نشرع الآن في شرح عمدة الفقه كتاب المعاملات كتاب البيوع باب الرهن.
ونكمل اليوم إن شاء الله هذا الباب؛ لأنه قصير، ومن حسن الحظ أيضاً أن المسائل المتعلقة بالرهن اليوم ليس فيها كبير إشكال، فقد ذكر المصنف عدداً من المسائل.
هذه هي المسألة الأولى التي ذكرها المصنف رحمه الله: أنه لا يجوز أن ينتفع المرتهن، والمرتهن هو صاحب الدين، أما الراهن فهو المالك الذي يملك السلعة، يملك الأرض المرهونة مثلاً.
أما المرتهن فهو الذي له الدين، ولذلك أعطيناه الرهن توثيقاً لدينه، فلابد أن نفرق بين هذين المصطلحين؛ لأن كثيراً من الطلاب يخلطون بين كلمة الراهن والمرتهن.
إذاً: بالنسبة للمرتهن لا يجوز له أن يستفيد من الرهن؛ لأن الرهن ليس ملكه، وإنما هو عنده لتوثيق دينه، فلا يجوز له أن ينتفع بشيء منه إلا إذا كان الرهن محلوباً أو مركوباً، لو فرضنا أنه أرهنه مثلاً بعيراً أو ناقة أو فرساً أو دابة يمكن أن تحلب أو تركب، ففي هذه الحالة يجوز أن يحلب ويشرب لبنها، ويجوز أن يركبها في مقابل طعامها.. في مقابل علفها، ويراعي وجوباً في ذلك الاعتدال، فلا يجور عليها مثلاً في الركوب ولا يحملها ما تطيق، وكذلك يراعي الاعتدال في إطعامها، وهذا واجب وأمانة في ذمته.
وسواء كان المالك قادراً على ذلك أو لم يكن قادراً عليه، يعني: كونه يحلب ويركب، ومقابل ذلك ينفق ويعلف؛ هذا لا يتوقف على كون المالك يقدر أو لا يقدر.
والدليل على هذه المسألة ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الرهن يركب بنفقته، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة )، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المرهون لو كان مما يشرب لبنه أو مما يركب من الدواب فإنه يشرب ويركب مقابل النفقة، وعلى الذي يشرب ويركب النفقة.
أما ما سوى ذلك من ألوان الرهون فإنه لا يجوز له أن يستفيد منها، مثلما لو كانت مثلاً سيارة أو شيئاً آخر.
قلنا: إن الراهن هو مالك السلعة المرهونة، الراهن له الغُنم، يعني: الزيادة النماء الغلة الكسب.. هذه له، افترض أنه مثلاً رهن ناقة فولدت فنتاجها له أو لغيره؟ له؛ لأنه ملكه هذا حلاله فهو له، وهكذا الكسب.
ما معنى الكسب؟ الزيادة.
مثل ماذا الكسب؟ مثل مزرعة لو أنتجت شيئاً، أو الكسب لو أنه رهنه عبداً والعبد هذا يعمل، أو رهنه دابة يشتغل عليها فكسبت وأنتجت أجرة معينة فله ذلك، ومثل ذلك النماء، والنماء معروف عند الفقهاء أنه ينقسم إلى قسمين: نماء متصل ونماء منفصل، ما هو الفرق بين المتصل والمنفصل؟ النماء المتصل مثل إذا سمنت الشاة هذا نماء متصل، طبيعي أنه للمالك الأصلي، وأما النماء المنفصل فمثل الولد لو أنها ولدت فهذا نماء ولكنه نماء منفصل.
إذاً نقول: الغنم، الغلة، الكسب، النماء.. كله للمالك الأصلي، لكن يكون رهناً معه يبقى عنده، وعليه في مقابل ذلك غرمه، يعني: على المالك الغرم من مئونته ومخزنه وكفنه إن مات.
إذاً هو ملكه، شأنه في ذلك شأن غير المرهون عنده، يبقى له ومرهون تبعاً لأصله، وربما يستدل على ذلك بالحديث الذي ذكرناه في الأسبوع الماضي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه )، فهذا الحديث قد أثبته جماعة يبين أن الغنم له والغرم عليه. طبعاً هذا فيما لو لم يقع تفريط أو أذى مقصود.
فعلى هذا يلزم مالك الرهن -صاحب الرهن- الطعام، يلزمه المسكن، يلزمه حفظه، يلزمه المداواة إذا احتاج إلى علاج، يلزمه السقي إذا كان زرعاً يحتاج إلى سقي، يلزمه الرعاية.. إلى غير ذلك من الأشياء اللازمة، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم كـمالك وإسحاق والشافعي وأحمد وغيرهم. فهذا هو الذي يلزمه.
وأما الكسب بالذات كسبه قال: (وكسبه ونماؤه)، فهذا من مفردات مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما أشار إليه المصنف هنا.
هذه مسألة أخرى، يعني: لو أن مالك الرهن -الذي نسميه الراهن- أتلف الرهن؛ قتله مثلاً أو ذبحه أو أتلفه بأي شيء من الأشياء، أو تسبب في خروجه من الرهن بعتق، طبعاً هذا لو كان عبداً -يعني: لما كان الناس عندهم العبيد وكان الرق قائماً عند الناس آنذاك- فلو كان المرهون عبداً ثم قام صاحبه الراهن المالك وأعتق العبد، طيب! هذا مرهون كيف أعتقته؟ قال: أعتقته. ما الحكم؟ هل نبطل العتق؟ ونقول: عتقه باطل؟ لا. لماذا؟ لأن الشارع يتشوف إلى عتق الأرقاء وتحريرهم، ولذلك نقول: العتق صحيح، ولكن يلزمك بدله: أن تعطي المرتهن صاحب الدين بدل ما أفسدت أو أتلفت أو أعتقت.
قول المصنف: [ أو استيلاد ]. ما معنى استيلاد؟ يعني: لو كان الرهن أمة جارية، فقام الراهن المالك لها بوطئها وحملت منه وأنجبت، هنا يسميها العلماء: أم ولد، يعني: ولدها حر؛ لأن والده حر، وهي أم ولد لا يجوز بيعها، ولذلك نقول: لو أنه أفسد الرهن على المرتهن بالاستيلاد، إذاً بناء عليه نقول: يمنع الراهن من وطء جاريته المرهونة، أو لا؟ نعم، نقول: يمنع من وطء جاريته المرهونة، لكن لو فعل هذا وولدت فعليه أن يعطي ويبذل للمرتهن بدلها.
قال: [فعليه قيمته تكون رهناً مكانه]، كما ذكرنا في هذا الحال.
طيب! لو أن الرهن كانت جارية -وأنا ما أحب الأمثلة التي مضت وأصبحت تاريخاً لكن أحياناً لا تجد غيرها- لو أن المرهونة كانت جارية بكراً، فوطئها سيدها ولم تحمل، ماذا يلزمه في هذه الحالة؟ يلزمه نقص الرهن؛ لأنها إذا وطئها نقصت قيمتها عما كانت عليه أول الرهن يوم كانت بكراً، فيلزمه فارق القيمة.
ولو أن إنساناً جعل الرهن عبداً ثم جعله مدبراً، ومعنى كلمة مدبر أي: يعتق بعد موت سيده، لو أنه أرهن العبد ثم قال: هذا العبد أعتقته بعد موتي، فما هو الحكم؟ يبقى كما كان، نعم مدة حياة الراهن المالك.
لو كانت الجناية موجبة للقصاص، نفترض أن هذا العبد المرهون مثلاً جنى على أحد في نفس أو طرف بما يوجب القصاص منه، السيد هنا له القصاص وله العفو، المهم أن يحفظ حق المرتهن.
يقول: [ وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته، فإن فداه فهو رهن بحاله ]، يعني: إذا فداه مالكه وبقي الرهن لم يتعرض لشيء فيظل كما هو رهناً، وإذا كان يقدم المجني عليه يقدم على المالك فأولى أنه يقدم على المرتهن.
وبناء عليه نقول: يجوز للمالك أن يفديه؛ لأن الحق في قيمته وليس في عينه.
كذلك لو كان الرهن عند عدل -كما ذكرنا في الأسبوع الماضي- أنه أحياناً قد لا يكون الرهن في ملك المرتهن في ملك صاحب الدين، قد يكون عند عدل عند طرف آخر وسيط وضعنا الرهن عنده فإنه لا يبيعه العدل، وإنما الذي يبيعه هو الحاكم.
وهذا مذهب جماهير أهل العلم وهو الراجح، أنه لا يأخذ صاحب الدين المال ولا يتولى بيعه بنفسه.
لو كان المصحف يجوز رهنه؟ يجوز على القول الراجح بجواز بيع المصحف، هذه المسألة فرع عن جواز بيع المصحف، فمن قالوا بجواز بيع المصحف وهو الصحيح قالوا بجواز رهنه، ومن قالوا: إنه لا يباع قالوا: لا يرهن.
فالمقصود: لو أنه رهنه هذا الكتاب مثلاً قال: أرهنك هذا الكتاب ثم رفض أن يسلمه الرهن، قال: ما أعطيك إياه، أو قال له: بعني هذا الشيء وآتيك بكفيل أو ضمين، فقال له: من هو الضمين؟ فقال: الضمين فلان شخص موثوق وغني.. ثم لم يأته به، فأبى الراهن أن يسلمه وأبى الضمين أن يضمن، فلان هذا قال: ما أضمن هذا الشخص، ما الحكم في الحالة هذه؟
يقول المصنف رحمه الله: [ خُيّر البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين ]، إما أن يفسخ البيع يقول: والله أنا لا أثق بك ولذلك لا أبيع عليك، أو أن يقبل البيع بدون رهن وبدون ضمين. وهذا شيء واضح لا إشكال فيه.
ينفك تقريباً بأربع مسائل ونحن نختصرها إلى ثلاث، الرهن كيف ينفك ويعود إلى صاحبه؟ أولاً: ينفك بوفاء الدين، إذا أوفى الدين وجب عليه إعادة الرهن. كذلك بإسقاط المرتهن حقه، يعني: لو قلت أنا: خذ الرهن، فأنت إن شاء الله موثوق عندي، وقد جربتك ولا أحتاج إلى الرهن، فأسقطت حقي بالرهن، فإنه يبرأ بذلك أيضاً.
إذاً الأولى مسألة إبراء الدين، سواء أبرأه بالسداد أو أبرأه بالتنازل عن الدين والتبرع له، قال: خذ الدين لك لا أريد شيئاً، فالرهن ينفك تلقائياً.
وكذلك بفسخ عقد الرهن وتنازل المرتهن، أن يقول: لا أحتاج إلى الرهن وقد جربتك ووثقت بك.
أو بالإقالة، يعني: لو أبطل عقد البيع الذي بموجبه حصل الرهن فهنا نقول: بطل عقد البيع فبطل الرهن تبعاً لذلك، أو فسخ عقد الرهن، ولذلك نقول ببطلان عقد البيع سواء كان بالفسخ أو بغيره، أو نقول: بفسخ عقد البيع وبطلان عقد البيع فتصبح أربعة؛ لأنه إذا بطل العقد بطل ما بني عليه.
وبذلك نكون انتهينا مما يتعلق بأبواب الرهن.
الجواب: يعني: هذه معروفة عند علماء المصطلح أنها متابعة تامة أو ناقصة، يعني أنه يأتي بإسناد آخر فيوجد شخص ضعيف، يأتي آخر في سند آخر يقوي ضعفه.
الجواب: هذا فيه مشقة وصعوبة وحرج.
الجواب: الحرم أمره خاص للمشقة التي تلحق الناس فيه، وإن كان يحرص على رص الصفوف وتقاربها.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر