وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فها نحن مع هذه الآيات من سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ [الزخرف:51-56].
هذا هو كتاب الله القرآن العظيم الذي أنزله الله على خاتم أنبيائه وسيد المرسلين، نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الآن نعيش مع أحداث مضت عليها آلاف السنين، ووالله! لكما تسمعون، كأنكم شاهدون أحداثها؛ لأنه كلام الله المنزه عن الكذب، والمقدس عن الباطل.
فهيا نقضي هذه الساعة مع هذه الأحداث ليزداد إيماننا بربنا ورسولنا، ليقوى إيماننا ويعظم صالح أعمالنا، لنتهيأ للزلفى للجنة دار النعيم، فما هي إلا أيام وسنموت، وإلى أين بعد الموت؟ إما إلى النعيم المقيم في دار السلام الجنة دار الأبرار، وإما في العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير والعياذ بالله.
عرفنا أن فرعون أرسل الله تعالى إليه موسى ومعه أخوه هارون، وأعطى الله موسى آيتين عظيمتين تشهدان أنه عبد الله ورسوله أرسله إلى فرعون: اليد التي إذا أدخلها في جيبه وأخرجها تخرج وكأنها فلقة قمر، والعصا التي كان يرعى بها الغنم عشر سنين في بلاد مدين مع شعيب عليه السلام، إذا ألقاها باسم الله تهتز كأنها جان، آيتان عظيمتان.
ودعا عليهم موسى عليه السلام لما استعصوا، لما أبوا أن يستجيبوا، لما رفضوا دعوته وطالت السنين، فأصابهم الله تعالى بخمسة أحداث: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم؛ إذ قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ [الأعراف:133]، فلما شاهد فرعون هذه الآيات خاف أن يؤمن الناس وأن يدخلوا مع موسى في دين الله، فماذا فعل؟
جمع رجاله ونادى فيهم: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51] بمعنى: ألست ملكاً جباراً قوياً؟ كيف تعرضون عني وتقبلون على هذا الداعي الذي يدعو إلى دينه أو ملته؟
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] وهي أربعة أنهار: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس، أربعة أنهر يملكها هو، فهو مالك البلاد، وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] أي: تحت حكمي وتصرفي، أو تجري تحت عرشه وقصره، الكل جائز.
أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] فما تشاهدون هذا الذي أقول وما تعرفونه؟ كيف تلتفتون إلى هذا الذي جاء يدعوكم إلى كذا وكذا؟
أراد أن يصرفهم عن الدعوة، خاف أن تتسرب أنوار الإيمان في قلوبهم، فاحتاط لذلك ووقف هذا الموقف في جمع كبير ونادى: يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51].
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [الزخرف:52] مهان يعمل بيده ليأكل ويشرب، ما عنده سلطان ولا دولة ولا رجال، أينا خير؟
وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] يعني: ما يفصح إذا تكلم، وهنا اللطيفة التي عرفتموها، لما كان موسى يحبو وأخذ ينمو أراد أن يقف فأخذ بلحية فرعون ، جذبها وأراد أن يقوم، فتصور فرعون أنه أهانه، وأنه أراد إهانته، وتشاءم فقال: هذا البلاء كله يأتي من طريقه، فسنقتله، فشفعت آسية بنت مزاحم فيه وقالت له: ما يعلم شيئاً ولا يعرف شيئاً، ما زال طفلاً صغيراً، كيف تتهمه هذا الاتهام؟ امتحنه. قالت له: ائت بطبق فيه جمر وطبق فيه تمر، وقدم الطبقين لهذا الغلام، فإن أخذ التمر وترك الجمر علمت أنه كان على بصيرة وعلم، فإن أخذ الجمر فمعناه أنه لا عقل له، فلا تكرب ولا تحزن.
وقدم الطبقان، وإذا بموسى بتوفيق الله يأخذ الجمرة ويلقيها في فيه، فإذا بلسانه ما يفصح، وسأل الله تعالى أن يزيل هذه الثقل من لسانه فأزاله، لكن في أول الأمر ما زال فرعون يشهد بهذا؛ لأنه عاش مع فرعون أكثر من عشرين سنة.
وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] ويفصح، فكيف تؤمنون به وتتبعونه؟
أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:53] جماعات مع موسى دائماً، حيثما اتجه اتجهوا معه، فإن كان يدعي أنه نبي الله وأنه وأنه فأين مظاهر النبوة؟
هكذا يموه على العوام بهذه الحجج الفارغة الباطلة، وأعظم حجة له -لو كان يعقل- أنه فرد وفرعون معه مئات الآلاف، فما استطاعوا أن يؤذوا موسى بأدنى أذى، وهو معهم أكثر من عشرين سنة، هل استطاعوا أن يفعلوا شيئاً معه؟ ما استطاعوا؛ لأن معه جند الله عز وجل، لأن الله حافظه، هذه وحدها كافية، لكن هو يتبجح ويقول: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:53] حتى نقول: إنه رسول جاء لبني إسرائيل.
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] وكفروا بموسى وما جاء به، واتبعوا فرعون وملأه.
هذه لطيفة سياسية: لو أن أهل إقليم في العالم الإسلامي كانوا مستقيمين صالحين أولياء لله رب العالمين، وأراد الحاكم أن يصرفهم عن الحق إلى الباطل، يصرفهم عن الصلاح إلى الفساد، فهل يستجيبون له؟ والله! ما يستجيبون ولا يخافونه ولا يرهبونه؛ لأنهم يخافون الله ويرهبونه، لكن إذا كانوا فسقة هابطين لا عقول ولا علم ولا بصيرة فإنه يسن القوانين ويشرعها وهم يفرحون بها، وهذا الذي رأيناه بأعيننا في العالم الإسلامي.
هذه اللطيفة من أين أخذناها؟ من قوله تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ [الزخرف:54] عرف أنهم لا عقول لهم ولا أحلام، فبذلك أمرهم بالفسق ففسقوا؛ لأنهم فاسقون: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] لماذا؟ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54].
أقول: لو أن أهل إقليم من أقاليم المسلمين من أندونيسيا إلى موريتانيا بعث الله فيهم حاكماً يسودهم ويقودهم، فإن كانوا صالحين فوالله! ما يستطيع أن يقودهم إلى الفسق والفجور والظلم والشر والفساد، والله! ما يقدر ولا يقوى على ذلك، وإن كانوا هابطين لا علم ولا عقول ولا بصيرة، ومنغمسين في الشهوات والمحرمات والملاذ فسيستجيبون بسرعة، يدعوهم إلى كذا فيفعلون ويستجيبون.
ومعنى هذا: أنه يجب على المؤمنين في مدنهم وقراهم، في أقاليمهم وفي دولهم أن يرجعوا إلى الله نساء ورجالاً وأطفالاً، يؤمنون بالله حق الإيمان ويعبدون الله بما شرع حق العبادة، ويحلون ما أحل ويحرمون ما حرم، وبذلك أقسم بالله أنه لو كان حاكمهم فاسقاً لتاب وأصبح مثلهم، لو كان ظالماً فوالله! لخاف الله وعاد وعدل بينهم.
الطريق أن أهل القرية يعلنون عن إيمانهم بحق بلقاء الله والوقوف بين يديه وما عند الله من نعيم مقيم أو عذاب أليم، ويعلن إمامهم الذي يصلي بهم الجمعة يوم الجمعة فيقول: معشر الأبناء، معشر الإخوان، يا معشر المؤمنات! من يومنا هذا لا تتخلف امرأة ولا رجل عن صلاة المغرب في جامعنا هذا، يا صاحب الفلاحة! ألق المسحاة من يدك، يا نجار! ألق المنجرة، يا تاجر! أغلق باب التجارة، دقت الساعة السادسة، آن أوان غروب الشمس ودخول المغرب، وقف دولاب العمل في القرية بكاملها، وتوضئوا نساء ورجالاً وأطفالاً، وأتوا مسجد ربهم الجامع لهم، والنساء إن كن حيضاً فلا بأس أن يجلسن خارج المسجد، ويوصل هذا الصوت إليهن بواسطة.
وإذا صلوا المغرب يجلس لهم عالم رباني بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ آية من كتاب الله يكررها ويرددها، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13]، ربع ساعة وهو يرددها وهم يرددونها معه بأصوات خافتة، ما يبقى لا رجل ولا امرأة ولا طفل ما يحفظها، الكل يحفظونها في ربع ساعة.
بعد حفظها يأخذ في شرحها وبيان مراد الله منها، فيضع أيديهم على المطلوب، إن كان عقيدة اعتقدوها، وإن كان أدباً تأدبوا به، وإن كان خلقاً تخلقوا به، وإن كان واجباً عزموا على النهوض به، وإن كان محرماً عزموا على تركه والبعد عنه، ثم يصلون العشاء ويعودون إلى بيوتهم وقلوبهم ملأى بالنور وحب الله وما عند الله والدار الآخرة.
وفي الليلة التي بعدها يصلون المغرب كما صلوا بالأمس، يجلس لهم الإمام الرباني العالم، ويأخذ حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، يردده ربع ساعة وهو يقوله، ما يبقى من رجل ولا امرأة ولا طفل إلا حفظ ذلك الحديث، لسماعهم له من شيخهم يردده.
ثم بعد ذلك يضع أيديهم على المطلوب، إن كان عقيدة اعتقدوها، إن كان واجباً عزموا على القيام به، إن كان أدباً أو خلقاً تخلقوا به.. وهكذا، وذلك طول العام، هذا نظام حياتنا، تدخل القرية فما تجد باباً مفتوحاً، أهل القرية كلهم في بيت ربهم رجالاً ونساء.
والأحياء في المدن كل حي له جامعه، وله الإمام المربي يجلس على كرسيه، وذلك كل ليلة وطول العام، فهل تتصورون أن أهل قرية أو حي يجتمعون سنة كاملة، سنتين، ثلاثاً وهم يتعلمون الكتاب والسنة ولا يصبحون علماء؟ فهل ممكن أن يقع هذا؟ والله! ما يقع، والله! لو فعلوا لأصبحوا عالمين وإن لم يقرءوا ولم يكتبوا، عارفين بربهم وبمحابه ومكارهه، قادرين على النهوض بالواجبات والتخلي عن المنهيات، فهذا أمر مفروغ منه.
هذه هي الخطة التي نطالب بها منذ سنين، وقلت غير ما مرة: لو أن أهل قرية من قرى العالم الإسلامي رجعوا إلى هذه الحقيقة المحمدية، وهي ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل به؛ فوالله! لزرنا ديارهم، وتبركنا بوجودنا بينهم؛ لأنهم يصبحون كالملائكة.
لا تتصور أن مجموعة من المؤمنين يتعلمون الكتاب والسنة ويطبقون ويبقى بينهم فاسق أو فاجر أو ظالم؟ والله! ما يكون هذا ولن يكون أبداً.
حينئذ الحاكم الذي يحكم في القرية يكون مؤمناً صادقاً؛ لأنهم مؤمنون صادقون وهو منهم، لكن إذا كان الفسق والفجور منتشراً فيهم فحاكمهم بينهم يكون مثلهم ما يستحي، كيف تقول: يا حاكم! لا تشرب الخمر وهم يشربونه؟
هذه اللطيفة عرفناها من قول الله تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] لم يا رب؟ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54] لو كانوا مستقيمين فوالله! لن يطيعوه ولن يستجيبوا له، سيخافون ربهم ولا يخافون مخلوقاً من مخلوقاته.
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] لماذا؟ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54]، ما معنى (فاسقين)؟ خارجين عن النظام الإلهي، خارجين عن القانون السماوي، لا يطبقون ما أمر الله به ورسوله ولا ما نهى الله عنه ورسوله، هذا هو الفسق.
فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف:55] فرعون وجيشه مائة ألف مقاتل، الكل في عمق البحر.
ولهذه اللطيفة القرآنية نقول: يجب على المسلمين في مدنهم وقراهم ألا يسخطوا ربهم عليهم فيهلكهم، بل يقيمون الصلاة، يؤتون الزكاة، يأمرون بالمعروف، ينهون عن المنكر، لا يسرقون ولا يطففون ولا يكذبون، لا يزنون ولا يفجرون، لا يغشون ولا يخدعون، لا يظلمون ولا يعتدون، فهم ربانيون صادقون، نورهم بين أيديهم وفي قلوبهم، هذا كتاب الله وهذا هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله! إنهم لآمنون، لكن إذا فسقوا هبطوا وسلط الله عليهم أفسق منهم وأفجر.
والشاهد: هل استعمر العالم الإسلامي أو لا؟ كيف يسلط الله الكافرين على عباده المؤمنين؟ ما يقع هذا ولن يقع، والله! لو كانوا مؤمنين صادقين صالحين لنصرهم الله على الغرب والشرق كما نصر أولهم، فكيف يخضعون ويذلون ويصبحون يمثلون طرق الباطل والشر بين إخوانهم؟ لأنهم كانوا فاسقين.
أولاً: أفسدوا عقائدهم وفسدت العقيدة الإسلامية، وانتشرت الخرافات والضلالات والبدع، ثم انتشر الفسق والفجور والظلم والاعتداء والرغبة في الدنيا وأوساخها، فلما هبطوا سلط الله عليهم تلك الدول، فأنقذتهم بعض الإنقاذ أيضاً مما كانوا فيه من الباطل والشر، ولعل هذا بدعوة بعض المؤمنين والمؤمنات.
لم سلط الله فرنسا علينا؟ لعلها دعوة من المؤمنين والمؤمنات لما أصبح المسلمون يأكل بعضهم بعضاً، يفجر بعضهم ببعض، بلاء لا قدر له، فسلط الله فرنسا فخففت ذلك، وقد يكون بدعوة مؤمن سأل ربه أن يخفف هذا البلاء.
وإذا كان الله نصر موسى وأولياءه لإيمانهم وصالح أعمالهم فهيا نؤمن وهيا نصلح أعمالنا ولا نفسق ولا نفجر حتى ينصرنا الله عز وجل، فهذه ذكرى خالدة وعظة باقية ومثل حي لأولي الأبصار والقلوب والعقول.
فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ [الزخرف:55-56] يا قريش! القرآن ينزل فاتبعوه، اتعظوا، أطيعوا محمداً صلى الله عليه وسلم وامشوا وراءه ولا تتعالوا ولا تتكبروا، فهل نفع فرعون تكبره على موسى وطغيانه؟ ما نفعهو وبذلك انتفع أهل مكة ودخلوا في الإسلام.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: ذم الفخر والمباهاة؛ إذ هما من صفات المتكبرين والظالمين ].
ذم الفخر والمباهاة في اللباس والطعام والمركب، المباهاة والمفاخرة والتعالي والتكبر صفات مذمومة باطلة والعياذ بالله تعالى، ففرعون أما قال: أنا وأنا وأنا؟ هذا هو التفاخر والتكبر والتجبر.
[ ثانياً: الاحتقار للفقراء والازدراء بهم من صفات الجبارين الظلمة المتكبرين ].
هنا لطيفة أخرى: التكبر على الفقراء والمساكين والاستهزاء بهم والسخرية من شأن الطغاة الجبابرة الكاذبين والفاسقين والعياذ بالله تعالى.
[ ثالثاً: الفسق يجعل صاحبه مطية لكل ظالم أداة يسخره كما يشاء.
رابعاً: التحذير من غضب الرب تبارك وتعالى؛ فإنه متى غضب انتقم فبطش ].
من هداية هذه الآيات: أن نخاف غضب الله، وأن نبتعد عنه، أي: لا نغضب ربنا بمعصيته والخروج عن طاعته، لا بترك واجب من الواجبات ولا بفعل محرم من المحرمات، ولا بأذية مؤمن ومؤمنة من المؤمنين والمؤمنات، فإننا إذا أسخطنا الله علينا وغضب أهلكنا كما أهلك من قبلنا والعياذ بالله تعالى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر