إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (944)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم بيع التورق والفرق بينه وبين بيع العينة

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من قطر، باعثها أخونا محمد فهد القحطاني ، الأخ محمد يسأل سؤالين في سؤاله الأول يقول: ما الحكم فيمن اشترى بعض السلع من شخص بمبلغ معين لأجل مسمى، وباع هذه السلع في نفس الوقت على شخص آخر بسعر أقل من سعر الشراء لحاجته للمال في ذلك الوقت؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه المعاملة يسميها بعض الفقهاء التورق، ويسميها بعض العامة الوعدة، وهي أن يشتري سلعة إلى أجل ثم يبيعها بثمن أقل نقداً لحاجته إلى النقد ليتزوج أو ليقضي ديناً عليه، أو ليعمر سكناً له، أو غير ذلك من الأغراض، وهذه المعاملة لا بأس بها على الصحيح، قد كرهها بعض أهل العلم ومنع منها؛ لأنها في المعنى بيع نقود بنقود بواسطة السلعة، ولكن الصواب أنه لا حرج فيها والناس محتاجون إلى هذه المعاملة لقضاء حوائجهم، وهي داخلة في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].. الآية، فهي مداينة، فإذا كان البائع عنده السلعة موجودة في ملكه وفي حوزته، ثم باعها إلى أجل معلوم أو بأقساط إلى آجال معلومة فلا بأس بذلك، لكن ليس له أن يبيع ما ليس عنده ثم يذهب فيشتريه لا. إنما يبيع ما كان عنده وفي حوزته وفي قبضته؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لـحكيم بن حزام لما سأل عن هذا قال: (لا تبع ما ليس عندك)، إن حكيماً سأله قال: (يا رسول الله! الرجل يأتيني يريد السلعة وليست عندي فأبيعها عليه ثم أذهب فأشتريها؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: لا تبع ما ليس عندك) وصح عنه عليه السلام أنه قال: (لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك).

    فليس له أن يبيع سيارة أو غيرها لم يملكها بل سوف يذهب فيشتريها، أما إذا كانت السيارة عنده أو الخام أو الرز أو نحو ذلك عنده في ملكه وفي حوزته في بيته أو في متجره أو في السوق قد ملكه فلا بأس أن يبيعه إلى أجل مسمى أو إلى آجال لا حرج في ذلك، ولا حرج على المشتري أن يبيعه أيضاً بأقل أو بأكثر، أو بالمساوي إذا قبضه أيضاً هو المشتري إذا قبضه وحازه وصار في ملكه ونقله من ملك البائع فإنه يبيعه بعد ذلك على من يشاء ولا يبيعه على من اشتراه منه، لا يبيعه عليه بل يبيعه على غيره، أما إذا باعه عليه بأقل من الثمن صارت مسألة العينة ولا تجوز، أما إن باعه على من باع عليه بمثل ما اشتراه به، يعني: تغيرت الأحوال، أو باع عليه بأكثر فلا بأس، لكن لا يبيعها على من اشتراها منه بأقل فإن ذلك لا يجوز لأنه بيع العينة، وهي أن يشتري سلعة بثمن في الذمة أو مؤجل ثم يبيعها على من اشتراها منه بأقل فهذا هو عين الربا؛ لأنه حيلة على أن يأخذ دراهم قليلة بالدراهم الكثيرة إلى أجل فلا يجوز.

    لكن إذا باع السلعة على غير من اشتراها منه، باعها في السوق، باعها على شخص آخر بثمن نقد ليقضي حاجته فلا بأس بذلك.

    1.   

    ما يفعله الإمام إذا أصابه رعاف

    السؤال: إذا أصيب الإمام برعاف وكان باب المسجد خلف المصلين، فهل يقطع صفوفهم لكي يخرج من المصلى أو ينتظر حتى يتموا صلاتهم؟

    الجواب: إذا أصابه رعاف أو انتقض وضوءه فإنه يستنيب على الراجح، يستخلف من يكمل بالناس الصلاة ويخرج إذا استطاع الخروج ولو بشق الصفوف معذور، فإن لم يستطع جلس حتى يتيسر له الخروج ويتحفظ حتى لا يقطر الدم في المسجد ولا بأس عليه فليجلس إذا لم يتيسر له الخروج، وإن خرج بشق الصفوف فلا بأس عليه والحمد لله، لكن الصواب أنه يستخلف حتى لا يعطلهم، يستخلف من يصلي بهم كما فعل عمر رضي الله عنه فإنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف وكمل بالناس الصلاة، فهذا هو الصواب أنه يستخلف ولو سبقه الحدث.

    1.   

    وجوب استحضار النية عند إخراج الزكاة

    السؤال: إذا تصدق رجل بمبلغ معين للأيتام شهرياً ولم يخرج زكاة ماله، مع العلم أن الصدقة التي يتصدق بها أكبر من الزكاة المستحقة بكثير، فهل يجزيه ذلك عن الزكاة حتى إذا لم ينو أن تكون هذه الصدقة هي زكاة ماله؟

    الجواب: إذا كان الأيتام فقراء ونوى ما صرفه فيهم زكاة فلا بأس، أما إذا كان ما نوى وإنما تصدق عليهم وأنفق عليهم احتساباً ولم ينوه زكاة فإنها لا تجزئ لا تكون زكاة إلا بالنية، لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا أعطى فقيراً أو يتيماً فقيراً مالاً ولم ينوه زكاة وإنما نواه صدقة ومساعدة فإنه لا يكون من الزكاة، ولا يحسب من الزكاة إلا إذا نوى ما صرفه لليتيم الفقير أو للسائل الفقير إذا نواه زكاة صار زكاة، الأعمال بالنيات.

    1.   

    حكم صلاة الغائب بعد كل جمعة

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين -فيما يبدو أنه من العراق- أخونا له جمع من الأسئلة يسأل في سؤاله الأول ويقول: في بلدنا تقام بعد صلاة الجمعة صلاة تسمى صلاة الميت الغائب، ويجمع فيها عدد من أموات المسلمين من مختلف البلدان المجاورة لنا ويصلون عليهم، علماً بأن الأموات قد صلي عليهم في بلدانهم المسلمة فما رأي الشرع في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: لا أعلم لهذا أصلاً، ولم يكن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من فعل الصحابة رضي الله عنهم، ولا من فعل أتباعهم بإحسان، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى على النجاشي لما مات في بلاده فأخبر أصحابه أنه مات وصلى عليه؛ لأنه رجل مسلم قد نفع المسلمين وآوى المهاجرين وله شأن في الإسلام فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على كل أحد من الغائبين إذا ماتوا، إنما صلى على النجاشي .

    وذكر بعض أهل العلم أنه يلحق بـالنجاشي من كان مثل النجاشي كالناس الذين لهم قدم في الإسلام من دعاة الهدى، أئمة الإسلام يصلى عليهم صلاة الغائب لا بأس، أما الصلاة على عموم الناس إذا ماتوا في بلاد غائبة هذا ليس له أصل ولا ينبغي، بل هذا معناه أن الناس لا يزالون يصلون على الغياب كل وقت؛ لأن الناس يموتون في كل وقت، فلا وجه لهذا ولا ينبغي فعله، وهو خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد مات في عهده صلى الله عليه وسلم جم غفير ولم يصل عليهم.

    فلا ينبغي أن يصلى على الغائب إلا إذا كان له شأن في الإسلام كـالنجاشي والعلماء المعروفين بالدعوة إلى الله، وأئمة الإسلام المعروفين بنصر الدين، ونحو ذلك إذا صلي عليهم لا بأس، أما عامة الناس وأن يكون ذلك طريقة ماشية سائرة يصلى على الغياب في كل وقت هذا ليس له أصل والواجب تركه.

    1.   

    عدد ركعات صلاة التراويح

    السؤال: المستمع (د. م. ع) من اليمن الجنوبي بعث يسأل ويقول: نحن فئة من المسلمين نصلي في شهر رمضان صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة، وقد أنكر علينا بعض المسلمين ويقولون: إنها إحدى وعشرون ركعة كما فعل عمر رضي الله عنه، وضحوا لنا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: التراويح في رمضان بابها واسع، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة كما روت عائشة رضي الله عنها ذلك وصلى ثلاث عشرة وصلى أقل من ذلك عليه الصلاة والسلام، وصلاها عمر والمسلمون إحدى عشرة، وصلوها ثلاثاً وعشرين، كل هذا واقع والأمر في هذا واسع والحمد لله، فإن صلوها ثلاثاً وعشرين كما فعل عمر والصحابة فلا بأس، وإن صلوها إحدى عشرة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو ثلاث عشرة فهذا أفضل، وقد فعله عمر والصحابة في بعض الأوقات فعلوا هذا وهذا فالأمر واسع في هذا، وإن صلوا أكثر من ثلاث وعشرين كأربعين بالوتر أو أكثر أو أقل فلا بأس بذلك، لكن الأفضل فعله صلى الله عليه وسلم وهو إحدى عشرة أو ثلاثة عشرة يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، سواءً كان في أول الليل أو في وسط الليل أو في آخر الليل كله واسع والحمد لله.

    1.   

    مشروعية الوصية وبيان بعض أحكامها

    السؤال: يقول أخونا: أنا شاب مسلم أريد أن أوصي أهلي ما دمت على قيد الحياة، ذلكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) -هكذا كتب شيخ عبد العزيز - وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي. أرجو من سماحتكم أن يدلنا على المهم في الوصية؟

    الجواب: نعم، يشرع للمؤمن أن يوصي بما يلزمه من ديون أو حقوق حتى تسلم إلى أهلها، ولاسيما إذا كانت ليس عليها وثائق وقد تضيع على أهلها، فإن الواجب عليه أن يوصي بذلك حتى يؤدي الحقوق، أما إن كان عليها وثائق عند أهلها فالأمر في هذا واسع، وإذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه، عنده مال يوصي بالثلث أو بالربع أو بالخمس في وجوه البر وأعمال الخير فينبغي له أن يكتب ذلك قبل أن تدركه المنية فإن الأجل لا يدرى متى ينزل وعلمه عند الله سبحانه وتعالى، فالمشروع البدار بذلك للحديث الذي ذكره السائل وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) هذا رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين فهو يدل على شرعية المبادرة والمسارعة إلى الوصية إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه.

    ومن ذلك الوصية بالديون التي ليس عليها وثائق فيقول: عندي لفلان كذا، وعند لفلان كذا، وعندي وديعة لفلان حتى لا تضيع عليه حقوقهم وهذا شيء واجب، والمستحب أن يوصي أيضاً بالثلث أو بالربع أو بالخمس إذا كان عنده مال فيه سعة يوصي بذلك في وجوه البر وأعمال الخير، كالصدقة على الفقراء والمساهمة في الجهاد في سبيل الله، وتعمير المساجد، والربط للفقراء، والمراكز الإسلامية، والجمعيات الإسلامية ونحو ذلك من وجوه الخير، ولا مانع أن يجعل فيه ... له، أو له ولوالديه أو له ولأهل بيته كل سنة، لا مانع من ذلك لا حرج في ذلك، كل ذلك من القرب.

    ويوصي على ذلك بالشخص الثقة، يعني: يعين على هذه الوصية من يراه ثقة من أولاده أو إخوته أو غيرهم حتى تحفظ الوصية وحتى لا تضيع، وله أن يسندها إلى غير أقاربه كأن يقول: الوكيل فلان من أصدقائه ومعارفه الثقات غير الأقارب، وله أن يقول: هو الوصي وله أن يوصي بعده من يرى من الثقات فيستنيبه في أن يوصي بعده من يرى، كل هذا لا بأس به لحفظ الوصية.

    1.   

    حكم الزيادة في القرض

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من شرورة باعثها مستمع من هناك يقول: أخوكم (فرج م. المري ) أخونا يقول: أنا رجل أحب علماء المسلمين، وأحب فعل الخير وهذا من فضل ربي والحمد لله، ولكن عندما تزوجت كنت في أشد الحاجة إلى المال من أجل أن أكمل احتياجاتي، فذهبت إلى أحد الإخوان وطلبت منه السلف، وقد وافق ولكن بشرط أن آخذ منه خمسة آلاف ريال وأردها له بعد ستة أشهر سبعة آلاف وخمسمائة ريال، يعني: بزيادة ألفين وخمسمائة ريال، ولحاجتي الماسة أخذت هذا المبلغ وأنا كاره ولقد سددت المبلغ، أي: أعدته بعد ستة أشهر على حسب الشرط وفي خاطري شيء من الحرج، فهل علي ذنب؛ لأنني أخشى أن أكون قد أخذت بالربا، أرجو إفتائي؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: لا شك أن هذه المعاملة معاملة ربوية وحرام ومنكر عليك وعلى صاحبك، فالواجب عليكما التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والندم على ما مضى والعزم على أن لا تعودا إلى ذلك، والواجب على صاحبك أن يرد عليك المبلغ الزائد ألفين وخمسمائة؛ لأنها لا تحل له بل هي ربا، فالواجب عليه أن يردها إليك إلا أن تسمح عنها وتبيحه بها؛ لأنها معاملة ربوية ليس له أخذ هذه الزيادة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى) وهذه العمل قد أقيمت مقام الذهب والفضة.

    فليس له أن يأخذ الزيادة، فليس له أن يبيع عشرة باثنا عشر، أو يقرض عشرة باثنا عشر أو بثلاثة عشر أو بأكثر كل هذا لا يجوز لأنه من الربا، فأنت عليك التوبة وهو عليه التوبة والندم على ما مضى والعزم أن لا تعودا في ذلك، وعليه أن يرد إليك ما زاد على الخمسة؛ لأنها أخذت بغير حق، لكن إن أبحته بها وسامحته بها معروفاً منك فلا بأس.

    1.   

    حكم رفع اليدين عند الدعاء

    السؤال: من ليبيا المرج هذه رسالة بعث بها الأخوان علي حسن العرفي وسالم مختار العرفي أو العرضي الأخوان لهما سؤال واحد يقول: سمعنا فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يقول فيها: إن رفع اليدين عند الدعاء بدعة ولم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وقد وجدنا في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه، فما هو الصواب، وهل هناك دليل على هذا؟

    الجواب: هذا الذي نقل للإخوان هذا الكلام لم يصب في إطلاقه وتعميمه، الرسول صلى الله عليه وسلم رفع يديه في مواضع كثيرة، ورفع اليدين من أسباب الإجابة، قد رفعهما في صلاة الاستسقاء حتى بدا بياض إبطيه عليه الصلاة والسلام، دعا في الاستسقاء، في خطبة الجمعة، وحين استسقى بالناس في الصحراء ورفع يديه ودعا عليه الصلاة والسلام، ورفع يديه في مواضع كثيرة إذا دعا عليه الصلاة والسلام إذا دعا لقوم أو على قوم، وفي القنوت كذلك.

    إنما الذي نبهت عليه هو رفع اليدين بعد السلام من الفريضة، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في هذا الموضع خاصة، إذا سلم من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر ما كان يرفع يديه إذا سلم من الفريضة يدعو، بل كان إذا سلم يقول: (أستغفر الله -ثلاثاً- اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) وهو مستقبل القبلة ثم ينصرف إلى الناس ويذكر الله ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ولم يكن يرفع يديه في هذا المقام، ولا يدعو في هذا المقام رافعاً يديه، هذا الذي بينا للناس.

    فالذي ينبغي للمؤمن إذا سمع الكلام أن يضبطه كما ينبغي، وأن ينقله كما سمع، وأن لا يزيد، وأن لا يكذب على الناس، فالذي قال لهم هذا الكلام أو زعموا أنهم سمعوا منه هذا الكلام قد غلط، فرفع اليدين سنة في الدعاء ومن أسباب الإجابة إلا في المواضع التي ما رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: أدبار الصلوات المكتوبة فلا يرفع يديه في حال التحيات حين يدعو قبل السلام ولا بعد السلام من الفريضة، ولا يرفع يديه بين السجدتين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرفع يديه في هذا المقام، كذلك في خطبة الجمعة ما كان يرفع يديه إذا خطب الناس في الجمعة أو في العيد ما كان يرفع يديه عليه الصلاة والسلام، إنما رفع في خطبة الاستسقاء عليه الصلاة والسلام، وهكذا في الدعوات الأخريات كان يدعو للناس أو يدعو عليهم رفع يديه كما في القنوت لما دعا على قوم أو لقوم رفع يديه عليه الصلاة والسلام.

    وهكذا في الدعوات التي يدعو الإنسان في بيته أو في أي مكان يدعو الله، أو بعد النافلة أو في أي وقت، رفع اليدين من أسباب الإجابة، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) فرفع اليدين من أسباب الإجابة، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ))[البقرة:172]، وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا))[المؤمنون:51]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) خرجه مسلم في صحيحه.

    بين عليه الصلاة والسلام أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، (يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب!) فرفع اليدين من أسباب الإجابة، والإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة، لكنه لما كان يتعاطى الحرام صار هذا من أسباب عدم إجابته من أجل معصيته بتعاطي الحرام.

    فينبغي لمن يسمع هذا البرنامج، أو غيره مما نكتب في هذا المقام أو نتكلم به أن يتثبت في الأمر، ولا يجوز لأحد أن ينقل عني ما لم يعلم، ولا أبيح أحد أن ينقل عني ما لم يعلم حتى يسمع كلامي في ذلك أو يرى كتابة مني ثابتة، وإلا فالنقل فيه الكذب وفيه الصدق، فينبغي التثبت فيما يسمعه المؤمن من الناس حتى يعرف أنه صدر من صاحبه عن يقين، نسأل الله للجميع التوفيق.

    1.   

    حكم استبدال العملات وبيعها

    السؤال: يسأل الأخوان سؤالاً آخر فيقولان: ما رأيكم يا سماحة الشيخ! في تبديل العملات، كأن يأخذ شخص نقوداً ليبية تقدر بثلاثمائة دينار ويستبدلها بألف جنيه مصري، ثم يستبدلها بألف دولار، وهل يكون هذا من الربا، وما حكم من باعها بأكثر من قيمتها؟

    الجواب: بيع العمل بالعمل الأخرى لا بأس به إذا كان يداً بيد، فإذا باع عملة سعودية بدولار أمريكي يداً بيد يعطيه ويأخذ منه، أو بعملة ليبية أو عملة عراقية أو عملة إنجليزية أو غير ذلك لا بأس، لكن يداً بيد يأخذ ويعطي، مثلما تقدم في الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح يداً بيد مثلاً بمثل سواءً بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، إذا اختلفت العمل يداً بيد، أما إذا كانت عملة واحدة فلابد من التماثل ولابد من التقابض دولار بدولار لا زيادة، عشرة بعشرة لا زيادة يداً بيد، أما إذا اختلفت فاشترى عشرة دولارات بخمسين ريال سعودي، بثلاثين ريال سعودي بأقل بأكثر يداً بيد فلا بأس، أو اشتراها بدينار أردني أو عراقي يداً بيد ولو كانت أقل من قيمة الدولار أو بأكثر العبرة بأن تكون يداً بيد؛ لأنها عملتان مختلفتان كالذهب والفضة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة ...)

    السؤال: المستمع عايض محسن حاضر الغامدي من ضواحي الباحة يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]؟

    الجواب: على ظاهرها، الرب جل وعلا يأمر بالاستعانة بالصبر والصلاة في أمور الدنيا والدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه شيء فزع إلى الصلاة، فالصلاة من أعظم الأسباب على تيسير الأمور وحل المشاكل فإذا أهمه شيء دين أو ظالم أو شبه ذلك صلى ودعا ربه واستغاث به أن يقضي دينه وأن يكفيه شر الظالم وأن يعينه على ذكره وشكره، ويصبر أيضاً على المشاق في طلب الرزق وفي طاعة الله وترك معصيته يصبر، يخالف هواه، ويستعين بالله على ذلك، ويؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في الجماعة، من بر والديه، من صلة أرحامه، من قضاء الدين، من غير هذا مما أمر الله به يصبر ولا يتبرم ولا يكسل ولا يضعف، بل يصبر على أداء الواجبات وعلى ترك المحرمات، ويستعين بالله في ذلك، ويؤدي الصلاة كما أمر الله، الفرض والنفل كما أمر الله.

    ويستعين بها، -يعني: بفعلها- على طاعة الله، وعلى أداء الحقوق، فإن الصلاة نعم العون، يصلي ويذكر الله ويدعوه ويستعين به في سجوده وبين السجدتين وفي آخر الصلاة يرفع يديه ويدعو ربه يقول: اللهم يسر لي كذا، اللهم أعطني كذا بعدما يسلم، أو في أي وقت يرفع يديه ويدعو ربه ويستجير به ويسأله أن يعينه على قضاء الدين، وأن يعينه على سلامته من الظالم، أن يعينه على أداء الحج، أن يعينه على بر الوالدين إلى غير ذلك، يضرع إلى الله ويسأله.

    والصلاة تعينه على ذلك فإنها عبادة عظيمة، فإذا صلى وسأل ربه وضرع إليه أن يعينه على مهماته كان ذلك حسناً طيباً نافعاً، وقوله سبحانه: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، يعني: شاقة، الصلاة تشق على الكسالى وضعفاء الإيمان، لكن الخاشعين المؤمنين الصادقين ميسرة عليهم، سهلة عليهم، لمعرفتهم بفضلها وعظيم الأجر فيها، فهم يبادرون لها ويسارعون إليها بنشاط وقوة ورغبة؛ لأنهم عرفوا قدرها وعرفوا شأنها، فهي لا تشق عليهم ولكنها تشق على الكسالى وضعفاء الإيمان الذين ليس عندهم بصيرة بشأن الصلاة وعظمها، والله المستعان.

    1.   

    حكم التداوي بالكي

    السؤال: يسأل أخونا ويقول: هل يجوز للإنسان أن يكتوي إذا مرض؟

    الجواب: نعم نعم، الكي جائز، لكن إذا تيسر دواء آخر فهو أفضل، ينبغي أن يكون الكي آخر الطب، فإذا تيسر له دواء آخر بغير الكي من حبوب أو إبر أو مروخ بزيت أو غيره أو ما أشبه ذلك، أو بالقراءة عليه، يقرأ عليه بعض أهل الخير وينفث عليه كل ذلك حسن، وإذا احتاج إلى الكي فلا بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي) رواه البخاري في صحيحه، وفي رواية: (وإني أنهى أمتي عن الكي).

    فالكي ينبغي أن يكون هو الآخر؛ لأنه نوع من التعذيب، نوع من النار، فلا يصار إليه إلا عند الحاجة فإذا احتاج إليه كوى، وقد كوى النبي بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا احتاج إلى الكي فلا بأس، وقد كوى خباب بن الأرت الصحابي الجليل عن بعض المرض، فالكي جائز عند الحاجة إليه، ولكن تركه أفضل إذا تيسر غيره.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك ونسأله التوفيق.

    المقدم: اللهم آمين.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768033791