الجواب: فهمنا من هذا السؤال أن هذين الزوجين أحدهما وهو الزوج الذكر مسلم بالاسم، حيث كان يقول: إنه مسلم، لكنه لا يصلي ولا يؤتي الزكاة ولا يصوم إلا بعض الشهر، أما زوجته فإنها مسلمة ملتزمة، وهذا الذي حدث للزوج من عدم إقامة الصلاة وعدم إيتاء الزكاة وعدم صيام رمضان إلا بعضه، لا يخلو إما أن يكون قبل العقد، أو بعد العقد، فإن كان قبل العقد فإنه ينبني على القول بكفر تارك الصلاة، فإن قلنا: بأنه يكفر، فإن عقده على المسلمة عقد باطل لا تحل له به، وذلك لأن الكافر لا يحل له أن يتزوج امرأة مسلمة بإجماع المسلمين؛ لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]، وهذا موضع لا خلاف فيه بين المسلمين، في أن الكافر سواء كان أصلياً أم مرتداً، لا يحل له أن يتزوج امرأة مسلمة، وأن عقده عليها باطل ولا إشكال فيه، والقول بأن تارك الصلاة يكفر ولو كان مقراً لوجوبها هو القول الراجح الذي يدل عليه القرآن والسنة، وحكي إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وأحد قولي الشافعي .
أما إذا كان الزوج قد تزوجها وهو مسلم معتدل، ثم حدث له ترك الصلاة والزكاة وبعض صيام رمضان، فإن قلنا بكفره -وهو الصحيح- فإن نكاحه ينفسخ بدون طلاق، فإن تاب ورجع إلى الإسلام وصلى قبل انقضاء العدة إذا كانت قد وجبت عليها العدة لكونه قد دخل بها، فإنها زوجته، وإن انتهت العدة قبل أن يتوب ويصلي، فإنه لا حق له عليها ولا سلطان له عليها، لكن اختلف العلماء هل انقضاء العدة يكون به انفساخ النكاح ولا رجوع له عليها إلا بعقد، أو أن انقضاء العدة يكون به زوال سلطان الزوج عنها، وأنه لو أسلم بعد فله أن يأخذها بالنكاح الأول؟
على خلاف بين أهل العلم، وليس هذا موضع مناقشته وذكر الأدلة، أما إذا عقد عليها وهو مستقيم ولكنه قبل أن يدخل عليها صار تاركاً للصلاة والزكاة وبعض الصيام، فإنه بمجرد تركه للصلاة ينفسخ النكاح، لأن هذا قبل الدخول وليس فيه عدة.
والحاصل أن هذا الزوج الذي ترك الصلاة لا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يكون ذلك قبل العقد، فلا يصح العقد، ولا تحل به الزوجة.
الحال الثانية: أن يكون بعد العقد وقبل الدخول أو الخلوة التي توجب العدة، فهذا ينفسخ النكاح بمجرد تركه للصلاة.
الحال الثالثة: أن يكون بعد الدخول أو الخلوة الموجبة للعدة، فهذا يتوقف الأمر على انقضاء العدة، إن تاب وصلى قبل انقضائها فهي زوجته، وإن لم يفعل، فإذا انقضت العدة فقد تبين فسخه منذ حصلت الردة والعياذ بالله، وحينئذ إما ألا يكون له عدة عليها، وإما أن يكون له رجعة إذا أسلم وأحبت ذلك، على خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة، وكل هذا الذي رجحناه بناء على ما نراه من أن تارك الصلاة يكفر كفراً مخرجاً عن الملة.
وقد تأملت هذه المسألة تأملاً كثيراً، وراجعت فيها ما تيسر من الكتب، وبحثت، فلم يتبين لي إلا أن القول بكفره هو القول الراجح، وأن أدلة من قال بعدم كفره لا تخلو من أربعة أقسام: إما أن يكون لا دليل فيها أصلاً، أو أنها مقيدة بمعنى يستحيل معه ترك الصلاة، أو أنها مقيدة بحال يعذر فيها بترك الصلاة، أو أنها عمومات تكون مخصصة بأدلة كفر تارك الصلاة.
الجواب: متى قلنا بكفره -أي: بكفر تارك الصلاة- فإن الواجب على المرأة أن تذهب عنه، وألا تبقى معه، لأن النكاح قد انفسخ، وإذا كان قد انفسخ فكيف يحل لها أن تبقى مع زوج انفسخ نكاحها منه، ولا حاجة إلى أن نفرض أنه يطلق وأنه يفعل ويفعل، ما دمنا حكمنا بكفره فالأمر فيه واضح، وهذا موضع ليس فيه التباس ولا اشتباه، فإذا تبين للإنسان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، فلا وجه للتوقف في فسخ النكاح لنكاحه زوجته.
الجواب: هذا السؤال يشتمل على ثلاث نقاط؛ النقطة الأولى: إذا أسلم وتاب وأخلص لله عز وجل، فهل توبته مقبولة وهل تعود زوجته إليه؟ سبق أن قلنا: إنه إذا كان موجب الردة قبل الدخول والخلوة الموجبة للعدة، فإن النكاح ينفسخ، وحينئذ لا تحل له إلا بعقد جديد، وإذا كان حدوث ذلك بعد الدخول أو الخلوة الموجبة للعدة، فإن الأمر يقف على انقضاء العدة، إن حصلت له التوبة قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وإن حصلت بعد انقضاء العدة، فأكثر أهل العلم يرون أنها لا تحل له إلا بعقد جديد، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تحل له إذا رجع إليها، وأن انقضاء العدة يسقط سلطانه عليها، ولا يحرمها عليه لو عاد إلى الإسلام، فبناء على هذين الحالين يتبين حكم هذا الرجل بالنسبة إلى رجوعه إلى زوجته.
وأما بالنسبة لما يجب عليه لما مضى، فإن التوبة الخالصة تجب ما قبلها؛ لقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عمرو بن العاص : ( إن الإسلام يهدم ما قبله).
وأما بالنسبة لأولاده، فإن كان يعتقد أن النكاح باقٍ، لكونه مقلداً لمن لا يرى الكفر بترك الصلاة، أو كان لا يعلم أن تارك الصلاة يكفر، فإن أولاده يكونون له ويلحقون به، وأما إذا كان يعلم أن ترك الصلاة كفر، وأن الزوجة لا تحل له مع ترك الصلاة، وأن وطأه لها وطأ محرم، فإن أولاده لا يلحقون به في هذه الحال، وبعد فإن المسألة من المسائل العظيمة الكبيرة التي ابتلي بها بعض الناس اليوم، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعاقبة الحميدة.
الجواب: المرتد ليس كالكافر الأصلي، ولا يعامل معاملة الكافر الأصلي، بل هو أشد منه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد بأي نوع من أنواع الردة لا يعامل كما يعامل الكافر الأصلي، بل إنه يلزم بالرجوع إلى الإسلام، فإن أسلم فذاك، وإن لم يسلم فإنه يقتل كفراً، ولا يدفن مع المسلمين ولا يصلى عليه، وعلى هذا فنقول: إن هذا المرتد لا يمكن أن يعيش، بل إنه إما أن يعيش مسلماً وإما أن يقتل.
الجواب: نعم، ينطبق عليه ذلك، فإذا تاب ورجع إلى الله عز وجل فإنه يكون مؤمناً ومع المؤمنين، كقوله تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
الجواب: فعلك هذا فيه إصابة وفيه خطأ، أما الإصابة فإنكارك على هؤلاء تقديم الصلاة قبل دخول وقتها، وتأخير الصلاة التي يستحب تقديمها إلى آخر وقتها، فإنه لا ينبغي للإمام أن يؤخر الصلاة عن أول وقتها إلا حيث كان المشروع ذلك، ولا يجوز للإمام ولا لغير الإمام أن يقدم صلاة قبل دخول وقتها إلا حيث جاز الجمع، وكذلك أنت مصيب في قولك: إن الأئمة يأخذون مذاهبهم من كتاب الله، وليس بينهم خلاف في الأصول، فالأئمة يأخذون مذاهبهم من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بينهم في أن ما دل عليه الكتاب والسنة هو الواجب وإن خالف أقوالهم، فكلهم رحمهم الله وجزاهم الله خيراً متفقون على أن أقوالهم ليست بحجة، وأن الحجة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن أقوالهم إذا خالفت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الواجب اتباع ما دل عليه الكتاب والسنة، هذا أمر لا خلاف بينهم فيه، وأقوالهم في ذلك مشهورة معروفة.
ولكنك أخطأت في ترك صلاة الجماعة، والواجب عليك أن تصلي مع الجماعة وإن أخروها عن أول الوقت، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل من الصلاة في آخر وقتها، فتقديمها في أول الوقت من باب الأفضل وليس من باب الواجب، لكن الصلاة تصح، أما صلاة الجماعة فإنها واجبة، وعلى هذا فيجب عليك أن تنتظر حتى تصلي معهم وإن أخروها عن أول الوقت، وأما الصلاة التي يقدموها قبل وقتها، فإن كان في تخلفك عنهم شر وفتنة فصلها معهم وانوها نافلة، فإذا دخل الوقت فصل الصلاة في بيتك، ولا حرج عليك في هذا.
الجواب: ما قاله السائل في أن التوبة لا تتم فيما يتعلق بحق العباد إلا بأداء الحق إليهم أو استحلالهم منه، هذا صحيح، والطريق إلى التخلص من حق هؤلاء الذين ظلمتهم به أن ترجع إلى السجلات في الوقت الذي كنت تعمل هنالك، فإذا رجعت عرفت الموظفين الذين تصرف لهم، ثم تتصل بهم وتستحلهم مما صنعت، فإن أحلوك فذاك، وإن لم يحلوك فإنك تتفق معهم على مصالحة، وأي مصالحة تتفقون عليها فإن ذلك جائز، فإن تعذر عليك هذا الأمر، وصار أمراً غير ممكن، فإنك تتصدق بما يغلب على ظنك أنك أخذته منهم، تنوي بذلك الخلاص منه لا التقرب به إلى الله، لأن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما لا يحل لا يكون قربة للفاعل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).
الجواب: إعطاء الأرض لمن يستغلها له ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن يكون بجزء مما يخرج منها، وهذه هي المزارعة، مثل أن يقول: خذ هذه الأرض وازرعها ولي ثلث الناتج أو ربعه أو عشره، أو جزء مشاع منه، على ما يتفقان عليه، وهذه جائزة، وقد عامل النبي عليه الصلاة والسلام أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، ثانياً: أن يعطيه الأرض يزرعها بأجرة معلومة منقطعة عن الخارج منها، مثل أن يقول: خذ هذه الأرض لمدة عشر سنوات كل سنة تعطيني ألف درهم، فهذا أيضا جائز ولا حرج فيه، وقد قال رافع بن خديج رضي الله عنه حين ذكر المزارعة الممنوعة، قال: فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به. والشيء الثالث: أن يعطيه الأرض منحة ينتفع بها الزارع بدون مقابل، هذا أيضاً جائز ولا بأس به، وهو من الإحسان المندوب إليه، فإذا كان هذا الذي أعطى الأرض منحة يأخذ من الزارع شيئاً يؤمن به نفسه، فإن هذا لا بأس به، ولعل هذه المسألة الأخيرة هي التي يقصدها السائل، وحينئذ تكون جائزة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر