مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب).
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز !
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم!
المقدم: حياكم الله!
====السؤال: مع مطلع هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من العراق - محافظة إربيل، باعثها أحد الإخوة المستمعين رمز إلى اسمه بالحروف: (س. ش).
أخونا يقول في رسالته: عندما يصوم شخص ما شهرين متتابعين كفارة عن خطيئة ارتكبها، هل له عذر عند مرضه أو سفره، مع الدليل في القرآن والسنة؟ جزاكم الله خيراً!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد ذكر جمع من أهل العلم رحمة الله عليهم أن المسلم إذا كان عليه صوم شهرين؛ لكونه ظاهر من زوجته، أو لكونه جامع في رمضان، أو لكونه قتل نفساً خطأً؛ فإن عليه أن يتابع هذين الشهرين -ستين يوماً- فإن عرض له عارض من مرض منعه الصوم لم ينقطع التتابع في أصح قولي العلماء، وهكذا المرأة إذا حاضت لم ينقطع الصوم، ولكنها تأتي بعدد الأيام التي أفطرت فيها عن الحيض بعد طهرها، حتى تكمل ستين يوماً متتابعة بإسقاط أيام الحيض لأنها معذورة، وهكذا بإسقاط أيام المرض للرجل والمرأة جميعاً، وهكذا السفر إذا كان سافر لحاجة، لا للتحيل، إن كان للتحيل للفطر فلا يجوز؛ لأن الحيل التي تبطل أحكام الشرع لا تجوز.
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)، أما إذا عارض سفر لحاجة فإنه لا يقطع التتابع على الصحيح؛ لأنه عذر شرعي، فكل ما يكون عذراً شرعياً فإنه لا يقطع التتابع، سواء كان من المرأة أو من الرجل، لا بد من ستين يوماً متتابعة يغتفر فيها ما يقع من العذر الشرعي.
السؤال: هل يجب علي أن أصوم ستمائة يوم كاملاً، أو ثلاثة أيام فقط لكفارة يميني؟ علماً بأني قلت: أصوم عند فوات كل صلاة ثلاثة أيام ما دمت حياً، أفيدوني أفادكم الله!
الجواب: هذه الأيمان لا يلزمك الوفاء بها، ولك أن تكفر كفارة اليمين عن كل صلاة فوتها بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؛ لقول الله جل وعلا: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89]، فما دمت تستطيع الكفارة بالإطعام والكسوة أو العتق يكفي والحمد لله، عن كل صلاة كفارة مقدارها إطعام عشرة مساكين، ولا يلزمك الصوم، بل الكفارة كافية والحمد لله، فإن صمت أجزأ الصوم.
الجواب: نعم، الواجب عليك يا عبد الله تقوى الله، وأن تجتهد في المحافظة على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، وأن تحذر طاعة الهوى والشيطان وجلساء السوء، والله سبحانه يقول: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:9-11].
ويقول سبحانه في سورة المعارج: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:34-35].
وهي عمود الإسلام يجب أن تحافظ عليها في أوقاتها وفي الجماعة، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون و
قال بعض أهل العلم رحمهم الله: إنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء لأنه إن ضيعها بسبب الملك والولاية والرياسة شابه فرعون، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة.
وإن ضيعها بسبب الوزارة والوظيفة شابه هامان وزير فرعون، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة.
وإن ضيعها بسبب المال والشهوات شابه قارون ، هذا الذي أعطاه الله أنواع المال فتكبر بسبب ذلك وبغى، ولم يقبل الحق، فخسف الله به وبداره الأرض نسأل الله العافية.
وإن ضيعها بسبب التجارات والمعاملات والبيع والشراء شابه أبي بن خلف تاجر أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وأبي هذا مات كافراً.. قتل كافراً، قتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بنفسه عليه الصلاة والسلام، وقتل أخوه أمية بن خلف يوم بدر مع الكفار.
فهذا الحديث العظيم وما جاء في معناه مع الآيات الكريمات كلها تدل على وجوب المحافظة على الصلوات والعناية بها، والحذر من مشابهة المنافقين المتكاسلين عنها، الذين قال الله في حقهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:142-143]، ما عندهم دين ثابت، وقال في حقهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، نسأل الله العافية.
الجواب: هذا الحديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه من حديث علي رضي الله عنه، والمعنى واضح؛ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والذكر والفطنة تفوته أشياء وينسى أشياء ويجهل أشياء، والله يعلمها سبحانه لا تخفى عليه خافية جل وعلا، والمؤمن يدعو بهذا الدعاء الجامع، فإنه يشمل ما علمه العبد وما لم يعلمه العبد، (وما أنت أعلم به مني)؛ حتى يكون دعاؤه شاملاً لجميع سيئاته التي علمها والتي لم يعلمها.
فقد يكون اغتاب أحداً ونسي، وقد يكون تكاسل عن صلاة ونسي، وقد يكون كذب في معاملة ونسي، قد يكون خان في أمانة ونسي، وقول السائل: إنه يعلم ذنوبه ليس بصحيح؛ فإن الإنسان محل النسيان والجهل، ومع طول الزمان ينسى كثيراً، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أنت أعلم به مني)، كلام محكم عظيم؛ لأن العبد محل النسيان ومحل الجهل، مهما بلغ حفظه، ومهما بلغ ذكاؤه، فإنه يفوته أشياء من سيئاته وأخطاءه ينساها، وقد يجهلها أيضاً، قد يحسب أنها حق، يحسب أنها هدى، وليست كذلك، فالحديث يشمل هذا كله.. يشمل ما أخطأ فيه يحسب أنه حق وهو معصية، ويشمل ما فعله من الذنوب وقد نسيه بسبب مشاغله أو قدم العهد.
فالأمر واضح، وقولك: إنك تعلم سيئاتك ليس بصحيح، قد يفوتك أشياء تنساها، وأشياء تجهلها، وأنت في أيامك ولياليك تعمل وتكدح وتكلم، ومن يحصي كلامك وأفعالك إلا الله سبحانه وتعالى، وكم من زلة تزل بها على زوجتك، وعلى ولدك، وعلى أهل بيتك، وعلى خادمك، وكم من زلة تزل بها على جيرانك وجلسائك، وكم من زلة تزل بها على الناس في عرض الحديث من غيبة ونميمة وغير ذلك، وكم من معصية تفعلها وأنت لا تشعر، أو تنساها فيما يتعلق بالصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج، أو بر الوالدين، أو صلة الرحم، أو حق الجار، أو غير ذلك.
الجواب: نعم، يجب ألا يعتمد على العقل، بل يدرس النصوص ويعتني بالنصوص من كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها الهدى وفيها التوجيه إلى الخير، والعقل يخطئ ويصيب، والفرق المخالفة لأهل السنة هلكوا بأسباب عقولهم، ظنوا أن عقولهم جيدة، وأنها مصيبة؛ فخالفوا النصوص بأسباب عقولهم الكاسدة التي ظنوها صحيحة، وما الذي أوقع الجهمية في نفي الصفات والأسماء والجبر إلا عقولهم الفاسدة!
وما الذي أوقع المعتزلة في نفي الصفات، وتخليد العصاة في النار إلا عقولهم الفاسدة، وهكذا أتباعهم ممن قال بهذا القول!
وما الذي أوقع الخوارج في تكفير الناس بالذنوب والقول بأن العاصي كافر وأنه مخلد في النار إلا عقولهم الفاسدة!
وهكذا غيرهم من أهل البدع، عقولهم التي اعتمدوا عليها هي التي أهلكتهم؛ لأنهم ظنوها سليمة وظنوها صحيحة، وظنوها جيدة معصومة، وهي ليست كذلك، بل هي غير معصومة تخطي كثيراً، ولكن أحسنوا فيها الظن وأساءوا الظن بالنصوص فهلكوا، والواجب حسن الظن بالنصوص، وإساءة الظن بالعقول، وأن تخضع العقول للنصوص، النصوص معصومة إذا ثبتت أسانيدها، وأما العقول فغير معصومة، الإنسان محل الخطأ ومحل التقصير ومحل الهوى، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله فهو معصوم بإجماع المسلمين، وهكذا القرآن معصوم كلام الله عز وجل.
فالواجب أن يحكم القرآن والسنة في عقلك، وأن يقدم القرآن والسنة على عقلك، وعلى عقل شيخك ومشايخك وآبائك وأسلافك والناس كلهم، فالنصوص مقدمة على جميع العقول.
الجواب: أنصحهم بأن يعرضوا عقولهم على النصوص، ما وافق النصوص فهو الصواب، وما خالفها فهو الخطأ، أما عقولهم لا تكون هي الأساس، يجب أن تكون النصوص هي الأساس، وعليها تعرض آراء الناس وعقول الناس وأفكارهم وفتاواهم ودعاواهم، فما وافق الكتاب والسنة فهو الحق، وما خالفهما فهو الباطل، ويستعين بالله أيضاً ثم بأهل الفكر والنظر والبصيرة وتعاون معهم.
الله يقول سبحانه في كتابه العظيم: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، ما قال: ردوه إلى رأي فلان أو عقل فلان.. عقل أبي بكر أو عقل عمر وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، ولا قال: ردوه إلى عقل الصحابة، قال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، إلى الله: إلى القرآن، وإلى الرسول: إلى نفسه صلى الله عليه وسلم في حياته، وإلى سنته بعد وفاته.
وقال في الآية الأخرى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ [الشورى:10]، ما قال: إلى فلان أو فلان، أو القبيلة الفلانية، أو أصحابي، لا، إلى الله، ما قال: إلى الرسول أو أصحابه، مع أن الرسول ترد إليه كما تقدم.. يرد إليه الحق، لكن ما قال إلى أصحاب الرسول أو إلى فلان، بل قال: إِلَى اللَّهِ ، يعني: إلى الكتاب والسنة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)، هكذا جاء في الصحيحين، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، رواه البخاري في الصحيح.
وفي القرآن الكريم يقول الله عز وجل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، ما قال: من يطع عقله أو عقل شيخه، قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، فعقول الناس كلهم يجب أن تخضع للكتاب والسنة، ولو كانوا من الصحابة والأئمة بعدهم، لا بد أن تعرض العقول والآراء والأفكار على الكتاب والسنة الصحيحة، فما وافق الكتاب والسنة فهو المحترم وهو المقبول، وما خالفهما أو أحدهما فهو المردود.
الجواب: يقال لهم: أخطأتم، وعقلكم هو الذي أخطأ، والسنة هي المصيبة، سواء كانت السنة متواترة أو آحاداً، متى ثبت السند واستقام السند وصح عند أهل العلم، وعند أهل النقل والبصيرة وجب الحكم به وإن كان ليس بمتواتر، وإن كان من أخبار الآحاد، وعند أهل الحديث أن الآحاد ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر يسمونه آحاداً، قد يكون مشهوراً.. قد يكون عزيزاً.. قد يكون غريباً، لكن مهما كانت الحال فالصواب أن الحديث الصحيح حجة مطلقاً، ولو كان آحاداً، ولو كان من طريق واحدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع أهل السنة على ذلك، وأن الحديث إذا استقام سنده، واستقامت رواته، وسلم من العلة فإنه حجة، ولو كان بسند واحد أو سندين، ولو لم يتوافر فيه شروط المتواتر، هذا هو الحق، وهو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية، مثل قوله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54].. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
وقوله جل وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، هذا يعم.. يعم الأخبار المتواترة والأخبار غير المتواترة، وأكثر السنة غير متواترة.
المقدم: جزاكم الله خيراً! ونفع بعلمكم وزادكم من توفيقه.
الواقع سماحة الشيخ هذه القضية تكاد تكون قضية العصر، ولا سيما وأن هناك بعضاً من طلبة العلم يؤمن بهذه المدرسة الموسومة بالمدرسة العقلية، ويعرضون النصوص الشرعية -كما يزعمون- على عقولهم، فما وافق عقولهم أخذوا به، وما لم يكن كانوا جريئين في رده كما يقولون، لعل هناك من كلمة أخيره في هذا المقام؟
الجواب: نسأل الله أن يهديهم، نسأل الله أن يردهم إلى الصواب فقد أخطئوا وضلوا السبيل، فنسأل الله أن يهديهم إلى الصواب وأن يردهم إلى الحق حتى يسلموا في أنفسهم، ويسلم غيرهم من شرهم.
نسأل الله أن يهديهم فقد أخطئوا كثيراً وضلوا كثيراً، والعقول محل الخطأ، ومحل النقص، ومحل النسيان، والعصمة لله ولكتابه ولرسوله فيما يبلغ عن الله، ما هي لعقول الناس، ولو فكر إنسان في عقله لعرف أخطاء عقله فيما يتعلق بمنزله وبيته وأولاده وغير ذلك، لو فكر! لكن أكثر الناس يغتر بعقله، ويظن أن عقله سديد، وأنه يصيب، وأنه يعرف يميز الصواب من الخطأ في السنة، وهذا جهل كبير.. هذا جهل كبير، فإن السنة ليست تأتي بموافقة عقول الناس، تأتي بما تقتضيه حكمة الله جل وعلا، وعلمه سبحانه وبحمده بأحوال الناس، وحكمته العظيمة في مصالحهم ودرء الشر عنهم، فالشرائع تأتي بما تحار فيه العقول، ولكن لا تأتي بما تحيله العقول، العقول الصحيحة السليمة تخضع، ما تحيل ما جاءت به السنة، ولا ما جاء به الكتاب العزيز.
قد تحار ولا تعرف الحكمة، لكن ترجع إلى الصواب، الحكمة إلى الله جل وعلا، إن ظهرت لك فالحمد لله، وإلا فهو حكيم عليم، وإن لم تعرف حكمته فهو حكيم عليم، عليك أن تخضع لقوله وشرعه وإن جهلت الحكمة، فالله سبحانه هو الحكيم العليم، وإن أبيت أنت وقلت: إنها ما ظهر لك حكمة، الله أحكم منك وأعلم منك سبحانه وتعالى، وهو الحكيم العليم قطعاً، وأنت إذا كنت مسلم تسلم بهذا.. تؤمن بأنه حكيم عليم، فإذا كنت مؤمناً بذلك فاخضع لهذا الشيء، وألغ عقلك إذا ثبت النص، واعلم أن الله حكيم عليم، وأنه أعلم منك بمصالح عباده سبحانه وتعالى.
الجواب: هذا في كفارة الظهار، وفي كفارة الوطء في رمضان، أما القتل فليس فيه إطعام، ليس فيه إلا العتق، ومن عجز عنه يصوم شهرين متتابعين إذا قتل خطأ، أو شبه خطأ، أما إذا جامع في رمضان عامداً فهذا عليه العتق، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً، ثلاثين صاعاً من الحنطة، أو من التمر من قوت البلد، وهكذا إذا ظاهر امرأته، قال امرأته عليه حرام، أو كظهر أمه، أو كظهر أخته؛ فإن عليه عتق رقبة إن تيسر ذلك، فإن عجز صام شهرين متتابعين ستين يوماً، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً.
هذه الكفارات الثلاث التي فيها الصيام: القتل، والجماع، والوطء في رمضان.
القتل ليس فيه إطعام؛ إما عتق، فإن عجز فالصوم.
أما الجماع في رمضان، والظهار ففيه إطعام مرتب على العجز عن العتق والصيام، إذا عجز عن العتق والصيام.. عن كليهما انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً.
الجواب: إذا كنت تخشى فالواجب عليك أن تقيم عندهم، وأن تستقيم في بلدك، وتطلب الرزق في بلدك؛ حتى تقوم على زوجتك وأولادك، وحتى تحسن إليهم، وحتى تطمئن إلى سلامتهم، وفي مقامك عندهم الخير الكثير والمصلحة العظيمة، وأداء الأمانة، فإن اضطررت إلى السفر لأن بلدك ليس فيه طلب رزق فسافر بهم جميعاً إن استطعت.. سافر بهم جميعاً حتى تطمئن إلى سلامتهم، وإلى قيامك عليهم، فإن كان هناك من يقوم عليهم وكيلاً عنك كأبيك، أو ولدك الكبير.. يقوم على زوجتك وعلى أولادك، وتطمئن إليه فلا حرج، يقوم مقامك في التربية والإحسان والحماية والصيانة.
الجواب: تقرأ التشهد الأخير، تقرأ التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتقرأ الدعاء، والواجب التشهد الأول مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء سنة، ولكن إذا كملتها وأتيت بدعاء يكون أكمل، تقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، وتسأل الله من خير الدنيا والآخرة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، هذا أكمل كالفريضة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذهب بعض أهل العلم إلى أنها ركن، وبعضهم إلى أنها واجب، وبعضهم إلى أنها سنة؛ فينبغي لك أن تأتي بها أيضاً في الفريضة والنافلة، في التشهد الأخير في الفريضة، وفي التشهد في النوافل، وتأتي بها أيضاً في التشهد الأول مع التحيات؛ لعموم الأحاديث في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: ليس في هذا ربا، السيارة وغير السيارة، فإذا كانت الأرض تساوي مائة ألف نقداً، واشتريتها بمائة وعشرين ألف بأقساط وآجال معلومة فلا ربا في هذا، أو كانت السيارة تساوي عشرة آلاف نقداً، واشتريتها بإثنا عشر ألف مقسطة كل شهر ألف، أو بأكثر من ذلك في سنين كل سنة كذا، لا حرج بهذا، هذا كله داخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].. الآية.
هذه من المداينات الشرعية، ولو كانت بأكثر من السعر النقدي، عند جمهور أهل العلم، وبعضهم حكاه إجماعاً، ولا شك في ذلك، وهكذا غير السيارة وغير الأرض، لو اشتريت شاة أو بعيراً أو بقرة تساوي ألف أو أقل أو أكثر، واشتريتها بأزيد إلى أجل أو إلى آجال، الناقة تساوي ألف شريتها بألف وثلاثمائة كل شهر مائة، أو البقرة تساوي ألف واشتريتها بألف ومائتين كل شهر مائة، أو شاة تساوي ثلاثمائة واشتريتها بأربعمائة كل شهر خمسين، وما أشبه ذلك ليس فيه بأس.
المقدم: جزاكم الله خيراً!
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير!
الشيخ: نسأل الله ذلك!
المقدم: اللهم آمين!
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحته.
وأنتم يا مستمعي الكرام! شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر