وها نحن مع سورة لقمان الحكيم، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
بسم الله الرحمن الرحيم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [لقمان:6-11].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، في الآيات السابقة ذكر المؤمنين المسلمين المحسنين وذكر جزاءهم، والآن يذكر صنفاً من الناس وهم المشركون الظلمة الفاسقون، وما لهم من جزاء يوم يلقون ربهم.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6]، أي: ليضل غيره من الناس عن الهدى والصراط المستقيم؛ ليبقوا على الشرك والكفر، وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا [لقمان:6]، أي: آيات الله التي تسمع وصرف الناس عنها، إذا سمعها يتخذها هزواً، فيضحك ويلعب ويلهو ويسخر.
قال تعالى في جزائهم: أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6]، أي: يهينهم الله ويذلهم؛ لأن كفرهم كان فيه الإعجاز والإكبار فيذيقهم ضد ما كانوا عليه.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي [لقمان:6]، الأغاني والمغنيات والغناء، لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6]، وهنا أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة ومن بعدهم إلى اليوم يقولون بحرمة الغناء، فلا يحل لمؤمن أن يسمع صوت مغنية، ولا يحل لمؤمنة أن تسمع صوت مغنٍ.
وقد ذكر تعالى الغناء في كتابه في ثلاث آيات: الآية السابقة، والآية الثانية قوله تعالى: وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:61]، قال ابن عباس : هذه اللغة لغة حميرية، (أسمدي لنا) يعني: غني لنا، سامدون: مغنون.
والآية الثالثة في سورة الإسراء أيضاً: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:64]، والمراد من صوت إبليس والله! إنها الأغاني.
فالدين النصيحة: فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة، أن يسمع الأغاني ولا أن يتخذ أشرطة فيها، ولا أن يتخذ لها آلات وهذا كله فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل وعاقبته أسوأ عاقبة -والعياذ بالله-.
فلنأخذ بالطريق السليم وننهج منهج الحق، فهذه الملة الإسلامية الربانية ليست ملة الأغاني والمزامير والطبول أبداً، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا وحرمه في عشرات الأحاديث.
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، ولهو الحديث هو: الأغاني والمزامير والطبول، أي: الحديث الملهي المبعد عن ذكر الله، الدافع إلى الشر والفساد والزنا والفجور.
وقوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6]، وهذا نزل كما قلنا في النضر بن الحارث بن كلدة ؛ لأنه فتح محلات للغناء والمزامير؛ ليصرف أهل مكة عن القرآن وسماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
والوعيد -كما سمعتم-: أُولَئِكَ [لقمان:6] أي: الأشقياء البعداء، لَهُمْ عَذَابٌ [لقمان:6]، لم يقل: (أليم) بل قال: مُهِينٌ [لقمان:6]؛ لأنهم كانوا متكبرين متعالين مستنكفين، يعتبرون أنفسهم أعزاء وأنهم لا يجلسون مع الفقراء في مكة، فهؤلاء عذابهم بإهانة الله تعالى لهم.
قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولنا معه: فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [لقمان:7]، بشروه بعذاب أليم، فكل من يستكبر عن آيات الله ويترفع عنها، وكل من يستكبر عن الإسلام وعبادة الله وطاعته -والعياذ بالله تعالى- فهو من هذا النوع، وبشروه بالعذاب الأليم.
ومعنى هذا نحذر أن يظهر فينا من يستكبر عن كلام الله أو يتكبر عن القرآن أو آيات الله، أو يتكبر عن دين الله، حتى عن الأكل باليمين، حتى عن إعفاء اللحية، حتى عن كلمة بسم الله الرحمن الرحيم، فالذي يستكبر عن دين الله كهذا الذي استكبر عن آيات الله ودين الله، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا [لقمان:7]، أبداً، كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا [لقمان:7]، أي: ثقل لا يسمع أبداً.
فقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [لقمان:7]، وذلك جزاؤه وهو الآن فيه.
والمراد من العمود هو الذي يحفظ السقف، فما دامت السماء محفوظة بأي حافظ فسمه عموداً، ولكن بغير عمد نراها.
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ [لقمان:10]، أي: جبال ثابتة تثبت الأرض حتى لا تميد أي: تميل بكم.
رابعاً قال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [لقمان:10]، أي: المطر النازل من السماء أنزله الله، فلو تجتمع الدنيا كلها على أن توجد سحابة فقط وتسوقها إلى منطقة أو إقليم، والله! ما استطاعت، وهذه الأمطار وهذه السحب الله سبحانه وتعالى وحده مكونها وخالقها، وليس عيسى ولا أمه، ولا عبد القادر ولا فلان أو فلان، ولكن الله الذي لا إله إلا هو، فلِم يكفرون به ويجحدونه ويتنكرون له ويسخرون بكتابه وآياته وأوليائه؟!
فهذه آيات عظيمة في الكون، ومع هذا لا يرون الله فيها ولا يؤمنون به، من اليابان إلى الأمريكان إلا من رحم الله، ولا واحد في الألف، فعجباً هذا!
قال تعالى: خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [لقمان:10]، وهذه آية ظاهرة كالشمس تدل على وجود الله وعلمه وحكمته وقدرته.
ثانياً: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [لقمان:10]، أي: الجبال حتى لا تميل الأرض بنا، وهذه أيضاً آية تدل على الله ووجوده وعلمه وحكمته وقدرته.
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [لقمان:10]، أي: ماء المطر، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا [لقمان:10]، أي: في الأرض، مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [لقمان:10]، أي: حسن من نباتات وغيرها.
هذا الذي سمعتم خَلْقُ اللَّهِ [لقمان:11]، أي: مخلوق الله، فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11]، ممن تعبدونهم وتدعونهم وتتقربون إليهم وتتعصبون من أجلهم وتحاربون الإسلام وأهله، فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11].
ثم ختم تعالى هذه الموعظة العظيمة فقال: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [لقمان:11]، أي: لا يسمعون ولا يتعظون ولا يفهمون، ولا يرجعون ولا يستقيمون؛ لأنهم في ضلال عجيب، فلا يرون شيئاً في الحياة، وهذا هو الذي يعيش في الأرض لا يعرف من أنزل المطر، ولا يعرف من أنبت النبات، ولا المخلوقات من خلقها، ولا السماء من رفعها، ولا الجبال من أرساها، فلا يسأل ولا يعرف، فهذا شر الخلق، وهذا شر الحيوانات، وعلتهم ضلالهم الذي توارثوه جيلاً بعد جيل، وابناً عن أبٍ، بل هم في ضلال مبين.
[أولاً: حرمة غناء النساء للرجال الأجانب]، والله العظيم! لا يحل لمؤمنة أبداً أن تسمع رجلاً يغني وتصغي لأغانيه وتسمعها، كما والله! لا يحل لفحل من المؤمنين رجل -من أمثالكم- أن يصغي لعاهرة تغني وتزمر.
ومع ألف ألف أسف عمت الأغاني في البيوت والأشرطة، وإن خفت هذه الأيام -الحمد لله-؛ لأننا بكينا واستجاب الله لنا، فقد مضت علينا أيام ومنذ حوالي عشرين سنة كان البائع يبيع الفصفص والراديو في يده يسمع الأغاني والله العظيم! وكانت تمر بك مائة سيارة ولا تمر سيارة ليس فيها أغاني، بل يسوق السائق السيارة ويسمع الأغاني وهو ذاهب إلى العمرة، فالبيوت كلها أغانٍ.. في السطوح.. لكن الحمد لله، صحونا وعدنا إلى الحق.
فلا يحل لمؤمن أبداً أن يسمع صوت امرأة تغني، ولا امرأة تسمع صوت رجل يغني، أما المزامير والطبول فمحرمة، وليست من ديننا في شيء، ولسنا أهل لهو ولا لعب، نحن أهل ذكر الله، أهل عبادة الله، أهل قيام وقعود على ذكر الله، ما لنا مجال ولا وقت لأن نلهو ونلعب، والله! ما عندنا وقت للهو واللعب، لكن الكافرون الفاسقون الفاجرون أهل النار، أصحاب العذاب الأليم ليس عندهم غير اللهو واللعب، فلا يسمعون القرآن، ولا يذكرون الله، فلا عرفوا الله ولا سألوا عنه، فكيف يعبدونه؟! فلهذا حياتهم حياة العبث والخبث.
[ثانياً: حرمة شراء الأغاني في الأشرطة والأسطوانات التي بها غناء العواهر والخليعين من الرجال].
[ثالثاً: حرمة حفلات الرقص والغناء الشائعة اليوم في العالم كافره ومسلمه]، حرمة حفلات الرقص -والعياذ بالله- سواء في بلاد المسلمين أو في بلاد الكافرين، هذه الحفلات محرمة ولا يقبلها الإنسان ولا يرضى بها الله وليست من الإسلام في شيء، يجتمعون لجلسة ويرقصون ويغنون ويزمرون كالبهائم.
[رابعاً: دعوة الله تقوم على دعامتي الترهيب والترغيب والبشارة والنذارة]، دعوة الله تقوم على دعامتين الأولى: الترغيب في الخير ونتائجه، والثانية: في الترهيب من الشر ونتائجه كما هي في الآيات الآن.
دعوة الله تقوم على دعامتين: الترغيب من جهة والترهيب من جهة، فالذي لا يرغب في الخير فليس بإنسان، بل ميت، والذي لا يرهب من العذاب والشر فليس بإنسان، بل ميت، وهؤلاء في ضلال مبين.
[خامساً: بيان شتّى مظاهر القدرة والعلم والعز والحكمة الموجب للإيمان والتوحيد]، الله أكبر! هذا خلق الله، هذا مخلوق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه.
[سادساً -وأخيراً-: لا قصور في الأدلة والحجج الإلهية وإنما ضلال العقول بالشرك والمعاصي هو المانع من الاهتداء -والعياذ بالله تعالى-].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر