إسلام ويب

تفسير سورة النور (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الذين كفروا في عمى وضلالة، وقد ضرب الله لهم ولحالهم أمثلة قرآنية يفهما عباده المؤمنون، الذين لهم قلوب وعقول تفقه، ومن الأمثلة المضروبة لذلك أن أعمال الكافرين كسراب يرى في وسط النهار، يظنه الرائي من بعيد ماء، فإذا اقترب منه لينتفع به لم يجده شيئاً، وضرب أيضاً سبحانه مثلاً للكافر بمن يقف في ظلمة الليل في لجة البحر وفوقه طبقات من السحاب الأسود المظلم، وهو في ذلك لا يكاد يرى يده فكيف يمكنه أن يرى طريقه أو يهتدي سبيله.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [النور:39-42].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39]. هذا مثل يقابل مثل المؤمنين بالأمس، وهو قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ [النور:35] في قلوب المؤمنين كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35]. هذا مثل المؤمنين في إيمانهم وأنوار الإيمان في قلوبهم.

    ثم ضرب تعالى مثلاً للكافرين الجاحدين المنكرين المكذبين بالله، والمكذبين برسول الله، والمكذبين بلقاء الله، والجاحدين لكتاب الله وشرع الله، فهؤلاء الكافرون المثل الذي ينطبق عليهم هو أن أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ [النور:39]. والسراب معروف، فهو يلوح في الصحراء كأنه ماء وما هو بماء، بل هو كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39]، أي: بقاع أو بقيعة من أرض أو بقعة من الأرض، يشاهده البعيد كأنه ماء، لا سيما العطشان الظمآن، فيجري ويلهث عله يشرب ويزيل عطشه وظمأه، كما قال تعالى: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً [النور:39]. والظمآن: العطشان شديد العطش، فإذا نظر إلى ذلك السراب يلوح كأنه يجري إليه، حَتَّى إِذَا جَاءَهُ [النور:39] وانتهى إليه ووصل إلى مكانه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39]. لا سحاب ولا ظل. وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ [النور:39]. وهكذا الكافرون والفاسقون والفاجرون يجرون.. يعملون؛ ليكملوا وليسعدوا سعادة في الدنيا حتى يوافيهم الموت، ثم يحشرون أمام الله وإلى جهنم، فهم يعملون الليل والنهار للسعادة والكمال، والغنى والرفاهية، واللذائذ والشهوات، والأطماع وغير ذلك، ويتخبطون في تلك الظلمات، ويجرون وراء السعادة، ولما يموتون ينتهي كل شيء، ويجدون أنفسهم بين يدي الله، ثم يدفعون إلى جهنم وبئس المصير.

    فقال تعالى هنا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا [النور:39] بالله ورسوله، وكفروا بالله ولقائه، وكفروا بالله وشرعه ودينه هؤلاء أعمالهم في الدنيا من صناعات .. فلاحة .. تجارة، وقل ما شئت عبادات باطلة وخرافات وشركيات، فهذه كلها حالها كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39]. والسراب يظنه العطشان والظمآن ماء، فيجري ويلهث حتى يصل، ولا يجد شيئاً، بل يجد الله عنده هناك، فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ [النور:39]. فإذا عاش ثمانين سنة .. تسعين .. مائة .. ألف سنة فإنه يوفيه حسابه كاملاً على شركه وكفره، وفسقه وفجوره، والعياذ بالله. وتوفية حسابه والله هو إدخال روحه إلى جهنم. وقد قال تعالى: فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39]. ولا يحتاج مثلنا إلى أن يحسب واحد اثنين ثلاثة بالقلم، بل هو سريع الحساب؛ لأنه يعلم الشيء قبل أن يوجد، فلهذا هو سريع الحساب، وبكلمة كن ينتهي. هذا مثل الكافرين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086915443

    عدد مرات الحفظ

    769490701