أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.
وبالأمس كان النداء هو قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. فحفظنا وعلمنا، والله نسأل أن يوفقنا لأن نعمل.
هذا النداء أمرنا الله تعالى فيه بأن ننفق من بعض ما رزقنا في مجالات الإنفاق وطرقه وسبله، وقد عرفتم أكثرها، ومنها: الجهاد ومتطلباته، ثم الفقراء والمساكين والمحتاجين.
وهذا الإنفاق عائداته تعود على المنفقين، وهم المستفيدون، وفرصة الحياة ضيقة، فإنه إذا دقت ساعته وحضر أجله عض أصابع الندم وقال: يا ليتني أنفقت!
ثم هذا الإنفاق قد يكون واجباً كالزكاة، وكالإنفاق على الأب والأم، والإنفاق على الزوجة والأولاد، وهذا واجب وجوباً عينياً، ويتحتم على كل من قدر على أن ينفق أن ينفق.
و يكون واجباً أيضاً في الجهاد، لا سيما إذا دعا إمام المسلمين إلى الجهاد، وطالب بالمال لإعداد العدة ولتجهيز المجاهدين، فيتعين أيضاً تعيناً كاملاً.
وقد يكون واجباً إذا شاهدت فقيراً يقتله الجوع أو يمزقه وعندك المال في جيبك أو في يدك فيجب أيضاً؛ لأنه تعين.
وما عدا ذلك فهو من أفضل الأعمال وأطيبها وأعظمها أجراً، ولا يحرمه إلا محروم.
قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254] هذا هو يوم القيامة، ليس فيه بيع أو شراء، ولا صداقة أو أخوة أو محبة تجدي وتنفع، ولا شفاعة تنفع صاحبها، والفرصة ضيقة.
وهذا إرشاد الله وتعليمه، وإنعام الله على المؤمنين حيث رزقهم المال وأعطاهم ورزقهم، وطلب منهم أن ينفقوا ماله، فهو الذي وهبه، وهو الذي يشتريه منهم ويثيبهم عليه، وهذا لا يقدر عليه إلا الله.
وقد حدث مرة أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه كان له بعير فأصابه العي في طريقه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتراه منه الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يصل به إلى المدينة، فلما وصل إلى المدينة جاء جابر بالمال والجمل، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الجمل والمال. وهذا موقف نبوي شريف، لا يقفه سواه، وفوق ذلك الله جل جلاله وعظم سلطانه، يعطينا المال ويشتريه منا وبمضاعفة، الحسنة بعشرة إلى سبعمائة.
فقوله: أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] الذي رزقنا هو الله، فهو الذي خلق المادة بكاملها ووزعها وقسمها.
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254]. وهذا يأتي بالموت، فما إن يموت المرء حتى ينقطع، فلا تنفعه شفاعة، ولا ينفعه خلة ولا صداقة ولا صحبة، ولا بيع ولا شراء.
ثم أعلمنا أن الكافرين هم الظالمون، وقد عرفنا أن الكفر كفران ونوعان: كفر نعمة، وكفر ملة.
فكفر الملة - وهو كفر الدين- خروج من ساحة الإيمان والإسلام، وصاحبه مخلد في النار، ولكن كفر النعمة هو جحودها وعدم حمد الله وشكره عليها، وإمساكها وعدم إنفاقها، وهذا أيضاً كفر، وصاحبه ظالم، ولو لم ينفق على أسرته فإنكم تقولون فيه: ظالم، فإذا تعين الإنفاق عليه ولم ينفق فقد ظلم؛ لأنه وضع المال في غير موضعه، وقد علمنا أن الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، فكفار النعم ظلمة؛ لأنهم وضعوا النعمة في غير موضعها، فبدلاً أن ينفقوها حيث يرضى الله ويحب، وحيث أمر تعالى وأذن، أنفقوها في معاصي الله، أي: ضد الله عز وجل، فكانوا بذلك ظالمين.
إذاً: فمن الواجب العيني الحتمي أن نعرف مبطلات الصدقة؛ حتى لا ننفق أموالنا ثم نرجع خائبين بلا أجر ولا مثوبة؛ إذ لا أحد يرضى بهذا. فلا بد من معرفة ما يبطل الصدقة، أي: يحرم صاحبها أجرها وثوابها، وبالمعنى السري الذي علمتم أنها لا تزكي نفسه، فينفق الألف والمليون ولا تنتج له حسنة واحدة، وتبقى نفسه منتنة خبيثة مظلمة! وقد بين هذا الله خالق الأشياء، ومدبر الحياة العليم الحكيم.
فالنداء الثامن من نداءات الرحمن لأهل الإيمان في بيان مبطلات ثواب الصدقة، والثواب: الجزاء وما يعطاه العبد، وذلك كالمن، منَّ يمن عليه: أعطاه وأخذ يقول: أعطيتك كذا .. ألبستك كذا، فيؤذي المؤمن حتى يكاد أن يسقط على الأرض؛ إذ لا يوجد من يتحمل المن من البشر إلا من فتر طبعه وهبطت نفسه.
والأذى هو أن يعطيه ويشتمه، فيعطيه الريال ثم يسبه ويقول: ألا تستحي؟ وأنت كذا وكذا فيمزق قلبه.
والرياء هو أن ينفق ليراه الناس لا لوجه الله عز وجل. هذه ثلاث مبطلات للصدقة.
وهيا بنا إلى النداء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] ] هذا النداء عالٍ، رفيع سامٍ، فلا بد وأن نرفع أعناقنا حتى تصل إليه.
لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ [البقرة:264] ] أيها المتصدقون! والمتصدقون هم المؤمنون، وبالأمس ناداهم وحثهم، وقال: أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن تفوت الفرصة فاستجابوا، والآن من رحمته بعباده المؤمنين وإحسانه إليهم ولطفه بهم بين لهم ما يبطل صدقاتهم التي أنفقوها بالأمس؛ حتى لا يحرموا الأجر والمثوبة عندما ينفقون، وهذه المبطلات توجد مغروزة مع الإنسان، فإذا لم يجاهد نفسه يقع فيها.
مبطلات الصدقة ثلاثة: الأول: المن، كأن يقول: ما شاء الله، هذه النظارة جيدة، وهي ملائمة لك، ثم يقول: أنا اشتريتها له. أو كأن يقول: ما شاء الله، هذا نعل ممتاز، هذا اشتريناه لراضي، هذا المن.
والأذى كأن يعطي من يسأله ويقول له: امش، ألا تستحي؟ فأنت لا خير فيك، وأنت كذا، وهذا قد سمعناه من الإخوان، فيعطيه ويصب عليه الأذى، وكأن يقول: مثلك لا يشبع، وأنتم لا تستحون، فيذوب المؤمن.
والرياء: أن ينفق فقط ليظهر في المجتمع أنه من أهل المال والإنفاق، أو ليمدح ولا يذم، حتى لا يقال: بخيل، فينفق المال حتى ما يقال: فلان بخيل، وليدفع المذمة عن نفسه، وهو لا يريد ثواب الله وما عنده لأوليائه.
والرابعة الحالقة وهي: الكفر، فالكافر لا يثاب ولو ينفق ما على الأرض.
هذا النداء ذكر الله فيه مثلاً، فالصفوان: صخرة صلداء صماء، مثل جبل الصفا في مكة كله صخور، وهذا الصفوان عليه تراب، وهذا التراب وضع فوقه وليس لاصقاً مع الصخرة، بل هو خارج منها موضوع فوقها، وإذا بوابل من المطر ينزل، فلا يبقي من ذلك التراب شيئاً، وإنما والله يمسحها مسحاً، ويصقلها كالزجاجة، فالذي ينفق ماله رئاء الناس كالذي يضع ذلك التراب من أجل أن يحرث أو يزرع ويأتي مطر غزير فيمسحه كاملاً، فيخسر جهده وطاقته وأمله، وكل ما كان يفكر به. وهذا مثل عجب. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ [البقرة:264]، أي: مطر غزير. فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264]، أي: فات كل شيء، فما أنفقوه رياء وسمعة أو أنفقوه للباطل ونصرة له كل ذلك يضيع.
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264]. إلى كل ما يكملهم ويسعدهم. فقد عادوه وحاربوه وفسقوا عن أمره وخرجوا عن طاعته، والله لن يهديهم لما فيه كمالهم وسعادتهم، وحاشا لله أن يفعل ذلك. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] إلى كل ما يسعدهم وينجيهم من عذابه، ولكن يهدي أولياءه المؤمنين.
أولاً: المن ] منَّ يمن مناً بعطائه إذا تحدث به وردده أمام من أنفق عليه؛ لما فيه من أذى المؤمن [ وهو من كبائر الذنوب ] أي: كالزنا والربا وقتل النفس والغيبة والنميمة [ لأن المنان ] وهو كثير المن، وليس من يمن في العام مرة، أو يتصدق مائة مرة ويمن مرة، بل هو من لا يفارقه المن [ أحد ثلاثة ] أشقياء، حالهم [ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ] أي: لا يطهرهم حتى يدخلهم الجنة [ ولهم عذاب أليم ] موجع. وسيأتي الخبر، وذلك [ لحديث مسلم ] في صحيحه.
قال صلى الله عليه وسلم: [ ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ) ] والذي لا يكلمه الله فمعناه أنه غاضب عليه غير راض، وهذا معروف بالبداهة، فالشخص الذي أنت غاضب عليه لا تكلمه [ ( ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم ) ] ولو يسمع مؤمن هذا الحديث يحمل هذا الوعيد والله ما بات على واحدة من هذه الثلاث أبداً، ولرضي أن يموت ولا يبقى على هذا الباطل، ولكنهم ما عرفوا ولم يبلغوا ولا علموا، ولا وثقوا فيمن سمعوا.
الأول: [ ( المسبل إزاره ) ] خيلاء وكبراً وتعالياً على المؤمنين لإذلالهم وإهانتهم والتعالي والتفوق عليهم، والآن ليس عندنا إزار نتزر به إلا في الحج والعمرة، ولكن كل ما يلبسه المؤمن من قميص أو سروال أو مشلح أو برنس أو عباءة أو غيرها إذا أسبله وراءه تحت كعبيه بحيث يمس الأرض ويتبختر خيلاء وفخراً فهذا الله غاضب عليه إذا مات كذلك، والسر في هذا لأنه يؤذي أولياء الله بالتكبر والافتخار عليهم، ويضر نفوسهم، ويؤلم أرواحهم، وهم أولياء الله، والله يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). فالله عز وجل لا يرضى أبداً أن تتكبر على أوليائه أو تهينهم أو تذلهم، فالله يدافع عن أوليائه ويحميهم، ومع أن هذا بذر المال وأنفقه فيما لا يعني، وزاد شبراً في الأرض أو أصبع ليس فيه الفائدة، لكن السر لأنه قال: خيلاء وتكبراً. ولو أن مؤمناً طول ثوبه وقلبه نظيف نقي لا يريد كبراً ولا فخراً ولا أذية المؤمن فوالله لن يكون مع الثلاثة، ولكن هذا مرض نفسي يؤذي المؤمنين بالتكبر عليهم والتعالي والافتخار والمباهاة.
وبعض المؤمنين عندنا من الجيش ومن الشرطة يلبسون السروال، ويحاولون أن يرفعوه فوق الكعبين وهو مطلوب، لكن قد يعاب عليهم أو غير ذلك، فنقول لهم: اكرهوا هذا في نفوسكم ولا تحبوه، وما دام قد جرت عاداتكم بهذا ولم يرضوا بنقصه فلا شيء عليكم، بشرط ألا يكون في قلوبكم كبر ولا خيلاء، ولا فخر ولا مباهاة.
وهذا تعلمناه لأننا تتلمذنا على الغرب وقلدناهم؛ لأنهم تفوقوا علينا، وبعدما سممونا وحطمونا رفعنا أبصارنا فإذا هم سادة، ونحن عبيد، فقلدناهم وتسابقنا في أن نكون مثلهم، وحتى نساؤنا أيضاً، فالرجل يلبس السروال إلى الكعبين، والسيدة تلبس ثوبها إلى فخذها، فانتكسنا حتى أصبحنا كالبهائم، فالبريطاني والإيطالي والأسباني سرواله إلى الأرض، وامرأته فخذاها مكشوفان، مع أن الفحل هو الذي يكشف عن ساقيه؛ لأنه يضرب ويحمل ويحفر الأرض، والسيدة تجر ثوبها في الأرض؛ لأنها لا عمل لها، فعكسوا القضية، وهذا والله لمن وضع بني عمنا اليهود، فهم الذين مسخوا العالم، وهم الذين يحسنون التدبير لإفساد البشرية، وإلا فلا يعقل أن الفحل ثوبه في الأرض والمرأة ثوبها إلى ركبتيها، والسر في هذا هي أنها مكرة يهودية لتحطيم الفحول، وتحطيم النساء والرجال، ونجحوا في ذلك لأن القرآن غاب في المقابر، والرسول مات وأصبحت سنته في البرَكة.
الثاني: [ ( والمنان الذي لا يعطي شيئاً إلا منَّه ) ] وهو في الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ [البقرة:264]. والمنان كثير المن، الذي لا يعطي صدقة إلا منَّها على من أعطاه، فهناك فرق بين من ومنان، فالمنان هذا طبعه، ما أعطى إلا من، وأما من منَّ يوماً في عمره أو في عام أو في كذا فلا يقال فيه منان؛ إذ نفسه قد تخدعه يوماً ويمن، لكن سرعان ما يعود ويرجع إلى الصواب.
والثالث والأخير: [ ( والمنفق ) ] بضاعته وسلعته [ ( بالحلف الكاذب ) ] كتاجر من التجار يروج بضاعته بالحلف الكاذب، كأن يقول: بالله لقد أعطينا كذا .. والله لقد اشتريناها بكذا .. والله إنه لأنفع شيء أو أزكى طعام، وهكذا يروجها على الناس بالأيمان الكاذبة، فهذا لا ينظر الله إليه ولا يزكيه، وذنبه أنه آذى المؤمنين وأكل أموالهم بالباطل وغرر بهم وغشهم وخدعهم، فمثلاً قد يكون الثوب يساوي عشرة فيقول: والله ليساوي عشرين، أو يشتريه بريال ويقول: اشتريناه بخمسة ويحلف له، والمؤمن يصدق أخاه إذا حلف له، ويرضى بما قال. فالمؤمن يجب أن يكون شعاره الصدق، فلا يقول: خمسة إلا لأنها تساوي خمسة، وأما أن يقول: والله لقد اشتريتها بكذا فيغش ويخدع صاحبه المؤمن فهذا يغضب الله عليه؛ لأنه آذى أولياءه، فاعرفوا هذا السر؛ لأن الله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).
وأعيذكم بالله أن تكونوا من هؤلاء الثلاثة. وهؤلاء الثلاثة ليسوا أبيض أو أحمر، ولا عربي أو عجمي، بل هؤلاء مؤمنون في الجملة، واستوجبوا عذاب الله ومقته؛ لارتكابهم هذه العظائم.
فهؤلاء الثلاثة ذنبهم فقط أنهم آذوا المؤمنين، فإذا قال لك فقير محتاج: من فضلك فأعطيته ريالاً وشتمته وآذيته لم يرض الله بهذا، فإذا أعطيته لقمة العيش ومننت عليه حتى حطمته فقد آذيت ولي الله، والله لا يرضى بهذا.
والثاني: كونك تتكبر على المؤمنين وتتعالى في ثيابك وتتبختر لتذلهم وتهينهم؛ وترى نفسك أنك أكرم منهم وأعلى، وتؤذي المؤمنين أولياء الله بهذا، وهذا لا يرضى الله به.
والثالث: الذي يغش المؤمنين باسم الله، كأن يشتري بضاعة بعشرة ويقول: والله لقد اشتريتها بعشرين ليصدقوه، فحلف بالله من أجل أن يأكل أموال المؤمنين بالباطل، فلا ننسى أبداً قول الله عز وجل: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). وهذا لا يفهمه المؤمنون إلا مع الأولياء الذين ماتوا، ومن عداهم فكلهم ليسوا بأولياء، ولذلك اسرقهم أو اكذب عليهم أو افجر بهم أو افعل بهم ما شئت، ولا تخاف منهم، فليسوا بأولياء الله.
والله يقول في الحديث الذي رواه البخاري : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). والمعاداة هي مولدة الأذى وأشده وأقبحه ].
ألا فلنحذر أيها المؤمنون! كل ما يبطل صدقاتنا ] من الرياء والمن والأذى [ بأن تصبح لا تزكي أنفسنا ولا تطهرها ] فنحذره ولا نقدم عليه [ ونحن نعلم حكم الله تعالى في الناس أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم، وهو فوز أصحاب النفوس الزكية، وخيبة وخسران أصحاب النفوس المدساة الخبيثة التي لم تطهر بالإيمان وصالح الأعمال؛ إذ قال ] الله [ تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10] ] وإن شاء الله أنتم أولياء الله، فمن آذاكم بأي أذى تعرض لغضب الله وسخطه، ولا تفهموا أن أولياء الله الذين ماتوا، فهذه والله حيلة ومكرة يهودية، فقد حصروا الولاية فيمن مات فقط، وجعلوا الأحياء كلهم أعداء الله، ولهذا الزنا والربا والغش والخداع والسرقة والكذب شائع بين المسلمين؛ لأنهم لا يعرفون أن هؤلاء أولياء الله من آذاهم أعلن الله الحرب عليه، فهذه نتيجة الجهل فهيا نتعلم، والتعلم يكون هكذا في بيت الله بين أولياء الله بقال الله وقال رسول الله، ولا سبيل إلا هذا.
ثبتنا الله وإياكم على الحق، ورزقنا وإياكم رضاه [ وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ] وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحابته أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر