إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (966)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم تعاطي حبوب منع الحمل

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة في برنامجكم اليومي نور على الدرب، قضاياكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    نبدأ لقاءنا على بركة الله، مرحبين بسماحة الشيخ فأهلاً وسهلاً.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى قضايا هذه الحلقة شيخ عبد العزيز قضية حبوب منع الحمل، اشترك في السؤال عن هذا الموضوع من العراق الشقيق أخونا: كمال محمد رشيد ، ثم الأخ: الأمين موسى محمد ، سوداني الجنسية في أبها في الوقت الحاضر، وأخ بعث برسالته واكتفى بالتوقيع في نهايتها وهو من السودان الشقيق، ثم رسالة بعث بها من تعز اليمن أخ مجاهد كما يصف نفسه ويقول: (ح. م. ع)، ثم رسالة بعث بها أخونا: محمود محمد حسن ، من الرياض، الملز، قضية منع الحمل، أو تحديد النسل، أو تنظيم النسل، ماذا يقول عنها سماحة الشيخ لو تكرمت؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه القضية هي قضية الوقت والسؤالات عنها كثيرة، وقد درس هذه المسألة مجلس هيئة كبار العلماء في دورة سبقت وقرر فيها ما يرى في ذلك، وخلاصة ذلك: أنه لا يجوز تعاطي هذه الحبوب لمنع الحمل؛ لأن الله جل وعلا شرع لعباده تعاطي أسباب النسل وتكثير الأمة، وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) وفي رواية: (الأنبياء يوم القيامة) ولأن الأمة في حاجة إلى كثرتها حتى تعبد الله وحتى تجاهد في سبيله، وحتى تحمي المسلمين بإذن الله وتوفيقه من مكائد أعدائهم، فالواجب ترك هذا الأمر وعدم استجادته واستعماله، إلا للضرورة، فإذا كان هناك ضرورة فلا بأس، كأن تكون المرأة مصابة بمرض في رحمها أو غيره يضرها معه الحمل فلا حرج في ذلك على قدر الحاجة، كذلك إذا كانت ذات أطفال كثيرين قد تراكموا وكثروا، ويشق عليها الحمل، فلا مانع من أخذها الحبوب مدة معينة كسنة أو سنتين، مدة الرضاع حتى يخف عليها الأمر وحتى تستطيع التربية كما ينبغي.

    المقدم: للمرض أيضاً لا بأس به إذا كان هناك من شخص المرض وكان الطبيب مسلماً ويقصد الخير.

    الشيخ: نعم، إذا كان يوثق به، يوثق بعلمه وأمانته وقرر أنه يضرها الحمل.

    المقدم: إذا كان من أجل التفرغ للوظيفة؟

    الشيخ: لا ما تصير أو للرفاهية ما يجوز.

    1.   

    حكم الصيام عمن مات وعليه صوم من رمضان

    السؤال: نعود إلى رسالة أخونا: أحمد مجاهد علي ، بعد أن اشترك في السؤال عن تنظيم النسل أو تحديده، يقول:

    توفيت والدتنا رحمها الله وعليها صيام خمسة أشهر أفطرتهم بسبب رضاعتها لأطفالها الخمسة، ولم تستطع صيامهم في حياتها نتيجة إصابتها بأمراض عديدة كالسكر وغيره، رغم هذا فقد كانت مصممة على الصيام، وفعلاً بدأت بثمانية أيام، ولكن فاجأها الموت، السؤال:كيف يتم قضاء ذلك عنها؟ وماذا يجب أن نقوم به للقضاء عنها في الصيام؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: ما دام أن التأخير حصل من أجل العجز عن الصيام لأمراض تتابعت عليها، أو من أجل الرضاع الذي هي تقوم به، فإنه لا يلزم عنها قضاء ولا إطعام، لا يلزمكم أيها الورثة لا قضاء ولا إطعام؛ لأنها معذورة، والله سبحانه يقول: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، فهذه لم تدرك العدة ولم تستطع العدة، فلا شيء عليكم لا من جهة الصيام ولا من جهة الطعام، إذا كانت معذورة.

    أما إذا كنتم تعلمون أنها متساهلة وأنها غير معذورة، بل تستطيع أن تقضي، فالمشروع لكم أن تقضوا عنها أنتم، ولو تعاونتم كل واحد من أولادها أو أقاربها يفعل شيئاً، يصوم أياماً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، فإذا صمتم عنها فلكم أجر عظيم، إذا كانت في اعتقادكم مقصرة متساهلة، وإن أطعمتم أجزأ الإطعام، لكن الصوم أفضل لهذا الحديث الصحيح: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، وفي المسند وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان، أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فهذا الحديث وما جاء في معناه كلها تدل على أن الصوم يقضى عن الميت، سواء كان نذراً أو صوم رمضان أو صوم كفارة، في أصح أقوال أهل العلم، وإذا لم يتيسر القضاء أطعم عن كل يوم مسكين، هذا كله إذا كان المريض.. إذا كان الذي عليه الصيام قصر في القضاء وتساهل، أما إذا كان معذوراً بمرض أو نحوه من الأعذار الشرعية، فلا إطعام ولا صيام على الورثة.

    المقدم: بارك الله فيكم، من أجل الإرضاع كما يذكر أخونا؟

    الشيخ: كذلك الرضاع عذر والحمل عذر.

    1.   

    حكم الحج عن الوالدين إذا ماتا ولم يحجا الفريضة

    المقدم: طيب، بارك الله فيكم.

    السؤال: توفي والدانا ولم يؤديا فريضة الحج، ولم يوصيان بها، هل نحج عنهما؟ وكيف يكون ذلك؟

    الجواب: إن كانا مؤسرين في حياتهما يستطيعان الحج من أموالهما، وجب عليكم أن تحجوا عنهما من مالهما، وإن حججتم عنهما من غير مالهما تبرعاً منكم، فلكم الأجر في ذلك.

    أما إذا كانا معسرين فليس عليكم حج عنهما، أو كان أحدهما معسراً فليس عليكم حج عن معسر، لكن إذا تبرعتم وحججتم فلكم أجر عظيم وهو من البر.

    1.   

    المفاضلة بين السر والجهر في قراءة القرآن

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع: (ع. م. الإمام)، من الخرطوم جمهورية السودان، أخونا يثني على البرنامج في بداية رسالته، ثم ينطلق إلى أسئلته فيقول في السؤال الأول:

    أنا الحمد لله أقرأ القرآن جيداً بدرجة أقرب للحفظ رأساً، ولكن مشكلتي إذا جهرت في القراءة بدون مصحف كثيراً ما أغلط، فهل قراءة السر فيها جرح أو عدم ثواب؟ أفيدونا أفادكم الله.

    الجواب: السر أفضل؛ للحديث الذي رواه الجماعة بإسناد حسن أن النبي عليه السلام قال: (المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة، والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة) هذا يدل على أن السر أفضل، كما أن صدقة السر أفضل، إلا إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى الجهر، كالإمام الذي يصلي بالناس، والخطيب الذي يخطب الناس، والذي يستمع له، فإنه يجهر؛ ليستمع الناس ويستفيدوا، فإذا كان السر أنفع لك وأعون لك على حفظ القرآن وعلى القراءة الحسنة فالسر لك أفضل، إلا إذا احتاج إليك إخوانك لتسمعهم فأسمعهم من المصحف حتى لا يكون عليك غلط أسمعهم من المصحف، أو يكون معك المصحف إذا غلطت تنظر إليه، أو يكون فيهم من يحفظ فيفتح عليك لا بأس، المقصود إذا كان هناك مصلحة في الجهر فهو أفضل، وإن كان ما هناك داعي للجهر، فالسر لك أفضل حتى تستطيع أن تقرأ قراءة جيدة.

    المقدم: بارك الله فيكم، يبدو لي سماحة الشيخ من سؤال أخينا أنه يرى أن خطأه في الجهر ناتج عن كون السر أفضل؟

    الشيخ: يقرأ سر أفضل له، حتى لا يغلط.

    1.   

    حكم مس المصحف وقراءة القرآن للمحدث

    السؤال: يسأل سؤال آخر عن مس المصحف بدون وضوء، أو إدارته من مكان إلى آخر، علماً بأنه طاهر في جسمه كما يقول، فما الحكم؟ وما الحكم في القراءة أيضاً على الصورة التي ذكرت؟

    الجواب: أما مس المصحف وهو على غير وضوء فلا يجوز عند جمهور أهل العلم، وهو الذي عليه الأئمة الأربعة رحمة الله عليهم، وهو الذي كان يفتي به أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؛ أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: ألا يمس القرآن إلا طاهر)، وهو حديث جيد له طرق يشد بعضها بعضاً.

    هذا هو الواجب ألا يمس القرآن إلا طاهر، وهكذا نقله من مكان إلى مكان، لا ينقل من مكان إلى مكان إلا إذا كان طاهراً، إلا إذا كان بواسطة كأن يأخذه في لفافة، أو يكون في لفافة هو فيأخذه بالعلاقة لا بأس به، أما أن يأخذه مباشرة بيديه وهو على غير طهارة، فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، وأما القراءة فلا بأس، كونه يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب لا بأس، أو يقرأ ويمسك عليه القرآن من يرد عليه ويفتح عليه لا بأس.

    لكن الجنب لا يقرأ، الجنب صاحب الحدث الأكبر لا يقرأ؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان لا يحجزه شيء عن القراءة إلا الجنابة).

    وروى أحمد بإسناد جيد عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط وقرأ شيئاً من القرآن وقال: هذا لمن ليس بالجنب أما الجنب فلا ولا آية)، المقصود أن ذا الجنابة لا يقرأ لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل.

    وأما المحدث حدثاً أصغر وليس بجنب، فهذا يقرأ عن ظهر قلب ولا يمس المصحف.

    وهنا مسألة تتعلق بهذا، وهي الحائض والنفساء: هل تقرأان أم لا تقرأان؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: لا تقرأ، وحكاه بعضهم قول الجمهور، والقول الثاني: أنهما تقرأان عن ظهر قلب من دون مس المصحف؛ لأن مدتهما تطول، مدة الحيض والنفاس تطول، وليس مثل الجنب والجنب يغتسل في الحال ويقرأ.

    لكن صاحبة الحيض قد تكون مدتها إلى عشرة أيام أو نحوها، والنفساء كذلك تطول أكثر، فالصواب أنه لا مانع من قراءتهما عن ظهر قلب، هذا هو الأرجح؛ لأنه ليس في الأدلة ما يمنع ذلك، بل فيها ما يدل على ذلك، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه قال لـعائشة لما حاضت في الحج: افعلي ما يفعله الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)، والحاج يقرأ القرآن ولم يستثنه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز القراءة لها، وهكذا قال لـأسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر في الميقات في حجة الوداع، فهذا يدل على أنها تقرأ، لكن من غير مس المصحف.

    وأما حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) فهو حديث ضعيف، في إسناده إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة ، وأهل العلم بالحديث يضعفون رواية إسماعيل عن الحجازيين، ويقولون: إنه جيد في روايته عن أهل الشام عن أهل بلاده، ولكنه ضعيف في روايته عن أهل الحجاز، وهذا الحديث من روايته عن أهل الحجاز فيكون ضعيفاً.

    1.   

    حكم من قطع صلاته بسبب الغلط في قراءة آية

    السؤال: في إحدى المرات بعد أن دخلت في الصلاة وقرأت الفاتحة وعند قراءة الصدرة أشكلت علي ورددتها أكثر من مرتين ولم أفلح، وأخيراً قطعت الصلاة وأعدت تكبيرة الإحرام وقرأت ثانية، فهل صلاتي هذه صحيحة؟ وماذا أفعل إذا تكرر ذلك مرة ثانية؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: ما كان ينبغي لك أن تقطع الصلاة، فإن العمدة في القراءة الفاتحة، فإذا قرأ الإنسان الفاتحة فقد حصل الفرض وما زاد عليها فهو مستحب، وقولك: الصدرة، لم نعرف مرادك بالصدرة، إن كان مرادك بالصدرة قراءة سورة زائدة أو آيات زائدة فهذه الصدرة غير واجبة مستحبة، وإذا تركها الإنسان وركع ولم يقرأ الزيادة على الفاتحة أجزأ، أما إن كان مرادك بالصدرة شيئاً آخر فينبغي أن توضحه في سؤال آخر.

    فالمقصود: أن مثل هذا لا يقطع الصلاة، إذا كان المقصود من كلامك أنك التبس عليك الأمر في قراءة زيادة على الفاتحة ولم يتيسر لك قراءة آيات ولا سورة بل اشتبه عليك الأمر فإنه ليس لك أن تقطع الصلاة، بل الحمد لله تركع ولا بأس، ويكفيك الفاتحة.

    1.   

    حكم حلق اللحية وحكم الصلاة خلف من يحلق لحيته

    السؤال: رسالة أخونا كمال محمد رشيد له سؤال آخر يقول فيه:

    ما هو حكم الإسلام في حلق اللحية؟ وهل صحيح أنه لا يجوز للمسلم أن يصلي وراء إمام حالق للحيته في الصلاة باعتبار أنها بدعة؟ أفيدونا أفادكم الله.

    الجواب: حلق اللحية محرم عند أهل العلم، لا يجوز لمسلم قصها ولا حلقها؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) وفي الرواية الأخرى قال ابن عمر : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى).

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس) فهذان الحديثان دليلان على وجوب إعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، وعلى وجوب قص الشوارب وإحفائها، وأن الواجب على المؤمن أن يتباعد عن مشابهة المجوس عباد النار، وعن مشابهة بقية المشركين، وفي حديث عائشة عند مسلم : (من سنن الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية) فإعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الله العباد عليها، على استحسانها وجمالها، وهي نور المؤمن وجماله، وهي وجه الرجل التي تبعده عن مشابهة النساء وعن مشابهة الكفرة.

    ولو فرضنا أن بعض الكفرة أعفاها فإننا لا نقصها ولا نحلقها من أجل إعفائهم لها، فإذا وافقونا لا يضرنا، إنما يضرنا أن نوافقهم في أزيائهم وطرائقهم، فالمؤمن يتقي الله ويمتثل أمر رسوله عليه الصلاة والسلام.

    أما الصلاة خلف الحالق فالصواب أنها صحيحة، الذي عليه المحققون من أهل العلم أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، فإذا صلى المؤمن خلف حالق أو قاص لبعض لحيته فالصلاة صحيحة، وهكذا لو صلى خلف فاسق آخر كالعاق لوالديه، أو مرابي، أو ما أشبه ذلك من العصاة، فالصلاة صحيحة على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأحاديث جاءت في الباب، منها قوله صلى الله عليه وسلم في الأمراء: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم)، ولم يأمر بقضاء الصلاة إذا صلى خلف أمير فاسق، ومن جملتهم الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم المعروف، أمير عبد الملك بن مروان ، كان من أفسق الناس وكان سفاكاً للدماء، وكان ابن عمر وجماعة من السلف الصالح يصلون خلفه، وصلى خلفه ابن عمر في حجته عام ثلاث وسبعين.

    فالمقصود أن هذا هو الصواب، أن الصلاة خلف العاصي صحيحة، ولكن خلف الكافر لا، لا تصح خلف من كان محكوماً بكفره، وأما من كان قصاراه أنه فاسق فإن الصلاة خلفه صحيحة، لكن ينبغي ألا يتخذ إماماً، ينبغي لولاة الأمور والمسئولين عن الأئمة ألا يتخذوا الفساق أئمة، وألا يتخذوا في الإمامة إلا المعروفين بالعدالة، والاستقامة، هكذا ينبغي لولاة الأمور.

    1.   

    حكم الاقتراض ممن يتعامل بالحرام في تجارته وماله

    السؤال: رسالة وصلت من أبها وباعثها أخونا: الأمين موسى محمد سوداني الجنسية، أخونا يقول:

    هل يجوز أن أستلف من شخص تجارته معروفة بالحرام وأنه يتعاطى الحرام؟

    الجواب: لا ينبغي لك يا أخي! أن تقترض من هذا ولا أن تعامل هذا، ما دامت معاملاته بالحرام، وهو معروف بالمعاملات المحرمة الربوية أو غيرها، فليس لك أن تعامله ولا أن تقترض منه، بل ينبغي لك التنزه من ذلك والبعد من ذلك.

    لكن لو كان يتعامل بالحرام وبغير الحرام، يعني معاملته مخلوطة، فيها الطيب والخبيث فلا بأس، لكن تركه أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) فالمؤمن يتباعد عن المشتبهات، أما إذا علمت أن كل معاملاته محرمة، وأنه يتجر في الحرام فمثل هذا لا يعامل ولا يقترض منه.

    1.   

    حكم العمل في مكان يشترط فيه حلق اللحية

    السؤال: بارك الله فيكم، سؤال أيضاً يتعلق بموضوع اللحية فاتني أن ألحقه بالسؤال السابق سماحة الشيخ! أخونا يثير هذا السؤال ويقول:

    إذا أردت أن أعمل بعمل معين لكن اشترط علي حلق اللحية، فماذا أعمل؟

    الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الطاعة في المعروف) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فعليك أن تتقي الله وأن تؤثر رضاه، وألا توافق على هذا الشرط، وأبواب الرزق كثيرة، ليست مغلقة والحمد لله بل مفتوحة، والله يقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] فأي عمل يشترط فيه معصية الله فلا توافق عليه، سواء كان هذا العمل في الجندية أو في غير ذلك من الأعمال، فدع ذلك والتمس عملاً آخر مما أباح الله عز وجل، ولا تعاون معهم على الإثم والعدوان؛ لأن الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] رزقنا الله وإياك التوفيق.

    المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً، الآمرون بمثل هذا لعلهم يستحقون كلمة في هذا المقام سماحة الشيخ!

    الشيخ: نعم.. الواجب على ولاة الأمور وعلى جميع المسئولين في الدول الإسلامية أن يتقوا الله، وألا يلزموا الناس بما حرم الله، فعليهم أن يتقوا الله وأن يحكموا شريعة الله في كل ما يأتون وما يذرون؛ لأن الله يقول سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، ويقول سبحانه وتعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] فالواجب طاعة الله ورسوله، وما أشكل من أمور الناس يرد إلى الله ورسوله، فما حكم الله به في الكتاب العظيم، أو في السنة المطهرة على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، وجب الأخذ به وتنفيذه، وترك ما خالفه، هذا هو الواجب على المسئولين في مسألة اللحى، وفي مسألة الربا، وفي مسألة الحكم بين الناس، وفي جميع الأمور، عليهم أن يحكموا شرع الله، وذلك والله هو طريق عزهم وهو طريق نجاتهم، وهو طريق سلامتهم في الدنيا والآخرة، ولن يبلغوا العز الكامل ورضا الله على التمام إلا بطاعته سبحانه وتعالى واتباع شريعته، نسأل الله لنا ولهم التوفيق لما يرضيه، والعافية من مضلات الفتن.

    1.   

    حكم كتابة القرآن ووضعه في ماء وشربه للعلاج

    السؤال: سؤاله الأخير يقول: هل يجوز كتابة القرآن وشرابه للعلاج؟

    الجواب: لا نعلم مانعاً من ذلك، وإن كان الأفضل أن يقرأه على المريض، وينفث المريض على نفسه، أو يقرأ عليه أخوه، على يده أو رجله أو موضع الألم منه، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، لكن إذا قرأ في ماء وشربه أو رش به، أو كتب آيات ودعوات في إناء في الزعفران أو في ورقة وغسله وشربه لا بأس، فعله جمع من السلف، وذكره ابن القيم وغيره عن السلف، فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل والأولى والأنفع هو ما كان فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه، كان يقرأ على المريض وينفث على المريض، وكان يقرأ على نفسه وينفث على نفسه إذا أحس بشيء عليه الصلاة والسلام، وكان إذا أراد النوم نفث في يديه ومسح بهما ما أقبل من جسده، ولما مرض مرضه الأخير عليه الصلاة والسلام صارت عائشة تفعل ذلك، تأخذ يديه وتقرأ في يديه وتمسح بهما على ما أقبل من جسده عليه الصلاة والسلام، عملاً بما كان يعمله في صحته عليه الصلاة والسلام.

    وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ماء لـثابت بن قيس بن شماس ثم صبه عليه، عليه الصلاة والسلام.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه إليكم بالشكر الجزيل بعد الله على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وأرجو أن يتكرر اللقاء وأنتم على خير وصحة وعافية إن شاء الله تعالى.

    الشيخ: نسأل الله ذلك.

    المقدم: اللهم آمين، مستمعي الكرام! كان لقاؤنا هذا مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وسجلها لكم من الإذاعة الخارجية زميلنا: فهد العثمان ، أما أنتم فشكراً لمتابعتكم وعلى اهتمامكم، وثنائكم على هذا البرنامج، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق، وصلاح القول والعمل إن شاء الله.

    إلى الملتقى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768035721