من هم؟ المجوس، اليهود، الصليبيون، هؤلاء أعداء الإسلام، لماذا؟ اليهود فقدوا آمالهم التي عاشوا آلاف السنين ينتظرونها، كانوا يظنون أن النبي الخاتم هو نبيهم ويقودهم إلى السعادة والكمال، ما إن شاهدوه عربياً وليس من بني إسرائيل واتجه اتجاه التوحيد حتى أبغضوه وحاربوه وكادوا أن يقتلوه مرتين، وعزموا على حرب الإسلام إلى الآن.
والمجوس كانوا يعبدون النار فأطفأها عمر ، إذاً: لننتقمن من هذا الإسلام، فتكون حزب يعمل في الظلام. والنصارى ما إن سقطت الكنيسة وتحطمت في غرب أوروبا وابتدأت في شرقها وشمال إفريقيا حتى قالوا: الآن هذا النور يغمرنا، فهيا نقف في وجهه، مع من نتعاون؟ وجدوا من يتعاونون معه: المجوس واليهود، وإن شئتم حلفت لكم بالله أنهم إلى اليوم يتعاونون على ضرب الإسلام.
إذاً: قال: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا [الأعراف:148] كيف يعبدونه؟ لو كنت ناديت: يا عبد القادر ، يا راعي الحمراء! أنقذني، فجاء عبد القادر على فرسه وأنقذك من الغرق أو من الذئب الذي يأكلك لقلنا: معذور، ناده ألف عام.
وهذا طابع كل القادريين عبدة عبد القادر شيخهم عبد القادر ، أنا شيخي عبد القادر ، سيدي أحمد التجاني ، سيدي بغدادي، سيدي كذا. لا إله إلا الله! من غمسنا في هذا الظلام؟ الثالوث الأسود، كيف وصلوا إلى هذا الظلام؟ قالوا: القرآن الكريم إذا فسرته وأصبت فأنت مخطئ، وإن أخطأت كفرت. فلم يبق عالم في القرية يقول: قال الله، احذر، إذا فسرته وأخطأت كفرت، وإن أصبت أخطأت، إذا فسرت الآيات وأصبت كما أراد الله فأنت مخطئ، ما هو شأنك أن تفسر هذا، وإن أخطأت فيا ويل أمك، فقد كفرت.
فكممونا وألجمونا، ما بقي من يقول: قال الله، ماذا نصنع بالقرآن؟ قالوا: اقرءوه على الموتى، فأصبح طلابنا، أولادنا يقرءون القرآن في الألواح يحفظونه لا هم إلا أن يأكلوا الطعام واللحم على الميت وبعض النقود، وإلى الآن ما زال هذا، إلى الآن موجود، لماذا؟ لأنه لا يوظف به، ما يعرف به ديناً ولا دنيا، فماذا يصنع به؟ يحفظه من أجل أن يأكل ويشرب، وعندنا مثلان:
والدتي رحمة الله عليها وقد توفيت وهي ربانية موحدة، كانت تقول وأنا طفلها الوحيد: يا رب! اجعل ولدي هذا إما أن يكون حافظ القرآن أو جزاراً. جزاراً حتى يأتي باللحم، لأن ذاك الزمان اللحم كان يؤكل من العام إلى العام، من الموسم إلى الموسم، أو قارئ قرآن يقرأ على الموتى ويأتي لها باللحم في منديله. عرفتم هذه؟ وهكذا كل نساء العالم الإسلامي.
في مدينة من مدن الجزائر -وهران- جاء وال عام، فتجولوا به فوجد الطلاب يقرءون القرآن في الكتاتيب في المساجد فغضب: ما هذا؟ المدارس فتحتها الحكومة وأنفقت عليها فهؤلاء كيف يفعلون بهذا؟ أغلقوها، أبطلوا هذه، فجاء بعض العقلاء بتوجيه الله وهدايته فقالوا: يا مسيو! هؤلاء يقرءون القرآن من أجل أن يقرءوه على الموتى، فقال: هكذا؟ قالوا: نعم. قال: إذاً: اتركوهم يقرءون. ما دام لا يعرفون به حرية ولا استقلالاً ولا حلالاً ولا حراماً ولا حقاً ولا واجباً، وإنما ليقرءوه على الموتى، فدعوهم يقرءوه على الموتى!
أبنائي وإخواني! وإن لاحت أنوار فما زلنا في الظلام ونحن تحت النظارة، هذا الكلام سوف تسمعونه بعد موتي، والله! إننا لتحت النظارة، فربنا بالمرصاد، بعدما تحررنا واستقللنا وأعطانا المال وعرفنا نعرض هكذا عن سبيله؟ ونعيش معطلين أحكامه وشرعه من شاء الكفر فليكفر، ومن شاء أن يغني فليغن، من شاءت أن تفجر فلتفجر، أهذا يرضى به الله؟ نحن تحت النظارة، وأيما إقليم، أيما مدينة، أيما قرية أقبلت على الله وأقبلت عليه بوجهها وقلبها فوالله ليحفظنها ولينجينها حتى ولو كانت قرية صغيرة، فإذا لم يتداركنا الله بتوبة فالمحنة التي أصابتنا بالاستعمار ستجيء محنة أعظم منها، أشد، لم؟ لأن ثَمَّ كان الجهل أكثر والآن العلم أكثر، لا إله إلا الله!
وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا [الأعراف:149] بعبادتهم العجل، قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:149] هذه كلمة التوبة، وألهمهم الله إياها؛ لأنهم بكوا صادقين، لما رجع موسى وأخذ بلحية هارون أخيه: يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ [طه:92-97]، أصيب بكهرباء ربانية، الذي يمسه يلتهب، فلا تمسه امرأة ولا ابن ولا ماش في البراري، من يقرب منه يلتهب، وهل كان هناك كهرباء في ذلك الوقت؟ كلا. بل ذلك من عند الله.
فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ [طه:97] كل من يقرب منه يقول: لا، حتى ما تأكله الكهرباء، فلما شاهد بنو إسرائيل هذا وأدبهم موسى تابوا إلى الله، وهذه توبتهم؛ إذ قالوا لما وقعوا في الفخ، لما ندموا ورأوا أنهم قد ضلوا، قالوا: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:149] الذين يخسرون دنياهم وآخرتهم، يخسرون الهدى والنور ويعوضون بالفجور والكفر.
[ هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
أولاً: بيان سنة من سنن الكون، وهي أن المرء يتأثر بما يرى ويسمع، والرؤية أكثر تأثيراً في النفس من السماع، فإن بني إسرائيل رؤيتهم للأبقار الآلهة التي مروا بأهل قرية يعكفون عليها وطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً مثلها هو الذي جعلهم يقبلون عجل السامري الذي صنعه لهم، ومن هذا كان منظر الأشياء في التلفاز وشاشات الفيديو ] والسينما [ مؤثراً جداً، وكم أفسد من عقول وأورث من نفوس الفساد في الأخلاق ].
لأن بني إسرائيل لما شاهدوا أهل القرية الفلانية يعبدون العجل، شاهدوا بأعينهم أم لا؟ إذاً: تمكن ذلك من نفوسهم ولما أتيحت لهم الفرصة عبدوا العجل، لو كان سماعاً فقط لما عبدوه، وهذا عرفه بنو عمنا اليهود قبل أن نعرف أن شاشة السينما والفيديو والتلفاز بالرؤية هي التي تكسر القلوب وتعقلها، وها هم قد نفخوها، وانظر إلى سطوحنا كل سطح عليه دش أو هوائي، ماذا يصنعون بها؟ أيتقربون إلى الله، يذكرونه، يتهجدون، يبكون ويصومون؟ فقط لينسوا الحق ويعرضوا عنه وتنطمس بصائر إيمانهم ويهلكوا، ويومها يصفق اليهود والماسونية.
من يتكلم على الشيخ ويرد عليه؟ هاتوا فلاسفة، علماء، رجال السياسة كلهم، والله لا يستطيعون أن يبطلوا هذا الذي قلته أبداً، ألسنا نقول: يا صاحب التلفاز! نسألك بالله: كم ريالاً تكسبه في الليلة؟ والله ولا ريال، أليس كذلك؟
ثانياً: كم تكتسب من الوقت لتخدم في بيتك وأهلك؟ والله! ما هو إلا إضاعة وقته الذي يحتاجه ليصنع أو يعمل في مزرعته أو في متجره.
ثالثاً: هل ترتفع قيمتك بين الشعب والأمة وتصبح عزيزاً سائداً، أيكسب هذا؟ إذاً: ما الذي يكسبه إلا الهبوط والسقوط وفساد القلوب وظلمة النفوس؟ لأن الذين وضعوا هذا ما هم رسول الله ولا مالك بن أنس ولا أحمد بن حنبل ، صنعه قوم يريدون أن يحكموا العالم ويسوسوا البشرية كلها وهم اليهود، وهم يعملون الليل والنهار، كونوا دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي وهذه وحدها كافية.
[ ثانياً: تقبيح الغباء والجمود في الفكر ]، ما هو بمحمود الغباء والجهل في الفكر، [ وذلك لقول الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا [الأعراف:148]؟ ] أين عقولهم؟ هذا الجهل والجمود، الميت لا يكلمك وأنت تناديه! أيجوز هذا؟ لو مر بدار خربة وقال: يا أهل البيت! إني محتاج، فقير، جائع، فماذا تقول له أنت؟ تقول: يا عبد الله! ما في البيت أحد، هذا بيت خرب، اطلب من بيت فيه أناس، والذي يكلم ولياً ميتاً أو صنماً أو بقرة أو عجلاً مصنوعاً مثله أليس هذا هو الجهل؟
[ ثالثاً: إذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه التوبة بعد المعصية فندم واستغفر ]، وقد نجى بني إسرائيل لما تابوا واستغفروا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر