الجواب: قبل الجواب على سؤال الأخ أود أن أبين أن لأصحاب القبور حقوقاً لأنهم مسلمون، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوطأ على القبر وأن يجلس عليه، وقال: ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر )، وكما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن امتهان القبور فإنه نهى أيضاً عن تعظيمها بما يفضي إلى الغلو والشرك، فنهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه.
وهذه القضية التي ذكرها السائل عن هذه المقبرة القديمة التي أصبحت ممراً وطريقاً للمشاة والسيارات ومرعىً للبقر والمواشي يجب عليهم أن يرفعوا أمرها إلى ولاة الأمور لاتخاذ اللازم في حمايتها وصيانتها وفتح طرق حولها يعبر الناس منها إلى الجهات الأخرى، والحكومة وفقها الله لا تقصر في هذا الأمر، وعلى الرعية أن يبينوا للحكومة ما يكون فيه مصلحة الإسلام والمسلمين ليكونوا متعاونين على البر والتقوى.
الجواب: هؤلاء الذين يدعون أنهم ينفعون أو يضرون كذبة لا يجوز لأحد أن يصدقهم ولا أن يسألهم عن هذه الأشياء، ويجب على من علم بهم أن يبلغ بأمرهم إلى ولاة الأمور ليتخذوا اللازم، فلا أحد يملك النفع والضر إلا الله وحده لا شريك له، حتى النبي صلى الله عليه وسلم قال الله له: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21-22]، وأمره الله أن يقول: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف:188]، ومن زعم أن أحداً يملك الضر أو النفع بغير أسباب حسية معلومة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وإني أقول لهؤلاء الذين يتوهمون صدق ما قاله هؤلاء الدجاجلة: اثبتوا على إيمانكم ودينكم، واعلموا أنه لا يملك أحد الضر والنفع إلا الله وحده لا شريك له، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ ابن عباس : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك )، وفي القرآن الكريم لما ذكر الله السحرة قال: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102].
فالمهم أن هؤلاء كذبة فيما ادعوه من كونهم يملكون النفع والضر، فإن ذلك إلى الله وحده لا شريك له، وعليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يعترفوا بقصورهم وبتقصيرهم وأنهم ضعفاء أمام قدرة الله، وأنهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم فضلاً عن غيرهم، كما لا يملكون لأنفسهم جلب نفع فضلاً عن جلبه لغيرهم إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى.
وعلى من حولهم ممن يتوهمون صدقهم أن يتوبوا إلى الله تعالى في تصديقهم، وأن يعلموا أنهم كذبة ولا حق لهم ولا حظ لهم أيضاً في مثل هذه الأمور.
الجواب: حسب ما ذكره السائل أنه لم يتم الوقف حتى الآن بأن الوقف يتوقف على مشاهدتها للمكان وعلى تنفيذها له، وهذا الأمر لم يحصل، وعليه؛ فإن ذلك يكون ملكاً للورثة إن كان قد تم شراؤه، وإن لم يتم شراؤه فإن الأمر فيه واضح، ولكن ينبغي للورثة في مثل هذه الحال أن يوافقوا على ما نوته هذه الميتة التي ورثوا المال من قبلها لأجل أن يكون النفع لها بعد مماتها فيما نوته من التقرب إلى الله تعالى بمالها.
أما إذا كانت المرأة هذه قد وكلته بالشراء والتوقيف فاشتراه ووقفه وتوقف الأمر على مشاهدتها للاطمئنان فقط فإن الوقف حينئذٍ يكون نافذاً ولا حق لأحد في المعارضة فيه لأنه قد تم بواسطة التوكيل لهذا الوكيل المفوض والذي أمضى ما وكل فيه إلا أنه أراد أن تطمئن هذه الموقفة على المكان الذي عينه ونفذ فيه الوقف.
مداخلة: لو فرضنا أن المضي في إثبات الوقف كان يترتب على زيارتها تلك فوافق الورثة جميعهم ما عدا زوج هذه البنت، هل يملك الحق في المعارضة؟
الشيخ: زوج البنت لا يملك الحق في المعارضة، لأنه لا حق له في هذا المال، وإنما الحق لزوجته لأنها ابنة المتوفاة، وزوجته أيضاً لا يلزمها طاعته في هذا الأمر، أي: لو قال لها: لا تنفذي هذا فإنه لا يلزمها طاعته فيه؛ لأن الزوجة حرة في مالها، وليس محجوراً عليها فيه، بل هي تتصرف فيه كما شاءت إذا كانت رشيدة، وإذا لم يثبت ما ذكر ببينة -أي: ما ذكره السائل من أن هذه المرأة وكلته على الحصول على أرض توقفها إذا لم يثبت هذا ببينة- فإنه لابد من تصديق الورثة لدعوى هذا الوكيل، فإن لم يصدقوه لم يثبت شيء.
الجواب: بالنسبة لسؤال المرأة عن قوله تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل:88] فهذه الآية في يوم القيامة، لأن الله ذكرها بعد ذكر النفخ في الصور، وقال: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل:87-89] فالآية هذه في يوم القيامة بدليل ما قبلها وما بعدها، وليست في الدنيا.
وقوله: تَحْسَبُهَا جَامِدَةً [النمل:88] أي: ساكنة لا تتحرك، ولكنها تمر مر السحاب لأنها تكون هباءً منثوراً يتطاير.
وأما الاستدلال بها على صحة دوران الأرض فهذا الاستدلال غير صحيح لما ذكرنا من أنها تكون يوم القيامة.
ومسألة دوران الأرض وعدم دورانها الخوض فيها في الواقع من فضول العلم؛ لأنها ليست مسألة يتعين على العباد العلم بها ويتوقف صحة إيمانهم على ذلك، ولو كانت هكذا لكان بيانها في القرآن والسنة ظاهراً لا خفاء فيه، وحيث أن الأمر هكذا فإنه لا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في الخوض بذلك، ولكن الشأن كل الشأن فيما يذكر من أن الأرض تدور وأن الشمس ثابتة وأن اختلاف الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول الشمس؛ فإن هذا القول باطل يبطله ظاهر القرآن، فإن ظاهر القرآن والسنة يدل على أن الذي يدور حول الأرض أو يدور على الأرض هي الشمس، فإن الله يقول في القرآن الكريم: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس:38] فقال: (تَجْرِي) فأضاف الجريان إليها، وقال: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17] فهنا أربعة أفعال كلها أضافها الله إلى الشمس: إذا طلعت تزاور، إذا غربت تقرضهم، هذه الأفعال الأربعة المضافة إلى الشمس ما الذي يقتضي صرفها عن ظاهرها وأن نقول: إذا طلعت في رأي العين وتتزاور في رأي العين، وإذا غربت في رأي العين وتقرضهم في رأي العين، ما الذي يوجب لنا أن نحرف الآية عن ظاهرها إلى هذا المعنى سوى نظريات أو تقديرات قد لا تبلغ أن تكون نظرية لمجرد أوهام، والله تعالى يقول: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ [الكهف:51] والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلاً، وإذا كان يجهل حقيقة روحه التي بين جنبيه كما قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85] فكيف يحاول أن يعرف هذا الكون الذي هو أعظم من خلقه، كما قال الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر:57].
فنحن نقول: إن نظرية كون اختلاف الليل والنهار من أجل دوران الأرض على الشمس هذه النظرية باطلة لمخالفتها لظاهر القرآن الذي تكلم به الخالق سبحانه وتعالى، وهو أعلم بخلقه وأعلم بما خلق، فكيف نحرف كلام ربنا عن ظاهره من أجل مجرد نظريات اختلف فيها أيضاً أهل النظر، فإنه لم يزل القول بأن الأرض ساكنة وأن الشمس تدور عليها لم يزل سائداً إلى هذه العصور المتأخرة.
ثم إننا نقول: إن الله تعالى ذكر أنه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، والتكوير بمعنى: التدوير، وإذا كان كذلك فمن أين يأتي الليل والنهار إلا من الشمس، وإذا كان لا يأتي الليل والنهار إلا من الشمس دل هذا على أن الذي يلتف حول الأرض هو الشمس؛ لأنه يكون كذلك بالتكوير.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال لـ أبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: ( أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ) إلى آخر الحديث. وهذا دليل على أنها هي التي تتحرك نحو الأرض لقوله: ( أتدري أين تذهب )، وفي الحديث المذكور قال: ( فإن أذن لها، وإلا قيل: ارجعي من حيث شئتِ، فتخرج من مغربها ) وهذا دليل على أنها هي التي تدور على الأرض، وهذا الأمر هو الواجب على المؤمن اعتقاده عملاً بظاهر كلام ربه العليم بكل شيء دون النظر إلى هذه النظريات التالفة والتي سيدور الزمن عليها ويقبرها كما قبر نظريات أخرى بالية، هذا ما نعتقده في هذه المسألة.
أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا أولاً ينبغي أن يعرض عنها لأنها من فضول العلم، ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتاً أو نفياً لكان الله تعالى يبينها بياناً ظاهراً، لكن الخطر كله أن نقول: إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض، هذا هو الخطر العظيم؛ لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة، ونحن مؤمنون بالله ورسوله نعلم أن الله تعالى يتكلم عن علم، وأنه لا يمكن أن يكون ظاهر كلامه خلاف الحق، ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم كذلك عن علم ونعلم أنه أنصح الخلق وأفصح الخلق، ولا يمكن أن يكون يأتي لأمته بكلام ظاهره خلاف ما يريده صلى الله عليه وسلم، فعلينا في هذه الأمور العظيمة أن نؤمن بظاهر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماً يقينياً بما يخالف ظاهر القرآن فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح، ويمكن أن نقول: إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا يمتري فيه أحد، وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض، أي: أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبداً، إذ أنه لو تعارضا لأمكن رفع أحدهما بالآخر، وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين.
والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض، وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر