الجواب: أما حجه فلا يبطل؛ لأن هذه العمرة منفصلة عنه بإحرام مستقل وتحلل وكذلك الحج، حجه صحيح وليس فيه شيء، وأما عمرته التي أفسدها فإن الواجب عليه قضاؤها، فإن كان قد قضاها قبل الحج وأحرم من الميقات بدلاً عن التي أفسدها فقد أدى ما عليه وعليه في هذه الحال شاة غير شاة الهدي التي هي للتمتع، فعليه شاة يذبحها من أجل وطئه؛ لأن الوطء في العمرة كما قال أهل العلم: يجب فيه شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، إذ القاعدة عندهم أن كل ما أوجب شاة من جماع أو مباشرة فإنه يلحق بفدية الأذى، وفدية الأذى يخير الإنسان فيها بين ثلاثة أشياء، كما قال الله عز وجل: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك ذبح شاة.
مداخلة: يعني: من فعل ما سبق ذكره السائل فعليه أن يرجع إلى الميقات.
الشيخ: عليه أن يرجع من الميقات الذي أحرم منه بالعمرة التي أفسدها؛ لأن القضاء يحكي الأداء، فما دامت مقضية فالقضاء يكون بصفة الأداء تماماً.
مداخلة: السائل لم يفعل العمرة كما يظهر من رسالته، لأنه يسأل الآن وقد ذهب الحج.
الشيخ: عليه أن يفعلها الآن، ويذبح الشاة التي هي دم جبران إن شاء، وإن شاء أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وإن شاء صام ثلاثة أيام.
على أني أيضاً في هذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين أن يصبروا فالمدة وجيزة وبسيطة، وهم ما دخلوا في الحج والعمرة إلا وهم ملتزمون بأحكام الله تعالى فيهما، فعلى المرء أن يصبر ويحتسب والحج نوع من الجهاد، أما كون الإنسان لا يحبس نفسه عما حرم الله عليه في هذه المدة الوجيزة فهذا نقص في عزمه وعقله ودينه، فالواجب عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله عز وجل.
الجواب: هذه من البدع المنكرة التي لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لم تأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع غاية التحذير، فقال: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ) وكل عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه وليس لها أصل من الشرع فإنه لا يثاب عليها وإن نوى بها الخير، وإن نوى بها التقرب إلى الله عز وجل؛ لأن التقرب إلى الله تعالى لا يكون إلا بواسطة شرعه، وشرعه ما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وإني لضاربُ لك مثلاً: لو أردت أن تصل مدينة من المدن وسلكت طريقاً غير طريقها لضللت عنها، هكذا أيضاً إذا أردت الوصول إلى الله عز وجل وسلكت طريقاً غير طريقه وشرعه الذي جاءت به رسله فإنك لن تصل إليه، ولهذا قال أهل العلم: إن من شروط قبول العبادة أن تكون مبنية على أمرين:
الأول: الإخلاص لله عز وجل وهذا قد يكون متوفراً لدى هؤلاء المحدثين.
والثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا مفقود عند هؤلاء المحدثين، ولذلك عملهم هذا لا يقربهم إلى الله عز وجل، وإنما يزيدهم من الله بعداً.
وأما كون هذا وسيلةً إلى أن يعرف الناس كيف يصلون وكيف يتضرعون إلى الله وكيف يعبدون الله، فإننا نقول: هذه الوسيلة المحدثة هي بدايتها منكرة، ولا يمكن أن تكون الأمور المنكرة وسيله للإصلاح أبداً، حتى وإن أصلحت قليلاً فإنها تفسد كثيراً، وإنما وسائل الإصلاح ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تعليم الشريعة بطريق القول المكتوب والمنطوق، وبطريق الفعل كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أمته هكذا، أحياناً يصلي بهم فيصعد على المنبر ويقوم ويركع ويرفع وهو على المنبر ثم ينزل فيسجد، ويقول: إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتتعلموا صلاتي، وهكذا أصحابه من بعدهم كانوا يعلمون الأمة بطريق القول والفعل كما عثمان رضي الله عنه يأمر بإناء من ماء فيتوضأ أمام الناس ويقول: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ مثل وضوئي هذا)، وعلى كل حال الطريق إلى تعليم الناس هي الطريق التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن نحدث عبادات لم تأت بها الشريعة ونقول: إننا نريد بذلك أن نعلم الناس الشريعة ففي الحقيقة أننا علمناهم البدعة ولم نعلمهم الشريعة.
الجواب: لا باس أن تجمع في هذه الحال؛ لأن الجمع رخصة كلما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع، ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، قيل له: ما أراد بذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمته ) أي: ألا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها، فإذا كنت تعرف أن هذه السيارة ليست بيدك، وأنها قد لا تتوقف إذا سارت من بعد الظهر إلا بعد الغروب فإنه يجوز لك أن تجمع الظهر إلى العصر وأنت في منزلك، ولكن تصليها في هذه الحال أربعاً لا تصليها ركعتين؛ لأنك لم تبدأ السفر الآن.
الجواب: المشعر الحرام يراد به أحياناً المكان المعين الذي بني عليه المسجد، وهو الذي أتاه النبي عليه الصلاة والسلام حين صلى الفجر في مزدلفة ركب حتى أتى المشعر الحرام فوقف عنده ودعا الله وكبره وهلله حتى أسفر جداً، وأحياناً يطلق المشعر الحرام ويراد به جميع مزدلفة، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وقفت هاهنا وجمعٌ كلها موقف )، وقال الله عز وجل: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] وعلى هذا فيكون المشعر الحرام تارةً يراد به المكان المعين الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الجبل المعروف في مزدلفة وعليه بُني المسجد، وأحياناً يراد به جميع مزدلفة؛ لأنها مشعر حرام، وإنما قيدت بالمشعر الحرام؛ لأن هناك مشعراً حلالاً وهو عرفة، فإنه مشعر، بل هو أعظم المشاعر المكانية، فهو مشعر لكنه حلال؛ لأنه خارج أميال الحرم، بخلاف المشعر الحرام مزدلفة الذي يقف الناس فيه فإنه حرامٌ، ولم تسمّ منى مشعراً حراماً؛ لأنه ليس فيها وقوف، والوقوف الذي بين الجمرات في أيام التشريق ليس وقوفاً مستقلاً، بل هو في ضمن عبادة رمي الجمرات.
مداخلة: في قوله: ( وجمع كلها موقف )، هل المراد بجمع هو مكان مزدلفة؟
الشيخ: المراد بها مزدلفة، وسميت جمعاً لاجتماع الناس بها، لأن الناس يجتمعون بها في الجاهلية والإسلام، وقد كانوا في الجاهلية لا تقف قريش في عرفة، وإنما يقفون بالمزدلفة، لأنهم يقولون: نحن أهل الحرم فلا نخرج عنه، وإنما نقف في المزدلفة، ولهذا والله أعلم سميت جمعاً لاجتماع الناس بها في الجاهلية والإسلام.
الجواب: الأخوات من الرضاعة حكمهن في النظر وتحريم النكاح والخلوة والمحرمية حكم الأخوات من النسب، وعلى هذا فيجوز للرجل أن يصافح أخته من الرضاعة، كما يجوز أن يصافح أخته من النسب، وأما التقبيل فلا ينبغي تقبيل الأخوات لا من النسب ولا من الرضاعة، وإنما إذا أراد أن يكرمهن إذا قدم من سفر أو نحوه فإنه يقبلها على الجبهة، يقبلها على الرأس، وأما التقبيل على الفم فإن بعض أهل العلم أنكره جداً وقال: إنه لا ينبغي إلا مع الزوجة فقط، ولا شك أن شعور الإنسان بالمحرمية في أخواته من النسب أبلغ من شعوره بها في أخواته من الرضاعة، لاسيما إذا كان الأخوات من الرضاع يقللن المجيء إليه، فإنهن قد يكن عنده بمنزلة الأجنبيات، فلهذا ينبغي الاحتياط في مصافحتهن وفي تقبيل رءوسهن وجباههن.
مداخلة: قلتم: إن التقبيل لا ينبغي إلا للزوجة على الفم، وبالنسبة للوالدة والعمة؟
الشيخ: الوالدة والعمة وجميع ذوات المحارم إنما يقبلها على الرأس والجبهة، هذا هو الأولى والأحرى.
الجواب: ليس هذا بصحيح، فإنه إذا لم يكن لك شعر رأس سقطت عنك هذه العبادة لزوال محلها، نظيره الرجل إذا كان مقطوع اليد المرفق فما فوق فإنه لا يجب عليه غسل يده حينئذٍ، إلا أنه يغسل إذا قطع من مفصل المرفق رأس العضد فقط، لكن لو قطع من نصف العضد مثلاً سقط عنه الغسل نهائياً، فالعبادة إذا فات محلها الذي علقت به سقطت، وعلى هذا لا يجب عليك حلق الرأس لعدم وجود الرأس، وأما أخذ الشارب فهو سنة في هذا الموضع وغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، لكن لا لهذا السبب الذي علق الحكم به هذا السائل، وأما الأخذ من اللحية فإنه خلاف السنة وخلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( أعفوا اللحى وحفوا الشوارب ) فلا يأخذ منها شيئاً لا في الحج ولا في غيره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر