أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء:30-33].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا عز وجل: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. المراد من الذين كفروا أي: كفروا بالله رباً وإلهاً، وكفروا بتوحيد الله والإيمان بالله، وكفروا برسالة رسوله، وكفروا بلقاء الله والبعث الآخر، وما يتم فيه من جزاء، فهؤلاء الكافرون أبيضهم كأسودهم، وأولهم كآخرهم، يكفرون بالله، وينكرون وجوده ويجحدونه، ويكذبون بتوحيده وينفونه، أو يكذبون برسله، وعلى رأسهم إمامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى لهم: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] أعظم آية تدل على وجود الله، وعلى علم الله، وعلى قدرة الله، وعلى حكمة الله؟ ومن ثم يعرفون أنه لا إله إلا هو، ولا ألوهية لغيره، ولا يعبد سواه.
الوجه الأول: أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم وبخار، ثم فتقهما الله عز وجل، فجعل سبع سماوات، وجعل سبع أرضين من تلك الكتلة، فقد كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30]. والرتق: الكتلة، ومنه امرأة رتقاء إذا كان فرجها ملتحماً، ويقولون: امرأة فتقاء رتقاء.
والله تعالى يقول هنا: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] بنا وجحدوا آياتنا وكذبوا برسلنا، وكذبوا لقاءنا، وكذبوا ما يجب لنا عليهم من عبادة وطاعة، أولم ينظروا إلى السماوات والأرض بأبصارهم كيف كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]؟
والوجه الثاني: أن السماء الآن رتقاء، والأرض كذلك، فينزل الماء من السماء فتنشق السماء فتنزل الأمطار، وتنشق الأرض فتنبت النباتات. فيكون معنى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30] أي: فتحناهما وفرقنا بينهما. والوجهان مشرقان صحيحان.
فقد كانت السموات والأرض قبل خلقهما كتلة من سديم أو بخار، ففتقهما الله، وجعل سبع سماوات وسبع أرضين.
والوجه الثاني: كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30] لا ينزل من السماء مطر ولا تنشق ولا تتحلل، والأرض كذلك، فأنزل الله تعالى ماء السماء على الأرض، فتتحلل الأرض ويدخلها الماء، وتنبت النباتات، وتتكون الأشجار والثمار. والذي فعل هذا هو الله، ولا يقول أحد: إنه غير الله أبداً، والملاحدة يقولون: لا ندري، والعلمانيون يقولون: العلم، والشيوعيين يقولون: لا إله والحياة مادة، ويقولون: الطبيعة، وكل هذا تخبط وحيرة وفتنة، والطريق الصحيح السليم أن نؤمن بالله خالق كل شيء، ورب كل شيء، وإله المخلوقات، وبيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، ولا عجب. والآن الملايين والبلايين من العرب والعجم ومن كل أجناس العالم الذين يؤمنون بالله منهم واحد في الألف أو واحد في المليون، والبقية لا يؤمنون؛ لأنهم لا ينظرون، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ [الأنبياء:30] فإذا نظروا وتأملوا علموا أنها كانت رتقاء ففتقها الله وحلها، وجعل فيها هذه السماوات السبع والأرضين السبع، وإن بعد هذا عنهم لم يصدقوا أخبار الأنبياء، والرسل يخبرون بهذا الخبر، أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم أو بخار، ثم حللها الله وفتقها، وجعل منها السماوات والأرضين، فإن عموا عن هذا وبعد عنهم فلينظروا إلى السماء الآن وسيرون أن المطر ينزل منها، وسيعلمون من فتقها وفتحها، وأنها ليست أيديهم ولا صواريخهم، فهم لا يضربون السماء حتى ترطب وتمطر الأمطار. وكذلك الأرض الذي يفتحها ويحلها ويفتقها الله، فهو الذي يفتق السماء والأرض، فليؤمنوا به، ولكن بعضهم جهلة عميان لا يعرفون شيئاً، وبعضهم يحملهم على الكفر عنادهم، والطلب لعزتهم وكمالهم، فهم لا يريدون أن يسلموا حتى لا يصبحون كغيرهم من الناس، وبعضهم مفتون فتنة شيطانية، لا هم له إلا أن يعلم الناس الضلال والكفر، والعياذ بالله. والله تعالى يقول وقوله الحق: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] بنا وبآياتنا وبرسلنا وبلقائنا وبشرائعنا وبرحمتنا، وينظرون إلى السماوات والأرض، وأنها كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30].
وهكذا يقول تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]؟ أي: ما المانع أن يؤمنوا؟ وأي شيء يصرفهم عن الإيمان، وأن يقولوا: آمنا بالله .. آمنا بلقاء الله .. آمنا برسول الله .. آمنا بكتاب الله .. آمنا بشرع الله، ويقبلون ويقدمون أنفسهم ووجوههم لله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويعيشون على طاعة الله وطاعة رسول الله، فيكملون في آدابهم وأخلاقهم، ومعارفهم وعلومهم، ويسعدون في أنفسهم وفي حياتهم الدنيا، وأما الآخرة فهي دار السعادة لهم بحق؟ ولذلك قال تعالى: أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]؟ فهو يوبخهم هنا؛ إذ لم يصرفهم عن الإيمان صارف، ولم يمنعهم مانع من الإيمان بالله، وهو خالقهم ورازقهم، وخالق كل شيء، ومدبر كل شيء، وهو الذي يحيي ويميت، وهم يشاهدون الحياة والموت في كل مكان، فليسألوا: من يفعل هذا؟ فيجابون: إنه الله، الذي هو فوق سماواته السبع، يدبر الكون كله، وله قدرة عظيمة لا يحدها شيء، وله جميع الكمالات، وصفاته في كتابه واضحة بينة، ولكنهم لا يسألون أبداً ولا يفكرون، فالشياطين قد أعمتهم وأغلقت قلوبهم، فهم لا يفهمون أبداً.
وسورة وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] من عجيب القرآن. ويذكر ابن عباس ويقول: لقد حفظتها أمي لما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بها المغرب في مسجده هذا. فقد سمعتها مرة فحفظتها، ونحن نقرؤها أعواماً ولا نحفظها، وهي صلت المغرب وراء الرسول صلى الله عليه وسلم فقرأ في صلاة المغرب: بالمرسلات فحفظتها. وفيها قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:25-28]. فيا ويلهم! لأن من كذب الله وكذب رسوله لم تطب نفسه، ولن تزكو وتطهر، ولن تكون إلا أخبث ما تكون، وأصحاب الأنفس الخبيثة مصيرهم والله جهنم في عالم الشقاء، وهي النار وبئس القرار، فهي مصير كل ذي نفس خبيثة والعياذ بالله.
وربنا يحب ما شيئاً نقدمه، فهو يحب ذكره وشكره، فاذكروه واشكروه. وهو يكره شيئاً ويبغضه ولا يحبه منا، فهو يبغض المفاسد والشرور والخبث من كل نوع، فعلينا أن نتجنبها.
وقد جعل الجبال رَوَاسِيَ [الأنبياء:31] والسبب هو: أَنْ تَمِيدَ [الأنبياء:31]، أي: كراهة أن تميد بهم، وإذا مادت بهم هلكوا.
فقوله: وَجَعَلْنَا فِيهَا [الأنبياء:31]، أي: في الأرض فِجَاجًا سُبُلًا [الأنبياء:31]. ويصح أيضاً أن تقول: جعلنا في الجبال -أي: بينها- طرقاً وسبلاً. والقرآن حمال الوجوه، فالكل صحيح أيضاً.
فقوله: وَجَعَلْنَا فِيهَا [الأنبياء:31] أي: في الأرض، فِجَاجًا سُبُلًا [الأنبياء:31]. جمع فج، وهو: الطريق الواسع، والسبل جمع سبيل، وهو: الطريق المفتوح؛ حتى نصل إلى أغراضنا وأهدافنا. والذي جعل هذه الطرق بين الجبال وجعلها في الأرض هو الله، وأما نحن فلم نفعل شيئاً أبداً. وهذا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء:31] إلى مصالحهم وحاجاتهم، وأغراضهم وأهدافهم، ولولا السبل والطرق لما تعرفت أنت منزلك، ولم تعرف بستانك، ولم تعرف بلادك. فالله هو الذي أوجد هذه السبل، وهذه الفجاج الواسعة في العالم، فهيا نحمده قائلين: الحمد لله. ولنحمده على هذا الإنعام كله، وأنت الذي يصنع لك إبرة فقط تشكره وتثني عليه، والذي يهبك الحياة بكاملها لا تقول له: الحمد لله! فالحمد لله. وذكر الله وشكره علة هذه الحياة، وسر هذا الوجود.
فهو تعالى يقول معلماً مربياً هادياً: وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء:31]، أي: كي يهتدوا.
فقوله تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا [الأنبياء:32] مثل سقف البيت الذي فوقك، ومثل سقف المسجد، فالسماء سقف والأرض، فهي فوقها، فهي سَقْفًا مَحْفُوظًا [الأنبياء:32]. وهذا أيضاً يحتمل وجهين: إما محفوظاً من الشياطين، فلن تدخلها أبداً، فقد حفظها الله من الشياطين، وهي محفوظة أيضاً لا تسقط ولا تتشقق، ولا تنزل على أهلها. والذي حفظها هو الله. وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء:32] هكذا.
وقوله: وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا [الأنبياء:32] أي: آيات السماء، وفيها آيات، وهي: زرقتها، وصفاؤها، وجسمها، وأفلاكها، وكوكبها، ونجومها. وهذه الآيات دالة على وجود الله وعلمه وقدرته. وهم مُعْرِضُونَ [الأنبياء:32] لا يفكرون أبداً، ومنهم يعش خمسين سنة ولا يرفع رأسه إلى السماء ويقول: من أوجدها؟ كالذي تسكنه في منزلك سبعين سنة أو ثمانين ولا يقول: من الذي أسكنني؟ ولا لماذا؟ فهو بهيمة، ويجلس على قصعتك يأكل ولا يقول: الحمد لله الذي رزقني، أو جزاك الله خيراً. فهذا ميت. فسبحان الله العظيم! فهم عن آياته الدالة على علم الله وقدرته وحكمته وعظمته وجلاله، وأنه المحيي والمميت، والذي بيده كل شيء، وأنه إله الأولين والآخرين معرضون عنها تماماً، وقد أعطوه أعراضاً، فلا يفكرون. ولو مشيت إلى روسيا أو إلى الصين أو اليابان وتكلمت مع الكافرين منهم ستجدهم لم يفكروا يوماً وقالوا: من خلق السماء؟ ولو قالها أحد لقيل له: الله تعالى، وسيتعلم ويعرف، ولكنهم لا يسألون أبداً. فحالهم حال البهائم، وصدق الله العظيم عندما قال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ [يونس:42-43]؟ والشاهد عندنا: أن الأصم الذي لا يسمع والأعمى الذي لا يبصر لا يهتدي أبداً. ومن فقد معنى لا إله إلا الله فهو ميت أصم، وأعمى لا يبصر، ولا خير فيه أبداً، ومصيره الخلد في جهنم.
وهنا لطيفة: كنا نصلي المغرب ونمشي إلى بيوتنا نتعشى الذي قدره الله لنا خبراً أو تمراً، ثم نأتي نصلي العشاء، ونعود إلى بيوتنا للنوم. وكانت ولائم الأعراس -والوليمة في العرس سنة من سنن الإنسان- تكون بعد صلاة الظهر، فكانوا يصلون الظهر ويأتون إلى بيت العروس أو العريس؛ يتناولون طعام الغداء، ويذهبون إلى بيوتهم، فإذا جاء العصر خرجوا يصلون العصر. والآن لما جاءت الكهرباء لم نعرف كيف نستغلها وننتفع بها، فأفسدنا حياتنا بها، وذلك: أن أولاد يا أرباب الأولاد! إلا من رحم الله من بعد صلاة العشاء وهم يصيحون في الشوارع، ويعبثون ويلعبون. وهذا لا يجوز والله الذي لا إله غيره في الإسلام، والرسول يقول: ( يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ). فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم القائد الأعظم الهادي المرشد يكره لنا النوم قبل صلاة العشاء، فلا تنم قبل صلاة العشاء، وإن غلبك النوم فاصبر ساعة ونصفاً حتى تصلي العشاء، ويكره الحديث بعد صلاة العشاء، فكانوا إذا صلوا العشاء هدأت الحياة وسكنوا؛ حتى يقوموا آخر الليل يتهجدون ويبكون بين يدي الله، أو ينهضون مع الصباح لأعمالهم التجارية والصناعية والزراعية.
والآن حالنا لا نشكوها إلا إلى الله. فأولادك أحضرهم معك إلى صلاة المغرب والعشاء يصلون إلى جنبك، إلا إذا كان طفلاً رضيعاً شأنه آخر، لكن هذا الذي يمشي في الشارع ويتكلم أو يقرأ يجب أن يصحبك إلى المسجد، المسجد النبوي أو غير المسجد النبوي، ويصلي العشاء إلى جنبك ومعك، ثم تعود به إلى البيت، فإن كان هناك طعام أكل وإلا نام، وتنومه وتطفئ الكهرباء وأنت جالس حتى ينام، ثم لتوقظه مع الفجر أو قبل الفجر، وأما أن تجعلهم يصيحون ويضجون ويصرخون في الشوارع كالمجانين فإنه يترتب على هذا من الفساد ما لا نقدر على قوله وعمله. ولنتمتع بهذه النعمة الإلهية، ونحمد الله على نعمة الضوء في النهار، وظلمة الليل في الليل، ولكننا أبعدنا هذه الظلمة ومسحناها، ولم نشكر الله عليها، ولم نؤمن بها.
فإذا دقت الساعة السادسة جئنا إلى صلاة المغرب ونبقى حتى نصلي العشاء، ثم نعود والأنوار في الطرقات، فإذا صلينا دخلنا بيوتنا ونبقى ساعة فقط قدر العشاء ثم تنطفئ المصابيح في الشوارع، وتستفيد البلدية من هذا فائدة عظيمة، ولا تبقى المصابيح إلى الفجر يستغلها الشياطين والمفسدون، ونحن نساعدهم على ذلك، بل يجب أن نقطع الطريق عليهم، ونسده في وجوههم. ولو كنا هكذا في الساعة العاشرة لا يوجد في ضوء في الشوارع فلن يخرج أحد في الظلام. ولكننا كفرنا بنعم الله وجهلناها، ولم نعرفها، والله يقول وقوله الحق: أنه هو الذي جعل الليل مظلماً، والنهار مضيئاً؛ لما ينتفع به الناس في حياتهم، ولو جعل النهار والليل سواء لتعطلت الحياة، ولم تكن على ما هي عليه، فلا نكفر بهذه النعمة ونغطيها ونجحدها.
[ من هداية الآيات ] فاسمعوا هداية الآيات، وخذوها منها.
[ أولاً: بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ] ورحمته [ الموجبة لتوحيده، والإيمان به وطاعته ] فهي موجبة على العبد أن يعبد الله ويوحده، ولا يعرض عنه ويعصيه ويكفر به.
[ ثانياً: بيان الحكمة من خلق الجبال الرواسي ] وهي: حتى لا تميد بنا الأرض فنهلك، فالحمد لله، وقولوا: الحمد لله. ولسنا نحن الذين رصصنا هذه الجبال، وجمعنا صخورها وترابها، وضعناها ووزعناها في الأرض هكذا. بل الفاعل هو الله، فلا إله إلا الله.
[ ثالثاً: بيان دقة النظام الإلهي، وعظيم ] القدرة و[ العلم والحكمة له سبحانه وتعالى ] وهي متجلية في هذه الكائنات، حتى في الشمس والقمر، والليل والنهار.
[ رابعاً ] وأخيراً: [ إعراض أكثر الناس عن آيات الله في الآفاق كإعراضهم عن آياته القرآنية هو سبب جهلهم وشركهم، وشردهم وفسادهم ] وهذه هي الحقيقة. فإعراض الناس عن آيات الله في الكون، وعدم نظرهم إلى السماء، ولا للذرة ولا للمجرة، ولا للخلق أبداً جعلهم لا يذكرون الله، وهذا كإعراض المسلمين عن القرآن الكريم وعدم قراءته وعدم الاجتماع عليه جعلهم لا ينتفعون به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر