إسلام ويب

تفسير سورة فصلت (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإيمان بالله والاستقامة عليه له فضل عظيم، فالملائكة تتنزل على المؤمنين بالبشرى في ساعات الاحتضار، فلا هم يخافون ولا يحزنون؛ لأنهم أولياء لله عز وجل في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وقد أعد الله لهم يوم القيامة جنات النعيم، لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم من المآكل والمشارب والمتاع الحسن، وهم فيه بلا انقطاع ولا زوال، فضلاً ونعمة من الله ذي الجلال.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، يبين لكم معنى هذه الآية: أن أحد الأصحاب رضوان الله عليهم قال: ( قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: قل: آمنت بالله، ثم استقم ). وسأله آخر قائلاً: ( ما أخوف شيء تخاف علي يا رسول الله؟! فقال: لسانك، ووضع يده على فمه ). وهذا القول أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13] في سورة الأحقاف، ومن هذه في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] الآية.

    فهم الآن قالوا: ربنا الله، أي: شهدوا أن لا إله إلا الله على علم. ولا يوجد من يستحق الإلهية حتى يطاع ويعبد في الكون إلا الله، فلهذا لما علموا وعرفوا وأيقنوا صدعوا بها ورفعوا أصواتهم قائلين: ربنا الله. فلا نعترف بربوبية سواه أبداً، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح، فضلاً عن الجمادات وهذه الأصنام. وهذا فيه إعلان عن العقيدة بعد علمها ومعرفتها واقتناع القلب بها، فقالوا: ربنا الله.

    معنى الاستقامة

    قال تعالى: ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]. فهم استقاموا على هذه الشهادة حتى ماتوا، إذ كم من قال: ربي الله ومات كافراً مشركاً، وخاصة العرب كما علمتم، فقد كانوا يؤمنون بالله رباً. فلا بد إذاً من الاستقامة مع الشهادة. فإذا شهدت أن لا إله إلا الله فاستقم على هذا، ولا تعوج، ولا تلتفت إلى غير الله، ولا تعبد مع الله سواه بأية عبادة من العبادات، فاستقم على هذا الذي قلت.

    وكذلك الاستقامة أيضاً: المشي في منهج الحق والصراط المستقيم، فلا تميل يميناً ولا شمالاً. وهذا الذي قررناه مئات المرات، وهو أن هناك صراطاً مستقيماً، أي: طريقاً مستقيماً، فلا تميل عن يمينك ولا عن شمالك، بل امش متجهاً إلى باب الجنة، وذلك بأداء الواجبات الفرائض، فلا بد من القيام بها، فلا تفرط في واجب واحد، ولا تهمل فريضة من فرائض الله.

    وهناك عن شمالك المنهيات والمحرمات في الأقوال والاعتقادات والأعمال، فلا تقع في معصية الله، سواء كانت هذه المعصية زنا، أو كانت ربا، أو كانت كبيرة من كبائر الذنوب، أو صغيرة من صغائرها.

    وقد علمنا ربنا كيف ندعوه بعدما نحمده ونثني عليه ونمجده، ثم نتملقه فنقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]. وبعد ذلك ندعوه قائلين: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]. وهو صراط الذين أنعم الله عليهم، وهم النبيون والصديقون، والشهداء والصالحون. صراطهم هذا يصل بهم إلى باب الجنة.

    وسمي الصراط صراطاً؛ لأنه من صرط الطعام يصرطه إذا دخل في بطنه، فهو طريق من دخله يصل به إلى النهاية. ولذلك قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]. والمغضوب عليهم أولئك الذين عرفوا الحق وكرهوه، وعرفوا الطريق وتنكروا له، وعرفوا أنه لا إله إلا الله وعبدوا معه غيره. أولئك هم المغضوب عليهم من اليهود وغيرهم. والضالون هم الذين يعبدون الله عن جهالة، فهم في الضلال يتخبطون حيارى، ويقولون: إننا مهتدون. وأولئك هم النصارى ومن كان على شاكلتهم.

    وقوله: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30]، وجهروا بها أعلنوها، ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، وما انحرفوا وعبدوا مع الله سواه، وما انحرفوا بأن تركوا عبادة الله، ولا عصوا الله ورسوله، بل أقاموا الواجبات وأدوها كما هي، وتجنبوا المحرمات وابتعدوا عنها، كما بينها الله ورسوله. فقولوا: اللهم اجعلنا منهم.

    الاستقامة لا تتحقق إلا مع العلم

    معشر الأبناء والإخوان! لا يمكن لأحد أن يستقيم في الطريق وهو ما يعرف الطريق، فلهذا يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف الواجبات التي أوجبها الله على عبيده المؤمنين، سواء بالقراءة والكتابة أو بالسؤال والمشي إلى العلماء وسؤالهم، وإلا لما عرف الواجبات، ولا عرف المحرمات إذا ما طلب تعلمها. ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة ويقول: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ). والمسلمة تابعة له. وهذا هو الطريق الذي يسلكه العارفون العالمون.

    ولهذا كما قررنا لا بد من طلب العلم. ولا نطلب العلم من أجل الرواتب، ولا من أجل الأموال، ولا من أجل السمعة، ولا من أجل الشهرة، بل نطلب العلم من أجل أن يرضى الله فقط؛ فيكرمنا ويسعدنا، ولا يشقينا ولا يعذبنا. والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.

    وشبابنا يتورطون في المعاصي والذنوب والآثام، وهم يدرسون في المدارس والكليات، ويتخرجون منها، وقد بلغنا عنهم أشياء عجب، فقد بلغنا أنهم يتتبعون الفتيات في الشوارع وأمام المدارس. وهؤلاء ليسوا صعاليك لا يعرفون قراءة ولا كتابة، بل إنهم يحملون شهادات بعلمهم الباطل الذي ما تعلموه لأجل الله، ولا تعلموه من أجل أن يعرفوا يعبدون الله به؛ حتى يعبدوه. وهؤلاء كأنهم والعياذ بالله من الكافرين الهابطين، لا هم لهم إلا فروجهم وطعامهم وشرابهم.

    ولذلك يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف محاب الله من الكلمات والأقوال، والأعمال والاعتقادات، ويدون ذلك في كتاب أو في صحيفة، ويجعله أمامه في منزله وفي بيته عند رأسه؛ حتى يتذكر هذا الذي يحبه الله، فيحبه هو، ويعمل به ويفعله؛ من أجل أن يحبه ربنا. ويجعل لوحة أخرى للمنهيات والمحرمات التي حرمها الله ونهانا عنها؛ حتى يعرفها محرماً بعد محرم، فلا يأتيها ولا يغشاها ولا يرتكبها مهما كانت الظروف. وبذلك نصبح أهلاً لأن نكون من أهل هذه الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30].

    جزاء من آمن واستقام على أمر الله

    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]. فهؤلاء جزاؤهم: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، أي: مواكب من الملائكة. وسنشاهد هذا إن شاء الله عندما نكون على سرير الموت، فأولياء الله المؤمنون المستقيمون والله تأتيهم مواكب من الملائكة، ويشاهدونها بأعينهم ويعرفونها، والروح قد بلغت الحنجرة وغرغرت، ومن فقد هذا فهو من أهل الشقاء والعذاب والخسران.

    فالمؤمنون تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، وتقول لهم: لا تخافوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]. وهذ الصك الإلهي لا يظفر به أصحاب الزنا والربا، ولا أصحاب الخمر والحشيش، ولا اللواط والدمار والخراب، فهم ليسوا بأهل لهذا أبداً. بل هذا حقاً لمن قالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم استقاموا، فأحلوا ما أحل الله، وحرموا ما حرم الله، وأتوا ما أوجب الله، وفعلوا ما فرض الله بعد علمهم بذلك. وقد طلبوا هذا وعملوا به؛ لأنهم يريدون هذه الكرامة، وهذه السعادة التي تبدأ عند الموت، وتستمر في القبر والبرزخ ويوم القيامة. فقولوا: اللهم اجعلنا منهم.

    فهم تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، وتقول لهم: لا تخافوا ولا تحزنوا، أي: لا تخافوا من مستقبلكم، وما أنتم مقبلون عليه، وذاهبون إليه أبداً، ولا تحزنوا عما تركتم وراءكم، فالله يتولى أبناءكم ونساءكم، ويتولى ما كنتم عليه. فهذه بشرى في الدنيا والآخرة، فلا تخافوا ولا تحزنوا، أي: لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه أبداً من القبر والبرزخ والدار الآخرة، ولا تحزنوا عما تركتم من ولد أو مال. هكذا تبشرهم الملائكة.

    وهنا لطيفة، وهي: أن الذين هم أولياء الله إذا ماتوا لا يصاب أولادهم بالعذاب والبلاء، ولا بالشقاء والفسق، ولا بالفجور والكذب أبداً، بل يكونون مثلهم. وتأملوا العبد الصالح، فإن أولاده يكونوا صالحين، فيموت ولا يخاف عليهم أبداً، وهم لا يتضررون من بعده. وهذا معروف بالمشاهدة. ودلالة صلاحه تربية أولاده.

    وأما الذين يتركون أولادهم في الشوارع -والعياذ بالله تعالى- ويسكتون عليهم فيا ويلهم! فهم يحزنون ويكربون ويخافون، و( من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين ).

    فهؤلاء المستقيمون يبشرون ألا تخافوا ولا تحزنوا، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ [فصلت:30]. وهذه الجنة هي دار السلام ودار الأبرار وعالم السعادة. وهي والله فوقنا. وقد وصفها الرحمن في كتابه بأوصاف عجيبة، وقد شاهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلها، ووطئ أرضها بقدميه الشريفتين، وناجاه ربه وكلمه، وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس. فهذه الجنة دار السلام فوقنا. فما إن تقبض روح العبد المؤمن ولي الله إلا ويعرفون بها، ويستأذنون لها في الدخول في كل سماء من السبع السماوات سماء بعد سماء بعد سماء، حتى يأذنوا لهم إلى الجنة دار السلام. فهذا هو مصير هذه الأرواح الطيبة الطاهرة، لا الخبيثة ولا الملوثة بالشرك والذنوب والآثام.

    فإذا مات عبد الله وأمة الله على حقيقة قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، وما اعوجوا ولا انحرفوا، ولا هبطوا ولا غيروا ولا بدلوا، بل ماتوا على تلك العقيدة فإنهم تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، أي: التي وعدكم الله بها، ووعدكم رسوله، ووعدكم عباد الله المؤمنون بهذه الجنة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ...)

    قال تعالى: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:31]. فأولياؤنا اليوم الملائكة، فهم عن يميننا وعن شمالنا، يحفظوننا من شياطين الإنس والجن. فهم أولياء ولاهم الله إيانا، فتولونا، وهم معنا في الدنيا، وفي البرزخ في القبر، ويوم القيامة يستقبلوننا عندما نخرج من قبورنا، ويقودوننا إلى الجنة، كما قال تعالى: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فصلت:31] هذه، وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:31]، يعني: الحياة الآخرة. وهذه الحياة الأولى تنتهي، ونحن نشاهد نهايتها يومياً، فهي ليست دار خلد ولا بقاء أبداً، والناس يموتون جيلاً بعد جيل ويذهبون، فهي ليست دار بقاء وخلد أبداً، بل الدار الآخرة هي دار البقاء والخلد الدائم.

    ثم قال تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ [فصلت:31]. فأي شيء يشتهيه عبد الله أو أمة الله في الجنة والله يحضر بين يديه، كما قال تعالى هنا: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ [فصلت:31] من الطعام والشراب، ومن اللباس وما شئتم. وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31]، أي: ما تطلبون.

    وقد بينت آية سورة يونس سعادة الجنة في ثلاث كلمات، فقال تعالى: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ [يونس:10]. فإذا طلبت اللبن .. العسل .. الماء .. أنواع الطعام .. أنواع اللحوم فإنك تقول: سبحانك اللهم! فيحضر مطلوبك، وتأتي به الملائكة.

    وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10]. فلما يأكل الشخص ويشرب ويشبع يقول: الحمد لله رب العالمين، فترفع الأواني من بين يديه، ولا يقول: ائتوني، ولا يقول: ارفعوا عني؛ لأن في هذا تعباً ومشقة، بل يقول فقط: سبحانك اللهم! فيحضر كل مراد ومطلوب، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فما يبقى إناء بين يديه لا للماء ولا للطعام ولا للشراب، كما قال تعالى: دَعْوَاهُمْ فِيهَا [يونس:10]، أي: في الجنة سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].

    فيا معشر المستمعين! حققوا إيمانكم وإسلامكم، وامشوا في الصراط المستقيم، واثبتوا واصبروا، فإن الجنة قريبة جداً، وما هي إلا أن تخرج الروح وهي في سعادة الجنة.

    وقال تعالى هنا عن الجنة: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31]. فادعِ فقط واطلب، فيحضر ما تطلبه.

    وقوله تعالى: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:31]، أي: الوفد الذي نزل من السماء ليقبض الروح ويأخذها، فيقولون لنا مبشرين لنا: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:31] أيضاً. فهم يتولوننا في الدنيا والآخرة. وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ [فصلت:31] من اللبن .. العسل .. الفواكه .. الخضار، وغير ذلك، فالذي تشتهيه في نفسك يحضر، فقل: سبحانك اللهم! فقط، فهذه الكلمة التي يوضع بها الطعام. وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نزلاً من غفور رحيم)

    قال تعالى: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32]. النزل: الضيافة، وما يعد للضيف من أنواع الطعام والشراب، واللباس والفراش، وما إلى ذلك. فهذه الجنة ضيافة من الله، كما قال: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32]. والغفور الرحيم هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، فهو غفور، فقد يعصيه العبد ستين سنة ثم يدخل في الإسلام ويقول: لا إله إلا الله، فيغفر له ذلك كله، وقد يعبد مع الله ويشرك به مائة سنة، ثم يقول: آمنت بالله وأسلمت لله، وبعبد الله ولو ساعة فيغفر ذلك الذنب كله وإن كان كالجبال.

    وويل لمن يموتون على معصية الله ورسوله! وأما من تاب فهنيئاً له، فقد تاب الله عليه وغفر له. ومن صفات الرب تعالى وأسمائه: الغفور الرحيم، كما قال هنا: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32]. وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه.

    معشر الأبناء! معشر الإخوان! هيا بنا نحقق كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فربك يا عبد الله! هو خالق الخلق، وموجد الموجودات، والذي وهبنا كل ما نريده، فهو رب السماوات والأرض، وهذا هو الله. فلنشهد أنه لا إله إلا هو، ولنشهد أن محمداً عبده ورسوله، ونطيعه فيما يأمر به وينهى عنه، وبذلك تتحقق لنا ولاية الله. فاللهم اجعلنا من أوليائك، وصالحي عبادك.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات.

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: فضل الإيمان والاستقامة عليه بأداء الفرائض واجتناب النواهي ] وعلى ما شرع الله لنا من العبادات، فنعبده بها، فنفعل المأمور ونترك المنهي.

    قال الشيخ في النهر: [ ذكر القرطبي في تفسير الاستقامة أكثر من عشرة أقوال للصحابة والسلف، ثم قال: وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها: اعتدلوا على طاعة الله عقيدة وقولاً وفعلاً، وداوموا على ذلك ] أي: استقاموا في مشيتهم إلى الجنة، فاعتقدوا ما أمر الله باعتقاده، وفعلوا ما أمر الله بفعله، واجتنبوا ما أمر الله بتركه. هذه هي الاستقامة. وماتوا على ذلك، ولم ينتكسوا ولم يرتدوا ولم يكفروا.

    [ ثانياً: بشرى أهل الإيمان والاستقامة عند الموت بالجنة، وهؤلاء هم أولياء الله المؤمنون المتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا، وهي هذه، وفي الآخرة عند خروجهم من قبورهم ] اللهم اجعلنا من أهل هذه البشرى يا رب العالمين! ونحن في انتظارها، وما إن يأتي ملك الموت ومعه موكب من الملائكة إلا ونسر بذلك ونفرح، وتنشرح صدورنا ونبتسم، والناس يشاهدون ابتساماتنا عند الموت، وذلك عندما نبشر بهذه البشريات. وأهل هذه ليسوا الكفار ولا المشركين، ولا الفسقة ولا الفجرة، وإنما المؤمنون المستقيمون على صراط الله المستقيم، الذين يأتون الواجبات، ولا يهملونها، ويتجنبون المحرمات ولا يفعلونها، حتى النظرة والكلمة الباطلة.

    قال الشيخ: [ قال وكيع وابن أبي زيد : البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث.

    وشاهد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) ] وهذه مشكلة، وقد فسرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا عند الموت، فلما يبشر يفرح ويحب لقاء الله، والخبيث المنتن العفن إذا جاءته الملائكة يكره الموت؛ لأنه يشاهد البلاء والعذاب، وأما المؤمن يفرح بالموت والله [ ( قلنا: يا رسول الله! كلنا نكره الموت، قال صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك كراهة الموت، ولكن المؤمن إذا حُضر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه، فليس شيء أحب إليه من أن يكون لقي الله تعالى، فأحب الله لقاءه، قال: وإن الفاجر والكافر إذا حُضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر، فكره لقاء الله، فكره الله لقاءه ). قال ابن كثير : وهذا حديث صحيح ].

    [ ثالثاً: في الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولأحدهم كل ما يطلبه ويدعيه، وفوق ذلك النظر إلى وجه الله الكريم وتلقي التحية منه والتسليم ] والسعادة في الدار الآخرة في الجنة، ففيها الطعام والشراب، واللباس والذهب، وغير ذلك ما تعرفون عنها، ولكن أعظم من ذلك كله النظر إلى وجه الله الكريم. فهذا أسعد ما يسعدون به، وليس الطعام والشراب، والنكاح واللباس، بل النظر إلى وجه الله الكريم.

    اللهم اجعلنا من محبي لقائك وأحببنا يا ربنا!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765797403