أيها الإخوة في الله! السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نحييكم بتحية الإسلام الخالدة التي نستهل بها لقاءنا المتجدد مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
والذي يسعدنا أن نلتقي به، وأن يكون ضيف لقائنا في هذه الحلقة من البرنامج؛ ليتولى سماحته الإجابة على رسائلكم التي تحمل أسئلتكم واستفساراتكم.
ونرحب باسم السادة المستمعين بسماحة الشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم!
====السؤال: هذه أول رسالة في البرنامج من الأخ الذي بعث هذه الرسالة من جمهورية مصر العربية من محافظة قنا، الاسم أحمد مدني محمد محمود، يقول في سؤاله الأول:
ما حكم الإسلام في تنظيم النسل؟ ومتى نشأت هذه الفكرة؟ ومن أول من فكر فيها؟ ولماذا؟ أرجو إفادتي بالدليل القاطع من الكتاب والسنة؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن مسألة تنظيم النسل كلمة مجملة قد تحتمل أنواعاً من التفسير، والذي نفهمه من تنظيم النسل: العناية بأسباب الحمل في وقتها على وجه لا يضر المرأة، ولا يسبب لها متاعب كثيرة، وذلك بأن تتعاطى بعض الأدوية التي تمنع الحمل في وقت ما؛ لمصلحة الحمل، أو لمصلحة المرأة، أو لمصلحتهما جميعاً؛ فهذا يسمى تنظيم النسل بتعاطي الأدوية والأسباب التي تعين على تنظيم النسل، وذلك بأن تكون مريضة لا تتحمل الحمل في كل سنة، أو يكون هناك أسباب أخرى تقتضي عدم حملها في كل سنة يقررها الأطباء، أو تكون عادتها أن تحمل هذا على هذا، كلما خرج فيها النفاس حملت بإذن الله؛ فيشق عليها تربية الأطفال والعناية بشئونهم؛ فتتعاطى بعض الأدوية حتى لا تحمل إلا بعد وقت، كأن تحمل بعد سنة أو بعد سنتين من أجل مراعاة الأطفال وتربية الأطفال والعناية بشئونهم.
وهذا لا حرج فيه إذا كان للمصلحة المذكورة، بأن تكون تحمل هذا على هذا؛ فلها أن تأخذ بعض الأدوية ليكون هناك فصل بين الولدين، كسنة أو سنتين مدة الرضاع؛ حتى تستطيع القيام بالتربية المطلوبة.
كما يجوز للرجل أن يعزل عنها للمصلحة، وهكذا تعاطي بعض الأدوية للمصلحة، وهكذا إذا كان يضرها الحمل لمرض بها أو في رحمها؛ فيقرر الطبيب المختص أو الأطباء أو الطبيبات المختصات بأن حملها كل سنة أو كل سنتين يضرها؛ فتتعاطى بعض الأدوية التي تجعلها تحمل بعد سنتين أو بعد ثلاث من أجل هذا المرض.
أما ما قد يفسر به تنظيم النسل بأنها تتعاطى أدوية تمنع الحمل بعد ولدين أو بعد ثلاثة أو بعد أربعة؛ هذا ليس بتنظيم، ولكنه قطع للنسل، وحرمان للزوجين من النسل، وهذا لا يجوز؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالحث على تعاطي أسباب الولادة، وكثرة النسل للأمة، كما في الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، وفي لفظ: (الأنبياء يوم القيامة)، فهذا يدلنا على أن كثرة النسل أمر مطلوب؛ لما فيه من تكثير عباد الله الصالحين، وتكثير أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وتكثير من يعبد الله ويدعوه ويستغيث به ويبادر إلى طاعته وينفع عباده، فهذا لا يسمى تنظيماً، ولكنه قطع للنسل فلا يجوز.
وهكذا تعاطي الأدوية التي تمنع الولد إلا بعد مدة طويلة أمر لا يجوز؛ لأن هذا يشبه القطع، وإنما يتقيد ذلك بحسب الحاجة والضرورة كما تقدم من مرضها أو مرض رحمها، أو حملها هذا على هذا حتى لا تستطيع التربية، هذه الأسباب التي تقتضي التنظيم، والله المستعان.
المقدم: يضيف الأخ أحمد مدني ويقول:
إذا كان تنظيم النسل جائز نظراً للغلاء وضيق المعيشة، فهل يتماشى مع قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31]، وقوله تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]؟ أفيدونا أفادكم الله!
الشيخ: أما إن كان تنظيم النسل من أجل سوء الظن بالله.. من أجل خوف العجز عن المعيشة هذا لا يجوز، للآيات التي ذكرها السائل، فلا يجوز أن يتعاطى الرجل والمرأة أسباب تنظيم الحمل من أجل خوف العجز عن المعيشة؛ فإن كل إنسان يأتي ورزقه معه، الرزق على الله عز وجل، هذا يشبه حال الجاهلية الذين قتلوا أولادهم خشية إملاق، فلا يجوز، تنظيم النسل من أجل خوف ضيق المعيشة هذا لا يجوز.
المقدم: ويضيف الأخ أيضاً في سؤاله الأول:
إذا كان جائز نظراً لأنه ليس مخلقاً -يعني: الطفل- فهل يتماشى مع قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59]، وقوله تعالى: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49]، وإذا كان جائزاً أيضاً لصحة الأم أرجو الإثبات بالدليل القاطع.
الشيخ: أما إسقاط الولد فهذا شيء آخر.. بحث آخر، المعروف عند أهل العلم تحريم ذلك إلا في الأربعين الأولى؛ لأنه نطفة، والنطفة يجوز صرفها عن الرحم بالعزل، وهكذا بالأدوية الأخرى، فلا بأس بعلاج إسقاط النطفة في الأربعين الأولى، كالعزل عند جمع من أهل العلم، والحجة في ذلك أنه كما جاز العزل جاز إسقاط النطفة للمصلحة التي يراها الزوجان، ولا بد من اتفاقهما على هذا، كما يتفقان على العزل هكذا يتفقان على إسقاط الحمل في الأربعين الأولى للمضرة التي رأياها، أو المصلحة التي رأياها.
حدث شجار بالمنزل وضقت ذرعاً بزوجتي، وللتخويف وقع مني طلاق رغم أنني قليل الحلف بأنواعه وأسلوبه، وكانت حالتي في غضب شديد، ومنعاً للشغب والشتم أعدتها بطلقة واحدة، وأرجعتها ثاني يوم بنفس الصيغة وصيغة العقد على مذهب الإمام أبي حنيفة، فأرجو إفادتي من الكتاب والسنة عن هذا الطلاق؟
الجواب: الطلاق حال الغضب له أحوال ثلاثة:
تارة يكون غضب شديداً مزيلاً للشعور، يجعل صاحبه بمثابة المعتوه والمجنون؛ فهذا لا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق).
الحال الثانية: أن يشتد معه الغضب، ويملك عليه مشاعره، ويضيق عليه خناقه حتى لا يستطيع التفلت من شر هذا الغضب وإمهال مقتضاه؛ فهذا فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من أوقع معه الطلاق، ومنهم من لم يوقع معه الطلاق وألحقه بالصنف الأول، وهذا القول الأرجح: إذا اشتد معه الغضب بأسباب كثيرة كالمضاربات والمشاتمات التي تجعله يفقد معظم شعوره وغالب شعوره، ولا يستطيع أن يتملك في أعصابه ويحفظ لسانه؛ فهذا يعتبر في حكم الأول، وكأنه قد فقد الشعور من أجل ما استولى عليه من شدة الغضب، للأسباب التي وقعت من ضربها له، أو مضاربتهما، أو مسابتهما السب الواضح، أو أشباه ذلك مما يسبب الغضب الشديد الذي يملك عليه مشاعره ويمنعه من التثبت والنظر في عواقب الطلاق.
والحجة في ذلك كثيرة.. الحجج في هذا كثيرة:
منها قصة موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى الألواح بسبب شدة الغضب، ولم يؤاخذه الله بذلك؛ لأنه إنما ألقاها من أجل شدة الغضب.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وصححه الحاكم ، قال جماعة من أهل العلم: معنى (في إغلاق)، يعني: في إكراه أو غضب، يعني غضباً شديداً، كما فسره بهذا الإمام أحمد رحمه الله وجماعة.
أما الحال الثالث: فهي أن يكون الغضب خفيفاً عادياً ليس معه الشدة التي تمنع الإنسان من النظر والتثبت وملك الشعور وملك الأعصاب، بل هو غضب عادي؛ فهذا يقع معه الطلاق عند الجميع، هذا الغضب المعتاد يقع معه الطلاق عند جميع أهل العلم، فهذه أحوال الغضب.
ماهية التوجه إلى القبلة؟ وكيف يتوجه المسلمون الذين تقع دولهم جنوب المسجد الحرام كالسودان والصومال وغيره؟ والمسلمون الذين تقع دولهم شرق المسجد الحرام كأفغانستان وإيران؟ والمسلمون الذين تقع دولهم شمال المسجد الحرام كالعراق وسوريا وتركيا؟ والمسلمون الذين تقع دولهم غرب المسجد الحرام كالجزائر والمغرب وموريتانيا؟ وكيف يتوجه المسلمون من أوربا وأمريكا إلى المسجد الحرام وبالنسبة للبلدان المجاورة؟ أفيدونا أفادكم الله!
الجواب: قد أوضح القرآن الكريم قبلة هؤلاء، فقال سبحانه وتعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150]، فكل جهة تولي وجهها شطر المسجد الحرام، يعني: جهة المسجد الحرام، فمن كان عن المسجد الحرام جنوباً فقبلته جهة الشمال، ومن كان عن المسجد الحرام شمالاً فقبلته جهة الجنوب، ومن كان بين ذلك صار بين ذلك، ومن كان عن المسجد الحرام غرباً صارت قبلته شرقاً، ومن كان عن المسجد الحرام شرقاً صارت قبلته جهة الغرب، وهكذا، فعلى جميع المسلمين في كل جهة أن يلاحظوا هذا، وأن يتأملوا وينظروا بالبوصلة وغيرها، ويستعينوا بأهل الخبرة؛ حتى يستقبلوا جهة المسجد الحرام غرباً أو شرقاً أو جنوباً أو شمالاً أو بين ذلك، على حسب حال القطر والإقليم من جهة المسجد الحرام، وهذا واضح من كتاب الله عز وجل في الآية التي سمعت، وهي قوله سبحانه: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150].
الجواب: إن صح هذا الخبر فالظاهر -والله أعلم- أن هذا من عمل شياطين الجن؛ للتلبيس على الناس، أو إيهام أن هذا الرجل ولي من أولياء الله؛ حتى يعبده الجهال من دون الله، وحتى يعكفوا على قبره ويبنوا عليه المسجد ونحو ذلك، هذا هو الذي يظهر من حال هذا النعش الذي يدور وحده، فالظاهر أنه يحمله شياطين، والشياطين يروننا ولا نراهم، كما قال سبحانه: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فقد يحملون الشخص من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم، وقد يقفون به في عرفات يلعبون بالناس، ويوهمونهم الكرامة، وهم أعداء الله؛ فلا ينبغي أن يغتر بهذا أبداً، بل هذا من عمل الشياطين وعمل فسقة الجن للإيهام والتلبيس، وقد يقصدون بهذا أن يوهموا الجهال أن صاحب النعش ولي من أولياء الله يعبد من دون الله، ويدعى من دون الله كما يظنه الجهلة، كما فعلوا مع البدوي ومع غير البدوي ، وكما فعل الجهلة مع الحسين ؛ لأنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما فعلوا مع الشيخ عبد القادر وغيره، فعبدوهم من دون الله بزعم أنهم أولياء، وهذا من الجهل العظيم؛ فإن العبادة حق الله وحده لا يجوز أبداً أن يعبد معه سواه، لا مع الأنبياء ولا مع غير الأنبياء، فالعبادة حقه سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، فالشخص وإن طار في الهواء وإن مشى على الماء، وإن فعل أي شيء مما يدعى كرامة، لا يعبد من دون الله، ولا يكون ولياً لله إلا إذا كان مطيعاً لله تابعاً لشريعته، تاركاً لمحارمه، متقيداً بالشرع في كل شئونه، هذا هو ولي الله، هذا هو المؤمن، ولكن مع ذلك لا يعبد مع الله، فالرسل أفضل من الأولياء، وأعظم جاهاً عند الله ولا يعبدون، العبادة حق الله وحده، كما قال المسيح لقومه: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117].
فالمقصود أن العبادة حق الله، لا تجوز لأحد من الناس، لا للأنبياء ولا لغير الأنبياء، بل هي حق الله سبحانه وتعالى، فهذه الإيهامات وهذه التلبيسات من الشياطين التي تقع بعض الأحيان في بعض الأقاليم والبلدان يجب الحذر منها والانتباه لها، وأن كل شيء يخالف شرع الله لا يجوز أن يغتر به، ولا أن يلتفت إليه؛ فإن سنة الله في عباده أن النعش لا يدور بنفسه، لا بد أن يحمل، فقد حملوا جنائز الصحابة في النعوش، ما دارت بأنفسها ولا سارت بأنفسها، هذا كله من عمل الشياطين التي توهم به أن هذا شخص من أولياء الله؛ حتى يعبد مع الله، وحتى يعتقد فيه ما لا ينبغي إلا لله سبحانه وتعالى.
والأموات مهما كانوا ومهما بلغوا من الفضل سواء كانوا رسلاً أو أنبياء أو علماء أو أولياء أو غير ذلك، يجب أن يدعى لهم، يترحم عليهم، يتبعون في الخير، أما أن يعبدوا مع الله فلا، حق الرسل أن يتبعوا ويطاعوا، وحق أولياء الله أن يترحم عليهم، يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، يسلك طريقهم الطيب الموافق لشرع الله، لكن لا يعبدوا مع الله، لا يطلب منهم المدد والغوث، ولا يقال: يا سيدي فلان! انصرني، أو اشف مريضي، أو المدد المدد؛ هذا كله شرك بالله سبحانه وتعالى، ولا يطاف بقبورهم، هذا أيضاً شرك إذا طاف بالقبر يدعو صاحب القبر أو يتقرب به إلى صاحب القبر؛ فهذا شرك بالله عز وجل، وإن طاف يتعبد به الله فهو بدعة منكرة، ووسيلة إلى الشرك نسأل الله العافية؛ لأن الطواف لا يكون إلا بالبيت العتيق، لا بغيره من الأشياء.
وهكذا لا يجوز أن يعتقد أن أحداً من الناس يتصرف في الكون، يدبر، يحيي، يميت، يخلق، يرزق.. إلى غير هذا كله باطل، ولا يكون إلا لله وحده سبحانه وتعالى.
الجواب: هذا سؤال له أطراف متعددة:
فأولاً: كون الإمام قد يعجل ولا ينتظر، هذا يكره ولا ينبغي؛ بل ينبغي للإمام أن يتأنى قليلاً ولا يعجل بعد الأذان حتى يفرغ المتوضئ من وضوئه، حتى يصل الماشي إلى المسجد، لا يعجل، يبقى بعد الأذان ربع ساعة.. ثلث ساعة على حسب أحوال الجيران؛ حتى يتمكنوا من حضور الصلاة بعد سماعهم الأذان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعجل عليه الصلاة والسلام.. يتأنى بعد الأذان حتى يتلاحق الناس، حتى في الفجر مع أنه يصليها بغلس كان لا يعجل عليه الصلاة والسلام، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، وربما تحدث مع عائشة حتى يؤذنه المؤذن باجتماع الناس.
وهكذا في شدة الحر، فالسنة ألا يعجل في الظهر بل يبرد بها، كما جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهكذا في العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا تأخر، ما كان يعجل، فهكذا ينبغي للأئمة أن يتحروا الرفق بالمأمومين وعدم العجلة، إلا المغرب فهي أولى بالتقديم من دون بقية الصلوات الخمس؛ فإنه كان صلى الله عليه وسلم لا ينتظر إلا قليلاً، كان إذا أذن مكث قليلاً ثم أقام بعدما يصلي الصحابة ركعتين، كانوا يصلون بعد الأذان ركعتين في عهده صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، وروى ابن حبان رضي الله عنه ورحمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعدها ركعتين أيضاً.
فالحاصل: أن المغرب هي أولى الصلوات الخمس بالمسارعة من الإمام للإقامة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، لكن مع هذا لا يعجل، بل بعد الأذان بقليل حتى يصلي الناس ركعتين، وحتى يصل الذي يمشي في الطريق، لا يعجل، ولا يقرأ قصار المفصل كما يفعله بعض الأئمة في المغرب، لا، الأفضل أن يقرأ من السور الطويلة والمتوسطة؛ حتى يتلاحق الناس، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور في بعض الأحيان، وربما قرأ فيها بالمرسلات، كما ثبت هذا في آخر حياته من حديث أم الفضل رواه مسلم في الصحيح، وربما قرأ فيها بسورة الأعراف فرقها في الركعتين، وربما قرأ من القصار، أما المداومة على القصار فهذا ليس من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا فعله الإمام في بعض الأحيان فلا بأس.
ومما وقع في السؤال: عجلة بعض المأمومين ومسابقتهم الإمام، هذا لا يجوز، ليس للمأموم أن يسابق الإمام، بل يجب عليه أن يتابعه ولا يسابقه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه؛ فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع).. الحديث، هذا يبين لنا أنه يكون بعد الإمام لا يعجلون، لا يسابقونه ولا يوافقونه، بل بعده.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إني إمامكم؛ فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف)، يعني: التسليم، وقال عليه الصلاة والسلام: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)، هذا وعيد عظيم يدل على وجوب التأني وعدم العجلة، وألا يسابق الإمام، بل يكون بعد الإمام، لا معه ولا قبله، بل يكون بعده متصلاً، هكذا السنة.
وأما الطمأنينة ففرض في الصلاة لا بد منها، فالذي لا يطمئن، ينقرها ولا يطمئن تبطل صلاته؛ فالواجب على الإمام والمأموم والمنفرد الطمأنينة وعدم العجلة في الصلاة، يركد في صلاته، في ركوعه، في سجوده، في اعتداله بعد الركوع، في جلسته بين السجدتين، لا يعجل، يطمئن، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لم يطمئن فأمره أن يعيد الصلاة، وعلمه كيف يصلي، قال صلى الله عليه وسلم له لما رأى منه ما رأى وطلب منه التعليم، قال: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، فهذا هو الواجب على المأموم والإمام والمنفرد أن يطمئنوا ولا يعجلوا في جميع الصلاة، وكذلك بعد السلام لا يعجلوا حتى يأتوا بالذكر الشرعي، هذا هو السنة والأفضل، إذا سلم الإمام والمنفرد والمأموم يقول: أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله، ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، هذه السنة إذا سلم الإمام والمنفرد والمأموم يقول كل واحد:
أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله بعد السلام عليه الصلاة والسلام، ثبت بعضه من حديث المغيرة، وبعضه من حديث ابن الزبير، وبعضه من حديث ثوبان، وبعضه من حديث عائشة.
فعلينا -معشر المسلمين!- أن نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وألا نعجل، الأفضل ألا نعجل، بل نأتي بهذا الذكر بعد السلام، وإن سبح الله ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فهذا سنة أيضاً بعد هذا قبل أن يقوم، هذا أفضل وأفضل، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة لما سألوه عن شيء يدركون به من سبقهم، ويسبقون به من بعدهم، ولا يكون أحد أفضل منهم إلا من صنع مثل عملهم؛ قال: (تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة)، فهي سنة عظيمة، ويستحب أن يختمها أن يختم المائة بقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا من أسباب تكفير الخطايا، وإن أتى بعد هذا بآية الكرسي، قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، وسورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، هذا أيضاً مستحب بعد كل صلاة، ويستحب تكرار السور الثلاث بعد المغرب وبعد الفجر ثلاث مرات، هذا كله من السنن بعد السلام، فإذا أتى بهذا أو بعضه قبل أن يقوم فهذا هو السنة، أما كونه يقوم في الحال من حين يسلم هذا خلاف السنة، والله المستعان.
وأما ما يتعلق بصلاته في المنزل هذا لا يجوز، ليس لك أيها السائل -ولا غيرك- أن تصلي في المنزل مع القدرة على المساجد، بل يجب عليك أن تأتم المساجد وتصلي فيها، ولا يضرك كون بعض الناس قد يعجلون أو يسابقون الإمام، لا، عليك أن تعمل بالشرع أنت، وعليك أن تعلم الناس وتنصح الناس، وليس لك أن تصلي في البيت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت؛ فلا صلاة له إلا من عذر)، وجاءه رجل أعمى فقال: (يا رسول الله! ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب)، فهذا رجل أعمى ليس له قائد يلائمه، ومع هذا لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في البيت.
فعليك يا عبد الله! أن تتقي الله، وأن تلتزم بشرع الله في أداء الصلاة في الجماعة في المساجد كما شرع الله سبحانه وتعالى، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق.
المقدم: الأخ أيضاً هو بيقول: إنه عشان الإمام ما بيحاول يسوي الصفوف، أو يسد الخلل بينهم، أو يأمر الناس بعدم مسابقته في الصلاة، فهو يعني..
الشيخ: ينصح.. ينصح الإمام، إذا قصر ينصح يقال: يا أخ يا فلان! جزاك الله خير، انصحهم.. حرضهم على أن يسووا الصفوف، على أن يطمئنوا، على ألا يسابقوا الإمام، يوصى الإمام، وينصح بأن يتعاهد المأمومين بالنصيحة، بالتوجيه، وأنت كذلك أيها المأموم أيضاً تنصح إخوانك، وتبين لهم ما عندك من الخير والعلم، تنصح من حولك عن مسابقته، وعن غير ذلك مما ترى منهم من النقص، تنصح إخوانك في كل شيء، في المسابقة، وفي العجلة وعدم الطمأنينة، في التأخر عن الصلاة في المسجد، في غير هذا من الشئون، المسلم أخو المسلم ينصحه ويوجهه إلى الخير.
المقدم: أيها الإخوة! باسمكم جميعاً نشكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد على هذا اللقاء في برنامج: (نور على الدرب)، الذي أجاب فيه سماحته مشكوراً على أسئلة الإخوة المستمعين: المستمع أحمد مدني محمد محمود من محافظة قنا بجمهورية مصر العربية.
أيها الإخوة الكرام! شكراً لكم على حسن متابعتكم وإنصاتكم للبرنامج، وإلى لقاء آخر إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر