إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [223]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تحريم الغش في اللحوم بيعاً ومعاملة

    السؤال: أنا أعمل في ذبح البهائم وبيع لحمها، ونقوم بذبح الأغنام وسلخها في المسلخ الحكومي المعد لذلك بعد أن يختم عليها من قبل المراقبين، والأغنام التي نسلخها من الأغنام المحلية البلدية كما يقال، وهذه قيمتها تزيد عن غيرها من المستورد، ولكنني أقوم بذبح بعض الأغنام المستوردة كالتي ترد من أستراليا أو تركيا مثلاً خفيةً خارج المسلخ وأقوم ببيعها ضمن تلك التي هي من البلد، بينما هي أقل قيمة بكثير، وأنا أبيعها بنصف سعر المحلية لمن يشتري مني دون سؤال، معتمداً على ثقته في، أو على عادتي وما يعرفه عني أنني لا أذبح إلا المحلي، أما من يسألني فإنني أخبره بالصحيح، فما حكم عملي هذا وما حكم المال الذي كسبته بهذه الطريقة؟

    الجواب: تضمن هذا السؤال شيئين:

    الشيء الأول: أن هذا الرجل كان يذبح خارج المسلخ المعد للذبح فيه خفية، وهذا العمل محرم إذا كان الدولة قد أصدرت نظاماً بمنعه؛ لأن فيه مخالفة لولاة الأمور في غير معصية الله، ومخالفة ولاة الأمور في غير معصية الله محرمة، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اسمع وأطع ) ولأن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا، وعلى هذا فعليه أن يتوب إلى الله من هذا العمل ويرجع ويقلع عن فعله هذا.

    أما الشيء الثاني الذي يشتمل عليه هذا السؤال: فهو إدخاله هذا اللحم مع اللحوم البلدية التي هي أرغب عند الناس وأحب إليهم، وهذا من الغش؛ لأنه يجعل هذا اللحم في صفاف اللحم الجيد وهو دونه رغبة ودونه شهية عند الناس، فيكون من الغش، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من غش فليس منا )، فعليه أيضاً أن يتوب من معاملة الناس بالغش، وأن تكون معاملته للناس صريحة بينة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( البيعان بالخيار، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ).

    أما عن كسبه من هذا المال المحرم فالذي أرى أن يتصدق بما يزيد على قيمة اللحم الذي أدخله في اللحوم الجيدة، تائباً إلى الله متخلصاً منه لا متقرباً به إلى الله تعالى؛ لأن هذه الزيادة جاءت نتيجة لفعل محرم، وما كان نتيجة لفعل محرم فإن تحقيق التوبة منه أن يتبرع منه ويبتعد عنه، ونرجو من الله تعالى أن يتوب عليه وأن يهدينا جميعاً للنصح والبيان.

    1.   

    حكم الظهار والطلاق قبل العقد والنهي عن التسرع فيه

    السؤال: شاب يبلغ من العمر تسعة وعشرين سنة، وهذا الشاب أرسل إليه أهله أنهم قد خطبوا له فتاة يعرفها، وعندما وصله الخبر قال: هي علي كظهر أمي وهي مطلقة بالثلاث؛ لأنه لا يريدها، وعندما حضر إلى أهله وجدهم لم يخطبوا له الفتاة، ولكنه كان مجرد اقتراح، ولكن هذا الشاب في نهاية الأمر اقتنع بهذه الفتاة وأراد أن يخطبها، فهو يسأل: ما هو الحكم فيما صدر منه وهل عليه كفارة في الظهار أم لا؟ وما هو حكم الطلاق بالثلاث التي قالها علماً بأنه عندما قال هاتين الكلمتين لم يعقد له على الفتاة وإنما كان مجرد رأي من أهله؟

    الجواب: أنصح هذا الأخ من هذا التسرع وهذا الحمق، فإن كونه يظاهر منها ويطلقها ثلاثاً قبل أن يعقد له وبمجرد أن يخبر أنها خطبت له يعتبر من التسرع والحمق بمكان، والإنسان العاقل الحازم هو الذي يملك نفسه ولا يتصرف إلا تصرفاً يحمد عاقبته، وكم من إنسان غلبه الطيش والغضب فتصرف تصرفاً يندم له فيما بعد.

    أما ما أوقعه من ظهار أو طلاق على هذه المرأة التي لم يعقد له عليها فإنه ليس بشيء؛ لأن الطلاق لا يقع إلا بعد عقد، لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]؛ ولأن الطلاق لمن أخذ بالساق وهو لم يقم بساقها حتى الآن ولم يعقد عليها؛ ولأن الطلاق حل قيد النكاح ومادام لم يتزوج فليس هناك قيد يحله، أما بالنسبة للظهار فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:3] فأضاف الظهار إلى نسائهم، ومادامت المرأة لم يعقد له عليها فليست من نسائه فلا يلحقها ظهاره، ولكن إذا كان هذا الرجل نوى من الظهار الامتناع من جماعها، فإنه يخرج كفارة يمين إذا عقد له عليها وجامعها وهذا أحوط وأبرأ لذمته، أما الظهار فلا يلزمه لأنها ليست من نسائه كما سبق، بل تلزمه كفارة يمين مادام حلف ألا يجامعها، وكفارة اليمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.

    1.   

    ما تفعله الزوجة تجاه زوجها الذي يشرب الخمر ويترك الصلاة

    السؤال: امرأة متزوجة منذ تسع سنين وقد كانت متزوجة من رجل وأنجبت منه طفلاً، وقد حصل بينهم طلاق بسبب سوء سلوكه الديني، فهو مدمن على شرب الخمر، تارك للصلاة، مستهين بالقرآن وأهله، وبعد طلاقها تزوجت من رجل آخر وبقي طفلها مع أبيه ولم تستطع البعد عن طفلها، فلم يدم زواجها الثاني كثيراً بل طلقها الآخر تقديراً لظروفها، وما إن سمع زوجها الأول بذلك حتى أخذ يتردد على دارهم بطفله ويعرض لهم رغبته في استردادها، وكان أهلها يمانعون من عودتها لما يعلمون من سوء سلوكه، ولكن والدها اشترط عليه أن يقلع عن شرب الخمر وأن يستقيم في كل أمور دينه ووعده بذلك، وهي أيضاً وافقت طمعاً في بقائها بجانب طفلها، وفعلاً عادت إليه ولكن طبائعه لم تتغير، بل ازداد سوءاً وأصبح يجمع من حوله قرناءه ويناديهم إلى منزله، ويمارسون كل أنواع الشر والفسوق من شرب ورقص وغير ذلك حتى مع نسائهم، وكان دائماً يكلفها بعمل الأكل والشراب لهم حتى أصبح منزلها وكأنه دار ضيافة، مع قلة دخله مما جعل الديون تتراكم عليه وجعلها تهمل نفسها وأطفالها، وتشتغل لخدمة الضيوف جلساء السوء، وكثيراً ما يردد كلمة الطلاق عليها إذا رفضت فعل شيء وربما يحلف ولا يبالي، وهذا قليل من كثير مما يفعله ويمارسه مع جلسائه، فما هي نصيحتكم لي مع هذا الرجل أن أفعله؟

    الجواب: أولاً: نبدأ بنصيحة هذا الرجل، ونحذره من هذه المعاصي العظيمة بل من الكفر؛ لأنه بتركه للصلاة صار مرتداً كافراً لا تحل له زوجته حتى يتوب إلى الله عز وجل ويقوم بالصلاة، ونريد أن نبين له أن العقوبة والعياذ بالله قد عجلت له بتراكم هذه الديون عليه، وضيق الأمور عليه، ونبين له أنه لو اتقى الله عز وجل لجعل له فرجاً ومخرجاً، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].

    فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وباب التوبة مفتوح، وكل ذنب فإن الله يغفره بالتوبة، لقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    أما بالنسبة لهذه الزوجة فإن والدها أخطأ في تزويجها إياه بمجرد أن وعده بأنه سيتوب، وليس من حقه أن يزوجها إياه حتى يعلم توبته واستقامته، ولهذا وعدهم فأخلفهم ولم يفِ بالوعد، وكم من الوعود التي ماطل بها أصحابها وخالفوها إذا لم يكن عندهم تقوى لله عز وجل، والحل لهذه المشكلة التي وقعت الآن أن يفرق بينه وبين هذه الزوجة؛ لأنها لا تحل له مادام تاركاً للصلاة، وأما أولادها فليس له عليهم حضانة؛ لأن من شرط الحضانة أن يكون الحاضن أميناً على محضونه، ومن كانت هذه حاله فإنه ليس بأمين عليه، فلا يحل أن يبقى أولاده عنده، بل الواجب أن يكونوا عند أمهم تقوم برعايتهم وصيانتهم وما يلزم لهم.

    1.   

    الرضاع من الجدة

    السؤال: توفيت والدتي وعمري لا يتجاوز سبعة أشهر، فتولت جدتي أمر تربيتي وإرضاعي، علماً أن آخر مولود لها عمره سبع سنوات، ولم يكن آنذاك بها لبن ولكن مع استمرار الرضاع توفر بها لبن وأرضعتني إلى أن كبرت، وبعد بلوغي أردت الزواج بإحدى بنات خالتي التي هي بنت لهذه الجدة التي أرضعتني، وقد سألت عن ذلك فأجبت بالجواز، وفعلاً تزوجتها منذ ثلاث سنوات ولكني أشك في صحة هذا الزواج فما الحكم فيه وماذا يجب علي إن لم يكن صحيحاً؟

    الجواب: إذا رضعت من جدتك -كما قلت- هذه المدة الطويلة التي تزيد على خمس مرات فإنك بذلك تكون ولداً لها؛ لأنها أرضعتك، وقد سمى الله تعالى المرضعة أماً، قال تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )، وعلى هذا فتكون أنت أخاً لكل أولاد هذه المرأة من بنين وبنات وهي جدتك، وإذا كان كذلك فإن خالتك تكون أختاً لك وتكون بناتها بنات أختك وأنت خالهن، فلا يحل لك أن تتزوج بهن، وعليك الآن أن تفارق هذه المرأة وأن تبتعد عنها؛ لأن النكاح لم ينعقد.

    مداخلة: كون الجدة كبيرة في السن وقد انقطع لبنها فترة هذا لا يؤثر؟

    الشيخ: نعم لا يؤثر.

    1.   

    حكم إجراء الوصية إذا كانت للابن السفيه

    السؤال: توفيت زوجتي وكانت أوصت بثلث مالها لولدها حين يبلغ سن الرشد، وقد حفظت ذلك الثلث إلى أن بلغ ولدها سن الرشد فدفعته له، ولكنه سيئ التصرف فيه ولا يعمل لتنميته وزيادته، بل يصرف منه حتى يتناقص ودون عملٍ على زيادته، فأنا أسأل أولاً: هل مثل هذه الوصية صحيحة أم لا؟ وهل أترك ولدها يتصرف كيف يشاء في هذا الثلث أم أسترده منه حتى أعلم منه حسن التصرف؟

    الجواب: هذه وصية صحيحة ولكنها قالت في وصيتها: إنه يكون في يدك حتى يبلغ ابنها سن الرشد، ومعنى بلوغ ابنها سن الرشد: أن يكون رشيداً، فلا يحل لك أن تسلمه إليه حتى تعلمه أنه قد صار رشيداً في تصرفه، ومادام الأمر قد وقع فإنه لابد أن تبلغ الأمر إلى المحكمة التي في بلدكم حتى تقوم بما يجب نحو هذا الموضوع.

    1.   

    حكم طلاق الغضبان والطلاق ثلاثاً وحكم الظهار إذا كان من المرأة

    السؤال: امرأة زوجها يبلغ الحادية والستين سنة من العمر وهو مصاب بمرض السكر وهو سريع الغضب، وحينما يغضب لأي سبب فإنه تصدر منه ألفاظ غير لائقة وكثيراً ما يتلفظ بالطلاق حتى لو لم تكن امرأته هي السبب، وقد طلقها مرات كثيرة في مناسبات متعددة، فمنها: ما يكون طلاقه ثلاثاً كقوله: طالق.. طالق.. طالق، وفي حالة أخرى يطلقها على المذاهب الأربعة، إلى غير ذلك، ولكنها لا تخرج من بيته بسبب أولادها وحرصها على البقاء معهم؛ لذلك فهي صابرة على طبعه وغضبه ولكنها ليست معه كما تكون الزوجات فهي تعتبره أجنبياً منها ولا تجالسه، ولا يرى منها غير الوجه ولكنها تسأل: ما حكم بقائها معه على هذه الحالة؟ هل تستمر على ذلك أم تفارقه أم تعامله معاملة الأزواج في كل شيء؟ وطلاقه الذي يصدر منه لا يقع للنظر لسرعة غضبه ومرضه أم ماذا تفعل؟ وهي أيضاً صدر منها في إحدى الحالات الشجار بينهما أن قالت له: أنت مثل ابني وأخي فما حكم مثل هذا القول إذا صدر من الزوجة؟

    الجواب: إذا كان الزوج حين إصداره الطلاق في حالة غضب لا يملك نفسه معها فإن طلاقه لا يقع عليه؛ لأنه لا طلاق في إغلاق، والغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    أحدها: أن يكون في ابتدائه بحيث يعقل الغاضب ما يقول ويملك نفسه، فتصرفه كتصرف غير الغاضب؛ لأنه ليس ثمة مانع من تنفيذه، وإذا طلق في هذه الحال فإن طلاقه يقع.

    الحالة الثانية: أن يكون غضبه شديداً جداً بحيث لا يعي ما يقول ولا يدري ما يقول ولا يدري أهو في البيت أم في السوق، في حال يكون كالمغمى عليه، فهذا لا يقع طلاقه بلا ريب؛ لأنه ليس له فكر وليس له عقل يعي ما يقول حينئذ.

    الحالة الثالثة: أن يكون الغضب متوسطاً بين الحالة الأولى والثانية بحيث يعي ما يقول ويدري ما يقول ولكنه عاجز عن ملك نفسه، فلا يملك نفسه مع هذا الغضب، ففي وقوع طلاقه خلاف بين أهل العلم، والراجح عندي أنه لا يقع طلاقه في هذه الحالة؛ لأنه كالمكره، إذ أن الحالة النفسية الكامنة تلجئه إلجاءً إلى أن يقول هذا الطلاق، ولا سيما أن زوجها كما ذكرت كان معه مرض نفسي، فإذا كان زوجها في هذه الحال فإنه لا يقع طلاقه عليها مهما كرره.

    وأما بالنسبة لما قالته هي له في بعض خصوماتها: إنه كابنها فإن هذا ليس بظاهر والمرأة ليست من أهل الظهار، فلو قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي أو كظهر ابني أو كظهر أخي فليس هذا بظهار، ولا يلزمها فيه كفارة ظهار أيضاً؛ ولأن كفارة الظهار إنما تلزم من يقع منه ظهار وهو الزوج، وأما هي فلا يلزمها كفارة الظهار إذا قالت ذلك لزوجها، ولكن عليها كفارة يمين، وهي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تجد ما تطعم أو وجدت لكن لم تجد مساكين فإنها تصوم ثلاثة أيام متتابعة.

    وهاهنا مسألة وردت في سؤالها وهي أنها ذكرت أن زوجها يقول: أنت طالقاً.. طالق.. طالق، وهذا التكرار على هذا الوجه -أعني تكرار الخبر دون الجملة كلها- لا يقع به الثلاث حتى على المشهور من مذهب الإمام أحمد إلا أن ينوي الثلاث بذلك فإن لم ينو الثلاث فإنه لا يقع إلا واحدة، فلو قال الإنسان لزوجته: أنت طالق.. طالق.. طالق ولم ينو الثلاث لم يلزمه إلا واحدة فقط، وبعض الناس قد يجهل حكم هذه المسألة ويظن أن المذهب وقوع الطلاق الثلاث في هذه العبارة، ولم يتبين له الفرق بين تكرار الجملة كلها وتكرار الخبر وحده، فتكرار الخبر وحده لا يتعدد به الطلاق إلا إذا نواه، فإذا قال قائل لزوجته: أنت طالق.. طالق.. طالق وجاء يسأل: هل تطلق زوجتي ثلاثاً؟ نقول له: هل نويت الثلاث فإن قال: نعم صار الطلاق ثلاثاً على المشهور من المذهب، وإن قال: نويت واحدة لم يكن إلا واحدة حتى على المشهور من المذهب، وإن قال: لم أنو شيئاً إنما أطلقت هذا التكرار وليس عندي تلك الساعة نية، قلنا له أيضاً: لا يقع عليك إلا واحدة حتى على المشهور من المذهب، أما على القول الراجح الذي نراه فإنه لا يقع الطلاق الثلاث ولو كرر الجملة كلها، حتى ولو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق؛ لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( كان الطلاق الثلاث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق واحدة، فلما تتابع الناس فيه ألزمهم عمر وقال: أرى الناس قد تتابعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن تكرار الطلاق باللفظ لا يقع متعدداً إلا إذا كان بعد رجعة أو نكاح جديد.

    مداخلة: إذاً: هل نقول لهذه الزوجة أن تعاشر زوجها بشكل عادي؟

    الشيخ: نقول لها أن تعاشر زوجها بشكل عادي إذا كان حاله كما ذكرنا، يعني: في حال غضب لا يستطيع أن يملك نفسه فيها، فإن الطلاق لا يقع منه حينئذ على زوجته فتبقى زوجة له.

    إذاً: الخلاصة أن زوجها إذا كان يغضب حتى لا يملك نفسه في حال غضبه فإنه لا يقع منه طلاق ولا ظهار ولا غيره فتبقى على ما هي عليه عنده، وأما بالنسبة لها فيلزمها كفارة يمين؛ لأنها قالت لزوجها شيئاً من ألفاظ الظهار، ثم إنه يقع في سؤالها أنها قالت: إنني لا أكشف له سوى وجهي، وظاهر هذا أنها تكشف له وجهها في حال تعتقد أنها قد بانت منه وأنها ليست زوجة، ولكني أقول لها ولمن يسمع: إن كشف الوجه محرم إلا للرجال المحارم، فمن ليس بمحرم لها فليس لها أن تكشف له وجهها بل يحرم أن تكشف له وجهها؛ لأن الوجه من أعظم ما يكون سبباً للفتنة من جسم المرأة فهو أعظم فتنة من الرجل الذي قال من قال بجواز كشف الوجه: أنه يجب عليها أن تستر رجلها ويجوز لها أن تكشف وجهها، فيقال: أي فتنة أعظم: أن يرى الإنسان قدم امرأة أو أن يرى وجهها، ولا ريب عند كل عاقل له نظر في النساء أن فتنة النساء في الوجه أعظم بكثير من فتنة الرجل، ولعل الله أن ييسر لنا موقفاً آخر نتكلم فيه عن هذه المسألة المهمة العظيمة التي بدأ بعض الناس يتهاون بها في هذه البلاد التي كانت تتمسك بها تمسكاً يقتضيه الدين وتقتضيه الأخلاق والله الموفق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985635