الحياة السعيدة ولا أقصد السعادة بالمال والجاه، وإنما أقصد تلك السعادة التي تأتي من النفس، أي: أن يكون الإنسان مرتاحاً من الناحية النفسية.
ثانياً: الحياة الذليلة وأقصد به الذل النفسي، أي: أن يكون الإنسان ذليلاً من الناحية النفسية، والسؤال: لماذا يخلق الإنسان ذليلاً في أمة الإسلام، حيث قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] ، وذكر عدة آيات منها قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182]، وعدة آيات، يقول: هل نستطيع أن نعتبر أن الذين خلقهم الله أذلاء من الناحية النفسية لم تشملهم هذه الرحمة الواسعة ولا تزال قلوبهم ونفوسهم تعيش في الظلمات ولم تر النور، ونعتبر هذا ظلماً لهم من الله سبحانه وتعالى؟
الجواب: هذا السؤال الذي سأله الأخ يتعلق بمسألة عظيمة وهي مسألة القضاء والقدر التي ينقسم الناس فيها إلى قسمين: منهم من وفق للاستقامة، ومنهم من اختار الضلالة، وهذا هو محط الإشكال عند كثير من الناس: كيف يكون هذا ضالاً وكيف يكون هذا مهتدياً؟ ولكننا ننبه على نقطة مهمة في هذا الباب، وهي: أن من كان ضالاً فإن سبب ضلاله هو نفسه، لقول الله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] ، ولقوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث أصحابه بأن كل إنسان قد كتب مقعده من الجنة والنار، فقالوا: أفلا نتكل يا رسول الله وندع العمل قال: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ثم تلا هذه الآية: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7].
وعلى هذا فنقول: هؤلاء الذين وصفهم السائل بأنهم أذلاء إنما أذلتهم المعصية ولم يكتب لهم الهدى بسبب أنهم هم الذين تسببوا للضلالة حيث لم تكن إرادتهم صادقة في طلب الحق والوصول إليه وفي العمل به بعد وضوحه وبيانه، ولو أنهم كانوا حسني النية وصادقي العزيمة لوفقوا للحق؛ لأن الحق بين ميسر: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7]، فالذي أنصح به هذا الأخ ومن على شاكلته ممن أشكل عليهم هذا الأمر أن يرجعوا إلى أنفسهم أولاً ويحسنوا نيتهم ويصححوا عزيمتهم حتى تكون النية سليمة والعزيمة صادقة في طلب الحق، وحينئذ فأنا ضامن أن يوفقوا له؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي وعد بذلك فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:7] ، وتأمل أن الآية جاءت بالسين الدالة على قرب مدخولها وعلى تحقق مدخولها أيضاً؛ لأن السين كما هو معلوم تدل على هذين المعنيين: قرب مدخولها وتحققه، ولكن البلاء من أنفسنا، وأتلو الآن أيضاً قول الله تبارك وتعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] ، فإن هذا النسيان يشمل الذهول الذي هو ذهول القلب عن المعلوم، وكذلك النسيان الذي هو بمعنى الترك، فهم تسلب علومهم، ولا يوفقون إلى العمل الصالح بسبب نقض الميثاق.
مداخلة: لكن هؤلاء أذلتهم المعصية وأيضاً ذكرتم الآية الأخيرة والتي نزلت فيما أعتقد في بني إسرائيل الذين قال الله تعالى فيهم: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13]، نجد الآن من الذين ينتسبون إلى للأمة الإسلامية أذل من الذين جاهروا بالكفر وانتهجوا هذا المنهج؟
الشيخ: صحيح هذا، وذلك أن الحق عليهم في الاستقامة أوكد من الحق على أولئك، ومعلوم أن من تدنس بالأرجاس وهو من أهل الولاية أشد ممن تندس بها وهو ليس من أهل الولاية، فكلما قوي حق الله على العبد حق الله على المسلمين أعظم من حقه على أولئك الكافرين، ولهذا يلزمون بشرائع الإسلام فإنه إذا تمرد كان أشد وأعظم، ولهذا إذا تمت النعمة على العبد صار مخالفته أشد وأعظم، ومن ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب إليهم: ومنهم الأشيمط الزاني، لأنه لا داعي له إلى الزنا بل هو إلى الاتعاظ والبعد عن هذا أولى، فلذلك عظم إثمه، فهؤلاء الأذلة من المسلمين لأنهم يجب عليهم من حق الله سبحانه وتعالى والاستقامة أكثر مما يجب على أولئك، فلهذا كانت مخالفتهم أعظم من مخالفة أولئك، وكان الذل إليهم أقرب، وقد مثل بعض العلماء شبيه هذه المسألة بحاشية الملك والبعيدين عنه، فقال: إن مخالفة حاشية الملك للملك أشد وأعظم وقعاً من مخالفة الأباعد، هكذا المسلمون مخالفاتهم تكون أعظم من غيرهم، فلذلك كان جزاؤهم أشد من غيرهم.
الجواب: يقبل الله تبارك وتعالى التوبة من كل تائب من ذنب إذا صدقت التوبة وتمت شروطها الخمسة:
الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يكون الحامل له على توبته الإخلاص لله فقط لا طلب دنيا أو مال.
والثاني: الندم على ما وقع منه من الذنب؛ لأن الندم دليل على صدق التوبة.
والثالث: الإقلاع عن الذنب في الحال، ومنه أداء الحقوق إلى ذوي الحقوق إذا كانت الحقوق للآدميين.
والشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل.
والشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقتها وذلك قبل طلوع الشمس من مغربها على وجه العموم وقبل أن يحضر أجل الإنسان على وجه الخصوص، ولهذا قال الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18]، فإذا تمت هذه الشروط فإن الله تعالى يقبلها مهما عظم، لقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
مداخلة: هل يمكن أن نقول: إن المسلم الذليل تطلب منه التوبة عن ذلته وهل تعتبر الذلة أيضاً معصية؟
الشيخ: الذلة أثر من آثار المعاصي، عقوبة وليست هي المعصية، بل المعاصي من فعل العبد والذلة من قضاء الله وقدره عليه بسبب معاصيه، ويمكن أن يتوبوا من المعاصي فتعود إليهم العزة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] ، والإيمان وصف فوق وصف مطلق الإسلام: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، فالآن هذه الآية التي كانت في الأعراب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تنطبق اليوم على كثير من المسلمين حاضرتهم وباديتهم، يقولون: آمنا ولكن في الحقيقة نقول لهم: قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم، وذلك لكثرة المعاصي والمخالفات التي تنقص من إيمانهم، فنحن نقول: يمكن أن تعود العزة إلى المسلمين اليوم إذا كانوا مؤمنين ورجعوا إلي دينهم حقاً، فإن الله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين.
الجواب: تلاوة غير القرآن الكريم من الكتب السابقة تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون التالي عالم بالشريعة، ويتلوها ليقيم الحجة على معتنقيها بصدق ما جاء به الإسلام، فالتلاوة هنا وسيلة إلى أمر محمود فتكون محمودة.
والقسم الثاني: أن تكون التلاوة من عامي لا يعرف فيقصد الاهتداء بهذه الكتب فهذه التلاوة حرام عليه؛ لأنه لا يجوز أن يسترشد بالكتب السابقة وعنده هذا القرآن الكريم الذي كان مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليها، ولا يجوز الاهتداء بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو خلاصة الجواب في مسألة مطالعة كتب غير المسلمين.
الجواب: تزوجك منها حلال ولا بأس به؛ لأنه ليس ثمت مانع شرعي، ولكن ينبغي أن تحاول الإصلاح بينك وبين عائلتك ما أمكن، فإذا لم يمكن الإصلاح بينك وبينهم فإني أرى أن النساء سواها كثير وأن تتزوج بامرأة تلائم أهلك ويحصل فيها الخير الكثير ولكن إذا لم تجد من.. وعلى رغبتك إلا هذه المرأة فلا حرج عليك أن تتزوجها، ثم بعد ذلك تحاول إرضاء عائلتك.
الجواب: الريال السعودي مقدار النصاب ستة وخمسون ريالاً من الفضة أو ما يعادلها من الأوراق النقدية، أما بالنسبة للدينار العراقي أو الكويتي فلا أدري عنه شيئاً، ولكن السائل يقول: بإمكاني أن أعرف مقداره منهما إذا عرفت مقداره بالريال السعودي.
مداخلة: لكن بالنسبة ألا يخرج مثلاً ربع العشر؟
الشيخ: لا. هو يسأل عن مقدار النصاب لا عن مقدار الواجب، أما مقدار الواجب فهو ربع العشر في الجميع أي مال في أي نقد كان أو في أي عروض تجارة ولكن هو يسأل عن مقدار النصاب.
الجواب: مقدار زكاة الفطر: صاع من طعام، والصاع النبوي زنته كيلوان وأربعون غراماً، من الرز أو غيره من طعام الناس. ولا يجوز إخراجها من غير الطعام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من تمر أو شعير وكان ذلك الوقت هو طعامهم كما قال أبو سعيد : ( كان طعامنا يومئذ الشعير والتمر والزبيب والأقط)، ولم يكن البر شائعاً كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم يأت فيه نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كثر في عهد معاوية رضي الله عنه جعل نصف صاع منه يعدل صاعاً، ولكن أبا سعيد خالفه في ذلك، وقال: أما أنا فلا أزال أخرجه -أي: الصاع- كما كنت أخرجه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب مع أبي سعيد رضي الله عنه أنه صاع من أي طعام كان.
وأما بالنسبة للوقت المناسب لإخراجها فهو صباح العيد قبل الصلاة؛ لأن ذلك وقت الانتفاع بها؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه: ( أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم)، ولكن مع ذلك يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز إخراجها قبل ذلك، خلافاً لمن قال من أهل العلم: إنه يجوز أن تخرج بعد دخول شهر رمضان؛ لأن الزكاة تسمى زكاة الفطر من رمضان، فهي مضافة إلى الفطر وليست مضافة إلى الصيام، ولولا أن الله سبحانه وتعالى يسر على عباده لقولنا: لا يجوز إخراجها بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، ولكن الأمر فيه سعة في اليوم واليومين؛ لأن ذلك لا يتغير فيه الأمر غالباً.
وأما إخراجها عمن يعول من الأولاد فهذا ليس بلازم، وإنما هو على سبيل الاستحباب فقط، وإلا فكل إنسان مطالب بما فرض الله عليه، لقول ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين، ولكن إذا أخذ رب العائلة الفطرة عنهم جميعاً وهم يشاهدونه ووافقوا على ذلك فلا حرج عليهم ولا عليه في ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر