الجواب: هذا السؤال له جانبان:
الجانب الأول: الجمع بين المغرب والعشاء من أجل المطر والبرد ونحوهما، وهذا لا شك أن القول الصواب فيه هو جواز الجمع لهذه الأمور التي تشق على المسلمين؛ لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما صريحٌ في ذلك، حيث أخبر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر )، فإن قوله: ( ولا مطر) يدل على أنه كان من المعتاد عندهم الجمع من أجل المطر.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك؟ فقال: أراد ألا يحرج أمته، أي: ألا يلحقها الحرج في أداء صلاة الجماعة، وهذا هو الموافق لروح الدين الإسلامي الذي قال الله تعالى عنه في معرض آيات الصيام: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].
وقال سبحانه وتعالى: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج:78].
فالحاصل: أنه يجوز الجمع لأجل المطر الذي يلحق به مشقة، وكذلك لأجل الريح الباردة التي يلحق الناس بها مشقةٌ إذا خرجوا إلى المسجد.
وإذا جاز الجمع فالعبرة بوجود السبب ولا يشترط النية، وهذا هو الجانب الثاني للسؤال على القول الراجح، فمتى وجد السبب وإن لم ينووا الجمع عند تكبيرة الإحرام للصلاة الأولى فإن الجمع يسوغ لهم، وعلى هذا فلو طرأ العذر في أثناء الصلاة الأولى كما لو هطلت الأمطار أثناء صلاة المغرب فإنه يجوز لهم أن يجمعوا بين المغرب والعشاء، وإن لم يكونوا قد نووا الجمع وإن لم يكن السبب قد وجد عند افتتاح الصلاة الأولى، بل إنه على القول الصحيح الذي نرى أنه أصح وأن العبرة بوجود السبب لو لم ينووا إلا بعد السلام، مثلاً السلام من المغرب فإنه يجوز لهم الجمع، إذ لا علاقة بين الصلاتين بالنية، ولهذا لا تبطل إحداهما ببطلان الأخرى حتى نقول: لا بد من نية القرن بينهما، وإنما المدار كله على وجود السبب، وعلى هذا فإذا سلموا من صلاة المغرب مثلاً وقد هطلت الأمطار في أثناء الصلاة وأرادوا أن يجمعوا العشاء إليها، فإن هذا لا بأس به على القول الراجح.
الجواب: الصواب في هذه المسألة: أنهم إذا قاموا إلى الرابعة وجب عليه المفارقة، فيجلس ويتشهد ويسلم ويلحق الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ولا يجوز أن يستمر معهم بنية العشاء، لأن نية الصلاة المعينة فريضةً كانت أم نافلة لا بد أن تكون من أول الصلاة -أي من تكبيرة الإحرام- وهنا ما نوى صلاة العشاء إلا عندما قام الإمام إلى الرابعة، فلا يصح منه ذلك، فعلى هذا نقول: إذا قاموا إلى الرابعة فإنه ينوي المفارقة ويتشهد ويسلم ويلحق الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.
مداخلة: طيب إذا استمر معهم في العشاء هل يلزمه إعادة العشاء بعد أن يصلي المغرب؟
الشيخ: إذا استمر معهم بنية العشاء فقد قلنا: إنها لا تصح الصلاة؛ لأنه لم ينوها من أولها، وعلى هذا فتقع نافلة ثم يصلي المغرب بعد سلام الإمام ثم يأتي بصلاة العشاء.
الجواب: أولاً: تقدم أن القول الصحيح أنه لا يشترط نية الجمع، وأنه يجوز أن يجمع الإنسان إذا وجد السبب ولو في أثناء الصلاة الأولى.
والمعارضة إذا كان الإنسان يعارض عن تقليد أو عن اجتهادٍ فإنه لا يؤاخذ بذلك من جهة معارضته إذا كان هذا هو ما يستطيعه من تقوى الله عز وجل، وإلا فالواجب على المسلم إذا تبين له الحق أن يتبعه، سواءٌ كان ذلك موافقاً لما كان يعتقده بالأمس أم مخالفاً له؛ لأن المؤمن لا يتم إيمانه حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا عارضهم هذا المسلم وهو يعتقد أن هذه المعارضة صحيحة وأنها هي دين الله التي يقابل بها ربه يوم القيامة، فإن له ما اعتقد، ولا يلزم أحدٌ بالقول باجتهاد أحدٍ إذا لم تقم الحجة البينة الظاهرة على صوابه.
وعلى هذا نقول لهذا المعارض: لا حرج عليك إذا لم تجمع وأنت ترى أنه لا يصح الجمع، ولكن نرى أن الأولى أن تصلي مع الجماعة بنية النافلة؛ لأن الشذوذ عن جماعة المسلمين أمرٌ لا ينبغي، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من صلى في رحله وأدى الفريضة ووجد جماعة أن يصلي معهم، وقال: ( إنها نافلة ).
فالذي نرى: أن يصلي معهم وينويها نافلة، وإذا دخل وقت العشاء صلى العشاء.
الجواب: إذا شك الإمام في ترك التشهد الأول فقد شك في ترك الواجب، هل أتى به أم لم يأتِ به.
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، أي: فيما إذا شك المصلي في ترك واجبٍ: كالتشهد الأول، والتسبيح في الركوع أو السجود، هل يجب عليه سجود السهو أو لا يجب؟
فقال بعض العلماء: إنه لا يجب عليه أن يسجد للسهو؛ معللين ذلك: بأنه قد شك في سبب وجوب السجود والأصل عدم وجود السبب.
وذهب آخرون إلى أنه يجب عليه سجود السهو إذا شك في ترك الواجب، أي: إذا شك هل سبح أم لم يسبح هل تشهد التشهد الأول أم لم يتشهد؟ فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو وعللوا ذلك: بأن الأصل عدم فعل هذا الواجب، وإذا كان الأصل عدم فعل هذا الواجب وجب عليه سجود السهو جبراً لما نقص، وهذا القول أصح وأحوط؛ لأن تعليله أقوى ولأنه أبرأ للذمة.
مداخلة: قولكم: الأصل عدم فعل هذا الواجب نريد تفسيراً له؟
الشيخ: يعني: مثلاً الإنسان شك: هل جلس للتشهد الأول وتشهد أم لم يجلس، فهل الأصل الجلوس أنه جلس وإلا الأصل عدم الجلوس؟
طبعاً إذا شككنا في وجود شيء أو عدمه فالأصل العدم هذا الأصل، وعلى هذا فالأصل: عدم الجلوس فيسجد، ولكن نلاحظ أنه إذا كان الإنسان كثير الشكوك فإنه لا يعتبر هذا الشك؛ لأن كثرة الشكوك تؤدي إلى الوسواس، فإذا أعرض عنها الإنسان وتركها فإن ذلك لا يضره؛ لأن الشك لا يعتبر إذا كثرت الشكوك مع الإنسان لا في صلاته ولا في وضوئه، وكذلك إذا كان الشك بعد فراغه من العبادة فإنه لا يعتبر إلا إذا تيقن ما شك فيه.
الجواب: لا أعلم في ذلك دعاءً مشروعاً للإمام ولا لغيره بعد انتهاء إقامة الصلاة، وإنما المشروع للإمام أن يحرص على تسوية الصفوف وإقامتها على الوجه المشروع بالتراص وتكميل الصف الأول فالأول.
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيراً من الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية قد فرطوا في هذه المسألة، فتجد الكثير منهم يلتفت يميناً وشمالاً استووا استووا يقولها كلمةً عابرة كأنها ليس لها معنى، فهو يقول هذه الكلمة ولو كان الصف مستوياً، وهو يقولها ولا يحاول تعديل الصف المعوج إذا رآهم معوجين وإنما يكتفي بها، وهذا من التفريط وعدم الحرص على اتباع السنة في ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على تسوية الصفوف حتى كأنما يسوي بها القداح عليه الصلاة والسلام حتى إنه رأى رجلاً بادياً صدره ذات يوم فغضب، وقال: ( عباد الله! لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم).
وكان عليه الصلاة والسلام يمسح صدور أصحابه ومناكبهم ليسووا صفوفهم، وكان يكبر إذا رآهم قد استووا.
كل هذه الأشياء التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم نرى كثيراً من الأئمة يهملونها، فيكبرون وهم لا يرون أن الصف قد اعتدل أو استوى كما ينبغي.
فنصيحتي لهم: أن يحرصوا على هذه الأمور وغيرها مما يتعلق بالصلاة ليكونوا أئمةً وقادة وموجهين وناصحين.
مداخلة: إذن ليس للإمام مثلاً وقوف بمقدار الفاتحة يدعو فيها بينه وبين نفسه؟
الشيخ: لا أعلم في هذا سنة، والذي ينبغي كما أشرنا إليه: أن يحرص في هذا المقام على تسوية الصفوف ثم يكبر؟
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر