الجواب: الرشوة هي كل ما يتوصل به الإنسان إلى غرضه، مشتقة من الرشا، وهو الحبل الذي يدلى به الدلو ليُستقى به من البئر، وهي في الحقيقة تنقسم إلى قسمين: رشوة يتوصل بها الإنسان إلى باطل لدفع حق واجب عليه، أو الحصول على ما ليس له، فهذه محرمة على الآخذ وعلى المعطي أيضاً، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه لعن الراشي والمرتشي)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا يدل على أنها من كبائر الذنوب، حيث رتُبت عليها هذه العقوبة العظيمة.
والقسم الثاني: رشوة يتوصل بها الإنسان إلى حقه المشروع، أو دفع باطل عنه، وهذه محرمة في حق الآخذ وجائزة في حق المأخوذ منه؛ لأنه يريد أن يتخلص من الظلم، أو يتوصل إلى حقه، وهو غير ملوم على هذا، ولكن إذا حصل مثل هذا في مسئولين من الدولة، فإنه يجب على المواطنين أن يساعدوا الدولة في القضاء على هذه المشكلة بإبلاغ الدولة بما حصل من هذا الجاني الذي جنى على الدولة وعلى المواطنين، حيث منعهم حقوقهم المشروعة، أو حاول أن يُحملهم ما لا يلزمهم بسلطة النظام الذي هو مسئول فيه، أو بسلطة العمل الذي هو مسئول فيه، والدولة لا ترضى بهذا، ولا سيما هنا في المملكة العربية السعودية، فإن الدولة كما بلغني تحارب هذا محاربة بالغة عظيمة، وحق لها أن تفعل؛ لما فيه من اختلال النظام والظلم وإضاعة الحقوق، فالدولة في هذا مشكورة، ولكن التقصير منا نحن المواطنين، فإن كثيراً من الناس تغلبهم العاطفة بالنسبة لهذا المسئول ولا يحبون أن يوقعوه تحت يدي العدالة التي تنكل به، وتمنع هذا الغشم والظلم منه، ثم إن بعض الناس أيضاً يقول: إن هذا يطول علي، كوني أرفع الأمر إلى الدولة، يكون فيه سؤال وجواب وتطويل، وأنا لست بمسئول عن هذا، وفي الحقيقة أنه مسئول عن هذا؛ لأن الدولة إذا بلغها هذا الخبر من هذا الشخص، وثبت عندها فإنها سوف تنكل به، تجعله نكالاً لمن قبله ولمن بعده ولمن وراءه من المسئولين، وبهذا تحصل الفائدة العظيمة للدولة وللمسئولين أنفسهم، حيث يتورعون عن هذا العمل المشين المحرم.
وخلاصة الأمر أن الرشوة قسمان: رشوة محرمة على الآخذ والمعطي، وهي التي يتوصل بها إلى إثبات باطل أو دفع حق، ورشوة محرمة على الآخذ دون المعطي، وهي التي يتوصل بها المعطي إلى حقه، أو دفع الظلم عنه، ولكن مع ذلك إذا كان هذا موجوداً فإنه يجب أن يُرفع للمسئولين في الدولة، حتى يلقى هذا المجرم جزاءه.
وأما سؤال السائل عن الهدايا فنقول له: إن الهدايا للمسئولين في قضية من القضايا التي لك فيها حظ نفس، هي في الحقيقة من الرشوة، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلاً يقال له: عبد الله بن اللتبية عاملاً على الصدقة، فلما رجع قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وقال: ( إنا نستعمل الرجل منكم على العمل فيأتي ويقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فيُنظر هل يُهدى له أم لا)؟! وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( هدايا العمال غلول)، وهذا وإن كان في سنده ما فيه لكنه يؤيده حديث عبد الله بن اللتبية الذي أشرنا إليه، فالهدايا للعمال والموظفين في قضية تتعلق بك لأجل أن يسهلوها لك، هي من الرشوة في الحقيقة، فلا يجوز للإنسان أن يستعملها لأنه يرشيهم، إلا على الوجه الذي ذكرناه قبل، إذا كان يريد أن يتوصل إلى حقه ولم يصل إليه إلا بذلك، فإنه يكون مباحاً له وحراماً على الآخذ، ومع ذلك فإننا لا نشجعه على هذا العمل، بل نرى أنه من الواجب عليه أن يرفع هذا وأمثاله إلى المسئولين.
مداخلة: إذاً: هو غير جائز، المُهِدي والمُهَدى إليه؟
الشيخ: هو إذا اضُطَر المُهْدي إلى هذا ولم يتمكن من الوصول إلى حقه إلا بذلك، فهو في ضرورة، لا يمكن أن يضيع حقه، ويكون الإثم على الآخذ، ولكن إذا أمكن أن يرفع الأمر إلى السلطات فتُعاقب هذا الرجل، وتعطي صاحب الحق حقه، فهو الواجب عليه.
مداخلة: لكن هل يجوز له أن يدفع مثلاً ليأخذ حقه ثم يسكت أيضاً ما يرفع بهذا المسئول؟
الشيخ: يجب أن يرفعه للمسئولين حتى يجرى عليه الجزاء اللازم.
الجواب: حكم هذا الأمر أنه عمل مُحَدث لم يكن من عمل السلف الصالح، ولا شك أن الدعاء من العبادة، فإحداث دعاء على هيئة معينة، وفي وقت معين بدون إذن من الشارع، هو من إحداث العبادة التي ليست في دين الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة)، وهذا العموم المحاط بكل لا مخصص له أبداً، ودعوى من قال: إن الحديث على إضمار محذوف: كل بدعة سيئة فهي ضلالة، هذه الدعوة باطلة يبطلها لفظ الحديث ومعناه؛ لأن اللفظ الأصل فيه أنه متكامل لا يحتاج إلى إضمار ولا حذف، وأما المعنى فإنه لو قيل: كل بدعة سيئة ضلالة، لم يكن لكلمة بدعة فائدة إطلاقاً؛ لأن السيئ ضلالة، سواء كان مبتدعاً أو غير مُبتدع، حتى لو كان هذا السيئ من الأمور المنصوص عليه، كالربا والزنا وما أشبه ذلك، قلنا: إنه سيئ، مع أنه ليس بمُبتدع؛ لأنه ذكر حكمه في الشرع وبين، فالمهم أن الذين أضمروا أو قالوا: إن في الحديث إضماراً، قولهم مردود بمقتضى اللفظ والمعنى، وعلى هذا فالدعاء الذي ذكره الأخ السائل الذي يجمع في أسبوع أو في الأربعين يوماً هو من هذا النوع، يكون بدعة وضلالة.
دليل هذا من القرآن الكريم قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [الشورى:21] ، فدل هذا على أنه لا يمكن لأحد أن يأذن أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله، وأن من شرع من الدين ما لم يأذن به الله فقد جعل نفسه شريكاً مع الله، وجعل أتباعه مع الله شريكاً في العبادة، ومشروعية العمل لعباد الله.
وأما من السنة فهو ما أشرنا إليه من قوله صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة)، وهذا القول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب به يوم الجمعة، ليبين للناس أن هذا الأمر خطير، لما فيه من الاعتداء على الله ورسوله، وعدم الأدب مع الله ورسوله، وانتقاص الشريعة حيث أكملها بما زعم أنه حسناً, ولو كان ذلك حسناً لكان مشروعاً, فهذا يتضمن انتقاص الشريعة أيضاً, وكذلك أيضاً يتضمن أن الرسول عليه الصلاة والسلام إما قاصر وإما مقصر؛ لأنه إن كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري عن حكم هذه المسألة التي شرعها هذا الرجل، فهو قاصر، وحاشاه من ذلك, وإن كان يدري ولم يبلغها لأمته فهو مقصر أيضاً, وحاشاه من ذلك.
فالمهم أن جميع البدع في الحقيقة كلها تتضمن القدح في الدين, والاعتداء على الله ورسوله, والتقدم بين يدي الله ورسوله, وهي أيضاً إما أن يدعي مبتدعوها أن لهم دليلاً أو لا يدعون, فإن كانوا لا يدعون دليلاً فهي باطلة من أصلها؛ لأنه لا دليل عليها, وإن ادعوا دليلاً لها من كتاب أو سنة قلنا لهم: هذا الدليل الذي ادعيتموه إما أن يكون مستلزماً لما قلتم من المشروعية، أو غير مستلزم, فإن كان غير مستلزم لما قلتم من المشروعية, فلا دليل فيه لكم, وإن كان مستلزماً لزم أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام جاهلاً بدلالته, أو عالماً بها ومقصراً في عدم فعلها, وعدم الدعوة إليها, وحينئذ يستلزم أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام إما قاصراً في علمه, أو مقصراً في دعوته وعمله, وعلى كل حال فلا خير في البدع, وبهذا يعرف بلاغة الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله العام الشامل: ( كل بدعة ضلالة).
الجواب: هذا الكتاب الذي ذكره هو في القرآن أيضاً؛ لأن الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] ، ثم قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وهذا النكاح يتم إذا كان نكاح الزوج الثاني نكاح رغبة لا نكاح تحليل، أي: أنه تزوجها رغبة فيها, ثم بعد ذلك مات عنها، أو رغب عنها، ولم يُوفق في البقاء معها، فحينئذ إذا انتهت عدتها منه تحل للزوج الأول, ولابد في هذا النكاح الثاني من الوطء بحيث يجامعها فعلاً, فإن طلقها قبل الجماع ولو مع المسيس والتقبيل, فإنها لا تحل للأول, لأن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأن رفاعة طلقها, وأنها تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب, فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتريدين أن ترجعي إلى
ونكاح التحليل معناه أنه يقصد بهذا النكاح أن يجامعها ثم يطلقها في الحال لأجل أن تحل للزوج الأول، وليس له غرض في هذه المرأة، إنما غرضه مصلحة الزوج الأول فقط، فنقول في هذه الحال: لا تحل للزوج الأول؛ لأن نكاح التحليل باطل، فإن النكاح لابد أن يكون نكاح رغبة يقصد به الالتئام بين الزوجين، وهذا ما أراده, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى)، ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لعن الله المحلل والمحلل له).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر