إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 8للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإنفاق في سبيل الله باب عظيم من أبواب الخير، فما من درهم ينفقه العبد إلا وتضاعف له الأجر بمقابله، على ما يجعل له في الدنيا جراء ذلك من تزكية ماله وتكثيره، وما يلحقه من الثناء العاطر من عباد الله الصالحين، ومع ذلك فهذا الباب من أبواب الخير تلحقه آفات، وتفسده ممارسات، ومن ذلك أن يصاحبه المن أو الأذى أو الرياء.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.

    وبالأمس كان النداء هو قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. فحفظنا وعلمنا، والله نسأل أن يوفقنا لأن نعمل.

    هذا النداء أمرنا الله تعالى فيه بأن ننفق من بعض ما رزقنا في مجالات الإنفاق وطرقه وسبله، وقد عرفتم أكثرها، ومنها: الجهاد ومتطلباته، ثم الفقراء والمساكين والمحتاجين.

    وهذا الإنفاق عائداته تعود على المنفقين، وهم المستفيدون، وفرصة الحياة ضيقة، فإنه إذا دقت ساعته وحضر أجله عض أصابع الندم وقال: يا ليتني أنفقت!

    ثم هذا الإنفاق قد يكون واجباً كالزكاة، وكالإنفاق على الأب والأم، والإنفاق على الزوجة والأولاد، وهذا واجب وجوباً عينياً، ويتحتم على كل من قدر على أن ينفق أن ينفق.

    و يكون واجباً أيضاً في الجهاد، لا سيما إذا دعا إمام المسلمين إلى الجهاد، وطالب بالمال لإعداد العدة ولتجهيز المجاهدين، فيتعين أيضاً تعيناً كاملاً.

    وقد يكون واجباً إذا شاهدت فقيراً يقتله الجوع أو يمزقه وعندك المال في جيبك أو في يدك فيجب أيضاً؛ لأنه تعين.

    وما عدا ذلك فهو من أفضل الأعمال وأطيبها وأعظمها أجراً، ولا يحرمه إلا محروم.

    قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254] هذا هو يوم القيامة، ليس فيه بيع أو شراء، ولا صداقة أو أخوة أو محبة تجدي وتنفع، ولا شفاعة تنفع صاحبها، والفرصة ضيقة.

    وهذا إرشاد الله وتعليمه، وإنعام الله على المؤمنين حيث رزقهم المال وأعطاهم ورزقهم، وطلب منهم أن ينفقوا ماله، فهو الذي وهبه، وهو الذي يشتريه منهم ويثيبهم عليه، وهذا لا يقدر عليه إلا الله.

    وقد حدث مرة أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه كان له بعير فأصابه العي في طريقه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتراه منه الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يصل به إلى المدينة، فلما وصل إلى المدينة جاء جابر بالمال والجمل، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الجمل والمال. وهذا موقف نبوي شريف، لا يقفه سواه، وفوق ذلك الله جل جلاله وعظم سلطانه، يعطينا المال ويشتريه منا وبمضاعفة، الحسنة بعشرة إلى سبعمائة.

    فقوله: أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] الذي رزقنا هو الله، فهو الذي خلق المادة بكاملها ووزعها وقسمها.

    مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254]. وهذا يأتي بالموت، فما إن يموت المرء حتى ينقطع، فلا تنفعه شفاعة، ولا ينفعه خلة ولا صداقة ولا صحبة، ولا بيع ولا شراء.

    ثم أعلمنا أن الكافرين هم الظالمون، وقد عرفنا أن الكفر كفران ونوعان: كفر نعمة، وكفر ملة.

    فكفر الملة - وهو كفر الدين- خروج من ساحة الإيمان والإسلام، وصاحبه مخلد في النار، ولكن كفر النعمة هو جحودها وعدم حمد الله وشكره عليها، وإمساكها وعدم إنفاقها، وهذا أيضاً كفر، وصاحبه ظالم، ولو لم ينفق على أسرته فإنكم تقولون فيه: ظالم، فإذا تعين الإنفاق عليه ولم ينفق فقد ظلم؛ لأنه وضع المال في غير موضعه، وقد علمنا أن الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، فكفار النعم ظلمة؛ لأنهم وضعوا النعمة في غير موضعها، فبدلاً أن ينفقوها حيث يرضى الله ويحب، وحيث أمر تعالى وأذن، أنفقوها في معاصي الله، أي: ضد الله عز وجل، فكانوا بذلك ظالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086911706

    عدد مرات الحفظ

    769469808