الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أقول: إن التقدم في الصف الأول فالأول هو المشروع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وحثهم على ذلك، وقال: ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى)، أي: العقول البالغين، ولكن المقصود بالتقدم هو تقدم الإنسان بنفسه إلى المسجد حتى يحصل على فضيلة التقدم.
ثم من المهم أيضاً أن يحرص الناس على تكميل الصف الأول فالأول، فإن الإنسان إذا أكمل الصف الأول فالأول صار كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم عن الملائكة وهي تصف عند الله عز وجل.
ومن المهم أيضاً في هذا المقام: تسوية الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تسويتها حتى خرج ذات يوم وقد عقل الصحابة عنه ذلك، فرأى رجلاً بادياً صدره، فقال صلى الله عليه وسلم: ( عباد الله! لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، أي: بين قلوبكم ووجهات نظركم، وهذا وعيد شديد فيمن لم يسوِ الصفوف.
ومن المهم أيضاً في هذا الباب: التراص، بحيث لا يكون في الصف خلل وفرج، فإن الشياطين تدخل من بين المصلين إذا كان في الصف خلل وفروج، وكل هذه الأمور يخل بها الناس، وذلك لقلة الوعي، وقلة الإرشاد، وقلة ملاحظة الأئمة في ذلك، فإن كثيراً من الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية لا يعدو أن يكرر كلمة عابرة بقوله: استووا اعتدلوا استقيموا وما أشبه ذلك، من غير أن يتفقد الصف بنظره، ويسويه تسوية حقيقية، إذا رأى متقدماً قال: تأخر، أو متأخر قال: تقدم، ومن غير أن ينظر إلى إتمام الناس للصف الأول فالأول، ومن أجل هذا صارت هذه الكلمة لا تحرك في المأمومين ساكناً ولا تهمهم، وكأنها كلمة تقال، حتى أني بلغني أن رجلاً أراد أن يصلي بشخص وليس معهما سواهما، فلما أقيمت الصلاة التفت هذا الرجل وقال: استووا اعتدلوا، مع أنه ليس وراءه أحد، لكنها كانت كلمة تقال.
ومن هذا أيضاً: أنه إذا كان إمام ومأموم ليس معهما غيرهما، فإن السنة أن يقف المأموم على يمين الإمام، وأن يكون محاذياً له لا متأخراً عنه، خلافاً لما يفهمه بعض الناس من أنه ينبغي أن يتأخر المأموم عن الإمام قليلاً فيما إذا كانا اثنين، وليس هذا بصواب، لأنهما إذا كانا اثنين صارا صفاً، والصف ينبغي فيه التسوية.
هذه أمور نبهت عليها وإن لم ترد في السؤال لكن لأنها مهمة جداً، وأول من يخاطب بها في الحقيقة الإمام.
أما بالنسبة لوضع العصا والحذاء وما أشبهها في مكان الإنسان، فهذا إن كان الإنسان يضعها ثم يخرج إلى بيته أو إلى سوقه، ويبقى إلى قرب الصلاة ثم يأتي، فهذا محرم عليه ولا يجوز له؛ لأن الأماكن المعدة للعبادة إنما هي لمن سبق بنفسه، ولهذا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: ألا نبني لك -يعني: خيمة في منى- فقال صلى الله عليه وسلم: ( منى مناخ من سبق)، فدل هذا على أن الأماكن المعدة للعبادة الناس فيها سواء، ولا يجوز لأحد أن يتحجر منها شيئاً.
أما إذا كان الذي وضع العصا أو الحذاء أو المنديل أو السجادة موجود في المسجد، لكنه يحب أن يبتعد لأجل أن يراجع كتاباً أو يدرس أو يقرأ أو يصلي، ثم إذا رأى أن الصفوف قد وصلت إلى مكانه تقدم إليه وجلس فيه، فإن هذا لا بأس به، ولكن يُلاحظ الحذر من فعل بعض الناس في هذه الحال، فإنه يضع حذاءه أو عصاه في هذا المكان ويذهب في ناحية من المسجد، ويتأخر إلى قرب مجيء الإمام بحيث يجئ إلى مكانه يتخطى رقاب الناس، وهذا أمر يجب الحذر منه؛ لأنه أذية، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتخطى رقاب الناس، فقال: ( اجلس فقد آذيت).
إذاً: خلاصة الجواب أن نقول: إن وضع الإنسان هذه الأشياء وهو في المسجد فلا حرج عليه، لكنه يجب أن يُلاحظ عدم تخطي الناس، وإن كان وضعها وخرج فإن ذلك لا يجوز.
الجواب: هذا العمل ليس بجائز، بل هو ربا، إلا أنه رباً مُغَلَّف بالخيانة والخداع لله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهذا هو الربا الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، إذا حل الدين قال صاحب الحق للمدين: إما أن توفي وإما أن تربي، فإذا أربى وحل مرة ثانية أربى عليه مرة ثانية وثالثة وهكذا، وهذا هو المشار إليه في قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130] ، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] ، فهذا عمل خبيث؛ لأنه جامع بين الربا والخداع، فهو بمنزلة فعل المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، هذا أظهر أن معاملته معاملة سليمة، وكأنها بيع وشراء في قطم هذا الهيل، وهي في الحقيقة عين الربا، إلا أنه متحيل عليه، والمتحيل على محارم الله أعظم جرماً ممن يفعلها على وجه صريح؛ لأنه يجمع بين مفسدة هذا المحرم، وبين مفسدة الخداع لله سبحانه وتعالى، وهذا من الاستهزاء بالله والتحدي له، ولهذا قال أيوب السختياني رحمه الله في هؤلاء المتحيلين: (يُخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون). وهؤلاء المخادعون على الربا في مثل هذه الصورة أو في غيرها من الصور، لا يمكن أن ينزعوا عما هم عليه؛ لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه سليم، والمعتقد بأن ما هو عليه سليم لا يمكن أن ينزع عنه، فهم يقولون كما يقول المنافقون: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] فلا يكادون ينزعون عن فعلهم، أما الذي يأتي الربا صريحاً فإنه يعرف أنه ارتكب محرماً، وتجد دائماً هذا الفعل بين عينيه، تجده خجلاً من الله عز وجل، يتذكر ذنبه كل ساعة، ويمكن أن يحدث توبة، أما هذا فهو على العكس، وهذه مفسدة عظيمة تحصل لمن يرتكبون محارم الله بالحيل.
وهذه المسألة يظن بعض طلبة العلم أنها مسألة التورق التي اختلف فيها أهل العلم، وأباحها الفقهاء في المشهور من مذهب الإمام أحمد ، وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية يحرمها ويجزم بتحريمها، ويُراجع في ذلك ولكنه يأبى إلا أنها حرام -أعني مسألة التورق-، لكن هذه المسالة ليست كمسألة التورق، ولا يمكن أن تقاس عليها؛ لأنها رباً صريح، ومسألة التورق هي كما قال الفقهاء في تصويرها: أن يحتاج رجل إلى دراهم فيشتري سلعة من شخص تساوي مائة بمائة وعشرين إلى أجل، ثم يأخذها ويتصرف فيها ويقضي حاجته بقيمتها، أما هذا فإنهم قد اتفقوا صراحة على المراباة قبل أن يحدث هذا العقد الصوري الذي ليس بمقصود، وبينهما فرق، ولهذا لما ذكر شيخ الإسلام مسألة التورق ذكر فيها قولين عن أهل العلم، ولكنه لما ذكر هذه الصورة أن يتفق شخص مع آخر على أن يعطيه العشرة بثلاثة عشر أو أحد عشر أو ما أشبه ذلك، قال: إن هذه من الربا بلا ريب، ولم يحكِ فيها خلافاً، فدل هذا على الفرق بين المسألتين، وما ذكره السائل هو أعظم مما قلت أيضاً؛ لأنه صريح أنه يرغم هذا المعسر على الربا، مع أن الله يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] ، فأوجب الله تعالى إنظار المعسر، أما هذا فإنه عصى الله فلم ينظره، ولم يرحم هذا الفقير، بل زاد عليه الدين.
وعلى كل حال فنصيحتي لإخواني التجار أن يقلعوا عن هذه المعاملة إلى ما أباح الله لهم من أنواع التجارات، من المضاربات والمشاركات وغيرها حتى يخرجوا من الدنيا بسلام ولا يحملوا أنفسهم نار هذه الدراهم وغرمها، ويكون لغيرهم ثمارها وغنمها.
الجواب: هذا فيما نرى لا يجوز بذل الدراهم فيها، بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يشتري مثل هذه الصور المحنطة؛ لأنها ليست مقصودة قصداً شرعياً، إذ ليس فيها فائدة لا في الدين ولا في الدنيا، وإنما هي مناظر لا تفيد شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يبذل الدراهم في شراء مثل هذه الصور المحنطة، أما إذا اشتريت هذه الصور المحنطة للعلم والاطلاع على مخلوقات الله والتبصر بما فيها، فهذه منفعة، ولا بأس للإنسان أن يشتريها لهذا الغرض، كالذي يوجد في بعض أمكنة المعامل في المدارس، فهذه لا بأس بها، ولا حرج من شرائها.
الجواب: تفسير هذا الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حث أمته على الاستغفار، وبين أنه لابد من أن يقع الذنب والخطأ من بني آدم، ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، والمغفرة من صفات الله تبارك وتعالى التي هي صفات كمال، وهو سبحانه وتعالى يحب التوابين، ويحب التوبة على عباده، ويحب المستغفرين، ويحب المغفرة لهم، فحكمة الله تعالى تقتضي أن يقع الذنب من بني آدم، ثم يكون الاستغفار وتكون المغفرة بعد ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر