الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله: [وإن عبر أكثر الحيض فالزائد استحاضة] هذه هي المسألة السابعة والعشرون.
قال: [إن عبر أكثر الحيض فالزائد استحاضة] أي: أن الدم الذي ضرب هذه المرأة إذا تجاوز أكثر مدة الحيض تجاوز خمسة عشر يوماً، فما زاد على ذلك يكون استحاضة يجب عليها بعد المدة، بعد خمسة عشر يوم أن تغتسل ثم تصوم وتصلي وتتوضأ لوقت كل صلاة، ولذلك ذكر بعض أحكام المستحاضة.
وبالمناسبة فقد بلغ عدد المستحاضات في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. من يعرف كم كان عددهن ممن جاءنا خبرهن وإلا ما لا نعلم فالله تعالى أعلم به؟
بلغ عددهن سبعاً، وقيل أكثر من ذلك، منهن مجموعة من الأخوات، وهن بنات جحش.
إذاً: أولاً عليها أن تغتسل عند آخر الحيض، وهذا وجوباً، ويتعلق بهذا الغسل سائر الأحكام السابقة كما لو كانت طهرت من الحيض تماماً واغتسلت.
فالمهم: أنه واجب عليها أن تعصب فرجها ما دام الدم مستمراً معها، حتى لا يخرج الدم إلى بدنها ولا إلى ثيابها، ولا إلى موضع صلاتها، فإذا كان الدم أكثر من ذلك بحيث لا يمتنع بالعصابة أو بحفاظة تضعها فإنه حينئذ يعفى عنها من ذلك.
سؤال: إذا توضأت لصلاة الفجر، فإنها تصلي بهذا الوضوء إلى متى؟
الجواب: إلى طلوع الشمس، هذا عند من يقول: إنها تتوضأ لدخول الوقت وخروجه، فيقولون: إن وقت الفجر ينتهي بطلوع الشمس فيكفيها وضوء الفجر إلى طلوع الشمس.
أما عند من يقولون: إنها تتوضأ لدخول الوقت فقط، فإنهم يقولون: إذا توضأت لصلاة الفجر كفاها ذلك إلى متى؟ إلى وقت صلاة الظهر؛ لأن ما بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ليس وقتاً لشيء من الفراغ، فيقولون: يكفيها وضوءها لصلاة الفجر إلى دخول وقت صلاة الظهر، وهذا القول أرجح دليلاً وأوسع عليها.
فأما أنه أرجح دليلاً فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: ( ثم توضئي لوقت كل صلاة )، فأمرها بالوضوء لدخول الوقت لا لخروجه، وأما أنه أوسع فذلك ظاهر، فإنها إذا توضأت لصلاة الفجر أجزأها وضوءها ذلك إلى دخول وقت صلاة الظهر، وهذا أولى وأقوى وأصح دليلاً.
يعني: أنه يتوضأ لوقت كل صلاة ويصلي بذلك الوضوء إلى وقت الصلاة الأخرى.
هاهنا أيضاً سؤال: من به سلس البول أو المرأة المستحاضة:
إذا فرضنا أن عندنا امرأة مستحاضة قلنا لها: توضئي لوقت كل صلاة، إذا فرض أنه خرج وقت صلاة الظهر -مثلاً- وجاء وقت صلاة العصر، وصلت دون أن يخرج منها الحدث، فهل يجب عليها الوضوء أو لا يجب؟
جاء الوقت ولم يخرج منها الحدث، فهل يجب عليها الوضوء؟ لا يجب عليها الوضوء؛ لأن الوضوء واجب بالحدث المستمر، فإذا توقف هذا الحدث، لم يجب عليها أن تتوضأ.
سؤال آخر أيضاً، قلنا: إنها تتوضأ لكل صلاة: لو فرض أنه حصل منها حدث آخر، كمس الفرج -مثلاً- أو أكل لحم الجزور، أو ما أشبه ذلك، فهل يجب عليها أن تتوضأ له؟
نعم، يجب عليها أن تتوضأ له، حتى لو كان لم يخرج الوقت ولم يدخل وقت الصلاة الأخرى.
يعني: أن المرأة إذا استمر معها الدم في الشهر الآخر، وطال وعبر أكثر الحيض وجاوزه بحيث علمنا أنه ليس حيضاً، فكيف نحسب مدة الحيض؟ قال: إن كانت معتادة فحيضها أيام عدتها، يعني: أن النساء نوعان: معتادة وغير معتادة، فالمعتادة التي لها عادة سابقة، عرفنا منها مثلاً أن عادتها سبعة أيام، أنها تحيض في العادة سبعة أيام، فحيضها أيام عدتها، أنها تحسب سبعة أيام تتحيض فيها، وما زاد على الأيام السبعة فإنه يعتبر استحاضة.
فمثلاً: إذا فرضنا أن المبتدئة في الشهر الأول حاضت سبعة أيام، وفي الشهر الثاني حاضت سبعة أيام، وفي الشهر الثالث حاضت سبعة أيام، وفي الشهر الرابع حاضت ستة عشر يوماً -مثلاً- فإننا حينئذ نعد الحيض هو الأيام السبعة، أما ما زاد عليه فإنه يعد استحاضة، وتصوم وتصلي فيه، هذا إذا كان لها عادة.
الصنف الأول من النساء: من ليس لها عادة ولكن لها تمييز كما يقول العلماء، أي: أن الدم يتميز ويتغير، فعندنا امرأة في الشهر الرابع -مثلاً- عرف أنه ليس لها عادة معلومة، أحياناً تحيض أربعة أيام، وأحياناً خمسة، أو أنها لا تعرف عادتها، أو أنها ناسية للعادة أو ما أشبه ذلك، ثم حاضت هذه المرأة، واستمر معها الحيض، ولكنه كان في الأيام العشرة الأولى دماً أسود ثخيناً، ثم في اليوم الحادي عشر تحول إلى دم أصفر مثل غُسالة الدم، أو مثل الصديد -مثلاً- أو مثل دم الجروح دم أحمر فاتح خفيف، فماذا تصنع هذه المرأة، كيف تعرف الحيض من الاستحاضة؟ نعم.
هذه المرأة تعمل بالتمييز، تمييز الدم فنقول: ما رأته دم حيض أسود ثخيناً عدته حيضاً، وما زاد على ذلك فإنه يعد استحاضة.
ومثل ذلك أيضاً: لو كان دم الحيض عندها دماً أحمر ثم بعد ذلك تغير إلى دم أصفر، فنقول: إن الدم الأحمر القاني شديد الحمرة يعد حيضاً، وما زاد عليه من الدم الأصفر فإنه يعد استحاضة، هذا إذا كان لها تمييز.
الحالة الثالثة: أن لا يكون للمرأة عادة ولا تمييز، فمثل هذه كيف تميز الاستحاضة من غيرها ستة أيام أو سبعة أيام؟
إذاً: النساء المستحاضات لا يخلون من أحد ثلاثة أحوال، المستحاضة لا تخلو من أحد ثلاثة أحوال:
الحال الأول: أن يكون لها عادة، من المعروف أنها تحيض ستة أيام فقط، فهذه ترد إلى عادتها، وما زاد عليه فهو استحاضة.
الحالة الثانية: أن يكون لها تمييز بالدم فيتحول الدم من أسود إلى أحمر، أو يتحول من أحمر إلى أصفر -مثلاً- فهذه تجلس أيام الدم الأسود -أيام التمييز- ثم فيما زاد على ذلك يعد استحاضة تصوم له وتصلي، وكذلك إذا كان دمها في الحيض أحمر، فإنها تجلس أيام الدم الأحمر، فإذا تحول إلى أصفر فإنها تصوم وتصلي.
الحالة الثالثة: أن لا يكون لها عادة ولا تمييز فهذه تجلس ستة أيام أو سبعة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـحمنة قال: ( تحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله تعالى ).
سؤال: طيب! هل تجلس ستة أو سبعة؟ أيهما.
جواب: قيل: على التخيير، أنها مخيرة ستة أو سبعة وهذا ضعيف جداً؛ لأنه ليس هناك شيء من أمور الشريعة يكون الإنسان مخيراً فيه على الإطلاق بمجرد التشهي.
والصواب: أن المعنى: أنها تجلس ستة أيام أو سبعة على التحري لا على التشهي، فإما أن تجتهد وسعها في معرفة ما يرجح أحد هذه الأشياء؛ بحسب ما تتوقع من عادتها أو بحسب عادة قريباتها؛ أمها وأخواتها وبنات جنسها وأهل بلدها، وليس ذلك على التشهي.
إذاً: هذا فيما يتعلق في المستحاضة أن لها ثلاثة أحوال.
قال في المسألة التاسعة والعشرين: [وإن كانت مبتدئة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة]، وهذه هي الحال الثالثة التي ليس لها عادة ولا تمييز، [لأنه غالب عادات النساء].
أولاً: هل تحيض الحامل أو لا تحيض؟
الغالب أن الحامل لا تحيض؛ ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: جرت العادة أن الحامل لا تحيض، وجاء في السنة ما يدل على أن الحامل لا يقع منها الحيض؛ وذلك في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السبايا التي سباهن المسلمون عام أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع حملها، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ).
قال العلماء: لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحامل تعتد بالوضع، ويمتنع من وطئها حتى تضع، وغير الحامل تعتد بالحيضات، حتى تحيض حيضة، دل ذلك على أن الحامل لا تحيض؛ ولهذا فارقت الحائض، فالحائض تعتد بالحيض، والحامل تعتد بوضع الحمل، فدل ذلك على أن الحامل لا تحيض، وهذا هو الغالب من أحوال النساء، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد أن الحامل لا تحيض، وقال به كثير من أهل العلم.
والقول الثاني: أن الحامل قد تحيض وهو رواية في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والمعتمد في ذلك.
والقول الراجح: أنه ينظر في الدم الذي أصاب الحامل، فإن كان هذا الدم يصيبها في أوقات الحيض المعلومة وهو دم الحيض فإنه يجب أن يعد حيضاً، فلو فرضنا أن عندنا امرأة حاملاً أصبح يأتيها الدم سبعة أيام من كل شهر، هي أيام حيضتها وهو دم الحيض المعروف، ويعتادها في نفس الأوقات المعلومة، فإنه حينئذ ينبغي أن يعد حيضاً، لكن لو فرضنا أن عندنا امرأة حاملاً انقطع عنها الدم بالحمل، ثم بعد ثلاثة أشهر أو أربعة جاءها دم متغير وفي غير وقت الحيض والعادة أياماً قليلة، ثم انقطع عنها فماذا يعد هذا؟ يعد استحاضة لا يعد حيضاً.
إذاً: القول الراجح في شأن الحامل، إن جاءها الدم المعروف في الوقت المعروف واعتادها في كل شهر فإنه يعد حيضاً، أما إن جاء متغيراً، وفي غير وقت العادة ولا يأتيها في كل شهر فإنه لا يعد حيضاً، بل يعد استحاضة.
قال: [إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس].
ومعنى ذلك: أن الحامل لو أصابها الدم في آخر مدة الحمل قبل الولادة فإنه يعد نفاساً، وهذا صحيح كما سوف يأتي في باب النفاس، إذا كان في آخر الوقت فنزل دم مع المرأة وصاحبه طلق أو كان قبيل الولادة بزمن يسير، ثم استمر معها إلى وقت الولادة فإنه يعد حينئذ دم نفاس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر