أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:30-31].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أذكركم بما سبق في الآيات السابقة: وخلاصتها:
حرمة الزنا حرمة أبدية دائمة، وذلك لضرره وفساده؛ إذ أنه يهبط بالمجتمع إلى أن يصبح مجتمعاً حيوانياً، تفرغ الآدمية منه.
وحسبكم أن البكر إذا زنى يجلد مائة جلدة، ويغرب ويبعد عن البلاد سنة كاملة. وأما المحصن والثيب الذي تزوج وعرف الزواج سواء طلق امرأته أو لم يطلقها، أو ماتت أو لم تمت فإذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى الموت، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النور:2].
وأن الرجل إذا اتهم زوجته ولم يأت بأربعة شهود، فإنها تلاعنه ويلاعنها، ثم يفرق بينهما، فلا يجتمعان أبداً؛ من أجل التهمة التي اتهم بها زوجته.
وأي ما مؤمن يتهم مؤمناً أو مؤمنة ويقول: فلان يزني أو زنى، أو لاط أو يلوط فإما أن يأتي بأربعة شهداء يشهدوا على قوله، وإما أن يجلد ثمانين جلدة، وتسقط عدالته في المجتمع، ويصبح هابطاً، ولا تقبل له شهادة، ويستمر ذلك حتى يتوب، وتتجلى مظاهر توبته في سلوكه وعمله.
فمن هنا يجب الاحتياط، والأخذ بالأسباب؛ حتى لا نقع في هذه الفتنة أو المحنة.
ومن الأسباب: أننا لا ندخل بيت مؤمن إلا بإذنه، ونقرع الباب قرعاً خفيفاً، ثم إذا قال: من؟ فلا نقول: أنا، بل نقول: فلان، عثمان أو زيد. وإن قيل لك: ارجع فيجب أن ترجع، ولا تغضب ولا تسخط، وارجع إلى مكانك.
وقد ذكرت لكم لطيفة، وهي: أن أحد رجالات السلف قال: طلبت هذه الفضيلة أربعين سنة، وما فزت بها. فقد مكث أربعين السنة وهو يقرع الباب على إخوانه؛ يرجو أن يقولوا له: ارجع فيرجع، ولم يقولوا له هذا، وقد طلبها بقصد؛ ليمتثل قوله تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28].
ورخص تعالى لنا في البيوت الغير المسكونة كمحلات الفنادق والمتاجر وغيرها بأن ندخلها مسلمين على أهلها ولا نستأذن.
واليوم أصبح النظر مشكلة، وحل هذه المشكلة أن يطبق شرع الله في الحجاب، ولا تخرج نساؤنا وبناتنا في الشوارع والأزقة مائلات غاديات رائحات، ومن ثم يمكننا أن نغض أبصارنا، وأما أن يختلط الرجال بالنساء في كل مكان، فلا يمكن لأحد أن يغض من بصره إلا أن يرحل من البلاد، أو يجلس في غرفته ويعتكف فيها، وإلا لم يمكنه أن يطيع الله عز وجل.
وهذا أمر الله، وهو موجه للرسول ليقوم بهذا الواجب، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]. فيغض المؤمن من بصره، فيفتحه فيما يجوز النظر إليه، ويغمضه فيما لا يجوز النظر إليه، والنظر لا يجوز لغير المحارم. وأي امرأة من المؤمنات لم تكن لك زوجة ولا ابنة ولا جدة ولا عمة ولا خالة كما سيأتي فيجب ألا تنظر إليها، ويعفى عن النظرة الأولى، وبعد ذلك غض بصرك، وأغمض عينيك، وطأطئ رأسك.
وقد فرض الله الحجاب على المؤمنات، وهو لزوم بيوتهن وعدم الخروج إلا من ضرورة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]. هذا الحجاب فرضه الله اتقاءً لفاحشة الزنا المدمرة للمجتمع، والقاضية على كماله، والمخبثة للنفوس الملوثة لها؛ لتصبح أهلاً لجهنم، والتي ليست أهلاً للنعيم المقيم في الجنة دار السلام.
إذاً: حفظ الفرج معناه: عدم الزنا واللواط، وستره حتى لا يرى ولا يكشف للناس. وبالإجماع يجب ستر العورة ولا يحل النظر إليها. والمؤمنون الصالحون حتى في مكان الخلوة يتسترون من الله، ويستحون من الملائكة، وهذه عائشة تقول: ( ما رأيت من رسول الله ولا رأى مني أبداً )، أي: ما نظرت إلى فرجه، ولا نظر إلى فرجها. فيجب حفظ الفرج من فاحشتي الزنا واللواط.
واسمحوا لي إذا ذكرت فاحشة اللواط؛ وهذا لعلمكم أنها شائعة في العالم، وأن هناك أندية في أوروبا للواط، وإلا فليس من حقنا أن نذكرها؛ إذ كانت من المستحيل أن تقع بين المؤمنين، وبخاصة العرب، وكما سمعتم غير ما مرة أنهم ما كان يخطر ببالهم أن الذكر ينزو على الذكر، ولما حدثت حادثة من عجم في البحرين جيء إلى الخليفة فلم يعرفوا كيف يصنعون، فقال علي وأفتاهم: أطلقوه من أعلى جبل إلى الأرض، ثم ارجموه بالحجارة. هذا هو جزاء اللواط.
و عبد الملك بن مروان في دمشق وهو على منبر المسجد يخطب الناس وهو إمامهم حلف بالله وقال: لولا أن القرآن ذكر حادثة قوم لوط ما كنا ولا يخطر بنا أن الرجل ينزو على الرجل.
فنقول: ينبغي ألا يوجد هذا النوع من الفساد سواء في العجم أو في العرب، ولا في الشرق أو في الغرب، ولا في الكفار ولا في المؤمنين؛ لأن هذا هبوط بالبشرية إلى حد لا حد له في السفل.
هذه هي الآية الأولى، وهي قصيرة، وهي قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] حتى من الحج والجهاد والرباط، فهذا أكثر تزكية للنفوس وتطهيراً لها. إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
قال تعالى هنا: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]. فالمرأة يجب أن تغض من بصرها، فلا يحل لها أن تنظر غير النظرة الأولى لرجل أجنبي لا يحل لها وليس من محارمها كالرجل، فلو كانت امرأة عند الباب أو على النافذة أو في السيارة ومر رجل ونظرت النظرة الأولى فهي معفي عنها؛ لأنها ليست متعمدة، بل هذه تقع بالفعل، ثم تغمض بصرها وتغضه؛ لقوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31] من الزنا. وأما اللواط فلا يكون مع النساء. فيحفظن فروجهن من الزنا، فعلى المرأة المؤمنة أن تحفظ فرجها حتى تموت، فلا يراه أحد، ولا يمسه أحد، ولا يأتيها أحد، إلا ما أذن الله فيه وهو الزوج الذي يتزوجها فقط. وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31] من الوقوع في هذه الجريمة الكبرى الزنا.
هذه هي الزينة التي نهينا عن إظهارها وإبدائها لغير الزوج والمحارم، فلا يحل لمؤمنة إظهارها ما لم تكن قد تجاوزت السبعين أو الثمانين سنة؛ إذ سيأتينا عفو الله عن هؤلاء في قوله: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]. وأما التي تحمل وتلد فلا يحل لها أن تبدي -أي: تظهر- زينتها لغير زوجها إن كانت متزوجة، ولغير محارمها كالأخ والابن ومن إليهم؛ لقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]. الخلاف دائر في الذي يظهر منها، ولكن نحن مع الصواب والحق، فما ظهر منها هو: إذا أرادت أن تخرج يدها وتعطي للذي تشتري منه فلابد وأن تظهر كفها للضرورة، وكذلك لابد إذا مشت في الطريق أن تظهر عيناً من عينيها، أو تظهر العينين؛ لأنها تنتقب وتترك عيناً تنظر بها كما قال ابن عباس رضي الله عنه، ولابد لها من هذا؛ لأنه ضرورة. وكذلك إذا خرجت مضطرة فتلبس لباسها وإن كان جديداً أو جميلاً، وهو يرى ومعفو عنه؛ لأن هذا ظهر عليها ولا تستطيع أن تخفيه، لقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ [النور:31] فقط. وكذلك إذا كانت في حالة مرض مع طبيب أو في حالة ضلت فيها الطريق أو كذا فأخذها بيده مثلاً للضرورة.
فالضرورة فقط يعفى عنها، وللضرورة أحكام كما تقدم لنا وعرفناها. هذا هو الاستثناء.
وكما قلت غير ما مرة: اليوم لا حاجة إلى النقاب؛ إذ يوجد الثياب الرقيقة السوداء هذه، فتسدلها على وجهها، فترى كل شيء، ولا يرى منها شيء. وهذا فضل الله. فهذه الثياب الرقيقة والله ما كانت موجودة في عهد رسول ونزول القرآن وفي القرون الأولى، بل كانت الثياب غليظة كثياب الصوف والقطن. فكانت المرأة إذا خرجت لحاجتها تنتقب فتستر، إلا أنها تبقي عيناً من عينيها أو عينيها معاً. وأما الآن فتسدل على وجهها قطعة بريال واحد، وبعض المؤمنات الصالحات يوزعن هذه القطعة مجاناً في المسجد، وإذا شاهدن من تبدي وجهها تقول لها إحداهن: خذي هذه، ضعيها على وجهك؛ حتى تعودي إلى فندقك، إذا كانت من الزائرات.
إذاً: لا يبدين زينتهن إلا الذي ظهر منها بالقوة أو بالضرورة فنعفو عنه.
ويبقى الذين يفتون بجواز كشف الوجه، وهؤلاء وجدوا في الأندلس وفي مصر، وفي الشام وفي العراق، وفي القرون الأولى أناس يقولون بهذا. ونقول: إذا كان هذا الأمر كما ترونه فلماذا فرض الله الحجاب؟ وإذا كان لها أن تكشف وجهها في الشوارع فلم يفرض الحجاب؟ ومعنى الحجاب: الحجب والمنع من النظر إلى وجه المرأة.
ومن اللطائف التي تعرض لنا: نقول: لو رأيتموني الآن وأنا متحجب فالعنوني؛ لأن هذا من التشبه بالنساء، وفي الحديث: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالناس، والمتشبهات من النساء بالرجال ). ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلذا والله إن كشف المرأة وجهها لخروج عن طاعة الله في كتابه، إلا إذا كانت مرخصاً لها لضرورة من الضرورات، أو كانت عجوزاً قاعداً لا تحمل ولا تلد، وأما ما دامت تتزوج وتوطأ وتجامع فلا يحل لها أن تكشف وجهها أبداً. بل عليها أن تجلس في بيتها ومنزلها، فهي ربته، وحسبها ما تقوم به من واجبات من خدمة الزوج وأولاده، وتربية أولادها، وعبادة ربها، فهذه كافية لها، ولا تخرج نساؤنا إلا للضرورة، والضرورة مثل أن يكون رجالنا كلهم قد ماتوا في الجهاد، ولم يبق في القرية إلا أربعة رجال، لا يكفون للقيام بالواجب، فهنا ضرورة لخروج المرأة لتحصد أو تزرع. ولكننا اليوم لم نفقد الرجال، بل الرجال الآن ما وجدوا أعمالاً في أي بلد. ولكن اليهود والنصارى يزينون لنا هذه الفاحشة؛ لنخرج نساءنا وبناتنا للعمل؛ حتى ينتهي الحجاب، ونمزق كتاب الله عز وجل.
وما زلت أقول على علم: والله لو أن أهل مدينة أو إقليم أو قرية حجبوا نساءهم واحتجبن فوالله ما يضيرهم شيء، ولا يضرهم شيء، بل والله لينفعهم ذلك، ولو كشفوا عن نسائهم واختلطوا بهن والله ما ينتفعون، وستكون الخسارة دائماً قائمة، والواقع شاهد بهذا، ونحن نتكلم بالواقع.
وقوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]، الخمار هو الذي تتخمر به، فقد كانت تتخمر به هكذا وتلقيه على جانبيها هكذا، فنزل القرآن وقال: لا، الخمار لا تلفيه عليك، بل على الجيب، وهذا هو الجيب؛ حتى لا يبقى الرقبة والعنق أو الآذان مكشوفة، فقال تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]، أي: ولا يظهرن زينتهن. والزينة في الآذان هي الأسورة أو الأقراص، وفي الأعناق السخاب وغيره، وفي الأيدي كذلك الأساور، وفي الرجلين الخلاخل، وفي العين الكحل، وفي الشفتين الحمرة، وهكذا.
فقوله تعالى: إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، أي: إلا لأزواجهن، فزوجها يكشف عن وجهها، وأبوه يكشف عن وجهها، وأبو الأب كذلك، وهكذا إن بقي جد ثالث أو رابع. هذا من جهة البعولة.
إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31]. وأبوها وجدها كلاهما من محارمها أيضاً، فأبوها التي هي بنته محرم لها، وأبو أبيها جدها كذلك محرم، كما قال تعالى: أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31]. وهو أبو الزوج كما قدمنا، وكذلك جد الزوج، وهكذا، حتى إلى عشرين جداً، ولكن العادة أنه لا يوجد إلا جد أو اثنين ولا أكثر.
وقوله: أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، أي: أبناء أزواجها من امرأة أخرى. فابن زوجها تكشف وجهها له؛ لأنه محرم، وابن ابنه تكشف له وجهها؛ لأنه محرم لها. وابن ابن زوجها كابن زوجها، حتى لو نزل إلى ثلاثمائة ابن. فأبناء بعولتهن يدخل فيه أولاد الأولاد.
أَوْ إِخْوَانِهِنَّ [النور:31]. وهو أخوها من أبيها أو من أمها أو من أبيها وأمها، أو من الرضاع، فهو أخوها.
أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ [النور:31]. فابن أخيها وابن ابن أخيها وابن أختها الكل من محارمها، ولو نزلوا إلى أكثر من ثلاثين درجة.
أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ [النور:31]. فابن أختها محرم لها، وابن ابنها كذلك محرم.
أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31]. وهنا الآية تقول: لا يحل لمؤمنة أن تكشف وجهها لكافرة يهودية أو نصرانية أو مجوسية. فلنقبل هذا، فهذا شيء فرضه الله.
وإذا قلت لامرأتي: لا تنظري إلى يهودية ولا نصرانية فلن تتوقف الحياة، لن نصاب بشيء، بل نفعل هذا خشية أن تقول: رأيت فلانة المسلمة هيئتها كذا، ووجهها كذا، ثم تفكر في فتنتها. فالكافرة لا تجلس معها، ولا تنظر إليها، إلا أن تكون منتقبة ومستترة وتتكلم معها. وهذه آداب عجيبة عظيمة.
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31]. فإذا كانت المسلمة تملك عبداً يخدمها ليلاً نهاراً فلابد وأن تكشف وجهها أمامه ومعه؛ لأنها لا تستطيع أن تستتر من مولاها، فهو خادمها، وهي تملكه، فإذا تحجبت عنه لم يمكنه أن يخدمها. فالمرأة إذا كانت تملك عبداً اشترته؛ ليخدمها فإنها لا تتمكن من الحجاب عنه؛ لأنه خادمها. ولذلك جاءت هذه الرخصة القرآنية.
والمرأة ليس لها أن تكشف أمام الخادم؛ لأن الخادم ليس عبداً مملوكاً، بل هذا خادم بأجرة، وهو مسلم كغيره، فلا يحل له أن ينظر إلى وجهها، ولا يحل لها هي كذلك النظر إلى وجهه.
وهذه الآية: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31]، أيام كان العبيد والأرقاء متواجدون؛ لوجود الجهاد في سبيل الله. فكنا لما نفتح البلاد ونأخذ الأسرى لا نقتلهم، بل يجب أن نحفظهم وأن نعلمهم؛ ليدخلوا في الإسلام، وأول خطوة هي أن نوزعهم على المجاهدين، ومن اضطر إلى بيع مولاه وخادمه فلا بأس في ذلك، لأنه يبيع الخدمة.
ثم قال تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا [النور:31]. فلو كان في بيتك بهلولاً سواء كان ابن عمك أو كذا وهو مؤمن لا عقل له ولا فهم له وأنت تطعمه وتسقيه، وهو عندك في البيت، وأنت آمن منه أبداً؛ لأنه لا عقل له ولا فهم ولا إدراك، بل هو تابع للبيت يخدمه، ويأكل معهم ويشرب، وهو مجنون أو معتوه، فهذا قد أذن الله تعالى في دخوله عليك، وبقائه في البيت تابعاً له، فقال تعالى: غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ [النور:31]، أي: من غير أصحاب الحاجة والرغبة في النكاح والشهوة، وهذا يكون في عمر المائة والعشرين السنة، فيكون لاصقاً بالأرض، فهذا لا يفجر أبداً، بل وجوده كعدمه، أو يكون معتوهاً لا عقل له وهو عندنا نطعمه ونسقيه، فهو لن يصنع شيئاً. فإن كان صاحب إربة وحاجة ورغبة وشهوة فالرسول قد طرده، وحوله من المدينة إلى بلد آخر، فقد كان عند الرسول معتوه، وكانوا يظنون أنه لا يعرف شيئاً ولا يفهم، فلما وصف امرأة قال له: التحق بأبيار علي.
أَوِ الطِّفْلِ [النور:31]. والطفل في السابعة أو الثامنة أو التاسعة والعاشرة أو الحادية عشرة لا يعرف النساء ولا الجماع ولا غير ذلك، وهذا في الزمان الأول، وأما الآن فيعرفون؛ لأننا علمناهم على شاشة الفيديو والتلفاز والمشاهدات.
فالطفل إذا كان يعرف فيجب أن يحتجب منه، ولا يسمح له بالدخول البيت إلا بإذن؛ لقوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]. الذين ما عرفوا الفرج ولا ما فيه ولا ما يحتاج إليه، ولا غير ذلك أبداً.
وأخيراً قال تعالى للمؤمنات: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ [النور:31]، أي: الأرض إذا مشين، فإذا كان الخلاخل في رجليها وضربت برجلها فإنها تخلخل الخلاخل، وتحدث صوتاً، فيرفع السامع صوته سائلاً: ما هذا؟ وينظر إليها، بعد أن فتنته إلى هذا الحد والله العظيم.
ولقد رأيت المؤمنات في قريتنا والله ما يخرجن إلا في الليل، وكن يلففن على الخلخال خرقة من الكتان؛ حتى ما يتضارب مع الخلخال الثاني. وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].
والله نسأل أن يتوب علينا ويحفظنا.
ويقول أحد الأبناء: الكعب العالي الآن مثل الخلخال، وأقول: نعم، لا ينبغي أن تلبس كعباً عالياً يلفت النظر، وكل ما يلفت نظر الرجل إليها لا يحل لها أن تلبسه. وقد نددنا بهذا فيما مضى.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر